النكت في القرآن الكريم {ومن سورة
البلد}
* * *
قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ
حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1-2]
{الْبَلَدِ} : مكة، قال الفراء أي: هو حلال لك، وذلك يوم فتح
مكة، لم تحل قبله، ولا تحل بعده، أي: تقتل من رأيت قتله، فقيل
له (ابن خطل) متعلق بأستار الكعبة، فأمر بقتله، وقيل: لم تحل
لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ساعة من النهار، وهو قول عطاء.
* * *
قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] .
قيل: النجدان: الطريقان، طريق الخير وطريق الشر، وقيل: هدى
الطفل إلى ثدي أمه، وأصل النجد: المرتفع من الأرض، ونقيضه:
تهامة؛ لأنها لما انخفضت تهمت ريحها، يقال: تهمت ريحه وتمهت
اذا تغيرت.
(1/555)
قوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ
(11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ
(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا
ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 11-15] .
الاقتحام: الدخول على مشقة، والعقبة: الطريقة الصعبة المرتقى،
والفك: التفرقة، يقال: فككته أي: فرقته، نحو: فك القيد والغل،
ومعنى {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي: فرق بينها وبين الرق، والمسغبة:
المجاعة، والمقربة: القربى، والمترية: الفقر، ومن قولهم: تربت
يداه.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو الكسائي {فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ
إِطْعَامٌ} على الفعل الماضي، وقرأ الباقون {فَكُّ رَقَبَةٍ
(13) أَوْ إِطْعَامٌ} رد الفعل على الفعل، فالمعنى على القراءة
الأولى: فلا اقتحم العقبة فك رقبة أو أطعم، والمعنى على
القراءة الثانية: وما أدراك ما العقبة؟ أي: هي فك رقبة، جعله
جواب لقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} . ونصب {يَتِيمًا} بـ:
{إِطْعَامٌ} ، كما تقول: أعجبني ضرب زيد لأنه مصدر، والمصدر
يعمل عمل فعله، والفاعل محذوف، قيل تقديره: أو إطعام أنت، وقيل
تقديره: أو إطعام إنسان.
{ومن سورة الشمس}
* * *
قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ
وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 5-10] .
اختلف في {مَا} هاهنا:
(1/556)
فقيل: بمعنى (من) أي: من بناها ومن طحاها
ومن سواها.
وقيل: هي مصدرية، وتقديره: والسماء وبنائها، والأرض وطحوها
ونفسٍ وتسويتها.
و {طَحَاهَا} بسطها، و {دَسَّاهَا} : أخفاها، وقيل: هو نقيض
{زَكَّاهَا} أي: زكاها بالعمل الصالح، ودساها بالعمل الفاسد.
... كما يقال: زكا يزكو.
وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ} جواب القسم، وهو على حذف (اللام) ،
وتقديره: لقد أفلح، وقيل {دَسَّاهَا} ... فأبدلت السين، كما
قيل: تظنى، والفلاح: البقاء والخلود، وقيل: الفلاح: الفوز
وقيل: الفلاح: الملك.
* * *
قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ
وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ
عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا
يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 13-15] .
نصب {نَاقَةَ اللَّهِ} بإضمار فعل، أي: اتركوا ناقة الله
وسقياها، أي: احذروا ناقة الله وسقياها، وربما قال بعض
النحويين: نصب على التحذير، وأجاز الفراء: الرفع، على أن معنى
التحذير باق.
(1/557)
وعاقر الناقة أحمر ثمود وهو (قدار) ، قال
الشاعر:
ولكن أهلكت لواء كثيراً وقبل اليوم عالجها قدار
والدمدمة: ترديد الحال المستكرهة، وقيل: أصله (دم) فضعفـ وقيل:
دم عقر.
قال الضحاك في قوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} لم يخف الذي
عقرها عقباها، وقيل المعنى: ولا يخاف الله عقبى ما فعل من
الدمدمة.
وقيل: {فَسَوَّاهَا} أي: سوى العقوبة لهم، وقيل: سوى أرضهم
عليهم.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي وعاصم {وَلَا يَخَافُ}
بالواو لأنها في ... ، وقرأ نافع وابن عامر {فَلَا يَخَافُ}
لأنها في مصاحف أهل المدينة والشام كذلك.
فمن قرأ بالفاء جاز أن يقف على قوله: {فَسَوَّاهَا} ، ومن قرأ
بالواو لم يجز له أن يقف؛ لأنها واو حال، ولا يجوز الوقف دون
الحال.
{ومن سورة الليل}
* * *
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]
{مَا} بمعنى (من) وقيل: بمعنى (الذي) ، وقيل: جاءت على لغة من
يقول: سبحان ما سبحت له.
(1/558)
وأجاز الفراء: الجر في {الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى} على البدل من {مَا} ، وفي القراءة الأولى يكون
{الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} نصباً بـ: {خَلَقَ} ، والفاعل مضمر،
أي: خلق هو، وإن شئت جعلت {مَا} مصدرية، والتقدير: وخلقه الذكر
والأنثى.
* * *
قوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى
(19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل:
19-20]
يسأل عن نصب {ابْتِغَاءَ} ؟
الجواب: أنه استثناء منقطع، والمعنى: لكن ابتغاء وجه ربك، قال
الفراء: نصب الابتغاء في جهتين:
إحداهما: أن تجعل فيها نية إفاقه.
والأخرى: على اختلاف ما قبل {إِلَّا} وما بعدها، والمعنى: ما
ينفق إلا ابتغاء وجه ربه، قال: والعرب تقول: ما في الدار أحد
إلا كلباً، وهذا هو الاستثناء المنقطع، قال: وهذا مذهب أهل
الحجاز فأما بنو تميم فإنهم يجعلون الثاني بدلاً من الأول:
وأنشد؟
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
قال: ولو رفع رافع {ابْتِغَاءَ} لم يكن خطأ؛ لأنك لو ألقيت
{مِن} من {نِعْمَةٍ} لصار: وما لأحد عنده نعمة إلا ابتغاء،
فهذا يكون على البدل، كما تقول: ما أتاني من أحد إلا أبوك.
{ومن سورة الضحى}
* * *
قوله تعالى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1-3] .
(1/559)
الضحى: صدر النهار، وقيل: الضحى ... الضحاء
ممدود مفتوح الأول، وهو قريب من نصف النهار.
وهو قريب من نصف النهار. وسجا: سكن، وقال الحسن: غشي بظلامه،
والأول قول قتادة والضحاك. وودعك: تركك. وقلى: أبغض، والقلى
البغض، إذا كسرت (القاف) قصرت، وإذا فتحت مددت، قال الشاعر:
عليك سلام لا مللت قريبة ومالك عندي، إن نأيت قلاء.
والتقدير: ما ودعك ربك وما قلاك، إلا أن (الكاف) حذفت اكتفاء
بالأولى، ولتتفق رؤوس الآي، ومثله: أعطيتك وأحسنت، والمعنى
إليك.
قال الفراء:: الضحى النهار كله، وسجى أظلم وذلك في طوله.
* * *
قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:
6-8] .
آوى: ضم، وقيل في {ضَالًّا} ثلاثة أقوال:
أحدها: وجدك لا تعرف الحق، فهداك إليه.
والثاني: وجدك ضالاً عمل أنت عليه الآن من النبوة والشريعة
فهداك إليه.
والثالث: وجدك في قوم ضلال، أي: فكأنك منهم.
{ومن سورة ألم نشرح}
* * *
قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6] .
(1/560)
العسر الأول هو العسر الثاني، واليسر الأول
غير اليسر الثاني، وقد جاء في الحديث: (لن يغلب عُسرٌ يُسرَين)
، ووجه ذلك: أن العسر معرف، فهو واحد؛ لأنه ذلك المعرف بعينه،
واليسر منكر، ولو كان اليسر الثاني هو الأول لتكرر وفيه الألف
واللام ليعرف ذكره، كما تقول: رأيت رجلاً، وأكرمت الرجل، قال
الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا
عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15-16] عرف الثاني
لما كان هو الأول، وقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] ، ومثل تكرير {الْعُسْرِ} وفيه
الألف واللام والثاني هو الأول قول الشاعر:
[لا أرى] الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فالموت في ذلك كله شيء واحد.
{ومن سورة والتين}
* * *
قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ}
[التين: 1-2] .
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} : نوعان من الشجر نبه الله
[عليهما] ونوه بهما، فأقسم بهما، وقيل: التين والزيتون: جبلان،
فالتين بدمشق والزيتون ببيت المقدس، وقال عبد الرحمن بن زيد:
التين مسجد دمشق، والزيتون بيت المقدس، وقال الحسن ومجاهد
وعكرمة وقتادة: التين هو الذي يؤكل، والزيتون هو الذي يعصر.
{وَطُورِ سِينِينَ} : جبل بين الحجاز والشام، وهو الذي كلم
الله موسى بن عمران عليه، وهذا قول الحسن، يقال: طور سينين
وطور سيناء بمعنى واحد، وقيل: سينين
(1/561)
بمعنى: حسن، لأنه كثير النبات والشجر، وهو
قول عكرمة، وقال مجاهد وقتادة: الطور الجبل، وسينين بمعنى:
مبارك، وكأنه قيل: جبل الخير.
* * *
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا
يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 6-8] .
قيل في قوله: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى غير منقوص.
والثاني: أن المعنى غي مقطوع.
والثالث: أن المعنى غير محسوب، ومن قولك: مننت عليه بكذا، أي:
حسبته عليه، وهو قول مجاهد.
والهمزة في {أَلَيْسَ اللَّهُ} همزة تقدير، مثل الذي في قول
جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
ودخلت (الباء) في خبر {أَلَيْسَ} وإن كان قد انتقض معنى النفي؛
لأن الهمزة وإن نقلت النفي إلى الإيجاب، فإنها لم تنقل (ليس)
عن حكمها، وقيل: المعنى: أليس الله بأحكم الحاكمين صنعاً
وتقديراً؛ لأنه لا خلل فيه ولا اضطراب ولا ما يخرج به عما
تقتضيه الحكمة.
{ومن سورة العلق}
* * *
قوله تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] .
{أَنْ} في موضع نصب؛ لأنه مفعول له، والمعنى إن الإنسان ليطغى
لأن رآه استغنى، ومن أجل أن رآه استغنى.
(1/562)
و (رأى) هاهنا بمعنى: علم؛ لأنه لا يقال:
زيد رآه، ومن رؤية العين، وإنما يقال: زيد رأى نفسه، ولكن من
رؤية القلب يجوز، نحو: زيد رآه عالماً، ورآه استغنى، وكذا
الأفعال المؤثرة، ولا يجوز أن يعمل في ضمائر ما يكون خبراً
عنه، فأما قولهم: عدمتني وفقدتني، فلأنه جرى على المجاز، ألا
ترى أنه لا يصح أن يعدم نفسه ولا يفقدها، وإنما يعدمه غيره.
* * *
قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ
كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ
الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 15-18] .
السفع: أصله من سفعته النار إذا غيرته عن حاله.
والناصية: شعر مقدم الرأس، وهو من ناصى يتاصي مناصاة إذا وصل.
والنادى: المجلس، يقال: نادي وندي، والجمع: أندية، قال سلامة
بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تاوب
والزبانية: الأعوان واحدها: زبنية، هذا قول أبي عبيدة، وقال
الكسائي: زنبي، وقيل: هو جمع لا واحد له، واشتقاق الزبانية من
الزبن: وهو الدفع، ومنه يقال: حرب زبون، قال الشاعر:
فوارس لا يملون المنايا إذا دارت رحا الحرب الزبون
والزبانية هاهنا: الملائكة، هذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد
والضحاك.
و (النون) في {لَنَسْفَعًا} : نون التوكيد الخفيفة، والاختيار
عن البصريين أن تكتب بالألف؛ لأن الوقف عليها بالألف، واختار
الكوفيون: أن تكتب بالنون؛ لأنها نون في الحقيقة.
(1/563)
وخفض {النَّاصِيَةِ} ؛ لأنها بدل من
{النَّاصِيَةِ} الأولى، وحكى الفراء: أن بعضهم قرأ {نَاصِيَةٌ}
بالنصب على تقدير: لنسفعاً بها ناصية، ينصها على القطع.
{ومن سورة القدر}
* * *
قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
[القدر: 1] .
(الهاء) للقرآن، وإن لم يجر له ذكر؛ لأنه قد عرف المعنى.
وليلة القدر: ليلة يغفر الله تعالى فيها السيئات، وقيل: ليلة
الحكم بما يقضي الله تعالى في السنة من كل أمر، وهو قول الحسن
ومجاهد، وقيل: هي في العشر الأواخر من شهر رمضان، لم يطلع
عليها بعينها الناس، وقيل: إنما أخفاها الله تعالى عن العباد
ليستكثروا من العبادة في سائر أيام العشر طلباً لموافقتها،
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أريتها وأنسيتها)
وروي عنه: (التمسوها لثلاث أو لخمس أو لسبع) ، قال مالك: أراه
أراد: لثلاث بقين أو خمس بقين أو سبع بقين، وقيل: هي الإفراد
من العشر الأواخر، وقال بعضهم: التمسوها في الشهر كله، وقال
آخر: التمسوها في السنة وهذا كله تحريض على كثرة العمل طلباً
للموافقة، وقيل: قد فسرت ليلة القدر بقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] ، وقيل: ليلة القدر ليلة
عظيم الشأن، ومن قولك: رجل له قدر.
(1/564)
قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 4-5] .
قيل الأصل في {تَنَزَّلُ} : تَتَنَزَّلُ، فحذفت (التاء)
الثانية استقالاً لاجتماع التاءين، وكانت الثانية أولى بالحذف؛
لأن الأولى دخلت لتدل على الاستقبال، وقيل: تنزًّلُ الملائكة
بكل أمر في ليلة القدر [إلى السماء الدنيا] . حتى يعلمه أهل
الدنيا، وحتى يتصور تنزل أمر الله تعالى إليها، فتنصرف آمالهم
إلى ما يكون منها [فيقوي رجاؤهم] بما يتجدد من تفضل الله تعالى
فيها.
والروح: جبريل - عليه السلام -، مالك عظيم تقوم الملائكة يوم
القيامة صفاً، ويقوم وحده صفاً.
وقيل (السلام) في ليلة القدر سلام الملائكة بعضهم على بعض،
وقيل: نزولهم بالسلامة والخير والبركة، وقيل: سلام هي من الشر،
وهو قول قتادة.
وقرأ الكسائي {مَطْلِعَ} بكسر اللام، وفتح الباقون.
فمن كسر جعله للوقت، وأكثر ما يأتي ما كان (فَعَلَ يَفْعَلُ)
نحو: المقتل والمنظر والمدخل والمخرج، إلا أنه شذت أحرف فجاء
الزمان والمكان فيها على (مَفْعِلٍ) وهي:
المطلع والمشرق والمغرب والمنبت والمجزر والمسكن والمسجد، وحكى
الفراء: طلعت الشمس مطلعاً على المصدر، فعلى هذا تستوي
القراءتان، وكأنه اجتزأ بالاسم عن المصدر، كما قالوا: أعطيته
عطاء وأكرمته كرامة، فأما قوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ
(1/565)
نَبَاتًا} [نوح: 17] . فقيل: أتى على حذف
الزيادة، وقيل: المعنى: أنبتكم فنبتم نباتاً، فنبات من غير
(أنبت) على هذا القول.
و {حَتَّى} بمعنى (إلى) والتقدير: إلى مطلع الفجر.
يجوز في {هِيَ} وجهان:
أحدهما: أن تكون هي مبتدأة و {سَلَامٌ} الخبر.
والثاني: أن يكون {سَلَامٌ} و {هِيَ} الخبر.
{ومن سورة لم يكن}
* * *
قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} [البينة: 1-2] .
حركت (النون) من {لَمْ يَكُنِ} لالتقاء الساكنين، فإن قيل: لمَ
لمْ ترجع (الواو) وهي إنما حذفت لسكون (النون) و (النون) قد
تحركت؟
قيل: حركة (النون) عارضة لا يعتد بها، فكأن السكون باق.
وعطف {الْمُشْرِكِينَ} على {أَهْلِ الْكِتَابِ} ، والتقدير: لم
يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين، وقيل: لا يجوز
ذلك؛ لأن المشركين كفار، وأهل الكتاب قد لا يكونوا كفاراً،
ولكنه مفعول معه، أي: مع المشركين، ويدل على صحة هذا التأويل:
أن عبد الله بن مسعود قرأ "لَمْ يَكُنِ الُمشْركُونَ وأَهْلِ
الْكِتَابِ مُنْفَكِّينَ"، وقيل: بل يجوز أن تعطف
{الْمُشْرِكِينَ} على {أَهْلِ الْكِتَابِ} ؛ لأن (من) لإبانة
الجنس، كما تقول: هذا ثوب من خز؛ لأن الكفار قد يكونون من غير
أهل الكتاب ومن غير المشركين، وهو
(1/566)
كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ
مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] ؛ لأن الرجس قد يكون غير
الأوثان.
قال الفراء: يريد بقوله: {مُنْفَكِّينَ} أي: لم يكونوا منتهين
حتى البينة، وهي بعث محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: وقال
آخرون: لم يكونوا تاركين صفته في كتابهم أنه نبي حتى ظهر، فلما
ظهر تفرقوا واختلفوا، ويصدق ذلك: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ
الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] .
والانفكاك هاهنا: التفرق، ومنفكين هاهنا: من قولهم: ما انفك
زيد قائماً، وأجاز ذلك الفراء، وإذا كانت كذلك وجب أن يكون لها
خبر، ولا خبر هاهنا، [فلما] كان كذلك وجب الوجه الأول.
و {رَسُولٌ} بدل من {الْبَيِّنَةُ} ، وقال الفراء: هو مستأنف،
والتقدير: هو رسول من الله، أو: هي.
وفي قراءة أبي "رَسُولاَ مِنَ الله" بالنصب. على القطع، أي:
الحال، والبينة: الحجة.
* * *
قوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]
فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: ذلك دين الملة القائمة أو الشريعة.
والثاني: أن المعنى: ذلك دين الأمة القائمة أو الفرقة القائمة،
والقائمة والقيمة بمعنى واحد.
* * *
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [البينة: 6] .
(1/567)
يجوز في {الْمُشْرِكِينَ} أن يكون معطوفاً
على {الَّذِينَ كَفَرُوا} وذلك على مذهب من جعله هنالك مفعولاً
معه، ويجوز أن يكون معطوفاً على {الَّذِينَ كَفَرُوا} كما كان
فيما قبل.
{ومن سورة إذا زلزلت}
* * *
قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ
مَا لَهَا} [الزلزلة: 1-3] .
الزلزلة: الحركة الشديدة، وهذه الزلزلة تكون يوم القيامة،
والزلزلة بالكسر: المصدر، والزلزال بالفتح: الاسم، ومثله:
القَلقَال والقِلقَال، والوَسواس والوِسواس.
قرأ أبو جعفر {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زَلزَالَهَا}
بالفتح.
وأثقالها: كنوزها من الذهب والفضة، وقيل: أمواتها.
{وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} أي: الكافر، يقول: أي شيء
لها وما شأنها تغيرت عما كانت عليه.
وقيل: إن الأرض تتكلم يوم القيامة، قال علي بن عيسى: يكون ذلك
على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقبلها الله تعالى حيواناً قادراً على الكلام.
والثاني: أن يحدث الله تعالى الكلام فيها.
والثالث: أن كلامها ببيان يقوم مقام الكلام.
وجواب {إِذَا} محذوف، والتقدير: إذا زلزلت الأرض زالزالها
وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها رأيت أمراً هائلاً،
أو حشر الناس، وهذا الجواب هو العامل
(1/568)
في {إِذَا} ، ولا يجوز أن تعمل فيهل
{زُلْزِلَتِ} ؛ لأنها مضافة إليه والمضاف إليه لا يعمل في
المضاف.
{ومن سورة والعاديات}
قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ
قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ
نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} [العاديات: 1-5] .
العاديات: الخيل، والضبح: لهث يتردد من أنفاسها، وقيل: إن
الضبح حمحمة الخيل عند العدو، وقيل: شدة النفس عند العدو، قال
ابن مسعود: العاديات هي: الإبل، والقول الأول أظهر، وهو قول
ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء.
قيل: أقسم بالعاديات لعظم شأنها في الغارة [على أعداء] الله من
المشركين، وقيل التقدير: ورب العاديات، والموريات: التي توري
النار أي: تظهرها بسنابكها، تقول: أورى القادح النار، وتسمى
النار التي تظهر تحت السنابك (نار الحباحب) لضعفها، قال
النابغة في صفة السيوف:
تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب.
والمغيرات: جمع مغيرة، ومن قولك: أغرت على العدو.
والنقع: الغبار، و (الهاء) في قوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
(4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} يعود على المكان الذي أغيرت فيه
أو الوادي، وقيل: يعود على فرس المقداد بن الأسود؛ لأنه
(1/569)
كان أشد الخيل ذلك اليوم، وقيل لم يكن تلك
المغيرة إلا ثلاث من الخيل فرس المقداد أحدها، وهو ضمير لم يجر
له ذكر ولكنه قد عرف.
{ومن سورة القارعة}
* * *
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ
فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6-11] .
قال الحسن: في الآخرة ميزان له كفتان توزن فيه أعمال العباد،
وقال مجاهد: {ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} على جهة المثل، ويروى عن
عيسى - عليه السلام -، أنه سئل فقيل له: ما بال الحسنة تثقل
علينا والسيئة تخف علينا؟ فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت
حلاوتها، فلذلك ثقلت عليكم وعادت في مكروهكم، فلا يحملكم ثقلها
على تركها، فإن بذلك ثقلت الموازين يوم القيامة، والسيئة حضرت
حلاوتها، وغابت مرارتها فلذلك خفت عليكم وعادت في محبوبكم، ولا
يحملكم عليها خفتها فإن بذلك خفت الموازين يوم القيامة.
وراضية: في معنى مرضية.
وقيل في قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} قولان:
أحدهما: أنه يهوي على أم رأسه في النار، وهو قول قتادة وأبي
صالح.
وقيل: أمه هاوية أي: ضامته وكافلته هاوية، أي: النار شبهت له
بالأم، لأن الأم تضمه إليها وتكفله، فصارت النار له كالأم.
{ومن سورة التكاثر}
* * *
قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ
الْيَقِينِ} [التكاثر: 5-7] .
(1/570)
كلا: زجر. و {عِلْمَ} اليقين: العلم الذي
[يثلج الصدر] بعد اضطراب الشك فيه، وتقديره في الإعراب: علم
الخبر اليقين، فحذف المضاف، ومثله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:
9] ، وأهل الكوفة يقولون: هو إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا لا
يجوز عند البصريين.
وقوله: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} قيل: ترونها في الوقف، وهو
قول الحسن.
وقرأ ابن عامر والكسائي {لتُرَونَ} بالضم على ما لم يسم فاعله،
وقرأ الباقون بالفتح على ما سمى فاعله، إلا أن الكسائي وابن
عامر [فتحوا التاء] في لترونها.
ولا يجوز همز هذه الواو على قياس: أثؤب في أثوب وأعد في وعد؛
لأن الضمة هاهنا عرضة لالتقاء الساكنين.
{ومن سورة العصر}
* * *
قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
[العصر: 1-3] .
العصر: الدهر، عن ابن عباس والكلبي، وقال الحسن وقتادة: هي
صلاة العصر.
والإنسان: في موضع (الناس) ، ولذلك جاز الاستثناء منه.
والخُسر: أصله
(1/571)
إهلاك رأس المال، فالإنسان في هلاك نفسه
وهو أكثر رأس المال بمنزله ذلك. إلا المؤمن العامل بطاعة ربه
الصابر على ذلك والمتواصي بالحق، وقيل: المراد بذلك (أبو بكر)
و (عمر) رضي الله عنهما.
{ومن سورة الهمزة}
* * *
قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]
قال محمد بن إسحاق: نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنه رأى النبي -
صلى الله عليه وسلم - فهمزة ولمزة، فأنزل الله تعالى: {وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} .
والهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، قال حسان:
همزتك فاختضعت لذل نفس بقافية تأجج كالشواظ
واللمزة: الذي يصيب الناس سراً ويؤذيهم، قال رؤية:
في ظل باطلي ولمزي
وقيل: الهمزة: الكثير الطعن على غيره بغير حق، العائب لمن ليس
فيه عيب، يقال: رجل همزة كما يقال: ضحكة وهزأة، قال ابن عباس
اللمزة: المغتاب العياب.
* * *
قوله تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ
أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 2-3] .
{الَّذِي} في موضع جر على البدل من {هُمَزَةٍ} ، ولا يجوز أن
يكون نعتاً؛ لأنه معرفة، و {هُمَزَةٍ} نكرة. ويجوز أن يكون في
موضع نصب على إضمار (أعني) ، ويجوز أن يكون ي موضع رفع على
إضمار (هو) .
(1/572)
وفي حرف عبد الله "وَيْلٌ للهُمَزَةٍ
اللُمَزَةٍ" فعلى هذا الوجه يكون نعتاً.
والويل: القبوح، كذا قال الأصمعي، وقال المفسرون: هو وادٍ في
جهنم.
وقرئ {جَمَعَ مَالًا} و {جَمَعَ} ، والتشديد للمبالغة. قرأ
الحسن {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي: الجامع والمال،
وروى: {لَيُنْبَذَنَّ} يعني: الجامع والمال والعدد؛ لأنه قد
قرئ {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} .
* * *
قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة: 5-6] .
الحطمة: الحاطمة، قال الراجز:
قد لفها الليل بسواق حطم
ويقال: رجل حطم، أي: أكول، وأصول الحطم: الكسر.
وارتفع {نَارُ اللَّهِ} بإضمار مبتدأ تقديره: هي نار سورة
الله.
{ومن سورة الفيل}
* * *
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ
الْفِيلِ} [الفيل: 1] .
{تَرَ} هاهنا بمعنى: تعلم، وليس من رؤيو العين؛ لأن النبي -
صلى الله عليه وسلم - ما رأى أصحاب الفيل، وفي ذلك العام ولد
النبي - صلى الله عليه وسلم -/ وأصحاب الفيل: الحبشة الذين
قصدوا الكعبة ليهدموها، وزعيمهم (أبرهة الأشرم) .
(1/573)
والأبابيل: الجماعات، قال الفراء: لا واحد
لها بمنزلة: شماطيط وعباديد، قال: وحكى عن الرؤاسي أنه سمع:
إبالة، في الواحد، قال الفراء: وسمعت من العرب كم يقول: (ضغث
على إيالة) ، وقيل: واحدها (أبُّول) كعجول وعجاجيل، وقيل:
واحدها (إبيل) كسكين وسكاكين، وقيل: واحدها (إبيال) كدينار
ودنانير، وقيل: هو اسم للجمع.
والعصف: الزرع المتحطم، وقيل: العجين، قال الراجز:
فأصبحوا مثل كعصف مأكول
وسجيل: قيل: هو معرب، وقيل: طين مطبوخ كالآجر، وقيل: كان طائر
يأتي ومعه حجران في رجليه وواحد في منقاره، مثل الحمص وأكبر من
العدس، فلا يصيب أحداً إلا قتلته، وأصابت (أبرهة فرجع وقد أمدت
عليه جراحاته فلما بلغ صنعاء هلك.
{ومن سورة قريش}
* * *
قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] .
الإيلاف: التآلف، اختلف في (اللام) :
فقيل: يتعلق بقوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:
5] {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} وقال الخليل وسيبويه المعنى:
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}
(1/574)
وقال الفراء: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ
رَبُّكَ} [الفيل: 1] {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ؛ لأنه ذكر أهل مكة
النعمة عليهم بما صنع بالحبشة، وقال أيضاً تقديره: أهعجب يا
محمد لإيلاف قريش، يعجبه من نعمه عليهم في إيلافهم.
{ومن سورة الماعون}
* * *
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 2] .
يدع: يدفعه عنفاً به؛ لأنه لا يؤمن بالجزاء عنه، فليس له وازع،
يقال: دعه يدعه دعا، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: يدع اليتيم
عن حقه، أي يدفعه.
* * *
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4-7] .
يجوز في قوله: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} أن يكون في موضع جر
علىالنعت للمصلين، ويجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار (أعني)
، وفي موضع رفع على إضمار (هم) .
والماعون: ماعون البيت مثل: الدلو والقصعة والفأس والقداحة،
وقيل: الزكاة، وقال ابو عبيدة: كل ما فيه منفعة، وأنشد:
بأجود منه بما عنده إذا ما سماؤهم لم تغم
وأصله: القلة، يقال: ماله سعنٌ ولا معنٌ.
{ومن سورة الكوثر}
* * *
قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}
[الكوثر: 3] .
(1/575)
الكوثر: الخير الكثير، وهو (فَوعَل) من
الكثرة، وقيل: هو نهر في الجنة، ويروى عن عائشة - رضي الله
عنها - إنها قالت: من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليضع إصبعيه
في أذنيه، وروي عنها إنها قالت: في حافتي الكوثر قباب الدر
والياقوت، وروي عن ابن عمر أنه قال: يجري على الدر والياقوت،
ويروى عن الحسن: أن الكوثر: القرآن، وقال عطاء هو حوض النبي -
صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ضع يديك حذو منكبيك،
وقيل: ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة، وهو قول علي
بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
وقيل: انحر النوق في الأضحية والهدي.
وقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: مبغضك،
والأبتر: المنقطع عن الخير، وقيل: الذي لا عقب له، وهو قول
مجاهد، ونزل في العاص بن وائل، قال: محمد لا عقب له.
{ومن سورة الكافرون}
* * *
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا
أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1-2] .
قال الزجاج المعنى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} في الحال،
{وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا
(1/576)
أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا
عَبَدْتُمْ} [الكافرون: 3-4] في المستقبل إذا لم تؤمنوا {وَلَا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 5] في المستقبل:
لأنه قد آيس من إيمانهم.
قال أبو إسحاق:..... النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعبدوا
إلهه يوماُ، ويعبد إلههم يوماً، أو جمعة وجمعة، أو شهراً
وشهراً، أو سنة وسنة، فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مجامعه {وَلَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} مشاهدة، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ
مَا أَعْبُدُ} مشافهة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
[الكافرون: 6] .
{ومن سورة النصر}
* * *
قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] .
(الفاء) جواب {إِذَا} [النصر: 1] .
و {تَوَّابًا} : خبر كان.
ويروى أنه نعيت له نفسه.
{ومن سورة أبي لهب}
* * *
قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2] .
تبت: خسرت، وأبو لهب: عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر
بكنيته دون اسمه؛ لأنها كانت أغلب عليه، وقيل: كان اسمه عبد
العزى، فكره الله تعالى أن ينسبه إلى العزى [وأنه ليس يعبد
لها] ، إنما هو عبد الله.
(1/577)
وقوله: {أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} يجوز في
{مَا} وجهان:
أحدهما: أن تكون نافية، والمعنى: ما أغنى عنه ماله.
والثاني: أن تكون استفهاماً، وموضعها نصب، والتقدير: أي شيء
أغنى عنه ماله.
* * *
قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد: 3] .
جاء في التفسير: أن (أم جميل) حمالة الحطب، كانت تحمل الشوك
وتلقيه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: حمالة
الحطب (نمامة) ، والأول قول ابن عباس والضحاك وابن زيد،
والثاني قول عكرمة ومجاهد وقتادة. والجيد: العنق، والمسد:
الليف.
قال الفراء: يرتفع {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} من
جهتين:
أي: يصلى وامرأته نار جهنم، و {حَمَّالَةَ} صفة لها هذا وجه.
والوجه الآخر: يقول: ما أغنى عنه ماله وامرأته في النار، فيكون
{فِي جِيدِهَا} الرافع بها يعني: أن {امْرَأَتُهُ} مبتدأ، و
{فِي جِيدِهَا} الخبر، وإن شئت جعلت {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}
رافعة لها، أي: خبراً، كأنك قلت: ما أغنى ماله وامرأته هكذا.
ومن نصب {حَمَّالَةَ} فعلى القطع؛ لأنها نكرة؛ الانفصال مقدر
فيها، أو على الشتم والذم والوجه الأول لا يجوز عند البصريين.
{ومن سورة الإخلاص}
* * *
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}
[الإخلاص: 1-2] .
قال الفراء: سأل الكفار النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا:
ما ربك؟ أمن ذهب أم من فضة؟ ايأكل أم يشرب؟ فأنزل الله تعالى:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} ، والتقدير
على هذا: قُل
(1/578)
الحديث الذي سألتم عنه {اللَّهُ أَحَدٌ} فـ
{هُوَ} مبتدأ و {اللَّهُ} مبتدأ ثاني و {أَحَدٌ} خبر المبتدأ
الثاني، والجملة خبر عن الأول، هذا مذهب البصريين.
وقال الكسائي: {هُوَ} عماد حكى ذلك الفراء وخطأه فيه؛ لأنه ليس
قبله ما يعتمد عليه، وهو كما قال؛ لأن العماد إنما يكون بين
معرفتين لا تستغني إحداهما عن الأخرى، أو بين معرفة ونكرة
تقارب المعرفة، وذلك في باب الابتداء، وباب كان، وباب (إنًّ) ،
وباب الظن.
* * *
قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}
{اللَّهُ} مبتدأ، و {الصَّمَدُ} خبره، وقيل: {اللَّهُ} بدل من
{أَحَدٌ} كأنه في التقدير: قل هو الله الصمد.
واختلف في {الصَّمَدُ} :
فقيل: هو السيد، وأنشد اللغويون:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقيل: {الصَّمَدُ} الذي لا جوف له: {الصَّمَدُ} الفرد، وقيل
{الصَّمَدُ} الذي لايطعم، وقيل {الصَّمَدُ} الذي لا كفء له.
والأصل في: {أَحَدٌ} وحد، فأبدلوا من (الواو) (همزة) كما
قالوا: امرأة أناة، والأصل وناة وقيل: أحد بمعنى أول، ولا بدل
في الكلام، ومنه يقال: يوم الأحد.
وقرأ أبو عمرو {أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ} بغير تنوين، حذفه
لالتفاء الساكنين، رواه
(1/579)
عند هارون، وروى نصر عن أبيه عن أحمد بن
موسى: {أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} ، وقيل: إنه نوى الوقف لأنه
رأس آية فلذلك حذف التنوين، والوجه الأول أولى، قال الشاعر:
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا
* * *
قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]
..... ويجوز في {كُفُوًا} وجهان:
أحدهما: أن يكون خبراً لـ {يَكُنْ} .
والثاني: أن يكون حالاً من {أَحَدٌ} .... في الأصل وصفاً
فلما..... على الحال.... .
لمبة موحشا طلل يلوح كأنه خلل
ويكون {لَهُ} الخبر، وهو قياس قول..... أن تخبر النكرة عن
النكرة؛ لأن فيها فائدة والفائدة في قوله {لَهُ} .
{ومن سورة الفلق}
* * *
قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ
مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:
1-3] .
(1/580)
{مَا} في موضع جر بلإضافة {شَرِّ} إليها،
وفي دلالة على أن الله تعالى قد خلق الشر. وقرأ عمرو بن عبيد
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} بالتونين، لأنه كان ... أن الله لم
يخلق الشر.... من وجهتين: أحدهما: أنه كان يبطل معنى
الاستعاذة.
والثاني: أنه يعمل ما بعد النفي فيما قبله، وهذا لا يجوز.
* * *
قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 3] .
الغاسق: الليل، ووقب: دخل في كل سيء، وروي عن عائشة - رضي الله
عنها - أنها قالت: الغاسق:....
سمي الليل غاسقاً؛ لأنه أبرد من النهار، وأصل الغسق: البرد،
ومنه قوله تعالى: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25] .
{ومن سورة الناس}
* * *
قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي
يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ} [الناس: 4-6] .
الوسواس: الصوت الخفي، والوسواس: صوت الحُلي.... فإذا استغفر
العبد خنس، وقيل في الوسواس ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المعنى من شر الوسوسة التي.....
(1/581)
والثاني: أن المعنى من شر ذي الوسواس وهو
الشيطان.
والثالث: أن يكون من الجن بياناً أن منهم....
وقوله تعالى: {النَّاسِ} معطوفاً على {الْوَسْوَاسِ} ، وقال
الفراء {فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
{النَّاسِ} وقعت هاهنا على الجن والإنس، كقولك: يوسوس في صدور
الناس جهنم وانسهم، وحكى عن بعض العرب قال: جاء قوم من الجن
فقيل: من أنتم؟ فقالوا: أناس من الجن، والقول الأول أوجه.
قيل: أمر أن يستعاذ من شر الإنس والجن.
تمَّ بحمدِ اللهِ وَمَنِّهِ.
(1/582)
|