المقنع في رسم مصاحف الأمصار باب ذكر ما اختلفت
فيه مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام المنتسخة من الإمام
بالزيادة والنقصان
وهذا الباب سمعناه من غير واحد من شيوخنا من ذلك في البقرة في
مصاحف أهل الشام " قالوا اتخّذ الله ولداً " بغير واو قبل "
قالوا " وفي سائر المصاحف " وقالوا " بالواو، وفي مصاحف أهل
المدينة والشام " واوصي بها " بألف بين الواوين قال أبو عبيد
وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي
سائر المصاحف " ووصّى " بغير واو قبل السين وفي سائر المصاحف "
وسارعوا " باواو وفيها في مصاحف أهل الشام " وبالزبر وبالكتب "
بزيادة باء في الكلمتين كذا رواه لي خلف بن إبراهيم عن احمد بن
محمد عن علي أبي عبيد هشام بن عمار عن ايوب ابن تميم عن يحيى
بن الحارث عن ابن عامر، وعن هشام عن سويد بن عبد العزيز عن
الحسن بن عمران عن عطية بن قيس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء
عن مصاحف أهل الشام وكذلك حكى أو حاتم انهما مرسومان بالباء في
مصحف أهل حمص الذي بعث عثمان إلى الشام وقال هارون بن موسى
الاخفش الدمشقي إن الباء زيدت في الإمام يعني الذي وُجّه به
إلى الشام في " وبالزبر " وحدها وروى الكسائي عن أبي حيوه شريح
بن يزيد إن ذلك كذلك في المصحف الذي بعث عثمان إلى الشام
والأول أعلى إسنادا وهما في سائر المصاحف بغير باء
(1/106)
وفي النساء قال الكسائي والفرَّاء في بعض
مصاحف أهل الكوفة " والجار ذا القربى " بألف ولم نجد ذلك ذلك
كذلك في شيء من مصاحفهم ولا قرأ به احد منهم وفي مصاحف أهل
الشام " ما فعلوه إلا قليلا منهم " بالنصب وفي سائر المصاحف "
إلا قليل " بالرفع وفي مصاحف أهل المدينة ومكة والشام " يقول
الذين ءامنوا " بغير واو قبل " يقول " وفي مصاحف أهل الكوفة
والبصرة وسائر العراق " ويقول " بالواو وفيها في مصاحف أهل
المدينة والشام " من يرتد منكم " بدالين قال أبو عبيد وكذا
رأيتها في الإمام بدالين وفي سائر المصاحف " يرتد " بدال واحدة
وفي الانعام في مصاحف أهل الشام " ولدارُ الأخرة " بلام واحدة
وفي سائر المصاحف بللمين وفيها في مصاحف أهل الكوفة " لئن
انجبنا من هذه " بياء من غير تاء وفي سائر المصاحف " لئن
انجينا " بالياء والتاء وليس في شيء منها بعد الجيم وفيها في
مصاحف أهل الشام " وكذلك زيّنلكثير من المشركين " قتل اولدهم
شركائهم " بالياء وفي سائر المصاحف " شركاؤهم " بالواو وفي
الاعراف في مصاحف أهل الشام " قليلا ما يتذكّرون " بالياء
والتاء وفي سائر المصاحف " تذكّرون " بالتاء من غير ياء وفيها
في مصاحف أهل الشام " ما كنّا لنهتدي " بغير واو قبل " ما "
وفي سائر المصاحف " وما " بالواو وفيها في مصاحف أهل الشام في
قصّة صالح " وقال الملأ الذين استكبرو " بزيادة واو قبل " قال
"
(1/107)
وفي سائر المصاحف " قال " بغير واو وفيها
في مصاحف " أهل الشام " واذ انجاكم من ءال فرعون " بألف من غير
ياء ولا نون وفي سائر المصاحف " انجبنكم " والنون من غير ألف
وفي براءة في مصاحف أهل المدينة والشام " الذين أتخّذوا مسجدا
ضرارا " بغير واو قبل " الذين " وفي سائر المصاحف " والذين "
بالواو وفيها في مصاحف أهل مكة " تجري من تحتها الانهر " بعد
رأس المائة بزيادة " من " وفي سائر المصاحف بغير " من " وفي
يونس في مصاحف أهل الشام " وهو الذي ينشركم في البر والبحر "
بالنون والشين وفي سائر المصاحف " يسيّركم " بالسين والياء وفي
سبحان في مصاحف أهل مكة والشام " قال سبحان ربي هل كنت " بألف
وفي سائر المصاحف " قل " بغير ألف وفي الكهف في مصاحف أهل
المدينة ومكة ولشام " خيرا منهما منقلبا " بزيادة " ميم بعد
الهاء على التثنية وفي سائر مصاحف أهل العراق " منها " بغير
ميم على التوحيد وفيها في مصاحف أهل مكة " ما مكّنني فيه ربي "
بنونين وفي سائر المصاحف " مكّنّي " بنون واحدة وفي الأنبياء
في مصاحف أهل الكوفة " قال ربي يعلم القول " بألف وفي سائر
المصاحف " قل ربي " بغير ألف وفيها في مصاحف أهل مكة " ألم ير
الذين كفروا " بغير واو بين الهمزة واللام وفي سائر المصاحف "
أولم ير الذين " بالواو وفي المؤمنون في مصاحف أهل البصرة "
سيقولون الله قل
(1/108)
افلا تتقون " و " سيقولون الله قل فأنى
تسحرون " بالألف في الاسمين الأخيرين وفي سائر المصاحف " لله "
" لله " فيهما قال أبو عبيد وكذلك رأيت ذلك في الإمام، وقال
هارون الأعور عن عاصم الجحدري كانت في الإمام " لله " " لله "
وأول من الحق هاتين اللالفين نصر بن عاصم الليثي، وقال أبو
عمرو كان الحسن يقول: الفاسق عبيد الله بن زياد فيهما ألفا
وقال يعقوب
الحضرمي أمر عبيد بن زياد إن يزاد فيهما ألف. ي أمر عبيد بن
زياد إن يزاد فيهما ألف.
قال أبو عمرو وهذه الأخبار عندنا لا تصح لضعف نقلتها واظطرابها
وخروجها عن العادة إذ غير جائز إن يقدم نصر وعبيد الله هذا
الإقدام من الزيادة في المصاحف مع علمهما بأن الأمة لا تسوّغ
لهما ذلك بل تنكره وترده وتحذر منه ولا تعمل عليه وإذا كان ذلك
بطل إضافة زيادة هاتين الألفين أليهما وصحَّ إن إثباتهما من
قبل عثمان والجماعة رضوان الله عليهم على حسب ما نزل به من عند
الله تعالى وما اقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعت
المصاحف على إن الحرف الأول " سيقولون لله " بغير ألف قبل
اللام وفيها في مصاحف أهل الكوفة " قل كم لبثتم " و " قل إن
لبثتم " بغير ألف في الحرفين وفي سائر المصاحف " قال " بالألف
في الحرفين وينبغي إن يكون الحرف الأول في مصاحف أهل مكة بغير
ألف والثاني بالألف لأن قراءتهم فيهما كذلك ولا خبر عندنا في
ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبي عبيد انه قال ولا اعلم
مصاحف أهل مكة إلا عليها يعني على اثبات الألف في الحرفين وفي
الفرقان في مصاحف أهل مكة " وننزل الملئكة تنزيلا " بنونين وفي
سائر المصاحف " وننزّل " بنون واحدة
(1/109)
وفي الشعراء في مصاحف أهل المدينة والشام "
فتوكل على العزيز الرحيم " بالفاء وفي سائر المصاحف " وتوكل "
بالواو وفي النمل في مصاحف أهل مكة " اوليأتنني بسلطن مبين "
بنونين وفي سائر المصاحف بنون واحدة وفي القصص في مصاحف أهل
مكة " قال موسى ربي اعلم " بغير واو قبل " قال " وفي سائر
المصاحف " وقال " بالواو وفي يس في مصاحف أهل الكوفة " وما
عملت ايديهم " بغير هاء بعد التاء وفي سائر المصاحف " وما
عملته " بالهاء وفي الزمر في مصاحف أهل الشام " تأمرونني اعبد
" بنونين وفي سائر المصاحف " تأمرونى اعبد " بنون واحدة وفي
المؤمن في مصاحف أهل الشام " كانوا هم اشدَّ منكم " بالكاف وفي
سائر المصاحف " اشدّ منهم " بالهاء وفيها في مصاحف أهل الكوفة
" أو إن يظهر في الأرض الفساد " بزيادة ألف قبل الواو وروى
هارون عن صخر بن جويرية ويشار الناقط عن اسيد إن ذلك كذلك في
الإمام مصحف عثمان ابن عفان رضي الله عنه وفي سائر المصاحف "
وان يظهر " بغير ألف وفي الشورى في مصاحف أهل المدينة والشام "
بما كسبت ايديكم " بغير فاء قبل الباء وفي سائر المصاحف " فبما
كسبت " بزيادة فاء وفي الزخرف في مصاحف أهل المدينة والشام "
يعبادي
(1/110)
لا خوف عليكم بالياء وفي مصاحف أهل العراق
" يعباد " بغير ياء وكذا ينبغي إن يكون في مصاحف أهل مكة لأنَّ
قراءتهم فيه كذلك ولا نص عندنا في ذلك عن مصاحفهم إلا ما حكاه
ابن مجاهد إن ذلك في مصاحفهم بغير ياء ورأيت بعض شيوخنا يقول
ذلك في مصاحفهم بالياء واحسبه ذلك من قول أبي عمرو إذ حكى انه
رأى الياء في ذلك ثابتة في مصاحف أهل الحجاز ومكة من الحجاز
والله اعلم.
وحدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن قطن قال حدثنا سليمان
ابن الخلاد قال حدثنا اليزيدي قال قال أبو عمرو " يعبادي "
رأيتها في مصاحف أهل المدينة والحجاز بالياء وفيها في مصاحف
أهل المدينة والشام " ما تشتهيه الأنفس " بهاءين ورأيت بعض
شيوخنا يقول إذ ذلك كذلك في مصاحف أهل الكوفة وهو غلط قال أبو
عبيد وبهاءين رأيته في الإمام وفي سائر المصاحف " تشتهي " بهاء
واحدة وفي الأحقاف في مصاحف أهل الكوفة " بوالديه إحسانا "
بزيادة ألف قبل الحاء وبعد السين وفي سائر المصاحف " حسنا بغير
ألف وفي القتال قال خلف بن هشام البزار في مصاحف أهل مكة
والكوفيين " فهل ينظرون إلاَّ الساعة إن تأتهم " بالكسر مع
الجزم وقال الكسائي ذلك كذلك في مصاحف أهل مكة خاصة قال خلف بن
هشام ولا نعلم أحد منهم قرأ به، حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد
قال حدثنا علي قال حدثنا القسم قال الكسائي في مصاحف أهل مكة:
إن تأتهم " بالكسر مع الجزم
(1/111)
وفي الرحمن في مصاحف أهل الشام " الحبّ ذا
العصف والريحانُ " بالألف والنصب وفي سائر المصاحف " ذو العصف
" بالواو والرفع قال أبو عبيد وكذلك رأيتها في الذي يقال له
الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه، وفيها في مصاحف أهل الشام "
ذو الجلل والإكرام " آخر السورة بالواو وفي سائر المصاحف " ذي
الجلل والإكرام " بالياء والحرف الأول في كل المصاحف بالواو
وفي الحديد في مصاحف أهل الشام " وكل وعد الله الحسنى " بالرفع
وفي سائر المصاحف " وكلا " بالنصب وفيها مصاحف أهل المدينة
والشام " فأن الله الغني الحميد " بغير " هو " وفي سائر
المصاحف " هو الغني " بزيادة " هو " وفي الشمس في مصاحف أهل
المدينة والشام " فلا يخاف عقبها " بالفاء وفي سائر المصاحف "
ولا يخاف " بالواو حدثنا ابن خاقان قال حدثنا احمد المكي قال
حدثنا على قال حدثنا احمد المكي قال حدثنا علي قال حدثنا أبو
عبيد قال هذه الحروف التي اختلفت في مصاحف الامصار مثبتة بين
اللوحين وهي كلها منسوخة من الإمام الذي كتبه عثمان ثم بعث إلى
كل افق مما نُسخ بمصحف وهي كلها كلام الله عز وجل
حدثنا خلف بن إبراهيم قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي
لبن عبد العزيز قال حدثنا القسم بن سلام قال حدثنا اسمعيل بن
جعفر المدني إن أهل الحجاز واهل العراق اختلفت مصاحفهم في هذه
الحروف قال القسم وهي اثنا عشر حرفا: كتب أهل المدينة في سورة
البقرة " واوصى بها إبراهيم بنيه " بألف وكتب أهل العراق "
ووصّى " بغير ألف
(1/112)
وفي آل عمران كتب أهل المدينة " سارعوا إلى
مغفرة " بغير الواو وأهل العراق " وسارعوا " بالواو وفي
المائدة كتب أهل المدينة " يقول الذين ءامنوا " بغير واو وأهل
العراق " ويقول " بالواو وفيها أيضا كتب أهل المدينة " من
يرتدد منكم " بدالين وأهل العراق " من يرتدَّ " بدال واحدة وفي
براءة أهل المدينة " الذين اتخذوا مسجدا " بغير واو وأهل
العراق " والذين " بالواو وفي الكهف أهل المدينة " خيرا منهما
منقلبا " على اثنين وأهل العراق " خيرا منها " على واحدة وفي
الشعراء أهل المدينة " فتوكَّلْ على العزيز الرحيم " بالفاء
وأهل العراق " وتوكل " بالواو وفي المؤمن أهل المدينة " وآن
يظهر في الأرض الفساد " بغير ألف وأهل العراق " أو إن " بألف
وفي عسق أهل المدينة " بما كسبت ايديكم " بغير فاء وأهل العراق
" فبما " بالفاء وفي الزخرف أهل المدينة " تشتهيه الأنفس "
بهاءين وأهل العراق " تشتهي " بها واحدة وفي الحديد أهل
المدينة " فأن الله الغني الحميد " بغير " هو " وأهل العراق
فأن الله هو الغني الحميد "
(1/113)
وفي والشمس وضحاها أهل المدينة " فلا يخاف
عقبها " بالفاء وأهل العراق " ولا يخاف " بالواو
حدثنا احمد بن عمر قال حدثنا محمد بن احمد قال حدثنا عبد الله
بن عيسى قال حدثنا عن نافع إن الحروف المذكورة في مصاحف أهل
المدينة على ما ذكر إسماعيل سواء.
حدثنا محمد بن علي قال حدثنا ابن مجاهد قال في مصاحف أهل مكة
في التوبة " تجري من تحتها الانهر " عند رأس المائة بزيادة "
من " وفي سبحان " قال سبحان ربي " بألف وفي الكهف " ما مكّنني
فيه " بنونين وفي الأنبياء " ألم ير الذين كفروا " بغير واو
وفي الفرقان " وننزل الملئكة " بنونين وفي النمل " أو ليأتينني
" بنونين وفي القصص " قال موسى ربي اعلم " بغير واو.
وحدثنا ابن غلبون قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثنا احمد
ابن انس قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا سويد بن عبد العزيز
وايوب بن تميم عن يحيى بن الحرث عن عبد الله بن عامر " ح "
وحدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد قال حدثنا علي قال حدثنا أبو
عبيد قال حدثنا هشام بن عمار عن ايوب بن تميم عن يحيى بن الحرث
عن عبد الله بن عامر قال أبو عبيد واللفظ له قال هشام " ح "
وحدثنا سويد بن عبد العزيز أيضا عن الحسن بن عمران عن عطية بن
قيس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء إن هذه الحروف في مصاحف أهل
الشام وهي ثمانية وعشرون حرفا في مصاحف أهل الشام: في البقرة "
قالوا اتخذ الله ولدا " بغير واو وفي آل عمران " سارعوا "
(1/114)
بغير واو وفيها " بالبينات وبالزبر وبالكتب
" ثلاثتهن بالباء وفي النساء " إلا قليلا منهم " بالنصب وفي
المائدة " يقول الذين ءامنوا " بغير واو وفيها " من يرتدد منكم
عن دينه " بدالين وفي الانعام " ولدار الاخرة " بلام واحدة
وفيها " قتْلَ اولدهم شركائهم " بنصب " الاولد " وخفض الشركاء
" وفي الاعراف " قليلا ما يتذكّرون " وفيها " ما كنّا لنهتدي "
و " إذا انجاكم " بغير نون وفي براءة " الذين اتخذوا " بغير
واو وفي يونس " هو الذي ينشركم " بالنون والشين وفيها " إن
الذين حقّت عليهم كلمت ربك " على الجمع وفي بني إسرائيل قال
سبحان ربي " على الخبر وفي الكهف " خيرا منها " على اثنين وفي
المؤمنون " سيقولون لله " ثلاثتهن بغير ألف وفي الشعراء "
فتوكّل على العزيز " بالفاء وفي النمل " اننا لمخرجون " على
نونين وفي المؤمن " اشدَّ منكم " بالكاف وفيها " وآن يظهر في
الأرض " بغير ألف وفي عسق " بغير فاء وفي الرحمن " والحبُّ ذا
العصف والريحانُ " بالنصب وفيها " تبرك أسم ربك ذو الجلال
والإكرام " بالرفع وفي الحديد " فأن الله الغني الحميد " بغير
" هو " وفي والشمس " فلا يخاف عقبها " بالفاء.
حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد قال حدثنا علي قال قال أبو عبيد
اختلفت
(1/115)
مصاحف أهل العراق والكوفة والبصرة في خمسة
أحرف: كتب الكوفيون في الانعام " لئن انجينا " بغير تاء وفي
الأنبياء قال ربي يعلم " بالألف وفي المؤمنون " قل كم لبثتم "
" قل إنْ لبثتم " بغير ألف فيهما وفي الأحقاف " بوالديه احسانا
" بألف قبل الحاء واخرى بعد السين وكتبها البصريون " لئن
أنجيتنا " بالتاء " قل ربي يعلم " بغير ألف " قال كم لبثتم " "
قال إن لبثتم " بالألف " بوالديه حسنا " بغير ألف.
قال أبو عمرو وروي لنا عن ابن القسم واشهب وابن وهب انهم رأوا
في مصحف جدّ مالك بن انس الذي كتبه حين كتب عثمان بن عفان رضي
الله عنه المصاحف اخرجه اليهم مالك في حم عسق " فبما كسبتْ "
بالفاء وفي الزخرف " ما تشتهي الانفس " وفي الحديد " فأن الله
هو الغني الحميد " بزيادة " هو " وفي والشمس " ولا يخاف "
بالواو وسائر الحروف على ما رواه إسماعيل عن مصاحف أهل المدينة
وروى خارجة بن مصعب عن نافع انه قال في الإمام في الحديد " هو
الغني " بزيادة " هو " وفي والشمس " ولا يخاف " بالواو وقد
ذكرنا حكاية أبي عبيد عن الإمام في رسم هذه الحروف وغيرها
فأغنى ذلك عن الإعادة.
وقال أبو حاتم في مصحف أهل المدينة في يوسف " وقال الملك اتوني
" بنقصان ياء وفي مصحف أهل مكة في آخر النساء " فئامنوا بالله
ورسوله " وفي مصحف أهل حمص الذي بعث به عثمان إلى الشام في
الاعراف " تجري تحتها الأنهار "
(1/116)
بغير " من "، و " ثم كيدوني " " جميعا "
بالياء وفي الانفال " ما كان للنبي " بلامين، وفي الكهف "
للتخذت عليه " بلامين، وفي المدثر " إذا أدبر " بزيادة ألف.
وروى الكسائي عن أبي حيوة الشامي أن في المصحف الذي بعث به
عثمان إلى الشام " ثم كيدوني " بالياء " وما كان للنبي "
بلامين وفي الكهف " للتخذت عليه ".
قال أبو عمرو فهذا جميع ما انتهى إلينا بالروايات من الاختلاف
بين مصاحف أهل الأمصار وقد مضى من ذلك حروف كثيرة في الأبواب
المتقدمة والقطع عندنا على كيفية ذلك في مصاحف أهل الأمصار على
قراءة أيّمتهم غير جائر إلا برواية صحيحة عن مصاحفهم بذلك إذ
قراءتهم في كثير من ذلك قد تكون على غير مرسوم مصحفهم ألا ترى
إن أبا عمرو قرأ " يعبادي لا خوف عليكم " في الزخرف بالياء وهو
في مصحف أهل البصرة بغير ياء فسئُل عن ذلك فقال اني رأيته في
مصاحف أهل المدينة بالياء فترك ما في مصحف أهل بلده واتبع في
ذلك مصاحف أهل المدينة. وكذلك قراءته في الحجرات " لا يألتكم
من اعملكم شيئا " بالهمزة التي صورتها ألف وذلك مرسوم في جميع
المصاحف بغير ألف وكذلك قراءته أيضا في المنافقون " وأكون من
الصلحين " بالواو والنصب وذلك في كل المصاحف بغير واو مع الجزم
قال أبو عبيد وكذا رأيته في الإمام قال وأتفقت على ذلك المصاحف
وكذلك أيضا قراءته في المرسلات " واذا الرسل وُقّتت " بالواو
من الوقت وذلك في الإمام وفي كل المصاحف بالألف وكذلك قراءته
وقراءة
(1/117)
ابن كثير في البقرة " أو ننسأها " بهمزة
ساكنة بين السين والهاء وصورتها ألف وليست كذلك في مصاحف أهل
مكة ولا في غيرها وكذلك قراءة ابن عامر وعاصم من رواية حفص بن
سليمان في الزخرف " قال أولو جئتكم " بالألف ولا خبر عندنا إن
ذلك كذلك مرسوم في مصاحف أهل الشام ولا غيرها وكذلك أيضا قراءة
عاصم من الطريق المذكور في الانبياء " قال رب احكم بالحق "
بالألف ولا رواية عندنا إن ذلك كذلك مرسوم في شيء من المصاحف
في نظائر لذلك كثيرة ترد عن ايّمة القراءة بخلاف مرسوم مصحفهم
وإنما بيّنت هذا الفصل ونّبهت عليه لآني رأيت بعض من أشار إلى
جمع شيء من هجاء المصاحف من منتحلي القراءة من أهل عصرنا قد
قصد هذا المعنى وجعله أصلا فأضاف بذلك ما قرأ به كل واحد من
الايّمة من الزيادة والنقصان في الحروف المتقدمة وغيرها إلى
مصاحف أهل بلده وذلك من الخطأ الذي يقود إليه إهمال الرواية
وإفراط الغباوة وقلّة التحصيل إذ غير جائز القطع على كيفية ذلك
إلا بخبر منقول عن الايّمة السالفين ورواية صحيحة عن العلماء
المختصين بعلم ذلك المؤتمنين على نقله وإيراده لما بيّناه من
الدلالة وبالله التوفيق.
قال أبو عمرو
فإن سأل عن السبب الموجب لاختلاف
مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف قلت السبب في ذلك
عندنا إن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما جمع
القرآن في المصاحف ونسخها على صورة واحدة وآثر في رسمها لغة
قريش دون غيرها مما لا يصحّ ولا يثبت نظرا للأُمّة واحتياطا
على أهل المللّة وثبت عنده إن هذه الحروف من عند الله عز وجل
كذلك منزلة ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسموعة وعلم إن
جمعها في مصحف
(1/118)
واحد على تلك الحال غير متمكّن إلا بإعادة
الكلمة مرتّين وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم
مالا خفاء به ففرقها في المصاحف لذلك فجاءت مثبتة في بعضها
ومحذوفة في بعضها لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز
وجل وعلى ما سُمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا سبب
اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار.
فإن قال قائل فما تقول في الخبر
الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن
عثمان رضي الله عنه إن المصاحف لما نّسخت عُرضت عليه فوجد فيها
حروفا من اللحن فقال اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها
بلسانها إذ يدل على خطأ في الرسم
قلت هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ولا يصح به دليل من
جهتين أحدهما انه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسل
لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ولا رأياه وأيضا
فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه لما فيه من
الطعن عليه مع محلّه من الدين ومكانه من الإسلام وشدّة اجتهاده
في بذل النصيحة واهتباله بما فيه الصلاح للأمة فغير متمكن إن
يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظرا
لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ثم يترك لهم فيه مع ذلك
لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك انه لا يدرك
مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده هذا مالا يجوز لقائل إن
يقوله ولا يحل لأحد إن يعتقده.
فإن قال فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه قلت
وجهه إن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه
التلاوة دون الرسم إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه لا نقلب
بلك معنى التلاوة
(1/119)
وتغيرت الفاظها إلا ترى قوله " اولاأذبحنّه
" و " لأاوضعوا " و " من نبأي المرسلين " و " سأوريكم " و "
الربوا " وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه لو تلاه
تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط لصير الإيجاب
ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من اصله فأتى من الحن بما لا
خفاء به على من سمعه مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا فأعلم
عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك إن من فاته تمييز ذلك وعزبت
معرفته عنه ممن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب اذهم الذين نزل
القرآن بلغتهم فيعرفونه بحقية تلاوته ويدلونهّ على صواب رسمه
فهذا وجه عندي والله اعلم.
فإن قيل فما معنى قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر لو
كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف قلت
معناه أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون
الالفاظ المخالفة لذلك اذ كانت قريش ومن ولي نَسْخ المصاحف من
غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة وسلكوا فيها تلك
الطريقة ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك فلو
انهما وليتا من امر المصاحف ماوليه من تقدم من المهاجرين
والانصار لرستما جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ
ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه اذ ذلك هو المعهود
عندهما والذي جرى عليه استعمالها هذا تأويل قول عثمان عندي لو
ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق.
حدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ قال حدثنا احمد بن محمد المكي قال
حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القسم بن سلام قال حدثنا
حجاج عن هرون
(1/120)
قال اخبرني الزبير بن الخريت عن عكرمة قال
لما كُتبت المصاحف عُرضت على عثمان رضي الله عنه فوجد فيها
حروفا من اللحن فقال لا تغيّروها فان العرب ستغيرها أو قال
ستعربها بألسنتها لو كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم
توجد فيه هذه الحروف.
حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال حدثنا قاسم ابن اصبغ قال حدثنا
احمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا عمران القطان
عن قتادة عن نصير بن عاصم عن عبد الله بن أبي فطيمة عن يحيى بن
يعمر قال قال عثمان بن عفان رضي الله عنه في القرآن لحن تقيمها
العرب بألسنتها.
فان قيل فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة عن
أبيه انه سأل عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن عن قوله "
إن هذين لسحران " وعن "
والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة " وعن " إن الذين ءامنوا
والذين هادوا.. والصبئون " فقالت يا ابن اختي هذا عمل الكتّاب
اخطئوا في الكتابة
قلت تأويله ظاهر وذلك إن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم
التي تزاد فيها لمعنى وتنقصى منها لأخر تأكيداً للبيان وطلبا
للخفّة وانما سأله فيه عن حروف من القراءة المختلفة الالفاظ
المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي اذن الله عز وجل
لنبيّه عليه السلام ولاُمّته في القراءة بها واللزوم على
ماشاءت منها تيسير الها وتوسعة عليها وما هذا سبيله وتلك حاله
فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل لفشّوه في اللغة ووضوحه
في قياس العربية واذا كان الامر في ذلك كذلك فليس ما قصدته فيه
بداخل في معنى المرسوم ولا هو من سببه في شيء وانما سّمى عروة
ذلك لحنا وأطلقت عائشة على مرسومه
(1/121)
كذلك الخطأ على جهة الاتّساع في الاخبار
وطريق المجاز في العبارة اذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن
اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما الأكثر والافشى لديهما
لا على وجه الحقيقية والتحصيل والقطع لما بيّناه قبل من جواز
ذلك وفشوه فب اللغة واستعمال مثله في قياس العربية مع انعقاد
الاجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه إلا ما كان من شذوذ
أبي عمرو بن العلاء في " إن هذين " خاصّة هذا الذي يُحمل عليه
هذا الخبر ويتأوّل فيه دون إن يقطع به على إن ام المؤمنين رضي
الله عنها مع عظيم محلّها وجليل قدرها واتّساع علمها ومعرفتها
بلغة قومها لّحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة
والعلم باللغة موضهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا مالا يسوغ ولا
يجوز وقد تأوّل بعض علمائنا قول امّ المؤمنين اخطئوا في الكتاب
أي خطئوا في اختيار الأولى من الاحرف السبعة بجمع الناس عليه
لا إن الذي مدّة وقوعة وعظم قدر موقعه وتأوّل اللحن انه
القراءة واللغة كقول عمر رضي الله عنه أبي واِناّ لندع بعض
لحنه أي قراءته ولغته فهذا بين وبالله التوفيق.
حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد
العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن
عروة عن أَبيه قال سأَلتُ عائشة رضي الله عنها عن لحن اُلقرآن
عن قول الله عز وجل " إن هذين لسحرن " وعن قوله " والمقيمين
اُلصلوة والمؤتون الزكوة " وعن قوله تبارك وتعلى " اِنّ الذين
ءامنوا والذين هادوا..والصبئون " فقالت ياابن اختي عمل الكتاب
اخطئوا في الكتاب
(1/122)
فان قال قائل فاذ قد أَوضحت ما سئلتَ عنه
من تأول هذين الخبرين فعرفنا بالسبب الذي دعا عثمان رضي الله
عنه إلى جمع القرآن في المصاحف وقد كان مجموعا في الصحف عَلَى
ما رويته لنا في حديث زيد بن ثابت المتقدم قلت السبب في ذلك
بين فذلك الخبر عَلى قول بعض العلماء وهو إن أبا بكر رضي الله
عنه كان قد جمعه أَولاً عَلى السبعة الاحرف التي اذن الله عز
وجل للامة في التلاوة بها ولم يخص حرفا بعينه فلما كان زمان
عثمان ووقع الاختلاف بين أهل العراق وأهل الشام في القراءة
وأَعلمه حذيفة بذلك رأَى هو ومن بالحضرة من الصحابة إن يجمع
الناس على حرف واحد من تلك الاحرف وان يسقط ما سواه فيكون ذلك
مما يرتفع به الاختلاف ويوجب الاتفاق اذ كانت الامة لم تؤمر
بحفظ الاحرف السبعة وانما خُيّرت في ايّها شاءت لزمته واجزأها
كتخييرها في كفارة اليمين بالله بين الاطعام والكسوة والعتق لا
إن يجمع ذلك كله فكذلك السبعة الاحرف.
وقيل انما جمع الصحف في مصحف واحد لما في ذلك من حياطة القرآن
وصيانته وجعل المصاحف المختلفة مصحفا واحدا متفقا عليه واسقط
ما لا يصحّ من القراءات ولا يثبت من اللغات وذلك من مناقبه
وفضائله رضي الله عنه.
فان قيل لم جعل عثمان مع زيد غيره
هلا افرده بذلك كما فعل أبو بكر رضي الله عنه
قلت انما فعل ذلك حين بلغه اختلاف الناس في القراءة لكي يحصل
القرآن مجموعا على لغة قريش خاصّة اذ لغتها
(1/123)
القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم وان قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي على جبريل
عليهما السلام وهذه الاشياء توجب تقديمه لذلك وتخصيصه به لا
متناع اجتماعهما في غيره وان كان كل واحد من الصحابة رضوان
الله عليهم له فضله وسابقته فلذلك قدمه أبو بكر رضي الله عنه
لكتاب المصاحف وخصّة به دون غيره من سائر المهاجرين والانصار
ثم سلك عثمان رضي الله عنه طرق أبي بكر في ذلك اذ لم يسعه غيره
واذ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد قال اقتدوا بالذين من
بعدي أبي بكر وعمر فولاه ذلك أيضا وجعل معه
(1/124)
النفر القرشيين ليكون القرآن مجموعا على
لغتهم ويكون ما فيه لغات ووجوه من ذلك على مذهبهم دون مالا
يصحّ من اللغات ولا يثبت من القراءات
فهذا الجواب عما سئلنا عنه ووجه السبب في ذلك بالله التوفيق
وحسبنا الله ونعم الوكيل
تم كتاب الهجاء في المصاحف بحمد الله وحسن عونه.
(1/125)
|