النكت في القرآن الكريم {ومن سورة
الأنفال}
* * *
قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] .
(1/231)
يسأل عن الكاف هاهنا، ما شبه بها؟
وعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن المعنى: قل الأنفال لله والرسول مع مشقته عليهم؛
لأنه أصلح لهم كما خرجك ربك من بيتك بالحق مع كراهتهم؛ لأنه
أصلح لهم.
والثاني: أن المعنى: هذا الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق.
والثالث: أن المعنى: يجادلونك فل الحق متكرهين كما تكرهوا
إخراجك من بيتك الحق. وهذ الأقوال كلها من عن أصحاب المعاني.
وزعم بعضهم: أن (الكاف) بمعنى (الباء) ، أي: بما أخرجك ربك،
وهذا لا يعرف.
فصل:
ويسأل: بما تتعلق (الكاف) ؟
والجواب: أنها تتعلق بما دل عليه: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ
وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] ؛ لأن في هذا معنى بنزعها من
أيديها بالحق كما أخرجك ربك من بيتك.
وجواب ثان: وهو أن يكون التقدير: يجادلونك في الحق كما كرهوا
إخراجك في الحق؛ لأن فيه هذا المعنى وإن قدم ذكر الإخراج.
وجواب ثالث: وهو أن يعمل فيه معنى الحق بتقدير: هذا الذكر الحق
كما أخرجك ربم من بيتك بالحق.
ويقال: لم جاز أن يكره المؤمنون ما أمر الله تعالى به من
الإخراج؟
وفيه جوابان:
أحدهما: أنه تكره الطباع من طريق المشقة ألتي تلحق.
(1/232)
والثاني: أنهم كرهوا قبل أن يعلموا أن الله
تعالى أمر به، أو أن النبي - عليه السلام - عزم عليه، فلما
علموا أرادوه.
والقول الأول أبين، لقوله تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى
الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6] .
* * *
قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ
قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ
رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمُ} [الأنفال: 17] .
يقال: بم قتلهم الله تعالى؟
والجواب: بإعانته للمؤمنين، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين،
وجاء في التفسير عن ابن عباس والسُّدي وعروة: أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قبض قبضة من التراب فرماها في وجوههم وقال:
(شَاهَتِ الوجُوه) فبثها الله على أبصارهم حتى شغلهم بأنفسهم.
ويقال: كبف جاز نفي الفعل عنه، وقد فعل؟
وفي هذا جوابان:
أحدهما: أنه أثبته تعالى لنفسه لقوة السبب المؤدي إلى المسبب.
والثاني: أنه أثبته النبي - عليه السلام - بالاكتساب، ونفاه
عنه؛ لأنه الفاعل في الحقيقة فأثبته لنفسه تعالى.
* * *
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ
الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ
السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] .
جاء في التفسير أن القائل هو: (النضر بن الحارث بن كلدة) ويروى
ذلك عن سعيد بن جبير ومجاهد. وذلك أنه قال: اللهم إن كان هذا
هو الحق من عندك فأمطر
(1/233)
علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب
أليم، وأهلكنا ومحمداً ومن معه. فأنزل الله تعالى: {وَمَا
كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
[الأنفال: 33] أي: وفيهم قوم يستغفرون، يعني المسلمين، يدل على
ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ
وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] ، ثم قال: {وَمَا لَهُمْ
أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] خاصة {وَهُمْ
يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا
أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}
[الأنفال: 34] ، يعني المسلمين، فعذبهم الله بالسيف بعد خروج
النبي - عليه السلام - وفي ذلك نزلت: {سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] ، وهذا معنى ابن عباس وقال
مجاهد في قوله: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} علم الله أن في
أصابهم من يستغفر.
فصل: ومما يسأل عنه أن يقال: لم طلبوا العذاب من الله تعالى
بالحق، وإنما يطلب بالحق الخير والثواب والأجر؟
والجواب: أنهم كانوا يعتقدون أن ما جاء النبي - عليه السلام -
بيس بحقٍ من الله، وإذا لم يكن كذلك لم يصبهم شيئ.
ويقال: لم قال: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ
السَّمَاءِ} ، والإمطار لا يكون إلا من السماء؟
وفي هذا جوابان:
أحدهما: أنه يجوز أن يكون إمطار الحجارة من مكان عال دون
السماء.
والثاني: أنه على طريق البيان بـ (من) .
وقرئ: {وَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} بالنصب على أنه خبر
كان، و (هو) فصل.
وقرئ: {إنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} بالرفع على أن (هو)
مبتدأ، والحق خبره، والجمله
(1/234)
خبر كان، ومثل ذلك: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}
[الزخرف: 76] ، وقرئ {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} ،
وكذلك قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ
الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] و {كُنْتَ أَنْتَ
الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} على ما فسرنا. |