النكت في القرآن الكريم {ومن سورة
النازعات}
* * *
قوله تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ
طُوًى} [النازعات: 16] .
قرأ الحسن (طوى) بكسر الطاء، وقال: طوى بالبركة والتقديس
مرتين، قال طرفة:
أعاذل إن اللوم في غير كهنه على طوى من غيك المتردد.
أي: لومك مكرر، قال الفراء: {طُوًى} واد بين المدينة ومصر، ومن
أجرى
(1/536)
(طوى) قال هو موضع يسمى (مذكر) ، ومن لم
يجره جعله معدولاً عن جهته، كما تقول: عمر وزفر، قال: ولم نجد
اسماً من الواو والياء عدل عن وجهته غير (طوى) ، فالإجراء فيه
أحب إليَّ؛ إذ لم أجد له في المعدول نظيراً.
وقيل: لم ينصرف {طُوًى} لأنه معرفة، وهو اسم للبقعة، فاجتمع
فيه التعريف والتأنيث.
* * *
قوله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ
وَالْأُولَى} [النازعات: 25] .
قال ابن عباس ومجاهد والشعبي {الْأُولَى} قوله: {عَلِمْتُ
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 24] ، وقال الحسن وقتادة:
عذاب الدنيا وعذاب الآخره، وقال مجاهد: أول عمله وآخره.
* * *
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:
37-41] .
قال البصريون: المعنى: فهي المأوى له، فحذف العائد؛ لأن المعنى
مفهوم، ومثله قوله تعالى: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}
[ص: 50] ، أي: الأبواب منها.
وقال الكوفيون: الألف واللام عقيب الإضافة، والمعنى: فهي
ماواه، ومثله: زيد أما المال فكثير، وأما الخلق فحسن، تقديره
عند البصريين: أما الماعل عنده وأما الخلق منه، وتقديره عند
الكوفيين أما ماله وأما خلقه.
{ومن سورة عبس}
* * *
قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى}
[عبس: 1-2] .
(1/537)
هذه الآية وما بعدها نزلت في عبد الله ابن
أم مكتوم، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك، وابن زيد وابن
إسحاق، قال إبن إسحاق: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد
وقف مع الوليد ابن المغيرة يكلمه وقد طمع في إسلامه، فمر به
عبد الله بن أم مكتوم فوقف يسألأه عن شيء، أو قال: يستقريه
القرآن، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى
أضجره؛ لأنه يشغله عما كان فيه من أمر الوليد، وما طمع فيه من
إسلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه فعاتبه الله
تعالى على ذلك.
وموضع {أَنْ} نصب على أنه مفعول له، أي: أن جاءه الأعمى، لأن
جاءه، وزعم الكوفيين أنها بمعنى (إذ) ، وليس بشيء.
* * *
قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} [عبس: 24-25] .
قرأ حمزة والكسائي وعاصم {أَنَّا} بفتح الهمزة وقرأ الباقون
بالكسرة، والكسر على الاستئناف، والفتح على البدل من
{طَعَامِهِ} ، فموضعها على هذا جر، كأنه قال: فلينظر الإنسان
إلى أنَّا صببنا الماء، وهذا بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون خبر
مبتدأ محذوف، أي: هو أنَّا صببنا الماء.
{ومن سورة كورت}
قزله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا
النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 1-2] .
ارتفعت {الشَّمْسُ} بفعل مضمر تقديره: إذا كورت الشمس كورت،
ولا يجوز إظهاره؛ لأن ما بعده يفسره، وإنما احتيج إلى إضمار
فعل؛ لأن {إِذَا} فيها معنى الشرط،
(1/538)
والشرط بالفعل أولى، وقال ألأخفش
والكوفيون: هو مبتدأ، و {كُوِّرَتْ} الخبر، وجواب {إِذَا}
{عَلِمَتْ} [التكوير: 14] ، وهو الناصب لـ {إِذَا} .
* * *
قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:
24] .
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي {بِضَنِينٍ} بالظاء، وقرأ
الباقون بالضاد، وكذلك هو في المصحف. فمن قرأ بالظاء فمعناه:
متهم، ومن قرأ بالضاد معناه: بخيل، والقراءة بالضاد أجود، لا
يقال: اتهمته على كذا، وإنما يقال اتهمته بكذا، ومجاز القراءة
بالظاء أنه وضع {عَلَى} موضع الباء.
* * *
قوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير: 26-27] .
قال الفراء: العرب تقول: إلى أين تذهب، وأين تذهب، ويقولون:
ذهبت الشام، وخرجت الشام، وذهب السوق، وانطلقت السوق، سمعناه
في هذه الثلاثة الأحرف (خرجت وذهبت وانطلقت) ، وقال الكسائي:
سمعت العرب تقول: (انطلق بنا الغور) بالنصب، وأنشد الفراء:
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب للصياح
يريد: إلى أي الأرض. ولم يحك سيبويه من هذا إلا: ذهبت الشام،
وعلى هذا جاء قوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} ، معناه: فإلى أين
تذهبون، وقيل المعنى: فأين تذهبون عن الحق الذي قد ظهر أمره
إلا إلى الضلال.
{ومن سورة انفطرت}
* * *
قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ
مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار: 17-18] .
(1/539)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {يَوْمَ لَا
تَمْلِكُ} بالرفع جعلاه بدلاى من قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا
يَوْمُ الدِّينِ} ، كأنه في التقدير: وما أدراك ما يوم لا
تملك.
وقرأ الباقون بالنصب على البدل من قوله: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ
الدِّينِ} [الانفطار: 15] ، وهذا قول البصريين، وقال الكوفيون:
هو في موضع رفع، إلا أنه مبني؛ لأنه مضاف إلى الفعل، والبصريون
يقولون: إذا أضيف إلى فعل معرب لم يبن. وإنما إذا أضيف إلى فعل
مبني كالماضي.
{ومن سورة المطففين}
قوله تعالى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا
اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا
كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1-3] .
التطفيف: التنقيص، ويروى عن ابن مسعود أنه قال: الصلاو مكيال،
فمن وفى وفي له، ومن طفف فقد سمعتم ما قال الله تعالى في
المطففين.
والرفع في المصدر الذي ليس له فعل الوجه، نحو قوله: {وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ} ، فإن كان له فعل كان الوجه النصب، نحو:
حمداً وشكراً، فلذلك أجمع القراء على الرفع والنصب جائز.
قال الفراء: نزلت هذه السورة أول ما قدم النبي - صلى الله عليه
وسلم - المدينة، وكان أهلها إذا تبايعوا كيلاً أو وزناً
استوفوا وأفرطوا، وإذا باعوا نقصوا، فنزلت {وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، فآمنوا فهم أوفى الناس
كيلاً إلى يومهم هذا.
(1/540)
وقوله: {عَلَى النَّاسِ} أي: من الناس،
{عَلَى} بمعنى (من) .
وقوله: {كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} أي: كالوا لهم ووزنوا
لهم، فـ {هُمْ} في موضع نصب، ويجوز أن يكون {هُمْ} في موضع رفع
على التوكيد للضمير، والوجه الأول أولى؛ لأنها في المصحف بغير
ألف، ولو كانت توكيداً لثبتت الألف التي هي للفصل.
* * *
قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ
أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين: 13] .
نزلت في النضر بن الحارث؛ لأنه كان يقول: هذه أساطير الأولين
فيما يسمع من القرآن.
واختلف في واحد {أَسَاطِيرُ} :
فقيل: واحدها (أسطورة) ، وقيل: (إسطارة) ، وقيل: هو جمع
(أسطار) ، و (أسطار) جمع سطر، كفرخ وأفراخ، وقيل: هو جمع
(أسطر) إلا أن كسرته أشبعت فنشأت عنها ياء.
* * *
قوله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا
يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 27-28] .
قيل: {تَسْنِيمٍ} عين ماء تجري من علو الجنة، ويقال: تسنمتهم
العين، إذا أجريت عليهم من فوق.
ويسأل عن نصب {عَيْنًا} ؟
وفيه أوجه:
أحدها: أن (تَسْنِيماً) معرفة فـ {عَيْنًا} قطه منها، أي حال.
(1/541)
والثاني: أن يكون {تَسْنِيمٍ} مصدراً، يجرى
مجرى قوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}
[البلد: 14] ، فيكون مفعولاً به.
والثالث: أنه على المدح، أي: أعني عيناً.
والرابع: أن المعنى: يسقون عيناً.
وأجاز الفراء: أن يكون على تقدير: سنم عيناً، أي: رفع عيناً،
وهذا أيضاً يكون على الحال فهذه خمسة أوجه.
{ومن سورة انشقت}
* * *
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى
رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]
الكدح: السعي، يقال: كدح في أمره يكدح كدحاً.
ويسأل عن (الهاء) في قوله: {فَمُلَاقِيهِ} ؟
وفيها جوابان:
أحدهما: أن المعنى: فملاقي ربك.
والثاني: أن المعنى: فملاقي كدحك، أي: عملك وسعيك.
* * *
قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا
لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20]
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {لَتَرْكَبَنَّ} بفتح (الباء)
على معنى: لتركبن يا محمد، وقرأ الباقون: {لَتَرْكَبُنَّ}
بالضم، على تقدير: تركبن إيها الناس، والأصل: لتركبون، فدخلت
النون للتوكيد، فسقطت نون الإعراب؛ لأنهما لا يجتمعان، فصار:
لتركبون، فالتقى ساكنان (الواو) و (أول المشدد) فحذفت (الواو)
لالتقاء الساكنين، وتركت الضمة.
(1/542)
وقيل في قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ
طَبَقٍ} أقوال:
أحدها: أن المعنى: لتركبن منزلة عن منزلة، طبقاً عن طبق، وذلك
أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح قومه، ومن كان على فساد جعاه
إلى فساد قومه، إن كل شيء يصير إلى شكله. والثاني: أن المعنى:
جزاء عن عمل.
والثالث: لتركبن حالاً عن حال من إحياء وإماتة.
قال الفراء: وقد فسر: لتصيرن الأمور حالاً بعد حال، لشدة هول
يوم القيامة، قال: العرب تقول (وقع في بنات طبق) ، وإذا وقع في
أمر شديد.
و {عَنْ} بمعنى (بعد) ، كما قال: {عَمَّا قَلِيلٍ
لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 40] ، أي: بعد قليل، قال
الشاعر:
قربا مربط النعامة مني لقحت حرب وائل عن حيال
أي: بعد حيال.
{ومن سورة البروج}
* * *
قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ
الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ
الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [البروج: 1-4] .
البروج: المنازل العالية، واحدها: برج، وهي هاهنا منازل الشمس
والقمر الثمانية والعشرين، تقطع الشمس كل برج منها في شهر،
ويقطعه القمر في يومين وثلث، فيكون مسيرة فيها ثمانية وعشرين
يوماً، ويستسر ليلة أو ليلتين.
(1/543)
وقال الفراء: هي النجوم المعروفة، وقيل: هي
قصور في السماء.
واليوم الموعود: يوم القيامة، وخو يوم الجزاء وفصل القضاء، وقد
روي في خبر موفوع، وهو قول الحسن أيضاً وقتادة وعبد الرحمن بن
زيد.
والشاهد: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمشهود: يوم
القيامة، وهو قول الحسن بن علي رضي الله عنهما، وتلا:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ
وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] ،
{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ} [هود: 103] ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب،
وروي عن ابن عباس أيضاً: أن الشاهد هو الله تعالى والمشهود يوم
القيامة، وجاء في خبر مرفوع: أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود
يوم عرفة، وهو قول قتادة، وقيل: الشاهد يوم النحر، والمشهود
يوم عرفة، وهو قول إبراهيم.
والأخدود: شق في الأرض، قال ذو الرمة:
من العراقية اللاتي أحيل لها بين الفلاة وبين النخل أخدود
يصف جدولاً
ويسأل عن معنى {ذَاتِ الْوَقُودِ} ، فيقال: لم خصت بذات
الوقود، وكل نار لها وقود؟
وعن هذا جوابان:
(1/544)
أحدهما: أنه قد تكون ناراً ليست ذات وقود
كنار الحجر، ونار الليل، فقيدت هاهنا للفرق.
والثاني: أنه معرف، فصار مخصوصاً كأنه وقود بعينه.
واختلف في {أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} : فقيل: هم قوم مؤمنون
أحرقهم قوم من المجوس، وهذا مروي عن بن أبي طالب - رضي الله
عنه -.
وقيل: كانوا من بني إسرائيل، وهو قول الضحاك.
وقيل: {قُتِلَ} بمعنى: لعن، أي: لعنوا يتحريفهم في الدنيا.
وقيل: لإن الكفار الذين كانوا قعوداً على النار، خرج إليهم
منها إنسانا فأحرقهم عن آخرهم.
وقيل: كانوا نصارى من أهل نجران، حدثني أبي عن عمه عن منذر بن
سعيد عن أبي النجم عصام بن منصور عن أبي بكر أحمد بن عبد الله
البرقي، قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا
زياد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: كان أ÷ل نجران
جاهلية يعبدون نخلة، فوقع إليهم رجل من أهل ملة عيسى يقال له
(فيميمون) ، وكان أهل نجران يبعثون أولادهم إلى ساحر هنالك
يتعلمون منه، فأنفذ رجل يقال له (الثامر) ابناً له يسمى (عبد
الله) ليتعلم السحر، وكان (فيميمون) على طريقه، فعدل إليه (عبد
الله) وأعجبه ما رأي منه، فاتبعه على دينه، وسأله أن يعلمه اسم
الله الأعظم، وكان (فيميمون) إذا أتى بعليل دعل له بذلك الاسم
فيشفى، فقال لعبد الله: يا ابن أخي إنك لن تقدر أن تحمله وأخشى
ضعفك عنه، فلما رأى (عبد الله) أن صاحبه قد ضن عليه بالاسم،
عمد إلى قداح فجمعها، فلم يدع اسما الله تعالى إلا كتبه في قدح
منها ثم أوقد ناراً وأقبل يقذف فيها قدحاً قدحاً حتى إذا مر
بالاسم الأعظم قذفه فيها، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره
شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره فقال له: ما هو؟ فقال: كذا
وكذا، قال: وكيف علمت؟ فأجبره بما صنع، فقال: يا ابن أخي قد
أصبته، فأمسك على نفسك،
(1/545)
وما أظنك أن تفعل، فجعل (عبد الله) إذا دخل
نجران لا يلقى أحداً به ضر إلا قال له: أتوحد الله، وتدخل في
ديني، وأدعو لك أن تعافي من هذا البلاء؟
فيقول له: نعم، فيوجد ويسلم، ويدعو له، فيشفى، حتى لم يبق
بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره، ودعا له، فعوفي.
ورفع شأنه إلى ملك نجران، ودعاه، وقال له: أفسدت على أهل
قريتي، وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلن بك. فقال له: إنك لا
تقدر على ذلك، فجعل الملك يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على
رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس، ويبعث به إلى مياه بنجران
كالبحور لا يقع فيها شيء إلا هلك، فيلقى فيها فيخرج ليس به
بأس، فلما غلبه، قال له (عبد الله) : إنك لا تقدر علي حتى توحد
الله وتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت سلطت علي فقتلتني، قال:
فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله ثم ضربه بعصا في يده
فشجه شجة غير كبيرة فقتله، وهلك الملك مكانه، واستجمع أهل
نجران على دين (عبد الله) ، وكان على ما جاء به عيسى من
الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث من
بعد.
قال: ثم إن ذا نواس الحميري سار إليهم بحنوده فدعاهم إلى
اليهودية، وكان قد تهود اتباعاً لجده (تبع الأوسط) الذي يقال
له: (أسعرتبان) فامتنعوا، فخيرهم بين ذلك وبين القتل، فاختاروا
القتل، فخذ لهم أخدوداً، وأوقد فيه ناراً، وألقاهم فيها، فيقال
إن آخر من ألقي منهم امرأة معها طفل، فتوقفت، فقال لها ابنها -
وهو أحد من تكلم في المهد - يا أم إنما هي ساعة ثم الجنة،
فألقت بنفسها، وأفلت منهم رجل يقال له (دوس ذو ثعبان) على فرس
له، فسلك الرمل، فأعجزهم، فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر صاحب
الروم، فاستنصره، فقال له: بعدت بلادك عنا، ولكني سأمتب لك إلى
ملك الحبشة، فإنه على هذا الدين، وهو أقرب إلى بلادك، فكتب له،
فبعث معه النجاشي - ملك الحبشة - سبعين ألفاً من الحبشة، وأمر
عليهم رجلاً منهم يقال له (أرباط) وهو كان سبب دخول الحبشة
اليمن. قال ابن إسحاق، ويقال: كان فيمن قبل (ذو نواس) (عبد
الله بن التامر) ، قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم أنه حدث: أن رجلاً من أهل نجران حفر خربة له في
زمان عمر - رضي الله عنه -، فوجد (عبد الله بن التامر) تحتها
دفن فيها قاعداً
(1/546)
واضعاً يده على ضربه في رأسه ممسكاً عليها
بيده، فإذا أخرت يده عنها تتعب دماً وإذا أرسلت يده ردها
عليها، فامسك دمها، في يده خاتم فيه مكتوب (ربي الله) فكتب إلى
عمر - رضي الله عنه - في ذلك، فكتب: أن أقروه على حاله، وردوا
عليه الدفن الذي كان، ففعلوا.
والوقود: بالفتح: الحطب، وبالضم: المصدر.
قال الفراء: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} جواب القسم، كما
كان جواب: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] ، {قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] .
و {النَّارِ} جر على البدل من الأخدود، قال بعض الكوفيين:
الألف واللام تعاقب الإضافة والمعنى: قتل أصحاب الأخدود ناره،
وهو على تقدير مذهب البصريين: النار منه، وقال أبو عبيده:
النار جر على الجوار، كما قالوا: جحر ضب خرب.
* * *
قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ
الْمَجِيدُ} [البروج: 14-15] .
قرأ حمزة والكسائي {الْمَجِيدِ} جراً، ورفع الباقون.
فمن جر فعلى النعت للعرش، وأضاف المجد إلى العرش؛ لأنه يدل على
مجد صاحبه.
ومن رفع جعله مردوداً إلى قوله: {ذُو} .
قوله تعالى: هل {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} [البروج: 17-18] .
قيل المعنى: قد أتاك حديثهم، والمعنى: تذكر حديثهم تذكر معتبر،
فإنك تنتفع به، وهذا من الإيجاز الحسن، والتفخيم الذي لا يقوم
مقامه التصريح لما يذهب الوهم في أمرهم كل مذهب.
(1/547)
و {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} بدل من الجنود في
موضع جر، أجاز بعضهم: أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل، كأنه
قال: أعني فرعون وثمود.
* * *
قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ
مَحْفُوظٍ} [البروج: 21-22] .
قرأ نافع {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} بالرفع، رده على {قُرْآنٌ} ،
وجر الباقون، وردوه على اللوح.
و {لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} : أم الكتاب عن مجاهد، وقيل معناه: أنه
حفظه الله بما ضمنه.
{ومن سورة الطارق}
* * *
قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ
مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ
نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 1-4] .
الطارق: الآتي ليلا، وهو هاهنا النجم؛ لأنه يطرق ليلاً، قالت
هند بنت عتبه: (نحن بنات طارق نمشي على النمارق) .
والثاقب: المنير المضيء، والعرب تقول: أثقب نارك، أي: أشعلها.
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} ، ما: استفهام، وهي
في وضع رفع بالابتداء، و {الطَّارِقُ} ، خبره، والجمله في موضع
نصب؛ لأنه مفعول ثان لـ {أَدْرَاكَ} .
وقيل: {الطَّارِقُ} هو الثاقب، وهو زحل، هكذا قال الفراء. .
وقوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، قرأ
عاصم وحمزة وابن عامر {لَمَّا} بالتشديد، وقرأ الباقون
بالتخفيف.
(1/548)
فمن شدد جعل {لَمَّا} بمعنى (إلا) حكى
سيبويه: نشدتك الله لما فعلت، في معنى: إلا فعلت، و {حَافِظٌ}
خبر {إِنْ} ، وقيل الأصل: (لمن ما) فأدغمت النون في الميم.
ومن خفف فـ (ما) بعده عنده صلة، و (اللام) جواب القسم،
والمعنى: لعليها حافظ.
وقال بعضهم: (اللام) بمعنى (إلا) و (إن) بمعنى (ما) ، والمعنى:
ما كل نفس إلا عليها حافظ.
وأنكر الكسائي تشديد الميم، وهو جائز عند البصريين.
* * *
قوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ
بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ
لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 6-9] .
قال الفراء: دافق: بمعنى مدفوق، كما قال: {فِي عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] ، قال الفراء: وأهل الحجاز لذلك أفعل
من غيرهم، يعني: وضع الفاعل في معنى المفعول.
والترائب: موضع القلادة من المرأة، هذا قول ابن عباس، وكذلك هو
في اللغة، واحدها (تريبة) قال الشاعر:
كالزعفران على ترائبها شرقاً به اللبات والصدر
(1/549)
وقد يقال في جمع تريبة: تريب، قال المثقب:
ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس به غضون
والمعنى: من بين صلب الرجل وترائب المرأة.
والابتلاء: الاختبار.
واختلف في معنى قوله: {عَلَى رَجْعِهِ} :
فقال الضحاك: على رجع الإنسان ماء، كما كان. وقال عكرمة
ومجاهد: على رجع الماء في صلبه، أو في إحليله. وقال الحسن
وقتادة: على رجع الإنسان بالإحياء بعد الموت.
ويسأل عن الناصب لقوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ؟
وفيه اختلاف على قدر اختلاف العلماء في معنى (الرجع) :
فقال الزجاج: العامل فيه فعل مضمر يدل عليه {عَلَى رَجْعِهِ} ؛
تقديره: يرجعه يوم تبلى السرائر، ولا يجوز أن يعمل فيه {عَلَى
رَجْعِهِ} ؛ لأنه مصدر ولا يجوز أن يفرق بينه وبين صلته.
وقيل: العامل فيه {قَادِرٌ} وهذا على مذهل من قال: إن معنى
{عَلَى رَجْعِهِ} على بعثه وإحيائه بعد الموت، ويكون جواباً
لقولهم: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82] ، وما أشبه ذلك مما
فيه إنكارهم للبعث، وقيل: وهو نصب على إضمار (أعني) .
(1/550)
{ومن سورة
الأعلى}
* * *
قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ
غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 4-5] .
الغثاء: ما حمله السيل، وهو الهشيم اليابس.
والأحوى: الأسود، وفي تقدير {أَحْوَى} قولان:
أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، والمعنى: فجعله أحوى غثاء،
أي: أسود والعرب تكني عن الأخضر بالأسود والأدهم، قال الله
تعالى في صفة الجنتين: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ، أي:
خضراوان من الري، و {أَحْوَى} على هذا حال من (الهاء) في
{جَعَلَهُ} .
والثاني: أن يكون غير مقدم، ويكون التقدير: فجعله غثاء أسود، و
{أَحْوَى} على هذا المذهب نعت لـ {غُثَاءً} .
* * *
قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ} [الأعلى: 6-7] .
قال الحسن: المعنى: فلا تنس إلا ما شاء الله أن تنساه، برفع
حكمه وتلاوته، وهو قول قتاده، وقيل: إلا ما شاء الله
كالاستثناء في الإيمان وإن لم يقع مشيئة إلا النسيان منه،
وقيل: إلا ما شاء الله نسيانه مما لا يكلفك بأدائه، وذلك أن
التكليف مضمن بالذكر.
وقوله: {فَلَا تَنْسَى} خبر على تقدير: سنقرئك فبيس تنسى،
وقيل: هو نهي، و {تَنْسَى} بمعنى تترك وتثبت فيه الأبف، وهو
مجزوم. كما قال الشاعر:
(1/551)
إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق
وهذا من الضرورات لا يجب أن يحمل القرآن عليه. قوله تعالى:
{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18-19] .
قال قتاجة: ما قصه الله تعالى في هذه السورة في الصحف الأولى،
وقيل: من قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]
إلى آخر السورة في الصحف الأولى، وقيل: كتب الله تعالى كلها
أنزلت في شهر رمضان، وأنزل القرآن لأربع عشرة ليلة منه, وقيل:
القرآن في الصحف الأولى، والتقدير على هذه الوجوه: معاني
القرآن أو معنى ما تقدن ذكره في الصحف الأولى.
وواحد الصحف: صحيفة، كما يقال: سفينة وسفن، وقد يقال: صحائف،
كما يقال: سفائن.
{ومن سورة الغاشية}
* * *
قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى
نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ
لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا
يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 1-7] .
{هَلْ} بمعنى (قد) ، و {الْغَاشِيَةِ} : القيامة؛ لأنها تغشى
العباد، ومعنى {خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ} أي: في الدنيا، قيل:
يعنى بذلك: الرهبان، وقال الحسن وقتادة: عاملة لم يعملها الله
في الجنيا، فأعملها في النار.
والآنية: المنتهية في الحرارة، وهو قول ابن عباس وقتادة، وهو
على وزن (فَاعلَة) من أنى يأني إذا انتهى، فأما على قوله:
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ} ، فهو (أًفْعلةٌ) جمع إناء،
مثل
(1/552)
إزار وآزرة.
والضريع: الشبرق، وهو سم، عن ابن عباس، وقيل: {مِنْ ضَرِيعٍ}
اي: يضرع آكله في الإعفاء عنه لصعوبته.
* * *
قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ
تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية: 22-23] .
المسيطر: المتسلط على غيره بالقهر، وقال ابن عباس (بمسيطر)
بجبار، وهو قول مجاهد أيضاً، وقال ابن زيد: بجبار بالإكراه على
الإيمان، وهذا قبل فرض الجهاد.
وقوله: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} قال الفراء: يكون
مستثنى من الكلام الذي كان التذكير يقع عليه، وإن لم يذكر،
يريد أنه استثناء منقطع، وسيبويه يقدر الاستثناء بـ: (لكن) ،
والفراء يقدره بـ: (سوى) ، و (لكن) فيه أظهر.
* * *
قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25-26]
الإياب: الرجوع، يقال: آب يؤوب أوباً إذا رجع.
وقرأ بعضهم {إِيَابَهُمْ} بالتشديد، وأصله: إيوابهم، على
(فيغال) فاجتمعت الواو والياء وسبقت الأولى منهما بالسكون،
فقلبت الواو ياء وأغمت الياء فيها.
{ومن سورة الفجر}
* * *
قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 1-5] .
(1/553)
{وَالْفَجْرِ} : انشقاق عمود الصبح،
{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} : عشر ذي الحجة. {وَالشَّفْعِ} : الخلق بما
له من الشكل. {الْوَتْرِ} : الخالق الفرد؛ لأنه لا مثل له، هذا
قول ابن عباس وأكثر أ÷ل العلم، وقال الحسن: {الشَّفْعِ} :
الزوج، و {الْوَتْرِ} : الفرد، وروى عن ابن عباس أيضاً: أن
{الشَّفْعِ} : يوم النحر، و {الْوَتْرِ} : يوم عرفة، وهو قول
عكرمة والضحاك، وقيل: {الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} : الصلاة
المكتوبة منها شفع ومنها وتر، وروي عن أبي الزبير: أن
{الشَّفْعِ} : اليومان الأولان من أيام النحر، و {الْوَتْرِ} :
اليوم الثالث.
وقيل: االعشر: عشر ليال من أول المحرم. والحجر: العقل؛ لأنه
يمنع صاحبه.
و {إِرَمَ} : مدينة، قيل هي الإسكندرية، هذا قول القرظي، وقال
المقبري: هي دمشق، وقيل: هي مدينة مبنية من الذهب والفضة في
البرية غيبت عن الناس، وقيل: هي قبيلة، فعلى الأقوال الأول
تكون (عاد) منسوبة إلى (إرم) ، وعلى القول الآخر تكون (عاد) هي
إرما، وقيل: إرم: ساك بن نوح، ولم ينصرف (إرم) في الأقوال
الأول؛ لأنها معرفة مؤنثة، وإذا جعل اسم رجل فزعم الفراء: أنه
يترك اجراؤه؛ لأنه كالأعجمي.
(1/554)
وقيل: {ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] ذات الطول، هذا قوا ابن
عباس ومجاهد، وقال ابن زيد: ذات العماد في إحكام البنيان.
* * *
قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا
(21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:
21-22] .
الدك: تسوية الأرض وبسطها، ومنه الدكان لاستوائه. قال الحسن:
المعنى: وجاء أمر ربك وقضاء ربك، وقال المتكلمون: يفعل الله
فعلاً يسميه مجيئاً، ومثل هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم
-: (ينزل ربنا في كل ليلة إلى السماء الدنيا) أي: أمره وهذا
كما تقول: ضرب الأمير فلاناً، أي: ضربه صاحبه بأمره، ولا يجوز
أن يكون المجيء انتقالاً؛ لأن الانتقال لا يصح على القديم
تعالى. |