النكت في القرآن الكريم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه) ]ـ
المؤلف: علي بن فَضَّال بن علي بن غالب المُجَاشِعِي
القيرواني، أبو الحسن (المتوفى: 479هـ)
دراسة وتحقيق: د. عبد الله عبد القادر الطويل
دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(1/94)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فاتحة الكتاب
مدنية، والبقرة مدنية، وآل عمران مدنية، والنِّسَاءَ مدنية،
والمائدة مدنية، والأنعام مكية نزلت جُملةً ما خلا ثلاث آيات،
فإنها نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ
مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ) [151] إلى تمام الثلاث. والأعراف مكية،
والأنفال مدنية، وهي أول ما أنزل. وبراءة مدنية، وهي آخر ما
أنزل بالمدنية.
قال أبن عباس: قلت لعثمان: ما حملكم على أن قرنتم بين الأنفال
وبراءة، والأنفال من المثاني، وبراءة من المئين، فلم تكتبوا
بينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فقال
عثمان: إن السورة والقصة والآية كُنَّ إذا نزلْن على النبي صلى
الله [عليه] وسلم قال لبعض من يكتب الوحي: ضعوها إلى موضع كذا،
أو إلى جنب كذا، وإن براءة نزلت والنبي - صلى الله عليه وسلم -
لم يتقدم فيها إلينا بشيءٍ، وقصتها تُشبهُ قصة الأنفال، فخفنا
أن تكون منها وخفنا أن لا تكون منها، فمن ثم قرنا بينهما.
(1/95)
ولم نكتب سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ) . يونس مكية، هود مكية، ويوسف مكية، والرعد مكية،
وإبراهيم مكية ما خلا آيتين منها، فإنهما نزلتا بالمدينة في
قتلى بدر من المشركين، وهما: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) [28] إلى تمام الآيتين،
الحجر مكية، والنحل مكية، ما خلا ثلاث آيات من آخرها، فإنها
نزلت بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - وقد قتل حمزة - رضي الله عنه -، ومثل المشركون به، قال
النبي - صلى الله عليه وسلم - لئِنْ أظفرنا الله بهم لنُمثلنَّ
بهم مُثلاً لم تمثل بأحدٍ من العرب. فأنزل الله تعالي بين مكة
والمدينة: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ) [126] إلى آخر السورة، وما نزل بين مكة
والمدينة فهو مدني، وسورة بني إسرائيل مكية، والكهف مكية،
ومريم مكية، وطه مكية، والأنبياء مكية، والحج مكية، ما خلا
ثلاث آيات منها، فأنها نزلت بالمدينة في ستة نفرٍ: ثلاثة منهم
مؤمنون وثلاثة
(1/96)
كافرون فأما المؤمنون: فعبيدة بن الحارث بن
عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب - رضي الله
عنه - وأما الكافرون فعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد ين عتبة.
فأنزل الله - عز وجل - بالمدينة: (هَذَانِ خَصْمَانِ
اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج: 19] إلى تمام الثلاث آيات.
سورة المؤمنين مكية، والنور مدنية، والفرقان مكية، والشعراء
مكية ما خلا خمس آيات من آخرها، فإنها نزلت بالمدينة، وهي قوله
- عز وجل -: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ
يَنْقَلِبُونَ) [224 - 227] يعني حسان بن ثابت، وكعب بن مالك،
وعبد الله بن رواحة.
هؤلاء شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, إلى آخر
السورة، والنمل مكية، والقصص مكية، والعنكبوت مكية، والروم
مكية، ولقمان مكية ما خلا ثلاث آيات منها،
(1/97)
فإنها نزلت بالمدينة، وذلك أنه لما قدم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أتته أخبار اليهود،
فقالوا: يا محمد بلغنا أنك تقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] أفعنيتنا أم عنيت
قومك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: عنيت الجميع، فقالوا: يا
محمد أما تعلم أن الله جل وعز أنزل التوراة على موسى بن عمران
- عليه السلام - والتوراة فيها أنباء كل شيء، وخلفها موسى فينا
ومعنا؟ ، قال النبي صلي الله عليه [وسلم] لليهود التوراة وما
فيها من الأنباء قليل في علم الله - عز وجل - فأنزل الله تعالى
في المدينة: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ
أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ
أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27] إلى
تمام الآيات الثلاث.
وآلم السجدة مكية، ما خلا ثلاث آيات منها، فإنها نزلت بالمدينة
في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والوليد بن عقبة بن أبي
معيط، وذلك أنه شجر بينهما كلام، قال الوليد لعلي بن أبي طالب
- رضي الله عنه -: أنا أدرب منك لساناً، وأحد سناناً، وأرد
للكتيبة، فقال له علي - رضي الله عنه - اسكت، فإنك فاسق: فأنزل
الله تعالى بالمدينة: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ
فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) [18] إلى تمام الآيات. الأحزاب
مدنية، سبأ مكية، فاطر مكية، يس مكية، والصافات مكية، ص مكية،
والزمر مكية، ما خلا ثلاث آيات منها، فإنها نزلت بالمدينة في
وحشي قاتل حمزة - رضي الله عنه - وذلك أنه أسلم ودخل المدينة،
فكان يثقل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النظر إليه
فتوهم أن الله - عز وجل - لم يقبل إسلامه، فأنزل الله - عز وجل
- بالمدينة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [53]
(1/98)
إلي تمام الثلاث آيات، والحواميم السبع
كلهن مكيات، وسورة محمد - صلى الله عليه وسلم - مدنية، وسورة
الفتح مدنية، والحجرات مدنية، وق مكية، والذاريات مكية، والطور
مكية، والنجم مكية، والقمر مكية، والرحمن مكية، والواقعة مكية،
وسورة الحديد مدنية، وسورة المجادلة مدنية، وسورة الحشر مدنية،
وسورة الممتحنة مدنية، وسورة الصف مدنية، والجمعة مدنية،
والمنافقون مدنية، والتغابن مكية، ما خلا ثلاث آيات من آخرها،
فإنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه شكا إلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - جفاء أهله وولده به، فأنزل الله -
عز وجل - بالمدنية: (يَا أَيُّهَا
(1/99)
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ
فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن: 14] إلى آخر السورة.
الطلاق مدنية، التحريم مدنية، الملك مكية، والقلم مكية،
والحاقة مكية، وسأل سائل مكية، نوح مكية، سورة الجن مكية،
المزمل مكية ما خلا آيتين منها، فإنهما نزلتا بالمدينة: (إِنَّ
رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ) [20] إلى تمام الآيتين. ثم الفرقان بعد ذلك كله مكي
إلى أن يبلغ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
[القدر: 1] فإنها مدنية، لم يكن مدنية، إذا زلزلت مكية،
والعاديات مكية، القارعة مكية، والتكاثر مكية، والعصر مكية،
الهمزة مكية، الفيل مكية،
(1/100)
لإيلاف قريش مكية، وقبل هما سورة واحدة،
أرأيت مكية، والكوثر مكية، الكافرون مكية، النصر مكية، تبت يدا
أبي لهب مكية، الإخلاص مكية، الفلق مدنية، الناس مدنية.
(ومن سورة الفاتحة)
البسملة:
روى السُّدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله - عز وجل -:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
(1/101)
الرَّحِيمِ) الباء: بهاءُ الله، السين:
سناءُ الله، والميمُ: مُلك الله: والله: الذي يأله إليه خلقهُ،
والرَّحمن: قال المترحم على خلقه: الرحيم بعباده فيما ابتدأهم
به من كرامته.
ويروى عنه أيضاً، أنه قال: الرحمن الرحيم اسمان رقيقان، أحدهما
أرق من الأخر، وقيل: في الجمع بينهما أن الرحمن أشد مبالغة،
والرحيم أخص منه.
فالرحمن لجميع الخلق، والرحيم للمؤمنين خاصة، قال محمد بن
يزيد: هو تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد إنعام، ووعد لا يخيب آمله.
وأصل الرحمة رقة في القلب، والله تعالى لا يوصف بذلك، إلا أن
معنى الرقة يؤول إلى الرضا؛ لأن من رحمته فقد رضيت عنه. وإذا
احتملت الكلمة معنيين: أحدهما يجوز عن الله، والآخر لا يجوز
عليه، عدل إلى ما يجوز عليه.
ومثل ذلك همزة الاستفهام تأتي في غالب الأمر على جهل من
المستفهم، فإذا جاءت من الله - عز وجل - كانت تقريراً
وتوبيخاً: نحو: (أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ
تَفْتَرُونَ) [يونس: 59] ، قال مقاتل بن سليمان في الاستفتاح:
من حساب الجمل سبعمائة وسبع وثمانون سنة من مدة هذه الأمة.
قال الخليل: (بسم الله) افتتاح إيمان ويمن، وحمد عاقبة، ورحمة
وبركة وثناء وتقرب إلى الله - عز وجل -، ورغبة فيما عنده،
واستعانة ومحبة له، علم الله - عز وجل - نبينا محمد - صلى الله
عليه وسلم -
(1/102)
فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ) [العلق: 1] ، وقال: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ) [الحاقة: 52] وقال نوح - عليه السلام -: (بِسْمِ
اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) [هود: 41] ليجعلها سنة لأمته
في افتتاح الذبائح والطعام والشراب والكلام، وأن يذكرونه عند
كل حركة وسكون، وإذا قاله العبد يسر الله تعالى ما بين يديه من
السماء إلى الأرض وثبته وحرسه من وسواس الشيطان، واعتراض
المعترضين وفساد المفسدين وكيد الحاسدين، وهي تحية من الله -
عز وجل - خص بها نبيه، وجعله باللسان العربي ما لم يكن لسائر
الأمم، إلا ما كان من سليمان، فلما وردت على العرب اضطروا إلى
قبولها وتدوينها والإقرار بفضلها ولفظوا بها عند وجوب الشكر
وطلب الصبر.
قال غير الخليل: هو أدب من آداب الدين، ومدح لله تعالى وتعظيم
وشعار للمسلمين، وتبرك للمستأنف، وإقرار بالعبودية، واعتراف
بالنعمة، واستعانة بالله - عز وجل - وعبادة له، مع ما فيه من
حسن العبارة، ووضوح الدلالة، والإفصاح والبيان لما يستحقه الله
من الأوصاف.
وفيه من البلاغة والاختصار، في موضعه بالحذف على شرائطه. إذ
موضوع هذه الكلمة على كثرة التكرير، وطول الترديد، وفيه
الاستغناء بالحال الدالة على العبارة عن ذكر أبداً، لأن الحال
بمنزلة الناطقة بذلك، وفيه من البلاغة تقديم الوصف بالرحمن
تشبيهاً بالأسماء الأعلام.
مسألة:
ومما يسأل عنه من الإعراب أن يقال: ما موضع الباء من (بسم
الله) ؟
والجواب: أن العلماء اختلفوا في ذلك، فذهب عامة البصريين إلى
أن موضع الباء رفع على تقدير مبتدأ محذوف تمثيله: ابتدائي بسم
الله، فالباء على هذه متعلقة بالخبر المحذوف الذي قامت مقامه
تقديره: ابتدائي كائن أو ثابت أو ما أشبه ذلك بسم الله، ثم
حذفت هذا الخبر، وكان فيه ضمير فأفضى إلى موضع الباء، وهذا
بمنزلة قولك: زيد في
(1/103)
الدار، ولا يجوز أن يتعلق الباء بابتدائي
المضمر؛ لأنه مصدر، وإذا تعلقت به صار من صلته، وبقي المبتدأ
بلا خبر.
وذهب عامة الكوفيين وبعض البصريين إلى أن موضع الباء نصب على
إضمار فعل، واختلفوا في تقديره، فذهب الجمهور منهم إلى أنه
يضمر فعلاً يشبه الفعل الذي يريد أن يأخذ فيه، كأنه إذا أراد
الكتابة أضمر: أكتب، وإذا أراد القراءة أضمر: أقرأ، وإذا أراد
الأكل والشرب أضمن: آكل وأشرب.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم جرت الباء؟
والجواب: أنها لا معنى لها إلا في أسماء، فعملت الإعراب الذي
لا يكون إلا في الأسماء وهو الجر.
ويقال: لم حركت وأصلها السكون؟
والجواب: أن يقال: حركت للابتداء بها؛ لأنه لا يصح أن يبتدأ
بساكن؛ لأن اللسان يجفو عنه.
ويقال: فلم اختير لها الكسر؟
والجواب: أن أبا عمر الجرمي قال: كسرت تشبيهاً بعملها، وذلك أن
عملها الجر وعلامة الجر الكسرة، فأعترض عليه بعد موته بأن قيل:
الكاف تجر، وهي مع ذلك مفتوحة، فأنفك أصحابه من هذا الاعتراض
بأن قالوا: أرادوا أن يفرقوا بين ما يجر ولا يكون إلا حرفاً
نحو الباء واللام، وبين ما يجر، وقد يكون اسماً نحو الكاف:
وأما أبو علي فحكى عنه الربعي أنهم لو فتحوا أو ضموا الكاف
لكان جائراً؛ لأن الغرض
(1/104)
التوصل إلى الابتداء، فبأي حركة توصل إليه
جاز، وبعض العرب يفتح هذه الباء وهي لغة ضعيفة.
مسألة:
ومما يسأل عنه أن يقال: ما وزن (اسم) وما اشتقاقه؟
والجواب: أنه قد أختلف فيه، فذهب البصريون إلى أنه من
(السَُمُو) ، لأنه سما من مسماه، فبينه وأوضح معناه.
وذهب الكوفيون إلى أنه من (السَّمَةِ) ، لأن صاحبه يُعرفُ به.
وقول البصريين أقوى في التصريف، وقول الكوفيين أقوى في المعنى.
فمما يدل على صحة قول البصريين قولهم في التصغير: (سُمَيُّ) ،
وفي الجمع: (أَسْمَاءُ) وجمع الجمع: (أَسَامٍ) ، ولو كان على
ما ذهب إليه الكوفيون، لقيل في تصغيره: (وسِيمُ) ، وفي جمعه:
(أَوسُمُ) وفي امتناع العرب من ذلك دلالة على فساد ما ذهبوا
إليه.
وأيضاً فإنا لم نر ما حذفت فاؤه دخلت فيه همزة الوصل، وإنما
تدخل فيه تاء التأنيث، نحو: عدة وزنة.
وقد قيل: هو مقلوب جعلت الفاء مكان اللام، كأن الأصل: (وسم) ثم
أخرت الواو وأعلت، كما قالوا: (طاد) ، والأصل: (واطد)
قال القطامي:
مَا اعتاد حُبُّ سُلَيمَى حينَ مُعتَادِ وَلا تَقَضَّى بَواقِي
دَينِهَا الطَّادِي
فوزنه على هذا (عالف) . وكذا قيل في (حادي عشر) : أنه مقلوب من
واحد، ووزن اسم (إعل) أو (افع) والأصل: (سُمو، أو سمو) بإسكان
الميم فأعل على غير قياس، وكان
(1/105)
الواجب أن لا يعل، لأن الواو والياء إذا
سكن ما قبلهما صحتا، نحو: (صنو، وقنو، ونحي، وظبي) وما أشبة
ذلك. وقيل: وزنه: (فعل) بضم الفاء، وقيل: (فعل) بكسرها،
لقولهم: (سم، وسم) ولم يسمع (سم) بفتح السين. أنشد أبو زيد:
بسم الذي في كل سورة سمة قد أخذت على طريق تعلمه
يروى بضم السين وكسرها، ثم حذفت الواو على غير قياس، وكان يجب
أن تقلب ألفاً كما فعل في نحو: (ربا، وعصا، وعرا) ، وما أشبه
ذلك، لأن الواو والياء إذا تحركتا وأنفتح ما قبلهما قلبتا ألفا
على كل حال، إلا أنهم أرادوا أن يفرقوا بين المتثبت وغير
المتثبت فالمتثبت، نحو: أخ وأب، لأنك إذا ذكرت كل واحد منهما
دل على نفسه وعلى معنى آخر. ألا ترى أنك إذا ذكرت أباً دلك على
أب، وإذا أخاً دلك على أخ أو أخت. إلا أن هذا المحذوف أتى على
ضربين:
أحدها: لم يقع فيه عوض من المحذوف، نحو: أب وأخ.
والثاني: عوض فيه من المحذوف همزة، نحو: اسم وابن، وهذه
الأسماء التي دخلتها همزة الوصل مضارعة للفعل؛ لأنها مفتقرة
إلى غيرها، فصارت: بمنزلة الفعل المفتقر إلى فاعله، وأصل هذه
الهمزة أن يكون في الأفعال فلما ضارعت هذه الأسماء الأفعال
أسكنوا أوائلها، وأدخلوا فيها همزات الوصل.
وفي (اسم) خمس لغات. يقال: (اسم) بكسر الهمزة، و (اسم) بضمها
في الابتداء و (سم) و (سم) و (سمى) بمنزلة هدى. هذه اللغة
حكاها ابن الأعرابي.
فأما ما أنشد أبو زيد من قول الشاعر.
(1/106)
لأحسنها وجهاً وأكرمها أباً وأسمحها نفساً
وأعلنها سما
فيجوز أن يكون (فعلاُ) مثل (هدى) ، وتكون الألف منقلبة عن لام
الفعل، ويجوز أن تكون الألف ألف النصب التي تدخل في نحو قولك:
رأيت زيداُ. وهذا الاحتمال على مذهب من ضم السين.
فأما من كسرها، فالألف ألف النصب على كل حال.
مسألة:
ومما يسأل عنه أن يقال: مم أشتق قوله (الله) وما أصله؟
والجواب: أن فيه خلافاً.
ذهب بعضهم إلى أنه من (الولهان) ، قيل: لأن القلوب تله إلى
معرفته. وقيل: اشتقاقه من (أله، يأله) إذا تحير، كأن العقول
تتحير فيه عند الفكرة فيه.
قال الشاعر، وهو زهير:
وبيداء قفر تأله العين وسطها مخفقة غبراء صرماء سملق
وقال الفراء: هو من (لاه، يليه، ليها) إذا أستتر، كأنه قد
أستتر عن خلقه.
ويروي عن علي بن لأبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: معناه
المستور عن درك الأبصار، محتجب عن الأوهام والخطرات.
وأنشدوا في ذلك:
تاه العباد ولاه الله في حجب فالله محتجب سبحانه الله
(1/107)
وذهب الخليل وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن:
إلى أنه اسم علم غير مشتق من شيء. والذي يذهب إليه المحققون:
أنه من التأله، وهو: التعبد والتنسك، قال رؤبة:
لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهي
أي: من تعبدي وتنسكي
حكى أبو زيد: تأله الرجل يتأله: وهذا يحتمل عندنا أن يكون أشتق
من اسم الله - عز وجل -، على حد قولك: استحجر الطين، واستنوق
الجمل، فيكون المعنى أنه يفعل الأفعال المقربة إلى الله تعالى
التي يستحق بها الثواب، ويحتمل أن يكون الاسم مشتقاً من هذا
الفعل، نحو: تعبد، وتسمى الشمس: الإهة والإلاهه، روي لنا ذلك
من قطرب، وأنشد.
تروحنا من اللعباء قصراً وأعجلنا الالهه أن تغيبا
(1/108)
كأنهم سموها إلاهة على نحو تعظيمهم لها،
وعبادتهم إياها، ولذلك نهاهم الله - عز وجل - عن ذلك، وأمرهم
بالتوجه في العبادة إليه دون خلقه، فقال الله تعالى: (وَمِنْ
آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا
تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ
الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)
[فصلت: 37] ، ويدل على هذا ما حكاه أحمد بن يحيي: أنهم يسمونها
(إلهة) غير مصروفة. فدل ذلك على أن هذا الاسم منقول إذا كان
مخصوصاً، وأكثر الأسماء المختصة الأعلام منقول، نحو: زيد
وعمرو. وقرأ ابن عباس: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف:
127] أي: وعبادتك، وكان يقول: كان فرعون يُعبَدُ ولا يَعْبُدُ،
وأما قراءة الجماعة: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ، فهو جمع إله،
كإزار وآزرة، وإناء وآنية. والمعنى على هذا: أنه كان لفرعون
أصنام يعبدها شيعته وأتباعه، فلما دعاهم موسى - عليه السلام -
إلى التوحيد حضوا فرعون عليه وعلى قومه، وأغروه بهم.
ويقوي هذه القراءة، قوله تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ) [الأعراف: 138] . وأما الأصل في
قولنا: (الله) فقد اختلف قول سيبويه في ذلك؛ فقال مرة: الأصل:
(إله) ، ففاء الكلمة على هذا همزة، وعينها لام، والألف ألف
فعال زائدة واللام هاء.
وقال مرة: الأصل (لاه) ، فوزنه على هذا (فعل) ، ولكل من هذين
القولين وجه. وإذا قدرته على الوجه الأول فالأصل (إله) ، ثم
حذفت الهمزة حذفاً لا على طريق التخفيف القياسي في قولك: الخب
وضوء في ضوء، فإن قال قائل: فلم قدرتموه هذا التقدير، وهلا
حملتموه على التخفيف القياسي إذا كان تقدير ذلك سائغاُ غير
ممتنع،
(1/109)
والحمل على القياس أولى من الحمل على الحذف الذي ليس بقياس؟
قيل له: إن ذلك لا يخلو من أن يكون على الحذف الذي ذكرناه وهو
مذهب سبيويه، أو على الحذف القياسي وهو مذهب الفراء، وذلك أن
الهمزة...... |