المفردات في غريب القرآن كتاب الطّاء
طبع
الطَّبْعُ: أن تصوّر الشيء بصورة مّا، كَطَبْعِ السّكّةِ،
وطَبْعِ الدّراهمِ، وهو أعمّ من الختم وأخصّ من النّقش،
والطَّابَعُ والخاتم: ما يُطْبَعُ ويختم. والطَّابِعُ: فاعل
ذلك، وقيل للطَّابَعِ طَابِعٌ، وذلك كتسمية الفعل إلى الآلة،
نحو:
سيف قاطع. قال تعالى: فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ
[المنافقون/ 3] ، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
[الروم/ 59] ، كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ
[يونس/ 74] ، وقد تقدّم الكلام في قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7] ، وبه اعتبر الطَّبْعُ والطَّبِيعَةُ
التي هي السجيّة، فإنّ ذلك هو نقش النّفس بصورة مّا، إمّا من
حيث الخلقة، وإمّا من حيث العادة، وهو فيما ينقش به من حيث
الخلقة أغلب، ولهذا قيل:
295-
وتأبى الطِّبَاعُ على الناقل
«1» وطَبِيعَةُ النارِ، وطَبِيعَةُ الدّواءِ: ما سخّر الله له
من مزاجه. وطِبْعُ السَّيْفِ، صدؤه ودنسه، وقيل:
رجلٌ طَبِعٌ «2» ، وقد حمل بعضهم: طَبَعَ اللَّهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ
[محمد/ 16] ، وكَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ
[يونس/ 74] ، على ذلك، ومعناه: دنّسه، كقوله: بَلْ رانَ عَلى
قُلُوبِهِمْ [المطففين/ 14] ، وقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [المائدة/ 41] ،
وقيل: طَبَعْتُ المكيالَ: إذا ملأته، وذلك لكون الملء كالعلامة
المانعة من تناول بعض ما فيه، والطَّبْعُ: المَطْبُوعُ، أي:
المملوء: قال الشاعر:
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
يراد من القلب نسيانكم
وهو للمتنبي، في ديوانه شرح البرقوقي 3/ 153، وشرح المقامات
للشريشي 1/ 244، ومجمع البلاغة 1/ 263.
(2) قال الزمخشري: ومن المجاز: وإنّ فلانا لطمع طبع: دنس
الأخلاق. أساس البلاغة 275 مادة: طبع.
(1/515)
296-
كروايا الطّبع همّت بالوحل
«1»
طبق
المُطَابَقَةُ من الأسماء المتضايفة، وهو أن تجعل الشيء فوق
آخر بقدره، ومنه: طَابَقْتُ النّعلَ، قال الشاعر:
297-
إذا لاوذ الظّلّ القصير بخفّه ... وكان طِبَاقَ الخُفِّ أو
قَلَّ زائدا
«2» ثم يستعمل الطَّبَاقُ في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة،
وفيما يوافق غيره تارة، كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين، ثم
يستعمل في أحدهما دون الآخر كالكأس والرّاوية ونحوهما.
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً
[الملك/ 3] ، أي: بعضها فوق بعض، وقوله:
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ
[الانشقاق/ 19] ، أي: يترقّى منزلا عن منزل، وذلك إشارة إلى
أحوال الإنسان من ترقّيه في أحوال شتّى في الدّنيا، نحو ما
أشار إليه بقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
[الروم/ 20] ، وأحوال شتّى في الآخرة من النشور، والبعث،
والحساب، وجواز الصّراط إلى حين المستقرّ في إحدى الدّارين.
وقيل لكلّ جماعة مُتَطَابِقَةٍ: هم في أُمِّ طَبَقٍ «3» ،
وقيل: الناس طَبَقَاتٌ، وطَابَقْتُهُ على كذا، وتَطَابَقُوا
وأَطْبَقُوا عليه، ومنه: جوابٌ يُطَابِقُ السّؤالَ.
والمُطَابَقَةُ في المشي كمشي المقيّد، ويقال لما يوضع عليه
الفواكهُ، ولما يوضع على رأس الشيء: طَبَقٌ، ولكلّ فقرة من
فقار الظّهر: طَبَقٌ لِتَطَابُقِهَا، وطَبَّقْتُهُ بالسّيف
اعتبارا بِمُطَابَقَةِ النّعلِ، وطِبْقُ اللَّيلِ والنهارِ:
ساعاته المُطَابِقَةُ، وأَطْبَقْتُ عليه البابَ ورجل عياياءُ
طَبَاقَاءُ «4» : لمن انغلق عليه الكلام، من قولهم: أَطْبَقْتُ
البابَ، وفحلٌ طَبَاقَاءُ: انْطَبَقَ عليه الضِّرابُ فعجز عنه،
وعُبِّرَ عن الدّاهية بِبِنْتِ الطَّبَقِ، وقولهم: وَافَقَ
شِنٌّ طَبَقَةً وهما قبيلتان «5» .
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
فتولّوا فاترا مشيهم
وهو للبيد في ديوانه ص 148، والمجمل 2/ 592، وإصلاح المنطق ص
9.
الروايا: الإبل يحمل عليها الماء. وقيل: الطّبع: النهر هاهنا.
(2) البيت في البصائر 3/ 496 بلا نسبة، وعمدة الحفاظ (طبق) .
[.....]
(3) الطّبق: الجماعة من الناس، والطّبق: الجماعة من الناس
يعدلون جماعة مثلهم. اللسان (طبق) .
(4) انظر: المجمل 2/ 592.
(5) قال ابن الكلبي: طبقة: قبيلة من إياد كانت لا تطاق، فوقع
بها شن بن أفصى بن عبد القيس فانتصف منها، وأصابت منه، فصار
مثلا للمتفقين في الشدة وغيرها.
وقيل: شنّ: رجل من دهاة العرب، وطبقة: اسم امرأته. انظر: مجمع
الأمثال 2/ 359، والأمثال ص 177.
(1/516)
طحا
الطَّحْوُ: كالدّحو، وهو بسط الشيء والذّهاب به. قال تعالى:
وَالْأَرْضِ وَما طَحاها
[الشمس/ 6] ، قال الشاعر:
298-
طَحَا بك قلب في الحسان طروب
«1» أي: ذهب.
طرح
الطَّرْحُ: إلقاء الشيء وإبعاده، والطُّرُوحُ:
المكان البعيد، ورأيته من طَرْحٍ أي: بُعْدٍ، والطِّرْحُ:
المَطْرُوحُ لقلّة الاعتداد به. قال تعالى:
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً
[يوسف/ 9] .
طرد
الطَّرْدُ: هو الإزعاج والإبعاد على سبيل الاستخفاف، يقال:
طَرَدْتُهُ، قال تعالى: وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ
اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ
[هود/ 30] ، وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
[الأنعام/ 52] ، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ
[الشعراء/ 114] ، فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
[الأنعام/ 52] ، ويقال: أَطْرَدَهُ السّلطانُ، وطَرَدَهُ: إذا
أخرجه عن بلده، وأمر أن يَطْرُدَ من مكان حلّه.
وسمّي ما يثار من الصّيد: طَرْداً وطَرِيدَةً. ومُطَارَدَةُ
الأقرانِ: مدافعةُ بعضِهِمْ بعضاً، والمِطْرَدُ: ما يُطْرَدُ
به، واطِّرَادُ الشيءِ متابعة بعضه بعضا.
طرف
طَرَفُ الشيءِ: جانبُهُ، ويستعمل في الأجسام والأوقات وغيرهما.
قال تعالى: فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ
[طه/ 130] ، أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ
[هود/ 114] ، ومنه استعير: هو كريمُ الطَّرَفَيْنِ «2» ، أي:
الأب والأمّ. وقيل:
الذَّكَرُ واللِّسَانُ، إشارة إلى العفّة، وطَرْفُ العينِ:
جَفْنُهُ، والطَّرْفُ: تحريك الجفن، وعبّر به عن النّظر إذ كان
تحريك الجفن لازمه النّظر، وقوله:
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
[النمل/ 40] ، فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ
[الرحمن/ 56] ، عبارة عن إغضائهنّ لعفّتهنّ، وطُرِفَ فلانٌ:
أصيب طَرْفُهُ، وقوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً
[آل عمران/ 127] ، فتخصيصُ قطعِ الطَّرَفِ من حيث إنّ تنقيصَ
طَرَفِ الشّيءِ يُتَوَصَّلُ به إلى توهينه وإزالته، ولذلك قال:
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها
[الرعد/ 41] ، والطِّرَافُ: بيتُ أَدَمٍ يؤخذ طَرَفُهُ،
ومِطْرَفُ الخزِّ ومُطْرَفٌ: ما يجعل له طَرَفٌ، وقد
أَطْرَفْتُ مالًا، وناقة طَرِفَةٌ ومُسْتَطْرِفَةٌ: ترعى
__________
(1) هذا شطر بيت، وعجزه:
بعيد الشباب عصر حان مشيب
وهو مطلع قصيدة مفضلية لعلقمة بن عبدة في المفضليات ص 391،
وديوانه ص 33.
(2) يقال: فلان كريم الطرفين، شريف الجانبين. انظر: سحر
البلاغة ص 59.
(1/517)
أطرافَ المرعى كالبعير، والطَّرِيفُ: ما
يتناوله، ومنه قيل: مالٌ طَرِيفٌ، ورَجُلٌ طَرِيفٌ: لا يثبت
على امرأة، والطِّرْفُ: الفرسُ الكريمُ، وهو الذي يُطْرَفُ من
حسنه، فالطِّرْفُ في الأصل هو المَطْرُوفُ، أي: المنظور إليه،
كالنّقض في معنى المنقوض، وبهذا النّظر قيل: هو قيد النّواظر
«1» ، فيما يحسن حتى يثبت عليه النّظر.
طرق
الطَّرِيقُ: السّبيل الذي يُطْرَقُ بالأَرْجُلِ، أي يضرب. قال
تعالى: طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ
[طه/ 77] ، وعنه استعير كلّ مسلك يسلكه الإنسان في فِعْلٍ،
محمودا كان أو مذموما. قال:
وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى
[طه/ 63] ، وقيل: طَرِيقَةٌ من النّخل، تشبيها بالطَّرِيقِ في
الامتداد، والطَّرْقُ في الأصل: كالضَّرْبِ، إلا أنّه أخصّ،
لأنّه ضَرْبُ تَوَقُّعٍ كَطَرْقِ الحديدِ بالمِطْرَقَةِ،
ويُتَوَسَّعُ فيه تَوَسُّعَهُم في الضّرب، وعنه استعير: طَرْقُ
الحَصَى للتَّكَهُّنِ، وطَرْقُ الدّوابِّ الماءَ بالأرجل حتى
تكدّره، حتى سمّي الماء الدّنق طَرْقاً «2» ، وطَارَقْتُ
النّعلَ، وطَرَقْتُهَا، وتشبيها بِطَرْقِ النّعلِ في الهيئة،
قيل: طَارَقَ بين الدِّرْعَيْنِ، وطَرْقُ الخوافي «3» : أن
يركب بعضها بعضا، والطَّارِقُ: السالك للطَّرِيقِ، لكن خصّ في
التّعارف بالآتي ليلا، فقيل: طَرَقَ أهلَهُ طُرُوقاً، وعبّر عن
النّجم بالطَّارِقِ لاختصاص ظهوره باللّيل. قال تعالى:
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ
[الطارق/ 1] ، قال الشاعر:
299-
نحن بنات طَارِقٍ
«4» وعن الحوادث التي تأتي ليلا بالطَّوَارِقِ، وطُرِقَ فلانٌ:
قُصِدَ ليلًا. قال الشاعر:
300-
كأنّي أنا المَطْرُوقُ دونك بالّذي ... طُرِقْتَ به دوني وعيني
تهمل
«5» وباعتبار الضّرب قيل: طَرَقَ الفحلُ النّاقةَ،
وأَطْرَقْتُهَا، واسْتَطْرَقْتُ فلاناً فحلًا، كقولك:
ضربها الفحل، وأضربتها، واستضربته فحلا.
ويقال للنّاقة: طَرُوقَةٌ، وكنّي بالطَّرُوقَةِ عن المرأة.
وأَطْرَقَ فلانٌ: أغضى، كأنه صار عينه طَارِقاً للأرض، أي:
ضاربا له كالضّرب بالمِطْرَقَةِ،
__________
(1) قيد النواظر أي: مقيّد النواظر. انظر عمدة الحفاظ. طرف.
(2) قال ابن فارس: والطّرق: الماء الذي قد كدّرته الإبل.
المجمل 2/ 595.
(3) ريش الطائر، ويقابلها القوادم.
(4) الرجز لهند بنت بياضة، وهو في اللسان (طرق) ، والمجمل 2/
595، والبصائر 3/ 504.
وقيل: لهند بنت عتبة.
(5) البيت لأمية بن أبي الصلت، من أبيات أولها:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعلّ بما أدني إليك وتنهل
وهو في الحماسة البصرية 2/ 306، وشرح الحماسة للتبريزي 2/ 133،
وتفسير القرطبي 10/ 246.
(1/518)
وباعتبارِ الطَّرِيقِ، قيل: جاءت الإبلُ
مَطَارِيقَ، أي: جاءت على طَرِيقٍ واحدٍ، وتَطَرَّقَ إلى كذا
نحو توسّل، وطَرَّقْتُ له: جعلت له طَرِيقاً، وجمعُ الطَّرِيقِ
طُرُقٌ، وجمعُ طَرِيقَةٍ طرَائِقُ. قال تعالى:
كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً [الجن/ 11] ، إشارة إلى اختلافهم في
درجاتهم، كقوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران/ 163]
، وأطباق السّماء يقال لها: طَرَائِقُ. قال الله تعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ
[المؤمنون/ 17] ، ورجلٌ مَطْرُوقٌ: فيه لين واسترخاء، من
قولهم: هو مَطْرُوقٌ، أي: أصابته حادثةٌ لَيَّنَتْهُ، أو لأنّه
مضروب، كقولك: مقروع، أو مدوخ، أو لقولهم: ناقة مَطْرُوقَةٌ
تشبيها بها في الذِّلَّةِ.
طرى
قال تعالى: لَحْماً طَرِيًّا
[النحل/ 14] ، أي: غضّا جديدا، من الطَّرَاءِ والطَّرَاوَةِ.
يقال:
طَرَّيْتُ كذا فطَرِيَ، ومنه: المُطَرَّاةُ من الثّياب،
والإِطْرَاءُ: مدحٌ يُجَدَّدُ ذِكْرُهُ، وطَرَأَ بالهمز: طلع.
طسَ
طس هما حرفان «1» ، وليس من قولهم: طسّ وطسوس في شيء.
طعم
الطَّعْمُ: تناول الغذاء، ويسمّى ما يتناول منه طَعْمٌ
وطَعَامٌ. قال تعالى: وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ
[المائدة/ 96] ، قال: وقد اختصّ بالبرّ فيما روى أبو سعيد «أنّ
النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر صاعا من طَعَامٍ
أو صاعا من شعير» «2» . قال تعالى:
وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة/ 36] ، طَعاماً ذا
غُصَّةٍ
[المزمل/ 13] ، طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان/ 44] ، وَلا يَحُضُّ
عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ
[الماعون/ 3] ، أي: إِطْعَامِهِ الطَّعَامَ، فَإِذا طَعِمْتُمْ
فَانْتَشِرُوا
[الأحزاب/ 53] ، وقال تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا
[المائدة/ 93] ، قيل: وقد يستعمل طَعِمْتُ في الشّراب كقوله:
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ
فَإِنَّهُ مِنِّي
[البقرة/ 249] ، وقال بعضهم: إنّما قال:
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ تنبيها أنه محظور أن يتناول إلّا غرفة
مع طَعَامٍ، كما أنه محظور عليه أن يشربه إلّا غرفة، فإنّ
الماء قد يُطْعَمُ إذا كان مع شيء يمضغ، ولو قال: ومن لم يشربه
لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طَعَامٍ، فلما قال:
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ بَيَّنَ أنه لا يجوز تناوله على كلّ
حال إلّا قدر المستثنى، وهو الغرفة باليد، وقول النّبيّ صلّى
الله عليه وسلم في زمزم: «إنّه طَعَامُ طُعْمٍ وشِفَاءُ
سُقْمٍ» «3» فتنبيه منه أنه يغذّي بخلاف سائر
__________
(1) آية من سورة النمل رقم 1.
(2) الحديث تقدّم في مادة (صاع) .
(3) الحديث عن أبي ذر قال: قال رسول الله: «زمزم طَعَامُ
طُعْمٍ، وشفاء سقم» أخرجه البزار بإسناد صحيح. انظر:
الترغيب والترهيب 2/ 133.
(1/519)
المياه، واسْتَطْعَمَهُ فَأْطْعَمَهُ. قال
تعالى:
اسْتَطْعَما أَهْلَها
[الكهف/ 77] ، وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ
[الحج/ 36] ، وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ
[الإنسان/ 8] ، أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ
أَطْعَمَهُ
[يس/ 47] ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
[قريش/ 4] ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ
[الأنعام/ 14] ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ
[الذاريات/ 57] ، وقال عليه الصلاة والسلام:
«إذا اسْتَطْعَمَكُمُ الإمامُ فَأَطْعِمُوهُ» «1» أي: إذا
استفتحكم عند الارتياج فلقّنوه، ورجلٌ طَاعِمٌ:
حَسَنُ الحالِ، ومُطْعَمٌ: مرزوقٌ، ومِطْعَامٌ: كثيرُ
الإِطْعَامِ، ومِطْعَمٌ: كثيرُ الطَّعْمِ، والطُّعْمَةُ: ما
يُطْعَمُ.
طعن
الطَّعْنُ: الضّربُ بالرّمح وبالقرن وما يجري مجراهما،
وتَطَاعَنُوا، واطَّعَنُوا، واستعير للوقيعة.
قال تعالى: وَطَعْناً فِي الدِّينِ
[النساء/ 46] ، وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ
[التوبة/ 12] .
طغى
طَغَوْتُ وطَغَيْتُ «2» طَغَوَاناً وطُغْيَاناً، وأَطْغَاهُ
كذا: حمله على الطُّغْيَانِ، وذلك تجاوز الحدّ في العصيان. قال
تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى
[النازعات/ 17] ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى
[العلق/ 6] ، وقال: قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ
عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى [طه/ 45] ، وَلا تَطْغَوْا فِيهِ
فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي
[طه/ 81] ، وقال تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً
وَكُفْراً [الكهف/ 80] ، فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ
[البقرة/ 15] ، إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً [الإسراء/ 60] ،
وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
[ص/ 55] ، قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ
[ق/ 27] ، والطَّغْوَى الاسمُ منه. قال تعالى:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها
[الشمس/ 11] ، تنبيها أنهم لم يصدّقوا إذا خوّفوا بعقوبة
طُغْيَانِهِمْ.
وقوله: هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى
[النجم/ 52] ، تنبيها أنّ الطُّغْيَان لا يخلّص الإنسان، فقد
كان قوم نوح أَطْغَى منهم فأهلكوا. وقوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى
الْماءُ
[الحاقة/ 11] ، فاستعير الطُّغْيَانُ فيه لتجاوز الماء الحدّ،
وقوله: فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ
[الحاقة/ 5] ، فإشارة إلى الطّوفان المعبّر عنه بقوله: إِنَّا
لَمَّا طَغَى الْماءُ [الحاقة/ 11] ، والطَّاغُوتُ عبارةٌ عن
كلِّ متعدٍّ، وكلِّ معبود
__________
(1) قال ابن الأثير: أي: إذا أرتج عليه في قراءة الصلاة
واستفتحكم فافتحوا عليه ولقنوه، وهو من باب التمثيل، تشبيها
بالطعام، كأنهم يدخلون القراءة في فيه كما يدخل الطعام.
النهاية 3/ 127.
وهذا ليس من كلام النبي صلّى الله عليه وسلم كما ذكره المؤلف،
وإنما هو من كلام عليّ بن أبي طالب. انظر: غريب الحديث لأبي
عبيد 4/ 325، والمجموع المغيث 2/ 353. [.....]
(2) انظر: اللسان (طغا) ، وعمدة الحفاظ: طغا.
(1/520)
من دون الله، ويستعمل في الواحد والجمع.
قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة/ 256] ،
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ
[الزمر/ 17] ، أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة/ 257] ،
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ
[النساء/ 60] ، فعبارة عن كلّ متعدّ، ولما تقدّم سمّي السّاحر،
والكاهن، والمارد من الجنّ، والصارف عن طريق الخير طاغوتا،
ووزنه فيما قيل: فعلوت، نحو: جبروت وملكوت، وقيل:
أصله: طَغَوُوتُ، ولكن قلب لام الفعل نحو صاعقة وصاقعة، ثم قلب
الواو ألفا لتحرّكه وانفتاح ما قبله.
طف
الطَّفِيفُ: الشيءُ النَّزْرُ، ومنه: الطَّفَافَةُ: لما لا
يعتدّ به، وطَفَّفَ الكيلَ: قلّل نصيب المكيل له في إيفائه
واستيفائه. قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
[المطففين/ 1] .
طفق
يقال: طَفِقَ يفعل كذا، كقولك: أخذ يفعل كذا، ويستعمل في
الإيجاب دون النّفي، لا يقال: ما طَفِقَ. قال تعالى: فَطَفِقَ
مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ
[ص/ 33] ، وَطَفِقا يَخْصِفانِ [الأعراف/ 22] .
طفل
الطِّفْلُ: الولدُ ما دام ناعما، وقد يقع على الجمع، قال
تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا
[غافر/ 67] ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا
[النور/ 31] ، وقد يجمع على أَطْفَالٍ. قال:
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ
[النور/ 59] ، وباعتبار النّعومة قيل: امرأة طِفْلَةٌ، وقد
طَفِلَتْ طُفُولَةً وطَفَالَةً، والمِطْفَلُ من الظبية: التي
معها طِفْلُهَا، وطَفَلَتِ الشمسُ: إذا همَّت بالدَّوْرِ،
ولمّا يستمكن الضَّحُّ من الأرضِ قال:
301-
وعلى الأرض غياياتُ الطَّفَلِ
«1» وأما طَفَّلَ: إذا أتى طعاما لم يدع إليه، فقيل، إنما هو
من: طَفَلَ النهارُ، وهو إتيانه في ذلك الوقت، وقيل: هو أن
يفعل فِعْلَ طُفَيْلِ العرائسِ، وكان رجلا معروفا بحضور
الدّعوات يسمّى طُفَيْلًا «2» .
__________
(1) هذا عجز بيت، وشطره:
فتدلّيت عليه قافلا
وهو للبيد في ديوانه ص 145، واللسان (طفل) .
والغيايات جمع غاية، وهي الظل.
(2) طفيل العرائس: رجل من أهل الكوفة من بني عبد الله بن
غطفان، كان يأتي الولائم دون أن يدعى إليها، وكان يقول: وددت
لو أنّ الكوفة كلّها بركة مصهرجة فلا يخفى عليّ منها شيء.
انظر: اللسان (طفل) .
(1/521)
طلل
الطَّلُّ: أضعف المطر، وهو ماله أثر قليل.
قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ
[البقرة/ 265] ، وطَلَّ الأرضَ، فهي مَطْلُولَةٌ، ومنه: طُلَّ
دمُ فلانٍ: إذا قلّ الاعتداد به، ويصير أثره كأنّه طَلٌّ، ولما
بينهما من المناسبة قيل لأثر الدّار: طَلَلٌ، ولشخص الرّجل
المترائي:
طَلَلٌ، وأَطَلَّ فلانٌ: أشرف طَلَلُهُ «1» .
طفى
طَفِئَتِ النارُ وأَطْفَأْتُهَا. قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ
[التوبة/ 32] ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ
[الصف/ 8] ، والفرق بين الموضعين أنّ في قوله: يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِؤُا
يقصدون إِطْفَاءَ نورِ الله، وفي قوله: لِيُطْفِؤُا يقصدون
أمرا يتوصّلون به إلى إِطْفَاءِ نور الله «2» .
طلب
الطَّلَبُ: الفحص عن وجود الشيء، عينا كان أو معنى. قال تعالى:
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً
[الكهف/ 41] ، وقال:
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
[الحج/ 73] ، وأَطْلَبْتُ فلاناً: إذا أسعفته لما طَلَبَ، وإذا
أحوجته إلى الطَّلَبِ، وأَطْلَبَ الكلأُ: إذا تباعد حتى احتاج
أن يُطْلَبَ.
طلت
طَالُوتٌ اسمٌ أعجميٌّ.
طلح
الطَّلْحُ شجرٌ، الواحدةُ طَلْحَةٌ. قال تعالى:
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ
[الواقعة/ 29] ، وإبل طِلَاحِيٌّ: منسوبٌ إليه، وطَلِحَةٌ:
مشتكية من أكله. والطَّلْحُ والطَّلِيحُ: المهزولُ المجهود،
ومنه: ناقة طَلِيحُ أسفارٍ «3» ، والطَّلَاحُ منه، وقد
يُقَابَلُ به الصّلاح.
طلع
طَلَعَ الشمسُ طُلُوعاً ومَطْلَعاً. قال تعالى:
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
[طه/ 130] ، حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
[القدر/ 5] ، والمَطْلِعُ: موضعُ الطُّلُوعِ، حَتَّى إِذا
بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ
[الكهف/ 90] ، وعنه استعير: طَلَعَ علينا فلانٌ، واطَّلَعَ.
قال تعالى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ
[الصافات/ 54] ، فَاطَّلَعَ
[الصافات/ 55] ، قال: فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى
[غافر/ 37] ، وقال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم/ 78] ، لَعَلِّي
أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى
[القصص/ 38] ، واسْتَطْلَعْتُ رأيَهُ، وأَطْلَعْتُكَ على كذا،
وطَلَعْتُ
__________
(1) الطّلل: شخص الرجل. انظر: المجمل 2/ 580.
(2) راجع درّة التنزيل للإسكافي ص 195.
(3) يقال: ناقة طليح أسفار: إذا جهدها السير وهزلها. المجمل 2/
585.
(1/522)
عنه: غبت، والطِّلاعُ: ما طَلَعَتْ عليه
الشمسُ والإنسان، وطَلِيعَةُ الجيشِ: أوّل من يَطْلُعُ،
وامرأةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ «1» : تُظْهِرُ رأسَها مرّةً وتستر
أخرى، وتشبيها بالطُّلُوعِ قيل: طَلْعُ النَّخْلِ.
لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ
[ق/ 10] ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ
[الصافات/ 65] ، أي: ما طَلَعَ منها، وَنَخْلٍ طَلْعُها
هَضِيمٌ
[الشعراء/ 148] ، وقد أَطْلَعَتِ النّخلُ، وقوسٌ طِلَاعُ
الكفِّ: ملءُ الكفِّ.
طلق
أصل الطَّلَاقِ: التّخليةُ من الوثاق، يقال:
أَطْلَقْتُ البعيرَ من عقاله، وطَلَّقْتُهُ، وهو طَالِقٌ
وطَلِقٌ بلا قيدٍ، ومنه استعير: طَلَّقْتُ المرأةَ، نحو:
خلّيتها فهي طَالِقٌ، أي: مُخَلَّاةٌ عن حبالة النّكاح. قال
تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ
[الطلاق/ 1] ، الطَّلاقُ مَرَّتانِ
[البقرة/ 229] ، وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَ
[البقرة/ 228] ، فهذا عامّ في الرّجعيّة وغير الرّجعيّة،
وقوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة/ 228] ،
خاصّ في الرّجعيّة، وقوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ
[البقرة/ 230] ، أي: بعد البين، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا [البقرة/ 230] ، يعني الزّوج
الثّاني. وَانْطَلَقَ فلانٌ: إذا مرّ متخلّفا، وقال تعالى:
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ
، [القلم/ 23] ، انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ
[المرسلات/ 29] ، وقيل للحلال:
طَلْقٌ، أي: مُطْلَقٌ لا حَظْرَ عليه، وعدا الفرس طَلْقاً أو
طَلْقَيْنِ اعتبارا بتخلية سبيله. والمُطْلَقُ في الأحكام: ما
لا يقع منه استثناء «2» ، وطَلَقَ يَدَهُ، وأَطْلَقَهَا عبارةٌ
عن الجود، وطَلْقُ الوجهِ، وطَلِيقُ الوجهِ: إذا لم يكن كالحا،
وطَلَّقَ السّليمُ: خَلَّاهُ الوجعُ، قال الشاعر:
302-
تُطَلِّقُهُ طوراً وطورا تراجع
«3» وليلة طَلْقَةٌ: لتخلية الإبل للماء، وقد أَطْلَقَهَا.
طم
الطَّمُّ: البحرُ المَطْمُومُ، يقال له: الطَّمُّ والرَّمُّ،
وطَمَّ على كذا، وسمِّيَت القيامةُ طَامَّةً لذلك. قال تعالى:
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى
[النازعات/ 34] .
__________
(1) في اللسان: وجارية قبعة طلعة: تطلع ثم تقبع رأسها، أي:
تدخله.
وقال الزبرقان بن بدر: أبغض كنائني إليّ الطّلعة القبعة. انظر
الغريب المصنف ورقة 143.
(2) انظر: التعريفات ص 218، وشرح تنقيح الفصول ص 266، والإبهاج
2/ 199.
(3) هذا عجز بيت للنابغة، وصدره:
تناذرها الراقون من سوء سمها
وهو في ديوانه ص 80، والمجمل 2/ 586، واللسان (طلق) .
(1/523)
طمث
الطَّمْثُ: دم الحيض والافتضاض، والطَّامِثُ: الحائض، وطَمِثَ
المرأةَ: إذا افتضَّها. قال تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ
قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ
[الرحمن/ 56] ، ومنه استعير: ما طَمِثَ هذه الرّوضةَ أحدٌ
قبلنا «1» ، أي: ما افتضَّها، وما طَمِثَ الناقةَ جَمَلٌ «2» .
طمس
الطَّمْسُ: إزالةُ الأثرِ بالمحو. قال تعالى:
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ
[المرسلات/ 8] ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ
[يونس/ 88] ، أي: أزل صورتها، وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى
أَعْيُنِهِمْ
[يس/ 66] ، أي: أزلنا ضوأها وصورتها كما يُطْمَسُ الأثرُ،
وقوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً
[النساء/ 47] ، منهم من قال: عنى ذلك في الدّنيا، وهو أن يصير
على وجوههم الشّعر فتصير صورهم كصورة القردة والكلاب «3» ،
ومنهم من قال: ذلك هو في الآخرة إشارة إلى ما قال: وَأَمَّا
مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق/ 10] ، وهو
أن تصير عيونهم في قفاهم، وقيل: معناه يردّهم عن الهداية إلى
الضّلالة كقوله: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ
عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ [الجاثية/ 23] ، وقيل: عنى بالوجوه
الأعيان والرّؤساء، ومعناه: نجعل رؤساءهم أذنابا، وذلك أعظم
سبب البوار.
طمع
الطَّمَعُ: نزوعُ النّفسِ إلى الشيء شهوةً له، طَمِعْتُ
أَطْمَعُ طَمَعاً وطُمَاعِيَةً، فهو طَمِعٌ وطَامِعٌ.
قال تعالى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا
[الشعراء/ 51] ، أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ
[البقرة/ 75] ، خَوْفاً وَطَمَعاً
[الأعراف/ 56] ، ولمّا كان أكثر الطَّمَعِ من أجل الهوى قيل:
الطَّمَعُ طَبْعٌ، والطَّمَعُ يُدَنِّسُ الإهابَ «4» .
طمن
الطُّمَأْنِينَةُ والاطْمِئْنَانُ: السّكونُ بعد الانزعاج. قال
تعالى: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
[الأنفال/ 10] ، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
[البقرة/ 260] ، يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
[الفجر/ 27] ، وهي أن لا تصير أمّارة بالسّوء، وقال تعالى:
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
[الرعد/ 28] ، تنبيها أنّ بمعرفته تعالى والإكثار من عبادته
يكتسب اطْمِئْنَانَ النّفسِ المسئول بقوله: وَلكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
[البقرة/ 260] ، وقوله: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ
[النحل/
__________
(1) انظر: اللسان (طمث) ، والمجمل 2/ 586، وأساس البلاغة: طمث.
(2) طمثت البعير: إذا عقلته. انظر العين 7/ 412، ومجاز القرآن
2/ 145، والجمهرة 2/ 44.
(3) وبه قال قتادة وعبد الله بن سلام. انظر: تفسير القرطبي 5/
244.
(4) أصل الإهاب الجلد، وهذا استعارة، وانظر تفسير الراغب ورقة
67.
(1/524)
106] ، وقال: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ
[النساء/ 103] ، وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا
وَاطْمَأَنُّوا بِها
[يونس/ 7] ، واطْمَأَنَّ وتَطَامَنَ يتقاربان لفظا ومعنى.
طهر
يقال: طَهُرَتِ المرأةُ طُهْراً وطَهَارَةً، وطَهَرَتْ «1» ،
والفتح أقيس، لأنها خلاف طمثت، ولأنه يقال: طَاهِرَةٌ،
وطَاهِرٌ، مثل: قائمة وقائم، وقاعدة وقاعد. والطَّهَارَةُ
ضربان: طَهَارَةُ جسمٍ، وطَهَارَةُ نفسٍ، وحمل عليهما عامّة
الآيات. يقال: طَهَّرْتُهُ فَطَهُرَ، وتَطَهَّرَ، وَاطَّهَّرَ
فهو طَاهِرٌ ومُتَطَهِّرٌ. قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً
فَاطَّهَّرُوا
[المائدة/ 6] ، أي: استعملوا الماء، أو ما يقوم مقامه، قال:
وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ
[البقرة/ 222] ، فدلّ باللّفظين على أنه لا يجوز وطؤهنّ إلّا
بعد الطَّهَارَةِ والتَّطْهِيرِ «2» ، ويؤكّد قراءة من قرأ:
حَتَّى يَطْهُرْنَ
«3» أي: يفعلن الطَّهَارَةَ التي هي الغسل. قال تعالى:
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
[البقرة/ 222] ، أي: التاركين للذنب والعاملين للصّلاح، وقال:
فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا
[التوبة/ 108] ، أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ
أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ
[الأعراف/ 82] ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
[التوبة/ 108] ، فإنه يعني تَطْهِيرَ النّفسِ، وَمُطَهِّرُكَ
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
[آل عمران/ 55] ، أي: مخرجك من جملتهم ومنزّهك أن تفعل فعلهم
وعلى هذا:
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
[الأحزاب/ 33] ، وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ
[آل عمران/ 42] ، ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ
[البقرة/ 232] ، أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
[الأحزاب/ 53] ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
[الواقعة/ 79] ، أي: إنه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طَهَّرَ
نفسه وتنقّى من درن الفساد «4» . وقوله: إِنَّهُمْ أُناسٌ
يَتَطَهَّرُونَ
[الأعراف/ 82] ، فإنهم قالوا ذلك على سبيل التّهكّم حيث قال
لهم: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود/ 78] ، وقوله تعالى: لَهُمْ
فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ
[النساء/ 57، البقرة/ 25] ، أي:
مُطَهَّرَاتٌ من درن الدّنيا وأنجاسها «5» ، وقيل: من الأخلاق
السّيّئة بدلالة قوله: عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37] ،
وقوله في صفة القرآن:
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ
[عبس/ 14] ، وقوله:
__________
(1) الفعل مثلّث العين، يقال: طهر، وطهر، وطهر. انظر: الأفعال
3/ 273. [.....]
(2) وهذا مذهب الشافعي. انظر: أحكام القرآن لإلكيا الهرّاسي 1/
137.
(3) وهي قراءة شعبة وحمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 157.
(4) راجع: روح المعاني 27/ 154.
(5) قال قتادة: طهرهنّ الله من كل بول وغائط، وقذر، ومآثم.
الدر المنثور 1/ 98.
(1/525)
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
[المدثر/ 4] ، قيل: معناه نفسك فنقّها من المعايب، وقوله:
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
[الحج/ 26] ، وقوله: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
[البقرة/ 125] ، فحثّ على تَطْهِيرِ الكعبة من نجاسة الأوثان.
وقال بعضهم: في ذلك حثّ على تَطْهِيرِ القلبِ لدخول السّكينة
فيه المذكورة في قوله:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ [الفتح/ 4] ، والطَّهُورُ قد يكون مصدرا فيما
حكى سيبويه «1» في قولهم: تَطَهَّرْتُ طَهُوراً، وتَوَضَّأْتُ
وَضُوءاً، فهذا مصدر على فَعُولٍ، ومثله وَقَدْتُ وَقُوداً،
ويكون اسما غير مصدر كالفَطُورِ في كونه اسما لما يفطر به،
ونحو ذلك: الوَجُور والسَّعُوط والذَّرُور «2» ، ويكون صفة
كالرّسول ونحو ذلك من الصّفات، وعلى هذا وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ
شَراباً طَهُوراً
[الإنسان/ 21] ، تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله: وَيُسْقى
مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم/ 16] ، وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً طَهُوراً [الفرقان/ 48] . قال أصحاب الشّافعيّ
رضي الله عنه: الطَّهُورُ بمعنى المُطَهِّرِ، وذلك لا يصحّ من
حيث اللّفظ لأنّ فَعُولا لا يُبْنَى من أَفْعَلَ وفَعَّلَ،
وإنما يبنى ذلك من فَعُلَ «3» .
وقيل: إنّ ذلك اقتضى التَّطْهِيرَ من حيث المعنى، وذلك أنّ
الطَّاهِرَ ضربان: ضربٌ لا يتعدّاه الطَّهَارَةُ كطَهَارَةِ
الثّوبِ، فإنه طَاهِرٌ غيرُ مُطَهَّرٍ به، وضرب يتعدّاه، فيجعل
غيره طَاهِراً به، فوصف الله تعالى الماء بأنّه طهور تنبيها
على هذا المعنى.
__________
(1) الكتاب 4/ 42.
(2) السّعوط: كل شيء صببته في الأنف، والوجور: في الفم ومثله
النّشوق، واللّدود. راجع في ذلك المخصص 5/ 101- 102، وتصحيح
الفصيح 1/ 155 والحجة للفارسي 2/ 323، وما بين [] مأخوذ من
الحجة للفارسي.
(3) قال أبو بكر ابن العربي: إنّي تأملته من طريق العربية
فوجدت فيها مطلعا شريفا، وهو أنّ بناء (فعول) للمبالغة، إلا
أنّ المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي، كما قال الشاعر:
ضروب بنصل السيف سوق سمائها
وقد تكون في الفعل القاصر، كما قال الشاعر:
نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل
فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب، وهو فعل يتعدّى، ووصفها
الثاني بالمبالغة في النوم، وهو فعل لا يتعدّى، وإنما تؤخذ
طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة، ومن الشرع طهارة.
وقد يأتي بناء (فعول) لوجه آخر، وهو العبارة به عن آلة الفعل
لا عن الفعل، كقولنا: وقود وسحور، فإنه عبارة عن الحطب، وعن
الطعام المتسحّر به، وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح
الطاء خبرا عن الآلة التي يتطهر بها.
فإذا ضممت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل،
وكان خبرا عنه فثبت بهذا أنّ اسم الفعول يكون بناء للمبالغة،
ويكون خبرا عن الآلة، وبعد هذا يقف البيان به عن المبالغة، أو
عن الآلة على الدليل، مثاله قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً طَهُوراً وقوله صلّى الله عليه وسلم: «وجعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا» . راجع: أحكام القرآن 3/ 1417.
(1/526)
طيب
يقال: طَابَ الشيءُ يَطِيبُ طَيْباً، فهو طَيِّبٌ.
قال تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ [النساء/ 3] ، فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ
[النساء/ 4] ، وأصل الطَّيِّبِ:
ما تستلذّه الحواسّ، وما تستلذّه النّفس، والطّعامُ الطَّيِّبُ
في الشّرع: ما كان متناولا من حيث ما يجوز، ومن المكان الّذي
يجوز فإنّه متى كان كذلك كان طَيِّباً عاجلا وآجلا لا يستوخم،
وإلّا فإنّه- وإن كان طَيِّباً عاجلا- لم يَطِبْ آجلا، وعلى
ذلك قوله:
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ
[البقرة/ 172] ، فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا
طَيِّباً [النحل/ 114] ، لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ [المائدة/ 87] ، كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ
وَاعْمَلُوا صالِحاً
[المؤمنون/ 51] ، وهذا هو المراد بقوله: وَالطَّيِّباتِ مِنَ
الرِّزْقِ [الأعراف/ 32] ، وقوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّباتُ
[المائدة/ 5] ، قيل: عنى بها الذّبائح، وقوله:
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
[غافر/ 64] ، إشارةٌ إلى الغنيمة. والطَّيِّبُ من الإنسان: من
تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال، وتحلّى بالعلم
والإيمان ومحاسن الأعمال، وإيّاهم قصد بقوله: الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ
[النحل/ 32] ، وقال: طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ
[الزمر/ 73] ، وقال تعالى: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً
طَيِّبَةً
[آل عمران/ 38] ، وقال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ
مِنَ الطَّيِّبِ
[الأنفال/ 37] ، وقوله: وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ
[النور/ 26] ، تنبيه أنّ الأعمال الطَّيِّبَةَ تكون من
الطَّيِّبِينَ، كما روي: «المؤمن أَطْيَبُ من عمله، والكافر
أخبث من عمله» «1» . قال تعالى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ
بِالطَّيِّبِ
[النساء/ 2] ، أي:
الأعمال السّيّئة بالأعمال الصالحة، وعلى هذا قوله تعالى:
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
[إبراهيم/ 24] ، وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ
[فاطر/ 10] ، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً
[التوبة/ 72] ، أي: طاهرة ذكيّة مستلذّة. وقوله:
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ
[سبأ/ 15] ، وقيل:
أشار إلى الجنّة، وإلى جوار ربّ العزّة، وأما قوله:
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
[الأعراف/ 58] ، إشارة إلى الأرض الزّكيّة، وقوله: صَعِيداً
طَيِّباً
[المائدة/ 6] ، أي: ترابا لا نجاسة به، وسمّي الاستنجاء
اسْتِطَابةً لما فيه من التَّطَيُّبِ والتَّطَهُّرِ. وقيل
الأَطْيَبَانِ الأكلُ والنّكاحُ «2» ، وطعامُ مَطْيَبَةٍ
للنَّفسِ: إذا طَابَتْ به النّفسُ، ويقال
__________
(1) الحديث تقدّم في مادة (خبث) .
(2) انظر: البصائر 3/ 532، والمجمل 2/ 590.
وقيل: هما النوم والنكاح، وقيل: التمر واللبن. انظر: جنى
الجنتين ص 20.
(1/527)
لِلطَّيِّبِ: طَابٌ، وبالمدينة تمر يقال
له: طَابٌ، وسمّيتِ المدينةُ طَيِّبَةً، وقوله: طُوبى لَهُمْ
[الرعد/ 29] ، قيل: هو اسم شجرة في الجنّة «1» ، وقيل: بل
إشارة إلى كلّ مُسْتَطَابٍ في الجنّة من بقاءٍ بلا فناءٍ،
وعِزٍّ بلا زوالٍ، وغنى بلا فقرٍ.
طود
قال تعالى: كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ
[الشعراء/ 63] ، الطَّوْدُ: هو الجبلُ العظيمُ، ووصفه بالعظم
لكونه فيما بين الأَطْوَادِ عظيما، لا لكونه عظيما فيما بين
سائر الجبال.
طور
طَوَارُ الدّارِ وطِوَارُهُ: ما امتدّ منها من البناء، يقال:
عدا فلانٌ طَوْرَهُ، أي: تجاوز حدَّهُ، ولا أَطُورُ به، أي: لا
أقرب فناءه. يقال: فعل كذا طَوْراً بعد طَوْرٍ، أي: تارة بعد
تارة، وقوله:
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً
[نوح/ 14] ، قيل: هو إشارة إلى نحو قوله تعالى: خَلَقْناكُمْ
مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
مِنْ مُضْغَةٍ [الحج/ 5] ، وقيل: إشارة إلى نحو قوله:
وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ [الروم/ 22] ، أي:
مختلفين في الخَلْقِ والخُلُقِ. والطُّورُ اسمُ جبلٍ مخصوصٍ،
وقيل: اسمٌ لكلّ جبلٍ وقيل: هو جبل محيط بالأرض «2» . قال
تعالى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ
[الطور/ 1- 2] ، وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ [القصص/ 46] ،
وَطُورِ سِينِينَ
[التين/ 2] ، وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ
[مريم/ 52] ، وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ [النساء/ 154] .
طير
الطَّائِرُ: كلُّ ذي جناحٍ يسبح في الهواء، يقال: طَارَ
يَطِيرُ طَيَرَاناً، وجمعُ الطَّائِرِ: طَيْرٌ «3» ، كرَاكِبٍ
ورَكْبٍ. قال تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ
[الأنعام/ 38] ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً
[ص/ 19] ، وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ
[النور/ 41] وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ
[النمل/ 17] ، وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ
[النمل/ 20] ، وتَطيَّرَ فلانٌ، واطَّيَّرَ أصله التّفاؤل
بالطَّيْرِ ثمّ يستعمل في كلّ ما يتفاءل به ويتشاءم، قالُوا:
إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ
[يس/ 18] ، ولذلك
__________
(1) وهذا مرويّ عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد
وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى
الله عليه وسلم أنّ رجلا قال: يا رسول الله، طوبى لمن رآك،
وآمن بك.
قال: طوبى لمن رآني وآمن، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني.
قال رجل: وما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنة مسيرة عام، ثياب أهل
الجنة تخرج من أكمامها» انظر: الدر المنثور 4/ 644، والمسند 3/
71.
(2) وهذا من الإسرائيليات مما لا يصح.
(3) في اللسان: والطير: اسم لجماعة ما يطير، مؤنث، والواحد:
طائر، والأنثى: طائرة.
(1/528)
قيل: «لا طَيْرَ إلا طَيْرُكَ «1» » ، وقال
تعالى: إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا
[الأعراف/ 131] ، أي:
يتشاءموا به، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ
[الأعراف/ 131] ، أي: شؤمهم: ما قد أعدّ الله لهم بسوء
أعمالهم. وعلى ذلك قوله: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ
مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
[النمل/ 47] ، قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس/ 19] ، وَكُلَّ
إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
[الإسراء/ 13] ، أي: عمله الذي طَارَ عنه من خيرٍ وشرٍّ،
ويقال: تَطَايَرُوا: إذا أسرعوا، ويقال:
إذا تفرّقوا «2» ، قال الشاعر:
303-
طَارُوا إليه زَرَافَاتٍ ووُحْدَاناً
«3» وفجرٌ مُسْتَطِيرٌ، أي: فاشٍ. قال تعالى:
وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً
[الإنسان/ 7] ، وغبارٌ مُسْتَطَارٌ، خولف بين بنائهما فتصوّر
الفجر بصورة الفاعل، فقيل: مُسْتَطِيرٌ، والغبارُ بصورة
المفعول، فقيل: مُسْتَطَارٌ «4» . وفرسٌ مُطَارٌ للسّريع،
ولحديد الفؤاد، وخذ ما طَارَ من شَعْر رأسك، أي: ما انتشر حتى
كأنه طَارَ.
طوع
الطَّوْعُ: الانقيادُ، ويضادّه الكره قال عزّ وجلّ:
ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً
[فصلت/ 11] ، وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آل عمران/ 83] ، والطَّاعَةُ
مثله لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر، والارتسام فيما
رسم.
قال تعالى: وَيَقُولُونَ طاعَةٌ
[النساء/ 81] ، طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ [محمد/ 21] ، أي:
أَطِيعُوا، وقد طَاعَ له يَطُوعُ، وأَطَاعَهُ يُطِيعُهُ «5» .
قال تعالى: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [التغابن/ 12] ، مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ
[النساء/ 80] ، وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ
[الأحزاب/ 48] ، وقوله في صفة جبريل عليه السلام: مُطاعٍ ثَمَّ
أَمِينٍ
[التكوير/ 21] ، والتَّطَوُّعُ في الأصل: تكلُّفُ الطَّاعَةِ،
وهو في
__________
(1) هذا حديث وليس قيلا.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلم: «من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك» . قالوا: يا
[استدراك] رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: «يقول أحدهم: اللهم
لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك» أخرجه أحمد
في المسند 2/ 220، والطبراني، قال في مجمع الزوائد: فيه ابن
لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، وأخرجه البزار
من حديث بريدة. راجع: نزل الأبرار ص 382، ومجمع الزوائد 5/
108.
(2) انظر: اللسان (طير) . [.....]
(3) هذا عجز بيت، صدره:
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه
وهو لقريط بن أنيف من بلعنبر. انظر: شرح الحماسة للتبريزي 1/
8، واللسان (طير) .
(4) انظر: اللسان (طير) . يقال: فجر مستطير، وغبار مستطار.
عمدة الحفاظ: طير.
(5) راجع: الأفعال 3/ 249، 3/ 283.
(1/529)
التّعارف التّبرّع بما لا يلزم كالتّنفّل،
قال: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
[البقرة/ 184] ، وقرئ:
(ومن يَطَّوَّعْ خيراً) «1» . وَالاسْتِطَاعَةُ: استفالة من
الطَّوْعِ، وذلك وجود ما يصير به الفعل متأتّيا، وهي عند
المحقّقين اسم للمعاني التي بها يتمكّن الإنسان ممّا يريده من
إحداث الفعل، وهي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل. وتصوّر
للفعل، ومادّة قابلة لتأثيره، وآلة إن كان الفعل آليّا
كالكتابة، فإنّ الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده
للكتابة، وكذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة: إذا فقد واحدا
من هذه الأربعة فصاعدا، ويضادّه العجز، وهو أن لا يجد أحد هذه
الأربعة فصاعدا، ومتى وجد هذه الأربعة كلّها فَمُسْتَطِيعٌ
مطلقا، ومتى فقدها فعاجز مطلقا، ومتى وجد بعضها دون بعض
فَمُسْتَطِيعٌ من وجه عاجز من وجه، ولأن يوصف بالعجز أولى.
والاسْتِطَاعَةُ أخصّ من القدرة. قال تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ
نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ
[الأنبياء/ 43] ، فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ
[الذاريات/ 45] ، مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
[آل عمران/ 97] ، فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة، وقوله عليه
السلام: «الاسْتِطَاعَةُ الزّادُ والرّاحلة» «2» فإنّه بيان ما
يحتاج إليه من الآلة، وخصّه بالذّكر دون الآخر إذ كان معلوما
من حيث العقل ومقتضى الشّرع أنّ التّكليف من دون تلك الأخر لا
يصحّ، وقوله: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ
[التوبة/ 42] ، فإشارة بالاسْتِطَاعَةِ هاهنا إلى عدم الآلة من
المال، والظّهر، والنّحو، وكذلك قوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
مِنْكُمْ طَوْلًا
[النساء/ 25] ، وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً
[النساء/ 98] ، وقد يقال: فلانٌ لا يَسْتَطِيعُ كذا:
لما يصعب عليه فعله لعدم الرّياضة، وذلك يرجع إلى افتقاد
الآلة، أو عدم التّصوّر، وقد يصحّ معه التّكليف ولا يصير
الإنسان به معذورا، وعلى هذا الوجه قال تعالى: لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
[الكهف/ 67] ، ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا
يُبْصِرُونَ
[هود/ 20] ، وقال:
وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً
[الكهف/ 101] ، وقد حمل على ذلك قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا
[النساء/ 129] ، وقوله تعالى: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ
يُنَزِّلَ عَلَيْنا
__________
(1) وهي قراءة شاذة.
(2) أخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس أنّ رسول الله صلّى
الله عليه وسلم سئل عن قول الله: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا فقيل:
ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة» . انظر: الدر المنثور 2/
273، وسنن الدارقطني 2/ 216، قال إسحاق: وطرقه كلها ضعيفة.
انظر المستدرك 1/ 442.
وأخرجه الترمذي عن ابن عمر ثم قال: هذا حديث حسن، والعمل عليه
عند أهل العلم وضعّفه ابن العربي.
انظر: عارضة الأحوذي 4/ 28.
(1/530)
[المائدة/ 112] ، فقيل: إنهم قالوا ذلك قبل
أن قويت معرفتهم بالله. وقيل: إنهم لم يقصدوا قصد القدرة «1» ،
وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ وقيل:
يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ «2» ، ومعناه: هل يجيب؟
كقوله:
ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ
[غافر/ 18] ، أي: يجاب، وقرئ: هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ «3» أي:
سؤالَ رَبِّكَ، كقولك:
هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا، وقوله:
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ
[المائدة/ 30] ، نحو:
أسمحت له قرينته، وانقادت له، وسوّلت، وطَوَّعَتْ أبلغُ من
أَطَاعَتْ، وطَوَّعَتْ له نفسُهُ بإزاء قولهم: تأبَّتْ عن كذا
نفسُهُ، وتَطوَّعَ كذا: تحمّله طَوْعاً. قال تعالى: وَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ
[البقرة/ 158] ، الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ
[التوبة/ 79] ، وقيل:
طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى، ويقال: اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ
بمعنى، قال تعالى: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، وَمَا
اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً
[الكهف/ 97] .
طوف
الطَّوْفُ: المشيُ حولَ الشيءِ، ومنه: الطَّائِفُ لمن يدور حول
البيوت حافظا. يقال: طَافَ به يَطُوفُ. قال تعالى: يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ [الواقعة/ 17] ، قال: فَلا جُناحَ
عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما
[البقرة/ 158] ، ومنه استعير الطَّائِفُ من الجنّ، والخيال،
والحادثة وغيرها.
قال: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ
[الأعراف/ 201] ، وهو الذي يدور على الإنسان من الشّيطان يريد
اقتناصه، وقد قرئ:
طيف «4» وهو خَيالُ الشيء وصورته المترائي له في المنام أو
اليقظة. ومنه قيل للخيال: طَيْفٌ.
قال تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ
[القلم/ 19] ، تعريضا بما نالهم من النّائبة، وقوله: أَنْ
طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
[البقرة/ 125] ، أي:
لقصّاده الذين يَطُوفُونَ به، والطَّوَّافُونَ في قوله:
طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ
[النور/ 58] عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام
في الهرّة: (إنّها من الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافَاتِ)
«5» . وَالطَّائِفَةُ من الناس: جماعة
__________
(1) قال عائشة: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا: هل
يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت؟ ربك هل تستطيع أن
تدعوه؟ انظر: الدر المنثور 3/ 231.
(2) وهذا قول الشعبي. انظر: الدر المنثور 3/ 231.
(3) وبها قرأ الكسائي. انظر: الإتحاف ص 204.
(4) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر:
الإتحاف ص 234.
(5) الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة-
أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرّة تشرب
منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه،
فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟
قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
إنّها ليس بنجس، إنها من الطوّافين عليكم أو الطّوافات.
أخرجه مالك 1/ 23، وأحمد 5/ 296، وأبو داود رقم 75، والنّسائي
1/ 55 وانظر شرح السنة 2/ 69.
(1/531)
منهم، ومن الشيء: القطعة منه، وقوله تعالى:
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
[التوبة/ 122] ، قال بعضهم: قد يقع ذلك على واحد فصاعدا «1» ،
وعلى ذلك قوله:
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[الحجرات/ 9] ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ [آل عمران/
122] ، والطَّائِفَةُ إذا أريد بها الجمع فجمع طَائِفٍ، وإذا
أريد بها الواحد فيصحّ أن يكون جمعا، ويكنى به عن الواحد،
ويصحّ أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك. والطُّوفَانُ: كلُّ
حادثة تحيط بالإنسان، وعلى ذلك قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ
الطُّوفانَ
[الأعراف/ 133] ، وصار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة
لأجل أنّ الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء. قال تعالى:
فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ [العنكبوت/ 14] ، وطَائِفُ القوسِ: ما
يلي أبهرها «2» ، والطَّوْفُ كُنِيَ به عن العَذْرَةِ.
طوق
أصل الطَّوْقِ: ما يجعل في العنق، خلقة كَطَوْقِ الحمامِ، أو
صنعة كطَوْقِ الذّهب والفضّة، ويتوسّع فيه فيقال: طَوَّقْتُهُ
كذا، كقولك: قلّدته.
قال تعالى: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ
[آل عمران/ 180] ، وذلك على التشبيه، كما روي في الخبر «يأتي
أحدكم يوم القيامة شجاع أقرع له زبيبتان فَيَتَطَوَّقُ به
فيقول أنا الزّكاة التي منعتني» «3» ، وَالطَّاقَةُ: اسمٌ
لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقّة، وذلك تشبيه
بالطَّوْقِ المحيطِ بالشيء، فقوله: وَلا تُحَمِّلْنا ما لا
طاقَةَ لَنا بِهِ
[البقرة/ 286] ، أي: ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه: لا
تحمّلنا ما لا قدرة لنا «4» به، وذلك لأنه تعالى قد يحمّل
الإنسان ما يصعب عليه كما قال: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
__________
(1) وهذا مروي عن ابن عباس وغيره، فقد أخرج عبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله تعالى:
وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سورة
النور: آية 2.
قال: الطائفة: الرجل فما فوقه.
وعن مجاهد قال: الطائفة: واحد إلى الألف. انظر: الدر المنثور
6/ 126، واللسان (طوف) .
(2) قال الأصمعي: الأبهر من القوس كبدها، وهو ما بين طرفي
العلاقة. انظر: اللسان (بهر) .
(3) الحديث ذكره المؤلف بمعناه، فقد جاء عن أبي هريرة أنه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالا فلم
يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان
يطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثم يقول:
أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَبْخَلُونَ ... الآية، سورة آل عمران: آية 180. أخرجه البخاري
3/ 214 في الزكاة.
(4) وهذا مروي عن الضحاك كما أخرجه عنه ابن جرير في الآية قال:
لا تحمّلنا من الأعمال ما لا نطيق. انظر: الدر المنثور 2/ 136.
[.....]
(1/532)
[الأعراف/ 157] ، وَوَضَعْنا عَنْكَ
وِزْرَكَ [الشرح/ 2] ، أي: خفّفنا عنك العبادات الصّعبة التي
في تركها الوزر، وعلى هذا الوجه: قالُوا لا طاقَةَ لَنَا
الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ
[البقرة/ 249] ، وقد يعبّر بنفي الطَّاقَةِ عن نفي القدرة.
وقوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ
مِسْكِينٍ
[البقرة/ 184] ، ظاهره يقتضي أنّ المُطِيقَ له يلزمه فدية أفطر
أو لم يفطر، لكن أجمعوا أنه لا يلزمه إلّا مع شرط آخر «1» .
وروي:
(وعلى الّذين يُطَوَّقُونَهُ) «2» أي: يُحَمَّلُونَ أن
يَتَطَوَّقُوا.
طول
الطُّولُ والقِصَرُ من الأسماء المتضايفة كما تقدّم، ويستعمل
في الأعيان والأعراض كالزّمان وغيره قال تعالى: فَطالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
[الحديد/ 16] ، سَبْحاً طَوِيلًا
[المزمل/ 7] ، ويقال: طَوِيلٌ وطُوَالٌ، وعريض وعُرَاضٌ،
وللجمع: طِوَالٌ، وقيل: طِيَالٌ، وباعتبار الطُّولِ قيل للحبل
المَرخيِّ على الدّابة: طِوَلٌ «3» ، وطَوِّلْ فرسَكَ، أي:
أَرْخِ طِوَلَهُ، وقيل: طِوَالُ الدّهرِ لمدّته الطَّوِيلَةِ،
وَتَطَاوَلَ فلانٌ: إذا أظهر الطُّولَ، أو الطَّوْلَ. قال
تعالى: فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ
[القصص/ 45] ، وَالطَّوْلُ خُصَّ به الفضلُ والمنُّ، قال:
شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ
[غافر/ 3] ، وقوله تعالى: اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ
مِنْهُمْ
[التوبة/ 86] ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا
[النساء/ 25] ، كناية عمّا يصرف إلى المهر والنّفقة.
وطَالُوتُ اسمٌ عَلَمٌ وهو أعجميٌّ.
طين
الطِّينُ: التّراب والماء المختلط، وقد يسمّى بذلك وإن زال عنه
قوّة الماء قال تعالى: مِنْ طِينٍ لازِبٍ
[الصافات/ 11] ، يقال: طِنْتُ كذا، وطَيَّنْتُهُ. قال تعالى:
خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص/ 76] ،
وقوله تعالى:
فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ
[القصص/ 38] .
طوى
طَوَيْتُ الشيءَ طَيّاً، وذلك كَطَيِّ الدَّرَجِ وعلى ذلك
قوله: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِ
[الأنبياء/ 104] ، ومنه: طَوَيْتُ الفلاةَ، ويعبّر بِالطَّيِّ
عن مُضِيِّ العمر. يقال: طَوَى اللهُ عُمرَهُ،
__________
(1) أخرج الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية:
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ من
شاء منا صام، ومن شاء منا أن يفطر ويفتدي فعل ذلك حتى نزلت
الآية التي بعدها فنسختها فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ انظر: فتح الباري 8/ 181 كتاب التفسير، ومسلم رقم
1145.
(2) وهي قراءة شاذة، قرأت بها عائشة وسعيد بن جبير وعكرمة.
انظر: الدر المنثور 1/ 431.
(3) انظر: أساس البلاغة ص 287، والمجمل 2/ 590.
(1/533)
قال الشاعر:
304-
طَوَتْكَ خطوبُ دهرك بعد نشر
«1» وقوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
[الزمر/ 67] ، يصحّ أن يكون من الأوّل، وأن يكون من الثاني،
والمعنى: مهلكات. وقوله:
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً
[طه/ 12] ، قيل: هو اسم الوادي الذي حصل فيه «2» ، وقيل:
إن ذلك جعل إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء، فكأنّه
طَوَى عليه مسافةً لو احتاج أن ينالها في الاجتهاد لبعد عليه،
وقوله: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً
[طه/ 12] ، قيل: هو اسم أرض، فمنهم من يصرفه، ومنهم من لا
يصرفه، وقيل: هو مصدر طَوَيْتُ، فيصرف ويفتح أوّله ويكسر «3» ،
نحو: ثنى وثنى، ومعناه: ناديته مرّتين «4» ، والله أعلم.
تمّ كتاب الطاء.
__________
(1) الشطر لدعبل الخزاعي، وعجزه:
كذاك خطوبه نشرا وطيّا
وهو في الكامل 1/ 238، وسيأتي مزيد الكلام عليه في مادة (نشر)
.
(2) وهذا قول ابن عباس كما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي
حاتم. الدر المنثور 5/ 559.
(3) قرأ طُوىً بضم الطاء والتنوين ابن عامر وعاصم وحمزة
والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالضم بلا تنوين. انظر:
الإتحاف ص 302.
(4) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: واد بفلسطين
قدّس مرتين.
وعن قتادة قال: واد قدّس مرتين، واسمه طوى. الدر المنثور 5/
559- 560.
(1/534)
|