المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ

المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد أحمد الله ذي العز الرفيع الشامخ والصلاة على رسوله محمد ذي القدر المنيع الباذخ فهذا حاصل التحقيق في علم الناسخ والمنسوخ وقد بالغت في اختصار1 لفظه لأحث الراغب على حفظه فالتفت أيها الطالب لهذا العلم إليه وأعرض عن جنسه تعويلا عليه ففيه كفاية فإن آثرت زيادة بسط أو اخترت الاستظهار لقوة احتجاج أو ملت إلى إسناد فعليك بالكتاب الذي اختصر هذا منه وهو كتاب عمدة الراسخ2 والله الموفق.

باب ذكر فصول تكون كالمقدمة لهذا الكتاب:
فصل: أنكرت اليهود جواز النسخ وقالوا هو البداء3. والفرق بينهما
__________
1 ب: تخصير.
2 ينظر مؤلفات ابن الجوزي 124.
3 ضبطها أبو الفضل إبراهيم في البرهان 2/30 مرتين بالضم وهو خطأ ظاهر والصواب فتح =

(1/11)


أن النسخ رفع عبادة قد علم الأمر بها من القرآن للتكليف بها غاية ينتهي إليها ثم يرتفع الإيجاب والبداء هو الانتقال عن المأمور به بأمر حادث لا بعلم سابق ولا يمتنع جواز النسخ عقلا لوجهين أحدهما أن للآمر أن يأمر بما شاء والثاني أن النفس إذا مرنت على أمر ألفته فإذا نقلت عنه إلى غيره شق عليها لمكان الاعتياد المألوف فظهر منها بالإذعان والانقياد لطاعة1 الآمر وقد وقع النسخ شرعا لأنه قد ثبت مِنْ دِينِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَوْلادِهِ جَوَازُ نِكَاحِ الأَخَوَاتِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْعَمَلِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي شريعة موسى عليه السلام2.
فصل: والنسخ إنما يقع في الأمر والنهي دون الخبر المحض والاستثناء ليس بنسخ ولا التخصيص وأجاز بعض من لا يعتد بخلافه وقوع النسخ في الخبر المحض وسمى3 الاستثناء والتخصيص نسخا والفقهاء على خلافه4.
فصل: وشروط النسخ خمسة أحدهما أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُتَنَاقِضًا5 فلا يمكن العمل بهما والثاني أن يكون حكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ والثالث أن يكون حكم المنسوخ
__________
= الباء في الصحاح واللسان والتاج "با" وينظر الفرق بين النسخ والبداء فس النحاس 9 والمغني في أبواب العدل والتوحيد 16/65. والملل والنحل 2/16 والنسخ في القرآن الكريم 22 وفتح المنان 50. وينظر معني النسخ في نزهة القلوب 198 ومقاييس اللغة 5/424 واللسان "نسخ".
1 ب: إلي الطاعة.
2 يلاحظ أن ابن الجوزي نقل هذا الفصل والذي يليه من كتاب الناسخ والمنسوخ لابن حزم 365 - 366. وينظر الإحكام في أصول الأحكام 445 - 448.
3 في إ وب: يسمي. وما أثبتناه من ابن حزم 366.
4 ينظر افحكام 444.
5 ب: وشروط النسخ خمسة تبائن حكم الناسخ والمنسوخ فلا ...

(1/12)


ثابتا بالشرع لا بالعادة والعرف فإنه إذا ثبت بالعادة لَمْ يَكُنْ رَافِعُهُ نَاسِخًا بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ شرع آخر والرابع كون حكم الناسخ مشروعا بطريق النقل كثبوت المنسوخ فأما ما ليس مشروعا بِطَرِيقِ النَّقْلِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمَنْقُولِ وَلِهَذَا إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ مَنْقُولٍ لَمْ يجز نسخه بإجماع ولا بقياس والخامس كون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق ثبوت المنسوخ أو أقوى منه ولهذا نقول لا يجوز نسخ القرآن بالسنة1.
فصل في فضل هذا العلم:
روى أبو عبد الرحمن السملي2 أن عليا رضي الله عنه مر بقاض فَقَالَ أَتَعْرِفُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ لا قَالَ3 هلكت وأهلكت وفي لفظ أنه قال من أنت قال أنا أبو يحيى قال بل أنت أبو أعرفوني4.
فصل: والمنسوخ في القرآن أضرب أحدها ما نسخ رسمه وحكمه وقد كان جماعة من الصحابة يحفظون سورا وآيات فشذت عنهم فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنها رفعت الثاني ما نسخ رسمه وبقي حكمه كآية الرجم الثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ رَسْمُهُ وَلَهُ وضعنا هذا الكتاب.
__________
1 ينظر تفضيل ذلك في أحكام القرآن للجصاص 1/72 - 96 ومقالات الإسلاميين 2/251 والأحكام 477.
2 هو عبد الله بن حبيب الضرير مقرئ الكوفة توفي سنة 74هـ. "المعارف 528، معرفة القراء الكبار 45، نكت الهميان 178، غاية النهاية 1/413".
3 ساقط من ب.
4 أ: عرفوني. وينظر النحاس 5.

(1/13)