المفردات في غريب القرآن كتاب الفاء
فتح
الفَتْحُ: إزالة الإغلاق والإشكال، وذلك ضربان:
أحدهما: يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه، وكفتح القفل والغلق
والمتاع، نحو قوله:
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ
[يوسف/ 65] ، وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ
[الحجر/ 14] .
والثاني: يدرك بالبصيرة كفتح الهمّ، وهو إزالة الغمّ، وذلك
ضروب: أحدها: في الأمور الدّنيويّة كغمّ يفرج، وفقر يزال
بإعطاء المال ونحوه، نحو: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ
فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ
[الأنعام/ 44] ، أي:
وسعنا، وقال: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ [الأعراف/ 96] ، أي: أقبل عليهم الخيرات. والثاني:
فتح المستغلق من العلوم، نحو قولك: فلان فَتَحَ من العلم بابا
مغلقا، وقوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
[الفتح/ 1] ، قيل: عنى فتح مكّة «1» ، وقيل: بل عنى ما فتح على
النّبيّ من العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثّواب،
والمقامات المحمودة التي صارت سببا لغفران ذنوبه «2» .
وفَاتِحَةُ كلّ شيء:
مبدؤه الذي يفتح به ما بعده، وبه سمّي فاتحة الكتاب، وقيل:
افْتَتَحَ فلان كذا: إذا ابتدأ به، وفَتَحَ عليه كذا: إذا
أعلمه ووقّفه عليه، قال:
أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [البقرة/
76] ، ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ [فاطر/ 2] ، وفَتَحَ
الْقَضِيَّةَ فِتَاحاً: فصل الأمر فيها، وأزال الإغلاق عنها.
قال تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا
بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ
[الأعراف/ 89] ، ومنه الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ
[سبأ/ 26] ، قال الشاعر:
__________
(1) وهذا قول عائشة. انظر: الدر المنثور 7/ 510.
(2) انظر: روح المعاني 26/ 129.
(1/621)
347-
بأني عن فَتَاحَتِكُمْ غنيّ
«1» وقيل: الفتَاحةُ بالضمّ والفتح، وقوله: إِذا جاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر/ 1] ، فإنّه يحتمل النّصرة والظّفر
والحكم، وما يفتح الله تعالى من المعارف، وعلى ذلك قوله:
نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ [الصف/ 13] ، فَعَسَى
اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة/ 52] ،
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ [السجدة/ 28] ، قُلْ يَوْمَ
الْفَتْحِ [السجدة/ 29] ، أي: يوم الحكم. وقيل: يوم إزالة
الشّبهة بإقامة القيامة، وقيل: ما كانوا يَسْتَفْتِحُونَ من
العذاب ويطلبونه، والِاسْتِفْتَاحُ:
طلب الفتح أو الفتاح. قال: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ
جاءَكُمُ الْفَتْحُ [الأنفال/ 19] ، أي: إن طلبتم الظّفر أو
طلبتم الفتاح- أي: الحكم أو طلبتم مبدأ الخيرات- فقد جاءكم ذلك
بمجيء النّبيّ صلّى الله عليه وسلم. وقوله: وَكانُوا مِنْ
قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة/ 89]
، أي:
يستنصرون الله ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام وقيل: يستعلمون
خبره من الناس مرّة، ويستنبطونه من الكتب مرّة، وقيل: يطلبون
من الله بذكره الظّفر، وقيل: كانوا يقولون إنّا لننصر بمحمّد
عليه السلام على عبدة الأوثان. والمِفْتَحُ وَالمِفْتَاحُ: ما
يفتح به، وجمعه: مَفَاتِيحُ ومَفَاتِحُ.
وقوله: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام/ 59] ، يعني:
ما يتوصّل به إلى غيبه المذكور في قوله:
فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ
رَسُولٍ [الجن/ 26- 27] . وقوله: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ
لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص/ 76] ، قيل:
عنى مفاتح خزائنه. وقيل: بل عني بالمفاتح الخزائن أنفسها. وباب
فَتْحٌ: مَفْتُوحٌ في عامّة الأحوال، وغلق خلافه. وروي: (من
وجد بابا غلقا وجد إلى جنبه بابا فتحا) «2» وقيل: فَتْحٌ:
واسع.
فتر
الفُتُورُ: سكون بعد حدّة، ولين بعد شدّة، وضعف بعد قوّة. قال
تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ
لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ
[المائدة/ 19] ، أي: سكون حال عن مجيء رسول الله صلّى الله
عليه وسلم، وقوله: لا يَفْتُرُونَ
[الأنبياء/ 20] ، أي: لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة. وروي عن
النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «لكلّ عالم شرّة، ولكلّ
شرّة فَتْرَةٌ، فمن فَتَرَ
__________
(1) هذا عجز بيت للشويعر الجعفي، وشطره:
ألا أبلغ بني عمرو رسولا
وهو في الأساس (فتح) ، والمشوف المعلم 2/ 589، والجمهرة 2/ 4،
واللسان (فتح) .
(2) هذا من كلام أبي الدرداء. انظر: النهاية 3/ 408، واللسان
(فتح) ، وعمدة الحفاظ: فتح.
(1/622)
إلى سنّتي فقد نجا وإلّا فقد هلك» «1»
فقوله:
«لكلّ شرّة فترة» فإشارة إلى ما قيل: للباطل جولة ثمّ يضمحلّ،
وللحقّ دولة لا تذلّ ولا تقلّ.
وقوله: «من فَتَرَ إلى سنّتي» أي: سكن إليها، والطّرف
الفَاتِرُ: فيه ضعف مستحسن، والفِتْرُ: ما بين طرف الإبهام
وطرف السّبّابة، يقال: فَتَرْتُهُ بِفِتْرِي، وشبرته بشبري.
فتق
الفَتْقُ: الفصل بين المتّصلين، وهو ضدّ الرّتق، قال تعالى:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما
[الأنبياء/ 30] ، والفَتْقُ والفَتِيقُ: الصّبح، وأَفْتَقَ
القمر: صادف فتقا فطلع منه، ونصل فَتِيقُ الشّفرتين: إذا كان
له شعبتان كأنّ إحداهما فُتِقَتْ من الأخرى. وجمل فَتِيقٌ:
تَفَتَّقَ سمنا، وقد فَتِقَ فَتْقاً «2» .
فتل
فَتَلْتُ الحبل فَتْلًا، والْفَتِيلُ: الْمَفْتُولُ، وسمّي ما
يكون في شقّ النّواة فتيلا لكونه على هيئته.
قال تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء/ 49] ، وهو ما
تَفْتِلُهُ بين أصابعك من خيط أو وسخ، ويضرب به المثل في الشيء
الحقير.
وناقة فَتْلَاءُ الذّراعين: محكمة.
فتن
أصل الفَتْنِ: إدخال الذّهب النار لتظهر جودته من رداءته،
واستعمل في إدخال الإنسان النار.
قال تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
[الذاريات/ 13] ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ
[الذاريات/ 14] ، أي: عذابكم، وذلك نحو قوله: كُلَّما نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا
الْعَذابَ [النساء/ 56] ، وقوله:
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ... الآية [غافر/ 46] ، وتارة
يسمّون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه. نحو قوله: أَلا فِي
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
[التوبة/ 49] ، وتارة في الاختبار نحو: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً
[طه/ 40] ، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع
إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وهما في الشّدّة أظهر معنى وأكثر
استعمالا، وقد قال فيهما: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
[الأنبياء/ 35] . وقال في الشّدّة:
__________
(1) الحديث عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبيّ تصوم النهار
وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ لكل عمل شرّة،
والشرّة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن
كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضلّ» أخرجه البزار ورجاله رجال
الصحيح، وابن حبان وابن أبي عاصم. انظر: مجمع الزوائد 2/ 260،
والترغيب والترهيب 1/ 46.
الشّرّة: النشاط.
(2) قال أبو عثمان السرقسطي: فتقت الشيء فتقا: خرقته. انظر:
الأفعال 4/ 14.
(1/623)
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ
[البقرة/ 102] ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
[البقرة/ 191] ، وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ
[البقرة/ 193] ، وقال:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة/ 49] ، أي: يقول لا تبلني ولا
تعذّبني، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البليّة والعذاب. وقال: فَما
آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ
مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس/ 83] ،
أي: يبتليهم ويعذّبهم، وقال: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ
[المائدة/ 49] ، وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
[الإسراء/ 73] ، أي: يوقعونك في بليّة وشدّة في صرفهم إيّاك
عمّا أوحي إليك، وقوله: فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
[الحديد/ 14] ، أي: أوقعتموها في بليّة وعذاب، وعلى هذا قوله:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال/ 25] ، وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما
أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[التغابن/ 15] ، فقد سمّاهم هاهنا فتنة اعتبارا بما ينال
الإنسان من الاختبار بهم، وسمّاهم عدوّا في قوله: إِنَّ مِنْ
أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن/ 14] ،
اعتبارا بما يتولّد منهم، وجعلهم زينة في قوله: زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ...
الآية [آل عمران/ 14] ، اعتبارا بأحوال الناس في تزيّنهم بهم،
وقوله: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت/ 1- 2] ، أي: لا
يختبرون فيميّز خبيثهم من طيّبهم، كما قال: لِيَمِيزَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال/ 37] ، وقوله: أَوَلا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
[التوبة/ 126] ، فإشارة إلى ما قال: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ... الآية [البقرة/ 155] ، وعلى هذا
قوله: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ [المائدة/ 71] ،
والْفِتْنَةُ من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد
كالبليّة والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال
الكريهة، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من
الإنسان بغير أمر الله يكون بضدّ ذلك، ولهذا يذّمّ الله
الإنسان بأنواع الفتنة في كلّ مكان نحو قوله: وَالْفِتْنَةُ
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة/ 191] ، إِنَّ الَّذِينَ
فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ
[البروج/ 10] ، ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ
[الصافات/ 162] ، أي: بمضلّين، وقوله: بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ
[القلم/ 6] . قال الأخفش.
الْمَفْتُونُ: الفتنة، كقولك: ليس له معقول «1» ،
__________
(1) أي: إنّ المفعول هاهنا بمعنى المصدر، ومثله كما ذكر
المؤلف: المعقول بمعنى العقل، والميسور بمعنى اليسر والمعسور
بمعنى العسر، وأيضا: المحلوف بمعنى الحلف، والمجهود بمعنى
الجهد.
وانظر في ذلك الصاحبي ص 395.
(1/624)
وخذ ميسوره ودع معسوره، فتقديره بأيّكم
الفتون، وقال غيره: أيّكم المفتون «1» ، والباء زائدة كقوله:
كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح/ 28] ، وقوله: وَاحْذَرْهُمْ
أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
[المائدة/ 49] ، فقد عدّي ذلك ب (عن) تعدية خدعوك لمّا أشار
بمعناه إليه.
فتى
الفَتَى الطّريُّ من الشّباب، والأنثى فَتَاةٌ، والمصدر
فَتَاءٌ، ويكنّى بهما عن العبد والأمة.
قال تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ [يوسف/ 30] .
والفَتِيُّ من الإبل كالفتى من الناس، وجمع الفتى فِتْيَةٌ
وفِتْيَانٌ، وجمع الفتاة فَتَيَاتٌ، وذلك قوله: مِنْ
فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النساء/ 25] ، أي: إمائكم، وقال:
وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النور/ 33] ،
أي:
إماءكم. وَقالَ لِفِتْيانِهِ [يوسف/ 62] ، أي:
لمملوكيه وقال: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ
[الكهف/ 10] ، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف/
13] . والفُتْيَا والفَتْوَى: الجواب عمّا يشكل من الأحكام،
ويقال: اسْتَفْتَيْتُهُ فَأَفْتَانِي بكذا. قال:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ
فِيهِنَّ [النساء/ 127] ، فَاسْتَفْتِهِمْ [الصافات/ 11] ،
أَفْتُونِي فِي أَمْرِي [النمل/ 32] .
فتىء
يقال: ما فَتِئْتُ أفعل كذا، وما فَتَأْتُ «2» ، كقولك: ما
زلت. قال تعالى: تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ
[يوسف/ 85] .
فجج
الفَجُّ: شُقَّةٌ يكتنفها جبلان، ويستعمل في الطّريق الواسع،
وجمعه فِجَاجٌ. قال: مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
[الحج/ 27] ، فِيها فِجاجاً سُبُلًا
[الأنبياء/ 31] . والفَجَجُ: تباعد الرّكبتين، وهو أَفَجُّ
بيّن الفجج، ومنه: حافر مُفَجَّجٌ، وجرح فَجٌّ: لم ينضج.
فجر
الْفَجْرُ: شقّ الشيء شقّا واسعا كَفَجَرَ الإنسان السّكرَ «3»
، يقال: فَجَرْتُهُ فَانْفَجَرَ وفَجَّرْتُهُ فَتَفَجَّرَ. قال
تعالى: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر/ 12] ،
وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الكهف/ 33] ، فَتُفَجِّرَ
الْأَنْهارَ
[الإسراء/ 91] ، تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً
[الإسراء/ 90] ، وقرئ
__________
(1) هذا الذي نسبه المصنف لغير الأخفش قد قاله الأخفش في معاني
القرآن 2/ 505، والقول الأول الذي نسبه [استدراك] للأخفش هو
قول الفراء، فقد قال الفراء: المفتون هاهنا بمعنى الجنون، وهو
في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي. انظر: معاني
القرآن 3/ 173.
(2) قال أبو زيد: ما فتأت أذكره، وما فتئت أذكره. وزاد الفراء:
فتؤت أفتؤ. انظر: الهمز لأبي زيد ص 23، والعباب:
(فتأ) .
(3) سكر النهر: ما يسدّ به.
(1/625)
تفجر «1» . وقال: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ
اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة/ 60] ، ومنه قيل للصّبح:
فَجْرٌ، لكونه فجر الليل. قال تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ
عَشْرٍ [الفجر/ 1- 2] ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ
مَشْهُوداً [الإسراء/ 78] ، وقيل: الفَجْرُ فجران: الكاذب، وهو
كذَنَبِ السَّرْحان، والصّادق، وبه يتعلّق حكم الصّوم
والصّلاة، قال: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة/ 187] .
والفُجُورُ: شقّ ستر الدّيانة، يقال: فَجَرَ فُجُوراً فهو
فَاجِرٌ، وجمعه:
فُجَّارٌ وفَجَرَةٌ. قال: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ
لَفِي سِجِّينٍ [المطففين/ 7] ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي
جَحِيمٍ [الانفطار/ 14] ، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ
الْفَجَرَةُ [عبس/ 42] ، وقوله: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ
لِيَفْجُرَ أَمامَهُ [القيامة/ 5] ، أي: يريد الحياة ليتعاطى
الفجور فيها. وقيل: معناه ليذنب فيها. وقيل: معناه يذنب ويقول
غدا أتوب، ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفي به.
وسمّي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور. وقولهم: (ونخلع
ونترك من يَفْجُرُكَ) «2» أي: من يكذبك. وقيل: من يتباعد عنك،
وأيّام الفِجَارِ: وقائع اشتدّت بين العرب.
فجا
قال تعالى: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ
[الكهف/ 17] ، أي: ساحة واسعة، ومنه: قوس فِجَاءٌ وفَجْوَاءٌ:
بان وتراها عن كبدها، ورجل أَفْجَى بيّن الفجا، أي: متباعد ما
بين العرقوبين.
فحش
الفُحْشُ والفَحْشَاءُ والفَاحِشَةُ: ما عظم قبحه من الأفعال
والأقوال، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ
[الأعراف/ 28] ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل/ 90]
، مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الأحزاب/ 30]
، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ
[النور/ 19] ، إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ
[الأعراف/ 33] ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
[النساء/ 19] ، كناية عن الزّنا، وكذلك قوله: وَاللَّاتِي
يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ [النساء/ 15] ، وفَحُشَ
فلان: صار فاحشا. ومنه قول الشاعر:
348-
عقيلة مال الفاحش المتشدّد
«3»
__________
(1) وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي عمرو بن العلاء
وأبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 286.
(2) هذا من دعاء القنوت في الوتر، وهذا الدعاء مما رفع رسمه من
القرآن، ولم يرفع من القلوب حفظه. انظر: النهاية لابن الأثير
3/ 414، والإتقان 2/ 34، والفائق 3/ 90، ومصنف ابن أبي شيبة 3/
106.
(3) عجز بيت لطرفة، وصدره:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
وهو في ديوانه ص 34. [.....]
(1/626)
يعني به: العظيم القبح في البخل،
والْمُتَفَحِّشُ: الذي يأتي بالفحش.
فخر
الفَخْرُ: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال
والجاه، ويقال: له الفَخَرُ، ورجل فَاخِرٌ، وفُخُورٌ،
وفَخِيرٌ، على التّكثير. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [لقمان/ 18] ، ويقال: فَخَرْتُ فلانا
على صاحبه أَفْخَرُهُ فَخْراً: حكمت له بفضل عليه، ويعبّر عن
كلّ نفيس بِالْفَاخِرِ. يقال: ثوب فَاخِرٌ، وناقة فَخُورٌ:
عظيمة الضّرع، كثيرة الدّر، والفَخَّارُ:
الجرار، وذلك لصوته إذا نقر كأنما تصوّر بصورة من يكثر
التَّفَاخُرَ. قال تعالى: مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ
[الرحمن/ 14] .
فدى
الفِدَى والفِدَاءُ: حفظ الإنسان عن النّائبة بما يبذله عنه،
قال تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً
[محمد/ 4] ، يقال: فَدَيْتُهُ بمال، وفديته بنفسي،
وفَادَيْتُهُ بكذا، قال تعالى: إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى
تُفادُوهُمْ
[البقرة/ 85] ، وتَفَادَى فلان من فلان، أي: تحامى من شيء
بذله. وقال:
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات/ 107] ، وافْتَدى: إذا
بذل ذلك عن نفسه، قال تعالى:
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
[البقرة/ 229] ، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ
[البقرة/ 85] ، والمُفَادَاةُ: هو أن يردّ أسر العدى ويسترجع
منهم من في أيديهم، قال: وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ
[الرعد/ 18] ، لَافْتَدَتْ بِهِ [يونس/ 54] ، ولِيَفْتَدُوا
بِهِ [المائدة/ 36] ، وَلَوِ افْتَدى بِهِ [آل عمران/ 91] ،
لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ [المعارج/
11] ، وما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصّر
فيها يقال له: فِدْيَةٌ، ككفّارة اليمين، وكفّارة الصّوم.
نحو قوله: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
[البقرة/ 196] ، فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [البقرة/ 184] .
فر
أصل الفَرِّ: الكشف عن سنّ الدّابّة. يقال:
فَرَرْتُ فِرَاراً، ومنه: فَرَّ الدّهرُ جذعا «1» ، ومنه:
الِافْتِرَارُ، وهو ظهور السّنّ من الضّحك، وفَرَّ عن الحرب
فِرَاراً. قال تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ [الشعراء/ 21] ،
وقال: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر/ 51] ، فَلَمْ
يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح/ 6] ، لَنْ
يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ [الأحزاب/ 16] ،
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
[الذاريات/ 50] ، وأَفْرَرْتُهُ: جعلته فَارّاً، ورجل
__________
(1) هذا مثل يقال إذا رجع عوده على بدئه. والجذع: قبل الثني
بستة أشهر. أي: إن الدهر لا يهرم. انظر: الجمهرة 1/ 86، ومجمع
الأمثال 2/ 73.
(1/627)
فَرٌّ وفَارٌّ، والمَفَرُّ: موضع الفرار،
ووقته، والفرار نفسه، وقوله: أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة/ 10]
، يحتمل ثلاثتها.
فرت
الْفُرَاتُ: الماء العذب. يقال للواحد والجمع، قال تعالى:
وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً [المرسلات/ 27] ، وقال: هذا
عَذْبٌ فُراتٌ [الفرقان/ 53] .
فرث
قال تعالى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً
[النحل/ 66] ، أي: ما في الكرش، يقال: فَرَثْتُ كبده. أي:
فتنتها، وأَفْرَثَ فلان أصحابه: أوقعهم في بليّة جارية مجرى
الفرث.
فرج
الفَرْجُ والفُرْجَةُ: الشّقّ بين الشّيئين كفرجة الحائط،
والفَرْجُ: ما بين الرّجلين، وكنّي به عن السّوأة، وكثر حتى
صار كالصّريح فيه. قال تعالى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها
[الأنبياء/ 91] ، لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ
[المؤمنون/ 5] ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور/ 31] ،
واستعير الفَرْجُ للثّغر وكلّ موضع مخافة. وقيل: الفَرْجَانِ
في الإسلام: التّرك والسّودان «1» ، وقوله: وَما لَها مِنْ
فُرُوجٍ
[ق/ 6] ، أي: شقوق وفتوق، قال: وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ
[المرسلات/ 9] ، أي: انشقّت، والفَرَجُ: انكشاف الغمّ. يقال:
فَرَّجَ الله عنك، وقوس فَرْجٌ: انفرجت سيتاها، ورجل فَرْجٌ:
لا يكتم سرّه، وفَرَجٌ: لا يزال ينكشف فرجه «2» ، وفَرَارِيجُ
الدّجاج لانفراج البيض عنها، ودجاجة مُفْرِجٌ: ذات فراريج،
والْمُفْرَجُ:
القتيل الذي انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله.
فرح
الْفَرَحُ: انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في
اللّذات البدنيّة الدّنيوية، فلهذا قال تعالى: لِكَيْلا
تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ
[الحديد/ 23] ، وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا
[الرعد/ 26] ، ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ
[غافر/ 75] ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا [الأنعام/ 44]
، فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر/ 83] ، إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
[القصص/ 76] ، ولم يرخّص في الفرح إلا في قوله: فَبِذلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58] ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ
[الروم/ 4] . والمِفْرَاحُ: الكثير الفرح، قال الشاعر:
__________
(1) انظر: جنى الجنتين ص 86، والمجمل 3/ 917.
(2) انظر: المجمل 3/ 920.
(1/628)
349-
ولست بمفراح إذا الخير مسّني ... ولا جازع من صرفه المتقلّب
«1» وما يسرّني بهذا الأمر مُفْرِحٌ ومَفْرُوحٌ به، ورجل
مُفْرَحٌ: أثقله الدين «2» ، وفي الحديث:
«لا يترك في الإسلام مفرح» «3» ، فكأنّ الإِفْرَاحُ يستعمل في
جلب الفرح، وفي إزالة الفرح، كما أنّ الإشكاء يستعمل في جلب
الشّكوى وفي إزالتها، فالمدان قد أزيل فرحه، فلهذا قيل: (لا
غمّ إلا غمّ الدّين) «4» .
فرد
الفَرْدُ: الذي لا يختلط به غيره، فهو أعمّ من الوتر وأخصّ من
الواحد، وجمعه: فُرَادَى. قال تعالى: لا تَذَرْنِي فَرْداً
[الأنبياء/ 89] ، أي:
وحيدا، ويقال في الله: فرد، تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلّها في
الازدواج المنبّه عليه بقوله:
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات/ 49] ،
وقيل: معناه المستغني عمّا عداه، كما نبّه عليه بقوله: غَنِيٌّ
عَنِ الْعالَمِينَ [آل عمران/ 97] ، وإذا قيل: هو مُنْفَرِدٌ
بوحدانيّته، فمعناه:
هو مستغن عن كلّ تركيب وازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات
كلّها. وفَرِيدٌ: واحد، وجمعه فُرَادَى، نحو: أسير وأسارى.
قال:
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى [الأنعام/ 94] .
فرش
الفَرْشُ: بسط الثّياب، ويقال لِلْمَفْرُوشِ:
فَرْشٌ وفِرَاشٌ. قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
فِراشاً [البقرة/ 22] ، أي: ذلّلها ولم يجعلها ناتئة لا يمكن
الاستقرار عليها، والفِرَاشُ جمعه: فُرُشٌ. قال: وَفُرُشٍ
مَرْفُوعَةٍ [الواقعة/ 34] ، فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ
إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن/ 54] . والفَرْشُ: ما يُفْرَشُ من
الأنعام، أي: يركب، قال تعالى: حَمُولَةً وَفَرْشاً [الأنعام/
142] ، وكنّي بِالْفِرَاشِ عن كلّ واحد من الزّوجين، فقال
النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «الولد
__________
(1) البيت لهدبة بن خشرم. وهو في الحماسة البصرية 1/ 115،
والشعر والشعراء ص 462.
(2) انظر: المجمل 3/ 720، والجمهرة 2/ 139، واللسان (فرح) .
(3) الحديث عن عمرو بن عوف المزني عن النبيّ صلّى الله عليه
وسلم قال: «لا يترك مفرح في الإسلام حتى يضمّ إلى قبيلة» أخرجه
الطبراني، والبغوي في شرح السنة 10/ 210، وفيه كثير بن عبد
الله المزني وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.
والحديث يروى بالجيم والحاء، ومعناه بالجيم: القتيل يوجد
بالفلاة، فإنه يودى من بيت المال، ولا يطلّ دمه.
انظر: مجمع الزوائد 6/ 296، وغريب الحديث لأبي عبيد 1/ 30.
(4) (لا همّ إلا همّ الدّين، ولا وجع إلا وجع العين) أخرجه
الطبراني في الصغير، والبيهقي في الشعب عن جابر رفعه، وقال
البيهقي: إنه منكر. انظر: معجم الطبراني الصغير ص 311، وكشف
الخفاء 2/ 369.
وقال الصغاني في موضوعاته ص 38: إنه موضوع.
(1/629)
للفراش» «1» وفلان كريم المَفَارِشِ «2» ،
أي:
النّساء. وأَفْرَشَ الرّجل صاحبه، أي: اغتابه وأساء القول فيه،
وأَفْرَشَ عنه: أقلع، والفَرَاشُ:
طير معروف، قال: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة/ 4] ، وبه
شبّه فَرَاشَةُ القفل، والْفَرَاشَةُ:
الماء القليل في الإناء.
فرض
الفَرْضُ: قطع الشيء الصّلب والتأثير فيه، كفرض الحديد، وفرض
الزّند والقوس، والمِفْرَاضُ والمِفْرَضُ: ما يقطع به الحديد،
وفُرْضَةُ الماء: مقسمه. قال تعالى: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ
عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً
[النساء/ 118] ، أي: معلوما، وقيل: مقطوعا عنهم، والفَرْضُ
كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه وثباته، والفرض بقطع
الحكم فيه «3» . قال تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها
[النور/ 1] ، أي: أوجبنا العمل بها عليك، وقال: إِنَّ الَّذِي
فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
[القصص/ 85] ، أي: أوجب عليك العمل به، ومنه يقال لما ألزم
الحاكم من النّفقة: فَرْضٌ. وكلّ موضع ورد (فرض الله عليه) ففي
الإيجاب الذي أدخله الله فيه، وما ورد من: (فرض الله له) فهو
في أن لا يحظره على نفسه. نحو. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ
حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ
[الأحزاب/ 38] ، وقوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ
أَيْمانِكُمْ [التحريم/ 2] ، وقوله: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً
[البقرة/ 237] ، أي: سمّيتم لهنّ مهرا، وأوجبتم على أنفسكم
بذلك، وعلى هذا يقال: فَرَضَ له في العطاء، وبهذا النّظر ومن
هذا الغرض قيل للعطية: فَرْضٌ، وللدّين:
فَرْضٌ، وفَرَائِضُ الله تعالى: ما فرض لأربابها، ورجل فَارِضٌ
وفَرْضِيٌّ: بصير بحكم الفرائض.
قال تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ
إلى قوله: فِي الْحَجِّ «4» أي: من عيّن على نفسه إقامة الحجّ
«5» ، وإضافة فرض الحجّ إلى الإنسان دلالة أنه هو معيّن الوقت،
ويقال لما أخذ
__________
(1) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الولد للفراش،
وللعاهر الحجر» . جزء من حديث أخرجه البخاري في الأحكام 13/
152.
ومسلم في الرضاع (1457) .
(2) انظر: الجمهرة 2/ 345، والمجمل 3/ 715.
(3) الفرض والواجب مترادفان، وقالت الحنفية: الفرض: ما ثبت
بقطعي، والواجب بظنّي.
قال أبو زيد الدبوسي: الفرض: التقدير، والوجوب: السقوط، فخصصنا
اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، لأنه الذي يعلم من حاله
أنّ الله قدّره علينا، والذي عرف وجوبه بدليل ظني نسميه
بالواجب، لأنه ساقط علينا. انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/
55.
(4) الآية: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ سورة البقرة: آية 197.
(5) انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب 1/ 71.
(1/630)
في الصّدقة فرِيضَةٌ. قال: إِنَّمَا
الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى قوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ
«1» وعلى هذا ما روي (أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه كتب
إلى بعض عمّاله كتابا وكتب فيه: هذه فريضة الصّدقة التي فرضها
رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المسلمين) «2» .
والفَارِضُ: المسنّ من البقر «3» .
قال تعالى: لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ [البقرة/ 68] ، وقيل: إنما
سمّي فَارِضاً لكونه فارضا للأرض، أي: قاطعا، أو فارضا لما
يحمّل من الأعمال الشاقّة، وقيل: بل لأنّ فَرِيضَةُ البقر
اثنان: تبيع ومسنّة، فالتّبيع يجوز في حال دون حال، والمسنّة
يصحّ بذلها في كلّ حال، فسمّيت المسنّة فَارِضَةً لذلك، فعلى
هذا يكون الفَارِضُ اسما إسلاميّا.
فرط
فَرَطَ: إذا تقدّم تقدّما بالقصد يَفْرُطُ «4» ، ومنه:
الفَارِطُ إلى الماء، أي: المتقدّم لإصلاح الدّلو، يقال:
فَارِطٌ وفَرَطٌ، ومنه قوله عليه السلام: «أنا فرطكم على
الحوض» «5» وقيل في الولد الصّغير إذا مات: «اللهمّ اجعله لنا
فَرَطاً» «6» وقوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا
[طه/ 45] ، أي: يتقدّم، وفرس فُرُطٌ: يسبق الخيل،
والْإِفْرَاطُ: أن يسرف في التّقدّم، والتَّفْرِيطُ: أن يقصّر
في الفَرَط، يقال: ما فَرَّطْتُ في كذا. أي:
ما قصّرت. قال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ [الأنعام/
38] ، ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر/ 56] ، ما
فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ [يوسف/ 80] . وأَفْرَطْتُ القربةَ:
ملأتها
__________
(1) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ
وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي
الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ
السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ سورة التوبة: آية 60.
(2) عن ثمامة حدّثني أنس بن مالك أنّ أبا بكر الصديق كتب له:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله
صلّى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله
... » الحديث بطوله أخرجه ابن ماجة في الزكاة 1/ 575، وأخرجه
البخاري مختصرا في الزكاة: باب: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرّق
بين مجتمع. انظر: فتح الباري 3/ 314. [.....]
(3) انظر: المجمل 3/ 716، واللسان (فرض) .
(4) انظر: الأفعال 4/ 12.
(5) الحديث عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «إنّي فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب، ومن شرب لم
يظمأ أبدا ... » الحديث أخرجه البخاري في الرقاق 11/ 412،
ومسلم في باب إثبات حوض نبينا برقم (2290) .
(6) انظر: غريب الحديث 1/ 45، والنهاية 3/ 434. وأخرج الطحاوي
عن سمرة بن جندب أنّ صبيا له مات، فقال:
ادفنوه ولا تصلوا عليه، فإنه ليس عليه إثم، ثم ادعوا الله
لأبويه أن يجعله لهما فرطا وسلفا. انظر: معاني الآثار 1/ 507،
وأخرجه البخاري في الجنائز عن الحسن. فتح الباري 3/ 203.
(1/631)
وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
[الكهف/ 28] ، أي: إسرافا وتضييعا.
فرع
فَرْعُ الشّجر: غصنه، وجمعه: فُرُوعٌ. قال تعالى: أَصْلُها
ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ
[إبراهيم/ 24] ، واعتبر ذلك على وجهين:
أحدهما: بالطّول، فقيل: فَرَعَ كذا: إذا طال، وسمّي شعر الرأس
فَرْعاً لعلوّه، وقيل: رجل أَفْرَعُ، وامرأة فَرْعَاءُ،
وفَرَّعْتُ الجبل، وفَرَّعْتُ رأسَهُ بالسّيف، وتَفَرَّعْتُ في
بني فلان: تزوّجت في أعاليهم وأشرافهم. والثاني: اعتبر بالعرض،
فقيل: تَفَرَّعَ كذا، وفُرُوعُ المسألة، وفُرُوعُ الرّجل:
أولاده.
و (فِرْعَوْنُ) : اسم أعجميّ، وقد اعتبر عرامته، فقيل:
تَفَرْعَنَ فلان: إذا تعاطى فعل فرعون، كما يقال: أبلس وتبلّس،
ومنه قيل للطّغاة: الفَرَاعِنَةُ والأبالسة.
فرغ
الفَرَاغُ: خلاف الشّغل، وقد فَرَغَ فَرَاغاً وفُرُوغاً، وهو
فَارِغٌ. قال تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ
[الرحمن/ 31] ، وقوله تعالى:
وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً
[القصص/ 10] ، أي: كأنّما فَرَغَ من لبّها لما تداخلها من
الخوف وذلك كما قال الشاعر:
350-
كأنّ جؤجؤه هواء
«1» وقيل: فَارِغاً من ذكره، أي أنسيناها ذكره حتى سكنت
واحتملت أن تلقيه في اليمّ، وقيل:
فَارِغاً، أي: خاليا إلّا من ذكره، لأنه قال: إِنْ كادَتْ
لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها [القصص/
10] ، ومنه قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ
[الشرح/ 7] ، وأَفْرَغْتُ الدّلو:
صببت ما فيه، ومنه استعير: أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً
[الأعراف/ 126] ، وذهب دمه فِرْغاً «2» ، أي: مصبوبا. ومعناه:
باطلا لم يطلب به، وفرس فَرِيغٌ: واسع العدو كأنّما يُفْرِغُ
العدو إِفْرَاغاً، وضربة فَرِيغَةٌ: واسعة ينصبّ منها الدّم.
فرق
الفَرْقُ يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق،
والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. قال تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا
بِكُمُ الْبَحْرَ
[البقرة/ 50] ، والفِرْقُ: القطعة المنفصلة، ومنه: الفِرْقَةُ
للجماعة المتفرّدة من النّاس، وقيل: فَرَقُ الصّبح، وفلق
الصّبح. قال: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ
[الشعراء/ 63] ،
__________
(1) هذا عجز بيت لزهير، وشطره:
كأنّ الرّحل منها فوق صعل
وهو في ديوانه ص 9.
(2) قال الصغاني: ويقال: ذهب دمه فرغا وفرغا، أي: هدرا لم يطلب
به. انظر: العباب (فرغ) ، وانظر أيضا:
الجمهرة 2/ 395، والمجمل 3/ 717، واللسان (فرغ) .
(1/632)
والفَرِيقُ: الجماعة المتفرّقة عن آخرين،
قال:
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ
بِالْكِتابِ
[آل عمران/ 78] ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً
تَقْتُلُونَ [البقرة/ 87] ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ
فِي السَّعِيرِ [الشورى/ 7] ، إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ
عِبادِي [المؤمنون/ 109] ، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ [مريم/ 73] ،
وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ [البقرة/ 85]
، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ [البقرة/
146] ، وفَرَقْتُ بين الشّيئين: فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل
يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة. قال تعالى: فَافْرُقْ
بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ
[المائدة/ 25] ، وقوله تعالى:
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً
[المرسلات/ 4] ، يعني:
الملائكة الّذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم الله، وعلى
هذا قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان/ 4] ،
وقيل: عمر الفَارُوقُ رضي الله عنه لكونه فارقا بين الحقّ
والباطل، وقوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ
[الإسراء/ 106] ، أي: بيّنا فيه الأحكام وفصّلناه. وقيل:
(فَرَقْنَاهُ) أي: أنزلناه مُفَرَّقاً، والتَّفْرِيقُ أصله
للتّكثير، ويقال ذلك في تشتيت الشّمل والكلمة. نحو:
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة/ 102]
، رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ
[طه/ 94] ، وقوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
[البقرة/ 285] ، وقوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
[البقرة/ 136] ، إنما جاز أن يجعل التّفريق منسوبا إلى (أحد)
من حيث إنّ لفظ (أحد) يفيد في النّفي، وقال: إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ [الأنعام/ 159] ، وقرئ:
فَارَقُوا «1» والفِراقُ والْمُفَارَقَةُ تكون بالأبدان أكثر.
قال: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف/ 78] ، وقوله:
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ [القيامة/ 28] ، أي: غلب على قلبه
أنه حين مفارقته الدّنيا بالموت، وقوله: وَيُرِيدُونَ أَنْ
يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ [النساء/ 150] ، أي:
يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرّسل خلاف ما أمرهم الله به.
وقوله: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [النساء/
152] ، أي: آمنوا برسل الله جميعا، والفُرْقَانُ أبلغ من
الفرق، لأنه يستعمل في الفرق بين الحقّ والباطل، وتقديره
كتقدير: رجل قنعان: يقنع به في الحكم، وهو اسم لا مصدر فيما
قيل، والفرق يستعمل في ذلك وفي غيره، وقوله: يَوْمَ
الْفُرْقانِ [الأنفال/ 41] ، أي: اليوم الذي يفرق فيه بين
الحقّ والباطل، والحجّة والشّبهة، وقوله: يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقاناً
[الأنفال/ 29] ، أي: نورا وتوفيقا على قلوبكم
__________
(1) وبها قرأ حمزة والكسائي. من المفارقة، وهي الترك. انظر:
الإتحاف ص 220.
(1/633)
يفرق به بين الحق والباطل «1» ، فكان
الفرقان هاهنا كالسّكينة والرّوح في غيره، وقوله: وَما
أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ [الأنفال/ 41] ،
قيل:
أريد به يوم بدر «2» ، فإنّه أوّل يوم فُرِقَ فيه بين الحقّ
والباطل، والفُرْقَانُ: كلام الله تعالى، لفرقه بين الحقّ
والباطل في الاعتقاد، والصّدق والكذب في المقال، والصالح
والطّالح في الأعمال، وذلك في القرآن والتوراة والإنجيل، قال:
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ [البقرة/ 53] ،
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ [الأنبياء/ 48]
، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ [الفرقان/ 1] ، شَهْرُ
رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ
وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة/ 185] .
والفَرَقُ: تَفَرُّقُ القلب من الخوف، واستعمال الفرق فيه
كاستعمال الصّدع والشّقّ فيه. قال تعالى: وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ
يَفْرَقُونَ
[التوبة/ 56] ، ويقال: رجل فَرُوقٌ وفَرُوقَةٌ، وامرأة كذلك،
ومنه قيل للناقة التي تذهب في الأرض نادّة من وجع المخاض:
فَارِقٌ وفَارِقَةٌ «3» ، وبها شبّه السّحابة المنفردة فقيل:
فَارِقٌ، والْأَفْرَقُ من الدّيك: ما عُرْفُهُ مَفْرُوقٌ، ومن
الخيل: ما أحد وركيه أرفع من الآخر، والفَرِيقَةُ: تمر يطبخ
بحلبة، والفَرُوقَةُ: شحم الكليتين.
فره
الفَرِهُ: الأَشِرُ، وناقة مُفْرِهٌ ومُفْرِهَةٌ: تنتج
الفُرَّهَ «4» ، وقوله: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً
فارِهِينَ
[الشعراء/ 149] ، أي: حاذقين، وجمعه فُرَّهٌ، ويقال ذلك في
الإنسان وفي غيره، وقرئ: فَرِهِينَ «5» في معناه. وقيل:
معناهما أشرين.
فرى
الفَرْيُ: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والْإِفْرَاءُ للإفساد،
والِافْتِرَاءُ فيهما، وفي الإفساد أكثر، وكذلك استعمل في
القرآن في الكذب والشّرك والظّلم. نحو: وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً
[النساء/ 48] ، انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ
[النساء/ 50] .
وفي الكذب نحو: افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا
[الأنعام/ 140] ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [المائدة/ 103] ، أَمْ يَقُولُونَ
افْتَراهُ [السجدة/ 3] ، وَما ظَنُّ الَّذِينَ
__________
(1) وهو قول ابن جريح وابن زيد. انظر: روح المعاني 9/ 196.
(2) وهو قول ابن عباس وابن مسعود. انظر: الدر المنثور 4/ 71.
(3) انظر: المجمل 3/ 718.
(4) انظر: المجمل 3/ 719، واللسان (فره) .
(5) وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر ويعقوب.
انظر: الإتحاف ص 333.
(1/634)
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
[يونس/ 60] ، أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس/ 37] ،
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ
[هود/ 50] ، وقوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا
[مريم/ 27] ، قيل: معناه عظيما «1» . وقيل: عجيبا «2» . وقيل:
مصنوعا «3» .
وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد.
فز
قال تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ
بِصَوْتِكَ
[الإسراء/ 64] ، أي: أزعج، وقال تعالى: فَأَرادَ أَنْ
يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ
[الإسراء/ 103] ، أي: يزعجهم، وفَزَّنِي فلان، أي: أزعجني،
والْفَزُّ: ولد البقرة، وسمّي بذلك لما تصوّر فيه من الخفّة،
كما يسمّى عجلا لما تصوّر فيه من العجلة.
فزع
الفَزَعُ: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من
جنس الجزع، ولا يقال: فَزِعْتُ من الله، كما يقال: خفت منه.
وقوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ
[الأنبياء/ 103] ، فهو الفزع من دخول النار.
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النمل/
87] ، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل/ 89] ،
وقوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
[سبأ/ 23] ، أي: أزيل عنها الفزع، ويقال: فَزِعَ إليه: إذا
استغاث به عند الفزع، وفَزِعَ له: أغاثه. وقول الشاعر:
351-
كنّا إذا ما أتانا صارخ فَزِعٌ
«4» أي: صارخ أصابه فزع، ومن فسّره بأنّ معناه المستغيث، فإنّ
ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع.
فسح
الفُسْحُ والْفَسِيحُ: الواسع من المكان، والتَّفَسُّحُ:
التّوسّع، يقال: فَسَّحْتُ مجلسه فَتَفَسَّحَ فيه. قال تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا
فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ
[المجادلة/ 11] ، ومنه قيل: فَسَّحْتُ لفلان أن يفعل كذا،
كقولك: وسّعت له، وهو في فُسْحَةٍ من هذا الأمر.
__________
(1) انظر: تذكرة الأريب 1/ 329، وتفسير القرطبي 11/ 99.
(2) انظر: مجاز القرآن 2/ 6. [.....]
(3) انظر: غريب القرآن وتفسيره ص 238.
(4) شطر بيت لسلامة بن جندل، وعجزه:
كان الصّراخ له قرع الظنابيب
وهو من مفضليته التي مطلعها:
أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب ... أودى، وذلك شأو غير مطلوب
وهو في ديوانه ص 123، والمفضليات ص 124.
(1/635)
فسد
الفَسَادُ: خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو
كثيرا، ويضادّه الصّلاح، ويستعمل ذلك في النّفس، والبدن،
والأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فَسَدَ فَسَاداً
وفُسُوداً «1» ، وأَفْسَدَهُ غيره. قال تعالى: لَفَسَدَتِ
السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [المؤمنون/ 71] ، لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء/ 22] ، ظَهَرَ
الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم/ 41] ، وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ الْفَسادَ [البقرة/ 205] ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [البقرة/ 11] ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
الْمُفْسِدُونَ
[البقرة/ 12] ، لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ [البقرة/ 205] ، إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا
قَرْيَةً أَفْسَدُوها
[النمل/ 34] ، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ
الْمُفْسِدِينَ [يونس/ 81] ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ
مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة/ 220] .
فسر
[الفَسْرُ: إظهار المعنى المعقول، ومنه قيل لما ينبئ عنه
البول: تَفْسِرَةٌ، وسمّي بها قارورة الماء] «2» والتَّفْسِيرُ
في المبالغة كالفسر، والتَّفْسِيرُ قد يقال فيما يختصّ بمفردات
الألفاظ وغريبها، وفيما يختصّ بالتأويل، ولهذا يقال: تَفْسِيرُ
الرّؤيا وتأويلها. قال تعالى: وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان/
33] .
فسق
فَسَقَ فلان: خرج عن حجر الشّرع، وذلك من قولهم: فَسَقَ
الرُّطَبُ، إذا خرج عن قشره «3» ، وهو أعمّ من الكفر.
والفِسْقُ يقع بالقليل من الذّنوب وبالكثير، لكن تعورف فيما
كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفَاسِقُ لمن التزم حكم الشّرع
وأقرّ به، ثمّ أخلّ بجميع أحكامه أو ببعضه، وإذا قيل للكافر
الأصليّ: فَاسِقٌ، فلأنّه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل واقتضته
الفطرة، قال الله تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
[الكهف/ 50] ، فَفَسَقُوا فِيها
[الإسراء/ 16] ، وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ
[آل عمران/ 110] ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور/ 4] ،
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً [السجدة/ 18] ،
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ
[النور/ 55] ، أي: من يستر نعمة الله فقد خرج عن طاعته،
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ [السجدة/
20] ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ
بِما كانُوا يَفْسُقُونَ
[الأنعام/ 49] ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
[المائدة/ 108] ، إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ
__________
(1) انظر: الأفعال 4/ 18.
(2) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 2/ 148.
(3) وهذا قول الفرّاء. انظر تفسير الرازي 2/ 147.
(1/636)
[التوبة/ 67] ، كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا [يونس/ 33] ، أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً [السجدة/ 18] ، فقابل به
الإيمان. فالفاسق أعمّ من الكافر، والظالم أعمّ من الفاسق.
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلى قوله: وَأُولئِكَ
هُمُ الْفاسِقُونَ «1» وسمّيت الفأرة فُوَيْسَقَةً لما اعتقد
فيها من الخبث والفسق. وقيل: لخروجها من بيتها مرّة بعد أخرى.
وقال عليه الصلاة والسلام:
(اقتلوا الفويسقة فإنّها توهي السّقاء وتضرم البيت على أهله)
«2» . قال ابن الأعرابيّ: لم يسمع الفاسق في وصف الإنسان في
كلام العرب، وإنما قالوا: فسقت الرّطبة عن قشرها «3» .
فشل
الفَشَلُ: ضعف مع جبن. قال تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ
[آل عمران/ 152] ، فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
[الأنفال/ 46] ، لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ [الأنفال/ 43]
، وتَفَشَّلَ الماء:
سال.
فصح
[الفَصْحُ: خلوص الشيء مما يشوبه. وأصله في اللّبن، يقال:
فَصَّحَ اللّبن وأَفْصَحَ «4» ، فهو مُفْصِحٌ وفَصِيحٌ: إذا
تعرّى من الرّغوة، وقد روي:
352-
وتحت الرّغوة اللّبن الفصيح
«5» ومنه استعير: فَصُحَ الرّجل: جادت لغته، وأَفْصَحَ: تكلّم
بالعربيّة، وقيل بالعكس، والأوّل أصحّ] «6» . وقيل: الفَصِيحُ:
الذي ينطق، والأعجميّ: الذي لا ينطق، قال: وَأَخِي هارُونُ
هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً
[القصص/ 34] ، وعن هذا استعير: أَفْصَحَ الصّبحُ: إذا بدا
ضوؤه، وأَفْصَحَ النصارى: جاء فِصْحُهُمْ، أي: عيدهم.
__________
(1) الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ
جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ
هُمُ الْفاسِقُونَ سورة النور: آية 4.
(2) في البخاري: عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم: «خمّروا الآنية، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح،
فإنّ الفويسقة ربّما جرّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت» . انظر:
فتح الباري 11/ 85 باب: لا تترك النار عند النوم.
(3) قال ابن الأعرابي: ولم يسمع في كلام الجاهلية في شعر ولا
كلام فاسق. قال: وهذا عجب: هو كلام عربيّ ولم يأت في شعر
جاهلي. انظر: المجمل 3/ 721، وغلّطه السمين في عمدة الحفاظ:
فسق، لكنه لم يذكر مثالا على استعمالهم.
(4) انظر: الأفعال 4/ 30، والقاموس. فصح.
(5) هذا عجز بيت، وصدره:
ولم يخشوا مصالته عليهم
واختلف في نسبته فقيل لأبي محجن الثقفي، وقيل: لنضلة السلمي،
ونسبه ابن دريد للحارث. انظر: البيان والتبيين 3/ 338، واللسان
(فصح) ، والمجمل 3/ 722، والجمهرة 2/ 163، والمزهر 1/ 184.
(6) ما بين [] نقله السيوطي في المزهر 1/ 184.
(1/637)
فصل
الفَصْلُ: إبانة أحد الشّيئين من الآخر: حتى يكون بينهما فرجة،
ومنه قيل: المَفَاصِلُ، الواحد مَفْصِلٌ، وفَصَلْتُ الشاة:
قطعت مفاصلها، وفَصَلَ القوم عن مكان كذا، وانْفَصَلُوا:
فارقوه.
قال تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ
[يوسف/ 94] ، ويستعمل ذلك في الأفعال والأقوال نحو قوله: إِنَّ
يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ
[الدخان/ 40] ، هذا يَوْمُ الْفَصْلِ [الصافات/ 21] ، أي:
اليوم يبيّن الحقّ من الباطل، ويَفْصِلُ بين الناس بالحكم،
وعلى ذلك قوله: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ [الحج/ 17] ، وَهُوَ
خَيْرُ الْفاصِلِينَ
[الأنعام/ 57] .
وفَصْلُ الخطاب: ما فيه قطع الحكم، وحكم فَيْصَلٌ، ولسان
مِفْصَلٌ. قال: وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا
[الإسراء/ 12] ، الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود/ 1] ، إشارة إلى
ما قال: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً [النحل/
89] . وفَصِيلَةُ الرّجل: عشيرته الْمُنْفَصِلَةُ عنه، قال:
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [المعارج/ 13] ، والفِصالُ:
التّفريق بين الصّبيّ والرّضاع، قال: فَإِنْ أَرادا فِصالًا
عَنْ تَراضٍ مِنْهُما [البقرة/ 233] ، وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ
[لقمان/ 14] ، ومنه:
الفَصِيلُ، لكن اختصّ بالحُوَارِ، والمُفَصَّلُ من القرآن،
السّبع الأخير «1» ، وذلك للفصل بين القصص بالسّور القصار،
والفَوَاصِلُ: أواخر الآي، وفَوَاصِلُ القلادة: شذر يفصل به
بينها، وقيل: الفَصِيلُ: حائط دون سور المدينة «2» ، وفي
الحديث: «من أنفق نفقة فَاصِلَةً فله من الأجر كذا» «3» أي:
نفقة تَفْصِلُ بين الكفر والإيمان.
فض
الفَضُّ: كسر الشيء والتّفريق بين بعضه وبعضه، كفَضِّ ختم
الكتاب، وعنه استعير:
انْفَضَّ القومُ. قال الله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً
أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها
[الجمعة/ 11] ، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران/ 159] ،
والفِضَّةُ
__________
(1) المفصّل في القرآن من الحجرات إلى الناس، وقيل غير ذلك.
انظر: البصائر 4/ 194.
(2) انظر: المجمل 3/ 722، والبصائر 4/ 194.
(3) الحديث عن أبي عبيدة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يقول: «من أنفق نفقة فاصلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن
أنفق على نفسه وأهله وعاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر
أمثالها والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه في جسده فهو له
حطة» أخرجه أحمد 1/ 195، قال الهيثمي: وفيه بشار بن أبي سيف
ولم أر من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/
303. قلت: وله طريق آخر عند أحمد. انظر: المسند 1/ 196، وقال
ابن حجر:
بشار بن أبي سيف مقبول. انظر: تقريب التهذيب ص 122. [.....]
(1/638)
اختصّت بأدون المتعامل بها من الجواهر،
ودرع فَضْفَاضَةٌ، وفَضْفَاضٌ: واسعة.
فضل
الفَضْلُ: الزّيادة عن الاقتصاد، وذلك ضربان: محمود: كفضل
العلم والحلم، ومذموم: كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه.
والفَضْلُ في المحمود أكثر استعمالا، والفُضُولُ في المذموم،
والفَضْلُ إذا استعمل لزيادة أحد الشّيئين على الآخر فعلى
ثلاثة أضرب:
فضل من حيث الجنس، كفضل جنس الحيوان على جنس النّبات.
وفضل من حيث النّوع، كفضل الإنسان على غيره من الحيوان، وعلى
هذا النحو قوله:
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70] ، إلى قوله:
تَفْضِيلًا
«1» .
وفضل من حيث الذّات، كفضل رجل على آخر. فالأوّلان جوهريّان لا
سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس
والحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خصّ بها الإنسان،
والفضل الثالث قد يكون عرضيّا فيوجد السّبيل على اكتسابه، ومن
هذا النّوع التّفضيل المذكور في قوله: وَاللَّهُ فَضَّلَ
بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ
[النحل/ 71] ، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [الإسراء/
12] ، يعني: المال وما يكتسب، وقوله:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [النساء/ 34] ، فإنه يعني بما خصّ به
الرّجل من الفضيلة الذّاتيّة له، والفضل الذي أعطيه من المكنة
والمال والجاه والقوّة، وقال: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ
النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ
[الإسراء/ 55] ، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى
الْقاعِدِينَ [النساء/ 95] ، وكلّ عطيّة لا تلزم من يعطي يقال
لها: فَضْلٌ.
نحو قوله: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء/ 32] ،
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ [المائدة/ 54] ، ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ [آل عمران/ 74] ، وعلى هذا قوله: قُلْ بِفَضْلِ
اللَّهِ [يونس/ 58] ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ [النساء/ 83] .
فضا
الفَضَاءُ: المكان الواسع، ومنه: أَفْضَى بيده إلى كذا،
وأَفْضَى إلى امرأته: في الكناية أبلغ، وأقرب إلى التّصريح من
قولهم: خلا بها. قال تعالى: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى
بَعْضٍ [النساء/ 21] . وقول الشاعر:
__________
(1) الآية: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ،
وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا
سورة الإسراء: آية 70.
(1/639)
353-
طعامهم فَوْضَى فَضًا في رحالهم
«1» أي: مباح، كأنّه موضوع في فضاء يَفِيضُ فيه من يريده.
فطر
أصل الفَطْرِ: الشّقُّ طولا، يقال: فَطَرَ فلان كذا فَطْراً،
وأَفْطَرَ هو فُطُوراً، وانْفَطَرَ انْفِطَاراً. قال تعالى:
هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ
[الملك/ 3] ، أي: اختلال ووهي فيه، وذلك قد يكون على سبيل
الفساد، وقد يكون على سبيل الصّلاح قال: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا
[المزمل/ 18] . وفَطَرْتُ الشاة: حلبتها بإصبعين، وفَطَرْتُ
العجين: إذا عجنته فخبزته من وقته، ومنه: الفِطْرَةُ. وفَطَرَ
الله الخلق، وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشّحة لفعل
من الأفعال، فقوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْها
[الروم/ 30] ، فإشارة منه تعالى إلى ما فَطَرَ. أي: أبدع وركز
في النّاس من معرفته تعالى، وفِطْرَةُ الله: هي ما ركز فيه من
قوّته على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقوله: وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف/
87] ، وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[فاطر/ 1] ، وقال: الَّذِي فَطَرَهُنَّ [الأنبياء/ 56] ،
وَالَّذِي فَطَرَنا [طه/ 72] ، أي: أبدعنا وأوجدنا. يصحّ أن
يكون الِانْفِطَارُ في قوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ
[المزمل/ 18] ، إشارة إلى قبول ما أبدعها وأفاضه علينا منه.
والفِطْرُ: ترك الصّوم. يقال:
فَطَرْتُهُ، وأَفْطَرْتُهُ، وأَفْطَرَ هو «2» ، وقيل للكمأة:
فُطُرٌ، من حيث إنّها تَفْطِرُ الأرض فتخرج منها.
فظ
الفَظُّ: الكريه الخلق، مستعار من الفَظِّ، أي:
ماء الكرش، وذلك مكروه شربه لا يتناول إلّا في أشدّ ضرورة. قال
تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ
[آل عمران/ 159] .
فعل
الفِعْلُ: التأثير من جهة مؤثّر، وهو عامّ لما كان بإجادة أو
غير إجادة، ولما كان بعلم أو غير علم، وقصد أو غير قصد، ولما
كان من الإنسان والحيوان والجمادات، والعمل مثله، والصّنع أخصّ
منهما كما تقدّم ذكرهما «3» ، قال: وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
[البقرة/ 197] ،
__________
(1) هذا شطر بيت للمعذّل البكري، وعجزه:
[ولا يحسنون السّرّ إلا تناديا]
[استدراك] وهو في اللسان (فضا) ، وغريب الحديث للخطابي 2/ 531
ولم ينسبه المحقق، وشرح الحماسة 4/ 136.
(2) انظر: الأفعال 4/ 12.
(3) تقدّم في مادة (عمل) ، ومادة (صنع) .
(1/640)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً
[النساء/ 30] ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ
رِسالَتَهُ
[المائدة/ 67] ، أي: إن لم تبلّغ هذا الأمر فأنت في حكم من لم
يبلّغ شيئا بوجه، والذي من جهة الفَاعِلِ يقال له: مَفْعُولٌ
ومُنْفَعِلٌ، وقد فصل بعضهم بين المفعول والمنفعل، فقال:
المَفْعُولُ يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل، والمُنْفَعِلُ إذا
اعتبر قبول الفعل في نفسه، قال: فَالْمَفْعُولُ أعمّ من
المنفعل، لأنّ المُنْفَعِلُ يقال لما لا يقصد الفَاعِلُ إلى
إيجاده وإن تولّد منه، كحمرة اللّون من خجل يعتري من رؤية
إنسان، والطّرب الحاصل عن الغناء، وتحرّك العاشق لرؤية معشوقه.
وقيل لكلّ فِعْلٍ: انْفِعَالٌ إلّا للإبداع الذي هو من الله
تعالى، فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض وفي جوهر بل ذلك هو
إيجاد الجوهر.
فقد
الفَقْدُ: عدم الشيء بعد وجوده، فهو أخصّ من العدم، لأن العدم
يقال فيه وفيما لم يوجد بعد. قال تعالى: ماذا تَفْقِدُونَ
قالُوا: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ
[يوسف/ 71- 72] . والتَّفَقُّدُ: التّعهّد لكن حقيقة التّفقّد:
تعرّف فُقْدَانِ الشيء، والتّعهّد: تعرّف العهد المتقدّم، قال:
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ
[النمل/ 20] ، والفَاقِدُ: المرأة التي تَفْقِدُ ولدَهَا، أو
بعلَهَا.
فقر
الفَقْرُ يستعمل على أربعة أوجه:
الأوّل: وجود الحاجة الضّرورية، وذلك عامّ للإنسان ما دام في
دار الدّنيا بل عامّ للموجودات كلّها، وعلى هذا قوله تعالى: يا
أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ
[فاطر/ 15] ، وإلى هذا الفَقْرِ أشار بقوله في وصف الإنسان:
وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ
[الأنبياء/ 8] .
والثاني: عدم المقتنيات، وهو المذكور في قوله: لِلْفُقَراءِ
الَّذِينَ أُحْصِرُوا [البقرة/ 273] ، إلى قوله: مِنَ
التَّعَفُّفِ [البقرة/ 273] ، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ
يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
[النور/ 32] . وقوله: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
وَالْمَساكِينِ [التوبة/ 60] .
الثالث: فَقْرُ النّفس، وهو الشّره المعنيّ بقوله عليه الصلاة
والسلام: «كاد الفَقْرُ أن يكون كفرا» «1» وهو المقابل بقوله:
«الغنى غنى
__________
(1) الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«كاد الحسد أن يغلب القدر، وكاد الفقر أن يكون كفرا» أخرجه أبو
نعيم في الحلية 3/ 53، وابن عدي في الكامل 7/ 2692. وهو ضعيف،
وفيه يحيى بن اليمان العجلي الكوفي سريع النسيان، وحديثه خطأ
عن الثوري.
(1/641)
النّفس» «1» والمعنيّ بقولهم: من عدم
القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع: الفَقْرُ إلى الله المشار إليه بقوله عليه الصلاة
والسلام: (اللهمّ أغنني بِالافْتِقَارِ إليك، ولا تُفْقِرْنِي
بالاستغناء عنك) «2» ، وإيّاه عني بقوله تعالى: رَبِّ إِنِّي
لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
[القصص/ 24] ، وبهذا ألمّ الشاعر فقال:
354-
ويعجبني فقري إليك ولم يكن ... ليعجبني لولا محبّتك الفقر
«3» ويقال: افْتَقَرَ فهو مُفْتَقِرٌ وفَقِيرٌ، ولا يكاد يقال:
فَقَرَ، وإن كان القياس يقتضيه. وأصل الفَقِيرِ: هو المكسورُ
الْفِقَارِ، يقال: فَقَرَتْهُ فَاقِرَةٌ، أي داهية تكسر
الفِقَارَ، وأَفْقَرَكَ الصّيدُ فارمه، أي: أمكنك من
فِقَارِهِ، وقيل: هو من الْفُقْرَةِ أي: الحفرة، ومنه قيل لكلّ
حفيرة يجتمع فيها الماء: فَقِيرٌ، وفَقَّرْتُ للفسيل: حفرت له
حفيرة غرسته فيها، قال الشاعر:
355-
ما ليلة الفقير إلّا شيطان
«4» فقيل: هو اسم بئر، وفَقَرْتُ الخَرَزَ: ثقبته، وأَفْقَرْتُ
البعير: ثقبت خطمه.
فقع
يقال: أصفر فَاقِعٌ: إذا كان صادق الصّفرة، كقولهم: أسود حالك.
قال تعالى: صَفْراءُ فاقِعٌ [البقرة/ 69] ، والْفَقْعُ: ضرب من
الكمأة، وبه يشبّه الذّليل، فيقال: أذلّ من فَقْعٍ بقاع «5» ،
قال الخليل «6» : سمّي الفُقَّاعُ لما يرتفع من زبده،
وفَقَاقِيعُ الماء تشبيها به.
فقه
الفِقْهُ: هو التّوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخصّ من
العلم. قال تعالى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ
يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
[النساء/ 78] ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ
[المنافقون/ 7] ، إلى غير ذلك من الآيات، والفِقْهُ: العلم
بأحكام الشريعة، يقال: فَقُهَ الرّجل فَقَاهَةً: إذا صار
فَقِيهاً «7» ، وفَقِهَ أي: فهم
__________
(1) الحديث تقدّم في مادة (غنى) . [استدراك]
2) ليس هذا من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإنما هو
من دعاء عمرو بن عبيد. انظر: جواهر الألفاظ ص 5، ومجمع البلاغة
للراغب 1/ 346.
(3) البيت في البصائر 4/ 205 دون نسبة. وهو للبحتري من قصيدة
له يمدح بها الفتح بن خاقان، ومطلعها:
متى لاح برق أو بدا طلل قفر ... جرى مستهلّ لا بكيّ ولا نزر
وهو في ديوانه 1/ 102، والصناعتين ص 128، والزهرة 1/ 68، وعمدة
الحفاظ: فقر.
(4) هذا شطر بيت، وعجزه:
مجنونة تؤدي بروح الإنسان
وهو للجليح بن شديد رفيق الشماخ. وقيل: هو للشماخ في ديوانه ص
413، واللسان (فقر) ، والمجمل 3/ 703، والأوّل أصح، وتقدّم ص
455.
(5) انظر: المجمل 3/ 703.
(6) العين 1/ 176.
(7) قال السرقسطي: فقهت عنك فقها: فهمت، وفقه فقها: صار فقيها،
وفقهت الرجل: غلبته في الفقه. انظر: الأفعال 4/ 48، والمثلث
للبطليوسي 2/ 344.
(1/642)
فَقَهاً، وفَقِهَهُ أي: فهمه، وتَفَقَّهَ:
إذا طلبه فتخصّص به. قال تعالى: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
[التوبة/ 122] .
فكك
الفَكَكُ: التّفريج، وفَكُّ الرّهن: تخليصه، وفَكُّ الرّقبة:
عتقها. وقوله: فَكُّ رَقَبَةٍ
[البلد/ 13] ، قيل: هو عتق المملوك «1» ، وقيل: بل هو عتق
الإنسان نفسه من عذاب الله بالكلم الطيّب والعمل الصّالح، وفكّ
غيره بما يفيده من ذلك، والثاني يحصل للإنسان بعد حصول الأوّل،
فإنّ من لم يهتد فليس في قوّته أن يهدي كما بيّنت في (مكارم
الشّريعة) «2» ، والفَكَكُ: انفراج المنكب عن مفصله ضعفا،
والْفَكَّانِ: ملتقى الشّدقين. وقوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ
[البينة/ 1] ، أي: لم يكونوا متفرّقين بل كانوا كلّهم على
الضّلال، كقوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ... الآية
[البقرة/ 213] ، و (ما انْفَكَّ) يفعل كذا، نحو: ما زال يفعل
كذا.
فكر
الْفِكْرَةُ: قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتَّفَكُّرُ:
جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان،
ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي:
«تَفَكَّرُوا في آلاء الله ولا تَفَكَّرُوا في الله» «3» إذ
كان الله منزّها أن يوصف بصورة. قال تعالى:
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ
السَّماواتِ
[الروم/ 8] ، أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ
جِنَّةٍ [الأعراف/ 184] ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ [الرعد/ 3] ، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا
وَالْآخِرَةِ [البقرة/ 219- 220] . ورجل فَكِيرٌ: كثير
الْفِكْرَةُ، قال بعض الأدباء: الْفِكْرُ مقلوب عن الفرك لكن
يستعمل الفكر في المعاني، وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول
إلى حقيقتها.
فكه
الفَاكِهَةُ قيل: هي الثّمار كلها، وقيل: بل هي الثّمار ما عدا
العنب والرّمّان «4» . وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما
بالذّكر، وعطفهما على الفاكهة. قال تعالى: وَفاكِهَةٍ مِمَّا
يَتَخَيَّرُونَ
[الواقعة/ 20] ، وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [الواقعة/
__________
(1) وهو مرويّ عن النبي صلّى الله عليه وسلم. انظر: الدر
المنثور 8/ 524.
(2) راجع الذريعة ص 26، باب: السياسة التي يستحق بها خلافة
الله تعالى. [.....]
(3) الحديث تقدّم في مادة (أله) .
(4) وهذا قول أبي حنيفة، وقد قال: إذا حلف لا يأكل الفاكهة
فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث، واستدلّ بقوله تعالى:
فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ، وخالفه صاحباه. انظر:
روح المعاني 27/ 122.
(1/643)
32] ، وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس/ 31] ،
فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ
[الصافات/ 42] ، وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ [المرسلات/ 42]
، والفُكَاهَةُ:
حديث ذوي الأنس، وقوله: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
«1» قيل: تتعاطون الفُكَاهَةَ، وقيل:
تتناولون الْفَاكِهَةَ. وكذلك قوله: فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ
رَبُّهُمْ
[الطور/ 18] .
فلح
الفَلْحُ: الشّقّ، وقيل: الحديد بالحديد يُفْلَحُ «2» ، أي:
يشقّ. والفَلَّاحُ: الأكّار لذلك، والفَلَاحُ: الظَّفَرُ
وإدراك بغية، وذلك ضربان:
دنيويّ وأخرويّ، فالدّنيويّ: الظّفر بالسّعادات التي تطيب بها
حياة الدّنيا، وهو البقاء والغنى والعزّ، وإيّاه قصد الشاعر
بقوله:
356-
أَفْلِحْ بما شئت فقد يدرك بال ... ضعف وقد يخدّع الأريب «3»
وفَلَاحٌ أخرويّ، وذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا
فقر، وعزّ بلا ذلّ، وعلم بلا جهل. ولذلك قيل: «لا عيش إلّا عيش
الآخرة» «4» وقال تعالى:
وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت/
64] ، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[المجادلة/ 22] ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى
[الأعلى/ 14] ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9] ، قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون/ 1] ، لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ [البقرة/ 189] ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ
[المؤمنون/ 117] ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر/ 9]
، وقوله: وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى [طه/ 64] ،
فيصحّ أنهم قصدوا به الفلاح الدّنيويّ، وهو الأقرب، وسمّي
السّحور الفَلَاحَ، ويقال: إنه سمّي بذلك لقولهم عنده: حيّ على
الفلاح، وقولهم في الأذان: (حي على الفَلَاحِ) أي: على الظّفر
الذي جعله الله لنا بالصلاة، وعلى هذا قوله (حتّى خفنا أن
يفوتنا الفلاح) «5» ، أي: الظّفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة.
__________
(1) سورة الواقعة: آية 65. والقول الأصلح في الآية أنها بمعنى
تتندمون أو تعجبون، لأنّ أوّل الآية: لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ
حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ.
(2) انظر: المجمل 3/ 705، واللسان (فلح) ، والأمثال ص 96.
(3) البيت لعبيد بن الأبرص، من قصيدة له مطلعها:
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيّات فالذّنوب
وهو في ديوانه ص 26، وتفسير القرطبي 1/ 182.
(4) الحديث عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
فأجابهم النبي صلّى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخرة،
فأكرم الأنصار والمهاجرة» . أخرجه البخاري في فضائل الصحابة 7/
90، ومسلم برقم 1805، وأحمد 3/ 170.
(5) شطر من حديث وفيه: «فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس، قال:
فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال:
السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئا من بقية الشهر» .
أخرجه أبو داود برقم (1375) ، وابن ماجة 1/ 420، والنسائي 3/
83: باب من صلّى مع الإمام حتى ينصرف، وأحمد 5/ 160.
(1/644)
فلق
الفَلْقُ: شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض.
يقال: فَلَقْتُهُ فَانْفَلَقَ. قال تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ
[الأنعام/ 96] ، إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى
[الأنعام/ 95] ، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ [الشعراء/ 63] ، وقيل للمطمئنّ من الأرض بين
ربوتين: فَلَقٌ، وقوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
[الفلق/ 1] ، أي: الصّبح، وقيل: الأنهار المذكورة في قوله:
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً
[النمل/ 61] ، وقيل: هو الكلمة التي علّم الله تعالى موسى
فَفَلَقَ بها البحر، والْفِلْقُ: الْمَفْلُوقُ، كالنّقض
والنّكث للمنقوض والمنكوث، وقيل الْفِلْقُ: العجب،
والْفَيْلَقُ كذلك، والْفَلِيقُ والْفَالِقُ: ما بين الجبلين
وما بين السّنامين من ظهر البعير.
فلك
الْفُلْكُ: السّفينة، ويستعمل ذلك للواحد والجمع، وتقديراهما
مختلفان، فإنّ الفُلْكَ إن كان واحدا كان كبناء قفل، وإن كان
جمعا فكبناء حمر.
قال تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ [يونس/ 22] ،
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة/ 164] ،
وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ [فاطر/ 12] ، وَجَعَلَ
لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ [الزخرف/
12] . والفَلَكُ: مجرى الكواكب، وتسميته بذلك لكونه كالفلك،
قال: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس/ 40] . وفَلْكَةُ
المِغْزَلِ، ومنه اشتقّ: فَلَّكَ ثديُ المرأة «1» ، وفَلَكْتُ
الجديَ: إذا جعلت في لسانه مثل فَلْكَةٍ يمنعه عن الرّضاع.
فلن
فُلَانٌ وفُلَانَةُ: كنايتان عن الإنسان، والفُلَانُ
والفُلَانَةُ: كنايتان عن الحيوانات، قال: يا وَيْلَتى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا
[الفرقان/ 28] ، تنبيها أنّ كلّ إنسان يندم على من خالَّه
وصاحَبَهُ في تحرّي باطل، فيقول: ليتني لم أخالّه، وذلك إشارة
إلى ما قال:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ [الزخرف/ 67] .
فنن
الْفَنَنُ: الغصن الغضّ الورق، وجمعه أَفْنَانٌ، ويقال ذلك
للنّوع من الشيء، وجمعه فُنُونٌ، وقوله:
ذَواتا أَفْنانٍ [الرحمن/ 48] ، أي: ذواتا غصون «2» وقيل:
ذواتا ألوان مختلفة.
__________
(1) قال في المجمل: فلّك ثدي المرأة: إذا استدار. المجمل 3/
706.
(2) مجاز القرآن 2/ 245.
(1/645)
فند
التَّفْنِيدُ: نسبة الإنسان إلى الْفَنَدِ، وهو ضعف الرّأي.
قال تعالى: لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ
[يوسف/ 94] ، قيل: أن تلوموني «1» ، وحقيقته ما ذكرت،
والْإِفْنَادُ: أن يظهر من الإنسان ذلك، والْفَنَدُ: شمراخ
الجبل، وبه سمّي الرّجل فَنَداً.
فهم
الْفَهْمُ: هيئة للإنسان بها يتحقّق معاني ما يحسن، يقال:
فَهِمْتُ كذا، وقوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ
[الأنبياء/ 79] ، وذلك إمّا بأن جعل الله له من فضل قوّة الفهم
ما أدرك به ذلك، وإمّا بأن ألقى ذلك في روعه، أو بأن أوحى إليه
وخصّه به، وأَفْهَمْتُهُ:
إذا قلت له حتى تصوّره، والِاسْتِفْهَامُ: أن يطلب من غيره أن
يُفَهِّمَهُ.
فوت
الْفَوْتُ: بُعْدُ الشيء عن الإنسان بحيث يتعذّر إدراكه، قال:
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ
[الممتحنة/ 11] ، وقال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ
[الحديد/ 23] ، وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ
[سبأ/ 51] ، أي: لا يَفُوتُونَ ما فزعوا منه، ويقال: هو منّي
فَوْتَ الرّمح «2» ، أي: حيث لا يدركه الرّمح، وجعل الله رزقه
فَوْتَ فمه. أي:
حيث يراه ولا يصل إليه فمه، والِافْتِيَاتُ: افتعال منه، وهو
أن يفعل الإنسان الشيء من دون ائتمار من حقّه أن يؤتمر فيه،
والتَّفَاوُتُ: الاختلاف في الأوصاف، كأنه يُفَوِّتُ وصف
أحدهما الآخر، أو وصف كلّ واحد منهما الآخر. قال تعالى: ما
تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ
[الملك/ 3] ، أي: ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
فوج
الفَوْجُ: الجماعة المارّة المسرعة، وجمعه أَفْوَاجٌ. قال
تعالى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ
[الملك/ 8] ، هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ
[ص/ 59] ، فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً
[النصر/ 2] .
فأد
الْفُؤَادُ كالقلب لكن يقال له: فُؤَادٌ إذا اعتبر فيه معنى
التَّفَؤُّدِ، أي: التّوقّد، يقال: فَأَدْتُ اللّحمَ:
شَوَيْتُهُ، ولحم فَئِيدٌ: مشويٌّ. قال تعالى: ما كَذَبَ
الْفُؤادُ ما رَأى [النجم/ 11] ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤادَ [الإسراء/ 36] ، وجمع الفؤاد: أَفْئِدَةٌ.
قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
[إبراهيم/ 37] ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
وَالْأَفْئِدَةَ
[الملك/ 23] ، وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43] ، نارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
[الهمزة/ 6- 7] . وتخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له «3» ،
وما بعد هذا الكتاب من الكتب
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 318.
(2) انظر: المجمل 3/ 707.
(3) قال البرهان البقاعي: وخصّ بالذكر لأنه ألطف ما في البدن،
وأشده تألما بأدنى شيء من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة،
ومعدن حبّ المال الذي هو منشأ الفساد والضلال، وعنه تصدر
الأفعال القبيحة. انظر: نظم الدرر 22/ 248.
(1/646)
في علم القرآن موضع ذكره.
فور
الفَوْرُ: شِدَّةُ الغَلَيَانِ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا
هاجت، وفي القدر، وفي الغضب نحو: وَهِيَ تَفُورُ
[الملك/ 7] ، وَفارَ التَّنُّورُ
[هود/ 40] ، قال الشاعر:
357-
ولا العرق فَارَا
«1» ويقال: فَارَ فلان من الحمّى يَفُورُ، والْفَوَّارَةُ:
ما تقذف به القدر من فَوَرَانِهِ، وفَوَّارَةُ الماء سمّيت
تشبيها بغليان القدر، ويقال: فعلت كذا من فَوْرِي، أي: غليان
الحال، وقيل: سكون الأمر.
قال تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا
[آل عمران/ 125] ، والفَارُ جمعه فِيرَانٌ، وفأرة المسك تشبيها
بها في الهيئة، ومكان فئر: فيه الفأر.
فوز
الْفَوْزُ: الظّفر بالخير مع حصول السّلامة.
قال تعالى: ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
[البروج/ 11] ، فازَ فَوْزاً عَظِيماً
[الأحزاب/ 71] ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [الجاثية/
30] ، وفي أخرى الْعَظِيمُ «2» أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ
[التوبة/ 20] ، والمَفَازَةُ قيل: سمّيت تفاؤلا لِلْفَوْزِ،
وسمّيت بذلك إذا وصل بها إلى الْفَوْزِ، فإنّ الفقر كما يكون
سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز، فيسمّى بكلّ واحد منهما
حسبما يتصوّر منه ويعرض فيه، وقال بعضهم: سمّيت مَفَازَةً من
قولهم: فَوَّزَ الرّجل: إذا هلك «3» ، فإن يكن فوّز بمعنى هلك
صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصوّرا لمن مات بأنه نجا من حبالة
الدّنيا، فالموت- وإن كان من وجه هلكا- فمن وجه فَوْزٌ، ولذلك
قيل: ما أحد إلّا والموت خير له «4» ، هذا إذا اعتبر بحال
الدّنيا، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النّعيم
فهو الفوز الكبير: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ
الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ
[آل عمران/ 185] ، وقوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ
مِنَ الْعَذابِ
[آل عمران/ 188] ، فهي مصدر فَازَ، والاسم الفَوْزُ، أي: لا
تحسبنّهم يَفُوزُونَ ويتخلّصون من العذاب.
وقوله: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً
[النبأ/ 31] ، أي:
__________
(1) البيت:
لها رسغ أيّد مكرب ... فلا العظم واه ولا العرق فارا
وهو لعوف بن الخرع يصف قوسا. والبيت في اللسان (فور) ،
والمفضليات ص 414، ومطلع القصيدة:
أمن آل ميّ عرفت الديارا ... بحيث الشقيق خلاء قفارا
(2) وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ سورة غافر: آية 9.
[.....]
(3) انظر: المجمل 3/ 707.
(4) قال بعض السلف: ما من أحد، إلا والموت خير له من الحياة،
لأنّه إن كان محسنا فالله تعالى يقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ وَأَبْقى، وإن كان مسيئا فالله تعالى يقول: إِنَّما
نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً. تحسين القبيح ص 72.
(1/647)
فَوْزاً، أي: مكان فوز، ثم فسّر فقال:
حَدائِقَ وَأَعْناباً ... الآية [النبأ/ 32] ، وقوله: وَلَئِنْ
أَصابَكُمْ فَضْلٌ إلى قوله فَوْزاً عَظِيماً «1» أي: يحرصون
على أغراض الدنيا، ويعدّون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما.
فوض
قال تعالى: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ
[غافر/ 44] ، أردّه إليه، وأصله من قولهم:
مالهم فَوْضَى بينهم قال الشاعر:
358-
طعامهم فوضى فضا في رحالهم
«2» ومنه: شركة المُفَاوَضَةِ.
فيض
فَاضَ الماء: إذا سال منصبّا. قال تعالى:
تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
[المائدة/ 83] ، وأَفَاضَ إناءه: إذا ملأه حتى أساله،
وأَفَضْتُهُ. قال: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ
[الأعراف/ 50] ، ومنه: فَاضَ صدرُهُ بالسّرّ.
أي: سال، ورجل فَيَّاضٌ، أي: سخيّ، ومنه استعير: أَفَاضُوا في
الحديث: إذا خاضوا فيه.
قال: لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ [النور/ 14] ، هُوَ
أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ
[الأحقاف/ 8] ، إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس/ 61] ، وحديث
مُسْتَفِيضٌ: منتشر، والْفَيْضُ: الماء الكثير، يقال: إنه
أعطاه غيضا من فيض «3» ، أي: قليلا من كثير وقوله: فَإِذا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
[البقرة/ 198] ، وقوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ
[البقرة/ 199] ، أي:
دفعتم منها بكثرة تشبيها بِفَيْضِ الماء، وأَفَاضَ بالقداح:
ضرب بها، وأَفَاضَ البعير بجرّته «4» :
رمى بها، ودرع مَفَاضَةٌ: أُفِيضَتْ على لابسها كقولهم: درع
مسنونة، من: سننت أي: صببت.
فوق
فَوْقُ يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة،
وذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلوّ. نحو: وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
[البقرة/ 63] ، مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ [الزمر/
16] ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها [فصلت/ 10] ،
ويقابله تحت. قال:
قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً
مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام/ 65]
.
الثاني: باعتبار الصّعود والحدور. نحو قوله:
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
[الأحزاب/ 10] .
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله:
__________
(1) الآية: وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ
لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ
مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً
عَظِيماً سورة النساء: آية 73.
(2) الشطر تقدّم في مادة (فضى) ، وهو في غريب الحديث للخطابي
2/ 531، وكشف المشكل 1/ 253.
(3) انظر: المجمل 3/ 709، وأساس البلاغة (غيض) .
(4) انظر: المجمل 3/ 709.
(1/648)
فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
[النساء/ 11] .
الرابع: في الكبر والصّغر مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها
[البقرة/ 26] . قيل: أشار بقوله فَما فَوْقَها إلى العنكبوت
المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصّغر، ومن قال:
أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، وتصوّر بعض أهل اللّغة
أنه يعني أنّ فَوْقَ يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما
صنّفه من الأضداد «1» ، وهذا توهّم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدّنيويّة. نحو:
وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ
[الزخرف/ 32] ، أو الأخرويّة: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا
فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
[البقرة/ 212] ، فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران/ 55] .
السادس: باعتبار القهر والغلبة. نحو قوله:
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ
[الأنعام/ 18] ، وقوله عن فرعون: وَإِنَّا فَوْقَهُمْ
قاهِرُونَ [الأعراف/ 127] ، ومن فوق، قيل: فَاقَ فلان غيره
يَفُوقُ: إذا علاه، وذلك من (فَوْقِ) المستعمل في الفضيلة، ومن
فَوْقُ يشتقّ فُوقُ السّهم، وسهم أَفْوَقُ: انكسر فُوقُهُ،
والْإِفَاقَةُ:
رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السّكر، أو الجنون، والقوّة بعد
المرض، والْإِفَاقَةُ في الحلب: رجوع الدّرّ، وكلّ درّة بعد
الرّجوع يقال لها: فِيقَةٌ، والْفُوَاقُ: ما بين الحلبتين.
وقوله:
ما لَها مِنْ فَواقٍ
[ص/ 15] ، أي: من راحة ترجع إليها، وقيل: ما لها من رجوع إلى
الدّنيا.
قال أبو عبيدة «2» : (من قرأ: مِنْ فَواقٍ «3» بالضمّ فهو من
فُوَاقِ الناقة. أي: ما بين الحلبتين، وقيل: هما واحد نحو:
جمام وجمام) «4» . وقيل: اسْتَفِقْ ناقتَكَ، أي: اتركها حتى
يَفُوقَ لبنها، وفَوِّقْ فصيلَكَ، أي: اسقه ساعة بعد ساعة،
وظلّ يَتَفَوَّقُ المخض، قال الشاعر:
359-
حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت
«5»
فيل
الفِيلُ معروف. جمعه فِيلَةٌ وفُيُولٌ. قال:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ
[الفيل/ 1] ، ورجل فَيْلُ الرأي، وفَالُ الرأيِ،
__________
(1) يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أنّ فوق من الأضداد.
انظر: كتاب الأضداد ص 250.
(2) انظر: مجاز القرآن 2/ 179.
(3) قرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الفاء، وهي لغة تميم وأسد
وقيس. انظر: الإتحاف 372.
(4) يقال: جمام المكّوك دقيقا بالكسر والضم. انظر: اللسان
(جمّ) .
(5) هذا شطر بيت للأعشى، وعجزه:
جاءت لترضع شقّ النفس لو رضعا
وهو من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، ومطلعها:
بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلّت الغمر فالجدّين
فالفرعا
وهو في ديوانه ص 107، واللسان (فوق) .
(1/649)
أي: ضعيفه، والمُفَايَلَةُ: لعبة يخبّئون
شيئا في التراب ويقسمونه ويقولون في أيّها هو، والْفَائِلُ:
عرق في خربة الورك، أو لحم عليها.
فوم
الفُومُ: الحنطة، وقيل: هي الثّوم، يقال: ثوم وفُومٌ، كقولهم:
جدث وجدف «1» . قال تعالى:
وَفُومِها وَعَدَسِها
[البقرة/ 61] .
فوه
أَفْوَاهُ جمع فَمٍ، وأصل فَمٍ فَوَهٌ، وكلّ موضع علّق الله
تعالى حكم القول بِالْفَمِ فإشارة إلى الكذب، وتنبيه أنّ
الاعتقاد لا يطابقه. نحو:
ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ [الأحزاب/ 4] ، وقوله:
كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ [الكهف/ 5] ،
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ [التوبة/
8] ، فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إبراهيم/ 9] ،
مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
قُلُوبُهُمْ [المائدة/ 41] ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما
لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران/ 167] ، ومن ذلك: فَوْهَةُ
النّهر، كقولهم: فم النّهر، وأَفْوَاهُ الطّيب. الواحد: فُوهٌ.
فيأ
الفَيْءُ والْفَيْئَةُ: الرّجوع إلى حالة محمودة. قال تعالى:
حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ
[الحجرات/ 9] ، وقال: فَإِنْ فاؤُ
[البقرة/ 226] ، ومنه: فَاءَ الظّلُّ، والفَيْءُ لا يقال إلّا
للرّاجع منه. قال تعالى: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ
[النحل/ 48] . وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقّة: فَيْءٌ،
قال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ
[الحشر/ 7] ، وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ
عَلَيْكَ [الأحزاب/ 50] ، قال بعضهم: سمّي ذلك بِالْفَيْءِ
الذي هو الظّلّ تنبيها أنّ أشرف أعراض الدّنيا يجري مجرى ظلّ
زائل، قال الشاعر:
360-
أرى المال أَفْيَاءَ الظّلال عشيّة
«2» وكما قال:
361-
إنّما الدّنيا كظلّ زائل
«3» والفِئَةُ: الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في
التّعاضد. قال تعالى:
إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال/ 45] ، كَمْ مِنْ
فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة/ 249] ،
فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا
[آل عمران/ 13] ، فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ [النساء/ 88]
، مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ [القصص/ 81] ، فَلَمَّا تَراءَتِ
الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ [الأنفال/ 48] .
تمّ كتاب الفاء بتوفيق الله، ولله الحمد والمنّة.
__________
(1) انظر الغريب المصنف ورقة 261 نسخة تركيا.
(2) الشطر في تفسير الراغب ورقة 148، دون نسبة.
وعجزه:
[يؤوب وأخرى يخبل المال خابله]
وهو في أساس البلاغة: خبل.
(3) شطر بيت للوزير ابن الزيّات، وعجزه:
[نحمد الله كذا قدّرها]
وقبله:
وهل الدّنيا إذا ما أقبلت ... صيّرت معروفها منكرها
انظر الوافي للصفدي 4/ 33. [.....]
(1/650)
|