المفردات في غريب القرآن كتاب الميم
متع
الْمُتُوعُ: الامتداد والارتفاع. يقال: مَتَعَ النهار ومَتَعَ
النّبات: إذا ارتفع في أول النّبات، والْمَتَاعُ: انتفاعٌ
ممتدُّ الوقت، يقال: مَتَّعَهُ اللهُ بكذا، وأَمْتَعَهُ،
وتَمَتَّعَ به. قال تعالى:
وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يونس/ 98] ، نُمَتِّعُهُمْ
قَلِيلًا
[لقمان/ 24] ، فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا
[البقرة/ 126] ، سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا
عَذابٌ أَلِيمٌ [هود/ 48] .
وكلّ موضع ذكر فيه «تمتّعوا» في الدّنيا فعلى طريق التّهديد،
وذلك لما فيه من معنى التّوسّع، واسْتَمْتَعَ: طلب التّمتّع.
رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ
[الأنعام/ 128] ، فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ
[التوبة/ 69] ، فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا
اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ [التوبة/
69] «1» وقوله: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ
إِلى حِينٍ
[البقرة/ 36] تنبيها أنّ لكلّ إنسان في الدّنيا تَمَتُّعاً
مدّة معلومة.
وقوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النساء/ 77] تنبيها أن
ذلك في جنب الآخرة غير معتدّ به، وعلى ذلك: فَما مَتاعُ
الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة/
38] أي: في جنب الآخرة، وقال تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا
فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ [الرعد/ 26] ويقال لما ينتفع به
في البيت: متاع. قال: ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ
مِثْلُهُ [الرعد/ 17] . وكلّ ما ينتفع به على وجه ما فهو
مَتَاعٌ ومُتْعَةٌ، وعلى هذا قوله: وَلَمَّا فَتَحُوا
مَتاعَهُمْ [يوسف/ 65] أي: طعامهم، فسمّاه مَتَاعاً، وقيل:
وعاءهم، وكلاهما متاع، وهما متلازمان، فإنّ الطّعام كان في
الوعاء.
وقوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
[البقرة/ 241] فَالْمَتَاعُ والمُتْعَةُ: ما يعطى
__________
(1) الآية: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ
بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا.
(1/757)
المطلّقة لتنتفع به مدّة عدّتها. يقال:
أَمْتَعْتُهَا ومَتَّعْتُهَا، والقرآن ورد بالثاني. نحو:
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَ
[الأحزاب/ 49] ، وقال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة/ 236] .
ومُتْعَةُ النّكاح هي: أنّ الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم
يعطيها إلى أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق،
ومُتْعَةُ الْحَجِّ: ضمّ العمرة إليه. قال تعالى: فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ
[البقرة/ 196] وشراب مَاتِعٌ. قيل: أحمر، وإنما هو الذي يمتع
بجودته، وليست الحمرة بخاصّيّة للماتع وإن كانت أحد أوصاف
جودته، وجمل مَاتِعٌ: قويّ قيل:
419-
وميزانه في سورة البرّ مَاتِعٌ
«1» أي: راجح زائد.
متن
المَتْنَانِ: مكتنفا الصّلب، وبه شبّه المَتْنُ من الأرض،
ومَتَنْتُهُ: ضربت متنه، ومَتُنَ: قَوِيَ متنُهُ، فصار متينا،
ومنه قيل: حبل مَتِينٌ، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
[الذاريات/ 58] .
متى
مَتَى: سؤال عن الوقت. قال تعالى: مَتى هذَا الْوَعْدُ [يونس/
48] ، ومَتى هذَا الْفَتْحُ [السجدة/ 28] وحكي أنّ هذيلا تقول:
جعلته مَتَى كمّي «2» . أي: وسط كمي، وأنشدوا لأبي ذؤيب:
420-
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت ... متى لجج خضر لهنّ نئيج
«3»
مثل
أصل المُثُولِ: الانتصاب، والمُمَثَّلُ:
المصوّر على مثال غيره، يقال: مَثُلَ الشيءُ.
أي: انتصب وتصوّر، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلم: «من أحبّ أن
يمثل له الرّجال فليتبوّأ مقعده من النّار» «4» .
والتِّمْثَالُ: الشيء المصوّر، وتَمَثَّلَ كذا: تصوّر.
__________
(1) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره:
إلى خير دين نسكه قد علمته
وليس في ديوانه طبع دار صادر، وإنما هو في ديوانه صنعة ابن
السكيت- تحقيق د. شكري فيصل ص 52، وهو في المجمل 3/ 822،
واللسان (متع) .
(2) قال ابن هشام: واختلف في قول بعضهم: «وضعته متى كمي» فقال
ابن سيده: بمعنى في، وقال غيره: بمعنى وسط. انظر: مغني اللبيب
ص 441، والجنى الداني ص 468، والمجمل 3/ 823.
(3) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 1/ 51،
ومغني اللبيب ص 142، والمجمل 3/ 823.
(4) عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«من أحبّ أن يمثل له عباد الله قياما فليتبوأ مقعده من النار»
أخرجه أحمد 4/ 91، وأبو داود برقم (5229) ، والترمذي، وقال:
حديث حسن (انظر: عارضة الأحوذي 10/ 213) .
(1/758)
قال تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً
سَوِيًّا
[مريم/ 17] والمَثَلُ عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء
آخر بينهما مشابهة، ليبيّن أحدهما الآخر ويصوّره. نحو قولهم:
الصّيف ضيّعت اللّبن «1» فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت
الإمكان أمرك. وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال،
فقال: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ
[الحشر/ 21] ، وفي أخرى: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ
[العنكبوت/ 43] . والمَثَلُ يقال على وجهين:
أحدهما: بمعنى المثل. نحو: شبه وشبه، ونقض ونقض. قال بعضهم:
وقد يعبّر بهما عن وصف الشيء «2» . نحو قوله: مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ [الرعد/ 35] .
والثاني: عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أيّ معنى
كان، وهو أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذلك أنّ النّدّ
يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشّبه يقال فيما يشارك في
الكيفيّة فقط، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمّيّة فقط،
والشّكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمِثْلَ
عامّ في جميع ذلك، ولهذا لمّا أراد الله تعالى نفي التّشبيه من
كلّ وجه خصّه بالذّكر فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى/
11] وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل: ذلك لتأكيد النّفي
تنبيها على أنه لا يصحّ استعمال المثل ولا الكاف، فنفى ب (ليس)
الأمرين جميعا. وقيل: المِثْلُ هاهنا هو بمعنى الصّفة، ومعناه:
ليس كصفته صفة، تنبيها على أنه وإن وصف بكثير ممّا يوصف به
البشر فليس تلك الصّفات له على حسب ما يستعمل في البشر، وقوله
تعالى: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ
السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النحل/ 60] أي: لهم
الصّفات الذّميمة وله الصّفات العلى. وقد منع الله تعالى عن
ضرب الأمثال بقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ
[النحل/ 74] ثم نبّه أنه قد يضرب لنفسه المثل، ولا يجوز لنا أن
نقتدي به، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ [النحل/ 74] ثمّ ضرب لنفسه مثلا فقال: ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً الآية [النحل/ 75] ، وفي
هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما
وصف به نفسه، وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ
الآية [الجمعة/ 5] ، أي: هم في جهلهم بمضمون حقائق التّوراة
كالحمار في جهله بما
__________
(1) المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوّته على نفسه.
وقال المبرد: أصل المثل كان لامرأة، وإنما يضرب لكل واحد على
ما جرى في الأصل، فإذا قلته للرجل فإنما معناه: أنت عندي
بمنزلة التي قيل لها هذا. انظر: مجمع الأمثال 2/ 68، والمقتضب
2/ 143.
(2) انظر ص 732 في الحاشية.
(1/759)
على ظهره من الأسفار، وقوله: وَاتَّبَعَ
هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ
يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف/ 176] فإنه شبّهه
بملازمته واتّباعه هواه وقلّة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل
اللهث على جميع الأحوال. وقوله:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً
[البقرة/ 17] ، فإنه شبّه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية
والمعارف، فأضاعه ولم يتوصّل به إلى ما رشّح له من نعيم الأبد
بمن استوقد نارا في ظلمة، فلمّا أضاءت له ضيّعها ونكس فعاد في
الظّلمة، وقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ
الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً
[البقرة/ 171] فإنه قصد تشبيه المدعوّ بالغنم، فأجمل وراعى
مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ، وبسط الكلام: مثل راعي
الذين كفروا والّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بالغنم، ومثل الغنم
التي لا تسمع إلّا دعاء ونداء. وعلى هذا النحو قوله: مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ
سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
[البقرة/ 261] ومثله قوله:
َلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ
رِيحٍ فِيها صِرٌّ
[آل عمران/ 117] وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله. والمِثَالُ:
مقابلة شيء بشيء هو نظيره، أو وضع شيء مّا ليحتذى به فيما
يفعل، والْمُثْلَةُ: نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به
غيره، وذلك كالنّكال، وجمعه مُثُلَاتٌ ومَثُلَاتٌ، وقد قرئ:
مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد/ 6] ، و (الْمَثْلَاتُ)
«1» بإسكان الثّاء على التّخفيف. نحو: عَضُدٍ وعَضْدٍ، وقد
أَمْثَلَ السّلطان فلانا: إذا نكّل به، والأَمْثلُ يعبّر به عن
الأشبه بالأفاضل، والأقرب إلى الخير، وأَمَاثِلُ القومِ: كناية
عن خيارهم، وعلى هذا قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ
طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً
[طه/ 104] ، وقال:
وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى
[طه/ 63] أي:
الأشبه بالفضيلة، وهي تأنيث الأمثل.
مجد
الْمَجْدُ: السّعة في الكرم والجلال، وقد تقدّم الكلام في
الكرم. يقال: مَجَدَ يَمْجُدُ مَجْداً ومَجَادَةً، وأصل المجد
من قولهم: مَجَدَتِ الإبلُ «2» : إذا حَصَلَتْ في مرعًى كثيرٍ
واسعٍ، وقد أَمْجَدَهَا الرّاعي، وتقول العرب: في كلّ شجر
نارٌ، واسْتَمْجَدَ المرْخُ والعَفَارُ «3» ، وقولهم في صفة
الله تعالى: الْمَجِيدُ. أي: يجري السّعة في
__________
(1) وهي لغة بني تميم. وهي قراءة شاذة قرأ بها الأعمش.
انظر: تفسير القرطبي 9/ 285، وإعراب القرآن للنحاس 2/ 166،
ومعاني الفراء 2/ 59.
(2) انظر: الأفعال 4/ 154.
(3) المثل يضرب في تفضيل الرجال بعضهم على بعض. انظر: مجمع
الأمثال 2/ 74، والمستقصى 2/ 183، وجمهرة الأمثال 2/ 292،
ومجمل اللغة 3/ 823، وديوان الأدب 1/ 101، وفصل المقال ص 202.
(1/760)
بذل الفضل المختصّ به «1» . وقوله في صفة
القرآن: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
[ق/ 1] «2» فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمّن من المكارم الدّنيويّة
والأخرويّة، وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ
كَرِيمٌ [الواقعة/ 77] ، وعلى نحوه: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ
[البروج/ 21] ، وقوله: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ
[البروج/ 15] فوصفه بذلك لسعة فيضه وكثرة جوده، وقرئ: المجيد
«3» بالكسر فلجلالته وعظم قدره، وما أشار إليه النبيّ صلّى
الله عليه وسلم بقوله: «ما الكرسيّ في جنب العرش إلّا كحلقة
ملقاة في أرض فلاة» «4» ، وعلى هذا قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل/ 26] والتَّمْجِيدُ من
العبد لله بالقول، وذكر الصّفات الحسنة، ومن الله للعبد
بإعطائه الفضل.
محص
أصل المَحْصِ: تخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص، لكن الفحص
يقال في إبراز شيء من أثناء ما يختلط به، وهو منفصل عنه،
والمَحْصُ يقال في إبرازه عمّا هو متّصل به، يقال: مَحَصْتُ
الذّهب ومَحَّصْتُهُ: إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث. قال
تعالى: وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
[آل عمران/ 141] ، وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ [آل
عمران/ 154] ، فَالتَّمْحِيصُ هاهنا كالتّزكية والتّطهير ونحو
ذلك من الألفاظ.
ويقال في الدّعاء: (اللهمّ مَحِّصْ عنّا ذنوبنا) «5» أي: أزل
ما علق بنا من الذّنوب. ومَحَصَ الثّوبُ «6» : إذا ذهب
زِئبِرُهُ «7» ، ومَحَصَ الحبل يَمْحَصُ: أخلق حتى يذهب عنه
وبره، ومَحَصَ الصّبيُّ: إذا عدا.
محق
المَحْقُ: النّقصان، ومنه: المِحَاقُ، لآخر الشهر إذا
انْمَحَقَ الهلال، وامْتَحَقَ، وانْمَحَقَ، يقال: مَحَقَهُ:
إذا نقصه وأذهب بركته. قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ
[البقرة/ 276] ، وقال: وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ
[آل عمران/ 141] .
__________
(1) انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 57، والمنهاج في شعب
الإيمان للحليمي 1/ 197.
(2) وقال البيهقي: قيل في تفسيرها: إنّ معناه الكريم، وقيل:
الشريف. الأسماء والصفات ص 57. [.....]
(3) وبها قرأ حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 436.
(4) الحديث تقدّم في مادة (عرش) .
(5) انظر: البصائر 4/ 486.
(6) انظر: اللسان (محص) ، والمجمل 3/ 824.
(7) الزّئبر بالكسر: ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز.
وقال أبو زيد: زئبر الثوب وزغبره. اللسان (زأبر) .
(1/761)
محل
قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ
[الرعد/ 13] أي: الأخذ بالعقوبة، قال بعضهم: هو من قولهم
مَحَلَ به مَحْلًا ومِحَالًا:
إذا أراده بسوء، قال أبو زيد: مَحَلَ الزّمانُ:
قحط «1» ، ومكان ماحل ومتماحل، وأمحلت الأرض، والمَحَالة:
فقارة الظّهر، والجمع:
المحالّ، ولَبَنٌ مُمَحَّلٌ: قد فسد، ويقال: مَاحَلَ عنه. أي:
جادل عنه، ومَحَلَ به إلى السّلطانِ:
إذا سعى به، وفي الحديث: «لا تجعل القرآن مَاحِلًا بنا» «2»
أي: يظهر عندك معايبنا، وقيل:
بل المِحَال من الحول والحيلة، والميم فيه زائدة.
محن
المَحْن والامتحان نحو الابتلاء، نحو قوله تعالى:
فَامْتَحِنُوهُنَ
[الممتحنة/ 10] وقد تقدّم الكلام في الابتلاء. قال تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى
[الحجرات/ 3] ، وذلك نحو: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ
بَلاءً حَسَناً [الأنفال/ 17] وذلك نحو قوله: إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الآية [الأحزاب/ 33] .
محو
المَحْو: إزالة الأثر، ومنه قيل للشّمال:
مَحْوَةٌ، لأنها تَمْحُو السّحاب والأثر. قال تعالى:
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ
[الرعد/ 39] .
مخر
مَخْرُ الماءِ للأرض: استقبالها بالدّور فيها.
يقال: مَخَرَتِ السّفينةُ مَخْراً ومُخُوراً: إذا شقّت الماء
بجؤجئها «3» مستقبلة له، وسفينة مَاخِرة، والجمع: المَوَاخِر.
قال: وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ
[النحل/ 14] ويقال: استمخرت الرّيحَ، وامتخرتها: إذا استقبلتها
بأنفك، وفي الحديث: «استمخروا الرّيحَ وأعدّوا النّبل» «4» أي:
في الاستنجاء، والماخور: الموضع الذي يباع فيه الخمر، وبناتُ
مَخْرٍ سحائب تنشأ صيفا «5» .
__________
(1) انظر: الأفعال 4/ 149.
(2) انظر: النهاية 4/ 303، وغريب القرآن لليزيدي ص 193. قال
ابن حجر بعد ذكر هذا الحديث: قلت: الذي في الحديث: «القرآن
شافع مشفع وماحل مصدّق» أخرجه ابن حبان. انظر: تخريج أحاديث
الكشاف ص 91.
(3) الجؤجؤ: الصدر.
(4) قال ابن الأثير: ومنه حديث سراقة: «إذا أتى أحدكم الغائط
فليفعل كذا وكذا، واستمخروا الريح» . ورواه الزمخشري، فقال:
سراقة بن جعشم قال لقومه: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة
الله ولا يستدبرها، وليتق مجالس اللعن: الطريق والظل والنهر،
واستمخروا الريح، واستشبوا على أسوقكم، وأعدوا النبل. انظر:
النهاية 4/ 305، والفائق 3/ 350، ومجمع الزوائد 1/ 209، وأخرجه
ابن أبي حاتم في علله 1/ 36، وكنز العمال 9/ 361، وعزاه لحرب
بن إسماعيل في مسائله.
(5) انظر: اللسان (مخر) ، والمجمل 3/ 825، وراجع مادة (بحر)
وتعليقنا على ذلك.
(1/762)
مد
أصل المَدّ: الجرّ، ومنه: المُدّة للوقت الممتدّ، ومِدَّةُ
الجرحِ، ومَدَّ النّهرُ، ومَدَّهُ نهرٌ آخر، ومَدَدْتُ عيني
إلى كذا. قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ
الآية [طه/ 131] . ومَدَدْتُهُ في غيّه، ومَدَدْتُ الإبلَ:
سقيتها المَدِيدَ، وهو بزر ودقيق يخلطان بماء، وأَمْدَدْتُ
الجيشَ بِمَدَدٍ، والإنسانَ بطعامٍ. قال تعالى: أَلَمْ تَرَ
إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ
[الفرقان/ 45] .
وأكثر ما جاء الإمْدَادُ في المحبوب والمدُّ في المكروه نحو:
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ
[الطور/ 22] أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ
وَبَنِينَ
[المؤمنون/ 55] ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ
[نوح/ 12] ، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ الآية
[آل عمران/ 125] ، أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ
[النمل/ 36] ، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا
[مريم/ 79] ، وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ
[البقرة/ 15] ، وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ
[الأعراف/ 202] ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ
سَبْعَةُ أَبْحُرٍ
[لقمان/ 27] فمن قولهم: مَدَّهُ نهرٌ آخرُ، وليس هو مما ذكرناه
من الإمدادِ والمدِّ المحبوبِ والمكروهِ، وإنما هو من قولهم:
مَدَدْتُ الدّواةَ أَمُدُّهَا «1» ، وقوله: وَلَوْ جِئْنا
بِمِثْلِهِ مَدَداً
[الكهف/ 109] والمُدُّ من المكاييل معروف.
مدن
المَدينة فَعِيلَةٌ عند قوم، وجمعها مُدُن، وقد مَدَنْتُ
مَدِينةً، وناس يجعلون الميم زائدة، قال تعالى: وَمِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ [التوبة/ 101] قال:
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى [يس/ 20] ،
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها
[القصص/ 15] .
مرر
المُرُورُ: المضيّ والاجتياز بالشيء. قال تعالى: وَإِذا
مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ
[المطففين/ 30] ، وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً
[الفرقان/ 72] تنبيها أنّهم إذا دفعوا إلى التّفوّه باللغو
كنّوا عنه، وإذا سمعوه تصامموا عنه، وإذا شاهدوه أعرضوا عنه،
وقوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ
يَدْعُنا
[يونس/ 12] فقوله: مَرَّ هاهنا كقوله: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى
الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ [الإسراء/ 83]
وأمْرَرْتُ الحبلَ: إذا فتلته، والمَرِيرُ والمُمَرُّ:
المفتولُ، ومنه: فلان ذو مِرَّةٍ، كأنه محكم الفتل. قال: ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوى
[النجم/ 6] .
ويقال: مَرَّ الشيءُ، وأَمَرَّ: إذا صار مُرّاً، ومنه
__________
(1) قال السرقسطي: مددت الدّواة مدّا، وأمددتها: جعلت فيها
المداد. الأفعال 4/ 138.
(1/763)
يقال: فلان ما يُمِرُّ وما يحلي «1» ،
وقوله تعالى:
حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ
[الأعراف/ 189] قيل: استمرّت. وقولهم: مَرَّةً ومرّتين،
كفَعْلَة وفَعْلَتين، وذلك لجزء من الزمان. قال:
يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ [الأنفال/ 56] ،
وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [التوبة/ 13] ، إِنْ
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة/ 80] ،
إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [التوبة/
83] ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ [التوبة/ 101] ، وقوله:
ثَلاثَ مَرَّاتٍ
[النور/ 58] .
مرج
أصل المَرْج: الخلط، والمرج الاختلاط، يقال: مَرِجَ أمرُهم «2»
: اختلط، ومَرِجَ الخاتَمُ في أصبعي، فهو مارجٌ، ويقال: أمرٌ
مَرِيجٌ. أي:
مختلط، ومنه غصنٌ مَرِيجٌ: مختلط، قال تعالى:
فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق/ 5] والمَرْجان:
صغار اللّؤلؤ. قال: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ
[الرحمن/ 19] من قولهم: مَرَجَ.
ويقال للأرض التي يكثر فيها النّبات فتمرح فيه الدّواب:
مَرْجٌ، وقوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ
[الرحمن/ 15] أي: لهيب مختلط، وأمرجت الدّابّةَ في المرعى:
أرسلتها فيه فَمَرَجَتْ.
مرح
المَرَحُ: شدّة الفرح والتّوسّع فيه، قال تعالى:
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً
[الإسراء/ 37] وقرئ: (مَرِحاً) «3» أي: فَرِحاً، ومَرْحَى:
كلمة تعجّب.
مرد
قال الله تعالى: وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ
[الصافات/ 7] والمارد والمَرِيد من شياطين الجنّ والإنس:
المتعرّي من الخيرات.
من قولهم: شجرٌ أَمْرَدُ: إذا تعرّى من الورق، ومنه قيل: رملةٌ
مَرْدَاءُ: لم تنبت شيئا، ومنه:
الأمرد لتجرّده عن الشّعر. وروي: «أهل الجنّة مُرْدٌ» «4»
فقيل: حمل على ظاهره، وقيل: معناه:
معرون من الشّوائب والقبائح، ومنه قيل: مَرَدَ فلانٌ عن
القبائح، ومَرَدَ عن المحاسن وعن الطاعة. قال تعالى: وَمِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ
[التوبة/ 101] أي: ارتكسوا عن الخير وهم على النّفاق، وقوله:
مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
[النمل/ 44] أي: مملّس. من قولهم:
__________
(1) في اللسان: وفلان ما يمرّ وما يحلي. أي: ما يضرّ ولا ينفع.
السان (مرر) .
(2) انظر: الأفعال 4/ 159، واللسان (مرج) .
(3) وهي قراءة شاذة قرأ بها يعقوب من غير طريق الطيبة. انظر:
إعراب القرآن للنحاس 2/ 241. [.....]
(4) عن معاذ بن جبل أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «يدخل
أهل الجنّة الجنّة جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاثين أو ثلاث
وثلاثين سنة» أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب (انظر: عارضة
الأحوذي 20/ 14 وأحمد 2/ 295.
(1/764)
شجرةٌ مَرْدَاءُ: إذا لم يكن عليها ورق،
وكأنّ المُمَرَّدَ إشارة إلى قول الشاعر:
421-
في مجدل شيّد بنيانه ... يزلّ عنه ظفر الظّافر
«1» ومَارِدٌ: حصن معروف «2» ، وفي الأمثال:
تَمرَّدَ ماردٌ وعزّ الأبلق «3» ، قاله ملك امتنع عليه هذان
الحصنان.
مرض
الْمَرَضُ: الخروج عن الاعتدال الخاصّ بالإنسان، وذلك ضربان:
الأوّل: مَرَضٌ جسميٌّ، وهو المذكور في قوله تعالى: وَلا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ
[النور/ 61] ، وَلا عَلَى الْمَرْضى
[التوبة/ 91] .
والثاني: عبارة عن الرّذائل كالجهل، والجبن، والبخل، والنّفاق،
وغيرها من الرّذائل الخلقيّة.
نحو قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً
[البقرة/ 10] ، أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا
[النور/ 50] ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة/ 125] . وذلك
نحو قوله: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً [المائدة/ 64]
ويشبّه النّفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض، إما لكونها
مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل،
وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخرويّة المذكورة في
قوله: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت/ 64] ، وإمّا لميل النّفس بها
إلى الاعتقادات الرّديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء
المضرّة، ولكون هذه الأشياء متصوّرة بصورة المرض قيل: دوي صدر
فلان، ونغل قلبه. وقال عليه الصلاة والسلام:
«وأيّ داء أدوأ من البخل؟» «4» ، ويقال: شمسٌ مريضةٌ: إذا لم
تكن مضيئة لعارض عرض لها، وأمرض فلان في قوله: إذا عرّض،
والتّمريض القيام على المريض، وتحقيقه: إزالة المرض عن المريض
كالتّقذية في إزالة القذى عن العين.
__________
(1) البيت للأعشى من قصيدة مطلعها:
شاقتك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر
وهو في ديوانه ص 96، والمساعد شرح تسهيل الفوائد 1/ 526.
(2) هو حصن بدومة الجندل.
(3) في مارد والأبلق قالت الزّباء- وقد غزتهما فامتنعا عليها:
تمرّد مارد، وعزّ الأبلق.
فصارت مثلا لكل عزيز ممتنع. انظر: معجم البلدان 5/ 38، واللسان
(مرد) ، وتهذيب اللغة 14/ 119.
(4) قال أبو هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من
سيدكم يا بني سلمة؟» قالوا: سيدنا جدّ بن قيس إلا أنّه رجل فيه
بخل، فقال صلّى الله عليه وسلم: «وأيّ داء أدوأ من البخل!؟ بل
سيدكم بشر بن البراء» أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 219، وقال:
صحيح على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي.
(1/765)
مرأ
يقال: مَرْءٌ، ومَرْأَةٌ، وامْرُؤٌ، وامْرَأَةٌ. قال تعالى:
إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء/ 176] ، وَكانَتِ امْرَأَتِي
عاقِراً [مريم/ 5] .
والمُرُوءَةُ: كمال المرء، كما أنّ الرّجوليّة كمال الرّجل،
والمَرِيء: رأس المعدة والكرش اللّاصق بالحلقوم، ومَرُؤَ
الطعامُ وأَمْرَأَ: إذا تخصّص بالمريء لموافقة الطّبع، قال
تعالى:
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء/ 4] .
مرى
المِرْيَةُ: التّردّد في الأمر، وهو أخصّ من الشّكّ. قال
تعالى: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ
[الحج/ 55] ، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ
[هود/ 109] ، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [السجدة/
23] ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ
[فصلت/ 54] والامتراء والمُمَارَاة: المحاجّة فيما فيه مرية.
قال تعالى:
قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ
[مريم/ 34] ، بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ [الحجر/ 63] ،
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى
[النجم/ 12] ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً
[الكهف/ 22] وأصله من: مَرَيْتُ النّاقةَ: إذا مسحت ضرعها
للحلب.
مريم
مريم: اسم أعجميّ، اسم أمّ عيسى عليه السلام» .
مزن
المُزْن: السّحاب المضيء، والقطعة منه:
مُزْنَةٌ. قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ
الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [الواقعة/ 69] ويقال
للهلال الذي يظهر من خلال السّحاب: ابن مزنة، وفلان يتمزّن،
أي: يتسخّى ويتشبّه بالمزن، ومزّنت فلاناً: شبّهته بالمزن،
وقيل: المازن:
بيض النمل.
مزج
مَزَجَ الشّرابَ: خلطه، والمِزَاجُ: ما يمزج به.
قال تعالى: كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان/ 5] ، وَمِزاجُهُ
مِنْ تَسْنِيمٍ [المطففين/ 27] ، كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا
[الإنسان/ 17] .
مسس
المسّ كاللّمس لكن اللّمس قد يقال لطلب الشيء وإن لم يوجد، كما
قال الشاعر:
__________
(1) فائدة: قال التلمساني: لم يذكر الله امرأة في القرآن
باسمها إلا مريم، ذكرها في نحو ثلاثين موضعا. والحكمة فيه:
أنّ الملوك والأشراف لا يذكرون حرائر زوجاتهم بأسمائهن، بل
يكنّون عنهم بالأهل والعيال ونحوه، فإذا ذكروا الإماء لم
يكنّوا، ولم يحتشموا عن التصريح، فلذا صرّح باسمها إشارة إلى
أنها أمة من إماء الله، وابنها عبد من عبيد الله، ردّا على
اليهود الذين قالوا في عيسى عليه السلام وأمه ما قالوا. انظر:
شرح الشفاء للخفاجي 1/ 136.
(1/766)
422-
وألمسه فلا أجده
«1» والمسّ يقال فيما يكون معه إدراك بحاسّة اللّمس، وكنّي به
عن النكاح، فقيل: مسّها وماسّها، قال تعالى: وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ
[البقرة/ 237] ، وقال: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة/ 236] ، وقرئ: ما لم
تماسّوهنّ «2» ، وقال: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ
يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
[آل عمران/ 47] والمسيس كناية عن النّكاح، وكنّي بالمسّ عن
الجنون.
قال تعالى: الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ
[البقرة/ 275] والمسّ يقال في كلّ ما ينال الإنسان من أذى. نحو
قوله: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً
مَعْدُودَةً
[البقرة/ 80] ، وقال: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ
[البقرة/ 214] ، وقال: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر/ 48] ،
مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء/ 83] ، مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ
[ص/ 41] ، مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا [يونس/
21] ، وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ
تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء/ 67] .
مسح
المَسْحُ: إمرار اليد على الشيء، وإزالة الأثر عنه، وقد يستعمل
في كلّ واحد منهما. يقال:
مسحت يدي بالمنديل، وقيل للدّرهم الأطلس:
مسيح، وللمكان الأملس: أمسح، ومسح الأرضَ: ذرعها، وعبّر عن
السّير بالمسح كما عبّر عنه بالذّرع، فقيل: مسح البعيرُ
المفازةَ وذرعها، والمسح في تعارف الشرع: إمرار الماء على
الأعضاء. يقال: مسحت للصلاة وتمسّحت، قال تعالى: وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
[المائدة/ 6] . ومسحته بالسيف: كناية عن الضرب، كما يقال:
مسست، قال تعالى:
فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ [ص/ 33] ، وقيل
سمّي الدّجّال مَسِيحاً، لأنّه ممسوح أحد شقّي وجهه، وهو أنه
روي «أنه لا عين له ولا حاجب» «3» ، وقيل: سمّي عيسى عليه
السلام مسيحا لكونه ماسحا في الأرض، أي: ذاهبا فيها، وذلك أنه
كان في زمانه قوم يسمّون المشّاءين والسّيّاحين لسيرهم في
الأرض، وقيل: سمّي به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل:
سمّي بذلك لأنه خرج من بطن أمّه ممسوحا بالدّهن. وقال بعضهم
«4» : إنما كان مشوحا بالعبرانيّة، فعرّب فقيل المسيح وكذا
موسى كان موشى «5» . وقال بعضهم: المسيح: هو
__________
(1) الشطر تقدّم في مادة (لمس) .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 159.
(3) لم أجده في كتب الحديث، وذكره الزمخشري في الفائق 3/ 366،
والسمين في العمدة: مسح.
(4) وهذا قول أبي عبيد، نقله عنه الأزهري في تهذيب اللغة 4/
348.
(5) انظر المنتخب من غريب كلام العرب 2/ 603.
(1/767)
الذي مسحت إحدى عينيه، وقد روي: «إنّ
الدّجّال ممسوح اليمنى» «1» و «عيسى ممسوح اليسرى» «2» . قال:
ويعني بأنّ الدّجّال قد مسحت عنه القوّة المحمودة من العلم
والعقل والحلم والأخلاق الجميلة، وأنّ عيسى مسحت عنه القوّة
الذّميمة من الجهل والشّره والحرص وسائر الأخلاق الذّميمة.
وكنّي عن الجماع بالمسح، كما كنّي عنه بالمسّ واللّمس، وسمّي
العرق القليل مسيحا، والمِسْحُ: البِلَاسُ. جمعه:
مُسُوح وأَمساح، والتِّمْسَاح معروف، وبه شبّه المارد من
الإنسان.
مسخ
المسخ: تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة. قال
بعض الحكماء: المسخ ضربان: مسخ خاصّ يحصل في الفينة بعد الفينة
وهو مسخ الخَلْقِ، ومسخ قد يحصل في كلّ زمان وهو مسخ الخُلُقِ،
وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض
الحيوانات. نحو أن يصير في شدّة الحرص كالكلب، وفي الشّره
كالخنزير، وفي الغمارة كالثّور، قال: وعلى هذا أحد الوجهين في
قوله تعالى: وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ
[المائدة/ 60] ، وقوله:
لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ
[يس/ 67] ، يتضمّن الأمرين وإن كان في الأوّل أظهر، والمسيخ من
الطعام ما لا طعم له. قال الشاعر:
423-
وأنت مسيخ كلحم الحوار
«3» ومسخت الناقة: أنضيتها وأزلتها حتى أزلت خلقتها عن حالها،
والماسخيّ: القوّاس، وأصله كان قوّاس منسوبا إلى ماسخةَ، وهي
قبيلة فسمّي كلّ قوّاس به، كما سمّي كلّ حدّاد بالهالكيّ.
مسد
المَسَدُ: ليف يتّخذ من جريد النخل، أي:
من غصنه فيُمْسَدُ، أي: يفتل. قال تعالى:
حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد/ 5] ، وامرأةٌ مَمْسُودَةٌ: مطويّة
الخلق كالحبل الممسود.
مسك
إمساك الشيء: التعلّق به وحفظه. قال تعالى: فَإِمْساكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 229] ، وقال:
وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ
[الحج/ 65] ، أي: يحفظها،
__________
(1) عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه سئل عن
الدجال فقال: «ألا إنّ ربكم ليس بأعور، ألا وإنّه أعور، عينه
اليمنى كأنها عنبة طافية» أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح
غريب. (انظر: عارضة الأحوذي 9/ 96) .
(2) وهذا من الأباطيل التي لا تصح، فإنّ الأنبياء من شروطهم
سلامة الحواس، وكمال الخلقة، والبعد عن الأمور المنفّرة، ولو
كان عيسى كذلك لكان مشوّها، حاشاه عن ذلك.
(3) الشطر للأشعر الرقباني، وعجزه:
فلا أنت حلو ولا أنت مر
وهو في المجمل 3/ 831، واللسان (مسخ) ، والبصائر 4/ 506.
[.....]
(1/768)
واستمسَكْتُ بالشيء: إذا تحرّيت الإمساك.
قال تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ
[الزخرف/ 43] ، وقال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ
فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ
[الزخرف/ 21] ، ويقال: تمَسَّكْتُ به ومسكت به، قال تعالى:
وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
[الممتحنة/ 10] .
يقال: أَمْسَكْتُ عنه كذا، أي: منعته. قال:
هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ
[الزمر/ 38] ، وكنّي عن البخل بالإمساك. والمُسْكَةُ من الطعام
والشراب: ما يُمْسِكُ الرّمقَ، والمَسَكُ: الذَّبْلُ المشدود
على المعصم، والمَسْكُ: الجِلْدُ الممسكُ للبدن.
مشج
قال تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ
[الإنسان/ 2] . أي: أخلاط من الدّم، وذلك عبارة عمّا جعله الله
تعالى بالنّطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ إلى قوله
خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون/ 12- 14] «1» .
مشى
المشي: الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة. قال الله تعالى:
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ
[البقرة/ 20] ، وقال: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ
[النور/ 45] ، إلى آخر الآية. يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً
[الفرقان/ 63] ، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها
[الملك/ 15] ، ويكنّى بالمشي عن النّميمة. قال تعالى: هَمَّازٍ
مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ
[القلم/ 11] ، ويكنّى به عن شرب المسهل، فقيل: شربت مِشْياً
ومَشْواً، والماشية: الأغنام، وقيل: امرأة ماشية: كثر أولادها.
مصر
المِصْرُ اسم لكلّ بلد ممصور، أي: محدود، يقال: مَصَرْتُ
مَصْراً. أي: بنيته، والمِصْرُ:
الحدُّ، وكان من شروط هجر: اشترى فلان الدّار بِمُصُورِهَا.
أي: حدودها «2» . قال الشاعر:
424-
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد
فصلا
«3» وقوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً
[البقرة/ 61] فهو البلد المعروف، وصرفه لخفّته، وقيل:
بل عنى بلدا من البلدان. والماصر: الحاجز بين الماءين،
ومَصَرْتُ الناقةَ: إذا جمعت أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها،
ومنه قيل: لهم
__________
(1) الآية: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ
طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا
الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (سورة المؤمنون:
آيات 12- 14) .
(2) قال ابن فارس: ويقال: إنّ أهل هجر يكتبون في شروطهم: اشترى
فلان الدار بمصورها، أي: بحدودها. انظر:
المجمل 3/ 833.
(3) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 159، والبصائر 4/ 509،
والمجمل 3/ 833، واللسان (مصر) ، ونسبه لأميّة.
(1/769)
غلة يمتصرونها «1» . أي: يحتلبون منها
قليلا قليلا، وثوب ممصّر: مُشَبَّع الصَّبْغ، وناقة مَصُورٌ:
مانع للّبن لا تسمح به، وقال الحسن: لا بأس بكسب التّيّاس ما
لم يَمْصُرْ ولم يبسر «2» ، أي: يحتلب بإصبعيه، ويبسر على
الشاة قبل وقتها. والمَصِيرُ: المِعَى، وجمعه مُصْرَانُ، وقيل:
بل هو مفعل من صار، لأنه مستقرّ الطعام.
مضغ
المُضْغَةُ: القطعة من اللّحم قدر ما يُمْضَغُ ولم ينضج. قال
الشاعر:
425-
يلجلج مضغة فيها أنيض
«3» أي: غير منضج، وجعل اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين
بعد العلقة. قال تعالى:
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظاماً [المؤمنون/ 14] ، وقال: مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ [الحج/ 5] . والمضاغة: ما يبقى عن المَضْغ في
الفم، والمَاضِغان: الشّدقان لمضغهما الطّعام، والمَضَائِغ:
العقبات اللّواتي على طرفي هيئة القوس الواحدة مَضِيغَة.
مضى
المُضِيُّ والمَضَاءُ: النّفاذ، ويقال ذلك في الأعيان
والأحداث. قال تعالى: وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ
[الزخرف/ 8] ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ
[الأنفال/ 38] .
مطر
المَطَر: الماء المنسكب، ويومٌ مَطِيرٌ وماطرٌ، ومُمْطِرٌ،
ووادٍ مَطِيرٌ. أي: مَمْطُورٌ، يقال: مَطَرَتْنَا السماءُ
وأَمْطَرَتْنَا، وما مطرت منه بخير، وقيل: إنّ «مطر» يقال في
الخير، و «أمطر» في العذاب، قال تعالى: وَأَمْطَرْنا
عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [الشعراء/
173] ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ [الأعراف/ 84] ، وَأَمْطَرْنا
عَلَيْهِمْ حِجارَةً [الحجر/ 74] ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا
حِجارَةً مِنَ السَّماءِ
[الأنفال/ 32] ، ومَطَّر، وتَمَطَّرَ: ذهب في الأرض ذهاب
المطر، وفرسٌ مُتَمَطِّرٌ. أي: سريع كالمطر، والمستمطر: طالب
المطر والمكان الظاهر للمطر، ويعبّر به عن طالب الخير، قال
الشاعر:
__________
(1) قال في اللسان: والتمصر: حلب بقايا اللبن في الضرع بعد
الدّر، وصار مستعملا في تتبع القلّة. يقولون:
يمتصرونها. اللسان (مصر) .
وقال الزمخشري: ومنه قولهم: لبني فلان غلّة يمتصرونها، أي: لا
تجدي عليه تلك الكلمة، وهو يهلك إن نشرت عنه. انظر: الفائق 3/
370.
(2) راجع: النهاية لابن الأثير 1/ 126، 4/ 336.
(3) الشطر لزهير في ديوانه ص 14، وعجزه:
أصلّت فهي تحت الكشح داء
وقد تقدم في مادة (لج) .
(1/770)
426-
فؤاد خطاء وواد مطر
«1»
مطى
قال تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى
[القيامة/ 33] أي: يمدّ مَطَاهُ، أي: ظهرَه، والمَطِيَّة: ما
يركب مطاه من البعير، وقد امتطيته ركبت مطاه، والمِطْوُ:
الصاحبُ المعتمد عليه، وتسميته بذلك كتسميته بالظّهر.
مع
«2» «مع» يقتضي الاجتماع إمّا في المكان: نحو:
هما معا في الدار، أو في الزمان. نحو: ولدا معا، أو في المعنى
كالمتضايفين نحو: الأخ والأب، فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال
ما صار الآخر أخاه، وإما في الشّرف والرّتبة. نحو:
هما معا في العلوّ، ويقتضي معنى النّصرة [وأنّ المضاف إليه لفظ
«مع» هو المنصور] «3» نحو قوله تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] أي: الذي مع يضاف إليه في قوله:
الله معنا هو منصور. أي: ناصرنا، وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا [النحل/ 128] ، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما
كُنْتُمْ [الحديد/ 4] ، وإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
[البقرة/ 153] ، وأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة/
194] وقوله عن موسى:
إِنَّ مَعِي رَبِّي [الشعراء/ 62] . ورجلٌ إِمَّعَةٌ: من شأنه
أن يقول لكلّ واحد: أنا معك.
والْمَعْمَعَةُ: صوت الحريق والشّجعان في الحرب،
والْمَعْمَعَانُ: شدّة الحرب.
معز
قال تعالى: وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
[الأنعام/ 143] والْمَعِيزُ: جماعة المعز، كما يقال: ضئين
لجماعة الضّأن، ورجل ماعز: معصوب الخلق، والأَمْعَز
والمِعْزَاء: المكان الغليظ، واسْتَمْعَزَ في أمره: جدّ «4» .
معن
مَاءٌ مَعِينٌ. هو من قولهم: مَعَنَ الماءُ: جرى، فهو معين،
ومجاري الماء مُعْنَانٌ، وأمعن الفرسُ: تباعد في عدوه، وأمعن
بحقّي: ذهب، وفلان مَعَنَ في حاجته، وقيل: ماء معين «5» هو من
العين، والميم زائدة فيه.
__________
(1) هذا عجز بيت لامرئ القيس، وصدره:
لها وثبات كوثب الظباء
وهو من قصيدة مطلعها:
أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
وهو في ديوانه ص 72.
(2) نقل الزركشي هذا الباب في البرهان 4/ 428.
(3) ما بين [] نقله السيوطي في معترك الأقران 2/ 555.
(4) انظر: الجمهرة 3/ 34، والمجمل 3/ 835.
(5) انظر اللسان: عين.
(1/771)
مقت
المَقْتُ: البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح. يقال: مَقَتَ
مَقاتَةً فهو مَقِيتٌ، ومقّته فهو مَقِيتٌ ومَمْقُوتٌ. قال
تعالى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا
[النساء/ 22] وكان يسمّى تزوّج الرّجل امرأة أبيه نكاح المقت،
وأما المقيت فمفعل من القوت، وقد تقدّم «1» .
مكك
اشتقاق مكّة من: تمكّكت العظم: أخرجت مخّه، وامتكّ الفصيل ما
في ضرع أمّه، وعبّر عن الاستقصاء بالتّمكّك وروي أنه قال عليه
الصلاة والسلام: «لا تمكّوا على غرمائكم» «2» وتسميتها بذلك
لأنها كانت تمكّ من ظلم بها. أي: تدقّه وتهلكه «3» . قال
الخليل «4» : سمّيت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخّ الذي هو أصل
ما في العظم، والمَكُّوك: طاس يشرب به ويكال كالصّواع.
مكث
المكث: ثبات مع انتظار، يقال: مَكَثَ مكثا.
قال تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل] [22] ، وقرئ: مكث
«5» ، قال: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ
[الزخرف/ 77] ، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا
[القصص/ 29] .
مكر
المَكْرُ: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود،
وذلك أن يتحرّى بذلك فعل جميل، وعلى ذلك قال: وَاللَّهُ خَيْرُ
الْماكِرِينَ
[آل عمران/ 54] . ومذموم، وهو أن يتحرّى به فعل قبيح، قال
تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
[فاطر/ 43] ، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
[الأنفال/ 30] ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ
[النمل/ 51] . وقال في الأمرين: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا
مَكْراً
[النمل/ 50] وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من
أعراض الدّنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسّع
عليه دنياه ولم يعلم أنّه مُكِرَ به فهو مخدوع عن عقله «6» .
مكن
المَكَان عند أهل اللّغة: الموضع الحاوي
__________
(1) راجع: مادة (قوت) .
(2) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 3/ 122، والفائق 3/
42.
(3) قال ابن منظور: سميت مكة لأنها كانت تمك من ظلم فيها
وألحد. أي: تهلكه. قال الراجز:
يا مكة، الفاجر مكّي مكّا ... ولا تمكّي مذحجا وعكّا
[.....]
(4) العين 2/ 287.
(5) وهي قراءة جميع القرّاء إلا عاصما وروحا. الإتحاف ص 335.
(6) انظر: البصائر 4/ 516، وتفسير الراغب ورقة 139.
(1/772)
للشيء، وعند بعض المتكلّمين أنّه عرض، وهو
اجتماع جسمين حاو ومحويّ، وذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا
بالمحويّ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين. قال:
مَكاناً سُوىً [طه/ 58] ، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً
ضَيِّقاً [الفرقان/ 13] ويقال: مَكَّنْتُه ومكّنت له فتمكّن،
قال: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ
[الأعراف/ 10] ، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ
مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الأحقاف/ 26] ، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ
لَهُمْ
[القصص/ 57] ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [القصص/ 6] ،
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ
[النور/ 55] ، وقال: فِي قَرارٍ مَكِينٍ
[المؤمنون/ 13] . وأمكنت فلانا من فلان، ويقال: مكان ومكانة.
قال تعالى:
اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ [هود/ 93] وقرئ:
على مكاناتكم «1» ، وقوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ
مَكِينٍ
[التكوير/ 20] أي:
متمكّن ذي قدر ومنزلة. ومَكِنَات الطّيرِ ومَكُنَاتها:
مقارّه، والمَكْن: بيض الضّبّ، وبَيْضٌ مَكْنُونٌ
[الصافات/ 49] . قال الخليل «2» :
المكان مفعل من الكون، ولكثرته في الكلام أجري مجرى فعال «3» ،
فقيل: تمكّن وتمسكن، نحو: تمنزل.
مكا
مكا الطّير يمكو مُكَاءً: صفر، قال تعالى:
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً
وَتَصْدِيَةً [الأنفال/ 35] تنبيها أن ذلك منهم جار مجرى مكاء
الطّير في قلّة الغناء، والمُكَّاء:
طائر، ومَكَت استه: صوّتت.
ملل
المِلَّة كالدّين، وهو اسم لما شرع الله تعالى لعباده على لسان
الأنبياء ليتوصّلوا به إلى جوار الله، والفرق بينها وبين
الدّين أنّ الملّة لا تضاف إلّا إلى النّبيّ عليه الصلاة
والسلام الذي تسند إليه.
نحو: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [آل عمران/ 95] ،
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي [يوسف/ 38] ولا تكاد توجد مضافة
إلى الله، ولا إلى آحاد أمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، ولا
تستعمل إلّا في حملة الشّرائع دون آحادها، لا يقال: ملّة الله،
ولا يقال: ملّتي وملّة زيد كما يقال: دين الله ودين زيد، ولا
يقال: الصلاة ملّة الله. وأصل الملّة من: أمللت الكتاب، قال
تعالى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ
[البقرة/ 282] ، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ
__________
(1) وبها قرأ شعبة عن عاصم. انظر: الإتحاف ص 260.
(2) العين 5/ 387.
(3) وهذا النقل عن التهذيب 10/ 294.
وقال ثعلب: يبطل أن يكون مكان فعالا، لأنّ العرب تقول: كن
مكانك، وقم مكانك، واقعد مقعدك. فقد دلّ هذا على أنه مصدر من
«كان» أو موضع منه. انظر: اللسان (مكن) .
(1/773)
الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ
[البقرة/ 282] وتقال المِلَّة اعتبارا بالشيء الذي شرعه الله.
والدّين يقال اعتبارا بمن يقيمه إذ كان معناه الطاعة. ويقال:
خبزُ مَلَّةٍ، ومَلَّ خبزَه يَمَلُّهُ مَلًّا، والمليل: ما طرح
في النار، والمَلِيلَةُ: حرارة يجدها الإنسان، ومَلِلْتُ
الشيءَ أَمَلُّهُ «1» : أعرضت عنه. أي: ضجرت، وأَمْلَلْتُهُ من
كذا: حملته على أن ملّ. من قوله عليه الصلاة والسلام: «تكلّفوا
من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملّوا» «2» فإنه
لم يثبت لله مَلَالًا بل القصد أنّكم تملّون والله لا يملّ.
ملح
المِلْحُ: الماء الذي تغيّر طعمه التّغيّرَ المعروفَ وتجمّد،
ويقال له مِلْحٌ إذا تغيّر طعمه، وإن لم يتجمّد، فيقال: ماءٌ
مِلْحٌ. وقلّما تقول العرب: ماءٌ مالحٌ «3» . قال الله تعالى:
وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ [الفرقان/ 53] ومَلَّحْتُ القدرَ:
ألقيت فيها الملح، وأَمْلَحْتُهَا: أفسدتها بالملح، وسمكٌ
مَلِيحٌ، ثم استعير من لفظ الملح المَلَاحَةُ، فقيل: رجل مليح،
وذلك راجع إلى حسن يغمض إدراكه.
ملك
المَلِكُ: هو المتصرّف بالأمر والنّهي في الجمهور، وذلك يختصّ
بسياسة الناطقين، ولهذا يقال: مَلِكُ الناسِ، ولا يقال: مَلِك
الأشياءِ، وقوله: مَلِكِ يومِ الدّين [الفاتحة/ 3] فتقديره:
الملك في يوم الدين، وذلك لقوله:
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ
[غافر/ 16] . وَالمِلْكُ ضربان: مِلْك هو التملك والتّولّي،
ومِلْك هو القوّة على ذلك، تولّى أو لم يتولّ. فمن الأوّل
قوله: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها
[النمل/ 34] ، ومن الثاني قوله: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ
أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً
__________
(1) انظر: الأفعال 4/ 144.
(2) الحديث عن عائشة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم دخل
عليها، وعندها امرأة. قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من
صلاتها. قال:
«مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتى تملوا» أخرجه
البخاري في الإيمان (فتح الباري 1/ 101) ، ومسلم برقم (1158) .
(3) واستعمل هذا اللفظ الإمام الشافعي كما حكاه المزني عنه حيث
قال: (فكلّ ماء من بحر عذب أو مالح) انظر:
مختصر المزني 1/ 2.
وأنكر بعض اللغويين هذا على الشافعي، وقالوا: تقول العرب: ماء
ملح وسمك ملح، ولا تقول: ماء مالح.
وردّهم مردود بما حكاه أبو عمر الزاهد غلام ثعلب قال: سمعت
ثعلبا يقول: كلام العرب: ماء ملح وسمك ملح، وقد جاء عن العرب:
ماء مالح، وسمك مالح، وأنشد:
بصرية تزوجت بصريه ... يطعمها المالح والطريا
انظر: الرد على الانتقاد على الشافعي ص 35، وتهذيب اللغة 5/
99.
(1/774)
[المائدة/ 20] فجعل النّبوّة مخصوصة
والمِلْكَ عامّا، فإن معنى الملك هاهنا هو القوّة التي بها
يترشّح للسياسة، لا أنه جعلهم كلّهم متولّين للأمر، فذلك مناف
للحكمة كما قيل: لا خير في كثرة الرّؤساء. قال بعضهم: المَلِك
اسم لكلّ من يملك السياسة، إما في نفسه وذلك بالتّمكين من زمام
قواه وصرفها عن هواها، وإما في غيره سواء تولّى ذلك أو لم
يتولّ على ما تقدّم، وقوله:
فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء/ 54] . والمُلْكُ:
الحقّ الدّائم لله، فلذلك قال: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ [التغابن/ 1] ، وقال: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
مِمَّنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26] فالمُلْك ضبط الشيء المتصرّف
فيه بالحكم، والمِلْكُ كالجنس للمُلْكِ، فكلّ مُلْك مِلْك،
وليس كلّ مِلْك مُلْكا. قال: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26] ، وَلا
يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا
يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً
[الفرقان/ 3] ، وقال:
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ [يونس/ 31] ، قُلْ
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا
[الأعراف/ 188] وفي غيرها من الآيات. والمَلَكُوتُ: مختصّ بملك
الله تعالى، وهو مصدر مَلَكَ أدخلت فيه التاء. نحو: رحموت
ورهبوت، قال: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام/ 75] ، وقال:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
[الأعراف/ 185] والمَمْلَكة: سلطان المَلِك وبقاعه التي
يتملّكها، والمَمْلُوكُ يختصّ في التّعارف بالرقيق من الأملاك،
قال: عَبْداً مَمْلُوكاً [النحل/ 75] وقد يقال: فلان جواد
بمملوكه. أي: بما يتملّكه، والمِلْكَة تختصّ بمِلْك العبيد،
ويقال: فلان حسن الملكة. أي:
الصّنع إلى مماليكه، وخصّ ملك العبيد في القرآن باليمين، فقال:
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
[النور/ 58] ، وقوله: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء/
3] ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ [النور/ 31] ومملوك مقرّ
بالمُلُوكَةِ والمِلْكَةِ والمِلْكِ، ومِلَاكُ الأمرِ: ما
يعتمد عليه منه. وقيل: القلب ملاك الجسد، والمِلَاكُ:
التّزويج، وأملكوه: زوّجوه، شبّه الزّوج بِمَلِكٍ عليها في
سياستها، وبهذا النظر قيل: كاد العروس أن يكون مَلِكاً «1» .
ومَلِكُ الإبل والشاء ما يتقدّم ويتّبعه سائره تشبيها بالملك،
ويقال: ما لأحد في هذا مَلْكٌ ومِلْكٌ غيري. قال تعالى:
__________
(1) انظر: مجمع الأمثال 2/ 158، والعين 5/ 380.
(1/775)
ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [طه/
87] «1» وقرئ بكسر الميم «2» ، ومَلَكْتُ العجينَ: شددت عجنه،
وحائط ليس له مِلَاكٌ. أي: تماسك وأما المَلَكُ فالنحويون
جعلوه من لفظ الملائكة، وجعل الميم فيه زائدة. وقال بعض
المحقّقين:
هو من المِلك، قال: والمتولّي من الملائكة شيئا من السّياسات
يقال له: ملك بالفتح، ومن البشر يقال له: ملك بالكسر، فكلّ
مَلَكٍ ملائكة وليس كلّ ملائكة ملكا، بل الملك هو المشار إليه
بقوله: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ 5] ،
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً [الذاريات/ 4] ، وَالنَّازِعاتِ
[النازعات/ 1] ونحو ذلك، ومنه: ملك الموت، قال: وَالْمَلَكُ
عَلى أَرْجائِها [الحاقة/ 17] ، عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ
[البقرة/ 102] ، قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي
وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة/ 11] .
ملأ
المَلَأُ: جماعة يجتمعون على رأي، فيملئون العيون رواء ومنظرا،
والنّفوس بهاء وجلالا. قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ
مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة/ 246] ، وقالَ الْمَلَأُ مِنْ
قَوْمِهِ [الأعراف/ 60] ، إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
[القصص/ 20] ، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ
إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [النمل/ 29] ، وغير ذلك من الآيات.
يقال: فلان مِلْءُ العيونِ. أي: معظّم عند من رآه، كأنه ملأ
عينه من رؤيته، ومنه: قيل شابّ مَالِئُ العينِ «3» ، والملأ:
الخلق المملوء جمالا، قال الشاعر:
427-
فقلنا أحسني مَلَأً جهينا
«4» ومَالَأْتُهُ: عاونته وصرت من ملئه. أي:
جمعه. نحو: شايعته. أي: صرت من شيعته، ويقال: هو مَلِيءٌ بكذا.
والمَلَاءَةُ: الزّكام الذي يملأ الدّماغ، يقال: مُلِئَ فلانٌ
وأُمْلِئَ، والمِلْءُ:
مقدار ما يأخذه الإناء الممتلئ، يقال: أعطني ملأه ومِلْأَيْهِ
وثلاثة أَمْلَائِهِ.
ملا
الْإِمْلَاءُ: الإمداد، ومنه قيل للمدّة الطويلة مَلَاوَةٌ من
الدّهر، ومَلِيٌّ من الدّهر، قال تعالى:
__________
(1) وهي قراءة نافع وعاصم وأبي جعفر.
(2) وهي قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ويعقوب، وقرأ حمزة
والكسائي وخلف بضم الميم.
انظر: الإتحاف ص 306.
(3) قال ابن منظور: وشاب مالئ العين: إذا كان فخما حسنا.
اللسان (ملأ) .
(4) هذا عجز بيت، وصدره:
تنادوا: يا لبهثة إذ رأونا
وهو لعبد الشارق بن عبد العزى الجهني، وهو في شرح الحماسة 2/
20، واللسان (ملأ) ، والمجمل 3/ 838، وشرح مقصورة ابن دريد
لابن خالويه ص 308، وتفسير الراغب ورقة 165. [.....]
(1/776)
وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46] وتملّيت
دهراً:
أبقيت، وتملّيت الثَّوبَ: تمتّعت به طويلا، وتملَّى بكذا:
تمتّع به بملاوة من الدّهر، ومَلَاكَ اللهُ غير مهموز: عمّرك،
ويقال: عشت مليّا.
أي: طويلا، والملا مقصور: المفازة الممتدّة «1» ، والمَلَوَانِ
قيل: الليل والنهار، وحقيقة ذلك تكرّرهما وامتدادهما، بدلالة
أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر:
428-
نهار وليل دائم ملواهما ... على كلّ حال المرء يختلفان
«2» فلو كانا الليل والنهار لما أضيفا إليهما. قال تعالى:
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
[الأعراف/ 183] أي: أمهلهم، وقوله:
الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ
[محمد/ 25] أي: أمهل، ومن قرأ: أملي لهم «3» فمن قولهم:
أَمْلَيْتُ الكتابَ أُمْلِيهِ إملاءً. قال تعالى: أَنَّما
نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ
[آل عمران/ 178] . وأصل أمليت: أمللت، فقلب تخفيفا قال تعالى:
فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان/ 5] ،
وفي موضع آخر: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة/
282] .
منن
المَنُّ: ما يوزن به، يقال: مَنٌّ، ومنّان، وأَمْنَانٌ، وربّما
أبدل من إحدى النّونين ألف فقيل: مَناً وأَمْنَاءٌ، ويقال لما
يقدّر: ممنون كما يقال: موزون، والمِنَّةُ: النّعمة الثّقيلة،
ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منَّ
فلان على فلان: إذا أثقله بالنّعمة، وعلى ذلك قوله: لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران/ 164] ، كَذلِكَ
كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء/ 94]
، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ
[الصافات/ 114] ، يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ
[إبراهيم/ 11] ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا
[القصص/ 5] ، وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا لله تعالى.
والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلّا
عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المِنَّةُ تهدم الصّنيعة
«4» ، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت
المنّة. وقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ
__________
(1) انظر: المقصور والممدود للفراء ص 48.
(2) البيت في اللسان (ملا) دون نسبة. وهو لابن مقبل من قصيدة
مطلعها:
ألا يا دار الحيّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان
وهو في ديوانه ص 336، وجنى الجنتين ص 108.
(3) وهي قراءة يعقوب، بضم الهمزة وكسر اللام، وسكون الياء،
وقرأ أبو عمرو كذلك إلا أنّه فتح الياء. الإتحاف ص 394.
(4) انظر أمثال أبي عبيد ص 66، ومجمع الأمثال 2/ 287،
والمستقصى 1/ 350.
(1/777)
أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ
إِسْلامَكُمْ
[الحجرات/ 17] فالمنّة منهم بالقول، ومنّة الله عليهم بالفعل،
وهو هدايته إيّاهم كما ذكر، وقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِداءً
[محمد/ 4] فالمنّ إشارة إلى الإطلاق بلا عوض. وقوله:
هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ
[ص/ 39] أي: أنفقه، وقوله: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
[المدثر/ 6] فقد قيل: هو المنّة بالقول، وذلك أن يمتنّ به
ويستكثره، وقيل معناه: لا تعط مبتغيا به أكثر منه، وقوله:
لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
[الانشقاق/ 25] قيل: غير معدود كما قال: بِغَيْرِ حِسابٍ «1»
[الزمر/ 10] وقيل: غير مقطوع «2» ولا منقوص. ومنه قيل:
المَنُون للمَنِيَّة، لأنها تنقص العدد وتقطع المدد.
وقيل: إنّ المنّة التي بالقول هي من هذا، لأنها تقطع النّعمة
وتقتضي قطع الشّكر، وأمّا المنّ في قوله: وَأَنْزَلْنا
عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
[البقرة/ 57] فقد قيل: المنّ شيء كالطّلّ فيه حلاوة يسقط على
الشجر، والسّلوى: طائر، وقيل:
المنّ والسّلوى، كلاهما إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم، وهما
بالذّات شيء واحد لكن سماه منّا بحيث إنه امتنّ به عليهم،
وسماه سلوى من حيث إنّه كان لهم به التّسلّي. ومَنْ عبارة عن
النّاطقين، ولا يعبّر به عن غير النّاطقين إلا إذا جمع بينهم
وبين غيرهم، كقولك: رأيت مَنْ في الدّار من النّاس والبهائم،
أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم النّاطقون، كقوله تعالى:
فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي الآية [النور/ 45] . ولا يعبّر به عن
غير النّاطقين إذا انفرد، ولهذا قال بعض المحدثين «3» في صفة
أغتام نفى عنهم الإنسانية:
تخطئ إذا جئت في استفهامه بمن
تنبيها أنّهم حيوان أو دون الحيوان. ويعبّر به عن الواحد
والجمع والمذكّر والمؤنّث. قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ [الأنعام/ 25] ، وفي أخرى: مَنْ يَسْتَمِعُونَ
إِلَيْكَ [يونس/ 42] وقال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً [الأحزاب/ 31] . و:
مِنْ لابتداء الغاية، وللتّبعيض، وللتّبيين، وتكون لاستغراق
الجنس في النّفي والاستفهام. نحو:
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ [الحاقة/ 47] .
وللبدل. نحو: خذ هذا من ذلك. أي: بدله، قال تعالى: رَبَّنا
إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ
__________
(1) الآية: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ
بِغَيْرِ حِسابٍ.
(2) مجاز القرآن 2/ 292.
(3) عجز بيت نسبه المؤلف في الذريعة ص 24 للمتّنبي، ولم أجده
في ديوانه، وصدره:
[حولي بكلّ مكان منهم خلق] .
(1/778)
[إبراهيم/ 37] ، (فمن) اقتضى التّبعيض،
فإنه كان نزل فيه بعض ذرّيته، وقوله: مِنَ السَّماءِ مِنْ
جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور/ 43] قال: تقديره أنه ينزّل
من السّماء جبالا، فمن الأولى ظرف، والثانية في موضع المفعول،
والثالثة للتّبيين كقولك: عنده جبال من مال. وقيل: يحتمل أن
يكون قوله:
«من جبال» نصبا على الظّرف على أنه ينزّل منه، وقوله: مِنْ
بَرَدٍ نصب. أي: ينزّل من السماء من جبال فيها بردا، وقيل:
يصحّ أن يكون موضع من في قوله: مِنْ بَرَدٍ رفعا، ومِنْ جِبالٍ
نصبا على أنه مفعول به، كأنه في التّقدير: وينزّل من السّماء
جبالا فيها برد، ويكون الجبال على هذا تعظيما وتكثيرا لما نزل
من السّماء. وقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ [المائدة/ 4] ، قال أبو الحسن: من زائدة «1» ،
والصّحيح أنّ تلك ليست بزائدة، لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله
كالدّم والغدد وما فيها من القاذورات المنهيّ عن تناولها.
منع
المنع يقال في ضدّ العطيّة، يقال: رجل مانع ومنّاع. أي: بخيل.
قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ
الْماعُونَ [الماعون/ 7] ، وقال: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
[ق/ 25] ، ويقال في الحماية، ومنه:
مكان منيع، وقد منع وفلان ذو مَنَعَة. أي: عزيز ممتنع على من
يرومه. قال تعالى: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ
وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[النساء/ 141] ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ
اللَّهِ [البقرة/ 114] ، ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
أَمَرْتُكَ
[الأعراف/ 12] أي: ما حملك؟
وقيل: ما الذي صدّك وحملك على ترك ذلك؟
يقال: امرأة منيعة كناية عن العفيفة. وقيل:
مَنَاعِ. أي: امنع، كقولهم: نَزَالِ. أي: انْزِلْ.
منى
المَنَى: التّقدير. يقال: مَنَى لك الماني، أي: قدّر لك
المقدّر، ومنه: المَنَا الذي يوزن به فيما قيل، والمَنِيُّ
للذي قدّر به الحيوانات. قال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ
مَنِيٍّ يُمْنى
[القيامة/ 37] ، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى
[النجم/ 46] أي: تقدّر بالعزّة الإلهية ما لم يكن منه، ومنه:
المَنِيَّة، وهو الأجل المقدّر للحيوان، وجمعه: مَنَايا،
والتَّمَنِّي: تقدير شيء في النّفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون
عن تخمين وظنّ، ويكون عن رويّة وبناء على أصل، لكن لمّا كان
__________
(1) وعبارته: أدخل «من» كما أدخله في قوله: كان من حديث، وقد
كان من مطر، وقوله: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ
ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ وهو
فيما فسّر: ينزّل من السماء جبالا فيها برد. انظر:
معاني القرآن لأبي الحسن الأخفش 1/ 254.
(1/779)
أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك، فأكثر
التّمنّي تصوّر ما لا حقيقة له. قال تعالى: أَمْ لِلْإِنْسانِ
ما تَمَنَّى [النجم/ 24] ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ
[البقرة/ 94] ، وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً
[الجمعة/ 7] والأُمْنِيَّةُ: الصّورة الحاصلة في النّفس من
تمنّي الشيء، ولمّا كان الكذب تصوّر ما لا حقيقة له وإيراده
باللفظ صار التّمنّي كالمبدإ للكذب، فصحّ أن يعبّر عن الكذب
بالتّمنّي، وعلى ذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه:
(ما تغنّيت ولا تَمَنَّيْتُ منذ أسلمت) «1» ، وقوله تعالى:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا
أَمانِيَّ [البقرة/ 78] قال مجاهد: معناه: إلّا كذبا «2» ،
وقال غيره إلّا تلاوة مجرّدة عن المعرفة. من حيث إنّ التّلاوة
بلا معرفة المعنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيّة تمنيتها على
التّخمين، وقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي
أُمْنِيَّتِهِ
[الحج/ 52] أي: في تلاوته، فقد تقدم أنّ التّمنّي كما يكون عن
تخمين وظنّ فقد يكون عن رويّة وبناء على أصل، ولمّا كان النبيّ
صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يبادر إلى ما نزل به الرّوح
الأمين على قلبه حتى قيل له: لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ [طه/
114] ، ولا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
[القيامة/ 16] سمّى تلاوته على ذلك تمنّيا، ونبّه أنّ للشيطان
تسلّطا على مثله في أمنيّته، وذلك من حيث بيّن أنّ «العجلة من
الشّيطان» «3» . وَمَنَّيْتَني كذا: جعلت لي أُمْنِيَّةً بما
شبّهت لي، قال تعالى مخبرا عنه: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ
وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
[النساء/ 119] .
مهد
المَهْدُ: ما يُهَيَّأُ للصَّبيِّ. قال تعالى:
كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29]
والمَهْد والمِهَاد: المكان المُمَهَّد الموطَّأ.
قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً
[طه/ 53] ، ومِهاداً
[النبأ/ 6] «4» وذلك مثل قوله: الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة/ 22]
ومَهَّدْتُ لك كذا: هيّأته وسوّيته، قال تعالى: وَمَهَّدْتُ
لَهُ تَمْهِيداً
[المدثر/ 14] وامتهد السَّنامُ. أي:
تَسَوَّى، فصار كمِهَادٍ أو مَهْدٍ.
مهل
المَهْل: التُّؤَدَةُ والسُّكونُ، يقال: مَهَلَ في فعله، وعمل
في مُهْلة، ويقال: مَهْلًا. نحو:
__________
(1) في النهاية: وفي حديث عثمان: ما تغنّيت ولا تمنّيت، ولا
شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام.
وفي رواية: ما تمنيت منذ أسلمت. أي: ما كذبت. التمني: التكذّب.
انظر: النهاية لابن الأثير 4/ 367.
(2) انظر: الدر المنثور 1/ 201، وغريب القرآن لليزيدي ص 74.
(3) راجع: مادة (عجل) .
(4) الآية: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً.
(1/780)
رفقا، وقد مَهَّلْتُهُ: إذا قُلْتَ له
مَهْلًا، وأَمْهَلْتُهُ:
رَفَقْتُ به، قال: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ
رُوَيْداً
[الطارق/ 17] والمُهْلُ: دُرْدِيُّ الزَّيْت، قال: كَالْمُهْلِ
يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان/ 45] .
موت
أنواع الموت بحسب أنواع الحياة:
فالأوّل: ما هو بإزاء القوَّة النامية الموجودة في الإنسان
والحيوانات والنّبات. نحو قوله تعالى:
يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها
[الروم/ 19] ، وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق/ 11] .
الثاني: زوال القوّة الحاسَّة. قال: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ
هذا
[مريم/ 23] ، أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم/
66] .
الثالث: زوال القوَّة العاقلة، وهي الجهالة.
نحو: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
[الأنعام/ 122] ، وإيّاه قصد بقوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ
الْمَوْتى
[النمل/ 80] .
الرابع: الحزن المكدِّر للحياة، وإيّاه قصد بقوله: وَيَأْتِيهِ
الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ
بِمَيِّتٍ
[إبراهيم/ 17] .
الخامس: المنامُ، فقيل: النّوم مَوْتٌ خفيف، والموت نوم ثقيل،
وعلى هذا النحو سمّاهما الله تعالى توفِّيا. فقال: وَهُوَ
الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام/ 60] ، اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ
فِي مَنامِها
[الزمر/ 42] ، وقوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ
[آل عمران/ 169] فقد قيل: نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبّه
على تنعّمهم، وقيل: نفى عنهم الحزن المذكور في قوله:
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ
[إبراهيم/ 17] ، وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [آل
عمران/ 185] فعبارة عن زوال القوّة الحيوانيَّة وإبانة الرُّوح
عن الجسد، وقوله:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
[الزمر/ 30] فقد قيل: معناه: ستموت، تنبيها أن لا بدّ لأحد من
الموت كما قيل:
429-
والموت حتم في رقاب العباد
«1» وقيل: بل الميّت هاهنا ليس بإشارة إلى إبانة الرُّوح عن
الجسد، بل هو إشارة إلى ما يعتري
__________
(1) هذا عجز بيت، وقبله:
شرّده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حرّ الجلاد
منخرق الكفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
وهذه الأبيات كان زيد بن علي يتمثل بها، وهي في البيان
والتبيين 4/ 58- 59، والشطر في عمدة الحفاظ (موت) ، وهي لمحمد
بن عبد الله في زهر الآداب 1/ 39.
(1/781)
الإنسان في كلّ حال من التّحلُّل والنَّقص،
فإن البشر ما دام في الدّنيا يموت جزءا فجزءا، كما قال الشاعر:
430-
يموت جزءا فجزءا
«1» وقد عَبَّرَ قوم عن هذا المعنى بِالْمَائِتِ، وفصلوا بين
الميّت والمائت، فقالوا: المائت هو المتحلّل، قال القاضي عليّ
بن عبد العزيز «2» :
ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه، والْمَيْتُ: مخفَّف عن
الميِّت، وإنما يقال: موتٌ مائتٌ، كقولك: شِعْرٌ شَاعِرٌ،
وسَيْلٌ سَائِلٌ، ويقال: بَلَدٌ مَيِّتٌ ومَيْتٌ، قال تعالى:
فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ
[فاطر/ 9] ، بَلْدَةً مَيْتاً
[الزخرف/ 11] وَالمَيْتةُ من الحَيوان: ما زال روحه بغير
تذكية، قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة/ 3] ،
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً [الأنعام/ 145] والْمَوَتَانُ
بإزاء الحيوان، وهي الأرض التي لم تَحْيَ للزَّرع، وأرض مَوات.
ووقع في الإبل مَوَتَانٌ كثير، وناقة مُميتةٌ، ومُميتٌ:
مات ولدها، وإِمَاتَةُ الخمر: كناية عن طَبْخها،
والمُسْتَمِيتُ المتعرِّض للموت، قال الشاعر:
431-
فأعطيت الجعالة مستميتا
«3» والمَوْتَةُ: شِبه الجنون، كأنه من موْتِ العلم والعقل،
ومنه: رجل مَوْتَانُ القلب، وامرأة مَوْتانةٌ.
موج
المَوْج في البحر: ما يعلو من غَوارب الماء.
قال تعالى: فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ
[هود/ 42] ، يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ [النور/ 40]
ومَاجَ كذا يَمُوجُ، وتَمَوَّجَ تَمَوُّجاً: اضطرب اضطرابَ
الموج. قال تعالى: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ
فِي بَعْضٍ [الكهف/ 99] .
ميد
المَيْدُ: اضطرابُ الشيء العظيم كاضطراب الأرض. قال تعالى:
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ
[النحل/ 15] ،
__________
(1) لم أجده. [.....]
(2) القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، كان قاضي
القضاة بالري، وهو من الفقهاء الشافعية. وصاحب القصيدة الشهيرة
التي يقول فيها:
يقولون لي: فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
توفي سنة 366 هـ. انظر: أخباره في وفيات الأعيان 3/ 278،
وطبقات الشافعية 3/ 459، ومعجم الأدباء 14/ 14.
(3) هذا شطر بيت لشقيق بن سليك الأسدي، وعجزه:
خفيف الحاذ من فتيان جرم
وهو في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 142، وقد تقدّم في مادة (جعل)
.
(1/782)
أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [الأنبياء/ 31] .
ومَادَتِ الأغصان تميد، وقيل المَيَدانُ في قول الشاعر:
432-
نعيما ومَيَدَاناً من العيش أخضرا
«1» وقيل: هو الممتدُّ من العيش، وميَدان الدَّابة منه،
والمائدَةُ: الطَّبَق الذي عليه الطّعام، ويقال لكلّ واحدة
منها [مائدة] «2» ، ويقال: مَادَنِي يَمِيدُنِي، أي:
أَطْعَمِني، وقيل: يُعَشِّينى، وقوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا
مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114] قيل: استدعوا طعاما،
وقيل:
استدعوا علما، وسمّاه مائدة من حيث إنّ العلم غذاء القلوب كما
أنّ الطّعام غذاء الأبدان.
مور
المَوْر: الجَرَيان السَّريع. يقال: مَارَ يَمُورُ مَوْراً.
قال تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً
[الطور/ 9] ومَارَ الدم على وجهه، والمَوْرُ:
التُّراب المتردِّد به الرّيح، وناقة تَمُورُ في سيرها، فهي
مَوَّارَةٌ.
مير
المِيرَة: الطّعام يَمْتَارُهُ الإنسان، يقال: مَارَ أهلَهُ
يَمِيرُهُمْ. قال تعالى: وَنَمِيرُ أَهْلَنا
[يوسف/ 65] . والغِيرَة والمِيرَة يتقاربان «3» .
ميز
المَيْزُ والتَّمْيِيزُ: الفصل بين المتشابهات، يقال: مَازَهُ
يَمِيزُهُ مَيْزاً، ومَيَّزَهُ تَمْيِيزاً، قال تعالى:
لِيَمِيزَ اللَّهُ
[الأنفال/ 37] ، وقرئ: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ
«4» . والتَّمْيِيزُ يقال تارة للفصل، وتارة للقوّة التي في
الدّماغ، وبها تستنبط المعاني، ومنه يقال: فلان لا تمييز له،
ويقال: انْمَازَ وامْتَازَ، قال: وَامْتازُوا الْيَوْمَ
[يس/ 59] وتَمَيَّزَ كذا مطاوعُ مَازَ. أي: انْفَصَلَ
وانْقَطَعَ، قال تعالى: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ
[الملك/ 8] .
ميل
المَيْلُ: العدول عن الوسَط إلى أَحَد الجانبين، ويُستعمَلُ في
الجَوْر، وإذا استُعمِلَ في الأجسام فإنه يقال فيما كان
خِلْقَةً مَيَلٌ، وفيما كان عَرَضاً مَيْلٌ، يقال: مِلْتُ إلى
فلان: إذا عاوَنْتُهُ.
قال تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
[النساء/ 129] وَمِلْتُ عليهِ: تحاملْتُ عليه. قال تعالى:
فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً
[النساء/ 102] ،
__________
(1) العجز لابن أحمر، وقال الصاغاني في التكملة: ميد: ذكره
الجوهري، وهو غلط وتحريف، والرواية [أغيدا] ، والبيت: [
وإن خضمت ريق الشباب وصادفت ... نعيما وميدانا من العيش أغيدا
]
(2) ما بين قوسين نقله السمين في الدر المصون 4/ 502، قال:
والمائدة: الخوان عليه طعام، فإن لم يكن عليه طعام فليست
بمائدة. هذا هو المشهور، إلا أنّ الراغب قال: (والمائدة: الطبق
الذي عليه طعام، ويقال لكل واحد منها مائدة) وهو مخالف لما
عليه المعظم.
(3) قال ابن منظور: والغيرة، بالكسر والغيار: الميرة. اللسان
(غير) .
(4) وهي قراءة حمزة والكسائي ويعقوب وخلف. انظر: الإتحاف ص
183.
(1/783)
والمَالُ سُمِّي بذلك لكونه مائِلًا أبدا
وزَائلا، ولذلك سُمِّي عَرَضاً، وعلى هذا دلَّ قولُ مَنْ قال:
المَالُ قَحْبَةٌ تكون يوماً في بيت عطَّار، ويوماً في بيت
بَيْطَارٌ «1» .
مائة
المِائَة: الثالثةُ من أصول الأَعداد، وذلك أنّ أصول الأعداد
أربعةٌ: آحادٌ، وعَشَرَاتٌ، ومِئَاتٌ، وأُلُوفٌ. قال تعالى:
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ
[الأنفال/ 66] ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا
أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال/ 65] ومائة آخِرُها
محذوفٌ، يقال:
أَمْأَيْتُ الدَّراهِمَ فَأَمَّأَتْ هي، أي: صارتْ ذاتَ
مِائَةٍ.
ماء
قال تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ
[الأنبياء/ 30] ، وقال: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً
طَهُوراً
[الفرقان/ 48] ، ويقال مَاهُ بني فلان، وأصل ماء مَوَهٌ،
بدلالة قولهم في جمعه:
أَمْوَاهٌ، ومِيَاهٌ. في تصغيره مُوَيْهٌ، فحذف الهاء وقلب
الواو، ورجل مَاهِيُ القلب: كثُر ماءُ قلبه «2» ، فماه هو
مقلوب من مَوَهٍ أي: فيه ماء، وقيل: هو نحو رجل قَاهٍ «3» ،
ومَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمِيهُ وتَمَاهُ، وبئر مَيِّهَةٌ
ومَاهَةٌ، وقيل: مَيْهَةٌ، وأَمَاهَ الرَّجُلُ، وأَمْهَى:
بَلَغَ المَاءَ. و:
ما
مَا في كلامهم عشرةٌ: خمسة أسماء، وخمسة حروف. فإذا كان اسما
فيقال للواحد والجمع والمؤنَّث على حدّ واحد، ويصحّ أن يعتبر
في الضّمير لفظُه مفردا، وأن يعتبر معناه للجمع.
فالأوّل من الأسماء بمعنى الذي نحو:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ
[يونس/ 18] «4» ثمّ قال: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ
[يونس/ 18] لمّا أراد الجمع، وقوله:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ
رِزْقاً ...
الآية [النحل/ 73] ، فجمع أيضا، وقوله: بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ
بِهِ إِيمانُكُمْ [البقرة/ 93] .
الثاني: نكرة. نحو: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
[النساء/ 58] أي: نعم شيئا يعظكم به، وقوله:
فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] فقد أجيز أن يكون ما نكرة في
قوله: ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها
__________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز 4/ 540. وهذا من كلام الصاحب بن
عباد، وهو في التمثيل والمحاضرة ص 250.
(2) حكاه كراع النمل في المنتخب 1/ 171.
(3) ألقاه: الجاه، وقيل: الطاعة. وما له عليّ قاه، أي: سلطان.
واختلف في ألفه، فذكره الزمخشري في القاف والياء، وجعل عينه
منقلبة عن ياء، وكذا ابن بري.
وذكره الجوهري في القاف والواو، وكذا تابعه ابن الأثير. راجع:
اللسان (قيه) .
(4) والآية بتمامها: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ: هؤُلاءِ
شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ، قُلْ: أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما
لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ
وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
(1/784)
[البقرة/ 26] ، وقد أجيز أن يكون صلة، فما
بعده يكون مفعولا. تقديره: أن يضرب مثلا بعوضة «1» .
الثالث: الاستفهام، ويسأل به عن جنس ذات الشيء، ونوعه، وعن جنس
صفات الشيء، ونوعه، وقد يسأل به عن الأشخاص، والأعيان في غير
الناطقين. وقال بعض النحويين: وقد يعبّر به عن الأشخاص
الناطقين «2» ، كقوله تعالى: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ
[المؤمنون/ 6] ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت/ 42] وقال الخليل: ما استفهام.
أي:
أيّ شيء تدعون من دون الله؟ وإنما جعله كذلك، لأنّ «ما» هذه لا
تدخل إلّا في المبتدإ والاستفهام الواقع آخرا. الرّابع: الجزاء
نحو:
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ
لَها، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ
الآية [فاطر/ 2] . ونحو: ما تضرب أضرب.
الخامس: التّعجّب نحو: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
[البقرة/ 175] . وأمّا الحروف:
فالأوّل: أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل
المستقبَل. نحو: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة/
3] فإنّ «ما» مع رَزَقَ في تقدير الرِّزْق، والدّلالة على أنه
مثل «أن» أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به ولا مقدّر فيه،
وعلى هذا حمل قوله: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة/ 10] ،
وعلى هذا قولهم: أتاني القوم ما عدا زيدا، وعلى هذا إذا كان في
تقدير ظرف نحو: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ
[البقرة/ 20] ، كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ
أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة/ 64] ، كُلَّما خَبَتْ
زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء/ 97] . وأما قوله: فَاصْدَعْ
بِما تُؤْمَرُ
[الحجر/ 94] فيصحّ أن يكون مصدرا، وأن يكون بمعنى الذي «3» .
واعلم أنّ «ما» إذا كان مع ما بعدها في تقدير المصدر لم يكن
إلّا حرفا، لأنه لو كان اسما لعاد إليه ضمير، وكذلك قولك: أريد
أن أخرج، فإنه لا عائد من الضمير إلى أن، ولا ضمير لها بعده.
الثاني: للنّفي وأهل الحجاز يعملونه بشرط
__________
(1) انظر: الأقوال في هذه المسألة في الدر المصون 1/ 223.
(2) قال الزركشي: وجوّز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من
يعقل أيضا، حكاه الراغب. فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون:
وَما رَبُّ الْعالَمِينَ فإنما هو سؤال عن الصفة، لأنّ الرب هو
المالك، والملك صفة، ولهذا أجابه موسى بالصفات، ويحتمل أنّ
«ما» سؤال عن ماهية الشيء، ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى،
فأجابه موسى تنبيها على صواب السؤال. راجع: البرهان في علوم
القرآن 4/ 403.
(3) انظر: مغني اللبيب ص 736.
(1/785)
نحو: ما هذا بَشَراً
[يوسف/ 31] «1» .
الثالث: الكافّة، وهي الدّاخلة على «أنّ» وأخواتها و «ربّ»
ونحو ذلك، والفعل. نحو:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
[فاطر/ 28] ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل
عمران/ 178] ، كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ [الأنفال/
6] وعلى ذلك «ما» في قوله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
[الحجر/ 2] ، وعلى ذلك:
قَلَّمَا وطَالَمَا فيما حكي.
الرابع: المُسَلِّطَة، وهي التي تجعل اللفظ متسلِّطا بالعمل،
بعد أن لم يكن عاملا. نحو:
«ما» في إِذْمَا، وحَيْثُمَا، لأنّك تقول: إذما تفعل أفعل،
وحيثما تقعد أقعد، فإذ وحيث لا يعملان بمجرَّدهما في الشّرط،
ويعملان عند دخول «ما» عليهما.
الخامس: الزائدة لتوكيد اللفظ في قولهم: إذا مَا فعلت كذا،
وقولهم: إمّا تخرج أخرج. قال:
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً
[مريم/ 26] ، وقوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما [الإسراء/ 23] .
تمّ كتاب الميم
__________
(1) وشرط عملها ما ذكره ابن مالك في ألفيته:
إعمال «ليس» أعملت «ما» دون «إن» ... مع بقا النفي، وترتيب زكن
وسبق حرف جرّ أو ظرف ك ما ... بي أنت معنيا أجاز العلما
. [.....]
(1/786)
|