تحبير التيسير في القراءات العشر (بَاب ذكر التَّسْمِيَة)
اخْتلفُوا فِي التَّسْمِيَة بَين السُّور فَكَانَ ابْن كثير
وقالون وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ وَأَبُو جَعْفَر يبسملون بَين
كل سورتين فِي جَمِيع الْقُرْآن مَا خلا الْأَنْفَال
وَبَرَاءَة فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي ترك الْبَسْمَلَة بَينهمَا.
وَكَانَ الْبَاقُونَ فِيمَا قَرَأنَا لَهُم لَا يبسملون بَين
السورتين، وَأَصْحَاب حَمْزَة وَخلف يصلونَ آخر السُّورَة
بِأول الْأُخْرَى، ويختار فِي مَذْهَب ورش وَأبي عَمْرو وَابْن
عَامر [وَيَعْقُوب] السكت بَين السورتين من غير قطع / وَابْن
مُجَاهِد يرى وصل السُّورَة بالسورة وتبيين الْإِعْرَاب وَيرى
السكت أَيْضا.
قلت: وَبِكُل من السكت والوصل قطع جمَاعَة من الْأَئِمَّة لورش
وَأبي عَمْرو وَابْن عَامر وَيَعْقُوب، وبالسكت قَرَأَ
الْمُؤلف لورش على جَمِيع شُيُوخه وَلأبي عَمْرو على أبي
الْحسن وَأبي الْفَتْح وَابْن خاقَان وَلابْن عَامر على أبي
الْحسن وبالوصل قَرَأَ على الْفَارِسِي لأبي عَمْرو وبالبسملة
قَرَأَ لِابْنِ عَامر على الْفَارِسِي وَأبي الْفَتْح فَهَذَا
من [الْمَوَاضِع] الَّتِي خرج فِيهَا عَن [طرق] الْكتاب وَالله
الْمُوفق.
(1/184)
وَكَانَ بعض شُيُوخنَا يفصل فِي مَذْهَب
هَؤُلَاءِ الساكتين بِالتَّسْمِيَةِ بَين المدثر وَالْقِيَامَة
وَبَين الانفطار والمطففين وَبَين الْفجْر والبلد وَبَين
الْعَصْر والهمزة ويسكت [فِيهِنَّ] سكتة خَفِيفَة فِي مَذْهَب
حَمْزَة والواصلين وَلَيْسَ فِي ذَلِك أثر يرْوى عَنْهُم
وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَاب من الشُّيُوخ.
وَلَا خلاف فِي التَّسْمِيَة فِي أول فَاتِحَة الْكتاب وَفِي
أول كل سُورَة ابْتَدَأَ القارىء بهَا وَلم يصلها بِمَا قبلهَا
فِي مَذْهَب من فصل [أَو من] لم يفصل.
فَأَما الِابْتِدَاء برءوس الْأَجْزَاء الَّتِي فِي بعض
السُّور نَحْو: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء) و (تِلْكَ الرُّسُل)
وَشبهه فأصحابنا يخيرون القارىء بَين التَّسْمِيَة [وَتركهَا
فِي ذَلِك فِي مَذْهَب الْجَمِيع. وَالْقطع عَلَيْهَا إِذا
وصلت بأواخر السُّور غير جَائِز فِي ذَلِك وَالله أعلم] [وَصلى
اللَّهِ على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ] .
(1/185)
(سُورَة أم الْقُرْآن)
قَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ وَيَعْقُوب وَخلف: (وَمَالك يَوْم
الدّين) بِالْألف وَالْبَاقُونَ بِغَيْر ألف [وَخلف عَن
حَمْزَة] : الصِّرَاط وصراط حَيْثُ وَقعا بإشمام الصَّاد
[الزَّاي] وخلاد بإشمامها الزَّاي فِي قَوْله تَعَالَى:
{الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} [هُنَا] خَاصَّة، وقنبل ورويس:
بِالسِّين حَيْثُ وَقعا، وَالْبَاقُونَ بالصَّاد حَمْزَة
عَلَيْهِم وإليهم ولديهم بِضَم الْهَاء قلت: وَافقه يَعْقُوب
فِي ذَلِك وَزَاد ضم كل هَاء ضمير جمع أَو تَثْنِيَة وَقعت بعد
ياو سَاكِنة نَحْو /: عَلَيْهِمَا [وَعَلَيْهِم]
(1/186)
وعليهن وَفِيهِمْ [وَفِيهِمَا] وفيهن
ويزكيهم ويهديهم ومثليهم حَيْثُ وَقع، زَاد رويس فضم مَا
سَقَطت مِنْهُ الْيَاء لجزم أَو أَمر نَحْو: (أَو لم تأتهم،
وقهم السَّيِّئَات، يُغْنِهِم اللَّهِ) إِلَّا قَوْله
[تَعَالَى] : {وَمن يولهم يَوْمئِذٍ} فِي (سُورَة) الْأَنْفَال
فَقَط فَإِنَّهُ لَا خلاف فِي كسر الْهَاء مِنْهُ وَالله
الْمُوفق. وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا مُطلقًا. ابْن كثير
وَأَبُو جَعْفَر وقالون بِخِلَاف عَنهُ يضمون [الْمِيم]
الَّتِي للْجمع [ويصلونها] بواو مَعَ الْهمزَة وَغَيرهَا
[نَحْو] : {عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وَشبهه. قلت:
وبالإسكان قَرَأَ الْمُؤلف لقالون على أبي الْحسن وبالصلة على
أبي الْفَتْح وَالله الْمُوفق. وورش يضمها [ويصلها] مَعَ
الْهمزَة فَقَط، وَالْبَاقُونَ يسكنونها. حَمْزَة
وَالْكسَائِيّ وَخلف يضمون الْهَاء وَالْمِيم إِذا كَانَ قبل
الْهَاء كسرة أَو يَاء سَاكِنة وأتى بعد الْمِيم ألف وصل
نَحْو: (عَلَيْهِم الذلة وإليهم اثْنَيْنِ وَعَن قبلتهم
الَّتِي وبهم الْأَسْبَاب وَيُرِيهمْ اللَّهِ) وَشبهه وَذَلِكَ
فِي حَال الْوَصْل، فَإِن وقفُوا على الْمِيم كسروا الْهَاء
وَسَكنُوا الْمِيم. وَحَمْزَة على أَصله فِي الْكَلم الثَّلَاث
الْمُتَقَدّمَة يضم الْهَاء مِنْهُنَّ على كل حَال.
(1/187)
قلت: وَكَذَلِكَ يَعْقُوب ورويس على أَصلهمَا الْمُتَقَدّم
وَالله الْمُوفق.
وَأَبُو عَمْرو يكسر الْهَاء وَالْمِيم فِي ذَلِك كُله فِي
حَال الْوَصْل أَيْضا. قلت: وَافقه يَعْقُوب فِيمَا لم يكن قبل
الْهَاء [يَاء] [سَاكِنة] نَحْو: (قبلهم الَّتِي وبهم
الْأَسْبَاب) . وَالله الْمُوفق.
وَالْبَاقُونَ يكسرون الْهَاء ويضمون الْمِيم فِيهِ وَلَا خلاف
بَين الْجَمَاعَة أَن الْمِيم فِي جَمِيع مَا تقدم سَاكِنة فِي
الْوَقْف فَاعْلَم ذَلِك [وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق] . |