تأويل مشكل القرآن باب تكرار الكلام والزّيادة فيه
وأما تكرار الأنباء والقصص، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل
القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة، بفرض بعد فرض: تيسيرا منه
على العباد، وتدريجا لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ: تنبيها
لهم من سنة الغفلة، وشحذا لقلوبهم بمتجدّد الموعظة، وناسخ بعد
منسوخ: استعبادا له واختبارا لبصائرهم. يقول الله عز وجل:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ
جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) [الفرقان: 32] .
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالتثبيت هو
والمؤمنون.
وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يتخوّل أصحابه بالموعظة
مخافة السآمة عليهم «1» ، أي يتعهّدهم بها عند الغفلة ودثور
القلوب.
ولو أتاهم القرآن نجما واحدا لسبق حدوث الأسباب التي أنزله
الله بها، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين، وعلى من أراد
الدخول في الدين، ولبطل معنى التنبيه، وفسد معنى النسخ، لأن
المنسوخ يعمل به مدة ثم يعمل بناسخه بعده.
وكيف يجوز أن ينزل القرآن في وقت واحد: افعلوا كذا ولا
تفعلوه؟.
ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه، ولا أن يختموه
في التعلم، وإنما أنزله ليعملوا بمحكمه، ويؤمنوا بمتشابهه،
ويأتمروا بأمره. وينتهوا بزجره: ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة،
ويقرؤوا فيها الميسور.
قال الحسن: نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا.
وكان أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ورضي عنهم- وهم
مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم- إنما يقرأ الرّجل
منهم السورتين، والثلاث، والأربع، والبعض والشّطر
__________
(1) لفظ الحديث: عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة علينا.
أخرجه البخاري في العلم باب 11، 12، ومسلم في المنافقين حديث
82، 83، والترمذي في الأدب باب 72، وأحمد في المسند 1/ 377،
378، 425، 427، 440، 443، 462، 465، 466. [.....]
(1/148)
من القرآن، إلا نفرا منهم وفقهم الله
لجمعه، وسهّل عليهم حفظه.
قال أنس بن مالك: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ
فينا. أي جلّ في عيوننا، وعظم في صدورنا.
قال الشّعبي: توفى أبو بكر، وعمر، وعلي، رحمهم الله، ولم
يجمعوا القرآن.
وقال: لم يختمه أحد من الخلفاء غير عثمان.
وروي عن شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد أنه قال:
سمعت الشّعبي يحلف بالله، عز وجل، لقد دخل عليّ حفرته وما حفظ
القرآن.
وكانت وفود العرب ترد على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم
للإسلام، فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن، فيكون ذلك كافيا
لهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرّقة بالسّور المختلفة، فلو لم تكن
الأنباء والقصص مثنّاة ومكرّرة لوقعت قصّة موسى إلى قوم، وقصة
عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم.
فأراد الله، بلطفه ورحمته، أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض
ويلقيها في كل سمع، ويثبتها في كل قلب، ويزيد الحاضرين في
الإفهام والتحذير.
وليست القصص كالفروض، لأنّ كتب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم
كانت تنفذ إلى كل قوم بما فرضه الله عليهم من الصلاة، وعددها
وأوقاتها، والزّكاة وسنتها، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت. وهذا
ما لا تعرف كيفيته من الكتاب، ولم تكن تنفذ بقصة موسى وعيسى
ونوح وغيرهم من الأنبياء. وكان هذا في صدر الإسلام قبل إكمال
الله الدين، فلما نشره الله عز وجل في كل قطر، وبثّه في آفاق
الأرض، وعلم الأكابر الأصاغر، وجمع القرآن بين الدّفّتين-: زال
هذا المعنى، واجتمعت الأنباء في كل مصر وعند كل قوم.
وأما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضه يجزىء عن بعض، كتكراره
في: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) [الكافرون: 1] وفي سورة
الرحمن بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)
[الرحمن: 13] فقد أعلمتك أنّ القرآن نزل بلسان القوم، وعلى
مذاهبهم. ومن مذاهبهم التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن
من مذاهبهم الاختصار: إرادة التخفيف والإيجاز، لأن افتتان
المتكلم والخطيب في الفنون، وخروجه عن شيء إلى شيء- أحسن من
اقتصاره في المقام على فنّ واحد.
(1/149)
وقد يقول القائل في كلامه: والله لا أفعله،
ثم والله لا أفعله. إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن
يفعله. كما يقول: والله أفعله، بإضمار (لا) إذا أراد الاختصار.
قال الله عز وجل: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا
سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) [التكاثر: 3، 4] .
وقال: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْراً (6) [الشرح: 5، 6] .
وقال: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى
(35) [القيامة: 34، 35] .
وقال: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما
أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18) [الانفطار: 17، 18] كلّ هذا
يراد به التأكيد للمعنى الذي كرّر به اللفظ.
وقد يقول القائل للرجل: اعجل اعجل، وللرامي: ارم ارم.
وقال الشاعر «1» :
كم نعمة كانت لكم كم كم وكم وقال الآخر «2» :
هلّا سألت جموع كن ... دة يوم ولّوا أين أينا
وقال عوف بن الخرع «3» :
وكادت فزارة تصلي بنا ... فأولى فزارة أولى فزارا
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية
لأنها كلمة واحد، فغيّروا منها حرفا، ثم أتبعوها الأولى.
كقولهم: (عطشان نطشان) كرهوا أن يقولوا: عطشان عطشان، فأبدلو
من العين نونا.
وكذلك قولهم: (حسن بسن) كرهوا أن يقولوا: حسن حسن، فأبدلوا من
الحاء باء. و (شيطن ليطان) في أشباه له كثيرة.
__________
(1) الرجز بلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 84، وكتاب الصناعتين ص
193، والصاحبي في فقه اللغة ص 177.
(2) تقدم البيت مع تخريجه، وهو لعبيد بن الأبرص.
(3) البيت من المتقارب، وهو في المفضليات ص 416، ومعجم البلدان
3/ 305، والكتاب 1/ 331، والصاحبي في فقه اللغة ص 194، وإعجاز
القرآن ص 94.
(1/150)
ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من السبب
الذي أنزلت فيه: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) [الكافرون:
1] لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد،
وأبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد الله، عزّ وجلّ، حسم أطماعهم
وإكذاب ظنونهم، فأبدأ وأعاد في الجواب. وهو معنى قوله: وَدُّوا
لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) [القلم: 9] أي تلين لهم في
دينك فيلينون في أديانهم.
وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد
آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا
يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد
الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل
الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله،
صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال:
اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ
أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
[النساء: 95] .
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول
الله عز وجل: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32] قال: كان
ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.
وكذلك معنى قوله سبحانه: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء:
106] شيئا بعد شيء.
فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك،
فأنزل الله: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ
عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) [الكافرون: 2، 3] . يريد إن لم
تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد
آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو
حولا، فأنزل الله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) [الكافرون: 4، 5] .
على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.
قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان.
وأما تكرار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)
[الرحمن: 13] فإنه عدّد في هذه السورة نعماءه، وأذكر عباده
آلاءه، ونبههم على قدرته ولطفه بخلفه، ثم أتبع ذكر كل خلّة
وصفها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، ليفهّمهم
النّعم ويقرّرهم بها، وهذا كقولك للرجل أجل أحسنت إليه دهرك
وتابعت عنده الأيادي، وهو في ذلك
(1/151)
ينكرك ويكفرك: ألم أبوّئك منزلا وأنت طريد؟
أفتنكر هذا؟ و: ألم أحملك وأنت راجل؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟
أفتنكر هذا؟.
ومثل ذلك تكرار فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 15، 17، 22، 32،
40، 51] في سورة (اقتربت الساعة) أي: هل من معتبر ومتّعظ؟.
وأما تكرار المعنى بلفظين مختلفين، فلإشباع المعنى والاتساع في
الألفاظ.
وذلك كقول القائل: آمرك بالوفاء، وأنهاك عن الغدر. والأمر
بالوفاء هو النّهي عن الغدر. و: آمركم بالتّواصل، وأنهاكم عن
التّقاطع. والأمر بالتواصل هو النهي عن التّقاطع.
وكقوله سبحانه: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
[الرحمن: 68] . والنخل والرّمان من الفاكهة، فأفردهما عن
الجملة التي أدخلهما فيها، لفضلهما وحسن موقعهما.
وقوله سبحانه: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى [البقرة: 238] وهي منها، فأفردها بالذّكر ترغيبا
فيها، وتشديدا لأمرها، كما تقول: إيتني كل يوم، ويوم الجمعة
خاصّة.
وقال سبحانه: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ
وَنَجْواهُمْ [الزخرف: 80] والنّجوى هو السر. وقد يجوز أن يكون
أراد بالسرّ: ما أسرّوه في أنفسهم، وبالنّجوى: ما تسارّوا به.
وقال ذو الرّمة «1» :
لمياء في شفتيها حوّة لعس ... وفي اللّثات وفي أنيابها شنب
واللّعس هو: حوّة، فكرّر لما اختلف اللفظان.
ويمكن أن يكون لما ذكر الحوّة، خشي أن يتوهّم السامع سوادا
قبيحا، فبيّن أنه لعس، واللعس يستحسن في الشّفاه.
وأمّا الزيادة في التوكيد فكقوله سبحانه: يَقُولُونَ
بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [آل عمران: 167] لأن
الرجل قد يقول بالمجاز: كلمت فلانا، وإنما كان ذلك كتابا أو
إشارة على لسان غيره، فأعلمنا أنهم يقولون بألسنتهم.
__________
(1) البيت من البسيط، وهو لذي الرمة في ديوانه ص 32، والخصائص
3/ 291، والدرر 6/ 56، ولسان العرب (شنب) ، (لعس) ، (حوا) ،
والمقاصد النحوية 4/ 203، وهمع الهوامع 2/ 126، وبلا نسبة في
شرح الأشموني 2/ 438.
(1/152)
وكذلك قوله: يَكْتُبُونَ الْكِتابَ
بِأَيْدِيهِمْ [البقرة: 79] لأن الرجل قد يكتب بالمجاز، وغيره
الكاتب عنه.
ويقول الأمّي: كتبت إليك، وهذا كتابي إليك. وكلّ فعل أمرت به
فأنت الفاعل له، وإن وليه غيرك. قال الله عز وجل: في التابوت:
تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة: 248] .
قال ابن عباس رضي الله عنه في رواية أبي صالح عنه: هذا كما
تقول: حملت إلى بلد كذا وكذا برّا وقمحا، وإنما تريد أمرت
بحمله.
فأعلمنا أنهم يكتبونه بأيديهم ويقولون: هو من عند الله. وقد
علموا يقينا- إذ كتبوه بأيديهم- أنه ليس من عند الله.
وقال تعالى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93)
[الصافات: 93] لأن في اليمين القوة وشدّة البطش، فأخبرنا عن
شدة ضربه بها.
وقال الشّمّاخ «1» :
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
أي أخذها بقوة ونشاط.
وقوله سبحانه: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: 38]
. كما تقول رأي عيني وسمع أذني نفسي التي بين جنبيّ.
وقوله: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
[الحج: 46] . كما تقول: نفسي التي بين جنبيّ.
وقال: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ
إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة: 196] .
أراد توكيد ما أوجبه عليه من الصيام بجمع العددين وذكره مجملا،
كما قال الشاعر «2» :
__________
(1) البيت من الوافر، وهو للشماخ في ديوانه ص 336، ولسان العرب
(عرب) ، (يمن) ، وتهذيب اللغة 8/ 221، 15/ 523، وجمهرة اللغة ص
319، 994، وتاج العروس (عرب) ، ومقاييس اللغة 6/ 158، والإصابة
4/ 234، والشعر والشعراء 1/ 278، وخزانة الأدب 1/ 453، 2/ 223،
وتفسير البحر المحيط 1/ 160، والعمدة 2/ 131، وأمالي القالي 1/
274، ونقد الشعر ص 25، والبيت بلا نسبة في تفسير الطبري 23/
32.
(2) البيت من الوافر، وهو للفرزدق في ديوانه ص 835، والموشح ص
114، وتفسير البحر المحيط 2/ 79، ومجمع البيان 1/ 291، ولسان
العرب (سهم) ، وطبقات الشعراء ص 38.
(1/153)
ثلاث واثنتان فهنّ خمس ... وسادسة تميل إلى
شمام
وقد تزاد (لا) في الكلام والمعنى: طرحها لإباء في الكلام أو
جحد.
كقول الله عز وجل: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
أَمَرْتُكَ [الأعراف: 12] . أي ما منعك أن تسجد. فزاد في
الكلام (لا) لأنه لم يسجد.
وقوله سبحانه: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا
يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 109] يريد وما يشعركم أنها إذا جاءت
يؤمنون، فزاد (لا) لأنهم لا يؤمنون إذا جاءت.
ومن قرأها بكسر إنّ، فإنه يجعل الكلام تاما عند قوله: وَما
يُشْعِرُكُمْ ثم يبتدىء فيقول: أَنَّها إِذا جاءَتْ لا
يُؤْمِنُونَ.
وقوله سبحانه: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ
لا يَرْجِعُونَ (95) [الأنبياء: 95] .
يريد أنهم يرجعون، فزاد (لا) : لأنهم لا يرجعون.
وقوله سبحانه: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا
يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد:
29] . يريد ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون، فزاد (لا) في أول
الكلام، لأن في آخر الكلام جحدا.
وكذلك قوله أبي النجم «1» :
فما ألوم البيض ألا تسخرا أي أن تسخرا، فزاد (لا) في آخر
الكلام، للجعد في أوله.
وقول العجّاج «2» :
__________
(1) يليه: لما رأين الشمط القنفدرا والرجز لأبي النجم في تاج
العروس (قفدر) ، والخصائص 2/ 283، والصاحبي في فقه اللغة ص
138، ومجاز القرآن 1/ 26، وتفسير الطبري 1/ 62، وبلا نسبة في
لسان العرب (قفندر) ، وجمهرة اللغة ص 1147، 1185، والمخصص 2/
175، والأزهية ص 154، والجنى الداني ص 303، والمحتسب 1/ 181،
والمقتضب 1/ 47.
(2) يليه: بإفكه حتى رأى الصبح جشره والرجز للعجاج في ديوانه ص
20، 22، والأزهية ص 154، والأشباه والنظائر 2/ 164، وخزانة
الأدب 4/ 51، 52، 53، وشرح المفصل 8/ 136، وتاج العروس (حور) ،
(لا) ، وتهذيب اللغة 5/ 228، 15/ 418، والصاحبي في فقه اللغة ص
138، والجمهرة 2/ 146، 3/ 370، ومجاز القرآن 1/ 25. والأضداد
لابن الأنباري ص 186، وبلا نسبة في لسان العرب (حدر) ، (غير) ،
(لا) ، وخزانة الأدب 11/ 224، والخصائص 2/ 477، وجمهرة اللغة ص
525، ومجمل اللغة 2/ 120.
(1/154)
في بئر لا حور سرى وما شعر فزاده (لا) في
أول الكلام، لأن في آخره جحدا.
وأما زيادة (لا) في قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ
(1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) [القيامة: 1،
2] .
وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) [الانشقاق: 16] . و: لا
أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) [البلد: 1]-: فإنها زيدت في
الكلام على نية الرّد على المكذبين، كما تقول في الكلام:
لا والله ما ذاك كما تقول. لو قلت: والله ما ذاك كما تقول،
لكان جائزا، غير أن إدخالك (لا) في الكلام أوّلا، أبلغ في
الرّدّ.
وكان بعض النحويين يجعلها صلة. ولو جاز هذا لم يكن بين خبر فيه
الجحد، وخبر فيه الإقرار- فرق.
و (ألا) تزاد في الكلام للتنبيه.
كقوله: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثيابهم [هود: 5] و: أَلا
يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ [هود: 8] .
وقال الشاعر «1» :
ألا أيّهذا الرّاجزي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذّات: هل أنت
مخلدي
أراد أيّها الزاجري أن أحضر الوغى فزاد (ألا) وحذف (أن) .
والباء تزاد في الكلام، والمعنى إلقاؤها.
كقوله سبحانه: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: 20] .
وقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] أي اسم ربك.
__________
(1) البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص 32،
والإنصاف 2/ 560، وخزانة الأدب 1/ 119، 8/ 579، والدرر 1/ 74،
وسرّ صناعة الإعراب 1/ 285، وشرح شواهد المغني 2/ 800، والكتاب
3/ 99، 100، ولسان العرب (أنن) ، (دنا) ، والمقاصد النحوية 4/
402، والمقتضب 2/ 85، ومجمع البيان 1/ 149، وبلا نسبة في خزانة
الأدب 1/ 463، 8/ 507، 580، 585، والدرر 3/ 33، 9/ 94، ورصف
المباني ص 113، وشرح شذور الذهب ص 198، وشرح ابن عقيل ص 597،
وشرح المفصل 2/ 7، 4/ 28، 7/ 52، ومجالس ثعلب ص 383، ومغني
اللبيب 2/ 383، 641، وهمع الهوامع 2/ 17، وصدر البيت بلا نسبة
في الصاحبي في فقه اللغة ص 104، 197.
(1/155)
وعَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ
[الإنسان: 6] أي يشربها.
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25] أي هزّي
جذع.
وقال فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ
(6) [القلم: 5، 6] أي أيكم المفتون.
وقال الأعشى «1» :
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا وقال الآخر «2» :
نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج وقال امرؤ القيس «3» :
هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال أي: غصنا.
__________
(1) يروى البيت بتمامه:
ضمنت لنا أعجازه أرماحنا ... ملء المراجل والصريح الأجردا
والبيت من الكامل، وهو للأعشى في ديوانه ص 34، ولسان العرب
(جرد) ، وتهذيب اللغة 10/ 640، وتاج العروس (جرد) .
(2) قبله:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج والرجز للنابغة الجعدي في ملحق
ديوانه ص 216، والخزانة 4/ 59، ومعجم البلدان 6/ 392، وبلا
نسبة في لسان العرب (الباء) ، والمخصص 14/ 70، وأدب الكاتب ص
522، والإنصاف 1/ 284، وخزانة الأدب 9/ 520، 521، ورصف المباني
ص 143، وشرح شواهد المغني 1/ 332، ومعجم ما استعجم ص 1029،
ومغني اللبيب 1/ 108، وتاج العروس (فلج) ، (الباء) ، والاقتضاب
ص 458، والجواليقي ص 381، ومجاز القرآن 1/ 194، 2/ 56، 264،
وتفسير الطبري 18/ 12.
(3) صدر البيت:
ولما تنازعنا الحديث وأسمحت والبيت من الطويل، وهو لامرىء
القيس في ديوانه ص 32، ولسان العرب (هصر) ، والتنبيه والإيضاح
2/ 28، وتاج العروس (هصر) ، وكتاب العين 3/ 411، والاقتضاب ص
457- 458، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 6/ 54، والمخصص 14/ 70،
179، وتهذيب اللغة 4/ 346، 6/ 107.
(1/156)
وقال أمية بن أبي الصّلت «1» :
إذ يسفّون بالدقيق وكانوا ... قبل لا يأكلون شيئا فطيرا
وقال: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: 1] .
وقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ [الحج: 25] .
و (من) قد تزاد في الكلام أيضا، كقوله: ما أُرِيدُ مِنْهُمْ
مِنْ رِزْقٍ [الذاريات: 57] أي:
ما أريد منهم رزقا.
وتقول: ما أتاني من أحد، أي أحد.
و (اللام) قد تزاد، كقوله سبحانه: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ
يَرْهَبُونَ [الأعراف: 154] .
و (الكاف) قد تزاد، كقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:
11] .
و (على) قد تزاد. قال حميد بن ثور «2» :
أبى الله إلا أنّ سرحة مالك ... على كلّ أفنان العضاه تروق
أراد: تروق كلّ أفنان.
و (عن) تزاد قال تعالى: يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور: 63]
.
و (إنّ الثقيلة) تزاد كقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلًا (30) [الكهف: 30] .
وكذلك قوله: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ
فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة: 8] .
وقال الشاعر «3» :
إنّ الخليفة إنّ الله سربله ... سربال ملك به ترجى الخواتيم
و (إن الخفيفة) تزاد، كقول الشاعر «4» :
__________
(1) البيت من الخفيف، وهو في الاقتضاب ص 456.
(2) البيت من الطويل، وهو لحميد بن ثور في ديوانه ص 41، وأدب
الكاتب ص 523، وأساس البلاغة (روق) ، والجنى الداني ص 479،
والدرر 4/ 137، وشرح التصريح 2/ 15، وشرح شواهد المغني 1/ 420،
ولسان العرب (سرح) ، ومغني اللبيب 1/ 144، وبلا نسبة في جواهر
الأدب ص 377، وخزانة الأدب 2/ 194، 10/ 144، 145، وشرح
الأشموني 2/ 294. [.....]
(3) البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص 672، وخزانة الأدب
10/ 364- 368، وبلا نسبة في أمالي الزجاجي ص 62، وتذكرة النحاة
ص 130، ولسان العرب (ختم) .
(4) البيت من الكامل، وهو لدريد بن الصمة في ديوانه ص 34،
والأغاني 10/ 22، وإصلاح المنطق ص 127، وشرح شواهد الإيضاح ص
578، وشرح شواهد المغني ص 955، وشرح المفصل 8/ 128، وبلا نسبة
في الأشباه والنظائر 2/ 188، وجمهرة اللغة ص 374، ومغني اللبيب
ص 679.
(1/157)
ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم هانىء
أينق جرب
وقال عز وجل: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ
فِيهِ [الأحقاف: 26] .
وقال بعضهم: أراد فيما مكّنّاكم فيه، و (إن) زائدة.
وقال بعضهم: هي بمعنى مكّنّاهم فيما لم نمكنكم فيه.
و (إذ) قد تزاد، كقوله: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ
[البقرة: 30] .
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ [لقمان: 13] . أي: وقال.
وقال ابن ميّادة «1» :
إذ لا يزال قائل: أبن أبن و (ما) قد تزاد، كقوله: قالَ عَمَّا
قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) [المؤمنون: 40] وأَيًّا
ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء: 110] .
و (واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له،
كقوله: حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ
خَزَنَتُها [الزمر: 73] . والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ
فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ [يوسف: 15] .
وقوله سبحانه: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وَنادَيْناهُ [الصافات: 103، 104] .
وكقوله: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ
مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ
الْحَقُّ [الأنبياء: 96، 97] .
وقوله: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ
[العنكبوت: 12] أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس «2» :
__________
(1) يروى الرجز بتمامه:
إمّا يزال قائل ابن أبن ... هوذلة المشآة عن ضرس اللّبن
والرجز لابن هرمة في ديوانه ص 216، ولسان العرب (هذل) ، وتاج
العروس (هذل) ، ولسالم بن دارة أو لابن ميادة في لسان العرب
(لبن) ، ولابن ميادة في ملحق ديوانه ص 260، ولسان العرب (ضرس)
، والتنبيه والإيضاح 2/ 285، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 379،
702، 1174، وكتاب الجيم 1/ 84.
(2) يروى عجز البيت بلفظ:
(1/158)
فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى بنا ... بطن
خبت ذي قفاف عقنقل
أراد انتحى.
وقال آخر «1» :
حتّى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجنّ لنا ... إن اللّئيم العاجز الخبّ
أراد: قلبتم.
ومما يزاد في الكلام: (الوجه) ، يقول الله عز وجل: وَلا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: 52] . أي: يريدونه
بالدعاء.
وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] أي: إلا هو.
وفَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115]
أي: فثمّ الله.
وإِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: 9] . أي:
لله.
و (الاسم) يزاد، قال: أبو عبيدة: بِسْمِ اللَّهِ إنما هو
بالله، وأنشد للبيد «2» :
إلى الحول ثمّ السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
أي: السلام عليكما.
وتَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرّحمن: 78] ، أي: تبارك ربّك.
__________
بنا بطن حقف ذي حقاف عقنقل والبيت من الطويل، وهو لامرىء القيس
في ديوانه ص 15، وأدب الكاتب ص 353، والأزهية ص 234، وخزانة
الأدب 11/ 43، 44، 45، 47، ولسان العرب (جوز) ، وتاج العروس
(عقل) ، والمنصف 3/ 41، وبلا نسبة في رصف المباني ص 425.
(1) البيتان من الكامل، وهما للأسود بن يعفر في ديوانه ص 19،
وبلا نسبة في الأزهية ص 236، والإنصاف ص 458، وتذكرة النحاة ص
45، والجنى الداني ص 165، وخزانة الأدب 11/ 44، 45، ورصف
المباني ص 425، وسرّ صناعة الإعراب ص 646، 647، وشرح عمدة
الحافظ ص 649، وشرح المفصل 8/ 94، ولسان العرب (قمل) ، (وا) ،
ومجالس ثعلب ص 47، والمعاني الكبير ص 533، والمقتضب 2/ 81.
(2) البيت من الطويل، وهو للبيد بن ربيعة في ديوانه ص 214،
والأشباه والنظائر 7/ 96، والأغاني 13/ 40، وبغية الوعاة 1/
429، وخزانة الأدب 4/ 337، 340، 342، والخصائص 3/ 29، والدرر
5/ 15، وشرح المفصل 3/ 14، والعقد الفريد 2/ 78، 3/ 57، ولسان
العرب (عذر) ، والمقاصد النحوية 3/ 375، والمنصف 3/ 135، وبلا
نسبة في أمالي الزجاجي ص 63، وشرح الأشموني 2/ 307، وشرح عمدة
الحافظ ص 507، والمقرب 1/ 213، وهمع الهوامع 2/ 49، 158.
(1/159)
|