تأويل مشكل القرآن

باب اللّفظ الواحد للمعاني المختلفة

1- القضاء
أصل قضى: حتم، كقول الله عز وجل: فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:
42] أي حتمه عليها.
ثم يصير الحتم بمعان، كقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] أي أمر، لأنه لما أمر حتم بالأمر.
وكقوله: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ [الإسراء: 4] ، أي أعلمناهم، لأنّه لمّا خبّرهم أنهم سيفسدون في الأرض، حتم بوقوع الخبر.
وقوله: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [فصلت: 12] ، أي صنعهن.
وقوله: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ [طه: 72] ، أي فاصنع ما أنت صانع.
ومثله قوله: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ [يونس: 71] ، أي اعملوا ما أنتم عاملون ولا تنظرون.
قال أبو ذؤيب «1» :
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السّوابغ تبّع
أي صنعهما (داود) و (تبّع) .
وقال الآخر في عمر بن الخطاب، رضي الله عنه «2» :
__________
(1) البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في سر صناعة الإعراب 2/ 760، وشرح أشعار الهذليين 1/ 39، وشرح المفصل 3/ 59، ولسان العرب (تبع) ، (صنع) ، (قضى) ، والمعاني الكبير ص 1039، وتاج العروس (صنع) ، (قضى) ، وبلا نسبة في شرح المفصل 3/ 58.
(2) البيت من الطويل، وهو للشماخ في ديوانه ص 449، ولسان العرب (بوج) ، (كمم) ، وتهذيب اللغة 11/ 221، وجمهرة اللغة ص 1817، وتاج العروس (بوج) ، (كمم) ، وحماسة البحتري 3/ 107، وزهر الآداب 4/ 115، وللمزرد بن ضرار في البيان والتبيين 3/ 364، والأغاني 8/ 102، وبلا نسبة في ديوان الأدب 2/ 370، وجمهرة اللغة ص 272، وتفسير الطبري 1/ 404.

(1/247)


قضيت أمورا ثمّ غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق
أي عملت أعمالا، لأنّ كلّ من عمل عملا وفرغ منه فقد ختمه وقطعه. ومنه قيل للحاكم: قاض، لأنّه يقطع على الناس الأمور ويحتم. وقيل: قضي قضاؤك. أي فرغ من أمرك. وقالوا للميت: قد قضى. أي فرغ.
وهذه كلها فروع ترجع إلى أصل واحد.

2- الهدى
أصل هدى أرشد، كقوله: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ [القصص: 22] .
وقوله: وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ [ص: 22] ، أي أرشدنا.
ثم يصير الإرشاد بمعان، كقوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فصلت: 17] ، أي بيّنا لهم.
وقوله: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا [السجدة: 26] ، أي أو لم يبيّن لهم.
وقوله: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ [الأعراف: 100] ، أي ألم يبيّن لهم.
فالإرشاد في جميع هذه بالبيان.
ومنها إرشاد بالدعاء، كقوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] ، أي نبيّ يدعوهم.
وقوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء: 73] ، أي يدعون، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52] ، أي تدعو.
ومنها إرشاد بالإلهام، كقوله: الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] ، أي صورته من الإناث، ثم هدى أي ألهمه إتيان الأنثى، ويقال: طلب المرعى وتوقّى المهالك.
وقوله عز وجل: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) [الأعلى: 3] ، أي هدى الذكر بالإلهام لإتيان الأنثى.
ومنها إرشاد بالإمضاء، كقوله: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ [يوسف: 52] ، أي لا يمضيه ولا ينفذه، ويقال: لا يصلحه.
وبعض هذا قريب من بعض.

3- الأمة
أصل الأمة: الصّنف من الناس والجماعة، كقوله عز وجل: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، أي صنفا واحدا في الضلال فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [البقرة: 213] .

(1/248)


وكقوله عز وجل: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: 38] ، أي: أصناف، وكل صنف من الدواب والطير مثل بني آدم في المعرفة بالله، وطلب الغذاء. وتوقّي المهالك، والتماس الذّرء، مع أشباه لهذا كثيرة.
ثم تصير الأمّة: الحين، كقوله عز وجل: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف: 45] .
وكقوله: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [هود: 8] . أي: سنين معدودة.
كأنّ الأمّة من الناس القرن ينقرضون في حين، فتقام (الأمّة) مقام (الحين) .
ثم تصير الأمّة: الإمام والرّباني، كقوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً [النحل: 120] . أي: إماما يقتدي به الناس، لأنه ومن اتبعه أمّة، فسمّي أمّة لأنه سبب الاجتماع.
وقد يجوز أن يكون سمّي أمّة: لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة. ومن هذا يقال: فلان أمّة وحده، أي: هو يقوم مقام أمة.
وقد تكون الأمة: جماعة العلماء، كقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران: 104] . أي: يعلمون.
والأمّة: الدّين، قال تعالى: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف: 22، 23] أي:
على دين. قال النابغة «1» :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع؟
أي: ذو دين.
والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمة، فتقام الأمة مقام الدين، ولهذا قيل للمسلمين: أمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، لأنهم على أمر واحد، قال تعالى: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [المؤمنون: 52] . مجتمعة على دين وشريعة.
وقال الله عز وجل: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [النحل: 93] ، أي:
مجتمعة على الإسلام.

4- العهد
الأمان: عهد، قال الله تعالى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ [التوبة: 4] .
__________
(1) البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 35، ولسان العرب (أمم) ، ومقاييس اللغة 1/ 28، وكتاب العين 8/ 428، وتهذيب اللغة 15/ 635، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 247، ومجمل اللغة 1/ 152.

(1/249)


واليمين: عهد، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ [النحل: 91] .
والوصية: عهد، قال الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ [يس: 60] .
والحفاظ: عهد،
قال صلّى الله عليه وسلم: «إنّ حسن العهد من الإيمان» «1» .
والزّمان: عهد، يقال: كان ذلك بعد فلان.
والعهد: الميثاق. ومنه قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] أي: لا ينال ما وعدتك من الإمامة، الظالمين من ذريتك. والوعد من الله: ميثاق.

5- الإلّ
الإلّ هو: الله تعالى. قال مجاهد في قوله سبحانه: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة: 10] ويعني الله عز وجل. ومنه (جبر إلّ) في قراءة من قرأه بالتشديد.
ويقال للرحم: إلّ كما اشتق لها الرّجم من الرّحمن. وقال حسّان «2» :
لعمرك إن إلّك في قريش ... كإلّ السّقب من رأل النّعام
أي: رحمك فيهم، وقرباك منهم.
ومن ذهب بالإلّ في قوله تعالى: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا إلى الرّحم، فهو وجه حسن. كما قال الشاعر «3» :
دعوا رحما فينا ولا يرقبونها ... وصدّت بأيديها النّساء عن الدّم
يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: 23] .
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 15، وابن حجر في فتح الباري 10/ 436، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 6/ 235، 236، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار 2/ 184، ومناهل الصفا 21، والعجلوني في كشف الخفا 1/ 263، والشهاب في مسنده 971، 972.
(2) البيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص 105، ولسان العرب (ألل) ، وديوان الأدب 4/ 155، وكتاب الجيم 3/ 226، وتاج العروس (ألل) ، وأمالي القالي 1/ 41، وكتاب الحيوان 4/ 360، وتفسير الطبري 10/ 60، والمعاني الكبير 1/ 336، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 21، وكتاب العين 8/ 361، والمخصص 3/ 151، والأضداد لابن الأنباري ص 346. [.....]
(3) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المعاني الكبير 2/ 949.

(1/250)


قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال الله عز وجل: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 128] .
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل الله تعالى: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ: 47] .
ويقال للعهد: (إلّ) ، لأنّه بالله يكون.

6- القنوت
القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» «1»
أي طول القيام.
وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزمر: 9] ، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم» «2» ، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في
__________
(1) أخرجه مسلم في المسافرين حديث 165، والترمذي حديث 387، وابن ماجه حديث 1421، والنسائي 5/ 58، وأحمد في المسند 3/ 302، 314، 391، 412، 4/ 385، 387، والبيهقي في السنن الكبرى 3/ 8، والطبراني في المعجم الكبير 17/ 48، والبغوي في شرح السنة 1/ 248، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 54، 60، 61، 3/ 116، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 66، والهيثمي في موارد الظمآن 94، والمنذري في الترغيب والترهيب 3/ 409، وعبد الرزاق في مصنفه 4845، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 132، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 299، 476، والمتقي الهندي في كنز العمال 1400، 19658، 44158، والقرطبي في تفسيره 15/ 239، وابن كثير في تفسيره 2/ 424، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق 6/ 356، وأبو نعيم في حلية الأولياء 3/ 357، وتاريخ أصبهان 1/ 91.
(2) أخرجه مسلم في الإمارة حديث 110، وأحمد في المسند 4/ 272، والهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 275، والسيوطي في الدر المنثور 1/ 245، 246، والمتقي الهندي في كنز العمال 10651، 10652، والربيع بن حبيب في مسنده 2/ 17، وابن أبي شيبة في مصنفه 5/ 287، 319. والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 158.

(1/251)


القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة:
238] ، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت «1» .
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) [الروم: 26] ، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ [الأحزاب: 35] ، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النحل: 120] ، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها.

7- الدّين
الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) [الفاتحة: 4] أي يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: دنته بما صنع. أي جزيته بما صنع. وكما تدين تدان.
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر «2» :
لئن حللت بخوّ في بني أسد ... في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي في سلطانه. ويقال من هذا: دنت القوم أدينهم، أي قهرتهم وأذللتهم، فدانوا أي ذلّوا وخضعوا.
والدّين لله إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ «3» :
__________
(1) أخرجه البخاري في العمل في الصلاة باب 2، وتفسير سورة 2، باب 43، ومسلم في المساجد حديث 35، والترمذي في الصلاة باب 180، وتفسير سورة 2، باب 33.
(2) البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 183، ولسان العرب (فدك) ، (خوا) ، وجمهرة الأمثال 1/ 116، وتاج العروس (فدك) ، (خوو) ، والكامل 1/ 192، وأمالي القالي 2/ 295، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 688.
(3) صدر البيت:
رمت القاتل من فؤادك بعد ما والبيت من الكامل، وهو في ديوان القطامي ص 15.

(1/252)


كانت نوار تدينك الأديانا أي تذلّك. ومنه قول الله تعالى: وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ [التوبة: 29] ، أي لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [التوبة: 36] . ومنه قوله عز وجل: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ [النور: 25] ، أي حسابهم.

8- المولى
المولى: المعتق. والمولى: المعتق. والمولى: عصبة الرّجل. ومنه قول الله عز وجل: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي [مريم: 5] . أراد: القرابات.
وقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «أيّما امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل» «1» ،
أي: بغير أمر وليها.
وقد يقال لمن تولّاه الرجل وإن لم يكن قرابة: مولى. قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ [محمد: 14] أي: وليّ المؤمنين، وأن الكافرين لا ولي لهم.
وقال تعالى: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً [الدخان: 41] . أي: وليّ عن وليّه شيئا، إمّا بالقرابة أو بالتّولّي.
والحليف أيضا: المولى. قال النابغة الجعدي «2» :
__________
(1) أخرجه الترمذي في النكاح باب 15، وأبو داود في النكاح باب 16، 19، وابن ماجه في النكاح باب 15، والدارمي في النكاح باب 11، وأحمد في المسند 6/ 47، 66، 166، والألباني في إرواء الغليل 6/ 243، وابن حجر في فتح الباري 9/ 191، وسعيد بن منصور في سننه 528، 529، والحميدي في مسنده 228، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 7، والشافعي في مسنده 220، 275، والسهمي في تاريخ جرجان 316، وابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 160، والحاكم في المستدرك 2/ 168.
(2) يروى عجز البيت بلفظ:
ولكن قطينا يحلبون الأتاويا والبيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص 178، ولسان العرب (أيّ) ، (ولي) ، وتاج العروس (أتي) ، (ولي) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حلب) ، وديوان الأدب 3/ 224، وتاج العروس (حلب) .

(1/253)


موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطينا يسألون الأتاويا
وقال الله عز وجل: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] يريد: إذا دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر- كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم.

9- الضلال
الضّلال: الحيرة والعدول عن الحق والطريق، يقال: ضلّ عن الحق، كما يقال:
ضل عن الطريق. ومنه قوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) [الضحى: 7] .
والضلال: النسيان. والنّاسي للشيء عادل عنه وعن ذكره، قال الله تعالى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) [الشعراء: 20] . أي: النّاسين. وقال: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: 282] أي: إن نسيت واحدة ذكّرت الأخرى.
والضلال: الهلكة والبطلان، ومنه قوله تعالى: وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ [السجدة: 10] . أي: بطلنا ولحقنا بالتراب: ويقال: أضلّ القوم ميّتهم، أي: قبروه.
قال النابغة «1» :
وآب مضلّوه بعين جليّة أي: قابروه.

10- الإمام
الإمام: أصله ما ائتممت به. قال الله تعالى لإبراهيم: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة: 124] . أي: يؤتمّ بك، ويقتدى بسنّتك.
ثم يجعل الكتاب إماما يؤتم بما أحصاه. قال الله عز وجل: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء: 71] أي: بكتابهم الذي جمعت فيه أعمالهم في الدنيا.
وقال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس: 12] يعني: كتابا، أو يعني: اللّوح المحفوظ.
__________
(1) عجز البيت: وغودر بالجولان حزم ونائل والبيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 121، ولسان العرب (ضلل) ، (جلا) ، وتاج العروس (ضلل) ، (جلا) ، وتهذيب اللغة 11/ 187، 465، وجمهرة اللغة ص 1044، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 1077، ومقاييس اللغة 1/ 496، 3/ 356، ومجمل اللغة 3/ 277.

(1/254)


وقد يجعل الطريق إماما، لأنّ المسافر يأتم به ويستدل. قال الله تعالى: وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ [الحجر: 79] أي: بطريق واضح.

11- الصلاة
الصلاة: الدعاء. قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة: 103] .
أي: ادع لهم، إنّ ذلك مما يسكّنهم وتطمئن إليه قلوبهم.
وقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ [التوبة: 99] يعني: دعاءه.
وقال الأعشى يذكر الخمر والخمّار «1» :
وقابلها الرّيح في دنّها ... وصلّى على دنّها وارتسم
أي: دعا لها بالسلامة من الفساد والتغيّر.
والصّلاة من الله: الرحمة والمغفرة. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] . وقال: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب: 43] وقال:
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة: 157] أي: مغفرة.
وقال النبي، صلّى الله عليه وسلم: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» «2»
يريد: ارحمهم واغفر لهم.
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو للأعشى في ديوانه ص 85، ولسان العرب (رسم) ، (صلا) ، والمخصص 13/ 85، ومقاييس اللغة 3/ 300، وتهذيب اللغة 9/ 166، 12/ 237، وجمهرة اللغة ص 115، 720، وتاج العروس (رسم) ، وبلا نسبة في لسان العرب (دنن) ، وتاج العروس (دنن) .
(2) أخرجه البخاري في الزكاة 2/ 159، ومسلم في الزكاة حديث 176، والنسائي في الزكاة باب 7، وابن ماجه حديث 1796، وأحمد في المسند 4/ 353، 355- 381، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 152، 4/ 157، 7/ 5، والبغوي في شرح السنة 3/ 145، وابن كثير في تفسيره 4/ 146، والقرطبي في تفسيره 1/ 382، 15/ 118، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 24، والطحاوي في شرح مشكل الآثار 4/ 162، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 275، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/ 319، 14/ 235، والساعاتي في منحة المعبود 833، والبغوي في شرح السنة 5/ 485، وأبو نعيم في حلية الأولياء 5/ 96، وابن الجوزي في زاد المسير 7/ 82، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 4/ 156، والقاضي عياض في الشفاء 2/ 189، وابن حجر في فتح الباري 7/ 448، 534، 11/ 136، 169، والطبراني في المعجم الكبير 18/ 10، وابن حجر في الكافي والشافي في تخريج أحاديث الكشاف 79، 137، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 519، وابن عدي في الكامل في الضعفاء 6/ 2122.

(1/255)


والصلاة: الدين. قال تعالى حكاية عن قوم شعيب: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا [هود: 87] ، ويقال: قراءتك.

12- الكتاب
أصل الكتاب: ما كتبه الله في اللّوح مما هو كائن.
ثم تتفرع منه معان ترجع إلى هذا الأصل. كقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21] أي: قضى الله ذلك وفرغ منه.
وقوله: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا [التوبة: 51] أي: ما قضى الله لنا.
وقوله: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ [آل عمران: 154] أي: قضي، لأنّ هذا قد فرغ منه حين كتب.
ويكون كتب بمعنى فرض، كقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] أي:
فرض. وكُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة: 180] ووَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ [النساء: 77] أي: فرضت. ويكون كتب بمعنى جعل، كقوله: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة: 22] .
وقوله: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 53] . وقال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: 156] .
وتكون كتب بمعنى أمر، كقوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة: 21] ، أي: أمركم أن تدخلوها.
ويقال: كتب هاهنا أيضا: جعل. يريد ادخلوا الأرض التي كتبها الله لولد إبراهيم، عليه السلام، أي: جعلها لهم.

13- السبب والحبل
السّبب أصله: الحبل.
ثم قيل لكل شيء وصلت به إلى موضع، أو حاجة تريدها: سبب.
تقول: فلان سببي إليك، أي وصلني إليك. وما بيني وبينك سبب، أي آصرة رحم، أو عاطفة مودّة. ومنه قيل للطريق: سبب، لأنّك بسلوكه تصل إلى الموضع الذي تريده، قال عز وجل: فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) [الكهف: 85] أي: طريقا.

(1/256)


وأسباب السماء: أبوابها، لأن الوصول إلى السماء يكون بدخولها. قال الله عز وجل- حكاية عن فرعون: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ [غافر: 36، 37] .
وقال زهير «1» :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو نال أسباب السّماء بسلّم
وكذلك الحبل، قال الله عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران: 103] أي:
بعهد الله أو بكتابه، يريد: تمسكوا به، لأنه وصلة لكم إليه وإلى جنّته.
ويقال للأمان أيضا: حبل، لأنّ الخائف مستتر مقموع، والآمن منبسط بالأمان متصرّف، فهو له حبل إلى كل موضع يريده.
قال الله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] أي: بأمان.
وقال الأعشى «2» :
وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها
وأما قول امرئ القيس «3» :
إنّي بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي
فإنه يريد: إنّي واصل بيني وبينك.
وأصل هذا يكون في البعيرين: يكونان مفترقين وعلى كل واحد منهما حبل، فيقرنان بأن يوصل حبل هذا بحبل هذا.
وقال أبو زبيد يذكر رجلا سرى ليلة كلها «4» :
__________
(1) البيت من الطويل، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص 30، والخصائص 3/ 324، 325، وسر صناعة الإعراب 1/ 267، وشرح شواهد المغني 1/ 386، ولسان العرب (سبب) .
(2) البيت من الكامل، وهو في ديوان الأعشى ص 79، ولسان العرب (حبل) ، وتهذيب اللغة 5/ 78، ومقاييس اللغة 2/ 131، وتاج العروس (حبل) ، ومجمل اللغة 2/ 133، والبيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 283.
(3) البيت من الكامل، وهو في ديوان امرئ القيس ص 239، وشرح أبيات سيبويه 1/ 406، ولسان العرب (حبل) ، والبيت للنمر بن تولب في ملحق ديوانه ص 405، وبلا نسبة في رصف المباني ص 447، والكتاب 1/ 164. [.....]
(4) البيت من الخفيف، وهو لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص 55، ولسان العرب (جعل) ، وتاج العروس (جعل) ، والمعاني الكبير ص 932، وبلا نسبة في ديوان الأدب 2/ 415.

(1/257)


ناط أمر الضّعاف فاجتعل اللّي ... ل كحبل العاديّة الممدود.
يريد: أن مسيره اتصل الليل كلّه، فكان كحبل ممدود.

14- الظلم
أصل الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه.
ويقال: (من أشبه أباه فما ظلم) «1» ، أي: فما وضع الشّبه غير موضعه.
وظلم السّقاء: هو أن يشرب قبل إدراكه.
وظلم الجزور: أن يعتبط، أي ينحر، من غير علّة.
وأرض مظلومة: أي حفرت وليست موضع حفر.
ويقال: الزم الطريق ولا تظلمه، أي: لا تعدل عنه.
ثم قد يصير الظلم بمعنى الشّرك، لأنّ من جعل لله شريكا: فقد وضع الرّبوبيّة غير موضعها. يقول الله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] ، وقال: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] ، أي: يشرك.
ويكون الظلم: النّقصان، قال الله تعالى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة: 57] أي ما نقصونا.
وقال: آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الكهف: 33] أي لم تنقص منه شيئا. ومنه يقال: ظلمتك حقّك، أي: نقصتك. ومنه قوله تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم: 60] ولا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [يس: 54] .
ويكون الظلم: الجحد، قال الله تعالى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها [الإسراء: 59] أي: جحدوا بأنّها من الله تعالى.
وقال: بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ [الأعراف: 9] ، أي يجحدون.

15- البلاء
أصل البلاء: الاختبار، قال الله جل وعلا: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء: 6] ،
__________
(1) هو جزء من بيت وتمامه:
أنا ابن الذي لم يخزني في حياته ... قديما ومن أشبه أباه فما ظلم
والبيت من الطويل، وهو لكعب بن زهير في ديوانه ص 65، ومقاييس اللغة 3/ 468، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 3/ 244.

(1/258)


أي: اختبروهم. وقال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) [الصافات: 106] ، يعني: ما أمر به إبراهيم من ذبح ابنه، صلوات الله عليهما.
وقال: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ [الأعراف: 168] ، أي اختبرناهم.
ثم يقال للخير: بلاء، وللشر: بلاء، لأنّ الاختبار الذي هو بلاء وابتلاء يكون بهما. قال الله تعالى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] ، أي نختبركم بالشر، لنعلم كيف صبركم؟ وبالخير، لنعلم كيف شكركم؟.
(فتنة) أي اختبارا. ومنه يقال: اللهم لا تبلنا إلا بالتي هي أحسن. أي لا تختبرنا إلا بالخير، ولا تختبرنا بالشر.
يقال من الاختبار: بلوته أبلوه بلوا، والاسم بلاء. ومن الخير: أبليته أبليه إبلاء.
ومنه يقال: يبلى ويولي. قال زهير «1» :
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو أي: خير البلاء الذي يختبر به عباده.
ومن الشر: بلاه الله يبلوه بلاء. قال الله عز وجل: وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [البقرة: 49] ، أي: نعمة عظيمة. وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) [الدخان: 33] ، أي: نعم بيّنة عظام.

16- الرجز والرجس
الرّجز: العذاب. قال الله تعالى- حكاية عن قوم فرعون: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ [الأعراف: 134] أي العذاب.
ثم قد يسمّى كيد الشيطان: رجزا، لأنّه سبب العذاب. قال الله تعالى: وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ [الأنفال: 11] .
والرجس: النّتن.
ثم قد يسمّى الكفر والنفاق: رجسا، لأنّه نتن. قال الله تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 125] ،
__________
(1) صدر البيت:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم والبيت من الطويل، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص 109، ولسان العرب (بلا) ، وتهذيب اللغة 15/ 390، ومقاييس اللغة 1/ 294، وديوان الأدب 4/ 109، وتاج العروس (بلى) .

(1/259)


أي: كفرا إلى كفرهم، أو نفاقا إلى نفاقهم.
وقال الله تعالى: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس: 100] .
وقال الله عز وجل: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) [المدثر: 5] ، يعني الأوثان، سمّاها رجزا- والرّجز: العذاب- لأنها تؤدّي إليه.

17- الفتنة
الفتنة: الاختبار، يقال: فتنت الذهب في النّار: إذا أدخلته إليها لتعلم جودته من رداءته. وقال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت: 3] . أي: اختبرناهم. وقال لموسى عليه السلام: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه: 40] . ومنه قوله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) [الأنعام: 23] أي: جوابهم، لأنهم حين سئلوا اختبر ما عندهم بالسؤال، فلم يكن الجواب عن ذلك الاختبار إلا هذا القول.
والفتنة: التعذيب. قال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [البروج: 10] أي عذّبوهم بالنار.
وقال عز وجل: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) [الذاريات: 13] أي يعذبون. ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ [الذاريات: 14] أي يقال لهم: ذوقوا فتنتكم، يراد هذا العذاب بذاك.
وقال عز وجل: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ [العنكبوت: 10] أي: جعل عذاب الناس وأذاهم كعذاب الله.
والفتنة: الصدّ والاستزلال. قال الله عز وجل: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة: 49] ، أي: يصدّوك ويستزلوك. وقال الله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء: 73] ، وقال: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) [الصافات: 162، 163] أي: صادين.
والفتنة: الإشراك والكفر والإثم، كقوله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة:
193] ، أي: شرك.
وقال: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة: 191] يعني الشرك. وقال: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة: 49] أي: في الإثم.
وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور: 63] ، أي: كفر وإثم.

(1/260)


وقال: وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [الحديد: 14] أي: كفرتم وآثمتموها.
والفتنة: العبرة، كقوله: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يونس: 85] وفي موضع آخر: لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة: 5] أي: يعتبرون أمرهم بأمرنا، فإذا رأونا في ضرّ وبلاء ورأوا أنفسهم في غبطة ورخاء- ظنّوا أنهم على حق، ونحن على باطل.
وكذلك قوله: فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الأنعام: 53] .

18- الفرض
الفرض: وجوب الشيء. ويقال: فرضت عليك كذا، أي: أوجبته. قال الله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة: 197] أي: أوجبه على نفسه. وقال: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [البقرة: 237] أي: ألزمتم أنفسكم. وقال: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ [الأحزاب: 50] أي: ألزمناهم، ومنه قوله في آية الصدقات بعد أن عدّد أهلها:
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 11] وقيل للصلاة المكتوبة: فريضة. وقيل لسهام الميراث:
فريضة.
وقال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: 2] أي: أوجب لكم أن تكفّروا إذا حلفتم.
وبعض المفسرين يجعلها بمعنى: بيّن لكم كيف تكفّرون عنها. قال: ومثلها:
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها [النور: 1] أي: بينّاها.
وقد يجوز في اللغة أن يكون فرضناها: أوجبنا العمل بما فيها.
وقال: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: 85] .
قال المفسرون: فيه أنزل عليك القرآن.
وقد يجوز في اللغة أن يكون أوجب عليك العمل بما فيه.
وقال: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [الأحزاب: 38] .
قال المفسرون: فيما أحل الله له.
وقد يجوز في اللغة أن يكون: ما أوجب له من النكاح، يعني: نكاح أكثر من أربع.

(1/261)


19- الخيانة
الخيانة: أن يؤتمن الرجل على شيء، فلا يؤدي الأمانة فيه.
يقال لكل خائن: سارق وليس كل سارق خائنا.
والقطع يجب على السارق، ولا يجب على الخائن، لأنه مؤتمن.
قال النّمر بن تولب «1» :
وإنّ بني ربيعة بعد وهب ... كراعي البيت يحفظه فخانا
ويقال: لناقض العهد: خائن، لأنه أمن بالعهد وسكن إليه، فغدر ونكث. قال الله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً [الأنفال: 58] .
أي: نقضا للعهد.
وكذلك قوله: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ [المائدة: 13] أي غدر ونكث.
ويقال لعاصي المسلمين: خائن، لأنّه مؤتمن على دينه. قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال: 27] . يريد المعاصي.
وقال الله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: 187] أي:
تخونونها بالمعصية.

20- الإسلام
الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة. قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [النساء: 94] أي: انقاد لكم وتابعكم.
والاستسلام مثله. يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم. أي دخل في السّلم.
كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.
فمن الإسلام متابعة وانقياد باللّسان دون القلب. ومنه قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الحجرات: 14] أي: أنقذنا من خوف السيف.
وكذلك قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آل عمران:
__________
(1) البيت من الوافر، وهو في ديوان النمر بن تولب ص 395، والمعاني الكبير 1/ 592، وأدب الكاتب ص 37، والاقتضاب ص 303، وشرح أدب الكاتب للجواليقي ص 145.

(1/262)


83] ، أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.
ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم:
قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: 131] . وقوله: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [آل عمران: 20] أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة. كما قال: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] ، يريد: إلا هو. وقوله: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: 9] ، أي لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية «1» :
أسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن.

21- الإيمان
الإيمان: هو التصديق. قال الله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أي: بمصدّق لنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يوسف: 17] وقال: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا [غافر: 12] ، أي: تصدّقوا. والعبد مؤمن بالله، أي مصدّق. والله مؤمن: مصدّق ما وعده، أو قابل إيمانه. ويقال في الكلام: ما أومن بشيء مما تقول أي ما أصدّق به.
فمن الإيمان: تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين. يقول الله تعالى:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [المنافقون: 3] ، أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب.
ومن الإيمان: تصديق باللسان والقلب. يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) [البينة: 7] ، كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان: تصديق ببعض وتكذيب ببعض. قال الله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) [يوسف: 106] ، يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم؟ قالوا: الله، وهم مع ذلك يجعلون له شركاء. وأهل الكتاب يؤمنون ببعض
__________
(1) البيت من المتقارب، وهو لزيد بن عمرو بن نفيل في تفسير الطبري 1/ 393، والمعارف ص 27، ومجمع البيان 1/ 187، والأغاني 3/ 17.

(1/263)


الرّسل والكتب، ويكفرون ببعض. قال الله تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 85] ، يعني: ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلّهم.
وأما قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ [البقرة:
62] ثم قال: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 62]- فإن هؤلاء قوم آمنوا بألسنتهم.
فقال تعالى: مَنْ آمَنَ [البقرة: 62] منهم بقلبه بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، كأنه قال: إن المنافقين والذين هادوا.

22- الضرّ
الضرّ: بفتح الضاد- ضد النفع، قال الله عز وجل: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) [الشعراء: 72، 73] وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا [الأعراف: 188] أي: لا أملك جرّ نفع ولا دفع ضرّ؟.
والضّرّ: الشدة والبلاء، كقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ [الأنعام: 17] ، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة: 177] .
فمن الشدّة: قحط المطر، قال الله تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ [يونس: 21] أي: مطرا من بعد قحط وجدب.
ومنه: الهول، كقوله: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ [الإسراء: 67] .
ومنه المرض، كقول أيوب عليه السّلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء: 83] ، فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا [الزمر: 49] .
ومنه النقص، كقوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ [محمد: 32] .

23- الحرج
الحرج: أصله الضيق. ومن الضيق: الشك، كقول الله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف: 2] ، أي شك، لأنّ الشّاكّ في الشيء يضيق صدرا به.
ومن الحرج: الإثم، قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [النور: 61] أي إثم وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ [التوبة: 91] ، أي إثم.
وأما الضيق بعينه فقوله: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] أي ضيق. ويَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام: 125] وحرجا. ومنه الحرجة وهي:
الشجر الملتفّ.

(1/264)


24- الروح
الرّوح والرّيح والرّوح: من أصل واحد اكتنفته معان تقاربت، فبني لكلّ معنى اسم من ذلك الأصل، وخولف بينها في حركة البنية.
والنّار والنّور من أصل واحد، كما قالوا: الميل والميل، وهما جميعا من مال.
فجعلوا الميل- بفتح الباء- فيما كان خلقة فقالوا: في عنقه ميل، وفي الشجرة ميل.
وجعلوا الميل- بسكون الياء- فيما كان فعلا فقالوا: مال عن الحق ميلا، وفيه ميل عليّ، أي تحامل.
وقالوا: اللّسن واللّسن واللّسن، وهذا كله من اللسان، فاللّسن: جودة اللّسان.
واللّسن: العذل واللوم. ويقال: لسنت فلانا لسنا: أي عذلته، وأخذته بلساني.
واللّسن: اللّغة. يقال: لكلّ قوم لسن.
وقالوا: حمل الشجرة- بفتح الحاء- وحمل المرأة- بفتح الحاء- وقالوا لما كان على الظهر: حمل، والأصل واحد.
في أشباه لهذا كثيرة. وقد ذكرنا منها طرفا في صدر الكتاب.
وأما الرّوح: فروح الأجسام الذي يقبضه الله عند الممات.
والرّوح: جبريل عليه السلام. قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ [الشعراء: 193، 194] ، يعني جبريل. وقال: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: 253] ، أي بجبريل.
والرّوح- فيما ذكر المفسرون-: ملك عظيم من ملائكة الله يقوم وحده فيكون صفا وتقوم الملائكة صفّا قال: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ: 38] ، وقال عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85] .
ويقال للملائكة: الرّوحانيّون، لأنهم أرواح، نسبوا إلى الرّوح- بالألف والنون- لأنها نسبة الخلقة، كما يقال: رقبانيّ وشعرانيّ.
والرّوح: النّفخ، سمّي روحا لأنه ريح تخرج عن الرّوح. قال ذو الرّمة وذكر نارا قدحها «1» :
فلمّا بدت كفّنتها وهي طفلة ... بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا
__________
(1) الأبيات من الطويل، وهي في ديوان ذي الرمة ص 1428- 1429، والبيت الأول في لسان العرب

(1/265)


وقلت له: ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واقتته لها قيتة قدرا
وظاهر لها من يابس الشّحت واستعن ... عليها الصّبا واجعل يديك لها سترا
قوله: وأحيها بروحك، أي أحيها بنفخك.
والمسيح: روح الله، لأنه نفخة جبريل في درع مريم. ونسب الرّوح إلى الله لأنه بأمره كان. يقول الله: فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [الأنبياء: 91] ، يعني نفخة جبريل.
وقد يجوز أن يكون سمّي روح الله لأنه بكلمته كان، قال الله تعالى: كن، فكان.
وكلام الله: روح، لأنه حياة من الجهل وموت الكفر، قال: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ [غافر: 15] ، وقال: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] .
ورحمة الله: روح. قال الله تعالى: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: 22] ، أي برحمة، كذلك قال المفسرون.
ومن قرأ: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ [الواقعة-: 89] بضم الراء، أراد فرحمة ورزق. والريحان:
الرزق. قال النّمر بن تولب «1» :
سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر
فجمع بين الرّزق والرحمة، كما قال الله تعالى: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ، وهذا شاهد لتفسير المفسرين.
قال أبو عبيدة فَرَوْحٌ، أراد: حياة وبقاء لا موت فيه.
ومن قرأ: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ بالفتح، أراد: الرّاحة وطيب النّسيم.
وقد تكون الرّوح: الرحمة، قال الله تعالى: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:
87] ، أي من رحمته. سمّاها روحا لأنّ الرّوح والرّاحة يكونان بها.
__________
(طلس) ، وتهذيب اللغة 12/ 333، والبيت الثاني في لسان العرب (قوت) ، (روح) ، (حيا) ، وتهذيب اللغة 5/ 225، 285، 9/ 254، ومقاييس اللغة 5/ 38، ومجمل اللغة 4/ 131، وديوان الأدب 3/ 313، وكتاب العين 5/ 200، وأساس البلاغة (روح) ، (قوت) ، وتاج العروس (قوت) ، (روح) ، (حيا) .
(1) البيت من المتقارب، وهو في ديوان النمر بن تولب ص 345، ولسان العرب (روح) ، (درر) ، والتنبيه والإيضاح 1/ 243، وتهذيب اللغة 5/ 221، والمخصص 12/ 275، 17/ 164، وتاج العروس (روح) ، (درر) ، والبيت بلا نسبة في ديوان الأدب 3/ 47، 383.

(1/266)


25- الوحي
الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة. قال الله تعالى:
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ [النساء: 163] ، وقال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19] ، فهذا إرسال جبريل بالقرآن.
وقال: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 11] ، أي أشار إليهم وأومأ.
وقال بعض المفسرين: كتب إليهم.
قال أبو محمد:
والتفسير الأول أعجب إليّ، لأنه قال في موضع آخر: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً [آل عمران: 41] .
والرمز: تحريك الشفتين أو الحاجبين أو العينين، ولا يكون كتابا.
والوحي: إلهام، كقوله: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ [المائدة: 111] ، ووَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل: 68] ، أي ألهمها.
والوحي: إعلام في المنام، كقوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ [الشورى: 51] .
والوحي: إعلام بالوسوسة من الشيطان، قال: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [الأنعام: 121] ، وقال: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: 112] .
والوحي: أمر، قال الله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) [الزلزلة: 5] ، أي أمرها. وقال الراجز «1» :
وحي لها القرار فاستقرّت أي أمرها بالقرار: فقرّت، يعني الأرض. ويقال: سخّرها.
__________
(1) يليه: وشدّها بالراسيات الثبّت والرجز للعجاج في ديوانه 2/ 408، 409، ولسان العرب (وحي) ، وتهذيب اللغة 5/ 296، 297، وجمهرة اللغة ص 576، وكتاب العين 3/ 320، وتاج العروس (وحي) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 6/ 93، ومجمل اللغة 4/ 512.

(1/267)


26- الفرح
الفرح: المسرّة، قال الله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها [يونس: 22] أي سرّوا.
والفرح: الرضا، لأنه عن المسرة يكون، قال الله تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53، والروم: 32] أي راضون، وقال: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر: 83] أي رضوا.
والفرح: البطر والأشر، لأن ذلك عن إفراط السرور، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: 76] وقال: إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود: 10] وقال: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ [غافر: 75] .
وقد تبدل (الحاء) في هذا المعنى (هاء) فيقال: فره أي بطر، قال الله تعالى:
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) [الشعراء: 149] أي: أشرين بطرين. و (الهاء) تبدل من (الحاء) لقرب مخرجيهما، تقول: (مدحته) و (مدهته) ، بمعنى واحد.

27- الفتح
الفتح: أن يفتح المغلق، كقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر:
73] .
والفتح: النّصر، كقوله: فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ [النساء: 141] وقوله: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة: 52] ، لأن النصر يفتح الله به أمرا مغلفا.
والفتح: القضاء، لأن القضاء فصل للأمور، وفتح لما أشكل منها، قال الله جل ذكره: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ [السجدة: 28، 29] يعني يوم القيامة، لأنه يقضي الله فيه بين عباده.
ويقال: أراد فتح مكة لا ينفع الذين كفروا إيمانهم من خوف السيف، فلم ينفعهم ذلك وقتلهم خالد بن الوليد.
وقال عز وجل: ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ [سبأ: 26] أي: يقضي، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ [الأعراف: 89] : أي خير القضاة.
وقال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينكم الفتاح، يعني الحاكم.
وقال ابن عباس في قول الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) [الفتح: 1] كنت

(1/268)


أقرؤها ولا أدري ما هي، حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك، أي حكم الله بيني وبينك.

28- الكريم
الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] أي: أفضلكم. وقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] أي: شرفناهم وفضّلناهم. وقال حكاية عن إبليس: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ [الإسراء: 62] أي:
فضلت. وقال: مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ [الفجر: 15] أي: فضّله. وقال: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 116] أي: الشريف الفاضل. وقال: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء: 31] أي: شريفا. وقال: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [النمل: 29] أي شريف لشرف كاتبه، ويقال: شريف بالختم.
والكريم: الصّفوح، وذلك من الشرف والفضل، قال الله عز وجل: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40] أي: صفوح. وقال: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) [الانفطار: 6] أي الصّفوح.
والكريم: الكثير الكرم، قال الله تعالى: وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 4، والحج: 50، والنور: 26، وسبأ: 4] أي: كثير.
والكريم: الحسن، وذلك من الفضل. قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) [الشعراء: 7] أي: حسن. وكذلك قوله: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: 5 وق: 7] أي: حسن يبتهج به. وقال تعالى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً [الإسراء: 23] ، أي حسنا.
وهذا وإن اختلف، فأصله الشرف.

29- المثل
المثل: بمعنى الشّبه، يقال: هذا مثل الشيء ومثله، كما يقال: شبه الشيء وشبهه، قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت: 41] أي شبه الذين كفروا شبه العنكبوت.
وقال: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الجمعة: 5] أي: شبههم الحمار.

(1/269)


والمثل: العبرة، كقوله تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) [الزخرف:
56] أي: عبرة لمن بعدهم. وقوله: وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ [الزخرف: 59] أي عبرة.
والمثل: الصّورة والصّفة، كقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ [محمد:
15] أي صفة الجنة.

30- الضرب
الضرب: باليد، كقوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4] وقوله: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34] .
والضرب: المسير، قال الله تعالى: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء: 94] وقال تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ [المزمل: 20] .
والضرب: التّبيين والوصف، قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا [النحل: 75] ، وقال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ [النحل: 74] ، أي لا تصفوه بصفات غيره ولا تشبهوه.

31- الزوج
الزوج: اثنان، وواحد، قال الله تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) [النجم: 45] فجعل كل واحد منهما زوجا.
وهو بمعنى: الصّنف، قال: خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ [يس: 36] يعني: الأصناف. وقال: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ [الأنعام: 143] أي ثمانية أصناف.
وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) [الشعراء: 7] أي من كل صنف حسن.
والزّوج: القرين، قال الله تعالى: وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها [النساء: 1] ، وقال: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: 22] أي قرناءهم.
وقال: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) [التكوير: 7] أي قرنت نفوس الكفار بعضها ببعض.
ومنه قوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [الدخان: 54] أي قرناهم.

(1/270)


والعرب تقول: زوّجت إبلي، إذا قرنت بعضها ببعض.

32- الرؤية
الرؤية: المعاينة، كقول الله عز وجل: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60] .
وقال: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً [الإنسان: 20] أي: عاينت.
والرؤية: علم، كقوله: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً [الأنبياء: 30] أي: ألم يعلموا.
وقال: وَأَرِنا مَناسِكَنا [البقرة: 128] ، أي: أعلمنا.
وقال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سبأ: 6] أي: يعلم.
وقال: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [النساء: 105] أي: علمك الله.
وقال المفسرون في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ [آل عمران:
23] : ألم تخبروا. وكذلك أكثر ما في القرآن.

33- النسيان
النسيان: ضد الحفظ، كقوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ [الكهف: 63] ، وقال: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [الكهف: 73] .
والنسيان: الترك، كقول الله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه:
115] ، أي ترك.
وقوله: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا، أي بما تركتم الإيمان بلقاء هذا اليوم إِنَّا نَسِيناكُمْ [السجدة: 14] ، أي تركناكم.
وقوله: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة: 237] ، أي لا تتركوا ذلك.

34- الصاعقة والصعق
الصّعق: الموت، قال تعالى: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزمر:
68] ، وقال تعالى: وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [الأعراف: 143] . أي ميّتا، ثم ردّ الله إليه حياته.
وقال الله تعالى: فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ [النساء: 153] ،

(1/271)


أي الموت، يدلك على ذلك قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة: 56] .
والصاعقة: العذاب، كقوله: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13] .
والصاعقة: نار من السحاب، قال الله تعالى: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ [الرعد: 13] .
وأراها سمّيت صاعقة، لأنها إذا أصابت قتلت، يقال: صعقتهم، أي: قتلتهم.

35- الأخذ
الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ [التوبة: 104] أي يقبلها. وقال: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ [البقرة:
48] أي: لا يقبل. وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف: 199] أي: اقبله.
ويكون بمعنى: الحبس والأسر، قال الله تعالى: فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ [يوسف:
78] أي: احبسه. وقال تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ أي: ائسروهم وَاحْصُرُوهُمْ [التوبة: 5] أي: احبسوهم.
ويقال للأسير: أخيذ.
والأخذ: التعذيب، قال الله تعالى: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى [هود:
102] أي: تعذيبه. وقال: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ [العنكبوت: 40] أي عذبنا.
وقال: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ [غافر: 5] أي ليعذبوه أو ليقتلوه.

36- السلطان
السلطان: الملك والقهر، قال الله تعالى: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: 22] . وقال: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ [سبأ: 21] .
والسلطان: الحجّة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) [غافر: 23] أي حجة.
وقال: ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً [آل عمران: 151] أي: حجّة في كتاب الله وقال: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) [الصافات: 156] أي حجّة.

(1/272)


وقال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [النمل: 21] ، أي: حجة وعذر.

37- البأس والبأساء
البأس والبأساء: الشدة، قال الله تعالى: فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [الأنعام: 42] .
والبأس: الشدة بالعذاب، قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 84] أي عذابنا.
وقال تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا [الأنبياء: 12] وقال: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ [غافر: 29] أي: يمنعنا من عذاب الله.
والبأس: الشدّة بالقتال، قال الله تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 84] وقال تعالى: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ [النمل: 33] وقال: بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر: 14] وقال: وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: 177] .

38- الخلق
الخلق: التّخرّص، قال الله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) [الشعراء: 137] أي: خرصهم للكذب.
وقال تعالى: وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً [العنكبوت: 17] ، أي تخرصون كذبا.
وقال تعالى: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: 7] أي: افتعال للكذب.
والعرب تقول للخرافات: أحاديث الخلق.
والخلق: التّصوير، قال الله تعالى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [المائدة:
110] أي: تصوّره.
والخلق: الإنشاء والابتداء، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الأعراف: 189] .
وأصل الخلق: التقدير، ومنه قيل: خالقة الأديم، قال زهير «1» :
ولأنت تفري ما خلقت وب ... عض القوم يخلق ثمّ لا يفري.
__________
(1) البيت من الكامل، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمة ص 94، ولسان العرب (خلق) ، (فرا) ، وتهذيب اللغة 7/ 26، 15/ 242، ومقاييس اللغة 2/ 214، 4/ 497، وديوان الأدب 2/ 123، وكتاب الجيم 3/ 49، والمخصص 4/ 111، والبيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 619، وتاج العروس (فرا) .

(1/273)


والخلق: الدّين، كقوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30] ، أي لدين الله.
وقال تعالى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119] ، أي دينه: ويقال:
تغيير خلقه بالخصاء وبتك الآذان، وأشباه ذلك.

39- الرّجم
الرجم: أصله الرّمي، كقوله تعالى: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك: 5] أي مرامي.
ثم يستعار فيوضع موضع القتل، لأنهم كانوا يقتلون بالرّجم. وروي أنّ ابن آدم قتل أخاه رجما بالحجارة، وقتل رجما بالحجارة، فلما كان أول القتل كذلك، سمّي رجما وإن لم يكن بالحجارة، ومنه قوله تعالى: لَنَرْجُمَنَّكُمْ [يس: 18] ، أي لنقتلنكم.
وقال: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) [الدخان: 20] ، أي تقتلون. وقال: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [هود: 91] أي قتلناك.
ويوضع: الشتم، لأن الشتم رمي، ولذلك يقال: قذف فلان فلانا: إذا شتمه.
وأصل القذف: الرمي، ومنه قول أبي أبراهيم له: لَأَرْجُمَنَّكَ [مريم: 46] ، أي لأشتمنك.
ويوضع موضع الظن، ومنه قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ [الكهف: 22] ، أي ظنّا. ويقال:
رجم بالظّنّ، كأنه رمى به.
والرّجم: اللعن. والطّرد: لعن، ومنه قيل: ذئب لعين: أي طريد.
وإنما قيل للشيطان: رجيم، أي طريد، لأنه يطرد برجم الكواكب.

40- السعي
السّعي: الإسراع في المشي، قال الله تعالى: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى [القصص: 20] ، أي يسرع في مشيه، وهو العدو أيضا.
والسعي: المشي، قال الله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [الصافات: 102] ، يعني المشي، ويقال: المعاونة له على أمره.
وقال: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] أي امشوا. وقرأ بعض السلف: فامضوا إلى ذكر الله.

(1/274)


وقال: ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً [البقرة: 260] ، أي مشيا، كذلك قال بعض المفسرين.
والسّعي: العمل، قال الله تعالى: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء: 19] .
وقال: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها [الإسراء: 19] أي: عمل لها عملها.
وقال: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ [الحج: 51 وسبأ: 5] ، أي جدّوا في ذلك.
وقال: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) [الليل: 4] ، أي عملكم لشتّى، أي مختلف. وأصل هذا كله: المشي والإسراع فيه.

41- المحصنات
الإحصان هو: أن يحمى الشيء ويمنع منه.
والمحصنات من النساء: ذوات الأزواج، لأن الأزواج أحصنوهنّ، ومنعوا منهن، قال الله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: 24] .
المحصنات: الحرائر وإن لم يكنّ متزوجات، لأن الحرّة تحصن وتحصن، وليست كالأمة. قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ [النساء: 25] وقال: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ [النساء: 25] يعني الحرائر.
والمحصنات: العفائف، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النور: 4] يعني العفائف.
وقال الله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم: 12] أي عفّت.

42- المتاع
المتاع: المدّة، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [البقرة: 36] وقال تعالى: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) [الأنبياء: 111] .
ومنه يقال: متع النهار. ويقال: أمتع الله بك.
والمتاع: الآلات التي ينتفع بها، قال الله تعالى: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ [الرعد: 17] .
والمتاع: المنفعة، قال الله تعالى: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) [الواقعة:

(1/275)


73] ، وقال تعالى: مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33) [النازعات: 33] وقال تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96] .
وقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ [النور: 29] أي ينفعكم ويقيكم من الحرّ والبرد، يعني الخانات.
ومنه: متعة المطلّقة.

43- الحساب
الحساب: الكثير، قال الله تعالى: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) [النبأ: 36] ، أي كثيرا.
ويقال: أحسبت فلانا. أي أعطيته ما يحسبه، أي يكفيه. ومنه قول الهذليّ «1» :
حساب ورجل كالجراد يسوم
والحساب: الجزاء، قال الله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26) [الغاشية: 26] ، أي جزاءهم.
وقال تعالى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) [الشعراء: 113] ، لأن الجزاء يكون بالحساب.
والحساب: المحاسبة، قال الله تعالى: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) [الانشقاق: 8] .

44- الأمر
الأمر: القضاء، قال الله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة: 5] ، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] أي القضاء.
والأمر: الدّين، قال الله تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ [المؤمنون: 53] ، أي دينهم.
وقال تعالى: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ [التوبة: 48] .
__________
(1) يروى البيت بتمامه:
فلم ينتبه حتى أحاط بظهره ... حساب وسرب كالجراد يسوم
والبيت من الطويل، وهو لساعدة بن جؤية الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 1160، ولسان العرب (حسب) ، وتاج العروس (حسب) ، وأساس البلاغة (حسب) ، وديوان الهذليين 1/ 229.

(1/276)


والأمر: القول، قال الله تعالى: إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ [الكهف: 21] ، يعني قولهم.
والأمر: العذاب، قال الله تعالى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ [إبراهيم: 22] ، أي وجب العذاب. وقال تعالى: وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ [هود: 44] .
والأمر: القيامة، قال الله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] وقال تعالى: وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ [الحديد: 14] أي القيامة أو الموت.
والأمر: الوحي، قال الله تعالى: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [الطلاق: 12] .
والأمر: الذنب، قال الله تعالى: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها [الطلاق: 9] ، أي جزاء ذنبها.
وهذا كله وإن اختلف فأصله واحد.
ويكنى عن كل شيء: بالأمر، لأن كلّ شيء يكون فإنما يكون بأمر الله، فسميت الأشياء: أمورا، لأن الأمر سببها، يقول الله تعالى: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:
53] .

(1/277)