المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ سورة النساء
ألأولى3: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
4 روى عطاء الخراساني5 عن ابن عباس قال نسخها {إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} 6 وهذا يقتضي قول
ابي حنيفة7 لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ
لِلْوَصِيِّ الأخذ من مال اليتيم بحال8.
الثانية: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} 9 ذهب
جماعة إلى إحكامها ثم اختلفوا في الأمر فأكثرهم على الاستحباب
وهو الصحيح وبعضهم على الوجوب وقال آخرون نسختها آية
الميراث10.
__________
1 في النسختين: الحق. وما أثبتناه من نواسخ القرآن "النسخ
615".
2 ينظر النحاس 88 وحقائق التأويل في متشابه التنزيل 202 وفتح
المنان 289.
3 يقتضيها السياق.
4 آية 8.
5 عطاء بن أبي رباح كان من أجلاء الفقهاء وتابعي مكة وزهادها.
توفي سنة 115هـ. "حلية الأولياء 3/261، صفة الصفوة 2/119،
ميزان الإعتدال 3/70".
6 النساء 10. وفي ب: أموال الناس.
7 النعمان بن ثابت أحد الأئمة الأربعة. توفي سنة 150هـ "تأريخ
بغداد 13/323، الجواهر المضية 1/26، وفيات الأعيان 5/405،
النجوم الزاهرة 2/12".
8 ينظر النحاس 92.
9 آية 8.
10 هي الآية 11 من سورة النساء كما مر.
(1/23)
الثالثة والرابعة: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} 1 وقوله {وَالَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 2 فالأولى دلت على أن حد الزانية في
ابتداء الْإِسْلامِ الْحَبْسَ إِلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لَهَا سَبِيلا وَهُوَ عَامٌّ فِي الْبِكْرِ
والثيب والثانية أفضت أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ الأَذَى
فَظَهَرَ مِنَ الآيَتَيْنِ أَنَّ حَدَّ الْمَرْأَةِ كَانَ
الْحَبْسَ وَالأَذَى جَمِيعًا وحد الرجل كان الأذى فقط ونسخ
الحكمان بقوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي3 فَاجْلِدُوا كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 4.
الخامسة: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} 5 كان الرجل في
الجاهلية يعاقد الرجل على أن يتوارثا ويتناصرا ويتعاقلا6 في
الجناية فجاءت هذه الآية فقررت ذلك ثم نسخت بالمواريث وهذا قول
عامة العلماء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ
بِمَنْسُوخٍ إلا أنه جعل ذوي الأرحام أولى من المعاقدة فإذا
فقد ذوو الأرحام فالعاقد أحق من بيت المال7.
السادسة: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 8
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ الآيَةُ اقْتَضَتْ إِبَاحَةَ
السُّكْرِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ
بقوله9 {فَاجْتَنِبُوهُ} 10.
__________
1 آية 15.
2 آية 16.
3 في النسختين الزان. وما أثبتناه من المصحف الشريف.
4 النور 2. وينظر النحاس 96.
5 آية 33.
6 في ب: ويتعاقدا.
7 ينظر النحاس 105 وتفسير القرطبي 5/165.
8 آية 43.
9 ساقطة من ب.
10 الآية 90 من المائدة. وينظر النحاس 107 والكشاف 107 1/514.
وقال الرضي في حقائق التأويل 345: "فالصحيح أن هذه منسوخة
بقوله تعالي: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} وبقوله تعالي
"البقرة 219": {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} .
(1/24)
السابعة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ}
1 قال المفسرون فيه تقديم وتأخير تقديره فعظمهم فإن امتنعوا من
الإجابة فأعرض عنهم وهذا قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ ثُمَّ
نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ2.
الثامنة: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ
حَفِيظاً} 3 زعم قوم انها نسخت بآية السيف4 وليس بصحيح لأن ابن
عباس قال في تفسيرها ما أرسلناك عليهم رقيبا تؤخذ بهم فعلى هذا
لا نسخ.
التاسعة: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 5
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَى الْكَلامِ أَعْرِضْ عَنْ
عُقُوبَتِهِمْ ثم نسخ هذا الإعراض بآية السيف6.
العاشرة: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ7 إِلَى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} 8 المراد يصلون9 يدخلون في
عهد قوم بينكم وبينهم ميثاق كدخول خزاعه في عهد رسول الله ثم
نسخ ذلك بآية السيف10.
__________
1 آية 63.
2 ينظر ابن حزم 392 وابن سلامة 27.
3 آية 80.
4 وإليه ذهب ابن حزم 392 وابن سلامة 27.
5 آية 81.
6 ينظرابن حزم 392.
7 أ: إلا أن يصلون. ب: ألا أن يصلو. وما أثبتناه من المصحق
الشرف.
8 آية 90.
9 أ: يتوصلون.
10 ينظر ابن سلامة 38.
(1/25)
الحادية عشرة: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 1 ذهب الأكثرون إلى أنها منسوخة بقوله
{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2 وقال قوم هي
محكمة ولهم في طريق إحكامها قولان أحدهما أن قاتل المؤمن مخلد
في النار وأكدها هنا3 بأنها خبر والثاني أَنَّهَا عَامَّةٌ
دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قتله كافر ثم
أسلم سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةُ فَإِذَا4 ثَبَتَ كَوْنُهَا مِنَ الْعَامِّ5
الْمُخَصَّصِ فَأَيُّ دَلِيلٍ صَلُحَ لِلتَّخْصِيصِ وَجَبَ
الْعَمَلُ بِهِ وَمِنْ أَسْبَابِ التخصيص6 أن يكون قتله7
مستحلا لأجل إيمانه فاستحق التخليد لاستحلاله وذهب قَوْمٌ
إِلَى أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لم يتب وقيل فجزاؤه
جهنم إن جازاه وفيه بعد لقوله {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ} 8. |