الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا باب الحدود وما نسخ
منها
238 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (1) عن
ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في
قوله عز وجل: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ
نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى
يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ
سَبِيلًا (2) قال: وقال في المطلقات: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. قال: هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة
النور في الجلد، فنسختها هذه الآية: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي
فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (3) قال:
فالسبيل الذي جعله الله عز وجل لهن الجلد والرجم، فإذا جاءت
اليوم بفاحشة مبينة فإنها تخرج وترجم بالحجارة (4).
239 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه
الآية في قوله: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما
(5) قال: كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، وكان
الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير والضرب بالنعال، قال:
ثم أنزل الله عز وجل: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ
__________
(1) هو حجاج بن محمد المصّيصي.
(2) سورة النساء آية/ 15/.
(3) سورة النور آية/ 2/.
(4) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى أبي داود في ناسخه وابن
أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس ج 2 سورة النساء ص 455.
(5) سورة النساء آية 16.
(1/132)
قال: وإن كانا محصنين رجما بسنة رسول الله-
صلّى الله عليه وسلم- قال: فهو سبيلهما الذي جعل الله عز وجل
لهما- يعني قوله: يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (1).
240 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر
(2) عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن حطّان بن عبد الله الرقاشي
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه- خذوا
عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر والثيب بالثيب البكر
يجلد وينفى والثيب يجلد ويرجم (3).
241 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (4) عن
ميمون المرائي عن الحسن عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن
الصامت قال:
كان رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحى عرفنا
ذلك فيه وغمّض عينيه وتربّد (5) وجهه قال: فنزل عليه فسكتنا،
فلما سرّي عنه قال: خذوهن اقبلوهن
__________
(1) رواه الطبري مفرقا فى جامع البيان ج 8 الأثران (8797)،
(8822) ص 74، 85 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
ورواه البيهقي فى السنن الكبرى، كتاب الحدود «باب ما يستدل به
على أن السبيل هو جلد الزانيين ورجم الثيب» ج 8 ص 211/.
وروى نحوه ابن الجوزي/ نواسخ القرآن باب ما أدعي عليه النسخ من
سورة النساء ذكر الآية السادسة والسابعة ج 1 ص 328 تحقيق محمد
أشرف علي.
(2) هو هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي المكنّى بأبي النضر.
(3) رواه مسلم، كتاب الحدود «باب حد الزنى» ج 3 ص 1317 تحقيق
عبد الباقي.
وروى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 8 الأثران (8805) و (8807)
ص 76، 77/ تحقيق محمود وأحمد شاكر.
وروى نحوه الدارمي في سننه، كتاب الحدود «باب تفسير قوله
تعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» ج 2 ص 181.
(4) لم يتبين لي من يزيد هذا.
(5) تربد واربدّ: أي تغير وجهه إلى الغبرة، وقيل الرّبدة: لون
بين السواد والغبرة.
(النهاية 2/ 183).
(1/133)
قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد
مائة ثم نفي عام والثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم (1).
قال أبو عبيد: فهذا ما نسخ من حدود المسلمين فى الزنا، وأما ما
نسخ من حدود أهل الذمة:
242 - فإن هشيما حدثنا قال: أخبرنا مغيرة (2) عن إبراهيم
والشعبى فى قوله عز وجل: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ
عَنْهُمْ (3) قالا: فإذا ارتفع أهل الكتاب إلى حكام المسلمين،
فإن شاء الحاكم حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فإن حكم بينهم حكم
بما في كتاب الله عز وجل (4).
243 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (5) عن
ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في
قوله عز
__________
(1) روى نحوه مسلم بسنده عن عبادة بن الصامت، كتاب الحدود «باب
حد الزنى» ج 3 ص 1317 تحقيق عبد الباقي.
وروى نحوه ابن ماجة، كتاب الحدود «باب حد الزنى» ج 2 ص 852
تحقيق عبد الباقي.
(2) هو المغيرة بن مقسم الضبي.
(3) سورة المائدة آية 42.
(4) روى نحوه الطبرى فى جامع البيان ج 10 ص 330 أثر (11983)
تحقيق محمود محمد شاكر.
وروى نحوه النحاس فى الناسخ والمنسوخ المخطوط ورقة 138 وليس فى
روايته (حكم بما فى، كتاب الله).
وروى نحوه الصنعاني فى المصنف ج 6، كتاب الحدود «باب حدود أهل
العهد» أثر (10008) ص 63 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
وروى نحوه البيهقي فى السنن الكبرى، كتاب الحدود «باب ما جاء
في حد الذميين ومن قال إن الإمام مخيّر» ج 8 ص 246.
(5) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(1/134)
وجل: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ
عَنْهُمْ قال: نسخها قوله عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (1) (2).
244 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا منصور (3) عن الحكم (4) عن مجاهد في قوله: وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قال: نسخت ما قبلها
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (5).
245 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن
عن سفيان عن السدّي (6) عن عكرمة: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ
أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال:
نسختها وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (7).
246 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
__________
(1) سورة المائدة آية 49.
(2) روى نحوه الحاكم فى المستدرك ج 2 ص 312 وقال: صحيح الإسناد
ولم يخرجاه وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
وروى نحوه البيهقى فى السنن الكبرى ج 8 ص 249، كتاب الحدود
«باب ما جاء فى حد الذميين ومن قال إن الإمام مخير في الحكم
بينهم».
(3) هو منصور بن زاذان الواسطي.
(4) هو الحكم بن عتيبة.
(5) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 10 ص 331 أثر (11990)
تحقيق محمود محمد شاكر.
ورواه ابن الجوزي فى نواسخ القرآن الآية السادسة من المائدة ج
2 ص 398 تحقيق محمد أشرف علي.
ورواه النحاس فى الناسخ والمنسوخ «باب ذكر الآية السادسة من
المائدة» المخطوط ورقة 139.
(6) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي.
(7) رواه الطبري فى جامع البيان ج 10 أثر (11988) ص 331 تحقيق
محمود شاكر.
وروى نحوه عبد الرزاق فى المصنف، كتاب الحدود «باب حدود أهل
العهد» ج 6 أثر (10010) ص 63 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
ورواه البيهقي فى السنن الكبرى، كتاب الحدود «باب ما جاء في حد
الذميين» ج 8 ص 249.
(1/135)
أخبرنا العوام بن حوشب (1) عن إبراهيم
التيمي (2) في قوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ قال: بالرجم (3).
247 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (4) عن
سفيان بن حسين عن الحكم (5) عن مجاهد قال: لم ينسخ من المائدة
إلا آيتين قوله عز وجل: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ
عَنْهُمْ نسخها قوله عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ قال: وقوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ
وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ (6) نسخها قوله: فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (7).
__________
(1) العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، ثقة،
ثبت فاضل، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
(التقريب 2/ 89).
(2) إبراهيم بن يزيد بن شريك (بفتح الشين وكسر الراء) التيمي،
يكنى أبا أسماء، الكوفي العابد، ثقة، إلا أنه يرسل ويدلس، من
الخامسة مات سنة اثنتين وتسعين وله أربعون سنة.
(التقريب 1/ 46).
(3) رواه الطبري وفي روايته ذكر آية وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ولم يذكر وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِما أَنْزَلَ اللَّهُ جامع البيان ج 10 ص 335/ أثر (11999)
تحقيق محمود محمد شاكر.
ورواه البيهقي فى السنن الكبرى ج 8، كتاب الحدود «باب ما جاء
في الذميين ومن قال: إن الإمام مخير في الحكم بينهم وإن حكم
حكم بما أنزل الله» ص 246/ والذي في روايته فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ كما عند الطبري وأورده السيوطي في الدر
عند آية فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ. الدر المنثور ج 3 ص
84 - قلت: لعل أبا عبيد أوهم بذكره لآية وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ إذ الثابت آية فَاحْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ كما هي كذلك عند الطبري في جامعه،
والبيهقي في سننه والسيوطي في درّه.
(4) هو يزيد بن هارون.
(5) هو الحكم بن عتيبة.
(6) سورة المائدة آية 2.
(7) سورة التوبة آية 5.
(1/136)
248 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن بيان (1) عن الشعبي قال: لم ينسخ
من المائدة إلا قوله عز وجل:
لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ (2).
249 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسحاق بن
يوسف (3) عن ابن عون (4) قال: سألت الحسن هل نسخ من المائدة
شيء؟
فقال لا (5).
250 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن
عن إسرائيل (6) عن أبي إسحاق (7) عن أبي ميسرة (8) قال: في
المائدة ثماني عشرة فريضة وليس فيها منسوخ (9).
__________
(1) بيان بن بشر الأحمسي البجلي أبو بشر الكوفي المعلم، قال
أحمد: ثقة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في
التقريب: ثقة ثبت، من الخامسة.
(التهذيب 1/ 506 - التقريب 1/ 111).
(2) رواه الطبري فى جامع البيان ج 9 ص 475 أثر (10964) تحقيق
محمود محمد شاكر.
وروى نحوه أبو جعفر النحاس فى الناسخ والمنسوخ المخطوط ورقة
123 سورة المائدة.
وروى نحوه ابن الجوزي فى نواسخ القرآن ذكر الآيات التي ادعي
عليهن النسخ في سورة المائدة ج 2 ص 382 تحقيق محمد أشرف علي.
(3) هو إسحاق بن يوسف الأزرق.
(4) هو عبد الله بن عون.
(5) رواه ابن الجوزي في نواسخ القرآن ج 2 ص 376 «باب ذكر
الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في المائدة تحقيق محمد أشرف
علي».
(6) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعى الهمداني، أبو يوسف
الكوفي ثقة، من السابعة، مات سنة ستين ومائة.
(التقريب 1/ 64).
(7) هو أبو إسحاق السبيعي.
(8) هو عمرو بن شرحبيل الكوفي.
(9) روى نحوه النحاس فى ناسخه سورة المائدة اختلاف العلماء في
هذه السورة: المخطوط ورقة 122.
(1/137)
قال أبو عبيد: فهذا ما جاء في نسخ حدود
الزنا، وأما حدود القصاص 251 - فإن هشيما حدثنا قال: أخبرنا
داود بن أبى هند (1) عن الشعبي في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ
بِالْعَبْدِ (2) قال: كان بين حيين من أحياء العرب قتال وكان
لأحد الحيين تفضل على الأخرى، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحر
منكم وبالمرأة منا الرجل فنزلت هذه الآية فأمرهم رسول الله-
صلّى الله عليه- أن يتباءوا (3) قال: هكذا قال هشيم، وهي في
العربية: يتباووا (4) مثالها يتباءوا (5).
252 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ قال: كانوا
__________
قال الطبري بعد سياقه للآثار عن الصحابة والتابعين حول تخيير
الحاكم في الحكم بين أهل الكتاب:
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن حكم هذه
الآية ثابت لم ينسخ وأن للحكام من الخيار في الحكم بين أهل
العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وترك الحكم بينهم والنظر
مثل الذي جعله الله لرسوله- صلّى الله عليه وسلم- من ذلك في
هذه الآية. جامع البيان ج 10 ص 333 تحقيق محمود محمد شاكر.
(1) داود بن أبي هند القشيري مولاهم، أبو بكر أو أبو محمد،
البصري، ثقة متقن، كان يهم بآخرة، من الخامسة، مات سنة أربعين
ومائة.
(التقريب 1/ 235).
(2) (سورة البقرة آية 178).
(3) هكذا في المخطوط، وقد أورد ابن الأثير في النهاية الأثر
بلفظ «يتباءوا» بهمزة قبل الواو.
قلت وهو الصحيح كما سيتبين ذلك عند بيان الغريب في الهامش الذي
يليه.
(4) هكذا في المخطوط والصواب «يتباوءوا» بالهمز مثل يتباوعوا،
ويتباوءوا من البوء وهو المساواة، يقال: باوأت بين القتلى أي
ساويت، قال ابن الأثير بعد إيراده لأثر ابن عباس هذا: وقال
غيره (أي غير أبي عبيد): يتباءوا صحيح، يقال: باء به إذا كان
كفؤا له وهم بواء، أي أكفاء، معناه ذوو بواء.
(النهاية 1/ 160).
(5) رواه بمعناه الطبري فى جامع البيان ج 3 الآية 178 من
البقرة أثر (2558) ص 358 - 359 تحقيق محمود وأحمد شاكر.
(1/138)
لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون
الرجل بالرجل والمرأة، بالمرأة، فأنزل الله عز وجل: النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ (1) قال: فجعل الأحرار فى القصاص سواء فيما بينهم
في العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس (2) متساوين
فيما بينهم في العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم
(3).
قال أبو عبيد: يذهب ابن عباس فيما نرى إلى أن الآية التي في
المائدة النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ليست بناسخة للتي في البقرة:
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ولا هي خلافها،
ولكنهما جميعا محكمتان إلا أنه رأى أن التي في المائدة
كالمفسرة للتي في البقرة فتأول أن قوله: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
إنما هو على أن أنفس الأحرار متساوية فيما بينهم دون العبيد
وأنهم يتكافئون دماؤهم ذكورا كانوا أم إناثا، وأن أنفس
المماليك متساوية فيما بينهم دون الأحرار تتكافأ دماؤهم ذكورا
كانوا أم إناثا، وأنه لا قصاص للمماليك على الأحرار في شيء من
ذلك من نفس ولا ما دونها لقوله عز وجل: الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وهذا قول مالك بن أنس وأهل الحجاز لا
يرون أن يقتص من الحر للمملوك في نفس ولا غيرها، وأما أهل
العراق فيرون أن من رأى منهم أن آية الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ منسوخة نسختها النَّفْسَ بِالنَّفْسِ
فى قوله، فيجعلون بين الأحرار والعبيد القصاص فى النفس خاصة
ولا يرون فيما دون ذلك بينهم قصاص.
__________
(1) (سورة المائدة آية 45).
(2) في الأثر سقط وتمامه: فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما
بينهم في العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس وجعل
العبيد متساوين فيما بينهم في العمد في النفس وفيما دون النفس
رجالهم ونساؤهم.
أنظر: الأثر بتمامه عند الطبري.
(3) رواه الطبري فى جامع البيان ج 3 أثر (2572) ص 362 تحقيق
محمود وأحمد شاكر.
وروى أوله النحاس في ناسخه فى المخطوط ورقة 14.
(1/139)
قال أبو عبيد: والقول الذي نختاره في هذا
ما قال أهل المدينة من جهتين أحدهما: تأويل القرآن الذي فسره
ابن عباس، والأخرى أنه قول يوافق بعضه بعضا ولا يختلف، وأما
القول الآخر فليس بمتفق من التنزيل إنما هو على نسق واحد:
أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ
بِالسِّنِّ فأخذ هؤلاء بأول الآية (1) وهو قوله: النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ وتركوا ما وراء ذلك، وليس لأحد أن يفرق بين ما جمع
الله عز وجل فيأخذ ببعضه دون بعض إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو
سنة، فهذا ما نسخ من حدود القرآن وأما ما نسخ من حدود السنة:
253 - فإن هشيما حدثنا قال: أخبرنا عبد العزيز بن صهيب وحميد
(2) قالا: حدثنا أنس بن مالك: أن ناسا من عرينة (3) قدموا على
النبي- صلّى الله عليه- المدينة فاجتووها (4) فقال لهم رسول
الله- صلّى الله عليه- إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة
فتشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحّوا ومالوا على الرعاء
فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام واستاقوا ذود (5) رسول الله- صلّى
الله عليه وسلم- فبلغ ذلك رسول الله- صلّى الله عليه- فبعث في
آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم (6) وتركوا
بالحرة حتى ماتوا (7).
__________
(1) في المخطوط بالتاء من التأويل والصواب بالباء من العدد.
(2) هو حميد الطويل.
(3) عرينة: تصغير عرنة: موضع ببلاد فزارة، وقيل: قرى بالمدينة،
وعرينة: قبيلة من العرب.
(النهاية 4/ 115).
(4) اجتووها: أي أصابهم الجوى: وهو المرض وداء الجوف إذا
تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها.
(النهاية 1/ 318).
(5) الذود من الإبل وهو ما بين الثنتين إلى التسع، قال أبو
عبيد: الذود من الإناث دون الذكور.
(النهاية 2/ 171).
(6) سمل أعينهم: أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل هو
فقؤها بالشوك، والسّمل والسّمر بمعنى واحد.
(النهاية 2/ 403).
(7) روى نحوه البخاري في صحيحه ج 8، كتاب الحدود «باب
المحاربين من أهل الكفر والردة» ص 19
(1/140)
254 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد (1) عن أنس عن النبي- صلّى الله
عليه وسلم- مثل ذلك.
255 - أخبرنا علي قال حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مالك بن
إسماعيل عن زهير بن معاوية عن سماك بن حرب بن معاوية بن قرّة
عن أنس عن النبي- صلّى الله عليه- مثل ذلك إلا أنه قال: وسمرّ
أعينهم، قال: والمحفوظ عندنا اللام (2).
قال أبو عبيد: وقد ذكرت العلماء أن هذا قد نسخ وأنه كان في أول
الإسلام.
256 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن
بن مهدي عن همام (3) عن قتادة عن ابن سيرين قال: كان أمر
العرنيين قبل أن تنزل الحدود (4).
257 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (5) عن
ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم (6) أنه سمع سعيد بن جبير
يحدّث بهذا الحديث إلا أنه جعلهم من بني سليم، قال: ثم نزلت:
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
__________
وروى نحوه مسلم ج 3، كتاب القسامة «باب حكم المحاربين
والمرتدين» ص 1296 تحقيق عبد الباقي.
وروى نحوه عبد الرزاق فى المصنف، كتاب العقول «باب المحاربة» ج
10 أثر (18538) ص 106 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
(1) هو حميد الطويل.
(2) قلت: والصحيح أن كلتا الروايتين محفوظة ثابتة رواية اللام
والراء. إذ ورد ذكر الروايتين في البخاري كلتاهما عن أنس
الأولى باللام والثانية بالراء.
(3) همّام بن يحيى بن دينار العوذي (بفتح المهملة وسكون الواو
وكسر المعجمة)، أبو عبد الله، البصري، ثقة، ربما وهم، من
السابعة، مات سنة أربع أو خمس وستين ومائة.
(التقريب 2/ 321).
(4) لم أتمكن من تخريجه.
(5) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(6) هو عبد الكريم الجزري.
(1/141)
مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ
(1).
258 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ
الآية. قال: من شهر السلاح وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه
فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن
شاء قطع يده ورجله، قال: ثم قال: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ
الْأَرْضِ قال: أن يغرّبوا (2) حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى
دار الحرب أو قال: إلى دار الشرك (3).
259 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال:
أخبرنا ليث عن مجاهد وعطاء (4) وعبيدة (5) عن إبراهيم، وأبو
حرّة (6) عن الحسن وجويبر عن الضحاك (7) قالوا: الإمام مخيّر
في المحارب إن شاء قتل وإن شاء قطع وإن شاء صلب وإن شاء نفى،
أيّ ذلك شاء فعل (8).
__________
(1) سورة المائدة آية 33.
(2) هكذا في المخطوط وقد علق الناسخ على الهامش بتصويب لكنه
غير واضح، والذي عند الطبري «يهربوا».
(3) رواه الطبري فى جامع البيان ج 10 الأثران: (11850)،
(11857) ص 263، 268 تحقيق محمود محمد شاكر.
ورواه النحاس فى الناسخ والمنسوخ. المخطوط ورقة (136) «باب ذكر
الآية الخامسة من سورة المائدة».
(4) هو عطاء بن أبي رباح.
(5) هو عبيدة بن معتب الضبي.
(6) أبو حرّة: (بضم المهملة وتشديد الراء) واصل بن عبد الرحمن
البصري، قال البخاري:
يتكلمون في روايته عن الحسن، وقال عبد الله بن أحمد في العلل:
حدثني يحيى بن معين حدثني غندر قال: وقف أبو حرة على حديث
الحسن فقال: لم أسمعه من الحسن، قال غندر: فلم يقل في شيء منه
أنه سمعه إلا حديثا واحدا، وقال ابن سعد: كان فيه ضعف، مات سنة
اثنتين وخمسين ومائة، وقال في التقريب: صدوق، عابد، كان يدلس
عن الحسن.
(التهذيب 11/ 104 - التقريب 2/ 328).
(7) هو الضحاك بن مزاحم.
(8) روى نحوه الطبري من قول مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن
وعطاء: جامع البيان ج 10 الأثر: (11844، 11845، 11847، 11849)
ص 262 تحقيق محمود محمد شاكر.
(1/142)
260 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا أبو معاوية (1) عن حجاج (2) عن عطية العوفي (3) عن ابن
عباس قال: إذا خرج الرجل محاربا فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت
يده ورجله من خلاف، وإن أخذ المال وقتل قطعت يده ورجله من خلاف
ثم صلب وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل وإن هو لم يأخذ المال ولم
يقتل نفي (4).
261 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد
(5) عن عمران بن حدير (6) عن أبي مجلز (7) مثل قول ابن عباس
هذا (8).
__________
(1) أبو معاوية هو محمد بن خازم التميمى.
(2) هو حجاج بن أرطاة.
(3) عطية العوفي: هو عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي
القيسي الكوفي أبو الحسن، قال أحمد: ضعيف الحديث، وقال أبو
حاتم: ضعيف يكتب حديثه، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة، توفي سنة
إحدى عشرة ومائة، وقال في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا
مدلسا.
(التهذيب 7/ 224، التقريب 2/ 24).
(4) روى نحوه الطبري من طريق عطية العوفي: جامع البيان ج 10
أثر (11842) ص 260 تحقيق محمود شاكر.
وروى نحوه عبد الرزاق من طريق آخر عن إبراهيم عن داود عن عكرمة
عن ابن عباس. المصنف ج 10، كتاب العقول «باب المحاربة أثر
(18544)» ص 109 تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.
(5) هو يحيى بن سعيد القطان.
(6) عمران بن حدير (بمهملات)، مصغرا، السدوسي، أبو عبيدة
(بالضم)، البصري، ثقة، من السادسة، مات سنة تسع وأربعين ومائة.
(التقريب 2/ 82).
(7) أبو مجلز: اسمه لاحق بن حميد السدوسي، وكان ثقة وله
أحاديث، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، قبل وفاة الحسن
البصري.
(الطبقات لابن سعد 7/ 216).
(8) قلت: قد روى الطبري في تفسيره قول أبي مجلز هذا بلفظ مخالف
لقول ابن عباس في تفسير آية المحاربة.
واليك نص الرواية: قال الطبري حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي
عن عمران بن حدير عن أبي مجلز: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ
يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية، قال: إذا قتل وأخذ
المال وأخاف السبيل صلب، وإذا قتل لم يعد ذلك قتل، وإذا أخذ
المال لم يعد ذلك قطع، وإذا كان يفسد نفي.
(جامع البيان ج 10 أثر (11832) ص 258 تحقيق محمود محمد شاكر).
(1/143)
|