المحكم في نقط المصاحف

بَاب ذكر أَحْكَام الصلات لألفات الْوَصْل
اعْلَم ان مَا قبل ألف الْوَصْل يَتَحَرَّك بالحركات الثَّلَاث بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَالضَّم فَإِذا وصل السَّاكِن الَّذِي بعْدهَا بِهن سَقَطت من اللَّفْظ لأجلهن فَإِذا تحرّك مَا قبلهَا بِالْفَتْح جعل على رَأسهَا جرة لَطِيفَة دلَالَة على انفتاح مَا قبلهَا وعَلى سُقُوطهَا من اللَّفْظ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {تَتَّقُون الَّذِي} و {فَاسِقُونَ اعلموا} و {هَارُون اخلفني} و {من الله} وَشبهه وَإِن تحرّك بِالْكَسْرِ جعلت الجرة تحتهَا دلَالَة على انكسار مَا قبلهَا وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم} و {فَإِن اسْتَطَعْت} و {للْإنْسَان اكفر} وَشبهه وَإِن تحرّك بِالضَّمِّ جعلت الجرة فِي وَسطهَا دلَالَة على انضمام مَا قبلهَا وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {اشْتَروا الضَّلَالَة} و {نستعين اهدنا} و {على أَلا تعدلوا اعدلوا} و {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا} وَشبهه وَسَوَاء كَانَت الحركات الثَّلَاث لَوَازِم أَو عوارض

(1/84)


فَإِن لحقهن تَنْوِين جعلت علامته مَعَ الْحَرَكَة نقطتين فَوق الْحَرْف فِي حَال النصب وَتَحْته فِي حَال الْخَفْض وامامه فِي حَال الرّفْع وَجعلت الجرة ابدا مَعَ ذَلِك تَحت ألف الْوَصْل لَان التَّنْوِين يكسر فِي ذَلِك لاجل سكونه وَسُكُون مَا بعد الالف وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {رحِيما النَّبِي} و {حسيبا الله} و {مريب الَّذِي} و {بِغُلَام اسْمه} {حَكِيم الطَّلَاق} و {حَكِيم انفروا} وَشبهه
وَهَذَا مَا لم يَأْتِ بعد السَّاكِن الَّذِي اجتلبت همزَة الْوَصْل للابتداء بِهِ ضمة لَازِمَة فَإِن اتت بعده فالقراء مُخْتَلفُونَ فِي تَحْرِيك التَّنْوِين قبل السَّاكِن فِي ذَلِك فَمنهمْ من يكسرهُ للساكنين كَسَائِر مَا تقدم وَمِنْهُم من يضمه اتبَاعا للضمة الَّتِي بعد السَّاكِن وَدلَالَة على ان الف الْوَصْل الفاصلة بَينهمَا فِي الْخط تبتدأ بِالضَّمِّ لَا غير وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {فتيلا انْظُر} و {مُبين اقْتُلُوا} و {عُيُون ادخلوها} وَشبهه فعلى مَذْهَب من كسر تجْعَل الجرة تَحت الالف كَمَا تقدم وعَلى مَذْهَب من ضم تجْعَل فِي وَسطهَا ليدل بذلك على المذهبين من الْكسر وَالضَّم
واهل النقط يسمون هَذِه الجرة صلَة لَان الْكَلَام الَّذِي قبل الالف الَّتِي هِيَ علامته يُوصل بِالَّذِي بعده فيتصلان وَتذهب هِيَ من اللَّفْظ بذلك

(1/85)


وَإِنَّمَا جعلهَا نقاط اهل بلدنا قَدِيما وحديثا جرة كالجرة الَّتِي هِيَ عَلامَة السّكُون من حَيْثُ اجْتمعت الف الْوَصْل مَعَ السَّاكِن فِي عدم الْحَرَكَة فِي حَال الْوَصْل والنقط كَمَا قدمنَا مَبْنِيّ عَلَيْهِ فَلذَلِك جمعُوا بَينهمَا فِي الْعَلامَة وَلَو جعل علامتها دارة صغرى لَكَانَ حسنا وَذَلِكَ من حَيْثُ كَانَت الدارة عِنْد اهل الْمَدِينَة ونقاطهم عَلامَة للسكون وللحرف السَّاقِط من اللَّفْظ وَهَذَا من الاشياء اللطيفة الَّتِي تعزب حقائقها عَن الفهماء فضلا عَن الأغبياء
فَأَما أهل الْمشرق فَإِنَّهُم يخالفون اهل الْمغرب فِي ذَلِك فيجعلون صلَة الف الْوَصْل فِي الْكسر على راس الالف ابدا وَلَا يعتبرون مَا قبلهَا وَلَا مَا بعْدهَا من الحركات مَعَ التَّنْوِين وَغَيره وَلَا يجعلونها جرة بل يجعلونها دَالا مَقْلُوبَة كَالَّتِي يحلق بهَا على الْكَلَام الزَّائِد فِي الْكتب دلَالَة على سُقُوطه وزيادته وَقد يجر ايضا عَلَيْهِ فتقتضي الجرة الَّتِي يستعملها اهل بلدنا الْمَعْنى الَّذِي اقتضته الدَّال المقلوبة من الزِّيَادَة والسقوط
وَمذهب اهل بلدنا اوجه لما فِيهِ مَعَ ذَلِك من الْبَيَان عَن كَيْفيَّة الحركات وَحَال التَّنْوِين قبلهَا فِي حَال الْوَصْل
وَقد جرى اسْتِعْمَال نقاط بلدنا على الدّلَالَة على كَيْفيَّة الِابْتِدَاء بِهَمْزَة الْوَصْل لاضطرار القارىء الى معرفَة ذَلِك اذا هُوَ قطع على الْكَلِمَة الَّتِي قبلهَا فيجعلون فَوق الالف نقطة بالخضراء اَوْ باللازورد فرقا بَين حركتها الَّتِي لَا تُوجد الا فِي حَال الِابْتِدَاء فَقَط وَبَين حركات الهمزات وَسَائِر الْحُرُوف اللائي يثبتن فِي الْحَالين من الْوَصْل والابتداء ويجعلن نقطا بالحمرة وَذَلِكَ اذا ابتدئت بِالْفَتْح فَإِن ابتدئت بِالْكَسْرِ جعلُوا تِلْكَ النقطة تَحت الالف وان ابتدئت بِالضَّمِّ جعلوها امامها

(1/86)


ونقاط اهل الْمشرق لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك
ورايت فِي مصحف كتبه ونقطه حَكِيم بن عمرَان الناقط ناقط اهل الاندلس فِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ الحركات نقطا بالحمرة والهمزات بالصفرة والفات الْوَصْل المبتدا بِهن بالخضرة والصلات والسكون وَالتَّشْدِيد بقلم دَقِيق بالحمرة على نَحْو مَا حكيناه عَن نقاط اهل بلدنا والصلة فَوق الالف اذا انْفَتح مَا قبلهَا وتحتها اذا انْكَسَرَ مَا قبلهَا وَفِي وَسطهَا اذا انْضَمَّ مَا قبلهَا والالفات المحذوفات من الرَّسْم اختصارا مثبتات بالحمرة وعَلى الْحُرُوف الزَّوَائِد والحروف المخففة نَحْو {إِنَّا} و {لأوضعوا} و {أَفَإِن مت} و {أُولَئِكَ} و {أم من هُوَ قَانِت} وَشبهه دارة صغرى بالحمرة على مَا روينَاهُ عَن اهل الْمَدِينَة وَمَا جرى عَلَيْهِ اسْتِعْمَال اهل بلدنا
وَوصل الي مصحف جَامع عَتيق كتب فِي اول خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك سنة عشر وَمِائَة كَانَ تَارِيخه فِي آخِره كتبه مُغيرَة بن مينا فِي رَجَب سنة مائَة وَعشر وَفِيه الحركات والهمزات والتنوين وَالتَّشْدِيد نقط بالحمرة على مارويناه عَن السالفين من نقاط أهل الْمشرق

فصل
وَإِن نقط مصحف على قِرَاءَة نَافِع من رِوَايَة ورش عَنهُ جعل على السَّاكِن

(1/87)


الَّذِي يلقى عَلَيْهِ حَرَكَة الْهمزَة المبتدأة تقطة بالحمراء فَإِن كَانَت تِلْكَ الْحَرَكَة فَتْحة جعلت النقطة فَوق الْحَرْف السَّاكِن لانه متحرك بهَا وَإِن كَانَت كسرة جعلت النقطة تَحْتَهُ وَإِن كَانَت ضمة جعلت النقطة امامه وَجعل فِي مَوضِع الْهمزَة جرة عَلامَة لسقوطها من اللَّفْظ كسقوط همزَة الْوَصْل مِنْهُ فَإِن كَانَت الْهمزَة مَفْتُوحَة جعلت الجرة فِي أَعلَى الالف الَّتِي هِيَ صورتهَا وَإِن كَانَت مَكْسُورَة جعلت الجرة تحتهَا وَإِن كَانَت مَضْمُومَة جعلت الجرة فِي وَسطهَا دلَالَة على كَيْفيَّة حركتها المنقولة الى الْحَرْف السَّاكِن قبلهَا وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {هَل أَتَاك} و {قد أَفْلح} و {من أَتَى الله} و {قل تَعَالَوْا أتل} و {من إِلَه} و {من إستبرق} و {اذكر إِسْمَاعِيل} و {إِذا خلوا إِلَى} و {قَالَت أولاهم} و {قَالَت أخراهم} و {فَمن أُوتِيَ} و {ذواتي أكل} و {من أولئكم} وَشبهه
فَإِن كَانَ بعد الْهمزَة الْمَنْقُول حركتها الى السَّاكِن الف سَوَاء كَانَت مبدلة من همزَة اَوْ غير مبدلة وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {من آمن} و {لقد آتيناك}

(1/88)


و {نبأ ابْني آدم} و {كل أَتَوْهُ} وَشبهه جعلت الصِّلَة فِي مَوضِع الْهمزَة عَن يَمِين الالف وَبَعض اهل بلدنا يَجْعَل على رَأس الالف عَلامَة السّكُون ليدل بذلك على ان بعد الْهمزَة الْمَنْقُول حركتها الى السَّاكِن الف بِخِلَاف مَا تقدم من النَّوْع الَّذِي لَا الف بعد الْهمزَة فِيهِ وَذَلِكَ حسن وَإِن أعريت الالف المصورة من ذَلِك فَحسن ايضا لَان فِي وُقُوع الصِّلَة الَّتِي هِيَ دَلِيل الْهمزَة قبل الالف دَلِيل على ذَلِك وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/89)


بَاب ذكر احكام نقط الْهمزَة المفردة اللينة
اعْلَم أَن الْهمزَة المفردة الَّتِي تقع حَشْوًا فِي الْكَلِمَة وَيخْتَلف فِي تحقيقها وتليينها ترد على ثَلَاثَة اضْرِب فالاول مِنْهَا أَن تتحرك وَمَا قبلهَا بِالْفَتْح وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {هَا أَنْتُم} و {أَرَأَيْت} و {أَرَأَيْتُم} و {أَفَرَأَيْت} و {أَفَرَأَيْتُم} و {كَأَنَّهُمْ} و {أفأنت} و {إِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت} وَشبهه مِمَّا ورد الِاخْتِلَاف فِيهِ عَن ائمة الْقِرَاءَة عل نَحْو مَا ذكر فِي كتاب الْحُرُوف وَالضَّرْب الثَّانِي أَن تتحرك بِالْفَتْح وَمَا قبلهَا بِالْكَسْرِ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {لَيْلًا} و {بِأَنَّهُ} و {بِأَنَّهُم} و {بِأَن الله} و {خاسئا} و {بالخاطئة} و {رئاء النَّاس} وَشبهه مِمَّا يخْتَلف فِيهِ وَالضَّرْب الثَّالِث أَن تتحرك بِالْفَتْح وَمَا قبلهَا بِالضَّمِّ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {فليؤد}

(1/90)


و {يؤده} و {مُؤذن} و {مُؤَجّلا} و {الْمُؤَلّفَة} وَشبهه مِمَّا اخْتلف فِيهِ
فَإِذا نقط ذَلِك كُله على مَذْهَب من لين الْهمزَة المتوسطة من فِي الْقُرَّاء جعل فِي مَوضِع الَّتِي صورتهَا الف لانفتاح مَا قبلهَا نقطة بالحمراء على رَأس الالف وَفِي مَوضِع الَّتِي صورتهَا يَاء لانكسار مَا قبلهَا نقطة بالحمراء على رَأس الْيَاء وَفِي مَوضِع الَّتِي صورتهَا وَاو لانضمام مَا قبلهَا نقطة بالحمراء على رَأس الْوَاو فَيدل بذلك على تليينها وتسهيلها ويتحقق ايضا بِإِثْبَات الْحَرَكَة وَإِسْقَاط النبرة أَنَّهَا فِي زنة المتحركة
فَأَما قَوْله {إِلَى} حَيْثُ وَقع على قِرَاءَة من لين الْهمزَة فَفِي نقط الْيَاء الَّتِي هِيَ خلف من الْهمزَة وَجْهَان إِن شَاءَ الناقط جعل تحتهَا نقطة بالحمراء وَجعل فَوْقهَا دارة عَلامَة لتخفيفها وَدلَالَة على انها همزَة ملينة وَإِن شَاءَ أعراها من النقطة إِذْ كسرهَا لَيْسَ بخالص وَجعل الدارة وَحدهَا عَلَيْهَا

(1/91)


فَإِن قَالَ قَائِل من أَيْن جعلت عَلامَة تليين الْهمزَة فِيمَا تقدم نقطة لَا غير وتليينها يخْتَلف فِي ذَلِك من حَيْثُ كَانَت المفتوح مَا قبلهَا مجعولة فِي التليين بَين بَين وَكَانَت المكسور مَا قبلهَا والمضموم مَا قبلهَا مبدلتين فِيهِ حرفا صَحِيحا يَاء أَو واوا قلت جعلت ذَلِك من حَيْثُ عدل بالمجعولة بَين بَين والمبدلة حرفا خَالِصا عَن حَال التَّحْقِيق طلبا للخفة وتسهيل اللَّفْظ وحصلتا مَعًا فِي حَال التَّخْفِيف وَإِن اخْتلف حكمهمَا فِيهِ فقد جَمعهمَا الْخُرُوج عَن الاصل الَّذِي هُوَ التَّحْقِيق الى الْفَرْع الَّذِي هُوَ التَّخْفِيف فَلذَلِك سوي بَين علامتيهما دلَالَة على ذَلِك وإشعارا بِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/92)