تأويل مشكل القرآن

باب الاستعارة
فالعرب تستعير الكلمة فتضعها مكان الكلمة، إذا كان المسمى بها بسبب من الأخرى، أو مجاورا لها، أو مشاكلا. فيقولون للنبات: نوء لأنه يكون عن النوء عندهم.
قال رؤية بن العجاج «1» :
وجفّ أنواء السّحاب المرتزق أي جفّ البقل.
ويقولون للمطر: سماء، لأنه من السماء ينزل، فيقال: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم.
قال الشاعر «2» :
إذا سقط السّماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
ويقولون: ضحكت الأرض: إذا أنبتت، لأنها تبدي عن حسن النبات، وتنفتق عن الزهر، كما يفترّ الضاحك عن الثغر، ولذلك قيل لطلع النخل إذا انفتق عنه كافوره:
الضّحك، لأنه يبدو منه للناظر كبياض الثغر. ويقال: ضحكت الطّلعة، ويقال: النّور يضاحك الشمس، لأنه يدور معها.
__________
(1) يروى الرجز بتمامه:
وخفّ أنواء الربيع المرتزق ... وخبّ أعراق السفا على القيق
والرجز لرؤبة في ديوانه ص 105، ولسان العرب (قيق) وتهذيب اللغة 9/ 372، وتاج العروس (رزق) ، ومقاييس اللغة (2/ 158، 3/ 81، ومجمل اللغة 2/ 161، 4/ 135، وبلا نسبة في لسان العرب (قط) ، وكتاب العين 5/ 238، والمخصص 10/ 129.
(2) البيت من الوافر، وهو لمعوّد الحكماء (معاوية بن مالك) في لسان العرب (سما) ، وللفرزدق في تاج العروس (سما) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 3/ 98، والمخصص 7/ 195، 16/ 30، وديوان الأدب 4/ 47.

(1/88)


وقال الأعشى يذكر روضة «1» :
يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزّر بعميم النّبت مكتهل
وقال آخر «2» :
وضحك المزن بها ثمّ بكى يريد بضحكه انعقاقه «3» بالبرق، وببكائه: المطر.
ويقولون: لقيت من فلان عرق القربة، أي شدّة ومشقّة. وأصل هذا أن حامل القربة يتعب في نقلها حتى يعرق جبينه، فاستعير عرقها في موضع الشّدّة.
ويقول الناس: لقيت من فلان عرق الجبين، أي شدّة.
ومثل هذا في كلام العرب كثير يطول به الكتاب، وسنذكر ما في كتاب الله تعالى منه.
فمن الاستعارة في كتاب الله قوله عز وجل: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: 42] أي عن شدّة من الأمر، كذلك قال قتادة «4» . وقال ابراهيم «5» : عن أمر عظيم.
وأصل هذا أنّ الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجدّ فيه- شمّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة.
وقال دريد بن الصّمّة «6» :
__________
(1) البيت من البسيط، وهو في ديوان الأعشى ص 107، ولسان العرب (كوكب) ، (أزر) ، (شرق) ، (كهل) ، (عمم) ، وتهذيب اللغة 1/ 119، 6/ 19، 8/ 316، 10/ 402، ومقاييس اللغة 5/ 125، 144، وأساس البلاغة (ضحك) ، والمخصص 10/ 194، وتاج العروس (ككب) ، (أزر) ، (شرق) ، (كهل) ، والبيت بلا نسبة في كتاب العين 3/ 378، 5/ 433.
(2) الرجز لدكين الراجز في أمالي المرتضى 2/ 94، وبلا نسبة في كتاب الصناعتين ص 239، والحيوان 3/ 75. [.....]
(3) الانعقاق: الانشقاق.
(4) قتادة: هو قتادة بن دعامة بن عرنين بن عمرو بن ربيعة السدوسي، أبو الخطاب البصري التابعي، ولد سنة 60 هـ، وتوفي سنة 117 هـ، صنّف «تفسير القرآن» . (كشف الظنون 5/ 834) .
(5) إبراهيم: هو إبراهيم بن يزيد، أبو عمران النخعي الكوفي، توفي سنة 96 هـ.
(6) البيت من الطويل، وهو في ديوان دريد بن الصمة ص 66، ولسان العرب (سوق) ، والمخصص 13/ 67، 16/ 37، وتهذيب اللغة 9/ 234، 10/ 488، وشرح ديوان الحماية للمرزوقي ص 818، والكامل ص 497، والأصمعيات ص 113، وجمهرة أشعار العرب ص 118، وديوان المعاني 1/ 56، وكتاب الصناعتين ص 305، والبيت بلا نسبة في لسان العرب (جلل) .

(1/89)


كميش الإزار خارج نصف ساقه ... صبور على الجلّاء طلّاع أنجد
وقال الهذليّ «1» :
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري
ومنه قول الله عز وجل: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: 49] وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء: 124] والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها. ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأته زبالا. (والزبال) ما تحمله النّملة بفمها، يريدون ما رزأته شيئا.
وقال النابغة الذّبياني «2» :
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ... ثم لا يرزأ العدوّ فتيلا
وكذلك قوله عز وجل: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر: 13] وهو (الفوقة) التي فيها النّواة. يريد ما يملكون شيئا.
ومنه قوله عز وجل: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) [الفرقان: 23] أي قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها. والأصل أنّ من أراد القدوم إلى موضع عمد له وقصده.
والهباء المنثور: ما رأيته في شعاع الشمس الداخل من كوّة البيت.
والهباء المنبثّ: ما سطع من سنابك الخيل. وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنّ هذا مبطل لا يلمس ولا ينتفع به.
ومنه قوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: 43] يريد أنها لا تعي خيرا، لأن المكان إذا
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لأبي جندب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 358، وشرح شواهد الشافية ص 383، ولسان العرب (جور) ، (ضيق) ، (نصف) ، (كون) ، والمعاني الكبير ص 700، 1119، وبلا نسبة في شرح المفصل 10/ 81، والمحتسب 1/ 214، والممتع في التصريف 2/ 470، والمنصف 1/ 301.
(2) البيت من الخفيف، وهو لعبد قيس بن خفاف في الحيوان 4/ 379، والأغاني 11/ 16، وللنابغة الذبياني في ديوانه ص 135 (طبعة دار الكتاب العربي) ، والشعر والشعراء ص 171، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 4/ 472، والمخصص 13/ 254.

(1/90)


كان خاليا فهو هواء حتى يشغله الشيء.
ومثله قوله عز وجل: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ [الكهف: 21] يريد أطلعنا عليهم.
وأصل هذا أنّ من عثر بشيء وهو غافل نظر إليه حتى يعرفه. فاستعير العثار مكان التّبيّن والظهور. ومنه يقول الناس: ما عثرت على فلان بسوء قطّ. أي ما ظهرت على ذلك منه.
ومنه قوله عز وجل: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص:
32] أراد الخيل، فسمّاها الخير لما فيها من المنافع.
قال الرّاجز بعد أن عدّد فضائلها وأسباب الانتفاع بها- «1» :
فالخيل والخيرات في قرنين وقال طفيل «2» :
وللخيل أيّام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيّامها الخير تعقب
ومنه قوله عز وجل أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الانعام: 122] . اى كان كافرا فهديناه وجعلنا له ايمانا يهتدى به سبل الخير والنّجاة كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام: 122] أي في الكفر. فاستعار الموت مكان الكفر، والحياة مكان الهداية، والنّور مكان الإيمان.
ومنه قوله عز وجل: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) [الشرح: 2] أي إثمك. وأصل الوزر: ما حمله الإنسان على ظهره. قال الله عز وجل: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ [طه: 87] أي أحمالا من حليّهم. فشبه الإثم بالحمل، فجعل مكانه، وقال في موضع آخر: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: 13] يريد آثامهم.
ومن ذلك قوله: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة: 235] أي نكاحا، لأن النكاح يكون سرا ولا يظهر، فاستعير له السرّ.
قال رؤبة «3» :
فعفّ عن أسرارها بعد العسق
__________
(1) الرجز بلا نسبة في كتاب المعاني 1/ 85، 176، وفي المعاني: «في قرينين» بدل: «في قرنين» ، وفي الخزانة 3/ 643: «كالقرينين» بدل: «في قرنين» .
(2) البيت من الطويل، وهو في ديوان طفيل الغنوي ص 35، والإنصاف ص 621، وخزانة الأدب 9/ 44، وكتاب الصناعتين ص 277، والمعاني الكبير 1/ 85.
(3) الرجز في ديوان رؤبة ص 204، وتهذيب اللغة 12/ 284، ولسان العرب (فرك) وفيه: «الغسق»

(1/91)


والعسق: الملازمة:
ومنه قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة: 223] أي مزدرع لكم كما تزدرع الأرض.
ومنه قوله: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة: 267] أي تترخّصوا. وأصل هذا أن يصرف المرء بصره عن الشيء ويغمضه، فسمّي الترّخّص إغماضا. ومنه يقول الناس للبائع: أغمض وغمّض. يريدون لا تستقص وكمن كأنّك لم تبصر.
ومنه قوله: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187] لأنّ المرأة والرجل يتجردان ويجتمعان في ثوب واحد، ويتضامّان فيكون كلّ واحد منهما للآخر بمنزلة اللباس.
قال النابغة الجعديّ «1» :
إذا ما الضّجيع ثنى جيدها ... تداعت عليه فكانت لباسا
ومنه قوله: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) [المدثر: 4] أي طهّر نفسك من الذنوب، فكنى عن الجسم بالثياب، لأنّها تشتمل عليه.
قالت ليلى الأخيلية وذكرت إبلا «2» :
رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلّا النّعام المنفّرا
أي ركبوها فرموها بأنفسهم.
وقال آخر «3» :
__________
بدل: «العسق» .
(1) يروى عجز البيت بلفظ:
تداعت فكانت عليه لباسا والبيت من المتقارب، وهو في ديوان النابغة الجعدي ص 81، ومقاييس اللغة 5/ 230، وتهذيب اللغة 12/ 444، ومجمل اللغة 4/ 262، وتاج العروس (لبس) ، ولسان العرب (لبس) ، والشعر والشعراء ص 302.
(2) البيت من الطويل، وهو للشماخ في تهذيب اللغة 15/ 154، وليس في ديوانه، ولليلى الأخيلية في ديوانها ص 70، وأساس البلاغة (ثوب) ، والمعاني الكبير ص 486، وكتاب الصناعتين ص 353، والبيت بلا نسبة في مجمل اللغة 1/ 372، وتاج العروس (ثوب) ، ولسان العرب (ثوب) .
(3) الرجز بلا نسبة في تاج العروس (دسم) ، (وذم) ، ولسان العرب (دسم) ، (وذم) ، وتهذيب اللغة 12/ 377، 15/ 29، ومقاييس اللغة 2/ 276، وديوان الأدب 3/ 270، وأساس البلاغة (دسم) ، والمعاني الكبير 1/ 481، ويروى: «جحّا» بتقديم الجيم على الحاء، بدل: «حجّا» .

(1/92)


لا همّ إنّ عامر بن جهم ... أو ذم حجّا في ثياب دسم
أي هو متدنّس بالذنوب.
والعرب تقول: قوم لطاف الأزر. أي خماص البطون، لأنّ الأزر تلاث عليها.
ويقولون: فدى لك إزاري. يريدون: بدني، فتضع الإزار موضع النّفس.
قال الشاعر «1» :
ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري
وقد يكون الإزار في هذا البيت: الأهل. قال الهذليّ «2» :
تبرّأ من دمّ القتيل وبزّه ... وقد علقت دمّ القتيل إزارها
أي نفسها.
ويقولون للعفاف: إزار، لأنّ العفيف كأنّه استتر لمّا عفّ.
وقال عديّ بن زيد «3» :
أجل أنّ الله قد فضّلكم ... فوق ما أحكي بصلب وإزار
فالصّلب: الحسب، سمّاه صلبا لأنّ الحسب: العشيرة. والخلق. من ماء الصّلب. والإزار: العفاف.
ويجوز أن يكون سمّى العشيرة صلبا لأنّهم ظهر الرجل، والصّلب في الظّهر.
__________
(1) البيت من الوافر، وهو لبقيلة الأكبر الأشجعي، وكنيته أبو المنهال، في لسان العرب (أزر) ، والمؤتلف والمختلف ص 63، وعجزه في لسان العرب (أزر) ، منسوبا إلى جعدة بن عبد الله السلمي، وبلا نسبة في شرح اختيارات المفضل ص 250، وشرح شواهد الإيضاح ص 162، ولسان العرب (قلص) . [.....]
(2) البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 77، ولسان العرب (أزر) ، وتاج العروس (أزر) ، والمعاني الكبير ص 483، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 432، ومقاييس اللغة 4/ 127، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 712، والمخصص 4/ 77، 17/ 22.
(3) البيت من الرمل، وهو في ديوان عدي بن زيد ص 94، وتهذيب اللغة 11/ 194، وديوان الأدب 1/ 149، وتاج العروس (حكى) . ويروى البيت بلفظ:
أجل أن الله قد فضّلكم ... فوق من أحكأ صلبا بإزار
والبيت بهذا اللفظ، لعدي بن زيد في ديوانه ص 94، وجمهرة اللغة ص 1051، ولسان العرب (حكأ) ، (صلب) ، (أزر) ، (أجل) ، (حكى) ، وبلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 240.

(1/93)


وقال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً [الفرقان: 47] : أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة «1» :
ودوّيّة مثل السّماء اعتسفتها ... وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر «2» :
كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسدّ على السّالكين السّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق «3» .
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال:
«سدّ ابن بيض الطريق» أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق «4» .
فكنى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإتاوة- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً [الفرقان: 47] أي سكنا، وفي قوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ [البقرة: 187] أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [يونس: 67] ومن قوله:
__________
(1) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص 685، وشرح شواهد الإيضاح ص 382، وهو بلا نسبة في شرح شذور الذهب ص 415.
(2) البيت من المتقارب، وهو لبشامة بن عمرو في تاج العروس (بيض) ، وشرح اختيارات المفضل ص 293، والمفضليات ص 60، وطبقات الشعراء ص 565، والأغاني 12/ 43، ولبسامة بن حزن (وهذا تحريف) في لسان العرب (بيض) ، وبلا نسبة في تاج العروس (ثوب) .
(3) انظر المثل في لسان العرب (بيض) ، وجمهرة الأمثال ص 118، ومجمع الأمثال 1/ 341، وأمثال العرب للمفضل الضبي ص 71- 72.
(4) انظر لسان العرب (بيض) ، ومجمع الأمثال 1/ 328.

(1/94)


وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها [الأعراف: 189] .
ومن الاستعارة: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) [آل عمران: 107] يعني جنّته، سمّاها رحمة، لأن دخولهم إيّاها كان برحمته.
ومثله قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ [النساء:
175] . وقد توضع (الرحمة) موضع (المطر) لأنه ينزل برحمته.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الأعراف: 57] يعني المطر.
وقال تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي [الإسراء: 100] يعني مفاتيح رزقه.
وقال تعالى: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها [فاطر: 2] أي من رزق.
ومن الاستعارة: اللسان يوضع موضع القول، لأنّ القول يكون بها. قال الله، عز وجل، حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) [الشعراء:
84] . أي ذكرا حسنا. وقال الشاعر «1» :
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر
أي أتاني خبر لا أسرّ به.
ومنه الذّكر يوضع موضع الشرف، لأنّ الشّريف يذكر قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: 44] يريد أن القرآن شرف لكم.
وقال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: 10] أي شرفكم.
وقال: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 71] أي أتيناهم بشرفهم.
ومنه قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما [الإسراء: 23] أي لا تستثقل شيئا
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لأعشى باهلة في إصلاح المنطق ص 26، والأصمعيات ص 88، وأمالي المرتضى 2/ 20، وجمهرة اللغة ص 950، 1309، وخزانة الأدب 6/ 511، وسمط اللآلي ص 75، وشرح المفصل 4/ 90، ولسان العرب (سخر) ، (لسن) ، والمؤتلف والمختلف ص 14، وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 191، 4/ 156، ولسان العرب (علا) .

(1/95)


من أمرهما، وتضق به صدرا، ولا تغلظ لهما.
والناس يقولون لما يكرهون ويستثقلون: أفّ له. وأصل هذا نفخك للشيء يسقط عليك من تراب أو رماد وغير ذلك، وللمكان تريد إماطة الشيء عنه لتقعد فيه. فقيل لكل مستثقل: أفّ لك، ولذلك تحرّك بالكسر للحكاية، كما يقولون: غاق غاق، إذا حكوا صوت الغراب.
والوجه أن يسكّن هذا، إلا أنه يحرّك لاجتماع الساكنين، فربما نوّن، وربما لم ينوّن، وربما حرّك إلى غير الكسر أيضا.
ومنه قوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: 64] يريد كلما هاجوا شرّا وأجمعوا أمرا ليحاربوا النبي صلّى الله عليه وسلّم- سكّنه الله ووهّن أمرهم.
ومنه قوله سبحانه: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:
157] . الإصر: الثّقل الذي ألزمه الله بني إسرائيل في فرائضهم وأحكامهم، ووضعه عن المسلمين. ولذلك قيل للعهد: إصر.
قال تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران: 81] أي عهدي، لأن العهد ثقل ومنع من الأمر الذي أخذ له.
وَالْأَغْلالَ: تحريم الله عليهم كثيرا مما أطلقه لأمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، وجعله أغلالا لأن التحريم يمنع كما يقبض الغلّ اليد، فاستعير.
قال أبو ذؤيب «1» :
فليس كعهد الدّار يا أمّ مالك ... ولكن أحاطت بالرّقاب السّلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى العدل شيئا فاستراح العواذل
يقول: ليس الأمر كعهدك إذ كنا في الدّار ونحن نتبسّط في كل شيء ولا نتوقّى، ولكن أسلمنا فصرنا من موانع الإسلام في مثل الأغلال المحيطة بالرّقاب القابضة للأيدي.
ومن هذا قوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا [يس: 8] ، أي قبضنا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال.
__________
(1) البيتان من الطويل، وهما لأبي خراش الهذلي في ديوان الهذليين القسم الثاني ص 150، وشرح أشعار الهذليين ص 1223، ولسان العرب (عهد) ، والتنبيه والإيضاح 2/ 43، والأغاني 21/ 58.

(1/96)


ومن ذلك قوله: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة: 138] ، يريد الختان، فسماه صبغة، لأن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في ماء ويقولون: هذا طهرة لهم كالختان للحنفاء، فقال الله تعالى، صِبْغَةَ اللَّهِ أي الزموا صبغة الله لا صبغة النصارى أولادهم، وأراد بها ملة إبراهيم عليه السلام.
ومنه قوله: ما لَها مِنْ فَواقٍ [ص: 15] أي ما لها من تنظّر وتمكّث إذا بدأت، ولذلك سمّاها ساعة لأنها تأتي بغتة في ساعة.
وأصل الفواق أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن ثم تحلب فما بين الحلبتين فواق، فاستعير الفواق في موضع الانتظار.
ومنه قوله: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ [الذاريات: 59] ، أي حظّا ونصيبا.
وأصل الذّنوب: الدّلو، وكانوا يستقون الماء، فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب، فاستعير في موضع النّصيب، وقال الشاعر «1» :
إنّا إذا نازعنا شريب ... لنا ذنوب وله ذنوب
والعرب تقول: (أخي وأخوك أيّنا أبطش؟) يريدون: أنا وأنت نضطرع فنطر أيّنا أشدّ؟ فيكنى عن نفسه بأخيه، لأن أخاه كنفسه.
وقال العبديّ «2» :
أخي وأخوك ببطن النّسير ... ليس به من معدّ عريب
ويكنى عن أخيه بنفسه.
__________
(1) يروى الرجز بلفظ:
لها ذنوب ولكم ذنوب ... فإن أبيتم فلنا القليب
والرجز بلا نسبة في لسان العرب (ذنب) ، وتهذيب اللغة 14/ 439، والمخصص 17/ 18، وكتاب العين 8/ 190، وجمهرة اللغة ص 306، وتاج العروس (ذنب) .
(2) يروى البيت بلفظ:
فعردة فقفا حبرّ ... ليس به من أهله عريب
والبيت بهذا اللفظ من مخلع البسيط، (وفي عجزه خلل بالوزن) ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص 11، وجمهرة اللغة ص 275، 1164، وجمهرة أشعار العرب ص 461، وأمالي القالي 1/ 250، وسمط اللآلي ص 565، ومعجم البلدان (حبر) ، وتاج العروس (عرد) . والبيت برواية المؤلف لثعلبة بن عمرو العبدي في المفضليات ص 254.

(1/97)


قال الله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11] ، أي لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين، لأنهم كأنفسكم.
وقال: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً [النور: 12] أي بأمثالهم من المسلمين.
وبعض المفسّرين يقول في قوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] ، أي على أهليكم، جعلهم أنفسهم على التّشبيه.
وقال: ابن عباس في تفسير ذلك: البيوت: المساجد، إذا دخلتها سلّمت على نفسك وعلى عباد الله الصالحين.
وقال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] ، أي إلى الجهاد الذي يحيي دينكم ويعليكم.
وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] ، أي لا تقتلوا إخوانكم، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة: 188] ، أي أموال إخوانكم.
وإن جعلته بمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض، ولا يقتل بعضكم بعضا- فهو أيضا قريب المعنى من الأوّل.
وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [الأعراف:
11] أراد: خلقنا آدم وصوّرناه، فجعل الخلق لهم، إذ كانوا منه.
ومنه قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ، [ق: 37] أي عقل لأن القلب موضع العقل، فكنى عنه به.
وقوله: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا [الطور: 32] ، أي تدلهم عقولهم عليه لأن الحلم يكون من العقل، فكنى عنه به.
ومنه قوله: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) [الفجر: 13] لأن التعذيب قد يكون بالسوط.
ومنه قوله: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء: 157] يعني العلم، لم يتحقّقوه ويستيقنوه.
وأصل ذلك أن القتل للشيء يكون عن قهر واستعلاء وغلبة. يقول: فلم يكن علمهم بقتل المسيح علما أحيط به، إنما كان ظنّا.

(1/98)


ومنه قوله سبحانه: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام: 146] أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي حافر من الدّواب كذلك قال المفسّرون:
وسمّى الحافر ظفرا على الاستعارة، كما قال الآخر وذكر ضيفا طرقه «1» :
فما رقد الولدان حتّى رأيته ... على البكر يمريه بساق وحافر
فجعل الحافر موضع القدم.
وقال آخر «2» :
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إلى ملك أظلافه لم تشقّق
يريد بالأظلاف: قدميه، وإنما الأظلاف للشاء والبقر.
والعرب تقول للرجل: (هو غليظ المشافر) تريد الشفتين، والمشافر للإبل.
وقال الحطيئة «3» :
قروا جارك العيمان لمّا جفوته ... وقلّص عن برد الشّراب مشافره
ومنه قوله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) [الحاقة: 44، 46] .
قال ابن عباس: اليمين هاهنا: القوّة. وإنما أقام اليمين مقام القوّة، لأن قوة كل شيء في ميامنه.
ولأهل اللغة في هذا مذهب آخر قد جرى الناس على اعتياده: أن كان الله عز وجل أراده في هذا الموضع، وهو قولهم إذا أرادوا عقوبة رجل: خذ بيده وافعل به كذا
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لجبيهاء الأسدي في لسان العرب (حفر) ، والتنبيه والإيضاح 2/ 110، وتاج العروس (حفر) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 1313، والمخصص 6/ 134، وكتاب الصناعتين ص 233، والموازنة ص 36، والموشح ص 91.
(2) البيت من الطويل، وهو لعقفان بن قيس بن عاصم في لسان العرب (ظلف) ، وسمط اللآلي ص 746، وتاج العروس (ظلف) ، وبلا نسبة في كتاب الصناعتين ص 234، والموازنة ص 36، وجمهرة اللغة ص 1312، وأمالي القالي 2/ 120.
(3) يروى صدر البيت بلفظ:
سقوا جارك العيمان لما تركته والبيت من الطويل، وهو في ديوان الحطيئة ص 25، وجمهرة اللغة ص 1312، والموشح ص 91، والموازنة ص 36، وكتاب الصناعتين ص 233، والبيت بلا نسبة في المخصص 4/ 136، 12/ 181.

(1/99)


وكذا. وأكثر ما يقول السلطان والحاكم بعد وجوب الحكم: خذ بيده واسفع بيده.
ونحوه قول الله: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ [العلق: 15، 16] أي لنأخذنّ بها، ثم لنقيمنّه ولنذّلنّه إما في الدنيا وإما في الآخرة، كما قال تعالى: فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ [الرحمن: 41] أي يجرّون إلى النار بنواصيهم وأرجلهم. ثم قال: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) [العلق: 16] وإنما يعني صاحبها. والناس يقولون: هو مشؤوم الناصية. لا يريدونها دون غيرها من البدن. ويقولون: قد مرّ على رأسي كذا. أي مر عليّ.
فكأنه تعالى قال: لو كذب علينا في شيء مما يلقيه إليكم عنّا، لأمرنا بالأخذ بيده، ثمّ عاقبناه بقطع الوتين.
وإلى هذا المعنى ذهب الحسن فقال في قوله تعالى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) [الحاقة: 45] أي بالميامن، ثم عاقبناه بقطع الوتين، وهو: عرق يتعلق به القلب، إذا انقطع مات صاحبه.
ولم يرد أنا نقطعه بعينه، فيما يرى أهل النظر، ولكنّه أراد: ولو كذّب علينا لأمتناه أو قتلناه، فكان كمن قطع وتينه.
ومثله
قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما زالت أكلة خيبر تعادّني، فهذا أوان قطعت أبهري» «1» .
والأبهر: عرق يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه. فكأنّه قال: فهذا أوان قتلني السّمّ، فكنت كمن انقطع أبهره.
ومنه قوله سبحانه: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) [القلم: 16] ذهب بعض المفسّرين فيه: إلى أنّ الله عزّ وجلّ يسم وجهه يوم القيامة بالسّواد.
وللعرب في مثل هذا اللفظ مذهب نخبر به، والله أعلم بما أراد.
تقول العرب للرجل يسبّ الرجل سبّة قبيحة، أو ينثو عليه فاحشة: وقد وسمه بميسم سوء. يريدون: ألصق به عارا لا يفارقه، كما أنّ السّمة لا تنمحي ولا يعفو أثرها.
وقال جرير»
:
__________
(1) أخرجه بنحوه البخاري في المغازي باب 83، والدارمي في المقدمة باب 11، وأحمد في المسند 6/ 18، والقاضي عياض في الشفا 1/ 609، والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 33، والقرطبي في تفسيره 5/ 163، والمتقي الهندي في كنز العمال 32189، والذهبي في ميزان الاعتدال 6263، وابن عدي في الكامل في الضعفاء 3/ 1239. [.....]
(2) البيت من الطويل، وهو في ديوان جرير ص 443.

(1/100)


لما وضعت الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث، جدعت أنف الأخطل
يريد: أنه وسم الفرزدق وجدع أنف الأخطل بالهجاء، أي أبقى عليه عارا كالجدع والوسم.
وقال أيضا «1» :
رفع المطيّ بما وسمت مجاشعا ... والزّنبريّ يعوم ذو الإجلال
يريد: أن هجاءه قد سارت به المطيّ، وغنّي به في البر والبحر. وقال «2» :
وأوقدت ناري بالحديد فأصبحت ... لها وهج يصلي به الله من يصلي
شبّه شعره بالنّار، وهجاءه بمواسم الحديد.
وقال الكميت بن زيد يذكر قصيدة له «3» :
تعلّط أقواما بميسم بارق ... وتقطم أوباشا زنيما ومسندا
والعلاط: سمة في العنق.
وربما استعاروا للهجاء غير الوسم، كقول الهذليّ «4» :
__________
(1) يروى البيت بلفظ:
رفع المطيّ بها وشمت مجاشعا ... كالزنبريّ يقاد بالأجلال
والبيت من الكامل، وهو لجرير في ديوانه ص 955 (ورواية عجز البيت فيه كما في المتن) . ولسان العرب (جلل) ، وبلا نسبة في لسان العرب (زنبر) ، وكتاب العين 7/ 286، وتاج العروس (زنبر) .
(2) البيت من الطويل، وهو في ديوان جرير ص 462.
(3) البيت من الطويل، وهو في ديوان الكميت بن زيد 1/ 164.
(4) الأبيات من المتقارب، والبيت الأول لأبي المثلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 306، وتاج العروس (حلأ) ، (حيض) ، (رهط) ، (زها) . ولسان العرب (رهط) ، (زها) ، وللهذلي في تهذيب اللغة 6/ 175، 371، 373، وبلا نسبة في كتاب العين 4/ 20، 74، ومقاييس اللغة 2/ 450، 3/ 29، ومجمل اللغة 2/ 429، 3/ 27، والمخصص 4/ 36.
والبيت الثاني لأبي المثلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 307، وتاج العروس (أبأ) ، (حلأ) ، وللمتنخل الهذلي في لسان العرب (جلا) ، وتاج العروس (جلو) ، وللهذلي في جمهرة اللغة ص 1045، وأساس البلاغة (فقح) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 493، وتهذيب اللغة 11/ 176، والمخصص 15/ 122، ومقاييس اللغة 4/ 443.
والبيت الثالث لأبي المثلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 307، وتاج العروس (أبأ) ، (خوض) ، وبلا نسبة في كتاب الجيم 2/ 42، وفيه: «المقرض» ، بدل: «بالمخوض» .
والبيت الرابع بلا نسبة في كتاب العين 1/ 80.

(1/101)


متى ما أشأ غير زهو الملو ... ك أجعلك رهطا على حيّض
وأكحلك بالصّاب أو بالجلا ... ففقّح لكحلك أو غمّض
وأسعطك في الأنف ماء الآباء ... ممّا يثمّل بالمخوض
جهلت سعوطك: حتى ظننت ... بأن قد أرضت، ولم تؤرض
والرّهط: جلد تلبسه المرأة أيام الحيض.
والصاب: شجر له لبن يحرق العين.
والجلا: كحل يحكّ على حجر ثم يكتحل به.
والأباء: القصب، وماؤه شرّ المياه.
ويقال: الأباء هاهنا: الماء الذي تشرب منه الأروى، فتبول فيه وتدمّنه. ويثمّل:
ينقع.
وهذه أمثال ضربها لما يهجوه به.
وقال آخر «1» :
سأكسوكما يا ابني يزيد بن جعثم ... رداءين من قار ومن قطران
في أشباه لهذا كثيرة.
وهذه الآية «2» نزلت في الوليد بن المغيرة، ولا نعلم أن الله عزّ وجل وصف أحدا وصفه له، ولا بلغ من ذكر عيوبه ما بلغه من ذكرها منه لأنه وصفه بالخلف، والمهانة، والعيب للناس، والمشي بالنّمائم، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء، والدّعوة.
فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة، كالوسم على الخرطوم، وأبين ما يكون الوسم في الوجه.
ومما يشهد لهذا المذهب، ما رواه سفيان، عن زكريا، عن الشّعبي في قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) [القلم: 13] أنه قال: العتلّ: الشديد. والزّنيم: الذي له زنمة من الشّرّ يعرف بها، كما تعرف الشاة بالزّنمة.
أراد الشّعبي: أنه قد لحقته سبّة من الدّعوة عرف بها كزنمة الشّاة.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الشعر والشعراء 1/ 156، والمعاني الكبير 2/ 799، 1175.
(2) يشير إلى الآية: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ.

(1/102)


ومنه قوله: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) [المسد: 4، 5] ، قال ابن عباس: في رواية أبي صالح عنه: الحطب: النّميمة وكانت تنم وتؤرّش بين الناس.
ومن هذا قيل: (فلان يحطب عليّ) إذا أغرى به، شبّهوا النّميمة بالحطب، والعداوة والشحناء بالنار، لأنهما يقعان بالنميمة، كما تلتهب النار بالحطب. ويقال: نار الحقد لا تخبو فاستعاروا الحطب في موضع النميمة. وقال الشاعر وذكر امرأة «1» :
من البيض لم تصطد على حبل سوأة ... ولم تمش بين الحيّ بالحظر الرّطب
أي لم توجد على أمر قبيح، ولم تمش بالنمائم والكذب.
والحظر: الشّجر ذو الشّوك يحظر به.
وقال آخر «2» :
فلسنا كمن تزجى المقالة شطره بقرف العضاه الرّطب والعبل اليبس وقال بعض المتقدمين: كانت تعيّر رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، بالفقر كثيرا، وهي تحتطب على ظهرها بحبل من ليف في عنقها.
ولست أدري كيف هذا لأنّ الله عز وجل وصفه بالمال والولد، فقال: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) [المسد: 2] .
وأما المسد، فهو عند كثير من الناس: اللّيف دون غيره. وليس كذلك، إنما المسد: كلّ ما ضفر وفتل من اللّيف وغيره، يقال: مسدت الحبل مسدا إذا فتلته، فهو مسد. كما تقول: نفضت الشّجرة نفضا وخبطتها خبطا. واسم ما يسقط من ثمرها وورقها: نفض وخبط، ومنه قيل: رجل ممسود الخلق، إذا كان مجدولا مفتولا.
__________
(1) يروى البيت بلفظ:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ... ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
والبيت من الطويل، وهو بلا نسبة في لسان العرب (حطب) ، (حظر) ، (برعم) ، ومجمع الأمثال 1/ 179، ومقاييس اللغة 2/ 79، وأساس البلاغة (حظر) ، وتهذيب اللغة 4/ 394، 455، وجمهرة اللغة ص 1288، وتاج العروس (حطب) ، (حظر) .
(2) البيت من الطويل، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

(1/103)


ويدلّك على أن المسد قد يكون من غير الليف، قول الرّاجز «1» :
يا مسد الخوص تعوّذ منّي ... إن تك لدنا ليّنا فإنّي
ما شئت من أشمط مقسئنّ فجعله هذا من خوص.
وقال آخر «2» :
ومسد أمرّ من أيانق ... لسن بأنياب ولا حقائق
فجعله هذا من جلود الإبل.
وأراد الله، تبارك وتعالى، بهذا الحبل السلسلة التي ذكرها، فقال: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: 32] . كذلك قال ابن عباس.
فيجوز أن يكون سمّاها مسدا، وإن كانت حديدا أو نارا أو ما شاء الله أن تكون، بالضّفر والفتل.
ومنه قوله سبحانه: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) [الأنبياء: 17] .
قال قتادة والحسن: اللهو: المرأة:
وقال ابن عباس: هو الولد.
والتفسيران متقاربان، لأن امرأة الرجل لهوه، وولده لهوه ولذلك يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه.
وأصل اللهو: الجماع، فكنّي عنه باللهو، كما كني عنه بالسّرّ، ثم قيل للمرأة لهو لأنها تجامع. قال: امرؤ القيس «3» :
__________
(1) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (مسد) ، (قسن) ، وتاج العروس (مسد) ، (قسن) ، وجمهرة اللغة ص 1089، 1220، وكتاب العين 5/ 79، ومقاييس اللغة 5/ 87، والمخصص 2/ 95، وتهذيب اللغة 8/ 409، 12/ 380.
(2) الرجز لعمارة بن طارق في لسان العرب (حقق) ، وتاج العروس (مسد) ، (حقق) ، (نوق) ، ولعثمان بن طارق في لسان العرب (زهق) ، ولعمارة بن طارق أو لعقبة الهجيمي في التنبيه والإيضاح 2/ 53، ولسان العرب (مسد) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 3/ 380، 12/ 380، وجمهرة اللغة ص 785، ومقاييس اللغة 5/ 323، ومجمل اللغة 4/ 328، وأساس البلاغة (مسد) .
(3) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص 28، وجمهرة اللغة ص 121، وبلا نسبة في

(1/104)


ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني ... كبرت وأ لا يحسن اللهو أمثالي
أي النكاح.
ويروى أيضا: (وأ لا يحسن السر أمثالي) «1» : أي النكاح.
وتأويل الآية: أن النّصارى لما قالت في المسيح وأمّه ما قالت، قال الله جل وعز:
لو أردنا أن نتّخذ لهوا، أي صاحبة وولدا، كما يقولون، لاتخذنا ذلك من لدنّا، أي من عندنا، ولم نتّخذه من عندكم لو كنّا فاعلين ذلك، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجه يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره.
وقال الله في مثل هذا المعنى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [الأعراف: 206] ، يعني الملائكة.
ومنه قوله سبحانه: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112] .
وأصل الذّواق: بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار، تقول في الكلام: ناظر فلانا وذق ما عنده، أي تعرّف واختبر، واركب الفرس وذقه.
قال الشمّاخ في وصف قوس «2» :
فذاق فأعطته من اللّين جانبا ... كفى ولها أن تعرق السّهم حاجز
يريد: أنه ذاق القوس بالنّزع فيها ليعلم أليّنة هي أم صلبة؟
وقال آخر «3» :
وإنّ الله ذاق حلوم قيس ... فلمّا راء خفّتها قلاها
__________
لسان العرب (لها) ، وتاج العروس (لها) . ويروى عجز البيت:
كبرت وأن لا يحسن السرّ أمثالي والبيت بهذا اللفظ في ديوان الأدب 3/ 30.
(1) انظر الحاشية السابقة. [.....]
(2) يروى عجز البيت بلفظ:
لها ولها أن يغرق السهم حاجز والبيت من الطويل، وهو في ديوان الشماخ ص 190، وأساس البلاغة (ذوق) ، وتهذيب اللغة 9/ 263، وجمهرة أشعار العرب ص 832، ولسان العرب (ذوق) ، وتاج العروس (ذوق) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 2/ 365، والمخصص 6/ 47.
(3) البيت من الوافر، وهو ليزيد بن الصعق في كتاب الحيوان 5/ 15.

(1/105)


وهذه الآية نزلت في أهل مكة، وكانوا آمنين بها لا يغار عليهم، مطمئنين لا ينتجعون ولا يتنقّلون، فأبدلهم الله بالأمن الخوف من سريا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبعوثه، وبالكفاية الجوع سبع سنين، حتى أكلوا القدّ والعظام.
ولباس الجوع والخوف: ما ظهر عليهم من سوء آثارهما بالضّمر والشّحوب ونهكة البدن، وتغيّر الحال، وكسوف البال.
وقال في موضع آخر: وَلِباسُ التَّقْوى [الأعراف: 26] ، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح، وكما تقول: تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، وذقت بمعنى: تعرفت واللّباس: بمعنى سوء الأثر- كذلك تقول: ذقت لباس الجوع والخوف، وأذاقني الله ذلك.
ومنه قوله: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) [المرسلات: 1] يعني الملائكة، يريد: أنها متتابعة يتلو بعضها بعضا بما ترسل به من أمر الله عز وجل.
وأصل هذا من عرف الفرس، لأنه سطر مستو بعضه في إثر بعض. فاستعير للقوم يتبع بعضهم بعضا.
ومنه يقول الناس: هم إليه عرف واحد، إذا كثروا وتتابعوا في توجّههم إليه.
ويقال: أرسلت بالعرف أي بالمعروف.
ومنه قوله سبحانه: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182] والاستدراج:
أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون، ولا يباغتهم ولا يجاهرهم. ومنه يقال: درجت فلانا إلى كذا وكذا، واستدرج فلانا حتى تعرف ما عنده وما صنع. يراد لا تجاهره ولا تهجم عليه بالسؤال، ولكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.
وأصل هذا من الدّرجة، وذلك أن الراقي فيها النازل منها ينزل مرقاة مرقاة، فاستعير هذا منها.
ومنه قوله سبحانه: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة: 67] أي يمسكون عن العطية.
وأصل هذا: أن المعطي بيده يمدّها ويبسطها بالعطاء، فقيل لكل من بخل ومنع: قد قبض يده.
ومنه قوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا [المائدة: 64] أي:
ممسكة.
ومنه قوله: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ [يونس: 22] : أي دنوا من الهلاك. وأصل

(1/106)


هذا: أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة. وقال في موضع آخر: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: 42] .
ومنه قوله: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) [الدخان: 29] تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم:
أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا «1» :
الرّيح تبكي شجوه ... والبرق يلمع في غمامه
وقال آخر «2» :
الشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك، نجوم اللّيل والقمرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب «3» :
__________
(1) يروى البيت بلفظ:
الريح تبكي شجوها ... والبرق يضحك في الغمامه
والبيت من مجزوء الكامل، وهو لابن مفرغ في ديوانه ص 208، ولسان العرب (درك) ، وتفسير البحر المحيط 7/ 36، وأمالي المرتضى 1/ 39، 2/ 96، وشرح شواهد الشافية ص 36، والبيت بلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص 201، والأضداد لابن الأنباري ص 372.
(2) البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص 736، والأشباه والنظائر 5/ 307، وأمالي المرتضى 1/ 52، وشرح شواهد الشافية ص 26، والعقد الفريد 1/ 96، ولسان العرب (كسف) ، (بكى) ، وبلا نسبة في لسان العرب (شمس) .
(3) البيت من البسيط، وهو في ديوان النابغة الذبياني ص 83، وخزانة الأدب 2/ 133، 134، والشعر والشعراء 1/ 125، والبيت بلا نسبة في رصف المباني ص 418، ولسان العرب (روح) .

(1/107)


تبدوا كواكبه والشمس طالعة ... لا النّور نور ولا الإظلام إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة «1» :
إن تنوّله فقد تمنعه ... وتريه النّجم يجري بالظّهر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برّح به.
وقال الأعشى «2» :
رجعت لما رمت مستحسرا ... ترى للكواكب ظهرا وبيصا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ [الدخان: 29] .
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] ، أراد أهل القرية.
وقال: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها [محمد: 4] ، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل، ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض.
ومن هذا الباب قول الله عز وجل: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم: 51] يريد أنهم ينظرون إليك بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقك من شدّته، أي يسقطك.
__________
(1) البيت من الرمل، وهو في ديوان طرفة بن العبد ص 52، وتهذيب اللغة 10/ 403، 15/ 371، ومجمل اللغة 8/ 332، وأساس البلاغة (نول) ، وتاج العروس (نول) ، وفيه: «في الظهر» بدل:
«بالظهر» . والبيت بلا نسبة في لسان العرب (نول) .
(2) البيت من المتقارب، وهو في ديوان الأعشى ص 255.

(1/108)


ومثله قول الشاعر «1» :
يتقارضون إذا التقوا في موطن ... نظرا يزيل مواطىء الأقدام
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء، يزيل الأقدام عن مواطئها.
فتفهّم قول الله عز وجل: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ أي يقاربون أن يفعلوا ذلك، ولم يفعلوا. وتفهّم قول الشاعر: (نظرا يزيل) ولم يقل: يكاد يزيل، لأنه نواها في نفسه.
وكذلك قول الله عز وجل: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90) [مريم: 90] إعظاما لقولهم.
وقوله جل وعز: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إبراهيم: 46] .
إكبارا لمكرهم. وقرأها بعضهم: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ [إبراهيم: 46] .
وأكثر ما في القرآن من مثل هذا فإنه يأتي بكاد، فما لم يأت بكاد ففيه إضمارها، كقوله: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب: 10] ، وأي كادت من شدّة الخوف تبلغ الحلوق:.
وقد يجوز أن يكون أراد: أنها ترجف من شدّة الفزع وتجف ويتصل وجيفها «2» بالحلوق، فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب. وهم يصفون القلوب بالخفقان، والنّزو عند المخافة والذّعر.
قال الشاعر في وصف مفازة تنزو من مخافتها قلوب الأدلّاء «3» :
كأنّ قلوب أدلّائها ... معلّقة بقرون الظّباء
وهذا مثل قوله امرئ القيس «4» :
__________
(1) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في لسان العرب (قرض) ، (زلق) ، وتاج العروس (قرض) ، (زلق) ، وتهذيب اللغة 8/ 342، 432، ومقاييس اللغة 3/ 21، وتفسير غريب القرآن ص 482، وكتاب الصناعتين ص 281، والبيان والتبيين 1/ 11، وتفسير القرطبي 2/ 256، وتفسير البحر المحيط 2/ 317.
(2) الوجيف: الاضطراب والخفق.
(3) البيت من المتقارب، وهو للمرار الفقعسي في تأويل مختلف الحديث ص 448، والحماسة البصرية 2/ 362، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 2/ 9، وأساس البلاغة (عفر) .
(4) يروى صدر البيت بلفظ:

(1/109)


ولا مثل يوم في قدار ظللته ... كأنّي وأصحابي على قرن أعفرا
أي كأنّا من القلق على قرن ظبي، فنحن لا نستقر ولا نسكن.
وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفنّ، وينسبها فيه إلى الإفراط وتجاوز المقدار. وما أرى ذلك إلا جائزا حسنا على ما بيّنّاه من مذاهبهم..
كقول النابغة في وصف سيوف «1» :
تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه ... وتوقد بالصّفاح نار الحباحب
ذكر أنها تقطع الدّروع التي هذه حالها، والفارس حتى تبلغ الأرض فتورى النار إذا أصابت الحجارة.
وقول النّمر بن تولب في صفة سيف «2» :
تظلّ تحفر عنه إن ضربت به ... بعد الذراعين والسّاقين والهادي
يقول: رسب في الأرض بعد أن قطع ما ذكر، واحتاج أن يحفر عنه ليستخرجه من الأرض.
ومثله قوله مهلهل «3» :
ولولا الرّيح أسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذّكور
__________
ولا مثل يوم في قذاران ظلته والبيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص 70، ولسان العرب (عفر) ، وتهذيب اللغة 2/ 354، وتاج العروس (عدد) ، وفيه: «عندرا» ، بدل: «أعفرا» ، (عفر) ، (قدر) ، (حمل) ، وأساس البلاغة (عفر) ، والبيت بلا نسبة في مجمل اللغة 3/ 385.
(1) البيت من الطويل، وهو في ديوان النابغة الذبياني ص 46، ولسان العرب (حجب) ، (صفح) ، (سلق) ، ومقاييس اللغة 2/ 28، 3/ 293، والتنبيه والإيضاح 1/ 58، ومجمل اللغة 2/ 28، وكتاب العين 5/ 77، وتهذيب اللغة 4/ 257، 8/ 404، وجمهرة اللغة ص 174، وبلا نسبة في كتاب العين 3/ 12، وجمهرة اللغة ص 851، وتاج العروس (حبب) ، (صفح) ، (سلق) .
(2) البيت من البسيط، وهو للنمر بن تولب في الشعر والشعراء 1/ 270، والوساطة ص 435، ونقد الشعر ص 18، والعمدة 2/ 58، وكتاب الصناعتين ص 283، والموشح ص 78، والأغاني 19/ 162، وإعجاز القرآن ص 77، وديوان المعاني 2/ 51. [.....]
(3) البيت من الوافر، وهو للمهلهل في أمالي القالي 2/ 134، وأمالي اليزيدي ص 12، والكامل 1/ 350، والعمدة 2/ 59، والعقد الفريد 5/ 20، والوساطة ص 435، والشعر والشعراء 1/ 256، والحيوان 6/ 418، والأغاني 4/ 147، ومعجم الشعراء ص 331، والبيان والتبيين 1/ 124، والموشح ص 74، ونقد الشعر ص 84، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/ 185.

(1/110)


وقال قيس بن الخطيم يصف طعنة «1» :
ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
وقال أيضا «2» :
لو أنّك تلقي حنظلا فوق بيضنا ... تدحرج عن ذي سامة المتقارب
يقول: تراصّ القوم في القتال حتى لو أن ملقيا ألقى على بيضهم حنظلا لجرى عليها كما يجري على الأرض ولم يسقط لشدّة تراصفهم.
و (عن) بمعنى (على) .
وذو سامه: بيضه المذهب. والسّام: عروق الذّهب.
وقول عنترة «3» :
وأنا المنيّة في المواطن كلها ... والطّعن منّي سابق الآجال
وقال بشار «4» :
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشّمس أو قطرت دما
وقال طريح الثقفي «5» :
لو قلت للسّيل: دع طريقك وال ... موج عليه بالهضب يعتلج
__________
(1) البيت من الطويل، وهو في ديوان قيس بن الخطيم ص 46، وديوان الأدب 2/ 301، وتهذيب اللغة 6/ 277، 10/ 271، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 184، وشرح ديوان الحماسة للخطيب التبريزي 1/ 95، ولباب الأدب ص 184، والأغاني 3/ 5، وتاج العروس (نهر) ، (ملك) ، والمعاني الكبير ص 978، 983، 1062، 1080، ولسان العرب (نهر) ، (ملك) ، والبيت بلا نسبة في المخصص 3/ 133، 4/ 19، 6/ 89، 10/ 30، 17/ 157.
(2) البيت من الطويل، وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ص 86، وأدب الكاتب ص 513، ولسان العرب (سوم) ، وبلا نسبة في الاشتقاق ص 109، ومجالس ثعلب ص 184.
(3) البيت من الكامل، وهو في ديوان عنترة ص 106 (طبعة دار الكتب العلمية) ، والوساطة ص 434.
(4) البيت من الطويل، وهو لبشار بن برد في ديوانه 4/ 163، والأغاني 3/ 156، والعمدة ص 253، والمختار من شعر بشار ص 163، والأزمنة والأمكنة 2/ 35، والشعر والشعراء 2/ 736، والموشح ص 248، والحيوان 6/ 112، وللغنوي في لسان العرب (حجب) ، وتهذيب اللغة 4/ 163، وللقحيف بن عمير العقيلي في لسان العرب (غشم) ، وتاج العروس (حجب) ، ويروى: «أو مطرت دما» ، بدل: «أو قطرت دما» .
(5) البيتان من المنسرح، وهما لطريح بن إسماعيل الثقفي في ديوانه ص 406، ولسان العرب (ولج) ، والشعر والشعراء 2/ 660، والأغاني 4/ 80، 81.

(1/111)


لارتدّ أوساخ أو لكان له ... في سائر الأرض عنك منعرج
وقال ابن ميّادة «1» :
ولو أنّ قيسا قيس عيلان أقسمت ... على الشّمس لم تطلع عليك حجابها
وقال الطرمّاح «2» :
ولو أنّ حرقوصا على ظهر قملة ... يكرّ على صفّي تميم لولّت
وقال آخر بذكر حديث امرأة «3» :
حديث لو أنّ اللّحم يصلى بحرّه ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج
وقال أبو النجم يذكر سيلا «4» :
كأنّ فوق الأكم من غثائه ... قطائف الشّام على عبائه
والشّيح يهديه إلى طحمائه يقول: صار الجبل والسهل واحدا، وصار الغثاء على رؤوس الأكم.
والطّحماء: شجر ينبت في الجبال.
والشّيح ينبت في السّهول، فأراد أنّه حمل نبت السهل إلى الجبل.
وقال وذكر ظليما يعدو ويطير «5» :
هاو تضلّ الطّير في خوائه والخواء: ما بين قوائمه وبطنه، وبين الأرض إذا عدا وطار. يريد أن الطير يطير بينه وبين الأرض حتى يضلّ.
وقد يروى «6» :
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لابن ميادة في ديوانه ص 78، والأغاني 2/ 117.
(2) البيت من الطويل، وهو في ديوان الطرماح ص 132- 133، والمعاني الكبير 2/ 680، والشعر والشعراء 2/ 568، وكتاب الصناعتين ص 284، وحماسة ابن الشجري ص 126، وكتاب الحيوان 6/ 454.
(3) البيت من الطويل، وهو لجران العود في عيون الأخبار 4/ 82، وليس في ديوانه، ولأم الضحاك المحاربية في أمالي القالي 2/ 76، وزهر الآداب 4/ 88.
(4) الرجز في كتاب الحيوان 3/ 389، ورواية الشطر الأخير فيه:
والشيخ تهديه إلى طحمائه.
(5) انظر الحاشية السابقة.
(6) ويروى الرجز أيضا بلفظ:

(1/112)


تضلّ الرّيح في خوائه وقال الكميت وذكر الرّياح «1» :
ترامى بكذّان الإكام ومروها ... ترامي ولدان الأصارم بالخشل
أراد أن الرياح ترامى بالحجارة الكبار، كما يترامى الصّبيان بنوى المقل.
وقال آخر «2» :
زعمت غدانة أنّ فيها سيّدا ... ضخما يوازنه جناح الجندب
يرويه ما يروي الذّباب فيتتشي ... سكرا وتشبعه كراع الأرنب
هذه الأبيات التي ذكرناها ومثلها في الشعر كثير.
والعرب تقول: له الطّمّ والرّمّ، إذا أرادوا تكثير ماله.
والطمّ: البحر، والرّم: الثرى. وهذا لا يملكه إلا الله تعالى.
ويقولون: (فلان دون نائله العيّوق) ويقولون: (له الضّحّ والرّيح) يريدون ما طلعت عليه الشمس، وجرت عليه الرّيح.
ويقولون: (فلان يثير الكلاب عن مرابضها) يريدون أنه لشرهه ولؤمه- يثيرها عن مواضعها، يطلب تحتها شيئا فاضلا من طعمها ليأكله. وهذا ما لا يفعله بشر.
وقال الشاعر «3» :
تركوا جارهم يأكله ... ضبع الوادي ويرميه الشّجر
والشجر لا يرمي أحدا.
__________
يبدو خواء الأرض من خوائه وهو لأبي النجم العجلي في لسان العرب (خوا) ، وتهذيب اللغة 7/ 616، وأساس البلاغة (خوي) وتاج العروس (سلع) ، (خوي) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 232، 363، 1057.
(1) البيت من الطويل، وهو في ديوان الكميت 2/ 97، وفيه: «بالخشل» بسكون اللام، بدل:
«بالخشل» بكسر اللام. ولسان العرب (كذذ) ، وتاج العروس (كذذ) . [.....]
(2) يروى عجز البيت الأول بلفظ:
ضخما يواريه جناح جندب والبيتان من الكامل، وهما للأبيرد الرياحي في ديوانه ص 273، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 3/ 10، والأغاني 13/ 142، والحيوان 6/ 351، وثمار القلوب ص 325.
(3) البيت من الرمل، وهو بلا نسبة في كتاب الحيوان 6/ 561.

(1/113)


وهذا كله على المبالغة في الوصف، وينوون في جميعه يكاد يفعل، وكلهم يعلم المراد به.
وقال آخر «1» :
إذا رأيت أنجما من الأسد ... جبهته أو الخراة والكتد
بال سهيل في الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللّقاح فبرد
وهذا وقت يذهب فيه الفضيخ، لأنّه يكون من البسر، والبسر يصير عند طلوع هذه الأنجم رطبا، فلما كان فساده عن طلوع سهيل، وكان الشراب يفسد بأن يبال فيه- جعل سهيلا كأنه بال فيه لمّا أفسده وقت طلوعه.
وقال دكين «2» :
وقد تعاللت ذميل العنس ... بالسّوط في ديمومة كالتّرس
إذ عرّج الليل بروح الشمس فجعل الشمس روحا عرّج بها الليل.
والأصل في هذا كله: أن كلّ حيوان يموت تقبض روحه، فلما أبطل الليل الشمس جعله كأنه قبض لها روحا.
وقال ذو الرّمّة يصف إبلا في مسيرها «3» :
إذا اغتبطت نجما فغار تسخّرت ... علالة نجم آخر الليل طالع
يقول: تهتدي بكوكب طلع أوّل الليل، حتى إذا غاب اهتدت بكوكب آخر طالع في السّحر، ولم يردها، وإنما أراد ركبانها فجعلها تغتبق النّجم، وتتسحّر بالنّجم.
__________
(1) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (خرت) ، (فضخ) ، (كتد) ، (بول) ، (جبه) ، وتهذيب اللغة 6/ 66، وتاج العروس (خرت) ، (فضخ) ، (كتد) ، (جبه) .
(2) الشطران الأولان من الرجز لمنظور بن مرثد في مقاييس اللغة 4/ 13، وبلا نسبة في تاج العروس (علل) ، وأساس البلاغة (علل) ، وديوان الأدب 3/ 190، ولسان العرب (علل) . ويروى الشطر الثالث مع شطر آخر بلفظ:
في أفق ورد كلون الورسي ... وعرّج الليل بروج الشمس
والرجز لمنظور بن مرثد الأسدي في المؤتلف والمختلف ص 104، ولدكين بن رجاء الفقيمي في الحيوان 3/ 74، وله أو لأبي محمد الفقعسي في الحيوان 3/ 363، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 4/ 304، وكتاب الجيم 1/ 263، 2/ 324.
(3) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص 371، وفيه: «إذا اغتبقت» بدل: «إذا اغتبطت» .

(1/114)


وقال مزرّد «1» :
ولو أنّ شيخا ذا بنين كأنّما ... على رأسه من شامل الشّيب قونس
تبيّت فيه العنكبوت بناتها ... نواشىء حتّى شبن أو هنّ عنّس
وإنما أراد طول مكث العناكب في رأسه، فجعلهنّ قد شبن وعنّسن.
وأصل هذا: أنّ المرأة إذا طال مكثها في بيت أبيها لا تزوّج عنّست وشابت، فاستعار الشيب والتّعنيس مثلا لطول مكث العناكب.
وقال المسيّب بن علس «2» :
دعا شجر الأرض داعيهم ... لينصره السّدر والأثأب
أراد أنه دعا عليهم الخلق يستنصرهم، فضرب الشجر مثلا لكثرة الناس والعوام تقول: جاءنا بالشّوك والشجر. إذا جاء في جيش عظيم.
ومنه قوله سبحانه: وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف: 31] أي طعاما، يقال: اتّكأنا عند فلان، أي طعمنا.
وقال جميل «3» :
فظللنا بنعمة واتّكأنا ... وشربنا الحلال من قلله
والأصل: أن من دعوته ليطعم أعددت له التكأة للمقام والطمأنينة فسمّى الطعام متّكئا على الاستعارة.
ومنه قوله تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها [هود: 56] أي يقهرها ويذلّها بالملك والسّلطان. وأصل هذا: أن من أخذت بناصيته فقد قهرته وأذللته، ومنه قيل في الدعاء: ناصيتي بيدك. أي أنت مالك لي وقاهر.
ومنه قوله عز وجل: إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران: 75] أي مواظبا بالاقتضاء والمطالبة. وأصله أن المطالب بالشيء يقوم فيه ويتصرّف، والتارك له يقعد عنه.
__________
(1) البيتان من الطويل، وهما لمزرد بن ضرار في كتاب الحيوان 5/ 219، والمعاني الكبير ص 625.
(2) البيت من المتقارب، وهو في ديوان المسيب بن علس ص 602، والعمدة 1/ 280.
(3) البيت من الخفيف، وهو لجميل بن معمر (جميل بثينة) في ديوانه ص 189، ولسان العرب (قلل) ، وأساس البلاغة (قلل) ، (وكأ) ، والأغاني 8/ 94، وخزانة الأدب 2/ 24، وشرح شواهد المغني 1/ 366، والمعاني الكبير ص 457، وتاج العروس (قلل) ، وبلا نسبة في الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1/ 305.

(1/115)


قال الأعشى «1» :
يقوم على الوغم في قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم
أي يطالب بالذّحل «2» ولا يقعد عنه.
وقال: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران: 113] أي عاملة غير تاركة.
وقال: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: 33] أي آخذ لها بما كسبت.
ومنه قوله تعالى حكاية عن المنافقين: وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61] أي يقبل كلّ ما بلغه. والأصل: أن الأذن هي السامعة، فقيل لكل من صدّق بكلّ خبر يسمعه:
أذن، ومنه يقال: آذنتك بالأمر فأذنت، كما تقول: أعلمتك فعلمت، إنما هو أوقعته في أذنك. يقول الله عزّ وجلّ: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 279] أي اعلموا، ومن قرأها (فآذنوا) أراد فأعلموا.
ومنه ما قالت الشعراء «3» :
آذنتنا ببينها أسماء ومنه الأذان إنما هو إعلام الناس وقت الصلاة.
وقوله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 3] أي إعلام.
وكان المنافقون يقولون: إن محمدا أذن فقولوا ما شئتم، فإنا متى أتيناه فاعتذرنا إليه صدّقّنا. فأنزل الله تبارك وتعالى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [التوبة: 61] أي كان الأمر
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو في ديوان الأعشى ص 89، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 6/ 127.
(2) الذّحل: الثأر، أو طلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل أو جرح أو نحو ذلك.
(3) عجزه: ربّ ثاو يملّ منه الثواء والبيت من الخفيف، وهو للحارث بن حلزة في ديوانه ص 19، والأغاني 11/ 36، وإنباه الرواة 3/ 94، وتخليص الشواهد ص 472، وخزانة الأدب 3/ 181، 182، 415، وزهر الآداب 1/ 561، وشرح شواهد الشافية ص 244، وشرح القصائد السبع ص 432، 433، وشرح القصائد العشر ص 370، وشرح المعلقات السبع ص 216، وشرح المعلقات العشر ص 119، والشعر والشعراء 1/ 203، وطبقات فحول الشعراء 1/ 151، والعقد الفريد 5/ 270، والعمدة 1/ 114، ولسان العرب (أذن) ، (قفا) ، (قوا) ، ومعاهد التنصيص 1/ 310، والمقاصد النحوية 2/ 445، وبلا نسبة في الخصائص 1/ 341، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 317.

(1/116)


كما تذكرون، ولكنه إنّما يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61] أي يصدّق الله ويصدّق المؤمنين، لا أنتم، (والباء) و (اللام) زائدتان.
ومنه قوله: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ [الأحزاب: 23] أي قتل والنّحب: النّذر.
وأصل هذا: أنّ رجالا من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، نذروا إن لقوا العدوّ ليصدقنّ القتال أو ليقتلنّ، هذا أو نحوه، فقتلوا، فقيل لمن قتل: قضى نحبه. واستعير النّحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنّحب وكان النّحب له سببا.
ومنه قيل للعطية: المنّ، لأنّ من أعطى فقد منّ. قال الله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) [المدثر: 6] أي لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت.
وقال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ [ص: 39] ، أي فأعط أو أمسك.
وقوله: بِغَيْرِ حِسابٍ [ص: 39] مردود إلى قوله: هذا عَطاؤُنا بغير حساب.

(1/117)