تحبير التيسير في القراءات العشر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(وَبِه نستعين)
(قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة جمال الْإِسْلَام شيخ
الْعلمَاء والأعلام شمس الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْجَزرِي المقرىء الشَّافِعِي
الدِّمَشْقِي متع الله بحياته الْمُسلمين ونفع بِهِ وببركته) .
الْحَمد لله على تحبير التَّيْسِير وَأشْهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الحكم الْعدْل السَّمِيع
الْبَصِير.
(1/89)
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده
وَرَسُوله صَاحب الْمجد الأثيل والشرف الْأَثِير.
الَّذِي تقدم على من قبله فضلا مَعَ مَجِيئه فِي الْأَخير، صلى
الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين اجتهدوا فِي تَصْحِيح
كتاب الله وتحرير حُرُوفه أتم تَصْحِيح وأتقن تَحْرِير [وَبعد]
فَلَمَّا كَانَ كتاب التَّيْسِير للْإِمَام الْعَلامَة
الْحَافِظ الْكَبِير المتقن الْمُحَقق أبي عَمْرو الداني
رَحمَه الله تَعَالَى من أصح كتب الْقرَاءَات وأوضح مَا ألف
عَن السَّبْعَة من الرِّوَايَات، وَكَانَ من أعظم أَسبَاب
شهرته دون بَاقِي المختصرات نظم الإِمَام ولي الله تَعَالَى
أبي الْقَاسِم الشاطبي رَحمَه الله فِي قصيدته الَّتِي لم
يسْبق إِلَى مثلهَا،
(1/90)
وَلم ينسج فِي الدَّهْر على شكلها،
وَإِنِّي لما رَأَيْت الْجَهْل قد غلب على كثير من الْعَوام
وشاع عِنْد من لَا علم لَهُ من الغوغاء الطغام [أَنه] لَا
[قراءات] . إِلَّا [الَّذِي] فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ [وَأَن
السَّبْعَة الأحرف] الْمشَار إِلَيْهَا بقوله صلى الله
[تَعَالَى] عَلَيْهِ وَسلم: " أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف
" هِيَ قراءات هَذِه السَّبْعَة الْقُرَّاء. [وَأَن مَا عدا
مَا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ من الْقرَاءَات شَاذ لَا يقْرَأ
بِهِ [أَولا] يَصح
(1/91)
قُرْآنًا وكل قَول من هَذِه الْأَقْوَال
وَنَحْوهَا بَاطِل لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَخلف لَا يعول عِنْد
عُلَمَاء الْإِسْلَام عَلَيْهِ كَمَا بَينه غير وَاحِد من
الْأَئِمَّة [وأوضحه] المقتدى بهم من سراة [هَذِه] الْأمة إِذْ
كَانَ الضَّابِط [الصَّحِيح للقراءات] وَالْحَد الْجَامِع لما
يقْرَأ بِهِ من الرِّوَايَات [كل مَا] وَافق [أحد] الْمَصَاحِف
العثمانية وَلَو تَقْديرا وَوَافَقَ الْعَرَبيَّة وَلَو
بِوَجْه وَصَحَّ إِسْنَادًا سَوَاء كَانَ عَن هَؤُلَاءِ
السَّبْعَة أم الْعشْرَة [أم غَيرهم] . وَمَتى اخْتَلَّ ركن /
من هَذِه الثَّلَاثَة فِي حرف حكم عَلَيْهِ بالشذوذ، وَكَلَام
النَّاس فِي حكم الشاذ مَعْلُوم، قد أَشَرنَا إِلَى ذَلِك فِي
أول كتَابنَا [نشر الْقرَاءَات الْعشْر] .
وَإِنِّي لما نظمت طيبَة النشر نظما رَجَوْت بِهِ أَن تكون
ذخري عِنْد الله فِي الْحَشْر،
(1/92)
واختص بهَا قوم [عَن] حفاظ حرز الْأَمَانِي
وتقدموا عَلَيْهِم [بِمَا حوت] من جمع الطّرق واختصار اللَّفْظ
وَكَثْرَة الْمعَانِي رَأَيْت أَن أتحف حفاظ الشاطبية بتعريف
قراءات الْعشْرَة وأجعلها فِي متن الْحِرْز منظومة مختصرة
فَجَاءَت فِي أسلوب من اللطف عَجِيب وَنَوع من الإعجاز
والإيجاز غَرِيب، وَلَا شكّ أَن ذَلِك ببركة [قصيد] الشاطبي
[رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ] وسر ولَايَته الَّذِي [وصلنا]
مِنْهُ، وَلما تلقيت بِالْقبُولِ وَحصل [بهَا] لأَهْلهَا من
النَّفْع غَايَة المأمول رَأَيْت أَن أفعل ذَلِك فِي كتاب
التَّيْسِير وأضيف إِلَى [سبعته] الثَّلَاثَة فِي أحسن منوال
يكون لَهُ كالتحبير مَعَ مَا أضيف إِلَيْهِ من تَصْحِيح وتهذيب
[وتوضيح] وتقريب من غير أَن أغير لفظ الْكتاب أَو أعدل بِهِ
إِلَى غَيره من خطأ أَو صَوَاب، وَحَيْثُ كَانَت الزِّيَادَة
عَلَيْهِ يسيرَة ألحقتها بالحمرة فِيهِ وَإِن كَانَت كَثِيرَة
قدمت عَلَيْهَا لفظ " قلت " وختمتها بِقَوْلِي [وَالله
الْمُوفق] فَأول مَا [أفْتَتح] هَذَا الْكتاب بِذكر شىء من
حَال الْمُؤلف وَنسبه ومولده ووفاته واتصال قراءتنا وروايتنا
بِهِ ثمَّ أتبع ذَلِك [بِلَفْظِهِ] على حسب مَا [التزمته] .
(1/93)
(بَاب ذكر حَال الْمُؤلف وَنسبه ومولده
ووفاته)
هُوَ [أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن سعيد بن عُثْمَان بن سعيد بن
عمر] الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْقُرْطُبِيّ الْمَعْرُوف فِي
زَمَانه بِابْن الصَّيْرَفِي وَبعد ذَلِك بالداني ولد سنة
إِحْدَى وَسبعين وثلاثمائة بقرطبة، وابتدأ بِطَلَب الْعلم سنة
سِتّ وَثَمَانِينَ [ورحل] إِلَى الْمشرق سنة سبع وَتِسْعين
[فَدخل] مصر فِي شَوَّال فَمَكثَ بهَا سنة يشْتَغل وَيحصل ثمَّ
حج فِي سنة [ثَمَان وَتِسْعين] وَعَاد إِلَى الأندلس
فَدَخلَهَا فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَتِسْعين ثمَّ خرج إِلَى
سرقسطة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة فسكنها سَبْعَة أَعْوَام /.
(1/94)
ثمَّ رَجَعَ إِلَى قرطبة فَأَقَامَ بهَا
[حَتَّى] قدم دانية سنة سبع عشرَة فاستوطنها حَتَّى مَاتَ بهَا
[رَحمَه الله تَعَالَى] .
قَالَ ابْن بشكوال: كَانَ أحد الْأَئِمَّة فِي [علم الْقُرْآن
ورواياته] وَتَفْسِيره ومعانيه وطرقه وَإِعْرَابه وَجمع فِي
ذَلِك كُله [تواليف] حسانا يطول تعدادها وَله معرفَة
بِالْحَدِيثِ وطرقه وَأَسْمَاء رِجَاله ونقلته وَكَانَ حسن
الْخط جيد الضَّبْط من أهل الْحِفْظ والذكاء والتفنن دينا ورعا
سنيا.
وَقَالَ غَيره: لم يكن فِي عصره [وَلَا بعده بمدد] أحد يضاهيه
فِي حفظه وتحقيقه وَكَانَ يَقُول: مَا رَأَيْت شَيْئا قطّ
إِلَّا كتبته [وَلَا كتبته إِلَّا حفظته وَلَا حفظته فَنسيته]
،
(1/95)
وَكَانَ يسْأَل عَن المسئلة مِمَّا
يتَعَلَّق بالآثار [وَكَلَام الْعلمَاء] فيوردها بِجَمِيعِ مَا
فِيهَا مُسندَة من شُيُوخه إِلَى قَائِلهَا.
[وَقَالَ المغامي] : كَانَ أَبُو عَمْرو الداني مجاب الدعْوَة
مالكي الْمَذْهَب.
قلت: وَمن نظر كتبه ومؤلفاته علم مِقْدَاره وَتحقّق فَضله
وَمَا وهبه الله تَعَالَى من الْحِفْظ والفهم وَصِحَّة
التَّصَوُّر وتدقيق النّظر والإنصاف. توفّي رَحمَه الله
[تَعَالَى] بدانية يَوْم الِاثْنَيْنِ النّصْف من شَوَّال سنة
أَربع وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي يَوْمه بعد
الْعَصْر وَمَشى صَاحب دانية أَمَام نعشه وشيعه خلق عَظِيم.
(1/96)
|