الناسخ والمنسوخ للمقري

بَاب فِي النَّاسِخ والمنسوخ
إعلم أَن النّسخ فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ الرّفْع للشَّيْء وَجَاء الشَّرْع بِمَا تعرف الْعَرَب إِذْ كَانَ النَّاسِخ يرفع حكم الْمَنْسُوخ والمنسوخ فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة أضْرب 1 فَمِنْهُ مَا نسخ خطه وَحكمه 2 وَمِنْه مَا نسخ خطه وَبَقِي حكمه 3 وَمِنْه مَا نسخ حكمه وَبَقِي خطه فَأَما مَا نسخ خطه وَحكمه فَمثل مَا رُوِيَ عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ

(1/20)


كُنَّا نَقْرَأ على عهد رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) سُورَة نعدلها بِسُورَة التَّوْبَة مَا أحفظ مِنْهَا غير آيَة وَاحِدَة وَهِي {لَو أَن لِأَبْنِ آدم واديين من ذهب لابتغى لَهما ثَالِثا وَلَو أَن لَهُ ثَالِثا لابتغى إِلَيْهِ رَابِعا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ}
وروى عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) آيَة أَو قَالَ سُورَة فحفظتها وكتبتها فِي مصحفي فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل رجعت الي مضجعي فَلم أرجع مِنْهَا الى شَيْء فَغَدَوْت الى مصحفي فَإِذا الورقة بَيْضَاء فَأخْبرت رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ يَا ابْن مَسْعُود تِلْكَ رفعت البارحة
وَأما مَا نسخ خطه وَبَقِي حكمه فَمثل مَا رُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَوْلَا أَن أخْشَى أَن يَقُول النَّاس قد زَاد عمر فِي الْقُرْآن مَا لَيْسَ فِيهِ لكتبت آيَة الرَّجْم وأثبتها فِي الْمُصحف وَوَاللَّه لقد

(1/21)


قرأناها على عهد رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لَا ترغبوا عَن آبائكم فَإِن ذَلِك كفر بكم الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم فَهَذَا مَنْسُوخ الْخط ثَابت الحكم
وَأما مَا نسخ حكمه وَبَقِي خطه فَهُوَ فِي ثَلَاث وَسِتِّينَ سُورَة مثل الصَّلَاة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَالصِّيَام الأول والصفح عَن الْمُشْركين والإعراض عَن الْجَاهِلين قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم هبة الله
فَأول مَا يبْدَأ بِهِ من ذَلِك تَسْمِيَة السُّور الَّتِي لم يدخلهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ وَهِي ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ سُورَة وَالله أعلم أَولهَا أم الْكتاب ثمَّ سُورَة يُوسُف ثمَّ يس ثمَّ الحجرات ثمَّ سُورَة الرَّحْمَن ثمَّ سُورَة الْحَدِيد ثمَّ الصَّفّ ثمَّ الْجُمُعَة ثمَّ التَّحْرِيم ثمَّ الْملك ثمَّ الحاقة ثمَّ نوح

(1/22)


ثمَّ الْجِنّ ثمَّ المرسلات ثمَّ النبأ ثمَّ النازعات ثمَّ الانفطار ثمَّ المطففين ثمَّ الانشقاق ثمَّ البروج ثمَّ الْفجْر ثمَّ الْبَلَد ثمَّ الشَّمْس وَضُحَاهَا ثمَّ وَاللَّيْل ثمَّ وَالضُّحَى ثمَّ ألم نشرح ثمَّ الْقَلَم ثمَّ الْقدر ثمَّ الانفكاك ثمَّ الزلزلة ثمَّ العاديات ثمَّ القارعة ثمَّ التكاثر ثمَّ الْهمزَة ثمَّ الْفِيل ثمَّ قُرَيْش ثمَّ أَرَأَيْت الَّذِي ثمَّ الْكَوْثَر ثمَّ النَّصْر ثمَّ تبت ثمَّ الْإِخْلَاص ثمَّ الفلق ثمَّ النَّاس
فَهَذِهِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سُورَة لم يدخلهَا نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ مِنْهَا سور لَيْسَ فِيهَا أَمر وَلَا نهي وَمِنْهَا سور فِيهَا نهي وَلَيْسَ فِيهَا أَمر وَمِنْهَا سور فِيهَا أَمر وَلَيْسَ فِيهَا نهي وسنذكرها إِن شَاءَ الله فِي موَاضعهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا النَّاسِخ وَلم يدخلهَا الْمَنْسُوخ
وَهِي 2 سِتّ سور أولهنَّ سُورَة الْفَتْح ثمَّ سُورَة الْحَشْر ثمَّ المُنَافِقُونَ ثمَّ التغابن ثمَّ الطَّلَاق ثمَّ سُورَة الْأَعْلَى فَهَذِهِ سِتّ سور دَخلهَا النَّاسِخ وَلم يدخلهَا الْمَنْسُوخ

(1/23)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا الْمَنْسُوخ وَلم يدخلهَا النَّاسِخ
وَهِي أحدى واربعون سُورَة أَولهَا سُورَة الْأَنْعَام ثمَّ الْأَعْرَاف ثمَّ يُونُس ثمَّ هود ثمَّ الرَّعْد ثمَّ إِبْرَاهِيم ثمَّ الْحجر ثمَّ النَّحْل ثمَّ بني إِسْرَائِيل ثمَّ الْكَهْف ثمَّ طه ثمَّ الْمُؤْمِنُونَ ثمَّ النَّمْل ثمَّ الْقَصَص ثمَّ العنكبوت ثمَّ الرّوم ثمَّ سُورَة لُقْمَان ثمَّ الْمضَاجِع وَهِي ألم السَّجْدَة ثمَّ سُورَة الْمَلَائِكَة ثمَّ وَالصَّافَّات ثمَّ ص ثمَّ الزمر ثمَّ حم السَّجْدَة ثمَّ الزخرف ثمَّ الدُّخان ثمَّ الجاثية ثمَّ الْأَحْقَاف ثمَّ سُورَة مُحَمَّد (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ثمَّ سُورَة الباسقات ثمَّ النَّجْم ثمَّ الْقَمَر ثمَّ سُورَة الامتحان ثمَّ سُورَة ن ثمَّ سُورَة المعارج ثمَّ المدثر ثمَّ الْقِيَامَة ثمَّ الْإِنْسَان ثمَّ

(1/24)


عبس ثمَّ الطارق ثمَّ الغاشية ثمَّ التِّين ثمَّ الْكَافِرُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سُورَة دَخلهَا الْمَنْسُوخ وَلم يدخلهَا النَّاسِخ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَسْمِيَة السُّور الَّتِي دَخلهَا النَّاسِخ والمنسوخ
وَهِي أَربع وَعِشْرُونَ سُورَة أَولهَا الْبَقَرَة ثمَّ آل عمرَان ثمَّ النِّسَاء ثمَّ الْمَائِدَة ثمَّ الْأَنْفَال ثمَّ التَّوْبَة ثمَّ النَّحْل ثمَّ مَرْيَم ثمَّ الْأَنْبِيَاء ثمَّ الْحَج ثمَّ النُّور ثمَّ الْفرْقَان ثمَّ الشُّعَرَاء ثمَّ الْأَحْزَاب ثمَّ سبأ ثمَّ الْمُؤمن ثمَّ الشورى ثمَّ الذاريات ثمَّ الطّور ثمَّ الواقعه ثمَّ المجادلة ثمَّ المزمل ثمَّ كورت ثمَّ الْعَصْر فَهَذِهِ مئة وَأَرْبع عشرَة سُورَة

(1/25)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي اخْتِلَاف الْمُفَسّرين على أَي شَيْء وَقع الْمَنْسُوخ من كَلَام الْعَرَب
قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة بن عمار لَا يدْخل النّسخ إِلَّا على أَمر أَو نهي فَقَط افعلوا أَو لَا تَفعلُوا
وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْلهم إِن خبر الله على مَا هُوَ بِهِ وَقَالَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم كَمَا قَالَ الْأَولونَ وَزَاد عَلَيْهِم فَقَالَ يدْخل النّسخ على الْأَمر وَالنَّهْي وعَلى الْأَخْبَار الَّتِي مَعْنَاهَا الْأَمر وَالنَّهْي مثل قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلّا زانِيَةً أَو مَشرِكَةً والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} وَمعنى ذَلِك لَا تنحكوا زَانِيَة وَلَا مُشركَة

(1/26)


وعَلى الْأَخْبَار الَّتِي مَعْنَاهَا الْأَمر مثل قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة يُوسُف {قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنِين دأبا فَمَا حصدتم فذروه فِي سنبله} وَمعنى ذَلِك إزرعوا سبع سِنِين دأبا
وَمثل قَوْله تَعَالَى {فلولا أَن كُنتُم غَيرَ مَدينينَ تَرجِعونَها إِن كُنتُم صَادِقين} وَمعنى ذَلِك ارجعوها يَعْنِي الرّوح
وَمثل قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن رَسُول الله} وَمعنى ذَلِك أَي وَلَكِن قُولُوا لَهُ يَا رَسُول الله فَإِذا كَانَ هَذَا معنى الْخَبَر كَانَ كالأمر وَالنَّهْي
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم وَالسُّديّ قد يدْخل النّسخ على الْأَمر وَالنَّهْي وعَلى جَمِيع الْأَخْبَار وَلم يفصلا وتابعهما على هَذَا القَوْل جمَاعَة وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك من الدِّرَايَة وَإِنَّمَا يعتمدون على الرِّوَايَة
وَقَالَ آخَرُونَ كل جمله اسْتثْنى الله تَعَالَى مِنْهَا ب إِلَّا فَإِن الأستثناء نَاسخ لَهَا

(1/27)


وَقَالَ آخَرُونَ لَا يعد خلافهم خلافًا لَيْسَ فِي الْقُرْآن نَاسخ وَلَا مَنْسُوخ وَهَؤُلَاء قوم عَن الْحق صدوا وبإفكهم على الله ردوا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا رد الله على الْمُلْحِدِينَ وَالْمُنَافِقِينَ من أجل معارضتهم فِي تنقل أَحْكَام كِتَابه الْمُبين
قَالَ الله تَعَالَى {مَا نَنسَخ من آيَةٍ أَو نُنسِها نَأتِ بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا}
قَالَ الشَّيْخ ابو الْقَاسِم هبة الله
وَهَذِه الْآيَة يحْتَاج مفسرها الى أَن يقدرها قبل تَفْسِيره لَهَا لِأَن فِيهَا مقدما ومؤخرا تَقْدِيره وَالله أعلم مَا نرفع من حكم آيَة نأت بِخَير مِنْهَا أَو ننسها أَي نتركها فَلَا ننسخها
وَقد أعترض فِي هَذَا التَّأْوِيل فَقيل فِي الْقُرْآن مَا بعضه خير من بعض أَلَيْسَ بِكَلَام وَاحِد جلّ قَائِله
فَالْجَوَاب أَن معنى {خير مِنْهَا} أَي أَنْفَع مِنْهَا لِأَن النَّاسِخ لَا يَخْلُو من أحدى النعمتين إِمَّا أَن يكون أثقل فِي الحكم فَيكون أوفر فِي الْأجر وَإِمَّا أَن يكون أخف فِي الحكم فَيكون أيسر فِي الْعَمَل وَمن قَرَأَهَا / ننسأها / أَي نؤخر حكمهَا فَيعْمل بهَا حينا ثمَّ قَالَ تَعَالَى {أَلَم تَعلَم أَنَّ الله على كل شَيْء قدير}

(1/28)


من أر النَّاسِخ والمنسوخ وَمثل قَوْله هَذَا قَوْله {وَإِذا بَدَّلنا آيَة مَكانَ آيةٍ وَاللَهُ أَعلَمُ بِما يُنَزِّلُ} وَالْمعْنَى حكم آيَة {قَالُوا إَنَّما أَنْت مفتر} أَي اختلقته من تِلْقَاء نَفسك فَقَالَ تَعَالَى ردا عَلَيْهِم {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} لِأَن فِي إِثْبَات النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن دلَالَة على الوحدانية وَالله تَعَالَى يَقُول {أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ}
وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه صعد الى الْمَرْوَة فَقَرَأَ {أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمر} وَقَالَ يَا آل غَالب من ادّعى ثَالِثَة فَليقمْ
الْخلق جَمِيع مَا خلق وَالْأَمر جَمِيع مَا قضي وَلَيْسَ فِي كتاب الله تَعَالَى كلمتان تجمعان الْملك كُله غَيرهمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب ذكر مَا جَاءَ من النّسخ فِي الشَّرِيعَة على التوالي
قَالَ الشَّيْخ هبة الله أعلم ان أول النّسخ فِي الشَّرِيعَة أَمر الصَّلَاة ثمَّ الْقبْلَة ثمَّ الصّيام الأول ثمَّ الزَّكَاة ثمَّ الْإِعْرَاض عَن الْمُشْركين ثمَّ الْأَمر بجهادهم ثمَّ

(1/29)


أَعْلَام الله تَعَالَى نبيه (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مَا يَفْعَله بِهِ ثمَّ أمره بِقِتَال الْمُشْركين ثمَّ أمره بِقِتَال أهل الْكتاب {حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} ثمَّ مَا كَانَ أهل الْعُقُود عَلَيْهِ من الْمَوَارِيث فنسخه بقوله {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} ثمَّ هدم منار الْجَاهِلِيَّة وان لَا يخالطوا الْمُسلمين فِي حجهم ثمَّ نسخ الله المعاهدة الَّتِي كَانَت بَينه وَبينهمْ بالأربعة الْأَشْهر بعد يَوْم النَّحْر الَّذِي أرسل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا رضى الله عَنهُ بهَا الى الْمَوْسِم وأردفه بِأبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ فَأذن بهَا فِي الْحَج فَهَذَا جملَة التَّرْتِيب
قَالَ الشَّيْخ هبة الله ونزول الْمَنْسُوخ بِمَكَّة كثير ونزول النَّاسِخ بِالْمَدِينَةِ كثير - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب النَّاسِخ والمنسوخ على نظم الْقُرْآن
لَيْسَ فِي أم الْكتاب شَيْء لِأَن أَولهَا ثَنَاء وَآخِرهَا دُعَاء

(1/30)