تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من حروف القرآن حرف الواو
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " البقرة ": (اشْتَرَوُا
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى) .
قرئ بضمّ الواو وفتحها وكسرها:
أما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة، ووجهها أنها حرّكت بالضم:
إما فرقاً
بينها وبين الواو الأصلية في نحو: (لَوِ اسْتَطَعْنَا)
وإما لمجانسة الواو، وإما لأنّها حركة الياء المحذوفة، لأن
الأصل " اشتريوا "
وإما لأنّها ضمير فاعل، فهي مثل التاء في قصت، وإمّا بالحمل
على " نحنُ "
لكونها للجمع.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها أبو السَّمَّال قَعْنَب العَدَويّ،
ووجهُها أنها
فتحت إتباعاً للحركة التي قبلها.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها يحيى بن يعمر، وابن أبي إسحق،
ووجهها
أنه كُسِر على أصل التقاء الساكنين.
(1/186)
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " البقرة "
أيضاً: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)
.
قرئ بضمّ الواو من (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) وفتحها وكسرها
أما قراءة الضئم فقرأ بها الجمهور، وهي اللغة الفصيحة الكثيرة
في واو
الجمع إذا لاقت ساكناً.
وأما قراءة الفتح فحُكيت عن أبي عمرو، ووجهها التخفيف.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها ابن أبي إسحق، ووجهها أن الواو كسرت
بالحمل على واو (لو استطعنا) ، كما ضُمَّت واو (لو استطعنا)
بالحمل
على واو (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) .
تنبيه:
اعلم أنّ النفي جاء في هذه السورة بـ (لن) فقال تعالى: (وَلَنْ
يَتَمَنَّوْهُ) ، وجاء في سورة الجمعة بـ (لا) فقال تعالى:
(وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ)
فهذا دليل على أن حكم (لن) في النفي حكم (لا)
خلافاً للزمخشريّ القائل بأنّ (لن) لتأبيد النفي، وقد رجع
الزمخشري عن
هذا المذهب، فانظره في سورة " الجمعة " في " تفسيره.
(1/187)
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " براءة "،:
(لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) .
قرئ بكسر الواو وفتحها وضمّها:
أما قراءة الكسر فقرأ بها السبعة، ووجهها أنه كسر على أصل
التقاء
الساكنين.
أما قراءة الفتح فقرأ بها الحسن، ووجهها أنّها فتحت إتباعاً
للحركة
قبلها.
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها الأعمش، وزيد بن عليّ، ووجهها أنّه
ضُمت
بالحمل على واو الجمع، كما حُملت واو الجمع عليها في الكسر.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " مريم ": (سَيَجْعَلُ لَهُمُ
الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) .
قرئ بضمّ الواو وفتحها وكسرها:
أما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها أبو الحارث الحنفي.
وأمما قراءة الكسر فقرأ بها جناح بين حُبَيش.
وهي كلّها لغات، وأفصحها الضمّ.
تتميم:
اختلف المفسّرون في سبب نزول هذه الآية، فمنهم من قال: نزلت في
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، كان اليهود والنصارى
والمنافقون
(1/188)
يحبّونه.
ومنهم من قال: نزلت في المهاجرين إلى الحبشة مع جعفر بن
أبي طالب رضي الله عنه، ألقى الله لهم ودّاً في قلب النجاشيّ.
وذكر النقّاش أنها نزلت في عليّ رضي الله عنه.
وقال محمد بن الحنفية: لا نجد مؤمناً إلاّ وهو يُحِبُّ عليّاً
وأهلَ بيته رضي الله عنهم أجمعين.
قال الشيخ أبو حيَّان: ومن غريب هذا ما أنشدَنا الإمامُ اللغوي
رضي الدين
أبو عبد الله، محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي رحمه الله
-
لزينبا بن إسحق النصراني الرسغي:
عدفي وتَيْم لا أُحاولُ ذِكرَهم. . . بسوءٍ، ولكنّي مُحِبٌّ
لهاشمِ
وما يَعتريني في على ورَهْطِه. . . إذا ذُكروا في الله لومةَ
لائمِ
يقولونْ ما بالُ النَصارى تُحِبُّهم. . . وأهلِ النُّهى من
أعْرُبٍ وأعاجم
فقلتُ لهم إنّي لأحسِبُ حبَّهم. . . سَرَى في قلوبِ الخَلقِ
حتى البهائم
قوله: " عديّ وتيم " كنّى بهما عن أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما.
(1/189)
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الجمعة ":
(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) .
قُرىء بضمّ الواو وفتحها وكسرها:
أما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها ابن السميفع.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها ابن يَعْمُرَ، وابن أبي إسحق.
وحكمها حكم الواو في قوله تعالى: (اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ)
وقد تقدّم.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الطلاق ": (مِنْ وُجْدِكُمْ) .
قرئ بضم الواو وفتحها وكسرها:
فأما قراءة الضمّ فقرأ بها السبعة.
وأما قراءة الفتح فقرأ بها أبو حَيوة.
وأما قراءة الكسر فقرأ بها يعقوب.
وذلك كلّه لغات بمعنى الوَسْع.
(1/190)
|