المفردات في غريب القرآن كتاب السّين
سبب
السَّبَبُ: الحبل الذي يصعد به النّخل، وجمعه أَسْبَابٌ، قال:
فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ [ص/ 10] ، والإشارة بالمعنى
إلى نحو قوله:
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ
مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [الطور/ 38] ، وسمّي كلّ ما
يتوصّل به إلى شيء سَبَباً، قال تعالى: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً [الكهف/ 84- 85] ، ومعناه:
أنّ الله تعالى آتاه من كلّ شيء معرفة، وذريعة يتوصّل بها،
فأتبع واحدا من تلك الأسباب، وعلى ذلك قوله تعالى: لَعَلِّي
أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ [غافر/ 36- 37] ،
أي: لعلّي أعرف الذرائع والأسباب الحادثة في السماء، فأتوصّل
بها إلى معرفة ما يدعيه موسى، وسمّي العمامة والخمار والثوب
الطويل سَبَباً «1» ، تشبيها بالحبل في الطّول. وكذا منهج
الطريق وصف بالسّبب، كتشبيهه بالخيط مرّة، وبالثوب الممدود
مرّة. والسَّبُّ: الشّتم الوجيع، قال: وَلا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ
عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
[الأنعام/ 108] ، وسَبَّهُمْ لله ليس على أنهم يَسُبُّونَهُ
صريحا، ولكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به، ويتمادون
في ذلك بالمجادلة، فيزدادون في ذكره بما تنزّه تعالى عنه. وقول
الشاعر:
220-
فما كان ذنب بني مالك ... بأن سبّ منهم غلاما فسبّ
221-
بأبيض ذي شطب قاطع ... يقطّ العظام ويبري العصب
«2» فإنه نبّه على ما قال الآخر:
__________
(1) في اللسان: السب: الخمار والعمامة، وشقّة كتّان رقيقة.
اللسان (سبب) .
(2) البيتان لذي الخرق الطهوي.
وهما في أمالي القالي 3/ 54، واللسان (سبب) ، والجمهرة 1/ 30،
والأول في المجمل 2/ 456، وغريب الحديث للخطابي 2/ 430. وانظر
خبر الأبيات في الأمالي. [.....]
(1/391)
222-
ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم
«1» والسِّبُّ: الْمُسَابِبُ، قال الشاعر:
223-
لا تسبّنّني فلست بسبّي ... إنّ سبّي من الرّجال الكريم «2»
والسُّبَّةُ: ما يسبّ، وكنّي بها عن الدّبر، وتسميته بذلك
كتسميته بالسّوأة. والسَّبَّابَةُ سمّيت للإشارة بها عند
السّبّ، وتسميتها بذلك كتسميتها بالمسبّحة، لتحريكها بالتسبيح.
سبت
أصل السَّبْتُ: القطع، ومنه سبت السّير:
قطعه، وسَبَتَ شعره: حلقه، وأنفه: اصطلمه، وقيل: سمّي يوم
السَّبْت، لأنّ الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم
الأحد، فخلقها في ستّة أيّام كما ذكره، فقطع عمله يوم السّبت
فسمّي بذلك، وسَبَتَ فلان: صار في السّبت وقوله: يَوْمَ
سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف/ 163] ، قيل: يوم قطعهم للعمل،
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ
[الأعراف/ 163] ، قيل: معناه لا يقطعون العمل، وقيل: يوم لا
يكونون في السّبت، وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة، وقوله:
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ [النحل/ 124] ، أي: ترك العمل فيه،
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً
[النبأ/ 9] ، أي: قطعا للعمل، وذلك إشارة إلى ما قال في صفة
اللّيل: لِتَسْكُنُوا فِيهِ [يونس/ 67] .
سبح
السَّبْحُ: المرّ السّريع في الماء، وفي الهواء، يقال: سَبَحَ
سَبْحاً وسِبَاحَةً، واستعير لمرّ النجوم في الفلك نحو:
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
[الأنبياء/ 33] ، ولجري الفرس نحو:
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً
[النازعات/ 3] ، ولسرعة الذّهاب في العمل نحو: إِنَّ لَكَ فِي
النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا
[المزمل/ 7] ، والتَّسْبِيحُ: تنزيه الله تعالى. وأصله: المرّ
السّريع في عبادة الله تعالى، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل
الإبعاد في الشّرّ، فقيل: أبعده الله، وجعل التَّسْبِيحُ عامّا
في العبادات قولا كان، أو فعلا، أو نيّة، قال: فَلَوْلا
أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ
[الصافات/ 143] ، قيل: من المصلّين «3» ، والأولى أن يحمل على
ثلاثتها، قال: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
[البقرة/ 30] ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ
[غافر/ 55] ، فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ
__________
(1) هذا عجز بيت وشطره:
وتجهل أيدينا ويحلم رأينا
وهو في الصناعتين ص 60، وشرح نهج البلاغة 2/ 118، وأدب الدنيا
والدين. والبيت لإياس بن قتادة.
(2) البيت لعبد الرحمن بن حسان يهجو مسكين الدارمي. وهو في
اللسان (سبّ) ، والمجمل 2/ 456، والجمهرة 1/ 31، وغريب الحديث
للخطابي 2/ 430.
(3) غريب القرآن لابن قتيبة ص 374.
(1/392)
[ق/ 40] ، قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ [القلم/ 28] ، أي: هلّا تعبدونه
وتشكرونه، وحمل ذلك على الاستثناء، وهو أن يقول: إن شاء الله،
ويدلّ على ذلك قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها
مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ [القلم/ 17] ، وقال: تُسَبِّحُ
لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ 44] ، فذلك نحو قوله:
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً
وَكَرْهاً [الرعد/ 15] ، وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [النحل/ 49] ، فذلك يقتضي أن
يكون تسبيحا على الحقيقة، وسجودا له على وجه لا نفقهه، بدلالة
قوله: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ 44] ،
ودلالة قوله:
وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء/ 44] ، بعد ذكر السّموات والأرض، ولا
يصحّ أن يكون تقديره:
يسبّح له من في السّموات، ويسجد له من في الأرض، لأنّ هذا ممّا
نفقهه، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره، ثم يعطف عليه بقوله:
وَمَنْ فِيهِنَّ والأشياء كلّها تسبّح له وتسجد، بعضها
بالتّسخير وبعضها بالاختيار، ولا خلاف أنّ السّموات والأرض
والدّوابّ مُسَبِّحَاتٌ بالتّسخير، من حيث إنّ أحوالها تدلّ
على حكمة الله تعالى، وإنّما الخلاف في السموات والأرض هل
تسبّح باختيار؟ والآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدّلالة، و
(سُبْحَانَ) أصله مصدر نحو:
غفران، قال فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [الروم/ 17] ،
وسُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا [البقرة/ 32] ، وقول الشاعر:
224-
سبحان من علقمة الفاخر
«1» قيل: تقديره سبحان علقمة على طريق التّهكّم، فزاد فيه (من)
ردّا إلى أصله «2» ، وقيل:
أراد سبحان الله من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه. والسُّبُّوحُ
القدّوس من أسماء الله تعالى «3» ، وليس في كلامهم فعّول
سواهما «4» ،
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
أقول لما جاءني فخره
وهو للأعشى في ديوانه ص 93، والمجمل 2/ 482، والجمهرة 1/ 222.
(2) قال البغدادي: وزعم الراغب أن «سبحان» في هذا البيت مضاف
إلى علقمة، ومن زائدة، وهو ضعيف لغة وصناعة، أما الأول: فلأنّ
العرب لا تستعمله إلا إلى الله، أو إلى ضميره، أو إلى الرب،
ولم يسمع إضافته إلى [استدراك] غيره. أما صناعة: فلأنّ «من» لا
تزاد في الواجب عند البصريين. انظر: خزانة الأدب 7/ 245.
(3) انظر: الأسماء والصفات ص 54- 55.
(4) قال ابن دريد: باب ما جاء على فعّول، فألحق بالخماسي
للزوائد والتضعيف الذي فيه، وهو مفتوح كله إلا السّبوح،
والقدّوس، والذّرّوح، وهو الطائر السمّ. انظر: جمهرة اللغة 3/
397.
وقال أبو زيد: تقول العرب: سبّوح وقدّوس وسمّور وذرّوح، وقد
قالوا بالضّم، وهو أعلى، وذرّوح: واحد الذراريح، وهي الدود
الصغار. انظر: الجمهرة 3/ 463، وديوان الأدب 1/ 232.
(1/393)
وقد يفتحان، نحو: كلّوب وسمّور،
والسُّبْحَةُ:
التّسبيح، وقد يقال للخرزات التي بها يسبّح:
سبحة.
سبخ
قرئ: (إنّ لك في النّهار سَبْخاً) «1» أي:
سعة في التّصرّف، وقد سَبَخَ الله عنه الحمّى فَتَسَبَّخَ، أي:
تغشّى، والسَّبِيخُ: ريش الطائر، والقطن المندوف، ونحو ذلك
ممّا ليس فيه اكتناز وثقل.
سبط
أصل السَّبْط: انبساط في سهولة، يقال: شَعْرٌ سَبْطٌ، وسَبِطٌ،
وقد سَبِطَ سُبُوطاً وسَبَاطَةً وسَبَاطاً، وامرأة سَبْطَةُ
الخلقة، ورجل سَبْطُ الكفّين:
ممتدّهما، ويعبّر به عن الجود، والسِّبْطُ: ولد الولد، كأنه
امتداد الفروع، قال: وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ
[البقرة/ 136] ، أي: قبائل كلّ قبيلة من نسل رجل، وقال تعالى:
وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً
[الأعراف/ 160] ، والسَّابَاطُ: المنبسط بين دارين. وأخذت
فلانا سَبَاطِ، أي: حمّى تمطّه، والسُّبَاطَةُ خط من قمامة،
وسَبَطَتِ النّاقة ولدها، أي: ألقته.
سبع
أصل السَّبْع العدد، قال: سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة/ 29] ،
سَبْعاً شِداداً [النبأ/ 16] ، يعني: السموات السّبع وسَبْعَ
سُنْبُلاتٍ [يوسف/ 46] ، سَبْعَ لَيالٍ [الحاقة/ 7] ، سَبْعَةٌ
وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22] ، سَبْعُونَ ذِراعاً
[الحاقة/ 32] ، سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة/ 80] ، سَبْعاً مِنَ
الْمَثانِي
[الحجر/ 87] . قيل: سورة الحمد لكونها سبع آيات، السَّبْعُ
الطّوال: من البقرة إلى الأعراف، وسمّي سور القرآن المثاني،
لأنه يثنى فيها القصص، ومنه: السَّبْعُ، والسَّبِيعُ
والسِّبْعُ، في الورود. والْأُسْبُوعُ جمعه: أَسَابِيعُ،
ويقال: طفت بالبيت أسبوعا، وأسابيع، وسَبَعْتُ القومَ: كنت
سابعهم، وأخذت سبع أموالهم، والسَّبُعُ:
معروف. وقيل: سمّي بذلك لتمام قوّته، وذلك أنّ السَّبْعَ من
الأعداد التامّة، وقول الهذليّ:
225-
كأنّه عبد لآل أبي ربيعة مسبع
«2» أي: قد وقع السّبع في غنمه، وقيل: معناه
__________
(1) سورة المزمل: آية 7، وهي قراءة شاذة، تعزى إلى ابن يعمر
وعكرمة وابن أبي عبلة. انظر: البحر المحيط 8/ 363، وأمالي
القالي 2/ 112.
(2) البيت:
صخب الشوارب لا يزال كأنه ... عبد لآل أبي ربيعة مسبع
وهو لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوان الهذليين 1/ 4، والمجمل 2/
484، والجمهرة 1/ 285، وديوان الأدب 1/ 345.
(1/394)
المهمل مع السّباع، ويروى (مُسْبَع) بفتح
الباء، وكنّي بالمسبع عن الدّعيّ الذي لا يعرف أبوه، وسَبَعَ
فلان فلانا: اغتابه، وأكل لحمه أكل السّباع، والْمَسْبَع: موضع
السَّبُع.
سبغ
درع سَابِغٌ: تامّ واسع. قال الله تعالى: أَنِ اعْمَلْ
سابِغاتٍ
[سبأ/ 11] ، وعنه استعير إِسْبَاغُ الوضوء، وإسباغ النّعم قال:
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً
[لقمان/ 20] .
سبق
أصل السَّبْقِ: التّقدّم في السّير، نحو:
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً
[النازعات/ 4] ، والِاسْتِبَاقُ: التَّسَابُقُ. قال: إِنَّا
ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ
[يوسف/ 17] ، وَاسْتَبَقَا الْبابَ
[يوسف/ 25] ، ثم يتجوّز به في غيره من التّقدّم، قال:
ما سَبَقُونا إِلَيْهِ
[الأحقاف/ 11] ، سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ [طه/ 129] ، أي: نفدت
وتقدّمت، ويستعار السَّبْقُ لإحراز الفضل والتّبريز، وعلى ذلك:
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
[الواقعة/ 10] ، أي: المتقدّمون إلى ثواب الله وجنّته بالأعمال
الصّالحة، نحو قوله: وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [آل عمران/
114] ، وكذا قوله:
وَهُمْ لَها سابِقُونَ [المؤمنون/ 61] ، وقوله: وَما نَحْنُ
بِمَسْبُوقِينَ
[الواقعة/ 60] ، أي:
لا يفوتوننا، وقال: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
سَبَقُوا [الأنفال/ 59] ، وقال: وَما كانُوا سابِقِينَ
[العنكبوت/ 39] ، تنبيه أنهم لا يفوتونه.
سبل
السَّبِيلُ: الطّريق الذي فيه سهولة، وجمعه سُبُلٌ، قال:
وَأَنْهاراً وَسُبُلًا [النحل/ 15] ، وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها
سُبُلًا [الزخرف/ 10] ، لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
[الزخرف/ 37] ، يعني به طريق الحق، لأنّ اسم الجنس إذا أطلق
يختصّ بما هو الحقّ، وعلى ذلك: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ
[عبس/ 20] ، وقيل لسالكه سَابِلٌ، وجمعه سَابِلَةٌ، وسبيل
سابل، نحو شعر شاعر، وابن السَّبِيلِ: المسافر البعيد عن
منزله، نسب إلى السّبيل لممارسته إيّاه، ويستعمل السَّبِيلُ
لكلّ ما يتوصّل به إلى شيء خيرا كان أو شرّا، قال: ادْعُ إِلى
سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل/ 125] ، قُلْ هذِهِ سَبِيلِي [يوسف/
108] ، وكلاهما واحد لكن أضاف الأوّل إلى المبلّغ، والثاني إلى
السّالك بهم، قال: قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران/
169] ، إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر/ 29] ، وَلِتَسْتَبِينَ
سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام/ 55] ،
(1/395)
فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ [النحل/ 69] ،
ويعبّر به عن المحجّة، قال: قُلْ: هذِهِ سَبِيلِي
[يوسف/ 108] ، سُبُلَ السَّلامِ [المائدة/ 16] ، أي: طريق
الجنة، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة/ 91] ،
فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى/ 41] ،
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ [الشورى/ 42] ، إِلى ذِي
الْعَرْشِ سَبِيلًا [الإسراء/ 42] ، وقيل: أَسْبَلَ السّتر،
والذّيل، وفرس مُسْبَلُ الذّنب، وسَبَلَ المطرُ، وأَسْبَلَ،
وقيل للمطر: سَبَلٌ ما دام سَابِلًا، أي:
سائلا في الهواء، وخصّ السَّبَلَةُ بشعر الشّفة العليا لما
فيها من التّحدّر، والسُّنْبُلَةُ جمعها سَنَابِلُ، وهي ما على
الزّرع، قال: سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ [البقرة/
261] ، وقال:
سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ [يوسف/ 46] ، وأَسْبَلَ الزّرعُ: صار
ذا سنبلة، نحو: أحصد وأجنى، والْمُسْبِلُ اسم القدح الخامس.
سبأ
قال عزّ وجلّ: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
[النمل/ 22] ، سَبَأ اسم بلد تفرق أهله، ولهذا يقال: ذهبوا
أيادي سبأ «1» ، أي: تفرّقوا تفرّق أهل هذا المكان من كلّ
جانب، وسَبَأْتُ الخمر: اشتريتها، والسَّابِيَاءُ: جِلْدٌ فيه
الولد «2» .
ست
قال تعالى: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
[الأعراف/ 54] ، وقال: سِتِّينَ مِسْكِيناً
[المجادلة/ 4] ، فأصل ذلك سُدُسٌ، ويذكر في بابه إن شاء الله.
ستر
السَّتْرُ: تغطية الشّيء، والسِّتْرُ والسُّتْرَةُ: ما يستتر
به، قال: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً [الكهف/
90] ، حِجاباً مَسْتُوراً
[الإسراء/ 45] ، والِاسْتِتَارُ: الاختفاء، قال:
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ
سَمْعُكُمْ [فصلت/ 22] .
سجد
السُّجُودُ أصله: التّطامن «3» والتّذلّل، وجعل ذلك عبارة عن
التّذلّل لله وعبادته، وهو عامّ في الإنسان، والحيوانات،
والجمادات، وذلك ضربان: سجود باختيار، وليس ذلك إلا للإنسان،
وبه يستحقّ الثواب، نحو قوله:
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا
[النجم/ 62] ، أي:
تذللوا له، وسجود تسخير، وهو للإنسان، والحيوانات، والنّبات،
وعلى ذلك قوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ [الرعد/ 15] ، وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ
الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ
__________
(1) المثل في المجمل 2/ 485، واللسان (سبأ) ، ومجمع الأمثال 1/
275.
(2) انظر الغريب المصنف ورقة 27 نسخة تركيا.
(3) التطامن: الانحناء.
(1/396)
سُجَّداً لِلَّهِ
[النحل/ 48] ، فهذا سجود تسخير، وهو الدّلالة الصامتة الناطقة
المنبّهة على كونها مخلوقة، وأنّها خلق فاعل حكيم، وقوله:
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ
[النحل/ 49] ، ينطوي على النّوعين من السّجود، التّسخير
والاختيار، وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ
[الرحمن/ 6] ، فذلك على سبيل التّسخير، وقوله: اسْجُدُوا
لِآدَمَ
[البقرة/ 34] ، قيل: أمروا بأن يتّخذوه قبلة، وقيل: أمروا
بالتّذلّل له، والقيام بمصالحه، ومصالح أولاده، فائتمروا إلّا
إبليس، وقوله: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً
[النساء/ 154] ، أي: متذلّلين منقادين، وخصّ السّجود في
الشريعة بالرّكن المعروف من الصلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود
القرآن، وسجود الشّكر، وقد يعبّر به عن الصلاة بقوله:
وَأَدْبارَ السُّجُودِ [ق/ 40] ، أي: أدبار الصلاة، ويسمّون
صلاة الضّحى: سبحة الضّحى، وسُجُود الضّحى، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ [طه/ 130] قيل: أريد به الصلاة «1» ، والمَسْجِدُ:
موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، وقوله: وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلَّهِ
[الجن/ 18] ، قيل:
عني به الأرض، إذ قد جعلت الأرض كلّها مسجدا وطهورا كما روي في
الخبر «2» ، وقيل:
الْمَسَاجِدَ: مواضع السّجود: الجبهة والأنف واليدان
والرّكبتان والرّجلان، وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ
[النمل/ 25] «3» أي: يا قوم اسجدوا، وقوله: وَخَرُّوا لَهُ
سُجَّداً [يوسف/ 100] ، أي: متذلّلين، وقيل: كان السّجود على
سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا، وقول الشاعر:
226-
وافى بها لدراهم الْإِسْجَادِ
«4» عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له.
سجر
السَّجْرُ: تهييج النار، يقال: سَجَرْتُ التَّنُّورَ، ومنه:
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ
[الطور/ 6] ، قال الشاعر:
__________
(1) أخرج عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس في الآية قال: هي
الصلاة المكتوبة.
(2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«نصرت بالرّعب، وأوتيت جوامع الكلم، وجعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتح خزائن الأرض فتلّت في يدي»
أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام 13/ 209، وانظر: شرح السنة 13/
198. [.....]
(3) هي بتخفيف ألا، على أنها للاستفتاح، وبها قرأ الكسائي
ورويس وأبو جعفر. الإتحاف 336.
(4) هذا عجز بيت، وشطره:
من خمر ذي نطف أغنّ منطّق
وهو للأسود بن يعفر، والبيت في المفضليات ص 218، والمجمل 2/
486.
(1/397)
227-
إذا شاء طالع مَسْجُورَة ... ترى حولها النّبع والسّاسما
«1» وقوله: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ
[التكوير/ 6] «2» أي: أضرمت نارا، عن الحسن «3» ، وقيل: غيضت
مياهها، وإنما يكون كذلك لتسجير النار فيه، ثُمَّ فِي النَّارِ
يُسْجَرُونَ
[غافر/ 72] ، نحو:
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [البقرة/ 24] ، وسَجَرَتِ
الناقة، استعارة لالتهابها في العدو، نحو: اشتعلت الناقة،
والسَّجِيرُ: الخليل الذي يسجر في مودّة خليله، كقولهم: فلان
محرق في مودّة فلان، قال الشاعر:
228-
سُجَرَاءُ نفسي غير جمع أشابة
«4»
سجل
السَّجْلُ: الدّلو العظيمة، وسَجَلْتُ الماء فَانْسَجَلَ، أي:
صببته فانصبّ، وأَسْجَلْتُهُ:
أعطيته سجلا، واستعير للعطيّة الكثيرة، والْمُسَاجَلَةُ:
المساقاة بالسّجل، وجعلت عبارة عن المباراة والمناضلة، قال:
229-
من يساجلني يساجل ماجدا
«5» والسِّجِّيلُ: حجر وطين مختلط، وأصله فيما قيل: فارسيّ
معرّب، والسِّجِلُّ: قيل حجر كان يكتب فيه، ثم سمّي كلّ ما
يكتب فيه سجلّا، قال تعالى: كطيّ السّجلّ للكتاب [الأنبياء/
104] «6» ، أي: كطيّه لما كتب فيه حفظا له.
سجن
السَّجْنُ: الحبس في السِّجْنِ، وقرئ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ
إِلَيَّ [يوسف/ 33] ، بفتح السين «7» وكسرها. قال:
لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
__________
(1) البيت للنمر بن تولب، وهو في ديوانه ص 380، ومجاز القرآن
2/ 230، والأضداد ص 54، واللسان (سسم) ، وتفسير القرطبي 17/
61.
(2) وعن ابن عباس في الآية قال: تسجر حتى تصير نارا، وعن
الحسن: غار ماؤها فذهب. الدر المنثور 8/ 429.
(3) وعن ابن عباس في الآية قال: تسجر حتى تصير نارا، وعن
الحسن: غار ماؤها فذهب. الدر المنثور 8/ 429.
(4) هذا شطر بيت، وعجزه:
حشد ولا هلك المفارش عزّل
وهو في المخصص 12/ 244 دون نسبة، وهو لأبي كبير الهذلي في شرح
أشعار الهذليين 3/ 1071.
والسجراء جمع سجير، وهو الصديق والخدن.
(5) الشّطر للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب، وعجزه:
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
وهو في اللسان (سجل) ، والبصائر 3/ 192، وديوان الأدب 2/ 390،
والحماسة البصرية 1/ 185.
(6) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي جعفر وابن عامر وأبي عمرو
وشعبة عن عاصم ويعقوب. وقرأ الباقون لِلْكُتُبِ بالجمع.
الإتحاف 312.
(7) وهي قراءة يعقوب، والباقون بكسر السين. الإتحاف 264.
(1/398)
[يوسف/ 35] ، وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ
فَتَيانِ [يوسف/ 36] ، والسِّجِّينُ: اسم لجهنم، بإزاء
علّيّين، وزيد لفظه تنبيها على زيادة معناه، وقيل:
هو اسم للأرض السابعة «1» ، قال: لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ
ما سِجِّينٌ [المطففين/ 7- 8] ، وقد قيل: إنّ كلّ شيء ذكره
الله تعالى بقوله: وَما أَدْراكَ فسّره، وكلّ ما ذكر بقوله:
وَما يُدْرِيكَ تركه مبهما «2» ، وفي هذا الموضع ذكر: وَما
أَدْراكَ، وكذا في قوله:
وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ [المطففين/ 19] «3» ، ثم فسّر
الكتاب لا السّجّين والعليّين، وفي هذه لطيفة موضعها الكتب
التي تتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، لا هذا.
سجى
قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى
[الضحى/ 2] ، أي: سكن، وهذا إشارة إلى ما قيل: هدأت الأرجل،
وعين سَاجِيَةٌ: فاترة الطّرف، وسَجَى البحر سَجْواً: سكنت
أمواجه، ومنه استعير: تَسْجِيَةُ الميّت، أي: تغطيته بالثوب.
سحب
أصل السَّحْبِ: الجرّ كسحب الذّيل، والإنسان على الوجه، ومنه:
السَّحَابُ، إمّا لجرّ الرّيح له، أو لجرّه الماء، أو لانجراره
في مرّه، قال تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى
وُجُوهِهِمْ [القمر/ 48] ، وقال تعالى:
يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ [غافر/ 71] ، وقيل:
فلان يَتَسَحَّبُ على فلان، كقولك: ينجرّ، وذلك إذا تجرّأ
عليه، والسَّحَابُ: الغيم فيها ماء أو لم يكن، ولهذا يقال:
سحاب جهام «4» ، قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً [النور/ 43] ،
حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً [الأعراف/ 57] ، وقال:
وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ [الرعد/ 12] ، وقد يذكر لفظه
ويراد به الظّلّ والظّلمة، على طريق التّشبيه، قال تعالى: أَوْ
كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ
مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ
[النور/ 40] .
سحت
السُّحْتُ: القشر الذي يستأصل، قال تعالى:
__________
(1) أخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلم
قال: «سجين: الأرض السابعة السفلى» .
- وهو مرويّ عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وفرقد، وعبد الله بن
عمرو بن العاص وابن جريج. انظر: الدر المنثور 8/ 444.
(2) انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 191، وقد تقدّم في مادة
درى.
(3) وعن قتادة قال: عليون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش
اليمنى.
(4) قال في اللسان: والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه، وقيل:
الذي قد هراق ماءه مع الريح. اللسان (جهم) .
(1/399)
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ
«1» . [طه/ 61] ، وقرئ:
فَيَسْحِتَكُمْ يقال: سَحَتَهُ وأَسْحَتَهُ، ومنه:
السَّحْتُ والسُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه
يسحت دينه ومروءته، قال تعالى:
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ
[المائدة/ 42] ، أي: لما يسحت دينهم. وقال عليه السلام: «كلّ
لحم نبت من سحت فالنّار أولى به» «2» ، وسمّي الرّشوة سحتا
لذلك، وروي «كسب الحجّام سحت» «3» فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة
لا للدّين، ألا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح
وإطعامه المماليك «4» .
سحر
السَّحَرُ «5» : طرف الحلقوم، والرّئة، وقيل:
انتفخ سحره، وبعير سَحِيرٌ: عظيم السَّحَرِ، والسُّحَارَةُ: ما
ينزع من السّحر عند الذّبح فيرمى به، وجعل بناؤه بناء النّفاية
والسّقاطة. وقيل: منه اشتقّ السِّحْرُ، وهو: إصابة السّحر.
والسِّحْرُ يقال على معان:
الأوّل: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعبذ
بصرف الأبصار عمّا يفعله لخفّة يد، وما يفعله النمّام بقول
مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قوله تعالى:
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ
[الأعراف/ 116] ، وقال: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
[طه/ 66] ، وبهذا النّظر سمّوا موسى عليه السلام سَاحِراً
فقالوا: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف/
49] .
والثاني: استجلاب معاونة الشّيطان بضرب من التّقرّب إليه،
كقوله تعالى:
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ
تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء/ 221- 222] ،
وعلى ذلك قوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة/
__________
(1) وهي قراءة حفص وحمزة والكسائي ورويس وخلف، وقرأ الباقون
فَيُسْحِتَكُمْ. الإتحاف 304. [.....]
(2) الحديث عن أبي بكر عن النبي قال: «كلّ جسد نبت من سحت
فالنار أولى به» أخرجه البيهقي وأبو نعيم، قال المناوي: وسنده
ضعيف، والمشهور على الألسنة: «كلّ لحم نبت من الحرام فالنّار
أولى به» . راجع: كشف الخفاء 2/ 121.
(3) الحديث: «كسب الحجام خبيث» أخرجه أحمد في المسند 3/ 364،
وأبو داود برقم (3421) ، والترمذي عن رافع بن خديج. وخبثه لا
يقتضي حرمته، فقد احتجم عليه السلام وأعطى الحجام أجرته. انظر:
كشف الخفاء 2/ 110.
(4) عن ابن محيصة أحد بني حارثة عن أبيه أنه استأذن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم في إجارة الحجّام فنهاه، فلم يزل يسأله
ويستأذنه حتى قال: «اعلفه ناضحك، أو أطعمه رقيقك» رواه الشافعي
2/ 147، والموطأ 2/ 974، والترمذي برقم 1277، وابن ماجة برقم
(2166) ، وقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، وانظر: شرح السنة
8/ 19.
(5) السّحر والسّحر والسّحر: ما التزق بالحلقوم والمريء من
أعلى البطن. اللسان (سحر) .
(1/400)
102] ، والثالث: ما يذهب إليه الأغتام «1»
، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصّور والطّبائع،
فيجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين. وقد تصوّر
من السّحر تارة حسنه، فقيل: «إنّ من البيان لسحرا» «2» ، وتارة
دقّة فعله حتى قالت الأطباء: الطّبيعية ساحرة، وسمّوا الغذاء
سِحْراً من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره، قال تعالى: بَلْ نَحْنُ
قَوْمٌ مَسْحُورُونَ
[الحجر/ 15] ، أي: مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وعلى ذلك قوله
تعالى: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
[الشعراء/ 153] ، قيل: ممّن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى
الغذاء، كقوله تعالى: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ
[الفرقان/ 7] ، ونبّه أنه بشر كما قال: ما أَنْتَ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا [الشعراء/ 154] ، وقيل: معناه ممّن جعل له سحر
يتوصّل بلطفه ودقّته إلى ما يأتي به ويدّعيه، وعلى الوجهين حمل
قوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً
[الإسراء/ 47] ، وقال تعالى: فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي
لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [الإسراء/ 101] ، وعلى المعنى
الثاني دلّ قوله تعالى:
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [سبأ/ 43] ، قال تعالى: وَجاؤُ
بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف/ 116] ، وقال: أَسِحْرٌ هذا وَلا
يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
[يونس/ 77] ، وقال: فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ
مَعْلُومٍ
[الشعراء/ 38] ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ [طه/ 70] ، والسَّحَرُ
والسَّحَرَةُ: اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، وجعل اسما
لذلك الوقت، ويقال: لقيته بأعلى السّحرين، والْمُسْحِرُ:
الخارج سحرا، والسَّحُورُ: اسم للطعام المأكول سحرا،
والتَّسَحُّرُ: أكله.
سحق
السَّحْقُ: تفتيت الشيء، ويستعمل في الدّواء إذا فتّت، يقال:
سَحَقْتُهُ فَانْسَحَقَ، وفي الثوب إذا أخلق، يقال: أَسْحَقَ،
والسُّحْقُ: الثوب البالي، ومنه قيل: أَسْحَقَ الضّرعُ، أي:
صار سَحْقاً لذهاب لبنه، ويصحّ أن يُجعل إِسْحَاقُ منه، فيكون
حينئذ منصرفا «3» ، وقيل: أبعده الله وأَسْحَقَهُ، أي: جعله
سَحِيقاً، وقيل: سَحَقَهُ، أي جعله باليا، قال تعالى:
فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ
[الملك/ 11] ، وقال تعالى: أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي
مَكانٍ سَحِيقٍ
[الحج/ 31] ، ودم مُنْسَحِقٌ، وسَحُوقٌ مستعار، كقولهم: مدرور.
__________
(1) الغتمة: عجمة في المنطق، ورجل أغتم: لا يفصح شيئا، وقيل
للثقيل الروح: غتمي.
(2) الحديث عن عبد الله بن عمر أنه قال: قدم رجلان من المشرق،
فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «إنّ من البيان لسحرا، أو إنّ بعض البيان لسحر» . أخرجه
مالك في باب ما يكره من الكلام، شرح الزرقاني 4/ 403، والبخاري
في الطب 10/ 237.
(3) قال السمين: وهو مردود بمنعه من الصرف. عمدة الحفاظ: سحق.
(1/401)
سحل
قال عزّ وجلّ: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ
[طه/ 39] ، أي: شاطئ البحر أصله من:
سَحَلَ الحديد، أي: بَرَدَهُ وقَشَرَهُ، وقيل: أصله أن يكون
مَسْحُولًا، لكن جاء على لفظ الفاعل، كقولهم: همّ ناصب. وقيل:
بل تصوّر منه أنه يَسْحَلُ الماءَ، أي: يفرّقه ويضيّقه،
والسُّحَالَةُ:
البرادة، والسَّحِيلُ والسُّحَالُ: نهيق الحمار «1» ، كأنه
شبّه صوته بصوت سحل الحديد، والْمِسْحَلُ: اللسان الجهير
الصوت، كأنه تصوّر منه سحيل الحمار من حيث رفع صوته، لا من حيث
نكرة صوته، كما قال تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان/ 19] ، والْمِسْحَلَتَانِ: حلقتان
على طرفي شكيم «2» اللّجام.
سخر
التَّسْخِيرُ: سياقة إلى الغرض المختصّ قهرا، قال تعالى:
وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
[الجاثية/ 13] ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
دائِبَيْنِ [إبراهيم/ 33] ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ [إبراهيم/ 33] ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ
[إبراهيم/ 32] ، كقوله: سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ [الحج/ 36] ، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا
[الزخرف/ 13] ، فَالْمُسَخَّرُ هو المقيّض للفعل،
والسُّخْرِيُّ: هو الذي يقهر فَيَتَسَخَّرُ بإرادته، قال:
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا
[الزخرف/ 32] ، وسَخِرْتُ منه، واسْتَسْخَرْتُهُ لِلْهُزْءِ
منه، قال تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
[هود/ 38] ، بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات/ 12] ،
وقيل:
رجل سُخْرَةٌ: لمن سَخِرَ، وسُخْرَةٌ لمن يُسْخَرُ منه «3» ،
والسُّخْرِيَةُ والسِّخْرِيَةُ: لفعل الساخر.
وقوله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا
[المؤمنون/ 110] ، وسخريا «4» ، فقد حمل على الوجهين على
التّسخير، وعلى السّخرية قوله تعالى: وَقالُوا ما لَنا لا نَرى
رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ
سِخْرِيًّا [ص/ 62- 63] . ويدلّ على الوجه الثاني قوله بعد:
وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون/ 110] .
سخط
السَّخَطُ والسُّخْطُ: الغضب الشديد المقتضي للعقوبة، قال:
إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ
[التوبة/
__________
(1) انظر: المجمل 2/ 488.
(2) الشكيمة: الحديدة المعترضة في الفم.
(3) راجع مادة (برم) في الحاشية.
(4) قرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بضم السين،
والباقون بكسرها. الإتحاف 321.
(1/402)
58] ، وهو من الله تعالى: إنزال العقوبة،
قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ
[محمد/ 28] ، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
[المائدة/ 80] ، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران/
162] .
سد
السَّدُّ والسُّدُّ قيل هما واحد، وقيل: السُّدُّ: ما كان
خلقة، والسَّدُّ: ما كان صنعة «1» ، وأصل السَّدِّ مصدر
سَدَدْتُهُ، قال تعالى: بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، [الكهف/
94] ، وشبّه به الموانع، نحو: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس/ 9] ، وقرئ
سدا «2» السُّدَّةُ: كالظُّلَّة على الباب تقية من المطر، وقد
يعبّر بها عن الباب، كما قيل:
(الفقير الذي لا يفتح له سُدَدُ السّلطان) «3» ، والسَّدَادُ
والسَّدَدُ: الاستقامة، والسِّدَادُ: ما يُسَدُّ به الثّلمة
والثّغر، واستعير لما يسدّ به الفقر.
سدر
السِّدْرُ: شجر قليل الغناء عند الأكل، ولذلك قال تعالى:
وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ/ 16] ، وقد يخضد
ويستظلّ به، فجعل ذلك مثلا لظلّ الجنة ونعيمها في قوله تعالى:
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28] ، لكثرة غنائه في
الاستظلال، وقوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى
[النجم/ 16] ، فإشارة إلى مكان اختصّ النّبيّ صلّى الله عليه
وسلم فيه بالإفاضة الإلهية، والآلاء الجسيمة، وقد قيل: إنها
الشجرة التي بويع النبيّ صلّى الله عليه وسلم تحتها»
، فأنزل الله تعالى السّكينة فيها على المؤمنين، والسّدر:
تحيّر البصر، والسَّادِرُ: المتحيّر، وسَدَرَ شَعْرَهُ، قيل:
هو مقلوب عن دَسَرَ.
سدس
السُّدُسُ: جزء من ستّة، قال تعالى: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ
[النساء/ 11] ، والسِّدُسُ في الإظماء، وسِتٌّ أصله سِدْسٌ «5»
، وسَدَسْتُ القومَ: صرت سادسهم، وأخذت سُدُسَ أموالهم، وجاء
سَادِساً، وسَاتّاً، وسَادِياً بمعنى، قال تعالى:
__________
(1) انظر: البصائر 3/ 204، وعمدة الحفّاظ: سدّ.
(2) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وشعبة عن
عاصم ويعقوب.
(3) وعن أبي الدرداء أنه أتى باب معاوية فلم يأذن له، فقال: من
يأت سدد السلطان يقم ويقعد. انظر: الفائق 2/ 167، والبصائر 3/
204. [.....]
(4) وهذا من بدع التفاسير، لأن السدرة في السماء، كما صحت
الأخبار بذلك، ولأنّ الله تعالى قال: عِنْدَها جَنَّةُ
الْمَأْوى.
(5) في اللسان، قال الليث: السِّتُّ والسِّتَّةُ في الأصل: سدس
وسدسة، ولكنهم أرادوا إدغام الدال في السين، فالتقيا عند مخرج
التاء، فغلبت عليها، كما غلبت الحاء على العين في لغة سعد،
فيقولون: كنت محهم، في معنى معهم. راجع: اللسان (ستّ) ، وعمدة
الحفاظ: سدس.
(1/403)
وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ
[المجادلة/ 7] ، وقال تعالى: وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ
[الكهف/ 22] ، ويقال: لا أفعل كذا سَدِيسَ عجيس، أي: أبدا «1»
، والسُّدُوسُ: الطّيلسان، والسّندس: الرّقيق من الدّيباج،
والإستبرق:
الغليظ منه.
سرر
الْإِسْرَارُ: خلاف الإعلان، قال تعالى: سِرًّا وَعَلانِيَةً
[إبراهيم/ 31] ، وقال تعالى:
وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ
[التغابن/ 4] ، وقال تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ
[الملك/ 13] ، ويستعمل في الأعيان والمعاني، والسِّرُّ هو
الحديث المكتم في النّفس. قال تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ
وَأَخْفى [طه/ 7] ، وقال تعالى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [التوبة/ 78] ، وسَارَّهُ: إذا أوصاه
بأن يسرّه، وتَسَارَّ القومُ، وقوله: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ
[يونس/ 54] ، أي:
كتموها «2» وقيل: معناه أظهروها بدلالة قوله تعالى:
يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام/
27] ، وليس كذلك، لأنّ النّدامة التي كتموها ليست بإشارة إلى
ما أظهروه من قوله: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ
بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام/ 27] ، وأَسْرَرْتُ إلى فلان حديثا:
أفضيت إليه في خفية، قال تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ
[التحريم/ 3] ، وقوله: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ
[الممتحنة/ 1] ، أي: يطلعونهم على ما يسرّون من مودّتهم، وقد
فسّر بأنّ معناه:
يظهرون «3» ، وهذا صحيح، فإنّ الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار
ذلك لمن يفضى إليه بالسّرّ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره،
فإذا قولهم أسررت إلى فلان يقتضي من وجه الإظهار، ومن وجه
الإخفاء، وعلى هذا قوله: وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً
[نوح/ 9] . وكنّي عن النكاح بالسّرّ من حيث إنه يخفى، واستعير
للخالص، فقيل:
هو من سرّ قومه «4» ، ومنه: سِرُّ الوادي وسِرَارَتُهُ،
وسُرَّةُ البطن: ما يبقى بعد القطع، وذلك لاستتارها بعكن
البطن، والسُّرُّ والسُّرَرُ يقال لما يقطع منها. وأَسِرَّةُ
الرّاحة، وأَسَارِيرُ الجبهة، لغضونها، والسَّرَارُ، اليوم
الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر. والسُّرُورُ: ما ينكتم من
الفرح، قال
__________
(1) انظر: اللسان (عجس) ، والمجمل 2/ 493.
(2) وهو قول الفرّاء في معاني القرآن له 1/ 469.
(3) وهذا مرويّ عن أبي عبيدة وقطرب، وقد ذكره ابن الأنباري في
الأضداد.
وقال شمّر: وما قال غير أبي عبيدة في قوله: وَأَسَرُّوا
النَّدامَةَ أي: أظهروها. قال: ولم أسمع ذلك لغيره.
قال الأزهري: وأهل اللغة أنكروا قول أبي عبيدة أشدّ الإنكار.
انظر: اللسان (سرر) ، ومجاز القرآن 2/ 34، وأضداد ابن الأنباري
ص 45، وعمدة الحفاظ: سرّ، والمجمل 2/ 458.
(4) راجع: اللسان (سرر) .
(1/404)
تعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً
[الإنسان/ 11] ، وقال: تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
[البقرة/ 69] ، وقوله تعالى في أهل الجنة: وَيَنْقَلِبُ إِلى
أَهْلِهِ مَسْرُوراً
[الانشقاق/ 9] ، وقوله في أهل النار:
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق/ 13] ، تنبيه
على أنّ سُرُورَ الآخرة يضادّ سرور الدّنيا، والسَّرِيرُ: الذي
يجلس عليه من السّرور، إذ كان ذلك لأولي النّعمة، وجمعه
أَسِرَّةٌ، وسُرُرٌ، قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ
مَصْفُوفَةٍ [الطور/ 20] ، فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [الغاشية/
13] ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها
يَتَّكِؤُنَ [الزخرف/ 34] ، وسَرِيرُ الميّت تشبيها به في
الصّورة، وللتّفاؤل بالسّرور الذي يلحق الميّت برجوعه إلى جوار
الله تعالى، وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله صلّى الله عليه
وسلم: «الدّنيا سجن المؤمن» «1» .
سرب
السَّرَبُ: الذّهاب في حدور، والسَّرَبُ:
الْمَكَانُ الْمُنْحَدِرُ، قال تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ سَرَباً [الكهف/ 61] ، يقال: سَرَبَ سَرَباً
وسُرُوباً «2» ، نحو مرّ مرّا ومرورا، وانْسَرَبَ انْسِرَاباً
كذلك، لكن سَرَبَ يقال على تصوّر الفعل من فاعله، وانْسَرَبَ
على تصوّر الانفعال منه. وسَرَبَ الدّمع: سال، وانْسَرَبَتِ
الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا، وسَرَبَ الماء من السّقاء، وماء
سَرَبٌ، وسَرِبٌ: متقطّر من سقائه، والسَّارِبُ: الذّاهب في
سَرَبِهِ أيّ طريق كان، قال تعالى: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ
بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ
[الرعد/ 10] ، والسَّرْبُ: جمع سَارِبٍ، نحو: ركب وراكب،
وتعورف في الإبل حتى قيل: زُعِرَتْ سَرْبُهُ، أي: إبله. وهو
آمن في سِرْبِهِ، أي: في نفسه، وقيل: في أهله ونسائه، فجعل
السِّرْبُ كناية، وقيل: اذهبي فلا أنده سِرْبَكِ «3» ، في
الكناية عن الطّلاق، ومعناه: لا أردّ إبلك الذّاهبة في سربها،
والسُّرْبَةُ: قطعة من الخيل نحو العشرة إلى العشرين.
والْمَسْرَبَةُ: الشّعر المتدلّي من الصّدر، السَّرَابُ:
اللامع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين، وكان
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر» . أخرجه مسلم في كتاب
الزهد برقم (2956) ، وأحمد في المسند 2/ 323، وابن ماجة (4113)
.
وفي آخر عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم
قال: «الدنيا سجن المؤمن وسنته، وإذا فارق الدنيا فارق السجن
والسنة» . أخرجه أحمد 1/ 917، والحاكم 4/ 315.
(2) انظر: الأفعال 3/ 511، والبصائر 3/ 211.
(3) قولهم: اذهب فلا أنده سربك، أي: لا أردّ إبلك حتى تذهب حيث
شاءت، أي: لا حاجة لي فيك، ويقولون للمرأة عند الطلاق: اذهبي
فلا أنده سربك. فتطلق بهذه الكلمة، وكان هذا في الجاهلية، وأصل
النده: الزجر.
راجع: اللسان (سرب) ، وعمدة الحفاظ: سرب.
(1/405)
السّراب فيما لا حقيقة له كالشّراب فيما له
حقيقة، قال تعالى: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ
ماءً [النور/ 39] ، وقال تعالى:
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [النبأ/ 20]
سربل
السِّرْبَالُ: القميص من أيّ جنس كان، قال:
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ
[إبراهيم/ 50] ، سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ
تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ [النحل/ 81] ، أي: تقي بعضكم من بأس بعض.
سرج
السِّرَاجُ: الزّاهر بفتيلة ودهن، ويعبّر به عن كلّ مضيء، قال:
وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح/ 16] ، سِراجاً وَهَّاجاً
[النبأ/ 13] ، يعني: الشمس. يقال: أَسْرَجْتُ السّراج،
وسَرَّجْتُ كذا: جعلته في الحسن كالسّراج، قال الشاعر:
230-
وفاحما ومرسنا مُسَرَّجاً
«1» والسَّرْجُ: رحالة الدّابّة، والسَّرَّاجُ صانعه.
سرح
السَّرْحُ: شجر له ثمر، الواحدة: سَرْحَةٌ، وسَرَّحْتُ الإبل،
أصله: أن ترعيه السَّرْحَ، ثمّ جعل لكلّ إرسال في الرّعي، قال
تعالى:
وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
[النحل/ 6] ، والسَّارِحُ: الرّاعي، والسَّرْحُ جمع كالشّرب
«2» ، والتَّسْرِيحُ في الطّلاق، نحو قوله تعالى: أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 229] ، وقوله: وَسَرِّحُوهُنَّ
سَراحاً جَمِيلًا
[الأحزاب/ 49] ، مستعار من تَسْرِيحِ الإبل، كالطّلاق في كونه
مستعارا من إطلاق الإبل، واعتبر من السّرح المضيّ، فقيل: ناقة
سَرْحٌ: تسرح في سيرها، ومضى سرحا سهلا. والْمُنْسَرِحُ: ضرب
من الشّعر استعير لفظه من ذلك.
سرد
السَّرْدُ: خرز ما يخشن ويغلظ، كنسج الدّرع، وخرز الجلد،
واستعير لنظم الحديد.
قال: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ/ 11] ، ويقال:
سَرْدٌ وزَرْدٌ، والسِّرَادُ، والزّراد، نحو سراط، وصراط،
وزراط، والْمِسْرَدُ: المثقب.
سردق
السُّرَادِقُ فارسيّ معرّب، وليس في كلامهم
__________
(1) الرجز للعجاج في ديوانه ص 361، والمجمل 2/ 294، واللسان
(سرج) ، وأمالي القالي 2/ 240، وسر الفصاحة ص 70.
(2) قال ابن مالك في مثلّثه:
والشّاربون قيل فيهم شرب ... وكلّ حظّ من شراب شرب
وشرب وإن تشأ فشرب ... جمع شروب مكثر الشّراب
(1/406)
اسم مفرد ثالثه ألف. وبعده حرفان «1» ، قال
تعالى: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الكهف/ 29] ، وقيل: بيت
مُسَرْدَقٌ، مجعول على هيئة سرادق.
سرط
السِّرَاطُ: الطّريق المستسهل، أصله من:
سَرَطْتُ الطعامَ وزردته: ابتلعته، فقيل: سِرَاطٌ، تصوّرا أنه
يبتلعه سالكه، أو يبتلع سالكه، ألا ترى أنه قيل: قتل أرضا
عالمها، وقتلت أرض جاهلها، وعلى النّظرين قال أبو تمام:
231-
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة ... رعاها وماء المزن ينهلّ
ساكبه
«2» وكذا سمّي الطريق اللّقم، والملتقم، اعتبارا بأنّ سالكه
يلتقمه.
سرع
السُّرْعَةُ: ضدّ البطء، ويستعمل في الأجسام، والأفعال، يقال:
سَرُعَ، فهو سَرِيعٌ، وأَسْرَعَ فهو مُسْرِعٌ، وأَسْرَعُوا:
صارت إبلهم سِرَاعاً، نحو:
أبلدوا، وسَارَعُوا، وتَسَارَعُوا. قال تعالى:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
[آل عمران/ 133] ، وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ
[آل عمران/ 114] ، يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ
سِراعاً [ق/ 44] ، وقال: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ
سِراعاً [المعارج/ 43] ، وسَرَعَانُ القوم: أوائلهم
السِّرَاعُ. وقيل: (سَرْعَانَ ذا إهالة) «3» ، وذلك مبنيّ من
سرع، كوشكان من وشك، وعجلان من عجل، وقوله تعالى: إِنَّ
اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [المائدة/ 4] ، وسَرِيعُ الْعِقابِ
[الأنعام/ 165] ، فتنبيه على ما قال:
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ [يس/ 82] .
سرف
السَّرَفُ: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك
في الإنفاق أشهر. قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا
[الفرقان/ 67] ، وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً
[النساء/ 6] ، ويقال تارة اعتبارا بالقدر، وتارة بالكيفيّة،
ولهذا قال سفيان: (ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سَرَفٌ، وإن
كان قليلا) «4» ، قال الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
__________
(1) انظر: التعريب والمعرّب ص 110.
(2) البيت في ديوانه ص 48، من قصيدة له يمدح بها عبد الله بن
طاهر بن الحسين، ومطلعها:
هنّ عوادي يوسف وصواحبه ... فعزما فقدما أدرك السؤل طالبه
(3) هذا مثل، وأصله أنّ رجلا كان يحمّق، اشترى شاة عجفاء يسيل
رغامها هزالا وسوء حال فظنّ أنّه ودك، فقال:
سرعان إذا هالة. اللسان (سرع) ، والأمثال ص 305. [.....]
(4) انظر: البصائر 3/ 216.
(1/407)
[الأنعام/ 141] ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ
هُمْ أَصْحابُ النَّارِ [غافر/ 43] ، أي:
المتجاوزين الحدّ في أمورهم، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر/ 28] ، وسمّي قوم لوط
مسرفين «1» ، من حيث إنهم تعدّوا في وضع البذر في الحرث
المخصوص له المعنيّ بقوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة/
223] ، وقوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى
أَنْفُسِهِمْ
[الزمر/ 53] ، فتناول الإسراف في المال، وفي غيره. وقوله في
القصاص: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ
[الإسراء/ 33] ، فسرفه أن يقتل غير قاتله، إمّا بالعدول عنه
إلى من هو أشرف منه، أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت
الجاهلية تفعله، وقولهم: مررت بكم فَسَرِفْتُكُمْ «2» ، أي:
جهلتكم، من هذا، وذاك أنه تجاوز ما لم يكن حقّه أن يتجاوز
فجهل، فلذلك فسّر به، والسُّرْفَةُ: دويبّة تأكل الورق، وسمّي
بذلك لتصوّر معنى الإسراف منه، يقال:
سُرِفَتِ الشجرةُ فهي مسروفة.
سرق
السَّرِقَةُ: أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، وصار ذلك في الشّرع
لتناول الشيء من موضع مخصوص، وقدر مخصوص، قال تعالى:
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
[المائدة/ 38] ، وقال تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ
سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ
[يوسف/ 77] ، وقال: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ
[يوسف/ 70] ، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [يوسف/ 81] ، واسْتَرَقَ
السّمع: إذا تسمّع مستخفيا، قال تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ
السَّمْعَ [الحجر/ 18] ، والسَّرَقُ والسَّرَقَةُ واحد، وهو
الحرير.
سرمد
السَّرْمَدُ: الدّائم، قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [القصص/ 71] ،
وبعده: النَّهارَ سَرْمَداً [القصص/ 72] .
سرى
السُّرَى: سير اللّيل، يقال: سَرَى وأَسْرَى.
قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ
[هود/ 81] ، وقال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا [الإسراء/ 1] ، وقيل: إنّ (أسرى) ليست من لفظة سرى
يسري، وإنما هي من السَّرَاةِ، وهي أرض واسعة، وأصله من الواو،
ومنه قول الشاعر:
__________
(1) قال تعالى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ: أَتَأْتُونَ
الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ الأعراف/ 80- 81.
(2) حكى الأصمعيّ عن بعض الأعراب وواعده أصحاب له من المسجد
مكانا، فأخلفهم، فقيل له في ذلك، فقال:
مررت بكم فسرفتكم، أي: أغفلتكم. انظر الصحاح، والعباب: سرف.
(1/408)
232-
بسرو حمير أبوال البغال به
«1» فأسرى نحو أجبل وأتهم، وقوله تعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
[الإسراء/ 1] ، أي: ذهب به في سراة من الأرض، وسَرَاةُ كلّ
شيء: أعلاه، ومنه: سَرَاةُ النهار، أي: ارتفاعه، وقوله تعالى:
قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا
[مريم/ 24] أي: نهرا يسري «2» ، وقيل: بل ذلك من السّرو، أي:
الرّفعة. يقال، رجل سَرْوٌ.
قال: وأشار بذلك إلى عيسى عليه السلام وما خصّه به من سروه،
يقال: سَرَوْتُ الثوبَ عنّي، أي: نزعته، وسَرَوْتُ الجُلَّ عن
الفرس «3» ، وقيل: ومنه: رجل سَرِيٌّ، كأنه سَرَى ثوبه بخلاف
المتدثّر، والمتزمّل، والزّمّيل «4» ، وقوله: وأَسَرُّوهُ
بِضاعَةً [يوسف/ 19] ، أي: خمّنوا في أنفسهم أن يحصّلوا من
بيعه بضاعة، والسَّارِيَةُ يقال للقوم الذين يَسْرُونَ بالليل،
وللسّحابة التي تسري، وللأسطوانة.
سطح
السَّطْحُ: أعلى البيت. يقال: سَطَحْتُ البيت: جعلت له سطحا،
وسَطَحْتُ المكان:
جعلته في التّسوية كَسَطْحٍ، قال: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ
سُطِحَتْ
[الغاشية/ 20] ، وانْسَطَحَ الرّجل: امتدّ على قفاه، قيل:
وسمّي سَطِيحُ الكاهن «5» لكونه مُنْسَطِحاً لزمانة.
والْمِسْطَحُ: عمود الخيمة الذي يجعل به لها سطحا، وسَطَحْتُ
الثّريدة في القصعة: بسطتها.
سطر
السَّطْرُ والسَّطَرُ: الصّفّ من الكتابة، ومن الشّجر المغروس،
ومن القوم الوقوف، وسَطَّرَ فلان كذا: كتب سطرا سطرا، قال
تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
[القلم/ 1] ، وقال تعالى:
وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
[الطور/ 1- 2] ، وقال: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً
[الإسراء/ 58] ، أي: مثبتا محفوظا، وجمع السّطر أَسْطُرٌ،
وسُطُورٌ، وأَسْطَارٌ، قال الشاعر:
233-
إنّي وأسطار سُطِرْنَ سطرا
«6» وأما قوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ
[الأنعام/ 24] ، فقد قال المبرّد: هي جمع أُسْطُورَةٍ،
__________
(1) هذا شطر بيت، وعجزه:
أنّى تسدّيت وهنا ذلك البينا
وهو لابن مقبل في ديوانه ص 316، وشرح مقصورة ابن دريد لابن
خالويه ص 497.
(2) أخرجه ابن جرير 16/ 69 عن ابن عباس ومجاهد.
(3) وجلّ الدابة وجلّها: الذي تلبسه لتصان به، والجمع أجلال
وجلال. اللسان (جلل) .
(4) الزّمّيل والزُّمل والزَّمّل بمعنى الضعيف الجبان الرذل.
(5) راجع: خبره في أعلام النبوة للماوردي ص 165.
(6) هذا شطر بيت، وعجزه:
لقائل يا نصر نصر نصرا
وهو لذي الرمّة، وقيل لرؤبة بن العجاج، وهو في ديوان رؤبة ص
174، وشواهد سيبويه 1/ 304، وشذور الذهب ص 564، وابن يعيش 2/
3.
(1/409)
نحو: أرجوحة وأراجيح، وأثفيّة وأثافي،
وأحدوثة وأحاديث. وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا
أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل/
24] ، أي: شيء كتبوه كذبا ومينا، فيما زعموا، نحو قوله تعالى:
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ
بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان/ 5] ، وقوله تعالى: فَذَكِّرْ
إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ
[الغاشية/ 21- 22] ، وقوله: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
[الطور/ 37] ، فإنه يقال: تسيطر فلان على كذا، وسَيْطَرَ عليه:
إذا أقام عليه قيام سطر، يقول: لست عليهم بقائم. واستعمال
(الْمُسَيْطِر) هاهنا كاستعمال (القائم) في قوله:
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد/
33] ، و (حفيظ) في قوله: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
[الأنعام/ 104] ، وقيل: معناه لست عليهم بحفيظ، فيكون المسيطر
(كالكاتب) في قوله: وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ
[الزخرف/ 80] ، وهذه الكتابة هي المذكورة في قوله:
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ
وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ [الحج/ 70] .
سطا
السَّطْوَةُ: البطش برفع اليد. يقال: سَطَا به.
قال تعالى: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ
عَلَيْهِمْ آياتِنا
[الحج/ 72] ، وأصله من: سَطَا الفرس على الرّمكة «1» يَسْطُو
إذا أقام على رجليه رافعا يديه إمّا مرحا، وإمّا نزوا على
الأنثى، وسَطَا الرّاعي: أخرج الولد ميّتا من بطن أمّه،
وتستعار السَّطْوَةُ للماء كالطّغو، يقال: سَطَا الماء وطغى.
سعد
السَّعْدُ والسَّعَادَةُ: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على
نيل الخير، ويضادّه الشّقاوة، يقال: سَعِدَ وأَسْعَدَهُ الله،
ورجل سَعِيدٌ، وقوم سُعَدَاءُ، وأعظم السّعادات الجنّة، فلذلك
قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ
[هود/ 108] ، وقال: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
[هود/ 105] ، والْمُسَاعَدَةُ: المعاونة فيما يظنّ به
سَعَادَةً. وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لبّيك وسَعْدَيْكَ»
«2» معناه:
أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد، أو سَاعَدَكُمْ مُسَاعَدَةً بعد
مساعدة، والأوّل أولى. والْإِسْعَادُ في البكاء خاصّة، وقد
اسْتَسْعَدْتُهُ فَأَسْعَدَنِي.
__________
(1) الرّمكة: الأنثى من البراذين، والجمع رماك ورمكات. اللسان
(رمك) .
(2) عن عبد الله بن عمر أنّ تلبية رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد
والنعمة لك والملك، لا شريك لك» . قال نافع: وكان عبد الله بن
عمر يزيد فيها: لبّيك لبّيك، لبّيك وسعديك، والخير بيديك،
لبّيك والرّغبى إليك والعمل. زاد مسلم: قال ابن عمر: كان عمر
يهلّ بهذا ويزيد: لبيك ... إلخ. أخرجه البخاري ومسلم ومالك،
انظر: شرح السنة 7/ 49، ومسلم (1184) ، وفتح الباري 3/ 409-
410.
(1/410)
والسَّاعِدُ: العضو تصوّرا
لِمُسَاعَدَتِهَا، وسمّي جناحا الطائر سَاعِدَيْنِ كما سمّيا
يدين، والسَّعْدَانُ: نبت يغزر اللّبن، ولذلك قيل: مرعى ولا
كَالسَّعْدَانِ «1» ، والسَّعْدَانَةُ: الحمامة، وعقدة الشّسع،
وكركرة البعير، وسُعُودُ الكواكب معروفة.
سعر
السِّعْرُ: التهاب النار، وقد سَعَرْتُهَا، وسَعَّرْتُهَا،
وأَسْعَرْتُهَا، والْمِسْعَرُ: الخشب الذي يُسْعَرُ به،
واسْتَعَرَ الحرب، واللّصوص، نحو: اشتعل، وناقة مَسْعُورَةٌ،
نحو: موقدة، ومهيّجة. السُّعَارُ:
حرّ النار، وسَعُرَ الرّجل: أصابه حرّ، قال تعالى:
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً
[النساء/ 10] ، وقال تعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ
[التكوير/ 12] ، وقرئ بالتخفيف «2» ، وقوله: عَذابَ السَّعِيرِ
[الملك/ 5] ، أي: حميم، فهو فعيل في معنى مفعول، وقال تعالى:
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ
[القمر/ 47] ، والسِّعْرُ في السّوق، تشبيها بِاسْتِعَارِ
النار.
سعى
السَّعْيُ: المشي السّريع، وهو دون العدو، ويستعمل للجدّ في
الأمر، خيرا كان أو شرّا، قال تعالى: وَسَعى فِي خَرابِها
[البقرة/ 114] ، وقال: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
[التحريم/ 8] ، وقال: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً
[المائدة/ 64] ، وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ [البقرة/
205] ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ
سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى [النجم/ 39- 40] ، إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى [الليل/ 4] ، وقال تعالى: وَسَعى لَها سَعْيَها
[الإسراء/ 19] ، كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء/ 19] ،
وقال تعالى: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ [الأنبياء/ 94] .
وأكثر ما يستعمل السَّعْيُ في الأفعال المحمودة، قال الشاعر:
234-
إن أجز علقمة بن سعد سعيه ... لا أجزه ببلاء يوم واحد
«3» وقال تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
[الصافات/ 102] ، أي: أدرك ما سعى في
__________
(1) السّعدان: شوك النخل، والعرب تقول: أطيب الإبل لبنا ما أكل
السعدان.
وقولهم: مرعى ولا كالسّعدان، مثل، وسئلت امرأة تزوّجت عن زوجها
الثاني، أين هو من الأول؟ فقالت: مرعى ولا كالسعدان، فذهبت
مثلا. اللسان (سعد) ، والأمثال ص 135.
(2) قرأ بالتخفيف ابن كثير وهشام وأبو عمرو وحمزة والكسائي
وروح عن يعقوب وخلف وشعبة عن عاصم.
(3) البيت لفدكي بن أعبد، وهو في الحيوان 3/ 468، والبيان
والتبيين 3/ 233، واللسان (لمم) . [.....]
(1/411)
طلبه، وخصّ المشي فيما بين الصّفا والمروة
بالسعي، وخصّت السّعاية بالنميمة، وبأخذ الصّدقة، وبكسب
المكاتب لعتق رقبته، والمساعاة بالفجور، والمسعاة بطلب
المكرمة، قال تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا
مُعاجِزِينَ
[سبأ/ 5] ، أي: اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزا فيما أنزلناه من
الآيات.
سغب
قال تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
[البلد/ 14] ، من السَّغَبِ، وهو الجوع مع التّعب، وقد قيل: في
العطش مع التّعب، يقال: سَغِبَ سَغَباً وسُغُوباً «1» ، وهو
سَاغِبٌ، وسَغْبَانُ، نحو: عطشان.
سفر
السَّفْرُ: كشف الغطاء، ويختصّ ذلك بالأعيان، نحو: سَفَرَ
العمامة عن الرّأس، والخمار عن الوجه، وسَفْرُ البيتِ:
كَنْسُهُ بِالْمِسْفَرِ، أي: المكنس، وذلك إزالة السَّفِيرِ
عنه، وهو التّراب الذي يكنس منه، والإِسْفارُ يختصّ باللّون،
نحو: وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ
[المدثر/ 34] ، أي: أشرق لونه، قال تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ
[عبس/ 38] ، و «أَسْفِرُوا بالصّبح تؤجروا» »
من قولهم:
أَسْفَرْتُ، أي: دخلت فيه، نحو: أصبحت، وسَفَرَ الرّجل فهو
سَافِرٌ، والجمع السَّفْرُ، نحو:
ركب. وسَافَرَ خصّ بالمفاعلة اعتبارا بأنّ الإنسان قد سَفَرَ
عن المكان، والمكان سفر عنه، ومن لفظ السَّفْرِ اشتقّ
السُّفْرَةُ لطعام السَّفَرِ، ولما يوضع فيه. قال تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ [النساء/ 43] ،
والسِّفْرُ: الكتاب الذي يُسْفِرُ عن الحقائق، وجمعه
أَسْفَارٌ، قال تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً
[الجمعة/ 5] ، وخصّ لفظ الأسفار في هذا المكان تنبيها أنّ
التّوراة- وإن كانت تحقّق ما فيها- فالجاهل لا يكاد يستبينها
كالحمار الحامل لها، وقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ
بَرَرَةٍ
[عبس/ 15- 16] ، فهم الملائكة الموصوفون بقوله:
كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار/ 11] ، والسَّفَرَةُ:
جمع سَافِرٍ، ككاتب وكتبة، والسَّفِيرُ: الرّسول بين القوم
يكشف ويزيل ما بينهم من الوحشة،
__________
(1) قال السرقسطي: سغب وسغب لغتان، ولغة سغب بالضم: جاع.
وقال بعض أهل اللغة: لا يكون السّغب إلا الجوع مع التعب، وربما
سمّي العطش سغبا، وليس بمستعمل، قال: والمصدر: السّغابة
والسّغوب. انظر: الأفعال 3/ 519.
(2) الحديث عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يقول: «أسفروا بالفجر فإنّه أعظم للأجر» . أخرجه
الترمذي وقال: حسن صحيح، وأحمد 3/ 465، وابن ماجة (262) وصححه،
والنسائي 1/ 272، وقال البغوي:
هذا حديث حسن، وانظر: شرح السنة 2/ 196.
(1/412)
فهو فعيل في معنى فاعل، والسِّفَارَةُ:
الرّسالة، فالرّسول، والملائكة، والكتب، مشتركة في كونها
سَافِرَةٌ عن القوم ما استبهم عليهم، والسَّفِيرُ: فيما يكنس
في معنى المفعول، والسِّفَارُ في قول الشاعر:
235-
وما السّفار قبّح السّفار
«1» فقيل: هو حديدة تجعل في أنف البعير، فإن لم يكن في ذلك
حجّة غير هذا البيت، فالبيت يحتمل أن يكون مصدر سَافَرْتُ «2»
.
سفع
السَّفْعُ: الأخذ بِسُفْعَةِ الفرس، أي: سواد ناصيته، قال الله
تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ
[العلق/ 15] ، وباعتبار السّواد قيل للأثافي:
سُفْعٌ، وبه سُفْعَةُ غضب، اعتبارا بما يعلو من اللّون
الدّخانيّ وجه من اشتدّ به الغضب، وقيل للصّقر: أَسْفَعُ، لما
به من لمع السّواد، وامرأة سَفْعَاءُ اللّون.
سفك
السَّفْكُ في الدّم: صَبُّهُ، قال تعالى: وَيَسْفِكُ الدِّماءَ
[البقرة/ 30] ، وكذا في الجوهر المذاب، وفي الدّمع.
سفل
السُّفْلُ: ضدّ العلو، وسَفُلَ فهو سَافِلٌ، قال تعالى:
فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها [الحجر/ 74] ، وأَسْفَل ضدّ
أعلى، قال تعالى: وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأنفال/ 42]
، وسَفُلَ صار في سفل، وقال تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ
سافِلِينَ [التين/ 5] ، وقال: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلى
[التوبة/ 40] ، وقد قوبل بفوق في قوله: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ
فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأحزاب/ 10] ،
وسُفَالَةُ الرّيح:
حيث تمرّ الرّيح، والعلاوة ضدّه. والسِّفْلَةُ «3» من الناس:
النّذل، نحو الدّون، وأمرهم في سَفَالٍ.
سفن
السَّفَنُ: نحت ظاهر الشيء، كَسَفَنَ العودَ، والجلدَ، وسَفَنَ
الرّيح التّراب عن الأرض، قال الشاعر:
236-
فجاء خفيّا يَسْفِنُ الأرض صدره
«4»
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
ما كان أجمالي وما القطار
وهو في مقاييس اللغة (سفر) ، والمجمل 2/ 465.
(2) وهذا من اجتهادات الراغب في اللغة.
(3) يقال: السّفلة، والسّفلة، كاللّبنة واللّبنة.
(4) هذا شطر بيت، وعجزه:
ترى التّرب منه لاصقا كلّ ملصق
وهو لامرئ القيس في ديوانه ص 138، والبصائر 3/ 228، والمجمل 2/
463، والفرق بين الحروف الخمسة ص 446.
(1/413)
والسَّفَنُ نحو النّقض لما يُسْفَنُ، وخصّ
السَّفَنُ بجلدة قائم السّيف، وبالحديدة التي يَسْفِنُ بها،
وباعتبار السَّفْنِ سمّيت السَّفِينَةُ. قال الله تعالى:
أَمَّا السَّفِينَةُ [الكهف/ 79] ، ثمّ تجوّز بالسفينة، فشبّه
بها كلّ مركوب سهل.
سفه
السَّفَهُ: خفّة في البدن، ومنه قيل: زمام سَفِيهٌ: كثير
الاضطراب، وثوب سَفِيهٌ: رديء النّسج، واستعمل في خفّة النّفس
لنقصان العقل، وفي الأمور الدّنيويّة، والأخرويّة، فقيل:
سَفِهَ نَفْسَهُ
[البقرة/ 130] ، وأصله سَفِهَتْ نفسه، فصرف عنه الفعل «1» ،
نحو: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [القصص/ 58] ، قال في السَّفَهِ
الدّنيويّ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ
[النساء/ 5] ، وقال في الأخرويّ: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ
سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً [الجن/ 4] ، فهذا من السّفه
في الدّين، وقال: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ
[البقرة/ 13] ، فنبّه أنهم هم السّفهاء في تسمية المؤمنين
سفهاء، وعلى ذلك قوله: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما
وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها
[البقرة/ 142] .
سقر
من سَقَرَتْهُ الشمسُ «2» ، وقيل: صقرته، أي:
لوّحته وأذابته، وجُعل سَقَرُ اسم علم لجهنّم قال تعالى: ما
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر/ 42] ، وقال تعالى: ذُوقُوا
مَسَّ سَقَرَ [القمر/ 48] ، ولمّا كان السَّقْرُ يقتضي
التّلويح في الأصل نبّه بقوله: وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا
تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ [المدثر/ 27- 29] ،
أنّ ذلك مخالف لما نعرفه من أحوال السّقر في الشاهد.
سقط
السُّقُوطُ: طرح الشيء، إمّا من مكان عال إلى مكان منخفض كسقوط
الإنسان من السّطح، قال تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
[التوبة/ 49] ، وسقوط منتصب القامة، وهو إذا شاخ وكبر، قال
تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً
[الطور/ 44] ، وقال: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ
السَّماءِ
[الشعراء/ 187] ، والسِّقَطُ والسُّقَاطُ: لما يقلّ الاعتداد
به، ومنه قيل: رجل سَاقِطٌ لئيم في حَسَبِهِ، وقد أَسْقَطَهُ
كذا، وأسقطت المرأة اعتبر فيه الأمران:
__________
(1) قال السمين الحلبي: قوله: «نفسه» في نصبه سبعة أوجه،
أحدها- وهو المختار-: أن يكون مفعولا به، لأنّ ثعلبا والمبرّد
حكيا أنّ «سفه» بكسر الفاء يتعدّى بنفسه.
ثم ذكر، الثالث: أنه منصوب على إسقاط حرف الجرّ، تقديره: سفه
في نفسه. وراجع: الدر المصون 2/ 120، فقد أجاد وأفاد، وجمع
وأوعى.
(2) انظر: مجمل اللغة 2/ 466.
(1/414)
السّقوط من عال، والرّداءة جميعا، فإنه لا
يقال: أسقطت المرأة إلا في الولد الذي تلقيه قبل التمام، ومنه
قيل لذلك الولد: سقط «1» ، وبه شبّه سقط الزّند بدلالة أنه قد
يسمّى الولد، وقوله تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ
[الأعراف/ 149] ، فإنه يعني النّدم، وقرئ: تُساقِطْ عَلَيْكِ
رُطَباً جَنِيًّا
[مريم/ 25] «2» ، أي: تسّاقط النّخلة، وقرئ: تُساقِطْ «3»
بالتّخفيف، أي: تَتَسَاقَطُ فحذف إحدى التاءين، وإذا قرئ
(تَسَاقَطْ) فإنّ تفاعل مطاوع فاعل، وقد عدّاه كما عدّي تفعّل
في نحو: تجرّعه، وقرئ: يَسَّاقَطْ عليك «4» أي: يسّاقط الجذع.
سقف
سَقْفُ البيت، جمعه: سُقُفٌ، وجعل السماء سقفا في قوله تعالى:
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور/ 5] ، وقال تعالى:
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [الأنبياء/ 32] ،
وقال:
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ [الزخرف/ 33] ،
والسَّقِيفَةُ: كلّ مكان له سقف، كالصّفّة، والبيت،
والسَّقَفُ: طول في انحناء تشبيها بالسّقف.
سقم
السَّقَمُ والسُّقْمُ: المرض المختصّ بالبدن والمرض قد يكون في
البدن وفي النّفس، نحو:
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة/ 10] ، وقوله تعالى: إِنِّي
سَقِيمٌ
[الصافات/ 89] فمن التّعريض، أو الإشارة إلى ماض، وإمّا إلى
مستقبل، وإمّا إلى قليل ممّا هو موجود في الحال، إذ كان
الإنسان لا ينفكّ من خلل يعتريه وإن كان لا يحسّ به، ويقال:
مكان سَقِيمٌ، إذا كان فيه خوف.
سقى
السَّقْيُ والسُّقْيَا: أن يعطيه ما يشرب، والْإِسْقَاءُ:
أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء، فالإسقاء أبلغ من السّقي،
لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يسقى منه ويشرب، تقول:
أَسْقَيْتُهُ نهرا، قال تعالى: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً
طَهُوراً
[الإنسان/ 21] ، وقال: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً
[محمد/ 15] ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
[الشعراء/ 79] ، وقال في الإسقاء وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً
فُراتاً [المرسلات/ 27] ، وقال: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ [الحجر/
22] ، أي:
جعلناه سَقْياً لكم، وقال: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي
__________
(1) السّقط مثّلث السين.
(2) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي
وخلف.
(3) وهي قراءة حمزة.
(4) وهي قراءة شعبة ويعقوب، وقرأ حفص تُساقِطْ.
(1/415)
بُطُونِها [المؤمنون/ 21] ، بالفتح والضم
«1» ، ويقال للنّصيب من السّقي: سقي، وللأرض الّتي تسقى سقي،
لكونهما مفعولين كالنّقض، والاسْتِسْقاءُ: طلب السّقي، أو
الإسقاء، قال تعالى: وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى
[البقرة/ 60] ، والسِّقَاءُ: ما يجعل فيه ما يسقى، وأسقيتك
جلدا: أعطيتكه لتجعله سقاء، وقوله تعالى:
جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ
[يوسف/ 70] ، فهو المسمّى صواع الملك، فتسميته السِّقَايَةَ
تنبيها أنه يسقى به، وتسميته صواعا أنه يكال به.
سكب
قال عزّ وجلّ: وَماءٍ مَسْكُوبٍ
[الواقعة/ 31] ، أي: مصبوب، وفرس سَكْبُ الجري، وسَكَبْتُهُ
فَانْسَكَبَ، ودمع سَاكِبٌ، متصوّر بصورة الفاعل، وقد يقال:
مُنْسَكِبٌ، وثوب سَكْبٌ، تشبيها بالمنصبّ لدقّته ورقّته كأنّه
ماء مسكوب.
سكت
السُّكُوتُ مختصّ بترك الكلام، ورجل سِكِّيتٌ، وسَاكُوتٌ: كثير
السّكوت، والسَّكْتَةُ والسُّكَاتُ: ما يعتري من مرض،
والسَّكْتُ يختصّ بسكون النّفس في الغناء، والسَّكتَاتُ في
الصلاة: السّكوت في حال الافتتاح، وبعد الفراغ، والسُّكَيْتُ:
الذي يجيء آخر الحلبة، ولمّا كان السّكوت ضربا من السّكون
استعير له في قوله: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ
[الأعراف/ 154] .
سكر
السُّكْرُ: حالة تعرض بيت المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في
الشّراب، وقد يعتري من الغضب والعشق، ولذلك قال الشاعر:
237-
سكران: سكر هوى، وسكر مدامة
«2» ومنه: سَكَرَاتُ الموت، قال تعالى:
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ
[ق/ 19] ، والسَّكَرُ:
اسم لما يكون منه السّكر. قال تعالى: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ
سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً
[النحل/ 67] ، والسَّكْرُ: حبس الماء، وذلك باعتبار ما يعرض من
السّدّ بين المرء وعقله، والسِّكْرُ: الموضع المسدود، وقوله
تعالى: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا
[الحجر/ 15] ، قيل: هو من السَّكْرِ، وقيل: هو من السُّكْرِ،
وليلة سَاكِرَةٌ، أي: ساكنة اعتبارا
__________
(1) قرأ نسقيكم بفتح النون نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب،
وقرأ أبو جعفر تسقيكم بالتاء المفتوحة، والباقون بالنون
المضمومة. الإتحاف 318.
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
أنّى يفيق فتى به سكران
وهو في البصائر 3/ 233، والدر المصون 3/ 689، وعمدة الحفاظ:
سكر، وتاج العروس: سكر، دون نسبة في الجميع، وهو للخليع
الدمشقي من أبيات له في يتيمة الدهر 1/ 333.
وانظر الإكسير في صناعة التفسير ص 328. [.....]
(1/416)
بالسّكون العارض من السّكر.
سكن
السُّكُونُ: ثبوت الشيء بعد تحرّك، ويستعمل في الاستيطان نحو:
سَكَنَ فلان مكان كذا، أي:
استوطنه، واسم المكان مَسْكَنُ، والجمع مَسَاكِنُ، قال تعالى:
لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف/ 25] ، وقال تعالى:
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
[الأنعام/ 13] ، ولِتَسْكُنُوا فِيهِ
[يونس/ 67] ، فمن الأوّل يقال: سكنته، ومن الثاني يقال:
أَسْكَنْتُهُ نحو قوله تعالى:
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم/ 37] ،
وقال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ
وُجْدِكُمْ
[الطلاق/ 6] ، وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً
بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [المؤمنون/ 18] ،
فتنبيه منه على إيجاده وقدرته على إفنائه، والسَّكَنُ: السّكون
وما يُسْكَنُ إليه، قال تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
بُيُوتِكُمْ سَكَناً [النحل/ 80] ، وقال تعالى:
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
[التوبة/ 103] ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام/ 96] ،
والسَّكَنُ: النّار الّتي يسكن بها، والسُّكْنَى: أن يجعل له
السّكون في دار بغير أجرة، والسَّكْنُ:
سُكَّانُ الدّار، نحو سفر في جمع سافر، وقيل في جمع ساكن:
سُكَّانٌ، وسكّان السّفينة: ما يسكّن به، والسِّكِّينُ سمّي
لإزالته حركة المذبوح، وقوله تعالى: أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي
قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
[الفتح/ 4] ، فقد قيل: هو ملك يُسَكِّنُ قلب المؤمن ويؤمّنه
«1» ، كما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: (إنّ
السَّكِينَةَ لتنطق على لسان عمر) «2» ، وقيل: هو العقل، وقيل
له سكينة إذا سكّن عن الميل إلى الشّهوات، وعلى ذلك دلّ قوله
تعالى: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد/
28] . وقيل: السَّكِينَةُ والسَّكَنُ واحد، وهو زوال الرّعب،
وعلى هذا قوله تعالى: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ
سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة/ 248] ، وما ذكر أنّه شيء
رأسه كرأس الهرّ فما أراه قولا يصحّ «3» . والْمِسْكِينُ قيل:
هو الذي لا شيء له، وهو أبلغ من الفقير،
__________
(1) ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والبخاري ومسلم عن أبي العالية
قال: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فينظر
فإذا صبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر للنبي صلّى الله عليه وسلم
قال: «اقرأ فلان، فإنها السكينة نزلت للقرآن» . وفي رواية:
«تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما
تستتر منهم» .
انظر: الدر المنثور 5/ 354، وتفسير القرطبي 3/ 249، وفتح
الباري 9/ 57.
(2) وهذا مرويّ عن ابن مسعود، بلفظ: «كنّا أصحاب محمد لا نشك
أن السكينة تكلّم على لسان عمر» . انظر: النهاية 2/ 386،
والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 29.
(3) وهذا مرويّ عن مجاهد أنه قال: السّكينة من الله كهيئة
الهرّ، لها وجه كوجه الهرّ وجناحان وذنب مثل ذنب الهر.
انظر: الدر المنثور 1/ 758. وغرائب التفسير 1/ 222. وهذا أشبه
بروايات الإسرائيليات. والله أعلم.
(1/417)
وقوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ
لِمَساكِينَ [الكهف/ 79] ، فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب
السّفينة، أو لأنّ سفينتهم غير معتدّ بها في جنب ما كان لهم من
المسكنة، وقوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ
وَالْمَسْكَنَةُ [البقرة/ 61] ، فالميم في ذلك زائدة في أصحّ
القولين.
سل
سَلُّ الشيء من الشيء: نزعه، كسلّ السّيف من الغمد، وسَلُّ
الشيء من البيت على سبيل السّرقة، وسَلُّ الولد من الأب، ومنه
قيل للولد:
سَلِيلٌ. قال تعالى: يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً
[النور/ 63] ، وقوله تعالى: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ
[المؤمنون/ 12] ، أي: من الصّفو الذي يُسَلُّ من الأرض، وقيل:
السُّلَالَةُ كناية عن النطفة تصوّر دونه صفو ما يحصل منه.
والسُّلُّ «1» : مرض ينزع به اللّحم والقوّة، وقد أَسَلَّهُ
الله، وقوله عليه السلام: «لا إِسْلَالَ ولا إغلال» «2» .
وتَسَلْسَلَ الشيء اضطرب، كأنه تصوّر منه تَسَلُّلٌ متردّد،
فردّد لفظه تنبيها على تردّد معناه، ومنه السِّلْسِلَةُ، قال
تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً [الحاقة/
32] ، وقال تعالى: سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً
[الإنسان/ 4] ، وقال: وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غافر/ 71] ،
وروي: «يا عجبا لقوم يقادون إلى الجنّة بالسّلاسل» «3» . وماء
سَلْسَلٌ:
متردّد في مقرّه حتى صفا، قال الشاعر:
238-
أشهى إليّ من الرّحيق السَّلْسَلِ
«4» وقوله تعالى: سَلْسَبِيلًا
[الإنسان/ 18] ، أي: سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية، وقيل: هو
اسم عين في الجنّة، وذكر بعضهم أنّ ذلك مركّب من قولهم: سل
سبيلا «5» ، نحو: الحوقلة
__________
(1) يقال: السّلّ والسّلّ والسّلال.
(2) الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد برقم 156، وأحمد في مسنده
4/ 325 في حديث صلح الحديبية، والسهيلي في الروض الأنف 4/ 28.
(3) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
«عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» أخرجه البخاري في
الجهاد 6/ 145، وأبو داود (2677) ، وانظر: شرح السنة 11/ 76.
(4) هذا عجز بيت، وشطره:
أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره
وهو لأبي كبير الهذلي، في شرح أشعار الهذليين 3/ 1069، واللسان
(سلسل) ، وتفسير القرطبي 19/ 263.
(5) الذي ذكر هذا هو أبو نصر الحدادي السمرقندي في كتابه
المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى، وقد طبع بتحقيقنا، فليراجع
فيه ما كتبناه على ذلك، وقد نسبه المؤلف فيه لعليّ بن أبي طالب
انظر: المدخل ص 106، وانظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 4.
وقال الزمخشري: وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب أنّ معناه: سل
سبيلا إليها، وهذا غير مستقيم على ظاهره، إلا أن يراد أنّ جملة
قول القائل: سل سبيلا جعلت علما للعين، كما قيل تأبط شرا، وهو
مع استقامته في العربية تكلّف وابتداع، وعزوه إلى مثل عليّ رضي
الله عنه أبدع. راجع: الكشاف 4/ 170، وغرائب التفسير 2/ 1289.
(1/418)
والبسملة ونحوهما من الألفاظ المركّبة،
وقيل:
بل هو اسم لكلّ عين سريع الجرية، وأسلة اللّسان: الطّرف
الرّقيق.
سلب
السَّلْبُ: نزع الشيء من الغير على القهر.
قال تعالى: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ
[الحج/ 73] ، والسَّلِيبُ:
الرّجل الْمَسْلُوبُ، والنّاقة التي سُلِبَ ولدها، والسَّلَبُ:
المسلوب، ويقال للحاء الشجر المنزوع منه سَلَبٌ، والسُّلُبُ في
قول الشاعر:
239-
في السُّلُبُ السّود وفي الأمساح
«1» فقد قيل: هي الثياب السّود التي يلبسها المصاب، وكأنها
سمّيت سَلَباً لنزعه ما كان يلبسه قبل. وقيل: تَسَلَّبَتِ
المرأة، مثل: أحدّت، والْأَسَالِيبُ: الفنون المختلفة.
سلح
السِّلَاحُ: كلّ ما يقاتل به، وجمعه أَسْلِحَةٌ، قال تعالى:
وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء/ 102] ،
أي: أمتعتهم، والْإِسْلِيحُ: نبت إذا أكلته الإبل غزرت وسمنت،
وكأنّما سمّي بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السّلاح، أي: منعت أن
تنحر، إشارة إلى ما قال الشاعر:
240-
أزمان لم تأخذ عليّ سلاحها ... إبلي بجلّتها ولا أبكارها
«2» والسُّلَاحُ: ما يقذف به البعير من أكل الْإِسْلِيحِ، وجعل
كناية عن كلّ عذرة حتى قيل في الحبارى: سلاحه سلاحه «3» .
سلخ
السَّلْخُ: نزع جلد الحيوان، يقال: سَلَخْتُهُ فَانْسَلَخَ،
وعنه استعير: سَلَخْتُ درعه: نزعتها، وسَلَخَ الشهر
وانْسَلَخَ، قال تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ
الْحُرُمُ [التوبة/ 5] ، وقال تعالى:
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ
[يس/ 37] ، أي: ننزع، وأسود سَالِخٌ، سلخ جلده، أي: نزعه،
ونخلة مِسْلَاخٌ: ينتثر بسرها الأخضر.
__________
(1) هذا عجز بيت، وصدره:
يخمشن حرّ أوجه صحاح
وهو للبيد من قصيدة له في رثاء عمّه أبي براء مالك بن عامر،
ملاعب الأسنّة وهي من أراجيز النواح.
والرجز في ديوانه ص 41، والبصائر 2/ 244، والمجمل 2/ 470.
(2) البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص 350، وأمالي المرتضى 2/
119، وغريب الحديث 1/ 205، والمعاني الكبير 1/ 391، واللسان
(سلح) ، وسمط اللآلئ 2/ 632.
(3) قال الجاحظ: الحبارى لها خزانة في دبرها وأمعائها، لها
أبدا فيها سلح رقيق، فمتى ألحّ عليها الصقر سلحت عليه، فينتف
ريشه كله، وفي ذلك هلاكه، وقد جعل الله تعالى سلحها سلاحا لها.
انظر: حياة الحيوان الكبرى 1/ 321، والحيوان 1/ 29، والبصائر
3/ 245.
(1/419)
سلط
السَّلَاطَةُ: التّمكّن من القهر، يقال: سَلَّطْتُهُ
فَتَسَلَّطَ، قال تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ
[النساء/ 90] ، وقال تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ
رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ
[الحشر/ 6] ، ومنه سمّي السُّلْطَانُ، والسُّلْطَانُ يقال في
السَّلَاطَةِ، نحو:
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ
سُلْطاناً [الإسراء/ 33] ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل/
99] ، إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ
[النحل/ 100] ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [الرحمن/ 33]
، وقد يقال لذي السَّلَاطَةِ، وهو الأكثر، وسمّي الحجّة
سلطانا، وذلك لما يلحق من الهجوم على القلوب، لكن أكثر تسلّطه
على أهل العلم والحكمة من المؤمنين، قال تعالى:
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ
[غافر/ 35] ، وقال: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [إبراهيم/
10] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا
وَسُلْطانٍ مُبِينٍ [غافر/ 23] ، وقال: أَتُرِيدُونَ أَنْ
تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً [النساء/
144] ، وقوله عزّ وجلّ:
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ [الحاقة/ 29] ، يحتمل السّلطانين.
والسَّلِيطُ: الزّيت بلغة أهل اليمن، وسَلَاطَةُ اللسان:
القوّة على المقال، وذلك في الذّمّ أكثر استعمالا. يقال: امرأة
سَلِيطَةٌ، وسنابك سَلْطَاتٌ «1» : لها تسلّط بقوّتها وطولها.
سلف
السَّلَفُ: المتقدّم، قال تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً
وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ
[الزخرف/ 56] ، أي:
معتبرا متقدّما، وقال تعالى: فَلَهُ ما سَلَفَ
[البقرة/ 275] ، أي: يتجافى عمّا تقدّم من ذنبه، وكذا قوله:
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ
[النساء/ 23] ، أي: ما تقدّم من فعلكم، فذلك متجافى عنه،
فالاستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل، ولفلان سَلَفٌ كريم،
أي:
آباء متقدّمون، جمعه أَسْلَافٌ، وسُلُوفٌ.
والسَّالِفَةُ صفحة العنق، والسَّلَفُ: ما قدّم من الثّمن على
المبيع، والسَّالِفَةُ والسُّلَافُ:
المتقدّمون في حرب، أو سفر، وسُلَافَةُ الخمر:
ما بقي من العصير، والسُّلْفَةُ: ما يقدّم من الطعام على
القرى، يقال: سَلِّفُوا ضيفكم ولهّنوه «2» .
سلق
السَّلْقُ: بسط بقهر، إمّا باليد أو باللسان، والتَّسَلُّقُ
على الحائط منه، قال: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ
[الأحزاب/ 19] ، يقال: سَلَقَ امرأته: إذا بسطها فجامعها، قال
مسيلمة:
__________
(1) السّنبك: طرف الحافر، وجانباه من قدم، وجمعه: سنابك. انظر:
اللسان (سنبك) ، و (سلط) .
(2) انظر عمدة الحفاظ: سلف، واللسان: لهن.
(1/420)
(وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع) «1»
والسَّلْقُ: أن تدخل إحدى عروتي الجوالق في الأخرى،
والسَّلِيقَةُ: خبز مرقّق، وجمعها سَلَائِقُ، والسَّلِيقَةُ
أيضا: الطّبيعة المتباينة، والسَّلْقُ: المطمئنّ من الأرض.
سلك
السُّلُوكُ: النّفاذ في الطّريق، يقال: سَلَكْتُ الطّريق،
وسَلَكْتُ كذا في طريقه، قال تعالى:
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً
[نوح/ 20] ، وقال: فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا
[النحل/ 69] ، يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
[الجن/ 27] ، وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [طه/ 53] ، ومن
الثاني قوله: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
[المدثر/ 42] ، وقوله: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ
الْمُجْرِمِينَ
[الحجر/ 12] ، كَذلِكَ سَلَكْناهُ [الشعراء/ 200] ، فَاسْلُكْ
فِيها
[المؤمنون/ 27] ، يَسْلُكْهُ عَذاباً [الجن/ 17] . قال بعضهم:
سَلَكْتُ فلانا طريقا، فجعل عذابا مفعولا ثانيا، وقيل: (عذابا)
هو مصدر لفعل محذوف، كأنه قيل: نعذّبه به عذابا، والطّعنة
السُّلْكَةُ: تلقاء وجهك، والسُّلْكَةُ: الأنثى من ولد الحجل،
والذّكر: السُّلَكُ.
سلم
السِّلْمُ والسَّلَامَةُ: التّعرّي من الآفات الظاهرة
والباطنة، قال: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
[الشعراء/ 89] ، أي: متعرّ من الدّغل، فهذا في الباطن، وقال
تعالى: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها
[البقرة/ 71] ، فهذا في الظاهر، وقد سَلِمَ يَسْلَمُ
سَلَامَةً، وسَلَاماً، وسَلَّمَهُ الله، قال تعالى: وَلكِنَّ
اللَّهَ سَلَّمَ
[الأنفال/ 43] ، وقال: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ
[الحجر/ 46] ، أي: سلامة، وكذا قوله: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا
[هود/ 48] .
والسّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا
فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم، كما قال
تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام/ 127]
، أي:
السلامة، قال: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يونس/
25] ، وقال تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة/ 16] ، يجوز أن يكون كلّ
ذلك من السّلامة. وقيل:
__________
(1) البيت قاله مسيلمة لسجاح التي ادّعت النبوة، وقبله:
ألا قومي إلى النيك ... فقد هيئ لك المضجع
فإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
انظر: غرر الخصائص الواضحة 172، وشرح مقامات الحريري للشريشي
2/ 164. [.....]
(1/421)
السَّلَامُ اسم من أسماء الله تعالى «1» ،
وكذا قيل في قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ [الأنعام/ 127] ،
والسَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
[الحشر/ 23] ، قيل: وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات
التي تلحق الخلق، وقوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
[يس/ 58] ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ [الرعد/ 24] ،
سلام على آل ياسين «2» كلّ ذلك من الناس بالقول، ومن الله
تعالى بالفعل، وهو إعطاء ما تقدّم ذكره ممّا يكون في الجنّة من
السّلامة، وقوله: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا
سَلاماً
[الفرقان/ 63] ، أي: نطلب منكم السّلامة، فيكون قوله (سلاما)
نصبا بإضمار فعل، وقيل: معناه: قالوا سَلَاماً، أي: سدادا من
القول، فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف. وقوله تعالى: إِذْ
دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [الذاريات/
25] ، فإنما رفع الثاني، لأنّ الرّفع في باب الدّعاء أبلغ «3»
، فكأنّه تحرّى في باب الأدب المأمور به في قوله: وَإِذا
حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها [النساء/
86] ، ومن قرأ سلم «4» فلأنّ السّلام لمّا كان يقتضي السّلم،
وكان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة، فلمّا رآهم
مُسَلِّمِينَ تصوّر من تَسْلِيمِهِمْ أنهم قد بذلوا له سلما،
فقال في جوابهم: (سلم) ، تنبيها أنّ ذلك من جهتي لكم كما حصل
من جهتكم لي. وقوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا
تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً
[الواقعة/ 25- 26] ، فهذا لا يكون لهم بالقول فقط، بل ذلك
بالقول والفعل جميعا. وعلى ذلك قوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ
أَصْحابِ الْيَمِينِ [الواقعة/ 91] ، وقوله:
وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف/ 89] ، فهذا في الظاهر أن تُسَلِّمَ
عليهم، وفي الحقيقة سؤال الله السَّلَامَةَ منهم، وقوله تعالى:
سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات/ 79] ، سَلامٌ
عَلى مُوسى وَهارُونَ [الصافات/ 120] ، سَلامٌ عَلى
إِبْراهِيمَ [الصافات/ 109] ، كلّ هذا تنبيه من الله تعالى
أنّه جعلهم بحيث يثنى
__________
(1) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 53، والمقصد الأسنى
للغزالي ص 47.
(2) سورة الصافات: آية 130، وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب.
انظر: الإتحاف ص 370.
(3) قال ابن القيم: إنّ سلام الملائكة تضمّن جملة فعلية، لأنّ
نصب السلام يدل على: سلمنا عليك سلاما، وسلام إبراهيم تضمن
جملة اسمية، لأن رفعه يدل على أن المعنى: سلام عليكم، والجملة
الاسمية تدل على الثبوت والتقرر، والفعلية تدل على الحدوث
والتجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه. انظر: بدائع
الفوائد 2/ 157.
(4) وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الإتحاف ص 399.
(1/422)
عليهم، ويدعى لهم. وقال تعالى: فَإِذا
دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ
[النور/ 61] ، أي:
ليسلّم بعضكم على بعض. والسَّلَامُ والسِّلْمُ والسَّلَمُ:
الصّلح قال: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ
السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً
«1» [النساء/ 94] ، وقيل: نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام
ومطالبته بالصّلح «2» وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
[البقرة/ 208] ، وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ
[الأنفال/ 61] ، وقرئ لِلسَّلْمِ
«3» بالفتح، وقرئ: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ
السَّلَمَ «4» ، وقال: يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ
سالِمُونَ
[القلم/ 43] ، أي:
مُسْتَسْلِمُونَ، وقوله: ورجلا سالما لرجل «5» وقرئ سلما و
(سَلَماً)
«6» ، وهما مصدران، وليسا بوصفين كحسن ونكد. يقول: سَلِمَ
سَلَماً وسِلْماً، وربح ربحا وربحا. وقيل: السِّلْمُ اسم بإزاء
حرب، والْإِسْلَامُ: الدّخول في السّلم، وهو أن يسلم كلّ واحد
منهما أن يناله من ألم صاحبه، ومصدر أسلمت الشيء إلى فلان: إذا
أخرجته إليه، ومنه: السَّلَمُ في البيع. والْإِسْلَامُ في
الشّرع على ضربين:
أحدهما: دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان، وبه يحقن الدّم،
حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، وإيّاه قصد بقوله: قالَتِ
الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا
أَسْلَمْنا
[الحجرات/ 14] .
والثاني: فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب،
ووفاء بالفعل، واستسلام لله في جميع ما قضى وقدّر، كما ذكر عن
إبراهيم عليه السلام في قوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ
قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة/ 131] ، وقوله
تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران/
19] .
وقوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً
[يوسف/ 101] ، أي: اجعلني ممّن استسلم لرضاك، ويجوز أن يكون
معناه: اجعلني سالما عن أسر الشّيطان حيث قال:
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ [الحجر/ 40] ، وقوله: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا
مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل/ 81] ، أي:
منقادون للحقّ مذعنون له.
__________
(1) وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة وأبي جعفر وخلف. الإتحاف
193.
(2) راجع: الدر المنثور 2/ 632- 634.
(3) وهي قراءة الجميع إلا شعبة. انظر: إرشاد المبتدي وتذكرة
المنتهي ص 348.
(4) سورة النحل: آية 87، وهي قراءة حفص.
(5) سورة الزمر: آية 29، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب.
(6) وقرأ الباقون سَلَماً، أما قراءة (سلما) فهي شاذة، قرأ بها
سعيد بن جبير. انظر: الإتحاف 375، والبحر المحيط 7/ 424.
(1/423)
وقوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ
الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة/ 44] ، أي: الذين انقادوا من
الأنبياء الذين ليسوا من العزم لأولي العزم الذين يهتدون بأمر
الله، ويأتون بالشّرائع. والسُّلَّمُ: ما يتوصّل به إلى
الأمكنة العالية، فيرجى به السّلامة، ثمّ جعل اسما لكلّ ما
يتوصّل به إلى شيء رفيع كالسّبب، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ
سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ [الطور/ 38] ، وقال: أَوْ
سُلَّماً فِي السَّماءِ [الأنعام/ 35] ، وقال الشاعر:
242-
ولو نال أسباب السماء بسلّم
«1» والسَّلْمُ والسَّلَامُ: شجر عظيم، كأنه سمّي لاعتقادهم
أنه سليم من الآفات، والسِّلَامُ:
الحجارة الصّلبة.
سلا
قال تعالى: وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
[البقرة/ 57] ، أصلها ما يُسَلِّي الإنسانَ، ومنه:
السُّلْوَانُ والتَّسَلِّي، وقيل: السَّلْوَى: طائر كالسّمانى.
قال ابن عباس: المنّ الذي يسقط من السماء، والسَّلْوَى: طائر
«2» ، قال بعضهم: أشار ابن عباس بذلك إلى ما رزق الله تعالى
عباده من اللّحوم والنّبات وأورد بذلك مثالا، وأصل السّلوى من
التّسلّي، يقال: سَلَّيْتُ عن كذا، وسَلَوْتُ عنه
وتَسَلَّيْتُ: إذا زال عنك محبّته.
قيل: والسُّلْوَانُ: ما يسلّي، وكانوا يتداوون من العشق بخرزة
يحكّونها ويشربونها، ويسمّونها السُّلْوَانَ.
سمم
السَّمُّ والسُّمُّ: كلّ ثقب ضيّق كخرق الإبرة، وثقب الأنف،
والأذن، وجمعه سُمُومٌ. قال تعالى:
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ
[الأعراف/ 40] ، وقد سَمَّهُ، أي: دخل فيه، ومنه: السَّامَّةُ
«3» للخاصّة الذين يقال لهم:
الدّخلل «4» ، الذين يتداخلون في بواطن الأمر، والسّمّ القاتل،
وهو مصدر في معنى الفاعل، فإنه بلطف تأثيره يدخل بواطن البدن،
والسَّمُومُ:
الرّيح الحارّة التي تؤثّر تأثير السّمّ. قال تعالى:
وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ [الطور/ 27] ، وقال:
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ
[الواقعة/ 42] ، وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ
السَّمُومِ [الحجر/ 27] .
سمد
السَّامِدُ: الّلاهي الرّافع رأسه، من قولهم: سَمَدَ
__________
(1) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، وشطره:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
وهو في ديوانه ص 87.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 178، وسنده ضعيف، وابن
قتيبة في غريب القرآن ص 50.
(3) في اللسان: والسّامة: الخاصة، يقال: كيف السّامة والعامة؟
(4) انظر: البصائر 3/ 256. [.....]
(1/424)
البعير في سيره. قال: وَأَنْتُمْ سامِدُونَ
[النجم/ 61] ، وقولهم: سَمَدَ رَأْسَهُ وسبد «1» أي: استأصل
شعره.
سمر
السُّمْرَةُ أحد الألوان المركّبة بين البياض والسواد،
والسَّمْرَاءُ كنّي بها عن الحنطة، والسَّمَارُ: اللّبن
الرّقيق المتغيّر اللّون، والسَّمُرَةُ:
شجرة تشبه أن تكون للونها سمّيت بذلك، والسَّمَرُ سواد اللّيل،
ومنه قيل: لا آتيك السَّمَرَ والقمر «2» ، وقيل للحديث بالليل:
السَّمَرُ، وسَمَرَ فلان: إذا تحدّث ليلا، ومنه قيل: لا آتيك
ما سَمَرَ ابنا سمير «3» ، وقوله تعالى: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ
سامِراً تَهْجُرُونَ
[المؤمنون/ 67] ، قيل معناه:
سُمَّاراً، فوضع الواحد موضع الجمع، وقيل: بل السَّامِرُ:
اللّيل المظلم. يقال: سَامِرٌ وسُمَّارٌ وسَمَرَةُ
وسَامِرُونَ، وسَمَرْتُ الشيءَ، وإبل مُسْمَرَةٌ: مهملة،
والسَّامِرِيُّ: منسوب إلى رجل.
سمع
السَّمْعُ: قوّة في الأذن به يدرك الأصوات، وفعله يقال له
السَّمْعُ أيضا، وقد سمع سمعا.
ويعبّر تارة بالسمّع عن الأذن نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ
[البقرة/ 7] ، وتارة عن فعله كَالسَّمَاعِ نحو: إِنَّهُمْ عَنِ
السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
[الشعراء/ 212] ، وقال تعالى:
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
[ق/ 37] ، وتارة عن الفهم، وتارة عن الطاعة، تقول: اسْمَعْ ما
أقول لك، ولم تسمع ما قلت، وتعني لم تفهم، قال تعالى: وَإِذا
تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ
لَقُلْنا
[الأنفال/ 31] ، وقوله:
سَمِعْنا وَعَصَيْنا [النساء/ 46] ، أي: فهمنا قولك ولم نأتمر
لك، وكذلك قوله: سَمِعْنا وَأَطَعْنا [البقرة/ 285] ، أي:
فهمنا وارتسمنا.
وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا
يَسْمَعُونَ
[الأنفال/ 21] ، يجوز أن يكون معناه: فهمنا وهم لا يفهمون، وأن
يكون معناه:
فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، وإذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم
من لم يسمع. ثم قال تعالى:
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا
[الأنفال/ 23] ، أي: أفهمهم بأن جعل لهم قوّة يفهمون بها،
وقوله: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ
[النساء/ 46] ، يقال على وجهين:
أحدهما: دعاء على الإنسان بالصّمم.
والثاني: دعاء له.
فالأوّل نحو: أَسْمَعَكَ الله، أي: جعلك الله أصمّ.
والثاني: أن يقال: أَسْمَعْتُ فلانا: إذا سببته، وذلك متعارف
في السّبّ، وروي «4» أنّ أهل الكتاب
__________
(1) انظر: ديوان الأدب للفارابي 2/ 349.
(2) المثل في المستقصى 2/ 243.
(3) انظر: اللسان (سمر) ، والمستقصى 2/ 249.
(4) عن ابن زيد، كما أخرجه الطبري في تفسيره 5/ 118.
(1/425)
كانوا يقولون ذلك للنبيّ صلّى الله عليه
وسلم يوهمون أنهم يعظّمونه، ويدعون له وهم يدعون عليه بذلك.
وكلّ موضع أثبت الله السّمع للمؤمنين، أو نفى عن الكافرين، أو
حثّ على تحرّيه فالقصد به إلى تصوّر المعنى والتّفكر فيه، نحو:
أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها [الأعراف/ 195] ، ونحو:
صُمٌّ بُكْمٌ [البقرة/ 18] ، ونحو:
فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ [فصلت/ 44] ، وإذا وصفت الله تعالى
بِالسَّمْعِ فالمراد به علمه بِالْمَسْمُوعَاتِ، وتحرّيه
بالمجازاة بها نحو: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي
تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [المجادلة/ 1] ، لَقَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا [آل عمران/ 181] ، وقوله:
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ
الدُّعاءَ
[النمل/ 80] ، أي: لا تفهمهم، لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء
فعلهم القوّة العاقلة التي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة،
وقوله: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ
[الكهف/ 26] ، أي: يقول فيه تعالى ذلك من وقف على عجائب حكمته،
ولا يقال فيه: ما أبصره وما أسمعه، لما تقدّم ذكره أنّ الله
تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السّمع وقوله في صفة الكفّار:
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم/ 38] ،
معناه: أنهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عليهم، وضلّوا
عنه اليوم لظلمهم أنفسهم، وتركهم النّظر، وقال: خُذُوا ما
آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا [البقرة/ 93] ، سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ
[المائدة/ 42] ، أي: يسمعون منك لأجل أن يكذبوا، سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة/ 41] ، أي: يسمعون لمكانهم،
والِاسْتِمَاعُ: الإصغاء نحو: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما
يَسْتَمِعُونَ بِهِ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ
[الإسراء/ 47] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [محمد/
16] ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ [يونس/ 42] ،
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ
[ق/ 41] ، وقوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
[يونس/ 31] ، أي:
من الموجد لِأَسْمَاعِهِمْ، وأبصارهم، والمتولّي لحفظها؟
والْمِسْمَعُ والْمَسْمَعُ: خرق الأذن، وبه شبّه حلقة مسمع
الغرب «1» .
سمك
السَّمْكُ: سَمْكُ البيت، وقد سَمَكَهُ أي:
رفعه. قال: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها
[النازعات/ 28] ، وقال الشاعر:
243-
إنّ الذي سَمَكَ السماء بنى لنا
«2»
__________
(1) الغرب: الدلو العظيمة.
(2) هذا شطر بيت للفرزدق، وعجزه:
بيتا دعائمه أعزّ وأطول
وهو في ديوانه ص 489.
(1/426)
وفي بعض الأدعية: (يا بارئ السموات
الْمَسْمُوكَات) «1» ، وسنام سَامِكٌ: عال. والسِّمَاكُ:
ما سَمَكْتَ به البيت، والسِّمَاكُ: اسم نجم، والسَّمَكُ
معروف.
سمن
السِّمَنُ: ضدّ الهزال، يقال: سَمِينٌ وسِمَانٌ، قال: أَفْتِنا
فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ [يوسف/ 46] ، وأَسْمَنْتُهُ
وسَمَّنْتُهُ: جعلته سمينا، قال:
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
[الغاشية/ 7] ، وأَسْمَنْتُهُ: اشتريته سمينا، أو أعطيته كذا،
واسْتَسْمَنْتُهُ: وجدته سمينا: والسُّمْنَةُ: دواء يستجلب به
السِّمَنُ، والسَّمْنُ سمّي به لكونه من جنس السِّمَنِ،
وتولّده عنه. والسُّمَانَى: طائر.
سما
سَمَاءُ كلّ شيء: أعلاه، قال الشاعر في وصف فرس:
244-
وأحمر كالدّيباج أمّا سَمَاؤُهُ ... فريّا وأمّا أرضه فمحول
«2» قال بعضهم: كلّ سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء،
وبالإضافة إلى ما فوقها فأرض إلّا السّماء العليا فإنها سماء
بلا أرض، وحمل على هذا قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق/ 12] ، وسمّي
المطر سَمَاءً لخروجه منها، قال بعضهم: إنما سمّي سماء ما لم
يقع بالأرض اعتبارا بما تقدّم، وسمّي النّبات سَمَاءً، إمّا
لكونه من المطر الذي هو سماء، وإمّا لارتفاعه عن الأرض.
والسماء المقابل للأرض مؤنّثة، وقد تذكّر، ويستعمل للواحد
والجمع، لقوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ
[البقرة/ 29] ، وقد يقال في جمعها: سَمَوَاتٍ. قال: خَلْقِ
السَّماواتِ [الزمر/ 5] ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ
[المؤمنون/ 86] ، وقال: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [المزمل/
18] ، فذكّر، وقال: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق/ 1]
، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار/ 1] ، فأنّث، ووجه
ذلك أنها كالنّخل في الشجر، وما يجري مجراه من أسماء الجنس
الذي يذكّر ويؤنّث، ويخبر عنه بلفظ الواحد والجمع، والسماء
الذي هو المطر يذكّر، ويجمع على أسمية. والسَّمَاوَةُ الشّخص
العالي، قال الشاعر:
245-
سماوة الهلال حتى احقوقفا
«3» وسَمَا لي «4» : شخص، وسَمَا الفحل على
__________
(1) وهذا من دعاء عليّ رضي الله عنه. انظر: النهاية 2/ 403،
والبصائر 3/ 261.
(2) البيت تقدّم في مادة (أرض) ، وهو في اللسان (سما) .
(3) الرجز للعجاج، وهو في ديوانه ص 496، واللسان (سما) . وقد
تقدّم برقم 119.
(4) في اللسان: سما لي شخص فلان: ارتفع حتى استثبتّه.
(1/427)
الشّول سَمَاوَةَ «1» لتخلله إيّاها،
والِاسْمُ: ما يعرف به ذات الشيء، وأصله سِمْوٌ، بدلالة قولهم:
أسماء وسُمَيٌّ، وأصله من السُّمُوِّ وهو الذي به رفع ذكر
الْمُسَمَّى فيعرف به، قال الله:
بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة/ 1] ، وقال: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ
اللَّهِ مَجْراها [هود/ 41] ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ [النمل/ 30] ، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ
[البقرة/ 31] ، أي:
الألفاظ والمعاني مفرداتها ومركّباتها. وبيان ذلك أنّ الاسم
يستعمل على ضربين:
أحدهما: بحسب الوضع الاصطلاحيّ، وذلك هو في المخبر عنه نحو:
رجل وفرس.
والثاني: بحسب الوضع الأوّليّ.
ويقال ذلك للأنواع الثلاثة المخبر عنه، والخبر عنه، والرّابط
بينهما المسمّى بالحرف، وهذا هو المراد بالآية، لأنّ آدم عليه
السلام كما علم الاسم علم الفعل، والحرف، ولا يعرف الإنسان
الاسم فيكون عارفا لمسمّاه إذا عرض عليه المسمّى، إلا إذا عرف
ذاته. ألا ترى أنّا لو علمنا أَسَامِيَ أشياء بالهنديّة، أو
بالرّوميّة، ولم نعرف صورة ما له تلك الأسماء لم نعرف
الْمُسَمَّيَاتِ إذا شاهدناها بمعرفتنا الأسماء المجرّدة، بل
كنّا عارفين بأصوات مجرّدة، فثبت أنّ معرفة الأسماء لا تحصل
إلا بمعرفة المسمّى، وحصول صورته في الضّمير، فإذا المراد
بقوله:
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة/ 31] ، الأنواع
الثلاثة من الكلام وصور المسمّيات في ذواتها، وقوله: ما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها
[يوسف/ 40] ، فمعناه أنّ الأسماء التي تذكرونها ليس لها
مسمّيات، وإنما هي أسماء على غير مسمّى إذ كان حقيقة ما
يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غير موجود فيها، وقوله:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد/ 33] ،
فليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللّات والعزّى، وإنما
المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلها، وأنه هل يوجد معاني تلك
الأسماء فيها، ولهذا قال بعده: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا
يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ [الرعد/
33] ، وقوله: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن/ 78] ، أي:
البركة والنّعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت، وذلك نحو:
الكريم والعليم والباري، والرّحمن الرّحيم، وقال: سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى/ 1] ، وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ
الْحُسْنى [الأعراف/ 180] ، وقوله: اسْمُهُ يَحْيى لَمْ
نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
[مريم/ 7] ، لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى
[النجم/ 27] ، أي: يقولون للملائكة بنات الله، وقوله: هَلْ
تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
[مريم/ 65] ،
__________
(1) قال ابن منظور: وسما الفحل سماوة: تطاول على شوله وسطا.
اللسان (سما) .
(1/428)
أي: نظيرا له يستحقّ اسمه، وموصوفا يستحقّ
صفته على التّحقيق، وليس المعنى هل تجد من يتسمّى باسمه إذ كان
كثير من أسمائه قد يطلق على غيره، لكن ليس معناه إذا استعمل
فيه كما كان معناه إذا استعمل في غيره.
سنن
السِّنُّ معروف، وجمعه أَسْنَانٌ. قال: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
[المائدة/ 45] ، وسَانَّ البعير الناقة:
عاضّها حتى أبركها، والسَّنُونُ: دواء يعالج به الأسنان،
وسَنُّ الحديد: إسالته وتحديده، والْمِسَنُّ: ما يُسَنُّ به،
أي: يحدّد به، والسِّنَانُ يختصّ بما يركّب في رأس الرّمح،
وسَنَنْتُ البعير: صقلته، وضمّرته تشبيها بِسَنِّ الحديد،
وباعتبار الإسالة قيل: سَنَنْتُ الماء، أي: أسلته.
وتنحّ عن سَنَنِ الطّريق، وسُنَنِهِ وسِنَنِهِ، فالسُّنَنُ:
جمع سُنَّةٍ، وسُنَّةُ الوجه: طريقته، وسُنَّةُ النّبيّ:
طريقته التي كان يتحرّاها، وسُنَّةُ الله تعالى: قد تقال
لطريقة حكمته، وطريقة طاعته، نحو:
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الفتح/ 23] ، وَلَنْ
تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر/ 43] ، فتنبيه أنّ
فروع الشّرائع- وإن اختلفت صورها- فالغرض المقصود منها لا
يختلف ولا يتبدّل، وهو تطهير النّفس، وترشيحها للوصول إلى ثواب
الله تعالى وجواره، وقوله: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
[الحجر/ 26] ، قيل: متغيّر، وقوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ
[البقرة/ 259] ، معناه: لم يتغيّر، والهاء للاستراحة «1» .
سنم
قال: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ
[المطففين/ 27] ، قيل: هو عين في الجنّة رفيعة القدر «2» ،
وفسّر بقوله: عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
[المطففين/ 28] .
سنا
السَّنَا: الضّوء الساطع، والسَّنَاءُ: الرِّفعة،
والسَّانِيَةُ: التي يسقى بها سمّيت لرفعتها، قال:
يَكادُ سَنا بَرْقِهِ
[النور/ 43] ، وسَنَتِ الناقة تَسْنُو، أي: سقت الأرض، وهي
السَّانِيَةُ.
سنه
السَّنَةُ في أصلها طريقان: أحدهما: أنّ أصلها سَنَهَةٌ،
لقولهم: سَانَهْتُ فلانا، أي: عاملته سَنَةً فسنة، وقولهم:
سُنَيْهَةٌ، قيل: ومنه قوله تعالى:
لَمْ يَتَسَنَّهْ
[البقرة/ 259] ، أي: لم يتغيّر بمرّ السّنين عليه، ولم تذهب
طراوته. وقيل:
أصله من الواو، لقولهم سنوات، ومنه: سَانَيْتُ،
__________
(1) وهي التي تسمّى هاء السكت.
(2) سئل ابن عباس عن قوله تعالى: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ؟
قال: هذا ممّا قال الله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ
لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ انظر: الدر المنثور 8/ 452.
(1/429)
والهاء للوقف، نحو: كِتابِيَهْ [الحاقة/
19] ، وحِسابِيَهْ [الحاقة/ 20] ، وقال عزّ وجلّ: أَرْبَعِينَ
سَنَةً [المائدة/ 26] ، سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً
[يوسف/ 47] ، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الكهف/ 25] ، وَلَقَدْ
أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ
[الأعراف/ 130] ، فعبارة عن الجدب، وأكثر ما تستعمل السَّنَةُ
في الحول الذي فيه الجدب، يقال: أَسْنَتَ القوم: أصابتهم
السَّنَةُ، قال الشاعر:
246-
لها أرج ما حولها غير مُسْنِتٍ
«1» وقال آخر:
247-
فليست بِسَنْهَاءَ ولا رجبيّة
«2» فمن الهاء كما ترى، وقول الآخر:
248-
يأكل أزمان الهزال والسِّنِي
«3» فليس بمرخّم، وإنما جمع فعلة على فعول، كمائة ومئين ومؤن،
وكسر الفاء كما كسر في عصيّ، وخفّفه للقافية، وقوله: لا
تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة/ 255] ، فهو من الوسن
لا من هذا الباب.
سهر
السَّاهِرَةُ «4» قيل: وجه الأرض، وقيل: هي أرض القيامة،
وحقيقتها: التي يكثر الوطء بها، فكأنها سَهَرَتْ بذلك إشارة
إلى قول الشاعر:
249-
تحرّك يقظان التّراب ونائمة
«5» والْأَسْهَرَانِ: عرقان في الأنف «6» .
سهل
السَّهْلُ: ضدّ الحزن، وجمعه سُهُولٌ، قال تعالى: تَتَّخِذُونَ
مِنْ سُهُولِها قُصُوراً
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
بريحانة من بطن حلية نوّرت
وهو للشنفرى من مفضليته. انظر: المفضليات ص 110، والحجة في
القراءات 2/ 273، والمخصص 10/ 167. [.....]
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
ولكن عرايا في السنين الجوائح
وهو لسويد بن الصامت، والبيت في اللسان (سنه) ، وديوان الأدب
2/ 270، ومجالس ثعلب ص 76.
(3) الرجز لامرأة من عقيل تفخر بأخوالها من اليمن.
وهو في الحجة في القراءات للفارسي 2/ 284، وخزانة الأدب 7/
377، ونوادر أبي زيد 91، واللسان (مأى) .
وقبله: وحاتم الطائي وهّاب المئي
(4) يريد قوله تعالى: فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
النازعات: 14.
(5) هذا عجز بيت، وصدره:
إذا نحن سرنا بين شرق وبين مغرب
وهو لحريث بن عناب الطائي في الحماسة البصرية 1/ 8، وأساس
البلاغة مادة (يقظ) ، وشرح الحماسة 2/ 94.
(6) قال كراع النمل: الأسهران: عرقان في المتن يجري فيهما
الماء ثم يقع في الذّكر. المنتخب 1/ 74.
(1/430)
[الأعراف/ 74] ، وأَسْهَلَ: حصل في
السَّهْلِ، ورجل سَهْلِيٌّ منسوب إلى السّهل، ونهر سَهْلٌ،
ورجل سَهْلُ الخلق، وحزن الخلق، وسُهَيْلٌ نجم.
سهم
السَّهْمُ: ما يرمى به، وما يضرب به من القداح ونحوه، قال
تعالى: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
[الصافات/ 141] ، واسْتَهَمُوا:
اقترعوا، وبرد مُسَهَّمٌ: عليه صورة سَهْمٍ، وسَهَمَ وجهه:
تغيّر، والسُّهَامُ: داء يتغيّر منه الوجه.
سها
السَّهْوُ: خطأ عن غفلة، وذلك ضربان:
أحدهما أن لا يكون من الإنسان جوالبه ومولّداته، كمجنون سبّ
إنسانا، والثاني أن يكون منه مولّداته، كمن شرب خمرا، ثم ظهر
منه منكر لا عن قصد إلى فعله. والأوّل معفوّ عنه، والثاني
مأخوذ به، وعلى نحو الثاني ذمّ الله تعالى فقال:
فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ
[الذاريات/ 11] ، عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون/ 5] .
سيب
السَّائِبَةُ: التي تَسَيَّبَ في المرعى، فلا تردّ عن حوض، ولا
علف، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن، وانْسَابَتِ الحيّةُ
انْسِيَاباً، والسَّائِبَةُ: العبد يعتق، ويكون ولاؤه لمعتقه،
ويضع ماله حيث شاء، وهو الذي ورد النهي «1» عنه، والسَّيْبُ:
العطاء، والسِّيبُ: مجرى الماء، وأصله من:
سَيَّبْتُهُ فَسَابَ.
ساح
السَّاحَةُ: المكان الواسع، ومنه: سَاحَةُ الدّار، قال: فَإِذا
نَزَلَ بِساحَتِهِمْ [الصافات/ 177] ، والسَّائِحُ: الماء
الدّائم الجرية في ساحة، وسَاحَ فلان في الأرض: مرّ مرّ السائح
قال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
[التوبة/ 2] ، ورجل سائح في الأرض وسَيَّاحٌ، وقوله:
السَّائِحُونَ
[التوبة/ 112] ، أي:
الصائمون، وقال: سائِحاتٍ
[التحريم/ 5] ، أي: صائمات، قال بعضهم: الصّوم ضربان: حكميّ،
وهو ترك المطعم والمنكح، وصوم حقيقيّ، وهو حفظ الجوارح عن
المعاصي كالسّمع والبصر واللّسان، فَالسَّائِحُ: هو الذي يصوم
هذا الصّوم دون الصّوم الأوّل، وقيل:
السَّائِحُونَ هم الذين يتحرّون ما اقتضاه قوله:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ
يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها [الحج/ 46] .
__________
(1) أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: إنّ أهل الإسلام
لا يسيّبون، وإنّ أهل الجاهلية كانوا يسيبون.
كتاب الفرائض 12/ 40.
(1/431)
سود
السَّوَادُ: اللّون المضادّ للبياض، يقال: اسْوَدَّ
واسْوَادَّ، قال: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ
[آل عمران/ 106] فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة،
واسْوِدَادُهَا عبارة عن المساءة، ونحوه:
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ
مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
[النحل/ 58] ، وحمل بعضهم الابيضاض والاسوداد على المحسوس،
والأوّل أولى، لأنّ ذلك حاصل لهم سُوداً كانوا في الدّنيا أو
بيضا، وعلى ذلك دلّ قوله في البياض:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ [القيامة/ 22] ، وقوله:
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [القيامة/ 24] ، وَوُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس/ 40-
41] ، وقال: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ
مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ
اللَّيْلِ مُظْلِماً [يونس/ 27] ، وعلى هذا النحو ما روي «أنّ
المؤمنين يحشرون غرّا محجّلين من آثار الوضوء» «1» ، ويعبّر
بِالسَّوَادِ عن الشّخص المرئيّ من بعيد، وعن سواد العين، قال
بعضهم: لا يفارق سوادي سواده، أي: عيني شخصه، ويعبّر به عن
الجماعة الكثيرة، نحو قولهم: (عليكم بالسّواد الأعظم) «2» ،
والسَّيِّدُ: المتولّي للسّواد، أي: الجماعة الكثيرة، وينسب
إلى ذلك فيقال:
سيّد القوم، ولا يقال: سيّد الثّوب، وسيّد الفرس، ويقال: سَادَ
القومَ يَسُودُهُمْ، ولمّا كان من شرط المتولّي للجماعة أن
يكون مهذّب النّفس قيل لكلّ من كان فاضلا في نفسه:
سَيِّدٌ. وعلى ذلك قوله: وَسَيِّداً وَحَصُوراً [آل عمران/ 39]
، وقوله: وَأَلْفَيا سَيِّدَها [يوسف/ 25] ، فسمّي الزّوج
سَيِّداً لسياسة زوجته، وقوله: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا
سادَتَنا
[الأحزاب/ 67] ، أي: ولاتنا وسَائِسِينَا.
سار
السَّيْرُ: المضيّ في الأرض، ورجل سَائِرٌ، وسَيَّارٌ،
والسَّيَّارَةُ: الجماعة، قال تعالى:
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ
[يوسف/ 19] ، يقال:
سِرْتُ، وسِرْتُ بفلان، وسِرْتُهُ أيضا، وسَيَّرْتُهُ على
التّكثير، فمن الأوّل قوله: أَفَلَمْ يَسِيرُوا
[الحج/ 46] ، قُلْ سِيرُوا
[الأنعام/ 11] ، سِيرُوا فِيها لَيالِيَ [سبأ/ 18] ، ومن
الثاني
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة وفيه: «فإنّهم يأتون يوم القيامة غرّا
محجّلين من الوضوء» أخرجه مسلم برقم (249) ، ومالك في الموطأ
1/ 28، وانظر: شرح السنة 1/ 323.
(2) الحديث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر
الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر،
والجماعة رحمة، والفرقة عذاب» . قال: فقال أبو أمامة:
عليكم بالسواد الأعظم، قال: فقال رجل: وما السَّوَادُ الأعظم؟
فقال أبو أمامة: هذه الآية في سورة النور فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ
أخرجه أحمد 4/ 278، وأخرج الترمذي: «يد الله على الجماعة،
اتبعوا السواد الأعظم، فإنّ من شذّ شذّ في النار» . وانظر: كشف
الخفاء 1/ 333.
(1/432)
قوله: سارَ بِأَهْلِهِ
[القصص/ 29] ، ولم يجئ في القرآن القسم الثالث، وهو سِرْتُهُ.
والرابع قوله: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ
[النبأ/ 20] ، هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ
[يونس/ 22] ، وأمّا قوله: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ
[النمل/ 69] فقد قيل: حثّ على السّياحة في الأرض بالجسم، وقيل:
حثّ على إجالة الفكر، ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل
في وصف الأولياء: (أبدانهم في الأرض سَائِرَةٌ وقلوبهم في
الملكوت جائلة) «1» ، ومنهم من حمل ذلك على الجدّ في العبادة
المتوصّل بها إلى الثواب، وعلى ذلك حمل قوله عليه السلام:
«سافروا تغنموا» «2» ، والتَّسْيِيرُ ضربان:
أحدهما: بالأمر، والاختيار، والإرادة من السائر نحو: هُوَ
الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ [يونس/ 22] .
والثاني: بالقهر والتّسخير كتسخير الجبال وَإِذَا الْجِبالُ
سُيِّرَتْ [التكوير/ 3] ، وقوله:
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ [النبأ/ 20] ، والسِّيرَةُ: الحالة التي
يكون عليها الإنسان وغيره، غريزيّا كان أو مكتسبا، يقال: فلان
له سيرة حسنة، وسيرة قبيحة، وقوله: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا
الْأُولى [طه/ 21] ، أي: الحالة التي كانت عليها من كونها
عودا.
سور
السَّوْرُ: وثوب مع علوّ، ويستعمل في الغضب، وفي الشراب، يقال:
سَوْرَةُ الغضب، وسَوْرَةُ الشراب، وسِرْتُ إليك، وسَاوَرَنِي
فلان، وفلان سَوَّارٌ: وثّاب. والْإِسْوَارُ من أساورة الفرس
أكثر ما يستعمل في الرّماة، ويقال: هو فارسيّ معرّب. وسِوَارُ
المرأة معرّب، وأصله دستوار «3» ، وكيفما كان فقد استعملته
العرب، واشتقّ منه: سَوَّرْتُ الجارية، وجارية مُسَوَّرَةٌ
ومخلخلة، قال: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ
ذَهَبٍ [الزخرف/ 53] ، وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ
[الإنسان/ 21] ، واستعمال الْأَسْوِرَةِ في الذهب، وتخصيصها
بقوله: «ألقي» ، واستعمال أَسَاوِرَ في الفضّة وتخصيصه بقوله:
حُلُّوا «4» فائدة ذلك تختصّ بغير هذا الكتاب. والسُّورَةُ:
__________
(1) لم أجده.
(2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:
«سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا» أخرجه أحمد في
مسنده 2/ 380. وأخرجه الطبراني بلفظ: (اغزوا تغنموا، وصوموا
تصحوا، وسافروا تستغنوا) . وللطبراني والحاكم عن ابن عباس
مرفوعا: «سافروا تصحوا وتغنموا» . انظر: كشف الخفاء 1/ 445.
(3) انظر: تاج العروس (سور) ، وعمدة الحفاظ: سور.
(4) قال إسماعيل حقي: قوله: وَحُلُّوا فيه تعظيم لهم بالنسبة
إلى أن يقال: وتحلوا. انظر: روح البيان 10/ 275.
وقال: وإلقاء الأسورة كناية عن إلقاء مقاليد الملك، أي: أسبابه
التي هي كالمفاتيح له.
وكانوا إذا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب علما على
رئاسته، ودلالة لسيادته. انظر: روح البيان 8/ 379.
(1/433)
المنزلة الرفيعة، قال الشاعر:
250-
ألم تر أنّ الله أعطاك سُورَةً ... ترى كلّ ملك دونها يتذبذب
«1» وسُورُ المدينة: حائطها المشتمل عليها، وسُورَةُ القرآن
تشبيها بها لكونه محاطا بها إحاطة السّور بالمدينة، أو لكونها
منزلة كمنازل القمر، ومن قال: سؤرة «2» فمن أسأرت، أي: أبقيت
منها بقيّة، كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن وقوله: سُورَةٌ
أَنْزَلْناها
[النور/ 1] ، أي:
جملة من الأحكام والحكم، وقيل: أسأرت في القدح، أي: أبقيت فيه
سؤرا، أي: بقيّة، قال الشاعر:
251-
لا بالحصور ولا فيها بِسَآرٍ
«3» ويروى (بِسَوَّارٍ) ، من السَّوْرَةِ، أي: الغضب.
سوط
السَّوْطُ: الجلد المضفور الذي يضرب به، وأصل السَّوْطِ: خلط
الشيء بعضه ببعض، يقال: سُطْتُهُ وسَوَّطْتُهُ، فالسّوط يسمّى
سوطا لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، وقوله:
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ
[الفجر/ 13] تشبيها بما يكون في الدّنيا من العذاب بالسّوط،
وقيل: إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب، المشار إليه
بقوله: حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ/ 25] .
ساعة
السَّاعَةُ: جزء من أجزاء الزّمان، ويعبّر به عن القيامة، قال:
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
[القمر/ 1] ، يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ [الأعراف/ 187] ،
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
[الزخرف/ 85] ، تشبيها بذلك لسرعة حسابه، كما قال: وَهُوَ
أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ [الأنعام/ 62] ، أو لما نبّه عليه
بقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا
عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات/ 46] ، لَمْ يَلْبَثُوا
إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ
[الأحقاف/ 35] ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ
الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ
[الروم/ 55] ، فالأولى هي القيامة، والثانية الوقت القليل من
الزمان.
__________
(1) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 18.
(2) هو أبو الهيثم الرازي وابن الأنباري انظر تهذيب اللغة 13/
50. [.....]
(3) هذا عجز بيت للأخطل، وشطره:
وشارب مربح بالكأس نادمني
وهو في ديوانه ص 141، واللسان (سور) .
قال ابن منظور: والسوّار: الذي تسور الخمر في رأسه سريعا.
(1/434)
وقيل: الساعات التي هي القيامة ثلاثة:
السَّاعَةُ الكبرى، هي بعث الناس للمحاسبة وهي التي أشار إليها
بقوله عليه السلام: «لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الفحش
والتّفحّش وحتّى يعبد الدّرهم والدّينار» «1» إلى غير ذلك وذكر
أمورا لم تحدث في زمانه ولا بعده. والساعة الوسطى، وهي موت أهل
القرن الواحد وذلك نحو ما روي أنّه رأى عبد الله بن أنيس فقال:
(إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتّى تقوم السّاعة) «2» فقيل:
إنه آخر من مات من الصحابة، والساعة الصّغرى، وهي موت الإنسان،
فَسَاعَةُ كلّ إنسان موته، وهي المشار إليها بقوله: قَدْ
خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا
جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [الأنعام/ 31] ، ومعلوم أنّ
هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته لقوله: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما
رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
فَيَقُولَ ...
الآية [المنافقون/ 10] ، وعلى هذا قوله: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ
إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ
[الأنعام/ 40] ، وروي أنه كان إذا هبّت ريح شديدة تغيّر لونه
عليه السلام فقال: «تخوّفت السّاعة» «3» ، وقال: «ما أمدّ طرفي
ولا أغضّها إلّا وأظنّ أنّ السَّاعَةَ قد قامت» «4» يعني موته.
ويقال:
عاملته مساوعة، نحو: معاومة ومشاهرة، وجاءنا بعد سَوْعٍ من
اللّيل، وسُوَاعٍ، أي: بعد هدء، وتصوّر من السّاعة الإهمال،
فقيل: أَسَعْتُ الإبل أسيعها، وهو ضائع سائع، وسُوَاعٌ: اسم
صنم، قال تعالى: وَدًّا وَلا سُواعاً
[نوح/ 23] .
ساغ
سَاغَ الشّراب في الحلق: سهل انحداره، وأَسَاغَهُ كذا. قال:
سائِغاً لِلشَّارِبِينَ
[النحل/ 66] ، وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ
[إبراهيم/ 17] ، وسَوَّغْتُهُ مالا مستعار منه، وفلان سوغ
أخيه: إذا ولد إثره عاجلا تشبيها بذلك.
سوف
سَوْفَ حرف يخصّص أفعال المضارعة بالاستقبال، ويجرّدها عن معنى
الحال، نحو:
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
[يوسف/ 98] ، وقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام/ 135] ،
__________
(1) الحديث أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش
وقطيعة الرحم وسوء المجاورة» انظر: المسند 2/ 162.
(2) الحديث عن أنس بن مالك أن رجلا قال: يا رسول الله متى تقوم
الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال: «إن يعش
هذا فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» . أخرجه أحمد في
مسنده 3/ 270، ومسلم برقم 2269، والبخاري في الأدب، فتح الباري
10/ 553 واسم الغلام محمد.
(3) الحديث عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه
وسلم إذا رأى الريح قد اشتدت تغيّر وجهه. أخرجه أحمد 6/ 66،
والبخاري في الاستسقاء. فتح الباري 2/ 520 دون قوله تخوّفت ...
الخ.
(4) لم أجده.
(1/435)
تنبيه أنّ ما يطلبونه- وإن لم يكن في الوقت
حاصلا- فهو ممّا يكون بعد لا محالة، ويقتضي معنى المماطلة
والتأخير، واشتقّ منه التَّسْوِيفُ اعتبارا بقول الواعد: سوف
أفعل كذا، والسَّوْفُ:
شمّ التّراب والبول، ومنه قيل للمفازة التي يَسُوفُ الدليل
ترابها: مَسَافَةٌ، قال الشاعر:
252-
إذا الدّليل اسْتَافَ أخلاق الطّرق
«1» والسُّوَافُ: مرض الإبل يشارف بها الهلاك، وذلك لأنها تشمّ
الموت، أو يشمّها الموت، وإمّا لأنه ممّا سوف تموت منه.
ساق
سَوْقُ الإبل: جلبها وطردها، يقال: سُقْتُهُ فَانْسَاقَ،
والسَّيِّقَةُ: ما يُسَاقُ من الدّوابّ. وسُقْتُ المهر إلى
المرأة، وذلك أنّ مهورهم كانت الإبل، وقوله: إِلى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ
[القيامة/ 30] ، نحو قوله: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى
[النجم/ 42] ، وقوله: سائِقٌ وَشَهِيدٌ
[ق/ 21] ، أي: ملك يَسُوقُهُ، وآخر يشهد عليه وله، وقيل: هو
كقوله: كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ
[الأنفال/ 6] ، وقوله: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ
[القيامة/ 29] ، قيل:
عني التفاف الساقين عند خروج الروح. وقيل:
التفافهما عند ما يلفّان في الكفن، وقيل: هو أن يموت فلا
تحملانه بعد أن كانتا تقلّانه، وقيل:
أراد التفاف البليّة بالبليّة نحو قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ
عَنْ ساقٍ [القلم/ 42] ، من قولهم:
كشفت الحرب عن ساقها، وقال بعضهم في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ
عَنْ ساقٍ [القلم/ 42] :
إنه إشارة إلى شدّة «2» ، وهو أن يموت الولد في بطن الناقة
فيدخل المذمّر يده في رحمها فيأخذ بساقه فيخرجه ميّتا، قال:
فهذا هو الكشف عن الساق، فجعل لكلّ أمر فظيع. وقوله:
فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ
[الفتح/ 29] ، قيل:
هو جمع ساق نحو: لابة ولوب، وقارة وقور، وعلى هذا: فَطَفِقَ
مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ
[ص/ 33] ، ورجل أَسْوَقُ، وامرأة سَوْقَاءُ بيّنة السّوق، أي:
عظيمة السّاق، والسُّوقُ: الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع،
قال: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ
وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ
[الفرقان/ 7] ، والسَّوِيقُ سمّي لِانْسِوَاقِهِ في الحلق من
غير مضغ.
__________
(1) الرجز لرؤبة، وهو في اللسان (سوف) .
(2) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله: يَوْمَ
يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ
قال: عن شدّة الآخرة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما
سمعت قول الشاعر:
قد قامت الحرب بنا على ساق
انظر: الدر المنثور 8/ 254.
(1/436)
سول
السُّؤْلُ: الحاجة التي تحرص النّفس عليها، قال: قَدْ أُوتِيتَ
سُؤْلَكَ يا مُوسى
[طه/ 36] ، وذلك ما سأله بقوله: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
[طه/ 25] ، والتَّسْوِيلُ: تزيين النّفس لما تحرص عليه، وتصوير
القبيح منه بصورة الحسن، قال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ
أَنْفُسُكُمْ أَمْراً
[يوسف/ 18] ، الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ
[محمد/ 25] ، وقال بعض الأدباء:
253-
سَالَتْ هذيل رسول الله فاحشة
«1» أي: طلبت منه سُؤْلًا. قال: وليس من سأل كما قال كثير من
الأدباء. والسُّؤْلُ يقارب الأمنيّة، لكن الأمنيّة تقال فيما
قدّره الإنسان، والسُّؤْلُ فيما طلب، فكأنّ السُّؤْلَ يكون بعد
الأمنيّة.
سال
سَالَ الشيء يَسِيلُ، وأَسَلْتُهُ أنا، قال:
وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ
[سبأ/ 12] ، أي: أذبنا له، والْإِسَالَةُ في الحقيقة: حالة في
القطر تحصل بعد الإذابة، والسَّيْلُ أصله مصدر، وجعل اسما
للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره، قال:
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد/ 17] ،
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
[سبأ/ 16] ، والسِّيلَانُ: الممتدّ من الحديد، الدّاخل من
النّصاب في المقبض.
سأل
السُّؤَالُ: استدعاء معرفة، أو ما يؤدّي إلى المعرفة، واستدعاء
مال، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على
اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة، أو الإشارة، واستدعاء المال
جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد، أو بردّ. إن
قيل: كيف يصحّ أن يقال السّؤال يكون للمعرفة، ومعلوم أنّ الله
تعالى: يَسْأَلُ عباده نحو: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة/ 116] ؟ قيل: إنّ ذلك سُؤَالٌ لتعريف
القوم، وتبكيتهم لا لتعريف الله تعالى، فإنه علّام الغيوب،
فليس يخرج عن كونه سؤالا عن المعرفة، والسُّؤَالُ للمعرفة يكون
تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت، كقوله تعالى: وَإِذَا
الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ
[التكوير/ 8] ، ولتعرّف الْمَسْئُولِ.
والسُّؤَالُ إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثاني تارة
بنفسه، وتارة بالجارّ، تقول: سألته كذا، وسألته عن كذا، وبكذا،
وبعن أكثر، وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
[الإسراء/ 85] ، وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
[الكهف/ 83] ، يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [الأنفال/ 1] ،
وقال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي
[البقرة/ 186] ، وقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ
[المعارج/ 1] ، وإذا كان السّؤال لاستدعاء مال فإنه يتعدّى
بنفسه
__________
(1) هذا شطر بيت لحسان بن ثابت وهو في ديوانه ص 34. وانظر:
كتاب الألفات لابن خالويه ص 38- 39.
وأبدلت الهمزة ألفا.
(1/437)
أو بمن، نحو: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ
مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ
[الأحزاب/ 53] ، وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما
أَنْفَقُوا
[الممتحنة/ 10] ، وقال: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
[النساء/ 32] ، ويعبّر عن الفقير إذا كان مستدعيا لشيء
بالسّائل، نحو: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى/ 10]
، وقوله: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات/ 19] .
سام
السَّوْمُ أصله: الذّهاب في ابتغاء الشيء، فهو لفظ لمعنى مركّب
من الذّهاب والابتغاء، وأجري مجرى الذّهاب في قولهم: سَامَتِ
الإبل، فهي سَائِمَةٌ، ومجرى الابتغاء في قولهم: سُمْتُ كذا،
قال: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ
[إبراهيم/ 6] ، ومنه قيل: سِيمَ فلان الخسف، فهو يُسَامُ
الخسف، ومنه: السَّوْمُ في البيع، فقيل:
(صاحب السّلعة أحقّ بالسّوم) «1» ويقال: سُمْتُ الإبل في
المرعى، وأَسَمْتُهَا، وسَوَّمْتُهَا، قال:
وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
[النحل/ 10] ، والسِّيمَاءُ والسِّيمِيَاءُ: العلامة، قال
الشاعر:
254-
له سيمياء لا تشق على البصر
«2» وقال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
[الفتح/ 29] ، وقد سَوَّمْتُهُ أي: أعلمته، وقوله عزّ وجلّ في
الملائكة: مُسَوِّمِينَ
«3» أي:
معلّمين ومُسَوِّمِينَ «4» معلّمين لأنفسهم أو لخيولهم، أو
مرسلين لها، وروي عنه عليه السلام أنه قال: «تَسَوَّمُوا فإن
الملائكة قد تَسَوَّمَتْ» «5» .
سأم
السَّآمَةُ: الملالة ممّا يكثر لبثه، فعلا كان أو انفعالا قال:
وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ
[فصلت/ 38] ، وقال: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ
الْخَيْرِ [فصلت/ 49] ، وقال الشاعر:
__________
(1) لم أجده.
(2) الرجز لأسيد بن عنقاء الفزاري يمدح عميلة حين قاسمه ماله،
ويقول:
غلام رماه الله بالحسن يافعا ... له سيمياء لا تشّق على البصر
كأنّ الثريا علّقت فوق نحره ... وفي جيده الشعرى وفي وجهه
القمر
انظر: اللسان (سوم) ، والأغاني 17/ 117، وقيل: هي لعويف
القوافي.
(3) سورة آل عمران: آية 125، وقرأ مُسَوِّمِينَ بفتح الواو
نافع وأبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف.
(4) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم ويعقوب. الإتحاف 179.
(5) الحديث عن عمير بن إسحاق قال: إنّ أول ما كان الصوف ليوم
بدر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تسوّموا فإنّ
الملائكة قد تسوّمت، فهو أول يوم وضع الصوف» أخرجه ابن أبي
شيبة وابن جرير.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مُسَوِّمِينَ: معلّمين، وكانت
سيما الملائكة يوم بدر عمائم سودا، ويوم أحد عمائم حمرا» .
راجع: الدر المنثور 2/ 309- 310.
(1/438)
255-
سَئِمْتُ تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك
يَسْأَمُ
«1»
سين
طور سَيْنَاءَ: جبل معروف، قال: تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ
[المؤمنون/ 20] . قرئ بالفتح والكسر «2» ، والألف في سَيْنَاءَ
بالفتح ليس إلّا للتأنيث، لأنه ليس في كلامهم فعلال إلّا
مضاعفا، كالقلقال والزّلزال، وفي سِينَاءَ يصحّ أن تكون الألف
فيه كالألف في علباء وحرباء «3» ، وأن تكون الألف للإلحاق
بسرداح «4» ، وقيل أيضا:
وَطُورِ سِينِينَ
«5» . والسِّينُ من حروف المعجم.
سوا
الْمُسَاوَاةُ: المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن، والكيل،
يقال: هذا ثوب مُسَاوٍ لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك
الدّرهم، وقد يعتبر بالكيفيّة، نحو: هذا السّواد مساو لذلك
السّواد، وإن كان تحقيقه راجعا إلى اعتبار مكانه دون ذاته،
ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل، قال الشاعر:
256-
أبينا فلا نعطي السُّوَاءَ عدوّنا
«6» واسْتَوَى يقال على وجهين:
أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعدا، نحو:
اسْتَوَى زيد وعمرو في كذا، أي: تَسَاوَيَا، وقال:
لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ
[التوبة/ 19] .
والثاني: أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته، نحو: ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوى
[النجم/ 6] ، وقال:
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ [المؤمنون/ 28] ، لِتَسْتَوُوا
عَلى ظُهُورِهِ [الزخرف/ 13] ، فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ
[الفتح/ 29] ، واستوى فلان على عمالته، واستوى أمر فلان، ومتى
عدّي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، كقوله:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه/ 5] ، وقيل: معناه
استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي: استقام الكلّ على
مراده بِتَسْوِيَةِ الله تعالى إيّاه، كقوله: ثُمَّ اسْتَوى
إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ [البقرة/ 29] ، وقيل: معناه
استوى كلّ شيء في النّسبة إليه، فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ
كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان، وإذا عدّي
بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه، إمّا بالذّات، أو بالتّدبير،
__________
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، وهو في ديوانه ص 86،
وشرح المعلقات 1/ 124. [.....]
(2) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر بكسر السين،
والباقون بالفتح. الإتحاف 318.
(3) راجع: الممتع في التصريف 1/ 122 و 363.
(4) وهي ألف الإلحاق، والسرداح: الناقة الطويلة، وقيل: الكثيرة
اللحم.
(5) سورة التين: آية 2.
(6) هذا شطر بيت لعنترة، وعجزه:
قياما بأعضاد السّراء المعطّف
وهو في ديوانه ص 52، والحجة للفارسي 1/ 246، والنوادر لأبي زيد
ص 122، والمخصص 12/ 160.
(1/439)
وعلى الثاني قوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فصلت/ 11] ، وتَسْوِيَةُ الشيء: جعله
سواء، إمّا في الرّفعة، أو في الضّعة، وقوله:
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ
[الانفطار/ 7] ، أي:
جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة، وقوله:
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشمس/ 7] ، فإشارة إلى القوى التي
جعلها مقوّمة للنّفس، فنسب الفعل إليها، وقد ذكر في غير هذا
الموضع أنّ الفعل كما يصحّ أن ينسب إلى الفاعل يصحّ أن ينسب
إلى الآلة، وسائر ما يفتقر الفعل إليه، نحو:
سيف قاطع. وهذا الوجه أولى من قول من قال:
أراد وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشمس/ 7] ، يعني الله تعالى»
، فإنّ «ما» لا يعبّر به عن الله تعالى، إذ هو موضوع للجنس،
ولم يرد به سمع يصحّ، وأمّا قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى/ 1- 2] ، فالفعل
منسوب إليه تعالى، وكذا قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر/ 29] ، وقوله: رَفَعَ سَمْكَها
فَسَوَّاها [النازعات/ 28] ، فَتَسْوِيَتُهَا يتضمّن بناءها،
وتزيينها المذكور في قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ
الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [الصافات/ 6] .
والسَّوِيُّ يقال فيما يصان عن الإفراط، والتّفريط من حيث
القدر، والكيفيّة. قال تعالى: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا [مريم/
10] ، وقال تعالى: مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ [طه/
135] ، ورجل سويّ: استوت أخلاقه وخلقته عن الإفراط والتّفريط،
وقوله تعالى: عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة/ 4] ،
قيل: نجعل كفّه كخفّ الجمل لا أصابع لها، وقيل: بل نجعل أصابعه
كلّها على قدر واحد حتى لا ينتفع بها، وذاك أنّ الحكمة في كون
الأصابع متفاوتة في القدر والهيئة ظاهرة، إذ كان تعاونها على
القبض أن تكون كذلك، وقوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ
بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها [الشمس/ 14] ، أي: سوّى بلادهم
بالأرض، نحو: خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [الكهف/ 42] ، وقيل:
سوّى بلادهم بهم، نحو: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
[النساء/ 42] ، وذلك إشارة إلى ما قال عن الكفّار: يَقُولُ
الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
[النبأ/ 40] ، ومكان سُوىً، وسَوَاءٌ: وسط. ويقال: سَوَاءٌ،
وسِوىً، وسُوىً أي: يستوي طرفاه، ويستعمل ذلك وصفا وظرفا، وأصل
ذلك مصدر، وقال:
فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 55] ، وسَواءَ السَّبِيلِ
[القصص/ 22] ، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
[الأنفال/ 58] ، أي: عدل من الحكم، وكذا قوله: إِلى كَلِمَةٍ
سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران/ 64] ، وقوله: سَواءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة/
6] ،
__________
(1) وهو قول ابن جرير 30/ 210. قال: و «ما» موضع «من» .
(1/440)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ
[المنافقون/ 6] ، سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا
[إبراهيم/ 21] ، أي: يَسْتَوِي الأمران في أنهما لا يغنيان
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ [الحج/ 25] ، وقد يستعمل
سِوىً وسَوَاءٌ بمعنى غير، قال الشاعر:
257-
فلم يبق منها سوى هامد
«1» وقال آخر:
258-
وما قصدت من أهلها لِسَوَائِكَا
«2» وعندي رجل سِوَاكَ، أي: مكانك، وبدلك، والسِّيُّ: المساوي،
مثل: عدل ومعادل، وقتل ومقاتل، تقول: سِيَّانِ زيد وعمرو،
وأَسْوَاءٌ جمع سِيٍّ، نحو: نقض وأنقاض، يقال: قوم أسواء،
ومستوون، والمساواة متعارفة في المثمنات، يقال: هذا الثّوب
يساوي كذا، وأصله من سَاوَاهُ في القدر، قال: حَتَّى إِذا ساوى
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ [الكهف/ 96] .
سوأ
السُّوءُ: كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الدّنيويّة،
والأخروية، ومن الأحوال النّفسيّة، والبدنيّة، والخارجة، من
فوات مال، وجاه، وفقد حميم، وقوله: بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ
[طه/ 22] ، أي: من غير آفة بها، وفسّر بالبرص، وذلك بعض الآفات
التي تعرض لليد. وقال:
إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ
[النحل/ 27] ، وعبّر عن كلّ ما يقبح بِالسَّوْأَى، ولذلك قوبل
بالحسنى، قال: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى
[الروم/ 10] ، كما قال:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يونس/ 26] ، والسَّيِّئَةُ:
الفعلة القبيحة، وهي ضدّ الحسنة، قال: بَلى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً [البقرة/ 81] ، قال: لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ
بِالسَّيِّئَةِ [النمل/ 46] ، يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود/
114] ، ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما
أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء/ 79] ،
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا [النحل/ 34] ، ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون/ 96] ، وقال
عليه الصلاة والسلام: «يا أنس أتبع السّيّئة الحسنة تمحها» «3»
، والحسنة والسّيئة ضربان: أحدهما
__________
(1) هذا شطر بيت، وعجزه:
وسفع الخدود معا والنؤي
وهو لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوان الهذليين 1/ 66، والبصائر 3/
187.
(2) هذا عجز بيت، وصدره:
تجانف عن أهل اليمامة ناقتي
وهو للأعشى في ديوانه ص 131، واللسان (سوى) ، والبصائر 3/ 87،
والمجمل 2/ 477.
(3) الحديث عن معاذ وأبي ذر قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق
الناس بخلق حسن» أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والدارمي 2/ 323.
انظر: الفتح الكبير 1/ 33، والمسند 5/ 153، والمستدرك 1/ 54.
(1/441)
بحسب اعتبار العقل والشرع، نحو المذكور في
قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها،
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها
[الأنعام/ 160] ، وحسنة وسيّئة بحسب اعتبار الطّبع، وذلك ما
يستخفّه الطّبع وما يستثقله، نحو قوله:
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ
[الأعراف/ 131] ، وقوله: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ
الْحَسَنَةَ [الأعراف/ 95] ، وقوله تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ
الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ
[النحل/ 27] ، ويقال: سَاءَنِي كذا، وسُؤْتَنِي، وأَسَأْتَ إلى
فلان، قال: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
[الملك/ 27] ، وقال: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ
[الإسراء/ 7] ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء/
123] ، أي: قبيحا، وكذا قوله:
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ [التوبة/ 37] ، عَلَيْهِمْ
دائِرَةُ السَّوْءِ
[الفتح/ 6] ، أي: ما يسوءهم في العاقبة، وكذا قوله: وَساءَتْ
مَصِيراً [النساء/ 97] ، وساءَتْ مُسْتَقَرًّا [الفرقان/ 66] ،
وأما قوله تعالى: فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ
الْمُنْذَرِينَ [الصافات/ 177] ، وساءَ ما يَعْمَلُونَ
[المائدة/ 66] ، ساءَ مَثَلًا
[الأعراف/ 177] ، فساء هاهنا تجري مجرى بئس، وقال:
وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ
بِالسُّوءِ [الممتحنة/ 2] ، وقوله: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا
[الملك/ 27] ، نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنه يبدو في الوجه أثر
السّرور والغمّ، وقال:
سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً
[هود/ 77] :
حلّ بهم ما يسوءهم، وقال: سُوءُ الْحِسابِ [الرعد/ 21] ،
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد/ 25] ، وكنّي عن الْفَرْجِ
بِالسَّوْأَةِ «1» . قال: كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ
[المائدة/ 31] ، فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي [المائدة/ 31] ،
يُوارِي سَوْآتِكُمْ [الأعراف/ 26] ، بَدَتْ لَهُما
سَوْآتُهُما [الأعراف/ 22] ، لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ
عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما
[الأعراف/ 20] .
تمّ كتاب السين
__________
(1) انظر مجاز القرآن 1/ 162.
(1/442)
|