المفردات في غريب القرآن كتاب الظّاء
ظعن
يقال: ظَعَنَ يَظْعَنُ ظَعْناً: إذا شخص. قال تعالى: يَوْمَ
ظَعْنِكُمْ
[النحل/ 80] ، والظَّعِينَةُ: الهودج إذا كان فيه المرأة، وقد
يكنّى به عن المرأة وإن لم تكن في الهودج.
ظفر
الظُّفْرُ يقال في الإنسان وفي غيره، قال تعالى: وَعَلَى
الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ
[الأنعام/ 146] ، أي: ذي مخالب، ويعبّر عن السّلاح به تشبيها
بِظُفُرِ الطائرِ، إذ هو له بمنزلة السّلاح، ويقال: فلان
كَلِيلُ الظُّفُرِ، وظَفَرَهُ فلانٌ: نشب ظُفُرَهُ فيه، وهو
أَظْفَرُ: طويلُ الظُّفُرِ، والظَّفَرَةُ «1» : جُلَيْدَةٌ
يُغَشَّى البصرُ بها تشبيها بِالظُّفُرِ في الصّلابة، يقال:
ظَفِرَتْ عينُهُ، والظَّفَرُ: الفوزُ، وأصله من: ظَفِرَ عليه.
أي:
نشب ظُفْرُهُ فيه. قال تعالى: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ
عَلَيْهِمْ
[الفتح/ 24] .
ظلل
الظِّلُّ: ضدُّ الضَّحِّ، وهو أعمُّ من الفيء، فإنه يقال:
ظِلُّ اللّيلِ، وظِلُّ الجنّةِ، ويقال لكلّ موضع لم تصل إليه
الشّمس: ظِلٌّ، ولا يقال الفيءُ إلّا لما زال عنه الشمس،
ويعبّر بِالظِّلِّ عن العزّة والمنعة، وعن الرّفاهة، قال
تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ
[المرسلات/ 41] ، أي:
في عزّة ومناع، قال: أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها
[الرعد/ 35] ، هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ [يس/ 56] ،
يقال: ظَلَّلَنِي الشّجرُ، وأَظَلَّنِي.
قال تعالى: وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ
[البقرة/ 57] ، وأَظَلَّنِي فلانٌ: حرسني، وجعلني في ظِلِّهِ
وعزّه ومناعته. وقوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ
[النحل/ 48] ، أي: إنشاؤه يدلّ على وحدانيّة الله، وينبئ عن
حكمته. وقوله: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلى قوله: وَظِلالُهُمْ
«2» . قال الحسن: أمّا ظِلُّكَ
__________
(1) الظّفرة والظّفرة لغتان.
(2) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ سورة
الرعد: آية 15.
(1/535)
فيسجد لله، وأمّا أنت فتكفر به «1» ،
وظِلٌّ ظَلِيلٌ:
فائض، وقوله: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
[النساء/ 57] ، كناية عن غضارة العيش، وَالظُّلَّةُ: سحابةٌ
تُظِلُّ، وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره. قال تعالى:
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ
[الأعراف/ 171] ، عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ
[الشعراء/ 189] ، أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ
الْغَمامِ
[البقرة/ 210] ، أي: عذابه يأتيهم، والظُّلَلُ: جمعُ ظُلَّةٍ،
كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ، وقُرْبَةٍ وقُرَبٍ، وقرئ: (في ظِلَالٍ) «2»
وذلك إمّا جمع ظُلَّةٍ نحو: غُلْبَةٍ وغِلَابٍ، وحُفْرَةٍ
وحِفَارٍ، وإمّا جمعُ ظِلّ نحو: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ
[النحل/ 48] ، وقال بعض أهل اللّغة: يقال للشّاخص ظِلٌّ. قال:
ويدلّ على ذلك قول الشاعر:
305-
لمّا نزلنا رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ
«3» وقال: ليس ينصبون الظِّلَّ الذي هو الفيء إنّما ينصبون
الأخبية، وقال آخر:
306-
يتبع أفياء الظِّلَالِ عشيّة
«4» أي: أفياء الشّخوص، وليس في هذا دلالة فإنّ قوله: (رفعنا
ظِلَّ أخبيةٍ) ، معناه: رفعنا الأخبية فرفعنا به ظِلَّهَا،
فكأنّه رفع الظِّلَّ. وقوله:
أفياءُ الظِّلَالِ فَالظِّلَالُ عامٌّ والفيءُ خاصّ، وقوله:
(أفياءُ الظِّلَالِ) ، هو من إضافة الشيء إلى جنسه.
والظُّلَّةُ أيضا: شيءٌ كهيئة الصُّفَّة، وعليه حمل قوله
تعالى: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ
[لقمان/ 32] ، أي: كقطع السّحاب. وقوله تعالى: لَهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ
[الزمر/ 16] ، وقد يقال: ظِلٌّ لكلّ ساتر محمودا كان أو
مذموما، فمن المحمود قوله: وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ
[فاطر/ 21] ، وقوله: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
[الإنسان/ 14] ، ومن المذموم قوله: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ
[الواقعة/ 43] ، وقوله: إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ
[المرسلات/ 30] ، الظِّلُّ هاهنا كالظُّلَّةِ لقوله: ظُلَلٌ
مِنَ النَّارِ
[الزمر/ 16] ، وقوله: لا ظَلِيلٍ
[المرسلات/ 31] ، لا يفيد فائدة الظِّلِّ في كونه واقيا عن
الحرّ، وروي: «أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم كان إذا
__________
(1) انظر: الدر المنثور 4/ 630.
(2) وهي قراءة شاذة، قرأ بها قتادة وأبيّ بن كعب وابن مسعود.
انظر: إعراب القرآن للنحاس، والبحر المحيط 2/ 125.
(3) هذا شطر بيت لعبدة بن الطيب، وعجزه:
وفار باللحم للقوم المراجيل وهو في المفضليات ص 141، وشرح
المفضليات للتبريزي 2/ 671.
المعنى: رفعنا الأخبية فتظللنا بها.
(4) الشطر في عمدة الحفاظ (ظلل) دون نسبة.
(1/536)
مشى لم يكن له ظِلٌّ» «1» ، ولهذا تأويل
يختصّ بغير هذا الموضع «2» . وظَلْتُ وظَلِلْتُ بحذف إحدى
اللّامين يعبّر به عمّا يفعل بالنهار، ويجري مجرى صرت،
فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
[الواقعة/ 65] ، لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ
[الروم/ 51] ، ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً
[طه/ 97] .
ظلم
الظُّلْمَةُ: عدمُ النّور، وجمعها: ظُلُمَاتٌ. قال تعالى: أَوْ
كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ
[النور/ 40] ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ
[النور/ 40] ، وقال تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [النمل/ 63] ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ
وَالنُّورَ
[الأنعام/ 1] ، ويعبّر بها عن الجهل والشّرك والفسق، كما يعبّر
بالنّور عن أضدادها.
قال الله تعالى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
[البقرة/ 257] ، أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ
إِلَى النُّورِ [إبراهيم/ 5] ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ
[الأنبياء/ 87] ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام/
122] ، هو كقوله:
كَمَنْ هُوَ أَعْمى [الرعد/ 19] ، وقوله في سورة الأنعام:
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي
الظُّلُماتِ [الأنعام/ 39] ، فقوله: فِي الظُّلُماتِ
هاهنا موضوع موضع العمى في قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة/
18] ، وقوله: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ
[الزمر/ 6] ، أي:
البطن والرّحم والمشيمة، وَأَظْلَمَ فلانُ: حصل في ظُلْمَةٍ.
قال تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ
[يس/ 37] ، وَالظُّلْمُ عند أهل اللّغة وكثير من العلماء: وضع
الشيء في غير موضعه المختصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا
بعدول عن وقته أو مكانه، ومن هذا يقال: ظَلَمْتُ السِّقَاءَ:
إذا تناولته في غير وقته، ويسمّى ذلك اللّبن الظَّلِيمَ.
وظَلَمْتُ الأرضَ: حفرتها ولم تكن موضعا للحفر، وتلك الأرض
يقال لها: المَظْلُومَةُ، والتّراب الّذي يخرج منها: ظَلِيمٌ.
والظُّلْمُ يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجرى نقطة
الدّائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التّجاوز، ولهذا
يستعمل في الذّنب الكبير، وفي الذّنب الصّغير، ولذلك قيل لآدم
في تعدّيه ظالم «3» ، وفي إبليس ظالم، وإن كان بين
الظُّلْمَيْنِ بون بعيد. قال بعض الحكماء: الظُّلْمُ ثلاثةٌ:
الأوّل: ظُلْمٌ بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر
والشّرك والنّفاق، ولذلك قال:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[لقمان/ 13] ، وإيّاه
__________
(1) ذكر ذلك القاضي عياض في الشفاء 1/ 268، وقال السيوطي: أخرج
الحكيم الترمذي عن ذكوان أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم
يكن له ظلّ في شمس ولا قمر. انظر: الخصائص الكبرى 1/ 68،
ومناهل الصفا ص 173. [.....]
(2) لعلّ له كتابا في ذلك أو فيما يتعلق بخصائص النبي صلّى
الله عليه وسلم.
(3) وذلك في قوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة: آية 35.
وقوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف/ 23] ولا يقال
ذلك إلا مع الآية دون الإطلاق.
(1/537)
قصد بقوله: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ
[هود/ 18] ، وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً
[الإنسان/ 31] ، في آي كثيرة، وقال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَذَبَ عَلَى اللَّهِ
[الزمر/ 32] ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ
كَذِباً [الأنعام/ 93] .
والثاني: ظُلْمٌ بينه وبين الناس، وإيّاه قصد بقوله: وَجَزاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ «1» ، وبقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
[الشورى/ 42] ، وبقوله:
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
[الإسراء/ 33] .
والثالث: ظُلْمٌ بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ
ظالِمٌ لِنَفْسِهِ
[فاطر/ 32] ، وقوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي
[النمل/ 44] ، إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
[النساء/ 64] ، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ
[البقرة/ 35] ، أي: من الظَّالِمِينَ أنفسهم، وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
[البقرة/ 231] .
وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنّفس، فإنّ الإنسان في
أوّل ما يهمّ بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه، فإذا الظَّالِمُ
أبدا مبتدئ في الظُّلْمِ، ولهذا قال تعالى في غير موضع: ما
ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
[النحل/ 33] ، وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ
[البقرة/ 57] ، وقوله: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ
[الأنعام/ 82] ، فقد قيل: هو الشّرك، بدلالة أنه لمّا نزلت هذه
الآية شقّ ذلك على أصحاب النبيّ عليه السلام، وقال لهم: «ألم
تروا إلى قوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
» «2» ، وقوله: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً
[الكهف/ 33] ، أي: لم تنقص، وقوله: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
[الزمر/ 47] ، فإنه يتناول الأنواع الثّلاثة من الظُّلْمِ، فما
أحد كان منه ظُلْمٌ مّا في الدّنيا إلّا ولو حصل له ما في
الأرض ومثله معه لكان يفتدي به، وقوله: هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى
[النجم/ 52] ، تنبيها أنّ الظُّلْمَ لا يغني ولا يجدي ولا
يخلّص بل يردي بدلالة قوم نوح. وقوله: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ
ظُلْماً لِلْعِبادِ
[غافر/ 31] ، وفي موضع: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
[ق/ 29] ، وتخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، والآخر بلفظ
الظَّلَّامِ للعبيد
__________
(1) الآية: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا
وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ. الشورى: 40.
(2) سورة لقمان: آية 13.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: لمّا نزلت
هذه الآية: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ
بِظُلْمٍ شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا
يَظْلِمُ نفسه؟! قال: «إنّه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال
العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إنما هو
الشرك» . انظر: الدر المنثور 3/ 308، وفتح الباري 8/ 294 كتاب
التفسير، ومسلم برقم 124، والمسند 1/ 424.
(1/538)
يختصّ بما بعد هذا الكتاب «1» .
والظَّلِيمُ: ذَكَرُ النعامِ، وقيل: إنّما سمّي بذلك لاعتقادهم
أنه مَظْلُومٌ، للمعنى الذي أشار إليه الشاعر:
307-
فصرت كالهيق عدا يبتغي ... قرنا فلم يرجع بأذنين
«2» والظَّلْمُ: ماء الأسنان. قال الخليل «3» : لقيته أوّل ذي
ظَلَمٍ، أو ذي ظَلَمَةٍ، أي: أوّل شيء سدّ بصرك، قال: ولا
يشتقّ منه فعل، ولقيته أدنى ظَلَمٍ كذلك.
ظمأ
الظِّمْءُ: ما بين الشّربتين، والظَّمَأُ: العطش الذي يعرض من
ذلك. يقال: ظَمِئَ يَظْمَأُ فهو ظَمْآَنُ. قال تعالى: لا
تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
[طه/ 119] ، وقال: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا
جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً
[النور/ 39] .
ظن
الظَّنُّ: اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدّت إلى العلم،
ومتى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التّوهّم، ومتى قوي أو تصوّر
تصوّر القويّ استعمل معه (أنّ) المشدّدة، و (أن) المخفّفة
منها. ومتى ضعف استعمل أن المختصّة بالمعدومين من القول والفعل
«4» ، فقوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا
رَبِّهِمْ
[البقرة/ 46] ، وكذا: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ
[البقرة/ 249] ، فمن اليقين، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ
[القيامة/ 28] ، وقوله:
أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ
[المطففين/ 4] ، وهو نهاية في ذمّهم. ومعناه: ألا يكون منهم
ظَنٌّ لذلك تنبيها أنّ أمارات البعث ظاهرة. وقوله: وَظَنَّ
أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها [يونس/ 24] ، تنبيها
أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم، وقوله: وَظَنَّ
داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ
[ص/ 24] ، أي: علم، والفتنة هاهنا. كقوله:
وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه/ 40] ، وقوله: وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
[الأنبياء/ 87] ، فقد قيل: الأولى أن يكون من الظَّنِّ الذي هو
التّوهّم، أي: ظَنَّ أن لن نضيّق عليه «5» . وقوله:
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ
[القصص/ 39] ، فإنّه استعمل فيه (أنّ) المستعمل مع الظَّنِّ
الذي هو للعلم، تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء
المتيقّن وإن لم
__________
(1) يريد كتاب تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد.
(2) البيت لبشار بن برد، وقبله:
طالبتها ديني فراغت به ... وعلقت قلبي مع الدين
وهو في الأغاني 3/ 51، وعيون الأخبار 3/ 141، وعمدة الحفاظ:
ظلم.
(3) انظر: العين 8/ 162.
(4) هذا النقل حرفيا في البصائر 3/ 545، وعمدة الحفاظ: ظنّ.
(5) وهذا قول عطاء وسعيد بن جبير، وكثير من العلماء. انظر:
تفسير القرطبي 11/ 331.
(1/539)
يكن ذلك متيقنا، وقوله: يَظُنُّونَ
بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ
[آل عمران/ 154] ، أي:
يَظُنُّونَ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم لم يصدقهم فيما
أخبرهم به كما ظَنَّ الجاهليّة، تنبيها أنّ هؤلاء المنافقين هم
في حيّز الكفار، وقوله: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُمْ
[الحشر/ 2] ، أي: اعتقدوا اعتقادا كانوا منه في حكم
المتيقّنين، وعلى هذا قوله:
وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا
تَعْمَلُونَ
[فصلت/ 22] ، وقوله: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
[الفتح/ 6] ، هو مفسّر بما بعده، وهو قوله: بَلْ ظَنَنْتُمْ
أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ [الفتح/ 12] ، إِنْ نَظُنُّ
إِلَّا ظَنًّا
[الجاثية/ 32] ، والظَّنُّ في كثير من الأمور مذموم، ولذلك قال
تعالى: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا
[يونس/ 36] ، وَإِنَّ الظَّنَ
[النجم/ 28] ، وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ
[الجن/ 7] ، وقرئ: وما هو على الغيب بِظَنِينٍ «1» أي: بمتّهم.
ظهر
الظَّهْرُ الجارحةُ، وجمعه ظُهُورٌ. قال عزّ وجل:
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ
[الانشقاق/ 10] ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
[الأعراف/ 172] ، أَنْقَضَ ظَهْرَكَ
[الشرح/ 3] ، والظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيها للذّنوب بالحمل
الذي ينوء بحامله، واستعير لِظَاهِرِ الأرضِ، فقيل: ظَهْرُ
الأرضِ وبطنها. قال تعالى: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ
دَابَّةٍ
[فاطر/ 45] ، ورجلٌ مُظَهَّرٌ: شديدُ الظَّهْرِ، وظَهِرَ:
يشتكي ظَهْرَهُ.
ويعبّر عن المركوب بِالظَّهْرِ، ويستعار لمن يتقوّى به، وبعير
ظَهِيرٌ: قويّ بيّن الظَّهَارَةِ، وظِهْرِيٌّ:
معدّ للرّكوب، والظِّهْرِيُّ أيضا: ما تجعله بِظَهْرِكَ
فتنساه. قال تعالى: وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا
[هود/ 92] ، وَظَهَرَ عليه: غلبه، وقال: إِنَّهُمْ إِنْ
يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
[الكهف/ 20] ، وظاهَرْتُهُ:
عاونته. قال تعالى: وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ
[الممتحنة/ 9] ، وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ
[التحريم/ 4] ، أي: تعاونا، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ
[البقرة/ 85] ، وقرئ: (تَظَّاهَرَا) «2» ، الَّذِينَ
ظاهَرُوهُمْ
[الأحزاب/ 26] ، وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ
[سبأ/ 22] ، أي: معين «3» . فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً
لِلْكافِرِينَ
[القصص/ 86] ، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ
[التحريم/ 4] ، وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً
[الفرقان/
__________
(1) سورة التكوير: آية 24، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو
والكسائي ورويس. انظر: إرشاد المبتدي ص 623.
(2) وهي قراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر
ويعقوب. انظر الإتحاف ص 419.
(3) وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/ 147.
(1/540)
55] ، أي: معينا للشّيطان على الرّحمن.
وقال أبو عبيدة «1» : الظَّهِيرُ هو المَظْهُورُ به. أي: هيّنا
على ربّه كالشّيء الذي خلّفته، من قولك:
ظَهَرْتُ بكذا، أي: خلفته ولم ألتفت إليه.
والظِّهَارُ: أن يقول الرّجل لامرأته: أنت عليّ كَظَهْرِ أمّي،
يقال: ظَاهَرَ من امرأته. قال تعالى:
وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ
[المجادلة/ 3] ، وقرئ: يظاهرون «2» أي: يَتَظَاهَرُونَ، فأدغم،
ويَظْهَرُونَ
«3» ، وظَهَرَ الشّيءُ أصله:
أن يحصل شيء على ظَهْرِ الأرضِ فلا يخفى، وبَطَنَ إذا حصل في
بطنان الأرض فيخفى، ثمّ صار مستعملا في كلّ بارز مبصر بالبصر
والبصيرة. قال تعالى: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ
الْفَسادَ
[غافر/ 26] ، ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ
[الأعراف/ 33] ، إِلَّا مِراءً ظاهِراً
[الكهف/ 22] ، يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا
[الروم/ 7] ، أي: يعلمون الأمور الدّنيويّة دون الأخرويّة،
والعلمُ الظَّاهِرُ والباطن تارة يشار بهما إلى المعارف
الجليّة والمعارف الخفيّة، وتارة إلى العلوم الدّنيوية،
والعلوم الأخرويّة، وقوله: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ
[الحديد/ 13] ، وقوله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ
[الروم/ 41] ، أي: كثر وشاع، وقوله: نِعَمَهُ ظاهِرَةً
وَباطِنَةً
[لقمان/ 20] ، يعني بالظَّاهِرَةِ: ما نقف عليها، وبالباطنة:
ما لا نعرفها، وإليه أشار بقوله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللَّهِ لا تُحْصُوها [النحل/ 18] ، وقوله: قُرىً ظاهِرَةً
[سبأ/ 18] ، فقد حمل ذلك على ظَاهِرِهِ، وقيل: هو مثل لأحوال
تختصّ بما بعد هذا الكتاب إن شاء الله، وقوله:
فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً
[الجن/ 26] ، أي: لا يطلع عليه، وقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ
[التوبة/ 33] ، يصحّ أن يكون من البروز، وأن يكون من المعاونة
والغلبة، أي: ليغلّبه على الدّين كلّه. وعلى هذا قوله: إِنْ
يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ
[الكهف/ 20] ، وقوله تعالى: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ
[غافر/ 29] ، فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ
[الكهف/ 97] ، وصلاة الظُّهْرِ معروفةٌ، والظَّهِيرَةُ: وقتُ
الظُّهْرِ، وأَظْهَرَ فلانٌ: حصل في ذلك الوقت، على بناء أصبح
وأمسى «4» . قال تعالى:
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا
وَحِينَ تُظْهِرُونَ
[الروم/ 18] .
تمّ كتاب الظاء
__________
(1) انظر: مجاز القرآن 2/ 77.
(2) قرأ يظّاهرون بفتح الياء وتشديد الظاء وبألف، ابن عامر
وحمزة والكسائي وخلف وأبو جعفر. انظر: إرشاد المبتدي ص 586.
[.....]
(3) وقرأ يظّهرون نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. انظر:
إرشاد المبتدي 586.
(4) راجع صفحة 82 حاشية 1.
(1/541)
|