الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا

 [القسم الثانى من الكتاب] التحقيق
«المدخل»
ويشمل:
1 - وصف المخطوطة.
2 - المنهج الذي اعتمدته فى التحقيق.

(المقدمة/77)


1 - وصف المخطوطة
ظل كتاب الناسخ والمنسوخ فى القرآن العزيز لأبي عبيد القاسم بن سلّام مفقودا لدى المعنيين بالتراث الإسلامي فترة من الزمن فى عصرنا الحاضر.
ولا أدل على صدق ذلك من أن الذين ترجموا لأبي عبيد اعتبروا هذا الكتاب مفقودا أو على الأقل سكتوا عنه فلم يوردوا له ذكرا من بين مصنفات الناسخ والمنسوخ. وكمثال للصنف الأول محمد عظيم الدين فى مقدمته على كتاب غريب الحديث لأبي عبيد إذ ذكر الناسخ والمنسوخ ضمن مصنفات أبي عبيد ثم أورد ما وصل إلينا منها فلم يذكره من بينها (1).
وكمثال على الصنف الثاني: محمد أشرف علي الملبارى فى مقدمته على كتاب نواسخ القرآن لابن الجوزي إذ عرّف بالكتب المخطوطة التي اطلع عليها فى الناسخ والمنسوخ وليس من بينها كتاب أبي عبيد (2).
وفعل ذلك أيضا محمد تجاني جوهري محقق فضائل القرآن عند ما ذكر الموجود من مصنفات أبي عبيد فاعتبر كتاب الناسخ والمنسوخ مفقودا (3).
ولعل السبب فى ذلك ندرة النسخ الخطية لهذا الكتاب إذ الموجود منه نسخة واحدة بتركيا، طوب قبو (أحمد الثالث) (143)، وما عداها صور للنسخة الوحيدة بتركيا. حيث يوجد الآن بقسم المخطوطات المكتبة المركزية لجامعة الإمام بالرياض صورة لها تحت رقم 602/ ف، وصورة أخرى مماثلة تحت رقم 2783/ ف. قد صورت هذه الأخيرة من صورة بدولة قطر تحت رقم 22/ 2783/ ف.
والصورة إذن الموجودة بقطر تعود إلى الأصل الذي بتركيا. فأصبح
__________
(1) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/ المقدمة حرف الطاء.
(2) انظر: نواسخ القرآن 25 - 29.
(3) انظر: فضائل القرآن لأبي عبيد «المحقق» قسم الدراسة.

(المقدمة/79)


للكتاب نسخة واحدة تلك التى مقرها طوب قبو أحمد الثالث. ولم أظفر بنسخة خطية أخرى للكتاب بعد طول مراجعه فى فهارس المكتبات العربية والعالمية فيما أمكنني الاطلاع عليه منها، وبعد الاطلاع على المصنفات المعنية بكتب التراث مثل تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين.
وبعد فإن النسخة التي حصلت عليها: فريدة فى خطها: لخلوه من السقط والمسح، والتحريف والتصحيف إلا فى القليل النادر. وقد نبهنا على ذلك فى موضعه.
وكاملة فى صفحاتها: ابتداء بالورقة الأولى المشتملة على اسم الكتاب وانتهاء بالورقتين الأخيرتين، إذ فى الأولى الدلالة على نهاية الكتاب وفيها وفى الثانية ذكر السماعات والإجازات البالغ عددها خمس.
ومع كمال النسخة الوحيدة للكتاب فقد سقطت صفحة من مقدمته أمكنني بفضل الله تلافي بعض هذا النقص بإكمال حديث أورد أبو عبيد إسناده وضاع متنه مع الصفحة الساقطة فالتمست ذلك الحديث فوجدته فى مسند الإمام أحمد فأوردته عملا بغلبة الظن بغية سد الخلل وذلك فى موضعه عند الأثر رقم (18) في مقدمة الكتاب.
وموثقة فى نصها: بتعليقات وتصويبات فى الهامش، وبمقابلتها بنسخ أخرى يتضح ذلك من خلال التعليقات المدونة على الهامش كأن تجد فى الهامش مثل هذا التعليق: السماع ... وفى نسخة أخرى ... وفى نسخة أخرى وهو الصواب ... وأمثال هذا كثير قد أشرت إليه فى موضعه.
وواضحة فى خطها: لا يجد القارئ حرجا وعناء أثناء قراءتها. قد كتبت بحروف كبيرة حتى أنك تجد فى السطر الواحد قرابة ست كلمات وتجد فى الصفحة الواحدة قرابة ستة عشر سطرا.
ومتصلة فى إسنادها إلى أبي عبيد.
ومزودة فى آخرها: بخمس إجازات وسماعات. فيها الدلالة على قيمة الكتاب واعتناء طلبة العلم والمشايخ بروايته وتناقله.

(المقدمة/80)


2 - المنهج الذي اعتمدته فى التحقيق
اعتمدت عند السير فى تحقيق كتاب: الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلّام الهروي، وما يتبع التحقيق من تخريج للأحاديث والآثار وترجمة للأعلام ونحو ذلك.
اعتمدت منهجا أجهدت نفسي فى التزامه والتقيد بخطوطه ومعالمه فكانت كالتالي:

أولا: تحقيق نص المخطوط:
1 - الضبط بالشكل لبعض الكلمات والأعلام مع التزام القواعد الإملائية للخط والقواعد الإعرابية للنحو.
2 - تصحيح الخطأ الحاصل من سقط بعض الحروف أو تقديم بعضها على بعض أو استبدال حرف بآخر، أو الحاصل من تبديل اسم أو علم بآخر أو آية بأخرى.
فإن كان الخطأ فى آية من كتاب الله فإنى أثبت الصواب فى أعلى الصحيفة فى الصلب وأشير إلى الخطأ فى الهامش، وإن كان الخطأ فيما سوى ذلك كتبت فى أعلى الصحيفة الخطأ كما هو وذكرت الصواب فى الهامش ويستثنى من ذلك حرف الجر (1)، والتصحيف (2)، والكلمة غير المقروءة (3).
3 - إن كان فى سياق الكلام الذي يورده أبو عبيد إبهام أو لبس أوضحت مراده فى الهامش.
4 - إن وجدت تعليقا فى هامش المخطوط ذا أهمية نقلته إلى الهامش وأشرت إلى ذلك.
__________
(1) مثل «عن» بدل «على».
(2) مثل: سعبه، سبعه.
(3) مثل: (بابي تلك النسخة) (بما فى تلك النسخة).

(المقدمة/84)


5 - أبدأ بالأثر أو الحديث من أول السطر جاعلا للأحاديث والآثار ترقيما مسلسلا.
6 - أجعل عبارة [قال أبو عبيد]- التي هي علامة على كلام المصنف وتعقيبه- من أول السطر.

ثانيا: التخريج:
1 - عند تخريج الأحاديث والآثار ألتزم بمصطلحات أهل الحديث فإن كان الحديث أو الأثر قد روي بلفظه عبرت عن ذلك بقولي: رواه فلان .. وإن كان ثمة اختلاف يسير فى اللفظ قلت: رواه بنحوه أو رواه بلفظ مقارب.
وإن اتفق المعنى مع اختلاف أكثر الألفاظ قلت: روى نحوا من معناه ...
2 - لم أكن لأخرج الحديث أو الأثر إلا من كتب السلف المعتمدة التي تروي بالإسناد كالكتب الستة، وتفسير الطبري، والناسخ والمنسوخ للنحاس، ونواسخ القرآن لابن الجوزي، ومصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق وأمثال هذه الكتب، فإن لم أجد الأثر فى واحد منها عزوته إلى الدر المنثور ذاكرا عزو السيوطي للأثر.
3 - عند تكرار الأثر أكتفي بتخريجه أول مرة ورد فيها.
4 - إذا ورد الأثر أو الحديث مجردا عن الإسناد أورد سنده فى الحاشية.
5 - إذا وجدت كلاما للعلماء على الحديث من ناحية التصحيح والتضعيف أو السند أو المتن نقلت ذلك غالبا إتماما للفائدة.
6 - عند ذكر المصدر فى الهامش أميزه بذكر رقم المجلد، والصفحة، والكتاب أو الباب إن وجد، والمحقّق إن كان محققا دون ذكر الطبعة إلا فيما لو كان المصدر محققا بعضه كالطبري، وكالمسند، فإني أميز غير المحقق بذكر الطبعة.

(المقدمة/85)


ثالثا: ترجمة الأعلام:
1 - أعرّف بالعلم بشكل مختصر معتمدا فى الغالب على التقريب والتهذيب لابن حجر، فإن لم يوجد فيهما ترجمة الرجل رجعت فى ذلك إلى كتب التراجم والرجال أو كتب التاريخ مثل: الجرح والتعديل، الميزان، طبقات ابن سعد، والتاريخ: كالبداية والنهاية، سيرة ابن هشام.
2 - أضبط بالشكل العلم إذا كان هناك لبس عند النطق به مثل عبيدة، عليّة.
3 - أترجم للعلم عند وروده أول مرة، فإن تكرر أكتفي بإزالة الإبهام عنه إن وجد.
4 - بعض الأعلام أتعمد عدم رفع الإبهام عنها نظرا لانفرادها فى الإبهام أو لتردد الإبهام بين شخصين كلاهما ثقة. فمن الأول عبد الرحمن بن مهدي، إبراهيم النخعي، ومن الثاني سفيان الثوري، سفيان بن عيينة. وفى الفهرس يرتفع هذا الإبهام.
5 - عند ذكر وفاة الرجل لا أكتفي بما قاله ابن حجر فى التقريب بل أعود إلى التهذيب نظرا لأن ابن حجر يختصر عند ذكره للوفاة فيقول مثلا: مات سنة سبعين لمن كانت وفاته سنة مائة وسبعين وذلك بعد ذكره أيّ طبقة يكون منها ذلك الرجل. فرفعا للبس أذكر وفاته على التمام.

رابعا: التعليق:
1 - في مواطن الخلاف أنقل بعض أقوال العلماء فى المسألة المختلف فيها كقول الطبري، ابن كثير، النحاس، ابن الجوزي، ابن حجر وهكذا ...
2 - أعلق فى بعض المواطن إن احتاج الأمر إلى ذلك كأن أجمع بين نصين، أو قولين، أو أرجح أو أستدرك على كلام لأحد العلماء بعد أن أورد قوله في الحاشية.

(المقدمة/86)


خامسا: التعريف بالأماكن والبلدان:
أغفلت ما كان مشهورا منها واقتصرت على تعريف الأماكن والبلدان التي يظن فشو الجهل بتحديدها ومعرفة مقرها. مثال ما تركته: مكة، المدينة، مصر ...
ومثال ما عرفت به: كابل، قديد، المريسيع. وكان المصدر الأهم فى ذلك معجم البلدان لياقوت.

سادسا: التعريف بالغريب
من الكلمات الواردة فى الكتاب معتمدا على كتب الغريب أو اللغة.

سابعا: المصطلحات والرموز:
1 - أعبر عن النسخة الخطية الوحيدة للكتاب بلفظ: المخطوط.
وعن التعليق المكتوب فى حاشية المخطوط بلفظ: هامش المخطوط.
مثال ذلك أن أقول: الذي فى المخطوط كذا .. ، وكتب فى هامشه كذا ..
2 - في ذكر المصدر أختصر بقدر لا يتأتى معه لبس فبدل أن أكتب:
انظر تقريب التهذيب المجلد الثاني صفحة اختصر فأقول التقريب 2/ 250.
وبدل أن أكتب: انظر جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأبي جعفر الطبري المجلد الأول تفسير آية ... أثر رقم () الصفحة رقم ...
اختصر فأقول: جامع البيان/// أثر () / ص ... وهكذا ...
3 - أرمز للكتاب «ك» وللباب «ب» وللتحقيق «ت» وللطبعة «ط».

ثامنا: صنع الفهارس:
1 - اخترت فى فهرسة الكتاب الاعتماد على ذكر أرقام الآثار والأحاديث دون الصفحات والذي دفعنى إلى هذا أمران:

(المقدمة/87)


أولهما: كثرة الآثار والأحاديث إذا قورنت بحجم الكتاب فما من صفحة في الغالب إلا ويوجد فيها أثر أو أكثر مما يجعل الرجوع إلى مكان الإحالة سهلا ميسرا.
ثانيهما: اختصار الجهد والوقت فلا أحتاج إلى إعادة الفهرسة ثانية بعد طبع الكتاب.
2 - عند فهرسة الآيات القرآنية أرتبها حسب ترتيب المصحف فأذكر الآية طرفا منها ثم أذكر مقابل ذلك أرقام الآثار المحددة لأماكن وجودها.
3 - عند فهرسة الأحاديث والآثار أرتبها حسب حروف المعجم مقتطعا منها ما يحصل به تمييز ذلك الأثر أو الحديث ثم أثبت الرقم مقابل ذلك.
4 - عند فهرسة الرجال أرتبهم حسب حروف المعجم مع مراعاة الآباء فمن كان اسم أبيه إبراهيم مثلا أقدمه على من كان اسم أبيه أحمد وهكذا ..
وإن كان العلم مشهورا بكنيته ذكرته مرتين فى الأسماء وفى الكنى.
وبعد الفراغ من ذكر الأسماء أجعل بعدهم الكنى ثم يلي ذلك الأبناء ثم تراجم النساء، وفى كل ترجمة أكتب اسم الرجل وأمامه أرقام الآثار الموجود فيها فإن كان مترجما فى أحدها جعلت علامة «م» فوق رقم الأثر المترجم له فيه.
5 - عند فهرسة الأماكن والبلدان أرتبها حسب حروف المعجم واضعا أمام كل منها أرقام الآثار الموجودة فيها.
فإن كان البلد أو المكان قد عرفت به جعلت الحرف «ع» فوق رقم الأثر الذي وقع عنده التعريف.
6 - إن مجيء رقم الأثر فى الفهرس أمام الآية القرآنية أو العلم أو البلد أو المكان لا يلزم من ذلك أن توجد هذه الأشياء داخل الأثر المذكور بل المراد حصر مكانها ما بين مبدأ الأثر المذكور إلى مبدأ الذي يليه وهكذا.

(المقدمة/88)


النّاسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسّنن

(المقدمة/89)


بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت على الشيخ الصالح بقية المشايخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرح بن غياث الأرياحي عن أبي الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي قال: أنبأنا أبو الحسن عبد الباقي بن أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى المقرئ الحمصي بخطه بمصر قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن عبيد بن موسى الرشا قراءة عليه وأنا أسمع سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. قال:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الموت قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز البغدادي (1) بمكة سنة أربع وثمانين ومائتين قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلّام قال باب فضل ....
__________
(1) علي بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور البغدادي أبو الحسن البغوي نزيل مكة صاحب أبي عبيد، الإمام الحافظ الصدوق، ولد سنة بضع وتسعين ومائة، قال ابن أبي حاتم: كتب إلينا بحديث أبي عبيد وكان صدوقا. توفي سنة ست وثمانين ومائتين.
انظر: (سير أعلام النبلاء 13/ 348، 349 - معجم الأدباء 14/ 11 - 14، تذكرة الحفاظ 2/ 622، 623).

(1/3)