حجة القراءات

10 - سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَفْص {الر} بِفَتْح الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْر الرَّاء وهما لُغَتَانِ أهل الْحجاز يَقُولُونَ وباء وثاء وَرَاء وطاء وَغَيرهم يَقُولُونَ بَاء وتاء وَرَاء وطاء

{أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم} {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لساحر مُبين}
قَرَأَ ابْن كثير وَأهل الْكُوفَة {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لساحر مُبين} بِالْألف قَوْله {إِن هَذَا} إِشَارَة إِلَى الْمُرْسل وحجتهم قَوْله {أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم أَن أنذر النَّاس} {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ {لساحر مُبين}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سحر مُبين} بِغَيْر ألف يعنون الْقُرْآن وحجتهم أَن السحر يدل على السَّاحر لِأَن الْفِعْل لَا يكون إِلَّا من فَاعل والساحر قد يُوجد وَلَا يُوجد مَعَه السحر

{هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء} {مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ يفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ}

(1/327)


قَرَأَ ابْن كثير فِي رِوَايَة القواس / جعل الشَّمْس ضئاء / بهمزتين وحجته قَوْله تَعَالَى {رئاء النَّاس} وضئاء جمع ضوء مثل بَحر وبحار وَالْأَصْل ضواء فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا فَصَارَت ضِيَاء كَمَا تَقول ميزَان وميقات وَجَائِز أَن يكون الضياء مصدرا مثل الصَّوْم وَالصِّيَام وَالْأَصْل صوام فقلبت الْوَاو يَاء تَقول ضاء الْقَمَر يضوء ضوءا وضياء كَمَا تَقول قَامَ يقوم قيَاما
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {يفصل الْآيَات} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وحجتهم قَوْله {مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ} فَجعلُوا الْفِعْل مُسْندًا إِلَيْهِ بِلَفْظ التَّوْحِيد فَكَأَنَّهُ قَالَ يفصل الله الايات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نفصل} بالنُّون وحجتهم أَن مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من قَوْله {فصلنا} و {نفصل} بِلَفْظ الْجمع كثير فَألْحق بِهِ مَا كَانَ لَهُ نظيرا ليَكُون الْكَلَام على سِيَاق وَاحِد

{وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ لقضي إِلَيْهِم أَجلهم}
قَرَأَ ابْن عَامر {لقضي إِلَيْهِم} بِفَتْح الْقَاف وَالضَّاد أَجلهم ذهب أَي لقضى الله إِلَيْهِم أَجلهم وحجته قَوْله {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} على مَا لم يسم فَاعله

{قل لَو شَاءَ الله مَا تلوته عَلَيْكُم وَلَا أدراكم بِهِ}
قَرَأَ ابْن كثير / ولأدراكم بِهِ / بِغَيْر مد لِأَنَّهُ كَانَ لَا يرى مد حرف لحرف

(1/328)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا أدراكم} أَي وَلَا أدراكم الله بِهِ أَي وَلَا أعلمكُم بِهِ أَي وَلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن عَلَيْكُم

{ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله قل أتنبئون الله بِمَا لَا يعلم فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا تشركون / بِالتَّاءِ وحجتهما أَن ذَلِك أَتَى عقيب المخاطبة فَأجرى الْكَلَام على لفظ مَا تقدمه وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل أتنبئون الله بِمَا لَا يعلم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله {ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ} وَلم يقل وتعبدون مَا لَا يضركم فَلذَلِك جَاءَ الْإِخْبَار فِي قَوْله {عَمَّا يشركُونَ} وَلِأَن الْقُرْآن هُوَ مُخَاطبَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَأَصْحَابه

{هُوَ الَّذِي يسيركم فِي الْبر وَالْبَحْر}
قَرَأَ ابْن عَامر / هُوَ الَّذِي ينشركم / بالنُّون والشين أَي يبثكم وَهُوَ من النشر وحجته قَوْله تَعَالَى {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يسيركم} من التسيير أَي يحملكم فِي الْبر وَالْبَحْر وَعَن ابْن عَبَّاس يحفظكم إِذا سافرتم

{إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا}

(1/329)


قَرَأَ حَفْص عَن عَاصِم {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَتَاع} بِالرَّفْع وَرَفعه من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} خَبرا لقَوْله تَعَالَى {بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يتم الْوَقْف على قَوْله {بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} ثمَّ يبتدأ {مَتَاع الْحَيَاة} على تَقْدِير هُوَ مَتَاع فَيكون خبر الِابْتِدَاء قَالَ الزّجاج وَمعنى الْكَلَام أَن مَا تنالونه لهَذَا الْفساد وَالْبَغي تتمتعون بِهِ فِي الدُّنْيَا

{كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل مظلما}
قَرَأَ الْكسَائي وَابْن كثير {قطعا من اللَّيْل} ساكنه الطَّاء وإسكانه على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن تُرِيدُ أَن تجمع قِطْعَة قطعا كَمَا تَقول فِي سِدْرَة وَسدر وبسرة وَبسر وَإِن شِئْت جعلت الْقطع وَاحِدًا تُرِيدُ ظلمَة من اللَّيْل أَو بَقِيَّة من سَواد اللَّيْل وَقَوله {مظلما} من نعت الْقطع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ قطعا بِفَتْح الطَّاء جمع قِطْعَة مثل خرقَة وخرق وكسرة وَكسر وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الْجمع لِأَن معنى الْكَلَام كَأَنَّمَا أغشي وَجه كل إِنْسَان مِنْهُم قِطْعَة من اللَّيْل ثمَّ جمع ذَلِك لِأَن الْوُجُوه جمَاعَة وَجعلُوا {مظلما} حَالا من اللَّيْل الْمَعْنى أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل فِي حَال ظلمته
اعْلَم أَن من حرك الطَّاء جعل مظلما حَالا لِليْل كَمَا ذكرنَا لِأَنَّهُ لَو كَانَ من نعت الْقطع كَانَت مظْلمَة لِأَن الْقطع جمع

(1/330)


{هُنَالك تبلو كل نفس مَا أسلفت}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / هُنَالك تتلو / بِالتَّاءِ قَالَ الْأَخْفَش تتلو من التِّلَاوَة أَي تقْرَأ كل نفس مَا أسلفت وحجته قَوْله {اقْرَأ كتابك} وَقَالَ آخَرُونَ {تتلو} أَي تتبع كل نفس مَا أسلفت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تبلو} بِالْبَاء أَي تخبر وتعاين وَمعنى تخبر تعلم كل نفس مَا قدمت من حَسَنَة أَو سَيِّئَة

{كَذَلِك حقت كلمة رَبك}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَكَذَلِكَ حقت كَلِمَات / بِالْألف وَكَذَلِكَ الَّذِي بعده وحجتهما أَنَّهُمَا كتبَتَا فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كلمة رَبك} وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على التَّوْحِيد فِي قَوْله {وتمت كلمة رَبك} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ

{أم من لَا يهدي إِلَّا أَن يهدى}
قَرَأَ نَافِع / أَمن لَا يهدي / بِإِسْكَان الْهَاء وَتَشْديد الدَّال الأَصْل يَهْتَدِي فأدغمت التَّاء فِي الدَّال وَتركت الْهَاء سَاكِنة كَمَا كَانَت
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وورش / أَمن لَا يهدي / بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء وَتَشْديد الدَّال وَالْأَصْل يَهْتَدِي فأدغموا التَّاء فِي الدَّال وطرحوا فتحتها على الْهَاء وَاحْتَجُّوا بِقِرَاءَة عبد الله / أَمن

(1/331)


لَا يَهْتَدِي / وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول إِن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ دَعَا قومه إِلَى دين الله وأرشدهم إِلَى طَاعَته فعصوه وَهُوَ أَحَق أَن يتبع أم من لَا يَهْتَدِي إِلَّا أَن يهدى أَي يرشده غَيره
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَمن لَا يهدي / سَاكِنة الْهَاء خَفِيفَة الدَّال وحجتهما فِي ذَلِك أَن يهدي فِي معنى يَهْتَدِي تَقول هديت غَيْرِي وهديت أَنا على معنى اهتديت قَالَ الْفراء الْعَرَب تَقول هدى واهتدى بِمَعْنى وَاحِد وهما جَمِيعًا فِي أهل الْحجاز وَسمع أَعْرَابِي فصيح يَقُول إِن السهْم لَا يهدي إِلَّا بِثَلَاث قذذ أَي لَا يَهْتَدِي
قَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر {أم من لَا يهدي} بِكَسْر الْيَاء وَالْهَاء أَرَادَ يَهْتَدِي فأدغم التَّاء فِي الدَّال فَالتقى ساكنان فَكسر الْهَاء لالتقاء الساكنين وَكسر الْيَاء لمجاورة الْهَاء وأتبع الكسرة الكسرة
وَقَرَأَ حَفْص {أم من لَا يهدي} يفتح الْيَاء وَكسر الْهَاء فِي الْجَوْدَة كفتح الْهَاء فِي الْجَوْدَة وَالْهَاء مَكْسُورَة لالتقاء الساكنين

{وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من النَّهَار}
قَرَأَ حَفْص {وَيَوْم يحشرهم كَأَن لم يَلْبَثُوا} بِالْيَاءِ إِخْبَار عَن الله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه

{آلآن وَقد كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُون}

(1/332)


قَرَأَ نَافِع {الْآن} بِفَتْح اللَّام وَإِسْقَاط الْهمزَة نقل فتح الْهمزَة إِلَى اللَّام كَمَا قَرَأَ ورش {الأَرْض} {الْآخِرَة} وَقَرَأَ إِسْمَاعِيل عَن نَافِع {الْآن} بِإِسْكَان اللَّام وَبِه قَرَأَ الْبَاقُونَ على أصل الْكَلِمَة

{فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ}
قَرَأَ يَعْقُوب فِي رِوَايَة رويس / فبذلك فلتفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ فيهمَا
اعْلَم أَن كل أَمر للْغَائِب والحاضر لابد من لَام تجزم الْفِعْل كَقَوْلِك ليقمْ زيد {لينفق ذُو سَعَة} وَكَذَلِكَ إِذا قلت قُم واذهب فَالْأَصْل لتقم ولتذهب بِإِجْمَاع النَّحْوِيين فَتبين أَن المواجهة كثر استعمالهم لَهَا فحذفت اللَّام اختصارا وإيجازا واستغنوا ب افرحوا عَن لتفرحوا وب قُم عَن لتقم فَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّمَا قَرَأَ على الأَصْل وجته أَنَّهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْك قَالَ قلت وَقد سماني رَبك قَالَ نعم قَالَ فَقَرَأَ عَليّ يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ / قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
أَنه قَالَ لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ أَي خُذُوا مَصَافكُمْ فَهَذَا أَمر المواجهة

(1/333)


وَقَرَأَ ابْن عَامر / خير مِمَّا تجمعون / بِالتَّاءِ أَي تجمعون أَنْتُم من أَعْرَاض الدُّنْيَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فليفرحوا} و {يجمعُونَ} بِالْيَاءِ فيهمَا على أَمر الْغَائِب أَي ليفرح الْمُؤْمِنُونَ بِفضل الله أَي الْإِسْلَام وبرحمته أَي الْقُرْآن خير مِمَّا يجمعه الْكَافِرُونَ فِي الدُّنْيَا

{وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين}
قَرَأَ الْكسَائي {وَمَا يعزب} بِكَسْر الزَّاي وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ تَقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف
قَرَأَ حَمْزَة {وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر} بِالرَّفْع فيهمَا رد على قَوْله {من مِثْقَال ذرة} لِأَن مَوضِع {مِثْقَال} رفع قبل دُخُول من لِأَنَّهَا زَائِدَة التَّقْدِير مَا يعزب عَن رَبك مِثْقَال ذرة وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين
قَالَ الزّجاج وَيجوز رَفعه من جِهَة أُخْرَى على الِابْتِدَاء وَيكون الْمَعْنى وَلَا مَا هُوَ أَصْغَر من ذَلِك وَلَا مَا هُوَ أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا أَصْغَر} {وَلَا أكبر} بِالْفَتْح على معنى مَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة وَلَا مِثْقَال أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر والموضوع مَوضِع خفض إِلَّا أَنه فتح لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف

(1/334)


{وَقَالَ فِرْعَوْن ائْتُونِي بِكُل سَاحر عليم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بِكُل سحار عليم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَاحر} الْألف قبل الْحَاء وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة الْأَعْرَاف

{قَالَ مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر إِن الله سيبطله}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} بِالْمدِّ جعل مَا بِمَعْنى أَي وَالتَّقْدِير أَي شَيْء جئْتُمْ آلسحر هُوَ اسْتِفْهَام على جِهَة التوبيخ لأَنهم قد علمُوا أَنه سحر فقد دخل اسْتِفْهَام على اسْتِفْهَام فَلهَذَا يقف على قَوْله {مَا جئْتُمْ بِهِ} ثمَّ يَبْتَدِئ {السحر} بِالرَّفْع وَخَبره مَحْذُوف الْمَعْنى الحسر هُوَ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَا جئْتُمْ بِهِ السحر} و {مَا} على هَذِه الْقِرَاءَة فِي معنى الَّذِي جئْتُمْ بِهِ السحر وَالَّذِي ابْتِدَاء وَالسحر خبر الِابْتِدَاء كَمَا تَقول الَّذِي مَرَرْت بِهِ زيد

{رَبنَا ليضلوا عَن سَبِيلك}
قَرَأَ أهل الْكُوفَة {ليضلوا} بِضَم الْيَاء أَي ليضلوا غَيرهم وحجتهم فِي ذَلِك أَن مَا تقدم من وصف فِرْعَوْن بِمَا وصف أَنه بذلك ضال غير مهتد فَكَانَ وَصفه بعد ذَلِك بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِك مضل لغيره وَيزِيد الْكَلَام فَائِدَة وَمَعْرِفَة مَا لم يكن مَذْكُورا فِيمَا تقدم من وَصفه

(1/335)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضلوا} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضلوا هم وحجتهم قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله} وَقد ضلوا

{قَالَ قد أجيبت دعوتكما فاستقيما وَلَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ}
قَرَأَ ابْن عَامر وَلَا تتبعان بتَخْفِيف النُّون الْمَعْنى فاستقيما وأنتما لَا تتبعان سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه بعض أهل الْعَرَبيَّة الْحَال وَالْمعْنَى فاستقيما غير متبعين سَبِيل الَّذين لَا يعلمُونَ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ {وَلَا تتبعان} بِالتَّشْدِيدِ مَوضِع تتبعان جزم إِلَّا أَن النُّون الشَّدِيدَة دخلت للنَّهْي مُؤَكدَة وَكسرت لسكونها وَسُكُون النُّون الَّتِي قبلهَا واختير لَهُ الْكسر لِأَنَّهَا بعد الْألف وَهِي تشبه نون الِاثْنَيْنِ

{قَالَ آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَالَ آمَنت أَنه} بِكَسْر الْألف وحجتهما أَن كَلَام متناه عِنْد قَوْله {آمَنت} وَأَن الْإِيمَان وَقع على كَلَام مَحْذُوف نَظِير قَوْله {رَبنَا آمنا فاكتبنا} وَلم يذكر مَا وَقع الْإِيمَان عَلَيْهِ وَتَقْدِيره آمَنت بِمَا كنت بِهِ قبل الْيَوْم مُكَذبا ثمَّ اسْتَأْنف {أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آمَنت أَنه} بِالْفَتْح على تَقْدِير آمَنت بِأَنَّهُ فَلَمَّا سقط الخافص عمل الْفِعْل فنصب

(1/336)


{ثمَّ ننجي رسلنَا وَالَّذين آمنُوا كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ}
قَرَأَ الْكسَائي وَحَفْص {كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ} خَفِيفَة وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما لُغَتَانِ تَقول أنجى يُنجي ونجى يُنجي مثل كرم وَأكْرم وَعظم وَأعظم وَحجَّة من شدد هِيَ أَن أَكْثَرهم أَجمعُوا على تَشْدِيد قَوْله {ثمَّ ننجي رسلنَا} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَحجَّة من خفف قَوْله {ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} وَقَول {فمهل الْكَافرين} ثمَّ قَالَ {أمهلهم رويدا} فَجمع بَينهمَا لِمَعْنى وَاحِد