الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام محققا باب ذكر اليتامى وما
نسخ من شأنهم
437 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في
قوله عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ (1) قال: ذلك أن الله لما أنزل إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً الآية (2) كره
المسلمون أن يضموا اليتامى إليهم وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء
وسألوا النبي- صلّى الله عليه- عن ذلك فأنزل الله عز وجل
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ
وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ
لَأَعْنَتَكُمْ قال:
لو شاء لأحرجكم وضيّق عليكم ولكنّه وسّع ويسّر فقال عز وجل:
وَمَنْ (3) كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ
فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (4) (5).
438 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج (6) عن
ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في هذه
الآية
__________
(1) سورة البقرة آية 220.
(2) سورة النساء آية 10.
(3) سقطت في المخطوط الواو من أول الآية والصواب إثباتها.
(4) سورة النساء آية 6.
(5) رواه الطبري ج 4 الأثران (4191 - 4204) ص 352، 359 تحقيق
محمود وأحمد شاكر.
(6) هو حجاج بن محمد المصيصي.
(1/238)
وَمَنْ (1) كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ
وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال: فنسخ
الله عز وجل من ذلك الظلم والاعتداء نسخ (2) إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (3).
439 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد (4)
قال:
حدثنا هشام الدّستوائي عن حماد (5) عن إبراهيم عن عائشة قالت:
إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرّة (6) لا أخلط طعامه
بطعامي ولا شرابه بشرابي (7).
__________
(1) سقطت في المخطوط الواو من أول الآية والصواب إثباتها.
(2) المراد من قوله نسخ: أن آية وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ رافعه للحكم الغير مراد الذي
توهمه الصحابة رضوان الله عليهم من آية: إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً الآية. وهذا بعد نسخا
عند الصحابة والسلف انظر: تعقيب أبى عبيد الآتي على هذا الأثر.
(3) رواه ابن الجوزي من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس:
نواسخ القرآن ج 1 ص 312 سورة النساء ذكر الآية الأولى تحقيق
محمد أشرف علي.
قال ابن الجوزي في زاد المسير بعد إيراده لقول ابن عباس: دعوى
النسخ لم يصح- زاد المسير ج 2 ص 17. قلت: ونفي ابن الجوزي لصحة
القول بالنسخ محل نظر إذ قد علم أن مراد ابن عباس بالنسخ هو
إبطال الحكم الذي توهم الصحابة دلالة الآية عليه وهو تحريم
مخالطة اليتيم والأكل من ماله على أي وجه كان.
(4) هو يزيد بن هارون.
(5) حماد بن أبي سليمان: مسلم الأشعري، مولاهم، أبو إسماعيل
الكوفي، فقيه صدوق، له أوهام، من الخامسة، رمي بالإرجاء، مات
سنة عشرين ومائة أو قبلها.
(التقريب 1/ 197).
(6) عرّة: بضم العين، قال الأصمعي: هي عذرة الناس، ومنه قيل:
قد عرّ فلان قومه بشر إذا لطخهم به انظر: غريب الحديث لأبي
عبيد 4/ 18.
(7) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 4 أثر (4200) ص 355
تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
(1/239)
440 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي مسكين (1) عن إبراهيم قال:
إنى لأكره أن أرى مال اليتيم عرّة (2).
قال أبو عبيد: والذي دار عليه المعنى من هذا أن الله عز وجل
لما أوجب النار لآكل أموال اليتامى أحجم المسلمون عن كل شىء من
أمرهم حتى مخالطتهم كراهية الحرج فيها فنسخ الله عز وجل ذلك
بالإذن في المخالطة والإذن في الإصابة من أموالهم بالمعروف إذا
كانت لوالي تلك الأموال الحاجة إليها.
قال أبو عبيد: ومخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على
كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدّا من خلطه بعياله فيأخذ من
مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله
وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان فجاءت هذه الآية الناسخة
بالرخصة فيه وذلك قوله عز وجل: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ.
قال أبو عبيد: وهذا عندي أصل للشاهد الذي تفعله الرفاق في
الأسفار ألا ترى أنهم يتخارجون النفقات بالسوية وقد يتباينون
في قلة المطعم وكثرته وليس كل من قل طعامه يطيب نفسه بالتفضل
على رفيقه، فلما جاء هذا في أموال اليتامى واسعا كان في غيرهم
بحمد الله ونعمته أوسع لولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على
الناس.
__________
(1) أبو مسكين: هو حر بن مسكين الأودي، ذكره ابن حبان في
الثقات، وقال في التقريب:
مقبول (التهذيب 2/ 222 - التقريب 1/ 157).
(2) روى نحوه الطبري فى جامع البيان ج 4 أثر (4199) ص 355
تحقيق محمود وأحمد محمد شاكر.
(1/240)
|