الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا باب الشهادات وما
جاء فيها
قال أبو عبيد: اختلفت العلماء في نسخ أشياء من الشهادات التي
في التنزيل، منها الشهادة على البيع وشهادة القاذف وشهادة أهل
الكتاب على وصايا المسلمين.
262 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن
ابن جريج في قوله: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (2) قال:
سئل عطاء: أيشهد الرجل إذا بايع بنصف درهم فقال: نعم هو تأويل
قوله: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ (3).
263 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم عن
مغيرة (4) عن إبراهيم قال: تشهد ولو على دستجة (5) بقل (6).
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) بعض آية من سورة البقرة رقم (282) والتي تسمى بآية الدين
أطول آية في كتاب الله.
(3) رواه بمعناه ابن أبي حاتم في تفسيره البقرة قوله:
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ج 1 ورقة 223 من المخطوط.
(4) هو مغيرة بن مقسم الضبي.
(5) دستجة: بفتح الدال وسكون السين المهملة وقبل الجيم مثناة
فوقية هي: الحزمة والضغث فارسية معربة.
انظر: (تاج العروس 2/ 42).
(6) رواه النحاس في ناسخه البقرة «باب ذكر الآية التاسعة
والعشرين» ورقة 88 من المخطوط.
(1/144)
264 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا أبو أحمد الزبيري (1) عن سفيان عن ليث عن مجاهد عن ابن
عمر أنه كان إذا باع أشهد ولم يكتب (2).
قال أبو عبيد: هذا مذهب من رأى أن الآية محكمة (3) وهي عند
آخرين منسوخة.
265 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي
زائدة (4) عن العلاء بن المسيب (5) عن الحكم بن عتيبة في قوله:
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (6) قال: نسخت هذه الآية آية
الشهادة (7).
266 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم (8) عن داود بن أبي هند عن الشعبي فى قوله: فَإِنْ
أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً قال: إن أشهدت فحزم- أو كلمة
تشبهها- وإن تركت ففي حل وفي سعة (9).
__________
(1) أبو أحمد الزبيري: هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو
بن درهم الأسدي، أبو أحمد الزبيري الكوفي، ثقة، ثبت، إلا أنه
قد يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين.
(التقريب 2/ 176).
(2) لم أتمكن من تخريجه.
(3) وممن قضى بإحكام الآية أبو جعفر الطبري في جامع البيان حيث
قال عند تأويله للآية: يعني بذلك جل ثناؤه: وأشهدوا على صغير
ما تبايعتم وكبيرة من حقوقكم عاجل ذلك وآجله ونقده ونسائه، ثم
رجح إيجاب الإشهاد بقوله: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن
الإشهاد على كل مبيع ومشترى حق واجب وفرض لازم. جامع البيان ج
6 ص 82، 84 تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
(4) هو يحيى بن أبي زائدة.
(5) العلاء بن المسيب: ابن رافع الأسدي الكاهلي الكوفي، ذكره
ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد ثقة، وقال الحاكم: له أوهام
في الإسناد والمتن وقال بعضهم: كان يهم كثيرا وهو قول لا يعبأ
به، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم.
(التهذيب 8/ 192 - التقريب 2/ 94).
(6) سورة البقرة آية 283.
(7) لم أتمكن من تخريجه.
(8) هو إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة.
(9) رواه الطبرى: جامع البيان ج 6 ص 50 أثر (6335) تحقيق محمود
وأحمد شاكر.
(1/145)
267 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سألت الشعبي عنها فتلا
علي هذه الآية: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (1).
268 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا سليمان التيمي (2) قال: سألت الحسن عنها فقال: إن شاء
أشهد، وإن شاء لم يشهد، ألا تسمع قوله: فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً (3).
قال أبو عبيد: والعلماء اليوم من أهل الحجاز وأهل العراق
وغيرهم على هذا القول (4)، أن شهادة المبايعة ليست بحتم على
الناس إلا أن يشاءوا للآية الناسخة بعدها وهو قوله عز وجل:
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ويرون أن البيّعين مخيران في
الشهادة والترك، فهذا ما في نسخ شهادة البيوع.
__________
(1) روى نحوه الطبري فى جامع البيان، ج 6 ص 50 أثر (6336)
تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه ابن الجوزي فى نواسخ القرآن، البقرة ذكر الآية
الخامسة والثلاثين ج 1 ص 270 - 271 تحقيق محمد أشرف علي.
(2) سليمان التيمي: قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث وكان من
العباد المجتهدين، وقال ابن حبان في الثقات: كان من عباد أهل
البصرة وصالحيهم ثقة واتقانا وحفظا وسنة، توفي بالبصرة في ذي
القعدة سنة ثلاث وأربعين ومائة وهو ابن سبع وتسعين سنة. وقال
في التقريب: ثقة عابد.
(التهذيب 4/ 201 - التقريب 1/ 326).
(3) رواه بمعناه الطبري فى جامع البيان، البقرة ج 6 ص 83 أثر
(6403) تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه عبد الرزاق فى المصنف ج 8، كتاب الشهادات «باب
الشهداء إذا ما دعوا» ص 365 أثر (15562) تحقيق حبيب الرحمن
الأعظمي.
وروى نحوه ابن الجوزي فى نواسخ القرآن، البقرة- ذكر الآية
الخامسة والثلاثين ج 1/ ص 270 تحقيق محمد أشرف علي.
(4) في المخطوط، باثبات «غير» والصواب حذفها لتقسيم العبارة.
(1/146)
269 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
وحدثنا حجاج (1) عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني
عن ابن عباس فى قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (2). قال: ثم
استثنى فقال:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (3) قال: فتاب عليهم من الفسق فأما
الشهادة فلا تجوز (4).
270 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا جرير (5) عن
منصور (6) عن تميم بن سلمة (7) قال: جاء ناس يشهدون عند شريح
فيهم رجل قد جلد في قذف فقال له شريح: يا فلان قم فقد عرفناك
(8).
271 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا الشيباني (9) عن الشعبي عن شريح قال: لا تقبل شهادة
القاذف أبدا
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(2) سورة النور آية/ 4/.
(3) سورة النور آية 5.
(4) أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى أبي داود في
ناسخه وابن المنذر: سورة النور ج 6 ص 131.
(5) جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري
وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، مات سنة ثمان وثمانين ومائة وله
إحدى وسبعون سنة.
(التقريب 1/ 127).
(6) هو منصور بن المعتمر.
(7) تميم بن سلمة السلمي الكوفي: قال ابن معين والنسائي: ثقة،
وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث وذكره ابن حبان في الثقات،
مات سنة مائة، وقال في التقريب: ثقة من الثالثة.
(التهذيب 1/ 512 - التقريب 1/ 113).
(8) روى نحوه محمد بن خلف بن حيان- المعروف بوكيع- أخبار
القضاة ج 2 ص 284.
وروى نحوه أيضا عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم وقال حبيب
الرحمن الأعظمي في تحقيقه للمصنف: أكبر ظني أنه سقط من الإسناد
«عن شريح» فقد رواه وكيع في أخبار القضاة عن إبراهيم عن شريح.
انظر: المصنف ج 7، كتاب الطلاق «باب ولا تقبلوا لهم شهادة
أبدا» ص 387 أثر (13574).
قلت: ومما يؤكد أن شريحا قد سقط من إسناده رواية أبى عبيد هذه.
(9) هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني.
(1/147)
توبته فيما بينه وبين الله عز وجل (1).
272 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا يونس (2) عن الحسن ومغيرة (3) عن إبراهيم أنهما قالا
مثل ذلك (4).
273 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير
(5) عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أنهما
قالا مثل ذلك (6).
274 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا الهيثم بن
جميل عن شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مثل ذلك (7).
__________
(1) روى نحوه عبد الرزاق فى المصنف، كتاب الشهادات «باب شهادة
القاذف» ج 8 ص 363 أثر (15553) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 18 ص 62 ط دار المعرفة.
ورواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 10، كتاب الشهادات «باب من
قال: لا تقبل شهادته» ص 156.
(2) هو يونس بن عبيد بن دينار العبدى.
(3) هو مغيرة بن مقسم الضبي.
(4) قول إبراهيم النخعي روى نحوه عبد الرزاق في المصنف وقول
الحسن رواه بلفظه الصنعاني أيضا.
انظر: المصنف ج 8، كتاب الشهادات «باب شهادة القاذف» ص 363 أثر
(15551) و (15554) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
ورواه الطبري عن الحسن وإبراهيم بإسنادين فى جامع البيان ج 18
ص 62 ط دار المعرفة.
ورواه البيهقي بسنده عن الحسن وإبراهيم فى السنن الكبرى ج 10،
كتاب الشهادات «باب من قال لا تقبل شهادته» ص 156.
(5) من قوله: «حدثنا محمد بن كثير» إلى قوله «حدثنا الهيثم»
مكتوب في هامش المخطوط فأعدته إلى موضعه.
(6) قول الحسن سبق في الأثر الذي قبله، وقول ابن المسيب رواه
الطبري: جامع البيان ج 18 ص 62 ط دار المعرفة.
(7) رواه البيهقي بسنده عن سعيد بن جبير فى السنن الكبرى ج 10،
كتاب الشهادات «باب من قال لا تقبل شهادته» ص 156.
(1/148)
قال أبو عبيد: فهذا قول من رأى التوبة إنما
نسخت الفسق وحده. وقال آخرون: إنما نسخت الفسق وإسقاط الشهادة
معا.
275 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى
قوله:
وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ
الْفاسِقُونَ قال: ثم قال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا قال فمن
تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله عز وجل تقبل (1).
276 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم
(2) عن محمد بن مسلم الطائفى عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن
المسيب: أن عمر استتاب الذين شهدوا على فلان (3) فتاب اثنان
وأبى أبو بكرة (4) أن يتوب فكانت شهادتهما تقبل وكان أبو بكرة
لا تقبل شهادته (5).
__________
(1) رواه الطبري/ جامع البيان/ ج 18/ ص 62/ ط دار المعرفة.
ورواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 10، كتاب الشهادات «باب شهادة
القاذف» ص 153.
(2) هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم.
(3) في حاشية المخطوط كتب عند كلمة «فلان»: هو المغيرة بن
شعبة.
(4) أبو بكرة: نفيع بن الحارث بن كلدة (بفتحتين) بن عمرو
الثقفي، صحابي مشهور بكنيته، روى عن النبي- صلّى الله عليه
وسلم- قال العجلي: كان من خيار الصحابة، أسلم بالطائف ثم نزل
البصرة ومات بها سنة إحدى أو اثنتين وخمسين.
(التهذيب 10/ 469 - التقريب 2/ 306).
(5) روى نحوه عبد الرزاق فى المصنف ج 8 كتاب الشهادات «باب
شهادة القاذف»، أثر (15550) ص 362 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى ج 10، كتاب الشهادات «باب
شهادة القاذف» ص 152.
قال التركماني في الجوهر النقي عند رواية البيهقي لهذا الأثر:
أولا: تقدم غير مرة أن مالكا وابن معين أنكرا سماع ابن المسيب
من عمر وقد ذكر البيهقي فيما مضى من قريب في باب الشهادة على
الطلاق والرجعة أن روايته عنه مرسلة.
ثانيا: أن ابن المسيب الذي روى عن عمر قبول شهادته إذا تاب،
خالفه في ذلك ففي مصنف ابن أبي شيبة ثنا أبو داود الطيالسي عن
حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا: لا
شهادة له وتوبته فيما بينه وبين الله- وهذا سند صحيح على شرط
مسلم. أ. هـ بتصرف يسير.
المرجع السابق ص 153، 154.
(1/149)
277 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث قال: حدثني ابن شهاب: أن عمر
استتاب أبا بكرة فيما قفا به فلانا فأبى أن يتوب وزعم أن ما
قال حق، وأقام على ذلك فلم يكن تجوز له شهادة، قال: قال ابن
شهاب: فأما من تاب واعترف فإن شهادته تقبل (1).
278 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا الفرج بن
فضالة (2) عن محمد بن الوليد الزبيدي (3) عن الزهري قال: إذا
أكذب نفسه فهي توبته وتقبل شهادته (4).
__________
(1) روى نحوه عبد الرزاق وليس في روايته ذكر قول ابن شهاب:
«فأما من تاب واعترف ... ». المصنف ج 8 كتاب الشهادات «باب
شهادة القاذف» أثر (15549) ص 362 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه البيهقي بتلك الزيادة فى السنن الكبرى ج 10، كتاب
الشهادات «باب شهادة القاذف» ص 152، 153.
قال سفيان: سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته وشككت فيه
فلما قمنا سألت من حضر فقال لي عمر بن قيس: هو سعيد بن المسيب،
قال الشافعي- رحمه الله-: فقلت له: فهل شككت فيما قال لك؟ قال:
لا هو سعيد بن المسيب غير شك، قال الشافعي- رحمه الله-: وكثيرا
ما سمعته يقول: «عن سعيد إن شاء الله، وقد رواه غيره من أهل
الحفظ عن سعيد ليس فيك شك» أ. هـ- المرجع السابق.
وقد روى الطبري نحوا من قول الزهري: (فأما من تاب واعترف) الخ
.. جامع البيان ج 18 ص 16 ط دار المعرفة.
وروى البخاري قول الزهري تعليقا فى صحيح البخاري ج 3، كتاب
الشهادات «باب شهادة القاذف» ص 150.
(2) الفرج بن فضالة بن النعمان التنوخي الشامي، ضعيف، من
الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة.
(التقريب 2/ 108).
(3) محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي، بالزاي والموحدة، مصغرا،
أبو الهذيل الحمصي، القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، من
السابعة، مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين ومائة.
(التقريب 2/ 215).
(4) روى نحوه عبد الرزاق فى المصنف ج 8 كتاب الشهادات «باب
شهادة القاذف» ص 362 أثر (15548) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
(1/150)
279 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا ابن أبي مريم (1) عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران (2)
أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن ذلك فقالا: نكره
شهادته ما لم تر منه توبة (3).
280 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيدة قال: حدثنا عبد الرحمن
بن مهدي عن سفيان عن أبي الهيثم (4) قال: سمعت إبراهيم والشعبي
يتذاكران شهادة القاذف فقال: الشعبي لإبراهيم: لم لا تقبل
شهادته قال: لأني لا أدري أتاب أم لا (5).
281 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (6) عن
إسماعيل بن أبي خالد (7) عن الشعبي قال: إذا تاب قبلت شهادته،
يقبل الله منه ولا تقبلون شهادته؟ قال: وقال محارب بن دثار
(8): تجوز شهادته (9).
__________
(1) هو أبو بكر بن عبد الله بن أبى مريم.
(2) خالد بن أبي عمران التجيبي، أبو عمرو، قاضي افريقية، فقيه
صدوق من الخامسة، مات سنة خمس وقيل تسع وعشرين ومائة.
(التقريب 1/ 217).
(3) لم أتمكن من تخريجه.
(4) أبو الهيثم: المرادي الكوفي، قال أبو حاتم: لا بأس به،
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق من السادسة.
(التهذيب 12/ 269، التقريب 2/ 485).
(5) رواه عبد الرزاق في المصنف ج 8 كتاب الشهادات «باب شهادة
القاذف» ص 363 أثر (15551) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
ورواه الطبري فى جامع البيان ج 18 ص 61 ط دار المعرفة.
(6) هو يزيد بن هارون.
(7) هو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي.
(8) محارب (بضم أوله وكسر الراء) بن دثار (بكسر المهملة وتخفيف
المثلثة) السدوسي الكوفي القاضي، ثقة إمام زاهد، من الرابعة،
مات سنة ست عشرة ومائة.
(التقريب 2/ 230).
(9) روى البخاري كلا القولين تعليقا: صحيح البخاري، كتاب
الشهادات «باب شهادة القاذف والسارق والزاني» ج 3 ص 150.
وروى قول الشعبي عبد الرزاق في المصنف ج 8 كتاب الشهادات «باب
شهادة القاذف» أثر (15552) ص 363 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه البيهقى عن الشعبي فى السنن الكبرى ج 10، كتاب
الشهادات «باب شهادة القاذف» ص 153.
ورواه الطبري بسنده عن الشعبي فى جامع البيان ج 18 ص 60 ط دار
المعرفة.
(1/151)
282 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا محمد بن يزيد (1) عن العوام بن خوشب عن حبيب بن أبي ثابت
[عن] (2) ابن عمر عن عبد الله بن عتبة (3) أنه أجاز شهادة
المفتري (4).
283 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير
قال: إذا أكذب نفسه وتاب مما قال فشهادته جائزة (5).
284 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم (6) عن ابن أبي نجيح قال: إذا تاب القاذف تجوز شهادته،
قال: وقال كلنا نقوله، قال إسماعيل قلنا من؟ أو قيل من؟ فقال:
عطاء وطاوس ومجاهد (7).
__________
(1) محمد بن يزيد الكلاعي: مولى خولان، أبو سعيد الواسطي أصله
شامي ثقة ثبت عابد، من كبار التاسعة، مات سنة تسعين ومائة
(التقريب 2/ 219).
(2) في المخطوط هكذا: (عن حبيب بن أبي ثابت بن عمر) والصواب ما
أثبتناه بزيادة [عن] إذ أن ابن عمر من شيوخ حبيب بن أبي ثابت.
(3) عبد الله بن عتبة: ابن مسعود الهذلي، أبو عبد الله، أدرك
النبي- صلّى الله عليه وسلم- ورآه وروى عنه، قال ابن سعد: كان
ثقة رفيعا كثير الحديث والفتيا فقيها، وقال العجلي تابعي ثقة،
مات سنة
ثلاث أو أربع وسبعين.
(التهذيب 5/ 311).
(4) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 18 ص 61 ط دار المعرفة
وفي روايته القاذف بدل المفتري. قلت ومراد عبد الله بن عتبة
اجازة شهادة المفتري القاذف بعد صدور التوبة منه.
وروى نحوه البخاري في صحيحه تعليقا، كتاب الشهادات «باب شهادة
القاذف والسارق والزاني» ج 3 ص 150.
(5) رواه الطبري من قول الشعبي فى جامع البيان ج 18 ص 60 ط دار
المعرفة.
(6) هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية.
(7) رواه الطبري بسنده عن ابن أبي نجيح فى جامع البيان ج 18 ص
60 ط دار المعرفة.
ورواه الشافعي في الأم ج 7، كتاب الشهادات «باب شهادة القاذف»
ص 89.
وروى قول طاوس ومجاهد البخاري تعليقا فى صحيح البخاري، كتاب
الشهادات «باب شهادة القاذف والسارق والزاني» ج 3 ص 150.
(1/152)
285 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا يحيى بن بكير عن مسعر بن كدام (1) عن عمران بن عمير (2)
عن عبد الله بن عتبة: أنه أجاز شهادة المفتري.
286 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية
(3) عن مسعر بن كدام عن عمران بن عمير عن عبد الله بن عتبة أنه
أجاز شهادة القاذف.
287 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير
عن مالك بن أنس أنه كان يقول مثل ذلك يرى شهادته جائزة إذا تاب
(4).
قال أبو عبيد: وهذا قول أهل الحجاز جميعا، وأما أهل العراق
فيرون شهادته غير مقبولة أبدا وإن تاب، وكلا الفريقين إنما
تأول فيما نرى الآية، فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام
انقطع من عند قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً
ثم استأنف فقال: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة
وأما الآخرون فذهبوا إلى أن الكلام بعضه معطوف على بعض فقال:
وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ
الْفاسِقُونَ ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل الكلام
ورأوا أنه منتظم له.
قال أبو عبيد: والذى يختار هذا القول لأن من قال به أكثر
وأعلى، منهم
__________
(1) مسعر بن كدام: (بكسر أوله وتخفيف ثانيه) ابن ظهير الهلالي،
أبو سلمة الكوفي، ثقة ثبت فاضل، من السابعة، مات سنة ثلاث أو
خمس وخمسين ومائة.
(التقريب 2/ 243).
(2) عمران بن عمير: الهذلي الكوفي مولى عبد الله بن مسعود وأخ
القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لأمه، قال البخاري:
حديثه في الكوفيين، وقال ابن أبي حاتم: نحوه.
(التهذيب 8/ 136).
(3) هو محمد بن خازم أبو معاوية الضرير.
(4) لم أتمكن من تخريجه.
(1/153)
عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فمن وراءه
(1) مع أنه في النظر على هذا أصح ولا يكون المتكلم بالفاحشة
أعظم جرما من راكبها، ألا ترى أنهم لا يختلفون في العاهر أنه
مقبول الشهادة إذا تاب فراميه بها أيسر جرما إذا نزع عما قال
وأكذب نفسه، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا قبل الله
عز وجل التوبة من عبده كان العباد بالقبول أولى، مع أن مثل هذا
الاستثناء موجود في مواضع من القرآن، من ذلك قوله عز وجل:
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ
خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم قال بعد ذلك: إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا (2) فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء
ناسخ للآية من أولها وأن التوبة لهؤلاء جميعا بمنزلة واحدة،
وكذلك قوله عز وجل في الطهور حين قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى
تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّى تَغْتَسِلُوا ثم قال: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً (3) فصار التيمم لاحقا بمن وجب عليه
الاغتسال كما لحق من وجب عليه الوضوء في سنة النبي- صلّى الله
عليه وسلم- حين أمر عمارا (4) وأبا ذر (5) بذلك، وعلى هذا
المعنى تأول من رأى شهادة القاذف جائزة لأنه كلام واحد بعضه
معطوف على بعض وبعضه تابع بعضا، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به.
__________
(1) في المخطوط بلا همز والصواب إثباتها.
(2) سورة المائدة آية 34.
(3) سورة النساء آية 43.
(4) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي، أبو اليقظان، مولي
بني مخزوم، صحابي جليل مشهور، من السابقين الأولين، بدري، قتل
مع علي بصفّين سنة سبع وثلاثين.
(التقريب 2/ 48).
(5) أبو ذر الغفاري: الصحابي المشهور، اسمه جندب بن جنادة على
الأصح، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرا، ومناقبه
كثيرة جدا، مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان.
(التقريب 2/ 420).
(1/154)
|