الناسخ والمنسوخ للمقري مُقَدّمَة الْمُؤلف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الْمُؤلف الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن سَلامَة
بن نصر الْمُفَسّر الْمقري رَحمَه الله بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا
مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لدينِهِ وَجَعَلنَا من أَهله
وفضلنا بِمَا علمنَا من تَنْزِيله وشرفنا بِمُحَمد نبيه
وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أَله وَأنزل عَلَيْهِ
كِتَابه الَّذِي لَم يَجعَل لَهُ عوجا وَجعله قيمًا لِيُنذِرَ
بَأساً شَديداً مِن لَدنه {لَا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ
يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ} بَين
فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام والمقدم
والمؤخر وَالْمُطلق والمقيد والأقسام والأمثال والمجمل والمفصل
وَالْخَاص وَالْعَام والناسخ والمنسوخ
(1/17)
{لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بيِّنَةٍ وَيحيى
مِن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَهَ لَسَميعٌ عَليم}
فَأول مَا يَنْبَغِي لم أَرَادَ أَن يعلم شَيْئا من علم هَذَا
الْكتاب أَلا يدأب نَفسه إِلَّا فِي علم النَّاسِخ والمنسوخ
اتبَاعا لما جَاءَ عَن أَئِمَّة السّلف رَضِي الله عَنْهُم
لِأَن كل من تكلم فِي شَيْء من علم هَذَا الْكتاب وَلم يعلم
النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ كَانَ نَاقِصا وَقد رُوِيَ عَن
أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه
دخل يَوْمًا مَسْجِد الْجَامِع بِالْكُوفَةِ فَرَأى فِيهِ رجلا
يعرف بِعَبْد الرَّحْمَن بن دَاب وَكَانَ صاحبا لأبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ وَقد تحلق النَّاس عَلَيْهِ يسألونه وَهُوَ يخلط
الْأَمر بِالنَّهْي وَالْإِبَاحَة بالحظر فَقَالَ لَهُ عَليّ
رضى الله عَنهُ أتعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ قَالَ لَا
قَالَ هَلَكت وأهلكت فَقَالَ أَبُو من أَنْت
(1/18)
قَالَ أَبُو يحيى فَقَالَ أَنْت أَبُو
اعرفوني وَأخذ بأذنه ففتلها وَقَالَ لَا تقص فِي مَسْجِدنَا
بعد
ويروى فِي معنى هَذَا الحَدِيث عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله
بن عَبَّاس أَنَّهُمَا قَالَا لرجل آخر مثل قَول أَمِير
الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه أَو قَرِيبا مِنْهُ
وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان لَا يقص على النَّاس إِلَّا
أحد ثَلَاثَة أَمِير أَو مَأْمُور أَو رجل يعرف النَّاسِخ
والمنسوخ وَالرَّابِع متكلف أَحمَق وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
لِأَنَّهُ يخلط الْأَمر بِالنَّهْي والأباحة بالحظر قَالَ
الشَّيْخ هبة الله أبوالقاسم رَحمَه الله
(1/19)
وَلما رَأَيْت الْمُفَسّرين قد سلكوا طَرِيق هَذَا الْعلم وَلم
يَأْتُوا مِنْهُ وَجه الْحِفْظ وخلطوا بعضه بِبَعْض ألفت فِي
ذَلِك كتابا أَي هَذَا الْكتاب يقرب على من أحب تَعْلِيمه
وتذكارا لمن علمه وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت
وَإِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنيب |