النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام

سورة الفاتحة
أقول - والله أعلم -: إن في قول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
إضمار قل: كأنه - إن شاء الله - قال: قل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ليكون الكلام منسقا، فيكون رفع الحمد على الحكاية.
وهذا أقرب - والله أعلم - مما قاله أبو عبيد: من أن العرب

(1/83)


ترجع من الخبر إلى المخاطبة، وما قاله حسن غير مدفوع.
والقراءة في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) بالألف: أحسن
- والله أعلم - لأن العرب لا تكاد تقول: فلان ملك كذا إلي للروحانيين من الناس، ويقولون: مالك يومه وساعته يصنع فيهما ما

(1/84)


أحب، ولا يقولون: ملك اليوم، والله تعالى مالك يوم القيامة، وملك من يحضره من الخلق، والملك صفة من صفات الاقتدار، منوط بالاستعلاء والسلطان والقهر، واليوم لا يقهر ولا يستعلي عليه.
إنما يفعل كل هذا بالخلق من الناس، وسائر الروحانيين من أهل السموات والأرضين.
وما احتج به أبو عبيد من قوله: (لمن الملك اليوم) وإن كان حسنا، فليس بدافع لما قلناه، لأن من كان له الملك ذلك اليوم جاز أن يكون مالكه، وحسن أن يوصف بملك اليوم، والملك في اليوم، ولو كان قال: لمن ملك اليوم، كان الاحتجاج به أشبه لأنه كان

(1/85)


يكون: الله مضافا إليه، ولا يكون ظرفا له.
وإذا كان اليوم ظرفا للملك، فالاحتجاج به على تصحيح (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
الذي هو مضاف إلى اليوم يبعد وجهه، وإن كان محتملا.
* * *
قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) .
دليل على نفي الاستطاعة، إذ الصراط المستقيم: هو دين الل

(1/86)


الذي ارتضاه، وكتابه الذي أنزله، فمن لا يقدر على الوصول إليه إلا

(1/87)


بهداية منه عديم الاستطاعة،، ويحققه قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) فصار صراطهم بنعمة ربهم، لا باشتياقهم إليه باستطاعة أنفسهم.
ولو كان ذكر الهداية دالا على بيان الصراط والإيضاح لا على العودة
ما كان لاختصاص النعمة بالذكر معنى.

(1/88)


ولما كان فيهم من يمتاز عنهم بالغضب والضلال، إذ لو كانوا مستغنين بالإيضاح والبيان لهم، لاستوى الجميع في سلكه، ولما احتاجوا إلى منعم يسلك بهم بعد نعمته عليهم في البيان لهم.

(1/89)