حجة القراءات

9 - سُورَة التَّوْبَة
{فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم لَعَلَّهُم ينتهون}
قَرَأَ ابْن عَامر وَأهل الْكُوفَة {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} بهمزتين الْهمزَة الأولى ألف الْجمع وَالثَّانيَِة أَصْلِيَّة لِأَنَّهَا جمع إِمَام وَالْأَصْل أأممة أَفعلهُ مثل حمَار وأحمرة وَلَكِن الميمين لما اجْتمعَا نقلوا كسرة الْمِيم إِلَى الْهمزَة فأدغموا الْمِيم فِي الْمِيم فَصَارَت أَئِمَّة بهمزتين
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / أيمة / بِغَيْر مد بِهَمْزَة وَاحِدَة كَأَنَّهُمْ كَرهُوا الْجمع بَين همزتين فِي بنية وَاحِدَة وَلَا اعْتِبَار بِكَوْن الأولى زَائِدَة كَمَا لم يكن بهَا اعْتِبَار فِي آدم
قَرَأَ ابْن عَامر {إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم} بِكَسْر الْألف أَي لَا إِسْلَام وَلَا دين لَهُم وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ لَا أَمَان لَهُم مصدر آمنته أومنه إِيمَانًا الْمَعْنى إِذْ كُنْتُم أَنْتُم آمنتموهم فنقضوا هم عَهدهم فقد بَطل الْأمان الَّذِي أعطيتموهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا أَيْمَان لَهُم} بِالْفَتْح جمع يَمِين وحجتهم قَوْله {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ فِي التَّفْسِير لَا عهود لَهُم وَلَا مِيثَاق وَلَا حلف فقد وَصفهم بالنكث فِي العهود

{مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله} {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} 17 و 18

(1/315)


قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسْجِد الله / على التَّوْحِيد يَعْنِي الْمَسْجِد الْحَرَام وحجتهما قَوْله {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ أَبُو عَمْرو وتصديقها قَول {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ وَالثَّانيَِة {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله} على الْجمع فِي كل مَكَان {من آمن بِاللَّه} على هَذَا الْمَعْنى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن يعمروا مَسَاجِد الله} بِالْألف وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله} على الْجمع فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَأُخْرَى وَهِي أَنه إِذا قرئَ على الْجمع دخل الْمَسْجِد الْحَرَام فِيهِ وَغير الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِذا قرئَ على التَّوْحِيد لم يدْخل فِيهِ غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّمَا عني بِهِ الْمَسْجِد الْحَرَام فَحسب
{وأزواجكم وعشيرتكم}
قَرَأَ أَبُو بكر / وعشيراتكم / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وعشيرتكم} بِغَيْر ألف كَمَا تَقول قرابتكم وقراباتكم

{وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله}
قَرَأَ عَاصِم وَالْكسَائِيّ {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله} بِالتَّنْوِينِ وحجته أَنه اسْم خَفِيف فوجهه الصّرْف تخفته وَإِن كَانَ أعجميا وَقَالَ قوم يجوز أَن تعجله عَرَبيا لِأَنَّهُ على مِثَال المصغرات من الْأَسْمَاء الْعَرَبيَّة

(1/316)


وَهُوَ يشبه فِي التصغير نَصِيرًا أَو بكيرا فأجري وَإِن كَانَ فِي الأَصْل أعجميا وَأُخْرَى أَن الْكَلَام عِنْد السُّكُوت على عُزَيْر بن الله نَاقص وَأَن قَوْله {ابْن} خبر عَن عُزَيْر فنون من أجل حَاجَة الْكَلَام إِلَيْهِ كَقَوْلِك زيد ابْن عمنَا فَلَمَّا كَانَت الْفَائِدَة فِي ابْن أوقعت التَّنْوِين وَإِذا تركت التَّنْوِين كَانَ الابْن نعتا وَكَانَت الْفَائِدَة بعد النَّعْت كَقَوْلِك زيد ابْن عمنَا ظريف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عُزَيْر ابْن الله} بِغَيْر تَنْوِين وحجتهم أَن التَّنْوِين حرف الْإِعْرَاب مشبه للواو وَالْيَاء وَالْألف فَكَمَا يسقطن إِذا سكن وَسكن مَا بعدهن كَذَلِك يسْقط التَّنْوِين إِذا سكن وأتى بعده سَاكن فكأنهم ذَهَبُوا إِلَى أَنه مَصْرُوف وَأَن التَّنْوِين سقط الساكنين أنْشد الْفراء ... إِذا غطيف السّلمِيّ فرا ...

فأسقط التَّنْوِين من غطيف وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن هَارُون قَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن عُزَيْر فَقَالَ أَنا أصرف

(1/317)


عُزَيْرًا وَلَكِنِّي أَقُول هَذَا الْحَرْف {عُزَيْر ابْن الله} فَدلَّ قَوْله أَنا أصرف عُزَيْرًا على أَنه عِنْده مَصْرُوف وَأَنه حذف التَّنْوِين عِنْده لغير ترك صرفه بل هُوَ لما أَخْبَرتك بِهِ من حذفه للساكنين
وَيجوز أَن نقُول إِن عُزَيْر اسْم أعجمي غير مَصْرُوف قَالَ الزّجاج يجوز حذف التَّنْوِين لإلتقاء الساكنين وَقد رُوِيَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} فَحذف التَّنْوِين لسكونه وَسُكُون اللَّام فَكَذَلِك حذف التَّنْوِين من {عُزَيْر ابْن الله} لسكونه وَسُكُون الْبَاء
وَفِيه وَجه آخر أَن يكون الْخَبَر محذوفا فَيكون مَعْنَاهُ عُزَيْر ابْن الله معبودنا فَيكون ابْن نعتا وَلَا اخْتِلَاف بَين النَّحْوِيين أَن إِثْبَات التَّنْوِين أَجود قَالَ وَالْوَجْه إِثْبَات التَّنْوِين لِأَن ابْن خبر وَإِنَّمَا يحذف التَّنْوِين فِي الصّفة نَحْو قَوْلك جَاءَنِي زيد بن عَمْرو فيحذف التَّنْوِين لالتقاء الساكنين وَلِأَن ابْن مُضَاف إِلَى علم وَأَن النَّعْت والمنعوت كالشيء الْوَاحِد وَإِذا كَانَ خَبرا فالتنوين

{إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} {زين لَهُم سوء أَعْمَالهم} 37
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل} بِضَم الْيَاء وَفتح الضَّاد على مَا لم يسم فَاعله إِن الْكَافرين يضلون وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب ذَلِك بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {زين لَهُم سوء أَعْمَالهم} فَدلَّ على أَن مَا تقدمه من الْفِعْل جرى بِلَفْظِهِ إِذا كَانَ التزيين إضلالا فِي الْحَقِيقَة فَجعل مَا قبل التزيين

(1/318)


مشاكلا للفظه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يضل} بِفَتْح الْيَاء وَكسر الضَّاد أَي هم يضلون لايهتدون وحجتهم قَوْله {يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} فَجعل الْفِعْل لَهُم فَكَذَلِك {يضل بِهِ الَّذين كفرُوا} وَكَانُوا يؤخرون شهر الْحَج ويقدمون فضلوا هم بتأخيرهم شهرا وبتقديمهم شهرا

{قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها لن يتَقَبَّل مِنْكُم إِنَّكُم كُنْتُم قوما فاسقين وَمَا مَنعهم أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها} بِضَم الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَقد ذكرنَا الْحجَّة فِي سُورَة النِّسَاء
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَمَا مَنعهم أَن يقبل مِنْهُم نفقاتهم / بِالْيَاءِ لِأَن النَّفَقَات فِي معنى الْإِنْفَاق فَالْكَلَام مَحْمُول على الْمَعْنى وَهُوَ الْمصدر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَن تقبل مِنْهُم نفقاتهم} بِالتَّاءِ وحجتهم أَن النَّفَقَات مُؤَنّثَة فأنث فعلهَا ليُوَافق اللَّفْظ الْمَعْنى

{وَيَقُولُونَ هُوَ أذن قل أذن خير لكم يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين وَرَحْمَة للَّذين آمنُوا مِنْكُم}
قَرَأَ نَافِع / قل هُوَ أذن / بِإِسْكَان الذَّال فِي كل الْقُرْآن كَأَنَّهُ استثقل ثَلَاث ضمات فسكن وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَم الذَّال على أصل الْكَلِمَة
قَرَأَ أَبُو بكر فِي رِوَايَة الْأَعْشَى / قل هُوَ أذن / منون {خير لكم}

(1/319)


بِالرَّفْع والتنوين الْمَعْنى قل يَا مُحَمَّد فَمن يستمع مِنْكُم وَيكون قَرِيبا مِنْكُم قَابلا للْعُذْر خير لكم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أذن خير} بِالْإِضَافَة وَهُوَ نفي لما قَالُوهُ الْمَعْنى أذن خير لَا أذن شَرّ أَي مستمع خير ثمَّ بَين مِمَّن يقبل فَقَالَ {يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين} أَي يسمع مَا ينزله الله عَلَيْهِ فَيصدق بِهِ وَيصدق الْمُؤمنِينَ فِيمَا يخبرونه وَلَا يصدق الْمُنَافِقين وَالْبَاء وَاللَّام زائدتان الْمَعْنى يصدق الله وَيصدق الْمُؤمنِينَ
قَرَأَ حَمْزَة {وَرَحْمَة للَّذين آمنُوا} بالخفض على الْعَطف على {خير} الْمَعْنى أذن خير وَأذن رَحْمَة للْمُؤْمِنين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَرَحْمَة} أَي وَهُوَ رَحْمَة خبر ابْتِدَاء لِأَنَّهُ كَانَ سَبَب الْمُؤمنِينَ فِي إِيمَانهم

{إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة بِأَنَّهُم كَانُوا مجرمين}
قَرَأَ عَاصِم {إِن نعف} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه {نعذب} بالنُّون أَيْضا {طَائِفَة} بَال مفعول بهَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِن يعف / بِالْيَاءِ وَضمّهَا {تعذب} بِالتَّاءِ {طَائِفَة} رفع على مَا لم يسم فَاعله

(1/320)


{وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب ليؤذن لَهُم}
قَرَأَ الْكسَائي فِي رِوَايَة قُتَيْبَة / وَجَاء المعذرون / بِالتَّخْفِيفِ أَي الَّذين أعذروا

وجاؤوا بِعُذْر وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا كَذَلِك وَيَقُول هم أهل الْعذر أَي جاؤوا معذرين وَلَهُم عذر والمعذر الَّذِي قد بلغ أقْصَى الْعذر وَالْعرب تَقول أعذر من أنذر أَي بَالغ فِي الْعذر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَجَاء المعذرون} بِالتَّشْدِيدِ أَي المعتذرون إِلَّا أَن التَّاء أدغمت فِي الذَّال لقرب المخرجين قَالَ الزّجاج وَمعنى المعتذرين الَّذين يَعْتَذِرُونَ كَانَ لَهُم عذر أَو لم يكن لَهُم عذر وَهُوَ هَا هُنَا أشبه بِأَن يكون لَهُم عذر وأنشدوا ... إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا ... وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر ...

يُرِيد قد أعذر وَقد يكون لَا عذر لَهُ قَالَ الله تَعَالَى {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُم إِذا رجعتم إِلَيْهِم} ثمَّ قَالَ {لَا تعتذروا} أَي لَا عذر لكم وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول رحم الله المعذرين وَلعن الله المعذرين ذهب إِلَى من يعْتَذر بِغَيْر عذر وَقَالَ آخَرُونَ المعذرون المقصرون أَي الَّذين يوهمون أَن لَهُم عذرا وَلَا عذر لَهُم

{عَلَيْهِم دَائِرَة السوء}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} بِضَم السِّين وحجتهما قَوْله تَعَالَى {وَالسوء على الْكَافرين}

(1/321)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وحجتهم قَوْله {وظننتم ظن السوء} السوء بِالضَّمِّ الِاسْم مثل الْبُؤْس والشؤم وَالسوء بِالْفَتْح الْمصدر كَذَا قَالَ الْفراء سؤته سوءا أَو مساءة وَقَالَ آخَرُونَ السوء بِالضَّمِّ الشَّرّ وَالْعَذَاب وَالسوء بِالْفَتْح الْفساد والهلاك قَالَ الْخَلِيل قَوْله {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} الْفساد والهلاك وَقَالَ آخَرُونَ هما لُغَتَانِ مثل الضّر والضر

{أَلا إِنَّهَا قربَة لَهُم}
قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة ورش وَإِسْمَاعِيل {أَلا إِنَّهَا قربَة} بِرَفْع الرَّاء مثل الرعب والسحت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قربَة لَهُم} بِإِسْكَان الرَّاء مثل جرعة

{وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار}
قَرَأَ ابْن كثير / وَأعد لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار / بِزِيَادَة من وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تحتهَا} من غير من وَهَكَذَا فِي مصاحفهم

{وصل عَلَيْهِم إِن صَلَاتك سكن لَهُم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} على التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ فِي هود وحجتهم فِي ذَلِك إِجْمَاع الْجَمِيع على

(1/322)


التَّوْحِيد فِي قَوْله تَعَالَى {إِن صَلَاتي ونسكي} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / إِن صلواتك / على الْجمع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على الْجمع فِي قَوْله قبلهَا {وصلوات الرَّسُول} فَلَا فرق فِي شَيْء من ذَلِك فِي وَجه من الْوُجُوه

{وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله}
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص وَآخَرُونَ {مرجون} بِغَيْر همز وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْهَمْز وهما لُغَتَانِ يُقَال أرجأت الْأَمر إِذا أَخَّرته وأرجيته أَيْضا

{وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / الَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا / بِغَيْر وَاو وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَالَّذين} بِالْوَاو وَهَكَذَا فِي مصاحفهم

{أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أَفَمَن أسس} بِضَم الْألف وَكسر السِّين {بُنْيَانه} بِرَفْع النُّون وَكَذَلِكَ {أم من أسس بُنْيَانه} على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما قَوْله قبلهَا {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} قَالُوا وَإِنَّمَا كَانَ يحسن تَسْمِيَة الْفَاعِل لَو كَانَ للْفَاعِل ذكر فَأَما

(1/323)


إِذا لم يكن للْفَاعِل ذكر وَقد تقدمه {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} على ترك تَسْمِيَة الْفَاعِل فَترك التَّسْمِيَة أَيْضا فِي هَذَا أقرب وَأولى على أَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي بُنْيَانه على تقوى من الله وَهُوَ مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أسس} بِفَتْح الْهَمْز وَنصب {بُنْيَانه} فِي الحرفين وحجتهم فِي ذَلِك أَن صدر هَذِه الْقِصَّة هُوَ مَبْنِيّ على تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} فَجعل الاتخاذ لَهُم فَكَذَلِك التأسيس يَجْعَل لَهُم ليَكُون الْكَلَام وَاحِدًا ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة} وَالَّذين بنوا رِيبَة هم الَّذين أسسوا فَلذَلِك آثروا تَسْمِيَة الْفَاعِل
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {على شفا جرف} سَاكِنة الرَّاء كَأَنَّهُمْ استثقلوا ضمتين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جرف} بِالرَّفْع وَإِنَّمَا يستثقل ثَلَاث ضمات فَأَما اثْنَتَانِ فَلَا يستثقل

{لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم}
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {إِلَّا أَن تقطع} بِفَتْح التَّاء أَي إِلَّا أَن تتقطع قُلُوبهم ندما وأسفا على تفريطهم والقلوب رفع بِفِعْلِهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِلَّا أَن تقطع} بِضَم التَّاء على مَا لم يسم فَاعله أَي إِلَّا أَن يفعل ذَلِك بهَا وهما فِي الْمَعْنى شَيْء وَاحِد

(1/324)


{بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ}
قَرَأَ حمز 4 ة وَالْكسَائِيّ {فيقتلون} بِضَم الْيَاء {وَيقْتلُونَ} بِفَتْح الْيَاء يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين
قَالَ أَحْمد بن يحيي هَذَا مدح لأَنهم يقتلُون بعد أَن يقتل مِنْهُم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فيقتلون} بِالْفَتْح {وَيقْتلُونَ} بِضَم الْيَاء يبدؤون بالفاعلين قبل المفعولين وحجتهم فِي ذَلِك أَن الله وَصفهم بِأَنَّهُم قَاتلُوا أَحيَاء ثمَّ قتلوا بعد أَن قَاتلُوا وَإِذا أخبر عَنْهُم وَبَدَأَ بِأَنَّهُم قد قتلوا فمحال أَن يقتلُوا بعد هلاكهم هَذَا مَا يُوجِبهُ ظَاهر الْكَلَام

{الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم}
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {من بعد مَا كَاد يزِيغ} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ
اعْلَم أَن فعل جمَاعَة يتَقَدَّم لمذكر أَو مؤنث إِن شِئْت أنثت فعله إِذا قَدمته وَإِن شِئْت ذكرته كَمَا قَالَ جلّ وَعز {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها} و {لَا يحل لَك النِّسَاء} فَإِذا أنثت أردْت جمَاعَة وَإِذا ذكرت أردْت جمعا وَمن قَرَأَ {يزِيغ} بِالْيَاءِ جعل فِي كَاد اسْما وترتفع الْقُلُوب ب {يزِيغ} وَالتَّقْدِير كَاد الْأَمر يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم وَإِنَّمَا قَدرنَا هَذَا التَّقْدِير لِأَن كَاد فعل ويزيغ فعل وَالْفِعْل لَا يَلِي الْفِعْل وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة لَا يجوز أَن يرْتَفع الْقُلُوب ب كَاد وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ ارْتَفَعت الْقُلُوب ب كَاد

(1/325)


فَلَا يجوز حِينَئِذٍ إِلَّا تزِيغ بِالتَّاءِ لِأَن فِيهِ إضمارا للقلوب وَمَعْنَاهُ التَّأْخِير وَالتَّقْدِير من بَعْدَمَا كَاد قُلُوب فريق مِنْهُم تزِيغ وَمن رفع الْقُلُوب ب تزِيغ أضمر فِي كَاد الْأَمر كَمَا ذكرنَا فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَحجَّة التَّاء قَوْله {وتطمئن قُلُوبنَا} وَلم يقْرَأ أحد بِالْيَاءِ فِي هَذَا الْموضع
مَسْأَلَة فَإِن قيل لم أنث تزِيغ وَلم تؤنث كَاد وهما فعلان
الْجَواب قَالَ الْفراء {كَاد} فعل و / تزِيغ / فعل فلك أَن تذكرهما جَمِيعًا وَلَك أَن تؤنثهما جَمِيعًا فَلَمَّا كَانَ لَك الْوَجْهَانِ ذكرت الأول لِأَن بعده فعلا آخر مُلْتَزما بالقلوب فَذكرت الأول لِأَنَّهُ تبَاعد من الْقُلُوب وأنثت الَّذِي بِجنب الْقُلُوب
وَقَالَ آخَرُونَ {كَاد} لَيْسَ بِفعل متصرف وَلَا يكادون يَقُولُونَ مِنْهُ فَاعِلا وَلَا مَفْعُولا بِهِ فَذَكرته وأنثت / تزِيغ / لِأَنَّهُ فعل مُسْتَقْبل متصرف

{أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون}
قِرَاءَة حَمْزَة / أَولا ترَوْنَ / بِالتَّاءِ أَي أَنْتُم معشر الْمُؤمنِينَ أَنهم يفتنون يَعْنِي الْمُنَافِقين
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو لَا يرَوْنَ} بِالْيَاءِ أَي أَولا يرى المُنَافِقُونَ أَنهم يفتنون أَي يمْتَحنُونَ بِالْمرضِ من كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ

(1/326)