تحبير التيسير في القراءات العشر (بَاب ذكر بَيَان مَذْهَب أبي عَمْرو فِي
الْإِدْغَام [الْكَبِير] )
قَالَ أَبُو عَمْرو: اعْلَم أرشدك اللَّهِ أَنِّي إِنَّمَا
أفردت مذْهبه فِي هَذَا الْبَاب فِي إدغامه [الْحُرُوف]
المتحركة الَّتِي تتماثل فِي اللَّفْظ وتتقارب فِي الْمخْرج
لَا غير وَهِي تَأتي على ضَرْبَيْنِ، مُتَّصِلَة فِي
الْكَلِمَة [وَاحِدَة] ومنفصلة فِي الْكَلِمَتَيْنِ، وَأَنا
مُبين ذَلِك على نَحْو مَا [أَخذ عَليّ] رِوَايَة وتلاوة إِن
شَاءَ اللَّهِ [تَعَالَى] [وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق] .
(1/188)
قلت: فَلهَذَا [آخذ] بِالْإِدْغَامِ من
رِوَايَة السُّوسِي لِأَنَّهُ لم يذكر فِيمَا تقدم من
[إِسْنَاد] قِرَاءَة أبي عَمْرو أَنه أَخذ عَلَيْهِ
بِالْإِدْغَامِ إِلَّا فِي رِوَايَة السُّوسِي، وَبِهَذَا
كَانَ [يقرىء] الشاطبي وكل من أَخذ من طَرِيقه وَالله
الْمُوفق.
(ذكر المثلين فِي كلمة [وَفِي كَلِمَتَيْنِ] )
اعْلَم أَن أَبَا عَمْرو لم يدغم من المثلين فِي كلمة إِلَّا
فِي موضِعين لَا غير، أَحدهمَا فِي الْبَقَرَة (مَنَاسِككُم) ،
وَالثَّانِي فِي المدثر (مَا سلككم) وَأظْهر مَا عداهما نَحْو:
(جباههم ووجوههم وبشرككم وأتحاجوننا وأتعدانني) وَشبهه. فَأَما
المثلان إِذا كَانَا من كَلِمَتَيْنِ فَإِنَّهُ [كَانَ] يدغم
الأول فِي الثَّانِي مِنْهُمَا سَوَاء سكن مَا قبله أَو تحرّك
فِي جَمِيع الْقُرْآن نَحْو [قَوْله تَعَالَى] : 12 - فِيهِ
هدى، وَأَنه هُوَ، ولعبادته هَل تعلم، وَأَن ياتي يَوْم، وَمن
خزي يَوْمئِذٍ، وَلَا أَبْرَح حَتَّى، ويشفع عِنْده، وَإِذا
قيل لَهُم، ويستحيون نساءكم ونسبحك كثيرا، [ونذكرك كثيرا] ،
وَترى النَّاس سكارى، والشوكة تكون لكم، وَشهر رَمَضَان، وَمَا
اخْتلف فِيهِ، وَيعلم مَا بَين أَيْديهم، ولذهب بسمعهم) وَمَا
كَانَ مثله من
(1/189)
سَائِر حُرُوف المعجم حَيْثُ وَقع إِلَّا
قَوْله [تَعَالَى] فِي لُقْمَان: (فَلَا يحزنك كفره) فَإِنَّهُ
لم يدغمه لكَون النُّون سَاكِنة قبل [الْكَاف] فَهِيَ تخفى
عِنْدهَا.
وَإِذا كَانَ الأول من المثلين مشددا أَو منونا أَو [كَانَ]
تَاء الْخطاب أَو الْمُتَكَلّم نَحْو قَوْله عز وَجل: (- وَأحل
لكم وَمَسّ سقر و [من اليم مَا غشيهم] وَإِلَى أم مُوسَى وصواف
فَإِذا، وبعذاب بئيس [وأليم مَا يود] وَمن أنصار رَبنَا،
وأفأنت تكره، وَكنت تُرَابا - 5) وَشبهه لم يدغمه أَيْضا
[وَإِن] كَانَ مُعْتَلًّا نَحْو قَوْله [تَعَالَى] : (وَمن
يبتغ غير الْإِسْلَام دينا، ويخل لكم، وَإِن يَك كَاذِبًا)
وَشبهه فَأهل الْأَدَاء مُخْتَلفُونَ فِيهِ فمذهب ابْن
مُجَاهِد وَأَصْحَابه الْإِظْهَار، وَمذهب أبي بكر الداجوني
وَغَيره الْإِدْغَام. [قَالَ أَبُو عَمْرو] : وقرأته [أَنا]
بِالْوَجْهَيْنِ. وَلَا أعلم خلافًا فِي
(1/190)
الْإِدْغَام / فِي قَوْله تَعَالَى: [وَيَا
قوم من ينصرني من اللَّهِ، وَيَا قوم مَالِي] وَهُوَ من
المعتل.
فَأَما قَوْله تَعَالَى: (ءال لوط) حَيْثُ وَقع فعامة
البغداديين يَأْخُذُونَ فِيهِ بالإظهار وَبِذَلِك كَانَ
يَأْخُذ ابْن مُجَاهِد وَكَانَ يعتل بقلة حُرُوف الْكَلِمَة،
وَكَانَ غَيره يَأْخُذ بِالْإِدْغَامِ وَبِه قَرَأت. [قَالَ
أَبُو عَمْرو] : وَقد أَجمعُوا على إدغام [لَك كيدا] [فِي
يُوسُف] وَهُوَ أقل حروفا من آل [لوط] لِأَنَّهُ على حرفين
فَدلَّ ذَلِك على صِحَة الْإِدْغَام فِيهِ.
قَالَ أَبُو عَمْرو: [وَإِذا] صَحَّ الْإِظْهَار فِيهِ
فلاعتلال عينه [إِذا] كَانَت هَاء فأبدلت همزَة ثمَّ قلبت ألفا
لَا غير. وَاخْتلف أهل الْأَدَاء أَيْضا فِي الْوَاو من (هُوَ)
إِذا انضمت الْهَاء قبلهَا وَلَقِيت مثلهَا نَحْو قَوْله
تَعَالَى: (إِلَّا وَهُوَ وَالْمَلَائِكَة، وَكَأَنَّهُ هُوَ
وأوتينا الْعلم من) [وَشبهه] فَكَانَ ابْن مُجَاهِد يَأْخُذ
بالإظهار وَكَانَ
(1/191)
غَيره يَأْخُذ بِالْإِدْغَامِ وَبِذَلِك
قَرَأت وَهُوَ الْقيَاس لِأَن ابْن مُجَاهِد وَغَيره مجمعون
على إدغام الْيَاء فِي الْيَاء فِي تَعَالَى قَوْله تَعَالَى]
: (أَن يَأْتِي يَوْم، وَنُودِيَ يَا مُوسَى) .
وَقد انْكَسَرَ مَا قبل الْيَاء وَلَا فرق بَين [الْبَابَيْنِ]
فَإِن سكنت الْهَاء من هُوَ أَو كَانَ السَّاكِن قبل الْوَاو
[غير هَاء] فَلَا خلاف فِي الْإِدْغَام وَذَلِكَ نَحْو قَوْله
تَعَالَى: (وَهُوَ وليهم، وَهُوَ وَاقع بهم، وَخذ الْعَفو
وَأمر بِالْعرْفِ، وَمن اللَّهْو وَمن التِّجَارَة) وَمَا
كَانَ مثله. قَالَ أَبُو عَمْرو: / فَأَما قَوْله تَعَالَى:
(واللائي يئسن من الْمَحِيض) فِي الطَّلَاق على مذْهبه فِي
إِبْدَال الْهمزَة يَاء سَاكِنة فَلَا يجوز إدغامها لِأَن
الْبَدَل عَارض، وَقد عضد ذَلِك مَا لحق هَذِه الْكَلِمَة من
[الاعتلال] بِأَن حذفت الْيَاء من آخرهَا وأبدلت الْهمزَة يَاء
فَلَو أدغمت لاجتمع فِي ذَلِك ثَلَاث [اعلالات] وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق.
(1/192)
|