المفردات في غريب القرآن كتاب الضّاد
بسم الله الرحمن الرحيم، نستعين بالله تعالى، وهو خير معين،
الحمد لله حق حمده، والصلاة على خير خلقه، ومظهر حقّه محمد
وآله وصحبه «1» .
ضبح
قال تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً
[العاديات/ 1] ، قيل: الضَّبْحُ: صوتُ أنفاس الفرس تشبيها
بالضِّبَاحِ، وهو صوت الثّعلب، وقيل: هو الخفيف العدو، وقد
يقال ذلك للعدو، وقيل: الضَّبْحُ كالضّبع، وهو مدّ الضّبع في
العدو، وقيل: أصله إحراق العود، شبّه عدوه به كتشبيهه بالنار
في كثرة حركتها.
ضحك
الضَّحِكُ: انبساطُ الوجه وتكشّر الأسنان من سرور النّفس،
ولظهور الأسنان عنده سمّيت مقدّمات الأسنان الضَّوَاحِكِ.
واستعير الضَّحِكُ للسّخرية، فقيل: ضَحِكْتُ منه، ورجلٌ
ضُحَكَةٌ:
يَضْحَكُ من النّاس، وضُحْكةٌ: لمن يُضْحَكُ منه «2» . قال
تعالى: وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ
[المؤمنون/ 110] ، إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ
[الزخرف/ 47] ، تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ [النجم/ 59- 60] ،
ويستعمل في السّرور المجرّد نحو: مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ
[عبس/ 38- 39] ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا
[التوبة/ 82] ، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً
[النمل/ 19] ، قال الشاعر:
291-
يَضْحَكُ الضّبع لقتلى هذيل ... وترى الذّئب لها يستهلّ
«3» واستعمل للتّعجّب المجرّد تارة، ومن هذا
__________
(1) زيادة من نسخة المحمودية رقم 218.
(2) قال الراجز:
إن ضحكت منك كثيرا فتية ... فأنت ضحكة وهم ضحكة
وتقدّم ذلك في مادة (برم) ص 121.
(3) البيت في اللسان (ضحك) ، وهو لتأبّط شرا في ديوانه ص 250.
(1/501)
المعنى قَصَدَ مَن قال: الضَّحِكُ يَختصُّ
بالإنسان، وليس يوجد في غيره من الحيوان، قال: ولهذا المعنى
قال تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى
[النجم/ 43] ، وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
[هود/ 71] ، وضَحِكُهَا كان للتّعجّب بدلالة قوله:
أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود/ 73] ، ويدلّ على ذلك
أيضا قوله: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ إلى قوله: عَجِيبٌ [هود/
72] ، وقول من قال: حاضت، فليس ذلك تفسيرا لقوله: فَضَحِكَتْ
كما تصوّره بعض المفسّرين «1» ، فقال: ضَحِكَتْ بمعنى حاضت،
وإنّما ذكر ذلك تنصيصا لحالها، وأنّ الله تعالى جعل ذلك أمارة
لما بشّرت به، فحاضت في الوقت ليعلم أنّ حملها ليس بمنكر، إذ
كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها تحبل، وقول الشاعر في صفة
روضة:
292-
يُضَاحِكُ الشمسَ منها كوكب شرِقٌ
«2» فإنّه شبّه تلألؤها بِالضَّحِكِ، ولذلك سمّي البرق العارض
ضَاحِكاً، والحجر يبرق ضَاحِكاً، وسمّي البلح حين يتفتَّقُ
ضَاحِكاً، وطريقٌ ضَحُوكٌ: واضحٌ، وضَحِكَ الغديرُ: تلألأ من
امتلائه، وقد أَضْحَكْتُهُ.
ضحى
الضُّحَى: انبساطُ الشمس وامتداد النهار، وسمّي الوقت به. قال
الله عزّ وجل: وَالشَّمْسِ وَضُحاها
[الشمس/ 1] ، إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات/ 46] ،
وَالضُّحى وَاللَّيْلِ [الضحى/ 1- 2] ، وَأَخْرَجَ ضُحاها
[النازعات/ 29] ، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى
[طه/ 59] ، وضَحَى يَضْحَى: تَعَرَّضَ للشمس.
قال: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
[طه/ 119] ، أي: لك أن تتصوّن من حرّ الشمس، وتَضَحَّى: أَكَلَ
ضُحًى، كقولك: تغدّى، والضَّحَاءُ والغداءُ لطعامهما،
وضَاحِيَةُ كلِّ شيءٍ:
ناحيتُهُ البارزةُ، وقيل للسماء: الضَّوَاحِي وليلة
إِضْحِيَانَةٌ، وضَحْيَاءُ: مُضيئةٌ إضاءةَ الضُّحَى.
والأُضْحِيَّةُ جمعُها أَضَاحِي وقيل: ضَحِيَّةٌ
__________
(1) وفي ذلك قال أبو عمرو: وسمعت أبا موسى الحامض يسأل أبا
العباس- ثعلبا- عن قوله: فَضَحِكَتْ أي:
حاضت، وقال: إنّه قد جاء في التفسير؟ فقال: ليس في كلام العرب،
والتفسير مسلّم لأهل التفسير، فقال له:
فأنت أنشدتنا:
تضحك الضبع لقتلى هذيل ... وترى الذئب بها يستهلّ
فقال أبو العباس: تضحك هاهنا: تكشر. انظر اللسان: ضحك.
(2) هذا شطر بيت، وعجزه:
مؤزّر بعميم النبت مكتهل
وهو للأعشى في ديوانه ص 145، وأساس البلاغة ص 266.
(1/502)
وضَحَايَا، وأَضْحَاةٌ وأَضْحًى، وتسميتها
بذلك في الشّرع لقوله عليه السلام: «من ذبح قبل صلاتنا هذه
فليُعِدْ» «1» .
ضد
قال قوم: الضِّدَّانِ الشيئان اللّذان تحت جنس واحدٍ «2» ،
وينافي كلّ واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصّة، وبينهما أبعد
البعد كالسّواد والبياض، والشّرّ والخير، وما لم يكونا تحت جنس
واحد لا يقال لهما ضِدَّانِ، كالحلاوة والحركة. قالوا:
والضِّدُّ هو أحد المتقابلات، فإنّ المتقابلين هما الشيئان
المختلفان، اللّذان كلّ واحد قبالة الآخر، ولا يجتمعان في شيء
واحد في وقت واحد، وذلك أربعة أشياء:
الضِّدَّانِ كالبياض والسّواد، والمتناقضان:
كالضّعف والنّصف، والوجود والعدم، كالبصر والعمى، والموجبة
والسّالبة في الأخبار، نحو: كلّ إنسان هاهنا، وليس كلّ إنسان
هاهنا «3» . وكثير من المتكلّمين وأهل اللغة يجعلون كلّ ذلك من
المُتَضَادَّاتِ، ويقولون: الضِّدَّانِ ما لا يصحّ اجتماعهما
في محلّ واحد. وقيل: الله تعالى لا ندّ له ولا ضِدَّ، لأنَّ
النِّدَّ هو الاشتراك في الجوهر، والضِّدَّ هو أن يعتقب
الشيئان المتنافيان على جنس واحد، والله تعالى منزّه عن أن
يكون جوهرا، فإذا لا ضِدَّ له ولا ندّ، وقوله:
وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم/ 82] ، أي:
منافين لهم.
ضر
الضُّرُّ: سوءُ الحال، إمّا في نفسه لقلّة العلم والفضل
والعفّة، وإمّا في بدنه لعدم جارحة ونقص، وإمّا في حالة ظاهرة
من قلّة مال وجاه، وقوله: فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ
[الأنبياء/ 84] ، فهو محتمل لثلاثتها، وقوله:
__________
(1) عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان يقول: شهدت مع
النبيّ صلّى الله عليه وسلم العيد يوم النحر، ثم خطب فقال: «من
ذبح قبل أن نصلي فليعد أضحيته، ومن لم يذبح فليذبح على اسم
الله عزّ وجلّ» أخرجه أحمد في المسند 4/ 312.
وأخرجه البزار بلفظ: «من كان ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته» .
وفيه بكر بن سليمان البصري، وثقه الذهبي، وبقية رجاله موثقون،
انظر: مجمع الزوائد 4/ 27.
(2) انظر: التعريفات، ص 37. [.....]
(3) قال الأخضري في السّلّم:
تناقض خلف القضيتين في ... كيف، وصدق واحد أمر قفي
ثم قال:
فإن تكن موجبة كلية ... نقيضها سالبة جزئية
والتناقض: ثبوت الشيء وسلبه، ففي الكلية: كل إنسان حيوان، بعض
الإنسان ليس بحيوان. انظر: إيضاح المبهم من معاني السلم ص 11.
(1/503)
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ [يونس/
12] ، وقوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ
لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ
[يونس/ 12] ، يقال: ضَرَّهُ ضُرّاً: جلب إليه ضُرّاً، وقوله:
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً
[آل عمران/ 111] ، ينبّههم على قلّة ما ينالهم من جهتهم،
ويؤمّنهم من ضَرَرٍ يلحقهم نحو: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ
شَيْئاً
[آل عمران/ 120] ، وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً
[المجادلة/ 10] ، وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
[البقرة/ 102] ، وقال تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ
[البقرة/ 102] ، وقال:
يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا
يَنْفَعُهُ
[الحج/ 12] ، وقوله: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ
نَفْعِهِ
[الحج/ 13] . فالأوّل يعنى به الضُّرُّ والنّفع، اللّذان
بالقصد والإرادة، تنبيها أنه لا يقصد في ذلك ضَرّاً ولا نفعا
لكونه جمادا. وفي الثاني يريد ما يتولّد من الاستعانة به ومن
عبادته، لا ما يكون منه بقصده، والضَّرَّاءُ يقابل بالسَّرَّاء
والنّعماء، والضرّ بالنّفع. قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ
نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ
[هود/ 10] ، وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا
نَفْعاً [الفرقان/ 3] ، ورجلٌ ضَرِيرٌ: كناية عن فقد بصره،
وضَرِيرُ الوادي: شاطئه الذي ضَرَّهُ الماءُ، والضَّرِيرُ:
المَضَارُّ، وقد ضَارَرْتُهُ. قال تعالى: وَلا تُضآرُّوهُنَ
[الطلاق/ 6] ، وقال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ
[البقرة/ 282] ، يجوز أن يكون مسندا إلى الفاعل، كأنه قال: لا
يُضَارِرْ، وأن يكون مفعولا، أي: لا يُضَارَرْ، بأن يشعل عن
صنعته ومعاشه باستدعاء شهادته، وقال:
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها
[البقرة/ 233] ، فإذا قرئ بالرّفع فلفظه خبر ومعناه أمر، وإذا
فتح فأمر «1» . قال تعالى: ضِراراً لِتَعْتَدُوا
[البقرة/ 231] ، والضَّرَّةُ أصلُها الفَعْلة التي تَضُرُّ،
وسمّي المرأتان تحت رجل واحد كلّ واحدة منهما ضَرَّةٌ،
لاعتقادهم أنّها تَضُرُّ بالمرأة الأخرى، ولأجل هذا النّظر
منهم قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
«لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها» «2»
والضَّرَّاءُ: التّزويج بِضَرَّةٍ، ورجلٌ مُضِرٌّ: ذو زوجين
فصاعدا. وامرأةٌ مُضِرٌّ: لها ضَرَّةٌ. والاضْطِرَارُ: حمل
الإنسان على ما يَضُرُّهُ، وهو في التّعارف حمله على أمر
يكرهه، وذلك على ضربين:
__________
(1) قرأ: لا تُضَارَّ بالرفع ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، وقرأ
أبو جعفر بسكونها مخففة والباقون بفتح الراء. انظر:
الإتحاف ص 158، والحجة للفارسي 2/ 333.
(2) الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم
قال: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما
لها ما قدّر لها» أخرجه مالك في الموطأ (انظر: تنوير الحوالك
3/ 93 جامع ما جاء في القدر) ، والبخاري 11/ 432 في القدر،
ومسلم (1408) في النكاح.
(1/504)
أحدهما: اضطرار بسبب خارج كمن يضرب، أو
يهدّد، حتى يفعل منقادا، ويؤخذ قهرا، فيحمل على ذلك كما قال:
ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ
[البقرة/ 126] ، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ
[لقمان/ 24] .
والثاني: بسبب داخل وذلك إمّا بقهر قوّة له لا يناله بدفعها
هلاك، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار، وإمّا بقهر قوّة يناله
بدفعها الهلاك، كمن اشتدّ به الجوع فَاضْطُرَّ إلى أكل ميتة،
وعلى هذا قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ
[البقرة/ 173] ، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ [المائدة/ 3]
، وقال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ
[النمل/ 62] ، فهو عامّ في كلّ ذلك، والضَّرُورِيُّ يقال على
ثلاثة أضرب:
أحدها: إما يكون على طريق القهر والقسر، لا على الاختيار
كالشّجر إذا حرّكته الرّيح الشّديدة.
والثاني: ما لا يحصل وجوده إلّا به نحو الغذاء الضَّرُورِيِّ
للإنسان في حفظ البدن.
والثالث: يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافه، نحو أن يقال:
الجسم الواحد لا يصحّ حصوله في مكانين في حالة واحدة
بالضَّرُورَةِ.
وقيل: الضَّرَّةُ أصلُ الأنملة، وأصلُ الضّرع، والشّحمةُ
المتدلّيةُ من الألية.
ضرب
الضَّرْبُ: إيقاعُ شيءٍ على شيء، ولتصوّر اختلاف الضّرب خولف
بين تفاسيرها، كَضَرْبِ الشيءِ باليد، والعصا، والسّيف ونحوها،
قال:
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ
بَنانٍ
[الأنفال/ 12] ، فَضَرْبَ الرِّقابِ
[محمد/ 4] ، فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
[البقرة/ 73] ، أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ
[الأعراف/ 160] ، فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ
[الصافات/ 93] ، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
[محمد/ 27] ، وضَرْبُ الأرضِ بالمطر، وضَرْبُ الدّراهمِ،
اعتبارا بِضَرْبِ المطرقةِ، وقيل له: الطّبع، اعتبارا بتأثير
السّمة فيه، وبذلك شبّه السّجيّة، وقيل لها: الضَّرِيبَةُ
والطَّبِيعَةُ. والضَّرْبُ في الأَرْضِ: الذّهاب فيها
وضَرْبُهَا بالأرجلِ.
قال تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
[النساء/ 101] ، وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي
الْأَرْضِ
[آل عمران/ 156] ، وقال: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي
الْأَرْضِ
[البقرة/ 273] ، ومنه: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي
الْبَحْرِ
[طه/ 77] ، وضَرَبَ الفحلُ الناقةَ تشبيها بالضَّرْبِ
بالمطرقة، كقولك: طَرَقَهَا، تشبيها بالطّرق بالمطرقة، وضَرَبَ
الخيمةَ بضرب أوتادها بالمطرقة، وتشبيها بالخيمة قال: ضُرِبَتْ
عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ
[آل عمران/ 112] ، أي:
(1/505)
التحفتهم الذّلّة التحاف الخيمة بمن
ضُرِبَتْ عليه، وعلى هذا: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ
[آل عمران/ 112] ، ومنه استعير: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ
فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
[الكهف/ 11] ، وقوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ
[الحديد/ 13] ، وضَرْبُ العودِ، والناي، والبوق يكون بالأنفاس،
وضَرْبُ اللَّبِنِ بعضِهِ على بعض بالخلط، وضَرْبُ المَثلِ هو
من ضَرْبِ الدّراهمِ، وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره. قال
تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا [الزمر/ 29] ، وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلًا
[الكهف/ 32] ، ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ
[الروم/ 28] ، وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ
[الروم/ 58] ، وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا
[الزخرف/ 57] ، ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا
[الزخرف/ 58] ، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا
[الكهف/ 45] ، أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً
[الزخرف/ 5] .
والمُضَارَبَةُ: ضَرْبٌ من الشَّرِكَةِ. والمُضَرَّبَةُ:
ما أُكْثِرَ ضربُهُ بالخياطة. والتَّضْرِيبُ: التّحريضُ، كأنه
حثّ على الضَّرْبِ الذي هو بعد في الأرض، والاضْطِرَابُ: كثرةُ
الذّهاب في الجهات من الضّرب في الأرض، واسْتِضَرابُ الناقةِ:
استدعاء ضرب الفحل إيّاها.
ضرع
الضَّرْعُ: ضَرْعُ الناقةِ، والشاة، وغيرهما، وأَضْرَعَتِ
الشاةُ: نزل اللّبن في ضَرْعِهَا لقرب نتاجها، وذلك نحو: أتمر،
وألبن: إذا كثر تمره ولبنه، وشاةٌ ضَرِيعٌ: عظيمةُ الضَّرْعِ،
وأما قوله:
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ
[الغاشية/ 6] ، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ «1» ، وقيل:
نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، وكيفما كان فإشارة
إلى شيء منكر. وضَرَعَ إليهم: تناول ضَرْعَ أُمِّهِ، وقيل منه:
ضَرَعَ الرّجلُ ضَرَاعَةً:
ضَعُفَ وذَلَّ، فهو ضَارِعٌ، وضَرِعٌ، وتَضَرّعَ:
أظهر الضَّرَاعَةَ. قال تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
[الأنعام/ 63] ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
[الأنعام/ 42] ، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
[الأعراف/ 94] ، أي: يَتَضَرَّعُونَ فأدغم، فَلَوْلا إِذْ
جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا
[الأنعام/ 43] ، والمُضَارَعَةُ أصلُها:
التّشارك في الضَّرَاعَةِ، ثمّ جرّد للمشاركة، ومنه استعار
النّحويّون لفظَ الفعلِ المُضَارِعِ.
ضعف
الضَّعْفُ: خلافُ القوّة، وقد ضَعُفَ فهو
__________
(1) الشّبرق بالكسر: شجر منبته نجد وتهامة، وثمرته شاكة،
والقول الذي ذكره المؤلف هو لأبي عبيدة في المجاز 2/ 296.
وقالوا: إذا يبس الضريع فهو الشبرق. وقال الزجاج: الشبرق: جنس
من الشوك، إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضريع. انظر:
اللسان (شبرق) .
(1/506)
ضَعِيفٌ. قال عزّ وجلّ: ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ [الحج/ 73] ، والضَّعْفُ قد يكون في النّفس،
وفي البدن، وفي الحال، وقيل:
الضَّعْفُ والضُّعْفُ لغتان «1» . قال تعالى: وَعَلِمَ أَنَّ
فِيكُمْ ضَعْفاً
[الأنفال/ 66] ، قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا
[القصص/ 5] ، قال الخليل رحمه الله: الضُّعْفُ بالضم في البدن،
والضَّعْفُ في العقل والرّأي «2» ، ومنه قوله تعالى: فَإِنْ
كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً
[البقرة/ 282] ، وجمع الضَّعِيفِ:
ضِعَافٌ، وضُعَفَاءُ. قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ
[التوبة/ 91] ، واسْتَضْعَفْتُهُ: وجدتُهُ ضَعِيفاً، قال
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ
وَالْوِلْدانِ
[النساء/ 75] ، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
[النساء/ 97] ، إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
[الأعراف/ 150] ، وقوبل بالاستكبار في قوله:
قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
[سبأ/ 33] ، وقوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
«3» ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ
مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً
[الروم/ 54] . والثاني غير الأوّل، وكذا الثالث فإن قوله:
خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
[الروم/ 54] ، أي: من نطفة، أو من تراب، والثاني هو الضَّعْفُ
الموجودُ في الجنين والطّفل. الثالث: الذي بعد الشّيخوخة، وهو
المشار إليه بأرذل العمر. والقوّتان الأولى هي التي تجعل
للطّفل من التّحرّك، وهدايته واستدعاء اللّبن، ودفع الأذى عن
نفسه بالبكاء، والقوّة الثانية هي التي بعد البلوغ، ويدلّ على
أنّ كلّ واحد من قوله: (ضَعْفٍ) إشارةٌ إلى حالة غير الحالة
الأولى ذكره منكّرا، والمنكّر متى أعيد ذكره وأريد به ما تقدّم
عرّف «4» ، كقولك: رأيت رجلا، فقال لي الرّجل: كذا. ومتى ذكر
ثانيا منكّرا أريد به غير الأوّل، ولذلك قال ابن عباس في قوله:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
[الشرح/ 5- 6] ، لن يغلب عسر يسرين «5» ،
__________
(1) انظر: المجمل 2/ 562، والبصائر 3/ 474.
(2) انظر: العين 1/ 281.
(3) قال قتادة: خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ قال: من النطفة، ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً قال: الهرم. راجع: اللسان
(ضعف) ، والدر المنثور 6/ 501.
(4) وهذا حسب القاعدة: إنّ النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير
الأولى، وإذا أعيدت معرفة، أو أعيدت المعرفة معرفة، أو نكرة
كان الثاني عين الأول.
قال ابن هشام: فإذا ادعي أنّ القاعدة فيهنّ إنما هي مستمرة مع
عدم القرينة، فأمّا إن وجدت قرينة فالتعويل عليها، سهل الأمر.
راجع: مغني اللبيب ص 863.
(5) يروى هذا عن ابن مسعود كما أخرجه عنه عبد الرزاق وسعيد بن
منصور وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في الصبر، والبيهقي في
شعب الإيمان.
ويروى مرفوعا، فقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي
عن الحسن قال: خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلم فرحا مسرورا وهو
يضحك ويقول: «لن يغلب عسر يسرين، فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع
العسر يسرا» .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال: «لما
نزلت هذه الآية: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: أبشروا، أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين»
راجع: الدر المنثور للسيوطي 8/ 550- 551، والمستدرك 2/ 528،
وهو مرسل.
(1/507)
وقوله: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً
[النساء/ 28] ، فَضَعْفُهُ: كثرةُ حاجاته التي يستغني عنها
الملأ الأعلى، وقوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً
[النساء/ 76] ، فَضَعْفُ كيدِهِ إنما هو مع من صار من عباد
الله المذكورين في قوله:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الإسراء/ 65]
، والضِّعْفُ هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما
وجود الآخر، كالنّصف والزّوج، وهو تركّب قدرين متساويين،
ويختصّ بالعدد، فإذا قيل: أَضْعَفْتُ الشيءَ، وضَعَّفْتُهُ،
وضَاعَفْتُهُ: ضممت إليه مثله فصاعدا. قال بعضهم: ضَاعَفْتُ
أبلغ من ضَعَّفْتُ «1» ، ولهذا قرأ أكثرهم: يُضاعَفْ لَهَا
الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ
[الأحزاب/ 30] ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها
[النساء/ 40] ، وقال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثالِها [الأنعام/ 160] ، والمُضَاعَفَةُ على قضيّة هذا
القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها، وقيل: ضَعَفْتُهُ بالتّخفيف
ضَعْفاً، فهو مَضْعُوفٌ، فَالضَّعْفُ مصدرٌ، والضِّعْفُ اسمٌ،
كالثَّنْيِ والثِّنْيِ «2» ، فَضِعْفُ الشيءِ هو الّذي
يُثَنِّيهِ، ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله، نحو أن
يقال: ضِعْفُ العشرةِ، وضِعْفُ المائةِ، فذلك عشرون ومائتان
بلا خلاف، وعلى هذا قول الشاعر:
293-
جزيتك ضِعْفَ الوِدِّ لمّا اشتكيته ... وما إن جزاك الضِّعف من
أحد قبلي
«3» وإذا قيل: أعطه ضِعْفَيْ واحدٍ، فإنّ ذلك اقتضى الواحد
ومثليه، وذلك ثلاثة، لأن معناه الواحد واللّذان يزاوجانه وذلك
ثلاثة، هذا إذا كان الضِّعْفُ مضافا، فأمّا إذا لم يكن مضافا
فقلت: الضِّعْفَيْنِ فإنّ ذلك يجري مجرى الزّوجين في أنّ كلّ
واحد منهما يزاوج الآخر،
__________
(1) وهذا قول أبي عمرو بن العلاء، فقد قال مكيّ: إنّ أبا عمرو
حكى أنّ «ضاعفت» أكثر من «ضعّفت» ، لأنّ «ضعّفت» معناه مرتان،
وحكى أنّ العرب تقول: ضعّفت درهمك أي: جعلته درهمين، وتقول:
ضاعفته، أي: جعلته أكثر من درهمين.
والله يعطي الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. انظر: الكشف
عن وجوه القراءات 1/ 300.
(2) انظر: البصائر 3/ 478.
(3) البيت لأبي ذويب الهذلي في ديوان الهذليين 1/ 35، واللسان
(ضعف) ، والبصائر 3/ 478.
(1/508)
فيقتضي ذلك اثنين، لأنّ كلّ واحد منهما
يُضَاعِفُ الآخرَ، فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف
الضِّعْفَانِ إلى واحد فيثلّثهما، نحو:
ضِعْفَيِ الواحدِ، وقوله: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ
[سبأ/ 37] ، وقوله: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً
مُضاعَفَةً
[آل عمران/ 130] ، فقد قيل:
أتى باللّفظين على التأكيد، وقيل: بل المُضَاعَفَةُ من
الضَّعْفِ لا من الضِّعْفِ، والمعنى: ما يعدّونه ضِعْفاً فهو
ضَعْفٌ، أي: نقص، كقوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً
لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ
اللَّهِ [الروم/ 39] ، وكقوله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة/ 276] ، وهذا المعنى أخذه
الشاعر فقال:
294-
زيادة شيب وهي نقص زيادتي
«1» وقوله: فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ
[الأعراف/ 38] ، فإنهم سألوه أن يعذّبهم عذابا بضلالهم، وعذابا
بإضلالهم كما أشار إليه بقوله:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ
أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ [النحل/ 25] ، وقوله:
لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ
[الأعراف/ 38] ، أي: لكلّ منهم ضِعْفُ ما لكم من العذاب، وقيل:
أي: لكلّ منهم ومنكم ضِعْفُ ما يرى الآخر، فإنّ من العذاب
ظاهرا وباطنا، وكلّ يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدّر أن
ليس له العذاب الباطن.
ضغث
الضِّغْثُ: قبضةُ ريحانٍ، أو حشيشٍ أو قُضْبَانٍ، وجمعه:
أَضْغَاثٌ. قال تعالى: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً
[ص/ 44] ، وبه شبّه الأحلام المختلطة التي لا يتبيّن حقائقها،
قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ
[يوسف/ 44] : حزم أخلاط من الأحلام.
ضغن
الضِّغْنُ والضَّغْنُ: الحِقْدُ الشّديدُ، وجمعه:
أَضْغَانٌ. قال تعالى: أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ
أَضْغانَهُمْ
[محمد/ 29] ، وبه شبّه الناقة، فقالوا: ذاتُ ضِغْنٍ «2» ،
وقناةٌ ضَغِنَةٌ: عوجاءُ والإِضْغَانُ: الاشتمالُ بالثّوب
وبالسّلاح ونحوهما.
ضل
الضَّلَالُ: العدولُ عن الطّريق المستقيم، ويضادّه الهداية،
قال تعالى: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ
وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها
[الإسراء/ 15] ، ويقال الضَّلَالُ لكلّ عدولٍ عن المنهج، عمدا
كان أو سهوا، يسيرا كان أو كثيرا، فإنّ الطّريق المستقيم الذي
هو المرتضى
__________
(1) شطر بيت للمتنبي، وعجزه:
[وقوّة عشق وهي من قوتي ضعف]
. التبيان شرح الديوان 2/ 283.
(2) قال ابن فارس: ويقولون: ناقة ذات ضغن: عند نزاعها إلى
وطنها. [.....]
(1/509)
صعب جدا، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
«استقيموا ولن تُحْصُوا» «1» وقال بعض الحكماء: كوننا مصيبين
من وجه وكوننا ضَالِّينَ من وجوه كثيرة، فإنّ الاستقامة
والصّواب يجري مجرى المقرطس من المرمى، وما عداه من الجوانب
كلّها ضَلَالٌ.
ولما قلنا روي عن بعض الصالحين أنه رأى النبيّ صلّى الله عليه
وسلم في منامه فقال: يا رسول الله يروى لنا أنّك قلت: «شيّبتني
سورة هود وأخواتها فما الذي شيّبك منها؟ فقال: قوله:
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» «2» . وإذا كان الضَّلَالُ تركَ
الطّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا، قليلا كان أو كثيرا، صحّ
أن يستعمل لفظ الضَّلَالِ ممّن يكون منه خطأ ما، ولذلك نسب
الضَّلَالُ إلى الأنبياء، وإلى الكفّار، وإن كان بين
الضَّلَالَيْنِ بون بعيد، ألا ترى أنه قال في النّبي صلّى الله
عليه وسلم: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى
[الضحى/ 7] ، أي: غير مهتد لما سيق إليك من النّبوّة. وقال في
يعقوب: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ
[يوسف/ 95] ، وقال أولاده:
إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف/ 8] ، إشارة إلى شغفه
بيوسف وشوقه إليه، وكذلك:
قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
[يوسف/ 30] ، وقال عن موسى عليه السلام: فَعَلْتُها إِذاً
وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
[الشعراء/ 20] ، تنبيه أنّ ذلك منه سهو، وقوله: أَنْ تَضِلَّ
إِحْداهُما
[البقرة/ 282] ، أي: تنسى، وذلك من النّسيان الموضوع عن
الإنسان. والضَّلَالُ من وجه آخر ضربان: ضَلَالٌ في العلوم
النّظريّة، كالضَّلَالِ في معرفة الله ووحدانيّته، ومعرفة
النّبوّة، ونحوهما المشار إليهما بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ
بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً
[النساء/ 136] . وضَلَالٌ في العلوم العمليّة، كمعرفة الأحكام
الشّرعيّة التي هي العبادات، والضَّلَالُ البعيدُ إشارةٌ إلى
ما هو كفر كقوله على ما تقدّم من قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ
بِاللَّهِ [النساء/ 136] ، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً
[النساء/ 167] ، وكقوله: فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ
[سبأ/ 8] ، أي: في عقوبة الضَّلَالِ البعيدِ، وعلى ذلك قوله:
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ
[الملك/ 9] ، قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً
وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ
[المائدة/ 77] ، وقوله: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ
[السجدة/ 10] ، كناية عن الموت واستحالة البدن. وقوله:
__________
(1) الحديث عن ثوبان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة، ولا
يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» أخرجه مالك في الموطأ 1/ 34، وأحمد
5/ 280، والحاكم 1/ 130، والدارمي من طرق صحاح 1/ 168.
(2) الحديث تقدّم في مادة (حصا) ص 241.
(1/510)
وَلَا الضَّالِّينَ
[الفاتحة/ 7] ، فقد قيل: عني بِالضَّالِّينَ النّصارى «1» .
وقوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى
[طه/ 52] ، أي: لا يَضِلُّ عن ربّي، ولا يَضِلُّ ربّي عنه: أي:
لا يغفله، وقوله: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
[الفيل/ 2] ، أي: في باطل وإِضْلَالٍ لأنفسهم.
والإِضْلَالُ ضربان: أحدهما: أن يكون سببه الضَّلَالُ، وذلك
على وجهين: إمّا بأن يَضِلَّ عنك الشيءُ كقولك: أَضْلَلْتُ
البعيرَ، أي: ضَلَّ عنّي، وإمّا أن تحكم بِضَلَالِهِ،
والضَّلَالُ في هذين سبب الإِضْلَالِ.
والضّرب الثاني: أن يكون الإِضْلَالُ سببا لِلضَّلَالِ، وهو أن
يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ كقوله: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ
مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
[النساء/ 113] ، أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تَضِلَّ، فلا
يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضَلَالُ أنفسِهِم، وقال عن
الشيطان: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
[النساء/ 119] ، وقال في الشّيطان: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ
جِبِلًّا كَثِيراً
[يس/ 62] ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا
بَعِيداً
[النساء/ 60] ، وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ
[ص/ 26] ، وإِضْلَالُ اللهِ تعالى للإنسان على أحد وجهين:
أحدهما أن يكون سببُهُ الضَّلَالَ، وهو أن يَضِلَّ الإنسانُ
فيحكم الله عليه بذلك في الدّنيا، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى
النار في الآخرة، وذلك إِضْلَالٌ هو حقٌّ وعدلٌ، فالحكم على
الضَّالِّ بضَلَالِهِ والعدول به عن طريق الجنّة إلى النار عدل
وحقّ.
والثاني من إِضْلَالِ اللهِ: هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة
الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا، محمودا كان أو مذموما، ألفه
واستطابه ولزمه، وتعذّر صرفه وانصرافه عنه، ويصير ذلك كالطّبع
الذي يأبى على الناقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان «2» . وهذه
القوّة في الإنسان فعل إلهيّ، وإذا كان كذلك- وقد ذكر في غير
هذا الموضع أنّ كلّ شيء يكون سببا في وقوع فعل- صحّ نسبة ذلك
الفعل إليه، فصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه،
فيقال: أَضَلَّهُ اللهُ لا على الوجه الذي يتصوّره الجهلة،
ولما قلناه جعل الإِضْلَالَ المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق
دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضْلَالَ المؤمنِ فقال:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ
[التوبة/ 115] ، فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ
[محمد/ 4- 5] ، وقال في الكافر
__________
(1) أخرج أحمد والترمذي وحسّنه وابن أبي حاتم 1/ 23 عن عديّ بن
حاتم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ المغضوب
عليهم اليهود، وإنّ الضالين النصارى» انظر: الدر المنثور 1/
42. المسند 4/ 378.
(2) انظر: بسط المقال في ذلك في كتاب (الذريعة) للمؤلف ص 38-
39.
(1/511)
والفاسق: فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ
أَعْمالَهُمْ
[محمد/ 8] ، وما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ
[البقرة/ 26] ، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ [غافر/
74] ، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم/ 27] ، وعلى
هذا النّحو تقليب الأفئدة في قوله: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ
[الأنعام/ 110] ، والختم على القلب في قوله: خَتَمَ اللَّهُ
عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7] ، وزيادة المرض في قوله: فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10] .
ضم
الضَّمُّ: الجمعُ بين الشّيئين فصاعدا. قال تعالى: وَاضْمُمْ
يَدَكَ إِلى جَناحِكَ
[طه/ 22] ، وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ [القصص/ 32] ،
والإِضْمَامَةُ: جماعةُ من النّاس أو من الكتب أو الرّيحان أو
نحو ذلك «1» ، وأسد ضَمْضَمٌ وضُمَاضِمٌ: يَضُمُّ الشّيءَ إلى
نفسه.
وقيل: بل هو المجتمع الخلق، وفرس سبّاقُ الأَضَامِيمِ: إذا سبق
جماعة من الأفراس دفعة واحدة.
ضمر
الضَّامِرُ من الفرس: الخفيف اللّحم من الأعمال لا من الهزال.
قال تعالى: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ
[الحج/ 27] ، يقال: ضَمَرَ ضُمُوراً «2» ، واضْطَمَرَ فهو
مُضْطَمِرٌ، وضَمَّرِّتُهُ أنا، والمِضْمَارُ: الموضع الذي
يُضْمَرُ فيه. والضَّمِيرُ:
ما ينطوي عليه القلب، ويدقّ على الوقوف عليه، وقد تسمّى القوّة
الحافظة لذلك ضَمِيراً.
ضن
قال تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ
[التكوير/ 24] ، أي: ما هو ببخيل، والضَّنَّةُ هو البخل بالشيء
النّفيس، ولهذا قيل: عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنَّةٍ، وفلانٌ
ضِنِّي بين أصحابي، أي: هو النّفيس الذي أَضِنُّ به، يقال:
ضَنَنْتُ بالشيء ضَنّاً وضَنَانَةً، وقيل: ضَنِنْتُ «3» .
ضنك
قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكاً
[طه/ 124] . أي: ضيّقا، وقد ضَنُكَ عيشُهُ، وامرأة ضِنَاكٌ:
مُكْتَنِزَةٌ، والضُّنَاكُ:
الزُّكَامُ، والمَضْنُوكُ: المزكوم.
ضاهى
قال تعالى: يُضاهِؤُنَ
«4» قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة/ 30] ، أي: يشاكلون،
وقيل:
أصله الهمز، وقد قرئ به «5» ، والضَّهْيَاءُ: المرأةُ
__________
(1) في اللسان: الأضاميم: الحجارة، واحدتها: إضمامة، وقد يشبّه
بها الجماعات المختلفة من الناس.
(2) قال السرقسطي: وضمر الشيء ضمورا: رقّ، وأضمرتك البلاد:
غيّبتك. الأفعال 2/ 210.
(3) ضنّ يضنّ ضنانة وضنّا: بخل، قال أبو عثمان: وزاد يعقوب:
ضننت أضنّ. انظر: الأفعال 2/ 222.
(4) وهذه قراءة جميع القراء إلا عاصما. انظر: الإتحاف ص 241.
(5) وبه قرأ عاصم.
(1/512)
التي لا تحيض، وجمعه: ضُهًى.
ضير
الضَّيْرُ: المَضَرَّةُ، يقال: ضارّه وضرّه. قال تعالى: لا
ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ
[الشعراء/ 50] ، وقوله: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل
عمران/ 120] .
ضيز
قال تعالى: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى
[النجم/ 22] ، أي: ناقصة. أصله: فُعْلَى، فكسرت الضّاد للياء،
وقيل: ليس في كلامهم فُعْلَى «1» .
ضيع
ضَاعَ الشيءُ يَضِيعُ ضَيَاعاً، وأَضَعْتُهُ وضَيَّعْتُهُ.
قال تعالى: لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ
[آل عمران/ 195] ، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلًا
[الكهف/ 30] ، وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
[البقرة/ 143] ، لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
[التوبة/ 120] ، وضَيْعَةُ الرّجلِ: عقاره الذي يَضِيعُ ما لم
يفتقد، وجمعه: ضِيَاعٌ، وتَضَيَّعَ الرّيحُ: إذا هبّت هبوبا
يُضَيِّعُ ما هبّت عليه.
ضيف
أصلُ الضَّيْفِ الميلُ. يقال: ضِفْتُ إلى كذا، وأَضَفْتُ كذا
إلى كذا، وضَافَتِ الشّمسُ للغروب وتَضَيَّفَتْ، وضَافَ
السّهمُ عن الهدف، وتَضَيَّفَ، والضَّيْفُ: من مال إليك نازلا
بك، وصارت الضِّيَافَةُ متعارفة في القرى، وأصل الضَّيْفِ
مصدرٌ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامّة كلامهم، وقد
يجمع فيقال:
أَضْيَافٌ، وضُيُوفٌ، وضِيفَانٌ. قال تعالى:
ضَيْفِ إِبْراهِيمَ
[الحجر/ 51] ، وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي
[هود/ 78] ، إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي [الحجر/ 68] ، ويقال:
اسْتَضَفْتُ فلاناً فَأَضَافَنِي، وقد ضِفْتُهُ ضَيْفاً فأنا
ضَائِفٌ وضَيْفٌ. وتستعمل الإِضَافَةُ في كلام النّحويّين في
اسم مجرور يضمّ إليه اسم قبله، وفي كلام بعضهم في كلّ شيء يثبت
بثبوته آخر، كالأب والابن، والأخ والصّديق، فإنّ كلّ ذلك يقتضي
وجوده وجود آخر، فيقال لهذه: الأسماء المُتَضَايِفَةُ.
ضيق
الضِّيقُ: ضدّ السّعة، ويقال: الضَّيْقُ أيضا، والضَّيْقَةُ
يستعمل في الفقر والبخل والغمّ ونحو ذلك. قال تعالى: وَضاقَ
بِهِمْ ذَرْعاً
[هود/ 77] ، أي: عجز عنهم، وقال: وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ
[هود/ 12] ، وَيَضِيقُ صَدْرِي
[الشعراء/ 13] ، ضَيِّقاً حَرَجاً
[الأنعام/ 125] ، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
[التوبة/ 25] ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ
__________
(1) في النعوت لا مطلقا. قال ابن خالويه: ليس في كلام العرب
صفة على فعلى. كتاب ليس في كلام العرب ص 256.
(1/513)
[التوبة/ 118] ، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ
[النحل/ 127] . كلّ ذلك عبارة عن الحزن، وقوله: وَلا
تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ
[الطلاق/ 6] ، ينطوي على تَضْيِيقِ النفقة وتَضْيِيقِ الصّدر،
ويقال في الفقر: ضَاقَ، وأَضَاقَ فهو مُضِيقٌ. واستعمال ذلك
فيه كاستعمال الوسع في ضدّه.
ضأن
الضَّأْنُ معروفٌ. قال تعالى: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ
[الأنعام/ 143] ، وأَضْأَنَ الرّجلُ: إذا كثر ضَأْنُهُ، وقيل:
الضَّائِنَةُ واحد الضَّأْنِ.
ضوأ
الضَّوْءُ: ما انتشر من الأجسام النّيّرة، ويقال:
ضَاءَتِ النارُ، وأَضَاءَتْ، وأَضَاءَهَا غيرُها. قال تعالى:
فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ
[البقرة/ 17] ، كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ
[البقرة/ 20] ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ
[النور/ 35] ، يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ
[القصص/ 71] ، وسَمَّى كُتُبَهُ المُهْتَدَى بها ضِيَاءً في
نحو قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ
وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ
[الأنبياء/ 48] .
تمّ كتاب الضّاد
(1/514)
|