تأويل مشكل القرآن باب المتشابه
وأما قولهم: ماذا أراد بإنزال المتشابه في القرآن، من أراد
بالقرآن لعباده الهدى والتّبيان؟.
- فالجواب عنه: أن القرآن نزل بألفاظ العرب ومعانيها، ومذاهبها
في الإيجاز والاختصار، والإطالة والتوكيد، والإشارة إلى الشيء،
وإغماض بعض المعاني حتى لا يظهر عليه إلا اللّقن «1» ، وإظهار
بعضها، وضرب الأمثال لما خفي.
ولو كان القرآن كله ظاهرا مكشوفا حتى يستوي في معرفته العالم
والجاهل، لبطل التفاضل بين الناس، وسقطت المحنة، وماتت
الخواطر.
ومع الحاجة تقع الفكرة والحيلة، ومع الكفاية يقع العجز
والبلادة.
وقالوا: عيب الغنى أنه يورث البله، وفضيلة الفقر أنه يبعث
الحيلة.
وقال: أكثم بن صيفيّ: ما يسرّني أني مكفيّ كلّ أمر الدنيا. قيل
له: ولم؟ قال:
أكره عادة العجز.
وكل باب من أبواب العلم: من الفقه والحساب والفرائض والنحو،
فمنه ما يجلّ، ومنه ما يدقّ، ليرتقي المتعلم فيه رتبة بعد
رتبة، حتى يبلغ منتهاه، ويدرك أقصاه ولتكون للعالم فضيلة
النظر، وحسن الاستخراج، ولتقع المثوبة من الله على حسن
العناية.
ولو كان كل فن من العلوم شيئا واحدا: لم يكن عالم ولا متعلم،
ولا خفيّ ولا جليّ لأن فضائل الأشياء تعرف بأضدادها، فالخير
يعرف بالشر، والنفع بالضرّ، والحلو بالمر، والقليل بالكثير،
والصغير بالكبير، والباطن بالظاهر.
وعلى هذا المثال كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكلام
صحابته والتابعين، وأشعار الشعراء، وكلام الخطباء- ليس منه شيء
إلا وقد يأتي فيه المعنى اللطيف الذي يتخيّر فيه
__________
(1) اللّقن: السريع الفهم.
(1/58)
العالم المتقدّم، ويقرّ بالقصور عنه
النّقّاب المبرّز.
قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: «تجدون الناس كإبل مائة
ليس فيها راحلة» «1» .
وقال: «لا تستضيئوا بنار المشركين» «2» .
وقال: «إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ» «3» .
وقال للضحّاك بن سفيان حين بعثه إلى قومه: «إذا أتيتهم فاربض
في دارهم ظبيا» «4» .
وقال: «الكاسيات العاريات لا يدخلن الجنة» «5» .
وكتب في كتاب صلح: «وإن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة» «6» .
وقال: «أجد نفس ربّكم من قبل اليمن» «7» .
__________
(1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث 232، وأحمد في المسند 2/
88.
(2) أخرجه النسائي في الزينة 2/ 290، وأحمد في المسند 3/ 99،
والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 27، والسيوطي في الدر المنثور 2/
66، والمتقي الهندي في كنز العمال 43759، والخطيب البغدادي في
تاريخ بغداد 10/ 278، والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 455، 4/
16.
(3) أخرجه أحمد في المسند 3/ 91، والبيهقي في السنن الكبرى 3/
198، وابن حجر في فتح الباري 11/ 248، والسيوطي في الدر
المنثور 6/ 8. [.....]
(4) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 2/ 184،
وقال: أي أقم في دارهم آمنا لا تبرح، كأنك ظبي في كناسة قد أمن
حيث لا يرى أنسيا. وقيل: المعنى أنه أمره أن يأتيهم كالمتوحّش،
لأنه بين ظهراني الكفرة، فمتى رابه منهم ريب نفر عنهم شاردا
كما ينفر الظبي.
(5) روي الحديث بتمامه بلفظ:
عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «نساء كاسيات
عاريات، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وريحها
يوجد من مسيرة خمسمائة سنة» . أخرجه مسلم في اللباس حديث 125،
والجنة حديث 52، ومالك في اللباس حديث 7، وأحمد في المسند 2/
356، 440.
(6) أخرجه أبو داود في الجهاد باب 156، وأحمد في المسند 4/
325، ورواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 3/
327، وقال: أي بينهم صدر نقيّ من الخداع، مطويّ على الوفاء
بالصلح، والمكفوفة: المشرجة المشدودة.
وقيل: أراد أن بينهم موادعة ومكافّة عن الحرب، تجريان مجرى
المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم إلى بعض.
(7)
أخرجه أحمد في المسند 2/ 541، وابن الأثير الجزري في النهاية
في غريب الحديث 5/ 93، بلفظ: «إني لأجد نفس الرحمن من قبل
اليمن»
،
وفي رواية: «أجد نفس ربكم»
، قيل: عنى به الأنصار، لأن الله نفّس بهم الكرب عن المؤمنين،
وهما يمانون، لأنهم من الأزد، وهو مستعار من نفس الهواء الذي
يردّه التنفس إلى الجوف فيبرد من حرارته ويعدّلها، أو من نفس
الريح الذي يتنسمه فيستروح إليه، أو من نفس الروضة، وهو طيب
روائحها، فيتفرج به عنه. يقال: أنت في نفس من أمرك، واعمل وأنت
في نفس من عمرك: أي في سعة وفسحة، قبل الهرم والمرض ونحوهما.
(1/59)
وقال أبو بكر الصديق: نحن حفنة من حفنات
الله «1» .
وقال عمر بن الخطاب للعريف الذي أتاه بالمنبوذ: عسى الغوير
أبؤسا «2» .
وقال عليّ بن أبي طالب: من يطل هن أبيه ينتطق به «3» .
وحدّثت عن الأصمعي أنه قال: أعياني أن أعلم معنى قول عمر: أيما
رجل بايع عن غير مشاورة، فلا يؤمّر واحد منهما تغرّة أن يقتلا
«4» .
وقال المازنيّ «5» : سألت الأخفش «6» عن حرف رواه سيبويه «7»
عن الخليل «8» في
__________
(1) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 1/ 409،
أراد: إنا على كثرتنا يوم القيامة قليل عند الله كالحفنة، وهي
ملء الكف.
(2) أخرجه البخاري في الشهادات باب 16، ورواه ابن الأثير
الجزري في النهاية في غريب الحديث 1/ 90. وأبؤس: جمع بأس.
والغوير: ماء الكلب، وهو مثل، أول من تكلم به الزبّاء، ومعنى
الحديث: عسى أن تكون جئت بأمر عليك فيه تهمة وشدّة.
(3)
رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 1/ 85،
بلفظ: «من يطل أير أبيه ينتطق به» ،
هذا مثل ضربه: أي من كثرت إخوته اشتد ظهره بهم وعزّ.
(4) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 1/ 191،
بلفظ: «فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا» أي خوفا أن
يقتلا.
(5) المازني: هو أبو عثمان بكر بن محمد بن عدي بن حبيب بن
عثمان المازني البصري النحوي، توفي سنة 249 هـ، من تصانيفه:
«تفسير كتاب سيبويه» في النحو، «الديباج على خليل من كتاب أبي
عبيدة» ، «علل النحو» ، «كتاب الألف واللام» ، «كتاب التصريف»
، «كتاب العروض» ، «كتاب القوافي» ، «كتاب ما يلحن فيه العامة»
. (كشف الظنون 5/ 234) .
(6) الأخفش: هو سعيد بن مسعدة المجاشعي، أبو الحسن البصري
الفقيه النحوي، المعروف بالأخفش الأوسط، توفي سنة 221 هـ، من
تصانيفه: «كتاب الأربعة» ، «كتاب الاشتقاق» ، «كتاب الأصوات» ،
«كتاب الأوسط» ، «كتاب العروض» ، «كتاب القوافي» ، «كتاب
المسائل الصغير» ، «كتاب المسائل الكبير» ، «كتاب المقاييس» ،
«كتاب الوقف التام» ، «معاني الشعر» ، «معاني القرآن» .
(كشف الظنون 5/ 388) .
(7) سيبويه: هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الملقب
بسيبويه، مولى بني الحارث بن كعب، سكن البصرة. وتوفي بمدينة
ساوة سنة 177 هـ. له كتاب في النحو مشهور. (كشف الظنون 5/ 802)
.
(8) الخليل: هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، أبو
عبد الرحمن البصري العروضي النحوي اللغوي، ولد سنة 100 هـ،
وتوفي سنة 170 هـ. من تصانيفه: «فائت العين في اللغة» ، «كتاب
الإيقاع» ، «كتاب الشواهد» ، «كتاب العروض» ، «كتاب العين» في
النحو واللغة، «كتاب النغم» ، «كتاب النقط والشكل» . (كشف
الظنون 5/ 350) .
(1/60)
(باب من الابتداء يضمر فيه ما بني على
الابتداء) وهو قوله: ما أغفله عنك شيئا، أي دع الشّكّ: ما
معناه؟.
قال الأخفش: أنا مذ ولدت أسأل عن هذا.
وقال المازنيّ: سألت الأصمعي «1» وأبا زيد «2» ، وأبا مالك «3»
عنه، فقالوا: ما ندري ما هو.
والعرب تقول:
(حور في محارة) «4» .
و (جري المذكّيات غلاب) «5» .
و (عيل ما هو عائله) «6» .
و (إنّه لشرّاب بأنقع) «7» .
و (عاط بغير أنواط) «8» .
و (إلّا ده فلا ده) «9» .
و (النّفاض يقطّر الجلب) «10» .
__________
(1) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب. تقدمت ترجمته.
(2) أبو زيد: هو سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد بن قيس بن زيد
الأنصاري الحنفي، أبو زيد البصري اللغوي، توفي سنة 215 هـ. له
العديد من المصنفات، منها: «تخفيف الهمز الواحد» ، «غريب
الأسماء» ، «قراءة أبي عمرو» ، «كتاب الأمثال» ، «كتاب تحقيق
الهمز» ، «كتاب الجمع والتنبيه» ، «كتاب اللامات» ، «كتاب
اللغات» ، «كتاب المصادر» ، «كتاب المنطق في اللغة» ، «لغات
القرآن» .
(كشف الظنون 5/ 387- 388) . [.....]
(3) أبو مالك: لعله أبو مالك عمرو بن كركرة الأعرابي النسب
والبصري المذهب، له «كتاب خلق الإنسان» ، «كتاب الخيل» . (كشف
الظنون 5/ 802) .
(4) المثل في جمهرة الأمثال ص 89، ومجمع الأمثال 1/ 204، وانظر
لسان العرب (حور) .
(5) المثل في جمهرة الأمثال ص 78، ومجمع الأمثال 1/ 166، وانظر
لسان العرب (ذكي) .
(6) المثل في جمهرة الأمثال ص 138، ومجمع الأمثال 1/ 483،
وانظر لسان العرب (عيل) .
(7) المثل في جمهرة الأمثال ص 122، ومجمع الأمثال 1/ 374،
وانظر لسان العرب (نقع) .
(8) المثل في جمهرة الأمثال ص 141، ومجمع الأمثال 1/ 484،
وانظر لسان العرب (عطو) .
(9) المثل في جمهرة الأمثال ص 23، ومجمع الأمثال 1/ 36، وانظر
لسان العرب (دهو) .
(10) المثل في جمهرة الأمثال ص 126، ومجمع الأمثال 2/ 200،
وانظر لسان العرب (نفض) .
(1/61)
و (به داء ظبي) «1» .
و (أراك بشر ما أحار مشفر) «2» .
و (أفلت فلان بجريعة الذّقن) «3» .
و (غبار ذيل المرأة الفاجرة يورث السّلّ) «4» .
و (هو كبارح الأرويّ) «5» .
و (عبد وخلى في يديه) «6» .
و (رمّدت الضأن فربّق ربّق، ورمّدت المعزى فرنّق رنّق) «7» .
و (أفواهها مجاسّها) «8» .
و (نجارها نارها) «9» .
في أشباه لهذا كثيرة، لولا العلماء المنقّبون في البلاد،
المنقّرون عن الخبء، الناظرون للخلوف، الطالبون أعقاب
الأحاديث، ولسان الصّدق في الباقين- لطال علينا أن نطلع على
خفيّاتها، أو نظهر مستورها.
وإن آثرت أن تعرف معانيها التمستها في كتابنا المؤلف في (تفسير
غريب الحديث) فإنك واجدها أو أكثرها هناك، إن شاء الله تعالى.
وحدثني أبو حاتم «10» ، عن الأصمعي أنه قال: سألت عيسى بن عمر
«11» عن قول أمية بن أبي الصّلت «12» :
__________
(1) المثل في جمهرة الأمثال ص 57، وانظر لسان العرب (ظبي) .
(2) المثل في جمهرة الأمثال ص 19، ومجمع الأمثال 2/ 302، وانظر
لسان العرب (شفر) .
(3) المثل في مجمع الأمثال 2/ 16، وانظر لسان العرب (جرع) .
(4) المثل في لسان العرب (فجر) .
(5) المثل في مجمع الأمثال 1/ 71، وانظر لسان العرب (برح) .
(6) المثل في مجمع الأمثال 1/ 466، وانظر لسان العرب (خلى) .
[.....]
(7) المثل في مجمع الأمثال 1/ 305، وانظر لسان العرب (رمد) ،
(ربق) ، (رنق) .
(8) المثل في لسان العرب (جسس) .
(9) المثل في لسان العرب (نجر) .
(10) أبو حاتم: هو أبو حاتم السجستاني، تقدمت ترجمته.
(11) عيسى بن عمر: تقدمت ترجمته.
(12) يروى صدر البيت بلفظ:
والأرض صيّرها الإله طروقة والبيت من الكامل، وهو في ديوان
أمية بن أبي الصلت ص 23، ولسان العرب (سفد) ، وتاج العروس
(سفد) .
(1/62)
والأرض نوّخها الإله طروقة ... للماء حتّى
كلّ زند مسفد
فقال: لا أعرفه، وقد سألت عنه فلم أجد من يعرفه.
فهذا الأصمعي، وعيسى بن عمر، ومن سأله عيسى من أهل اللّغة، لم
يعرفوا هذا البيت، وفسّره من دونهم فقال: معناه: أن الله جعل
الأرض كالأنثى للماء، وجل الماء كالذكر للأرض، فإذا مطرت
أنبتت.
ثم قال: وهكذا كل شيء حتى الزّنود، فإن على الزّندين ذكر،
والأسفل أنثى، والنار لهما كالولد.
و (مسفد) بمعنى: منكح. تقول: سفد الذكر الأنثى، والله أسفده،
كما تقول:
نكح والله أنكحه.
ومثل هذا قول ذي الرّمة «1» .
وسقط كعين الدّيك عاورت صحبتي ... أباها وهيّأنا لموقعها وكرا
مشهّرة لا تمكن الفحل أمّها ... إذا هي لم تمسك بأطرافها قسرا
أراد بالسّقط: النار، وأراد بالأب: الزّند الأعلى، وبالأمّ:
الزند الأسفل.
وحدثني أبو حاتم عن الأصمعي أيضا، عن عيسى بن عمر، أنه قال: لا
أدري ما معنى قول أميّة بن أبي الصّلت الثّقفي، ولا رأيت أحدا
يحسنه «2» :
عسل ما ومثله عشر ما ... عائل ما وعالت البيقورا
هكذا رواه عسل ما وإنما هو: سلع ما.
__________
(1) البيتان من الطويل، وهما في ديوان ذي الرمة ص 1426، والبيت
الأول في لسان العرب (عور) ، وتهذيب اللغة 3/ 165، وتاج العروس
(عور) ، (سقط) ، والبيت بلا نسبة في كتاب العين 5/ 71، والمخصص
17/ 21.
(2) يروى صدر البيت بلفظ:
سلع ما ومثله عشر ما والبيت من الخفيف، وهو في ديوان أمية بن
أبي الصلت ص 36، والأزهية ص 81، والأشباه والنظائر 6/ 101،
وشرح شواهد المغني 1/ 305، 2/ 726، ولسان العرب (علا) ، والبيت
بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 322، ولسان العرب (بقر) ، (سلع) ،
(عول) ، ومغني اللبيب 1/ 314.
(1/63)
ومعنى البيت: أنهم كانوا يستمطرون بالسّلع
والعشر، وهما ضربان من الشجر، فيعقدونهما في أذناب البقر،
ويضرمون فيهما النار.
وقوله: (وعالت البيقورا) يعني: سنة الجدب أثقلت البقر بما
حمّلت من الشجر والنار فيها والعائل: الفقير.
والدليل على أنّ الرّواية (سلع ما) قول الآخر «1» :
أجاعل أنت بيقورا مسلّمة ... ذريعة لك بين الله والمطر
وحدثني أيضا أبو حاتم، عن الأصمعي، أنه قال في بيت امرئ القيس
«2» :
نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرّك لأمين على نابل
ذهب من يحسن هذا الكلام.
وقال مثل ذلك في بيت الحارث بن حلّزة «3» :
زعموا أنّ كلّ من ضرب العي ... ر موال لنا وأنّا الولاء
وفسّره الأصمعيّ فقال: أراد نطعنهم طعنة سلكى، أي مستوية،
ومخلوجة: عادلة ذات اليمين وذات الشمال، كما تردّ سهمين على
صاحب سهام قد دفعهما إليك لتنظر
__________
(1) يروى صدر البيت بلفظ:
أجاعل أنت بيقورا مسلّعة والبيت من البسيط، وهو للورل الطائي
في لسان العرب (بقر) ، (سلع) ، والتنبيه والإيضاح 2/ 87، وتاج
العروس (بقر) ، (سلع) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 2/ 99، ومجمل
اللغة 1/ 282، وديوان الأدب 2/ 61.
(2) يروى عجز البيت بلفظ:
لفتك لأمين على نابل والبيت من السريع، وهو في ديوان امرئ
القيس ص 257، ولسان العرب (خلج) ، (سلك) ، (نبل) ، (لأم) ،
وتهذيب اللغة 7/ 57، 10/ 62، 15/ 361، 400، وجمهرة اللغة ص
406، ومقاييس اللغة 2/ 206، 5/ 227، وتاج العروس (خلج) ، (سلك)
، (لأم) ، وديوان الأدب 2/ 6، وكتاب الجيم 3/ 219، وكتاب العين
4/ 160، 5/ 311، والبيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 444،
والمخصص 6/ 57، 15/ 192.
(3) البيت من الخفيف، وهو في ديوان الحارث بن حلزة ص 23، ولسان
العرب (عير) ، ومقاييس اللغة 4/ 192، وديوان الأدب 3/ 302،
وتهذيب اللغة 3/ 167، والحيوان 5/ 175، والخصائص 3/ 166،
والزاهر 2/ 144، وشرح القصائد السبع ص 449، وشرح القصائد العشر
ص 379، وفصل المقال ص 30، والمعاني الكبير 2/ 855، ومعجم
البلدان (عير) ، ومعجم ما استعجم 3/ 984، وتاج العروس (عير) ،
والبيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 777، والمخصص 1/ 94، 15/
134.
(1/64)
إليهما، وإذا أنت ألقيتهما إليه: لم يقعا
جميعا مستويين على جهة واحدة، ولكن أحدهما يعوجّ، ويستوي
الآخر. فشبّه جهتي الطعنتين، بجهتي هذين السهمين.
وقال الزّيادي «1» : كان زيد بن كثوة العنبريّ يقول: الناس
يغلطون في لفظ هذا البيت ومعناه، وإنما هو: كرّ كلامين على
نابل. أي: نطعن طعنتين متواليتين لا نفصل بينهما، كما تقول
للرامي: ارم ارم، فهذان كلامان لا فصل بينهما، شبّه بهما
الطعنتين في موالاته بينهما. وكان يستحسن هذا المعنى.
وأما (العير) فقد اختلفوا فيه: فكان بعضهم يجعله الوتد، سمّاه
عيرا لنتوئه مثل عير نصل السّهم، وهو الناتئ وسطه. يريد: أن كل
من ضرب خباء من أهل العمد، فضرب له وتدا- رمونا بذنبه.
وقال بعضهم: هو كليب وائل، والعير: سيّد القوم، سمّي بذلك لأنّ
العير أكبر الوحش، ولذلك
قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لأبي سفيان: «كلّ الصّيد
في جوف العير» «2» .
وقال آخر: العير جبل بالمدينة، ومنه: أنّ رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم حرّم ما بين عير إلى ثور «3» . يرد كلّ من ضرب إلى
ذلك الموضع وبلغه.
وقال آخر: هو الحمار نفسه، يريد أنفسهم يضيفون إلينا ذنوب كلّ
من ساق حمارا.
ومعنى هذا كله: أنهم يلزموننا بذنوب الناس جميعا، ويجعلوننا
أولياءهم.
وقال الأصمعي: لا أدري ما معنى قول رؤبة «4» :
يغمسن من غمسنه في الأهيغ ثم قال بعده: يوهم أنّ ثمّ ماء.
وقال ابن الأعرابي «5» : يقال: فلان منغمس في الأهيغين، يراد:
الأكل والنّكاح.
__________
(1) الزيادي: هو أبو حسان الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان بن
عبد الرحمن بن يزيد الزيادي القاضي الحنفي المحدث، المتوفى سنة
272 هـ، من تصانيفه: «ألقاب الشعراء» ، «طبقات الشعراء» ،
«كتاب الآباء والأمهات» ، «كتاب معاني عروة بن الزبير» . قال
ياقوت في طبقات الأدباء:
مات الزيادي سنة 242 هـ. (كشف الظنون 5/ 268) .
(2) روي الحديث بلفظ: «كل الصيد في جوف الفرا» . أخرجه الفتي
في تذكرة الموضوعات 168، والعجلوني في كشف الخفا 2/ 177.
(3) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث 3/ 328.
[.....]
(4) الرجز في ديوان رؤبة ص 97، ولسان العرب (هيغ) ، وتهذيب
اللغة 6/ 340، والرجز بلا نسبة في مقاييس اللغة 6/ 25.
(5) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد الكوفي البغدادي المعروف
بابن الأعرابي، أبو عبد الله اللغوي،
(1/65)
ونحو منه: ذهب منه الأطيبان، يراد: الأكل
والنكاح.
وقال أيضا: لا أدري ما معنى قول رؤبة في صفة الثور «1» :
كأنه حامل جنب أخذعا وقال ابن الأعرابي: أراد: كأنه ضرب بالسيف
ضربة فتعلّقت جنبه وهو حاملها، وذلك لميله من بغيه على أحد
جانبيه. والخذع: الميل.
ومثل هذا كثير، وفيما ذكرنا منه ما أقنع ودلّ على ما أردناه،
إن شاء الله تعالى.
ولسنا ممن يزعم: أنّ المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في
العلم.
وهذا غلط من متأوّليه على اللّغة والمعنى.
ولم ينزل الله شيئا من القرآن إلا لينفع به عباده، ويدلّ به
على معنى أراده.
فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطّاعن مقال، وتعلّق
علينا بعلّة.
وهل يجوز لأحد أن يقول: إن رسول، الله صلّى الله عليه وسلّم،
لم يكن يعرف المتشابه؟!.
وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى: وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] جاز أن يعرفه
الرّبّانيون من صحابته، فقد علّم عليّا التفسير.
ودعا لابن عباس فقال: «اللهم علّمه التأويل، وفقّهه في الدين»
«2» .
وروى عبد الرّزّاق «3» ، عن إسرائيل»
، عن سماك بن حرب «5» ، عن عكرمة،
__________
المتوفى سنة 231، له من المصنفات: «تاريخ القبائل» ، «كتاب
الألفاظ» ، «كتاب الأنواء» ، «كتاب تفسير الأمثال» ، «كتاب
الخيل» ، «كتاب الذياب» ، «كتاب صفة الزرع» ، «كتاب كرامات
الأولياء» ، «كتاب معاني الشعر» ، «كتاب النبات» ، «كتاب
النوادر» وغيرها. (كشف الظنون 6/ 12) .
(1) يليه: من بغيه والرفق حتى أكنعا والرجز في ديوان رؤبة ص
91، وتاج العروس (خذع) ، وتهذيب اللغة 1/ 161، والرجز بلا نسبة
في لسان العرب (خدع) ، وكتاب العين 1/ 204، وهو للعجاج في لسان
العرب (كنع) ، وتاج العروس (كنع) ، وتهذيب اللغة 1/ 319، وليس
في ديوانه.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 536، والطبراني في المعجم
الكبير 10/ 293، وابن كثير في البداية والنهاية 8/ 296.
(3) عبد الرزاق: تقدمت ترجمته.
(4) إسرائيل: هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو
يوسف الكوفي، محدث ثقة، ولد سنة 100 هـ، وتوفي سنة 162 هـ،
(تهذيب التهذيب 1/ 269) .
(5) سماك بن حرب: من كبار تابعي أهل الكوفة. توفي سنة 123 هـ.
(تهذيب التهذيب 4/ 233- 234) .
(1/66)
عن ابن عباس أنه قال: كلّ القرآن أعلم إلا
أربعا: غسلين، وحنانا، والأوّاه، والرّقيم.
وكان هذا من قول ابن عباس في وقت، ثمّ علم ذلك بعد.
حدثني محمد بن عبد العزيز، عن موسى بن مسعود، عن شبل، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد قال: تعلمونه وتقولون: آمنا به.
ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا:
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: 7]- لم يكن
للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين، لأنهم
جميعا يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا.
وبعد:
فإنّا لم نر المفسرين توقّفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا
متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرّوه كلّه على التفسير، حتى
فسروا (الحروف المقطّعة) في أوائل السّور، مثل: الر، وحم، وطه،
وأشباه ذلك. وسترى ذلك في الحروف المشكلة، إن شاء الله.
فإن قال قائل: كيف يجوز في اللغة أن يعلمه الراسخون في العلم،
والله تعالى يقول: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، [آل
عمران: 7] وأنت إذا أشركت الراسخين في العلم انقطعوا عن
(يقولون) ، وليست هاهنا واو نسق توجب للراسخين فعلين. وهذا
مذهب كثير من النحويين في هذه الآية، ومن جهته غلط قوم من
المتأوّلين؟.
قلنا له: إن (يقولون) هاهنا في معنى الحال، كأنه قال:
الرّاسخون في العلم قائلين: آمنا به. ومثله في الكلام: لا
يأتيك إلا عبد الله، وزيد يقول: أنا مسرور بزيارتك. يريد: لا
يأتيك إلا عبد الله وزيد قائلا: أنا مسرور بزيارتك.
ومثله لابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا في قصيدة أولها «1» :
أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيّام برامه
والرّيح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في غمامه
أراد: والبرق لا معا في غمامة تبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن
البرق يشرك الرّيح في البكاء، لم يكن لذكره البرق ولمعه معنى.
__________
(1) البيتان من مجزوء الكامل، وهما في ديوان ابن مفرغ ص 208،
والبيت الثاني في لسان العرب (درك) .
(1/67)
وأصل (التّشابه) : أن يشبه اللفظ اللفظ في
الظاهر، والمعنيان مختلفان. قال الله جل وعز في وصف ثمر الجنة:
وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة: 25] ، أي متّفق المناظر،
مختلف الطّعوم. وقال: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة: 118] أي
يشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة.
ومنه يقال: اشتبه عليّ الأمر، إذا أشبه غيره فلم تكد تفرّق
بينهما، وشبّهت عليّ:
إذا لبّست الحقّ بالباطل، ومنه قيل لأصحاب المخاريق أصحاب
الشّبه، لأنهم يشبّهون الباطل بالحق.
ثم قد يقال لكلّ ما غمض ودقّ متشابه، وإن لم تقع الحيرة فيه من
جهة الشّبه بغيره، ألا ترى أنه قد قيل للحروف المقطّعة في
أوائل السّور: متشابه، وليس الشك فيها، والوقوف عندها
لمشاكلتها غيرها، والتباسها بها.
ومثل المتشابه (المشكل) . وسمي مشكلا: لأنه أشكل، أي دخل في
شكل غيره فأشبهه وشاكله.
ثم قد يقال لما غمض- وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة-: مشكل.
وقد بيّنت ما غمض من معناه لا لتباسه بغيره، واستتار المعاني
المختلفة تحت لفظه، وتفسير (المشكل) الذي ادّعي على القرآن
فساد النّظم فيه.
وقدّمت قبل ذلك (أبواب المجاز) : إذ كان أكثر غلط المتأوّلين
من جهته.
وأرجو أن يكون في ذلك ما شفي مرض القلوب، وهدى من الحيرة، إن
شاء الله.
(1/68)
|