المحكم في نقط المصاحف

بَاب ذكر احكام نقط الْمظهر من الْحُرُوف
اعْلَم أَن حكم مَا أظهر من الْحُرُوف السواكن عِنْد مقاربها فِي الْمخْرج باخْتلَاف وَعند المتباعد عَنهُ بِإِجْمَاع أَن يَجْعَل على الْحَرْف الْمظهر عَلامَة السّكُون جرة صغرى أَو دارة لَطِيفَة وَيجْعَل على الْحَرْف المتحرك بعده نقطة فَيُؤذن بذلك بالاظهار الَّذِي حَقه أَن يقطع الْحَرْف الاول فِيهِ من الْحَرْف الثَّانِي ويفصل مِنْهُ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {وَلَقَد جَاءَكُم} و {قد سمع الله} و {إِذْ جعلنَا} و {إِذْ زين} و {إِذْ تَبرأ} و {أنبتت سبع} و {كذبت ثَمُود} و {خبت زدناهم} و {حصرت صُدُورهمْ} و {أَو يغلب فَسَوف} و {نخسف بهم} و {هَل تعلم}

(1/77)


وَشبهه من الْمُخْتَلف فِيهِ وَكَذَا {لقد لَقينَا} و {لقد رَآهُ} و {قد نرى} و {قل صدق الله} و {سأتلو} و {هم فِيهَا} و {هم وأزواجهم} وَشبهه من الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/78)


بَاب ذكر احكام نقط المدغم
وَاعْلَم أَن مَا أدغم من الْحُرُوف فِي مثله أَو مقاربة بِإِجْمَاع أَو مَا أدغم فِي مقاربه فَقَط باخْتلَاف فَحكمه أَن يعرى الْحَرْف الاول من المدغم من عَلامَة السّكُون وَأَن يَجْعَل على الْحَرْف الثَّانِي المدغم فِيهِ عَلامَة التَّشْدِيد فَيُؤذن بذلك بِالْإِدْغَامِ الَّذِي بَابه ان يَنْقَلِب لفظ الْحَرْف الاول فِيهِ الى لفظ الْحَرْف الثَّانِي ويرتفع اللِّسَان بهما ارتفاعه وَاحِدَة وَيلْزم موضعا وَاحِدًا
فالمجمع عَلَيْهِ من الادغام نَحْو قَوْله {فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ} و {فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك} و {مَا لم تستطع عَلَيْهِ} و {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} و {قَالَت طَائِفَة} و {هَمت طَائِفَتَانِ} و {فآمنت طَائِفَة} و {أم أردتم} و {راودتن} و {ألم نخلقكم} وَشبهه
والمختلف فِيهِ نَحْو قَوْله اتخذتم و {أَخَذْتُم} و {يعذب من يَشَاء}

(1/79)


و {قد جعل} و {قد سمع} و {إِذْ زاغت} وَشبهه

فصل
فَأَما مَا أجمع عَلَيْهِ أَئِمَّة الْقِرَاءَة من إدغام الطَّاء الساكنة فِي التَّاء وتبقية صَوت الطَّاء مَعَ الادغام لِئَلَّا يخل بِالطَّاءِ وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {لَئِن بسطت} و {أحطت} و {فرطت} وَشبهه فحقيقه نقط ذَلِك ان يَجْعَل على الطَّاء عَلامَة السّكُون وعَلى التَّاء بعْدهَا عَلامَة التَّشْدِيد فَيعلم بعلامة السّكُون ان الطَّاء لم تنْقَلب قلبا خَالِصا وَأَن الاطباق الَّذِي هُوَ صيغتها بَاقٍ على حَاله وببيانه امْتنع الْقلب وَيعلم بعلامة التَّشْدِيد أَن الطَّاء غير مبينَة
وَفِي نقط ذَلِك وَجه آخر وَهُوَ أَن تعرى الطَّاء من عَلامَة السّكُون وتعرى التَّاء من عَلامَة التَّشْدِيد فَيجْعَل فِيهَا نقطة فَيعلم ايضا بتعرية الطَّاء من عَلامَة السّكُون انها مدغمة فِي التَّاء وَيعلم بتعرية التَّاء من عَلامَة التَّشْدِيد أَن الطَّاء لم تنْقَلب الى لَفظهَا انقلابا صَحِيحا لانها لَو انقلبت الى لَفظهَا لذهب صَوتهَا الَّذِي خصت بِهِ دون التَّاء وَلم يبْق لَهُ أثر
وَالْوَجْه الاول أدل على اللَّفْظ وَهُوَ الَّذِي اخْتَار وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/80)


بَاب ذكر أَحْكَام نقط مَا يخفى من المدغم
اعْلَم أَن مَا أدغم من الحرفين المتماثلين فِي اللَّفْظ والمتقاربين فِي الْمخْرج وَكَانَا متحركين وأضعف الصَّوْت بحركة الْحَرْف الاول وَلم يسكن رَأْسا فَإِنَّهُ عِنْد الْقُرَّاء والنحويين مخفى غير مدغم لَان زنة الْحَرَكَة فِي ذَلِك الْحَرْف ثَابِتَة فَهِيَ بذلك تفصل بَين المدغم فِيهِ كَمَا تفصل بَينهمَا الْحَرَكَة التَّامَّة المحققة وَإِذا كَانَت كَذَلِك امْتنع الادغام الصَّحِيح وَالتَّشْدِيد التَّام فِي هَذَا الضَّرْب وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {شهر رَمَضَان} و {من الرزق قل هِيَ} و {يَقُول لَهُ} و {وَالصَّافَّات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} وَمَا أشبه ذَلِك على مَذْهَب ابي عَمْرو فِي إدغام ذَلِك سَوَاء سكن مَا قبله اَوْ تحرّك
فَإِن نقط مصحف على مذْهبه فَفِي احكام نقط ذَلِك وَجْهَان أَحدهمَا أَن يَجْعَل على الْحَرْف الاول حركته نقطة وَيجْعَل على الْحَرْف الثَّانِي عَلامَة التَّشْدِيد فيستدل بذلك على أَن الاول لم يخلص لَهُ السّكُون بِحُصُول تِلْكَ الْحَرَكَة عَلَيْهِ وَلَا خلصت لَهُ الْحَرَكَة بتَشْديد الْحَرْف الَّذِي بعده وَذَلِكَ حَقِيقَة الاخفاء الَّذِي هُوَ حَال بَين حالتين من الْبَيَان والادغام

(1/81)


وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يعرى الْحَرْف الاول من الْحَرَكَة والسكون ويعرى الْحَرْف الَّذِي بعده من التَّشْدِيد فَيجْعَل عَلَيْهِ نقطة لَا غير فَيتَحَقَّق بذلك أَن الاول لم يخلص لَهُ السّكُون إِذْ قد أعري من علامته وَأَنه لم يدغم إدغاما تَاما إِذا قد أعري مَا بعده من التَّشْدِيد
وَغير جَائِز فِي هَذَا الضَّرْب أَن يَجْعَل على الاول عَلامَة السّكُون وعَلى الثَّانِي عَلامَة التَّشْدِيد كَمَا جَازَ ذَلِك فِي المدغم الَّذِي يبْقى مَعَه صَوته الْمركب فِيهِ من الغنة أَو الاطباق لَان الْحَرْف الاول هَا هُنَا متحرك فِي الْحَقِيقَة وَإِن لم يتم الصَّوْت وَلَا أشْبع اللَّفْظ بحركته لما ذَكرْنَاهُ من فَصله فِي ذَلِك الْحَال بَين المدغم والمدغم فِيهِ والحرف الاول هُنَاكَ سَاكن مَحْض فَجَاز جعل عَلامَة السّكُون فِيهِ كَذَلِك
فَأَما قَوْله فِي سُورَة يُوسُف {مَا لَك لَا تأمنا} فَإِنَّهُ جَاءَ مرسوما فِي جَمِيع الْمَصَاحِف بنُون وَاحِدَة على لفظ الادغام الصَّحِيح وَأجْمع ائمة الْقُرَّاء على الاشارة الى النُّون الاولى المدغمة فِي الثَّانِيَة وَاخْتلف اهل الاداء وعلماء الْعَرَبيَّة فِي كَيْفيَّة تِلْكَ الاشارة فَقَالَ بَعضهم هى الاشارة بالعضو وَهُوَ الشفتان الى ضمة النُّون الَّتِي كَانَت لَهَا فِي الاصل قبل الادغام وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ الاكثر هِيَ الاشارة بالحركة الى النُّون لتأكيد دلَالَة ذَلِك على أصل الْكَلِمَة
فالاولون يجْعَلُونَ النُّون الاولى مدغمة فِي النُّون الثَّانِيَة إدغاما تَاما لَان الاشارة بالشفتين لَيست بِصَوْت خَارج الى اللَّفْظ وَإِنَّمَا هِيَ تهيئة الْعُضْو للدلالة على كَيْفيَّة الْحَرَكَة لَا غير والاخرون يجْعَلُونَ النُّون الاولى مخفاة غير مدغمة

(1/82)


لَان الاشارة بالحركة هِيَ تضغيف الصَّوْت بهَا وَقد قُلْنَا إِن مَا ضعف الصَّوْت بحركته فالادغام التَّام يبطل مَعَه من حَيْثُ كَانَ بِمَنْزِلَة المتحرك
فَإِن نقط ذَلِك على مَذْهَب من جعله إدغاما صَحِيحا جعل على النُّون السَّوْدَاء عَلامَة التَّشْدِيد وَجعل قبلهَا نقطة عَلامَة للاشارة الَّتِي هِيَ الاشمام وَيجوز أَن تجْعَل تِلْكَ النقطة الدَّالَّة عَلَيْهِ بعد النُّون لَان من عُلَمَاء الْعَرَبيَّة من يَقُول إِن الْعُضْو يهيأ للإشمام بعد إخلاص السّكُون للنون الاولى وَقبل حُصُول إدغامها وَمِنْهُم من يَقُول إِنَّه يهيأ لَهَا بعد الْفَرَاغ من الادغام وَصُورَة نقط ذَلِك على الْوَجْهَيْنِ {تأمنا} {تأمنا} وَإِذا جعلت النقطة قبل النُّون جعل قبلهَا بعد الْمِيم عَلامَة السّكُون جرة ليدل بذلك على أَن الاشمام بعد خلوص السّكُون وَإِن لم يَجْعَل لَهُ عَلامَة فَحسن وَلَا يجوز أَن تلْحق النُّون المدغمة بالحمرة بعد الْمِيم على مَذْهَب هَؤُلَاءِ لانها تذْهب فِي قَوْلهم بالادغام رَأْسا
وَإِن نقط ذَلِك على مَذْهَب من جعله إخفاء فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تلْحق نون بالحمرة بَين الْمِيم وَالنُّون السَّوْدَاء وَهِي النُّون الَّتِي هِيَ آخر الْفِعْل المعلة بالاخفاء لانها كالظاهرة لكَون حركتها فِي زنة المحققة وَتجْعَل أمامها نقطة وَتجْعَل على النُّون السَّوْدَاء عَلامَة التَّشْدِيد وَالثَّانِي أَلا تلْحق النُّون وَتجْعَل النقطة فِي موضعهَا وتشدد النُّون السَّوْدَاء فيستدل بِالْوَجْهَيْنِ على الاخفاء الَّذِي حكمه أَن يضعف الصَّوْت بحركته وَلَا يمقط فَيمْتَنع الْحَرْف الاول من الحرفين بذلك من أَن يَنْقَلِب الى لفظ الثَّانِي وَصُورَة نقط ذَلِك على الْوَجْهَيْنِ كَمَا ترى {تأمنا} {تأمنا}
وَالْقَوْل بالاخفاء فِي ذَلِك أوجه وَعَلِيهِ أَكثر الْعلمَاء وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/83)