حجة القراءات 42 - سُورَة حم عسق الشورى
{كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك الله الْعَزِيز
الْحَكِيم}
قَرَأَ ابْن كثير {كَذَلِك يوحي إِلَيْك} بِفَتْح الْحَاء على
مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يوحي بِكَسْر الْحَاء
من قَالَ {يُوحى} بِالْفَتْح بني الْفِعْل للْمَفْعُول بِهِ
احْتمل أَمريْن جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن حم عسق قد أوحيت لى
كل نَبِي قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلى هَذَا
يجوز أَن يكون {يُوحى} إِلَيْك السُّورَة كَمَا أُوحِي إِلَى
الَّذين من قبلك وَيجوز أَن يكون الْجَار وَالْمَجْرُور يقومان
مقَام الْفَاعِل وَقَوله {الله الْعَزِيز الْحَكِيم} مُبين
للْفَاعِل كَقَوْلِه {يسبح لَهُ فِيهَا} ثمَّ قَالَ {رجال}
كَأَنَّهُ قيل من يسبح لَهُ فَقيل يسبح لَهُ رجال
فَأَما من قَرَأَ {يُوحى} بِكَسْر الْحَاء فَإِن اسْم الله
يرْتَفع بِفِعْلِهِ وَهُوَ {يُوحى} وَمَا بعده يرْتَفع
بِالْوَصْفِ وحجتهم فِي بِنَاء الْفِعْل للْفَاعِل
(1/639)
قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك}
{تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن}
قَرَأَ نَافِع وَالْكسَائِيّ / يكَاد السَّمَوَات / بِالْيَاءِ
لِأَن السَّمَاوَات جمع قَلِيل وَالْعرب تذكر فعل الْمُؤَنَّث
إِذا كَانَ قَلِيلا كَقَوْلِه {فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر
الْحرم} وَلم يقل انسلخت {وَقَالَ نسْوَة} وَلم يقل وَقَالَت
قَالَ ثَعْلَب لِأَن الْجمع الْقَلِيل قبل الْكثير والمذكر قبل
الْمُؤَنَّث فَجعل الأول على الأول
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تكَاد} بالتأنيث لتأنيث {السَّمَاوَات}
وَالْفِعْل مُتَّصِل بِالِاسْمِ
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر / ينفطرن / بالنُّون أَي
ينشققن وحجتهما قَوْله {السَّمَاء منفطر بِهِ} وَلم يقل متفطر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يتفطرن} بِالتَّاءِ أَي يتشققن
وَالْأَمر فِي التَّاء وَالنُّون يرجع إِلَى معنى وَاحِد
إِلَّا أَن التَّاء للتكثير وَذَلِكَ أَن / ينفطرن / من فطرت
فانفطرت مثل كسرت فَانْكَسَرت ويتفطرن من قَوْلك فطرت فتفطرت
مثل كسرت فتكسرت فَهَذَا لَا يكون إِلَّا للتكثير
{ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات} 23
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ
{ذَلِك الَّذِي يبشر الله}
(1/640)
بِالتَّخْفِيفِ أَي يبشر الله وُجُوههم أَي
ينور الله وُجُوههم وَحجَّة أبي عَمْرو فِي تفريقه بَين
الَّتِي فِي عسق وَبَين غَيرهَا ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ لما لم
يكن بعْدهَا بِكَذَا وَكَذَا كَانَت بِمَعْنى ينضر الله
وُجُوههم فترى النضرة فِيهَا
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {يبشر الله}
بِالتَّشْدِيدِ قَالُوا إِذا كَانَ من الْبُشْرَى فَلَيْسَ
إِلَّا {يبشر} بِالتَّشْدِيدِ
{وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن
السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَيعلم مَا
تَفْعَلُونَ} بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ
وحجتهم أَنه أخبر عَن عباده الْمَذْكُورين فِي سِيَاق
الْكَلَام فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة
عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا يفعل عباده
وَحجَّة البَاقِينَ أَن الْخطاب يدْخل فِيهِ الْغَائِب والحاضر
{وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا وينشر
رَحمته وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد} 28
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم {وَهُوَ الَّذِي ينزل
الْغَيْث} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ
وهما لُغَتَانِ مثل نبأته وأنبأته وعظمته وأعظمته وَإِنَّمَا
خص حَمْزَة وَالْكسَائِيّ الحرفين هَا هُنَا وَفِي لُقْمَان
(1/641)
لِأَن ينزل فيهمَا من إِنْزَال الْغَيْث
وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء}
{وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة
بِمَا كسبت / بِغَيْر فَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فبمَا كسبت
أَيْدِيكُم} بِالْفَاءِ وَهُوَ فِي الْعَرَبيَّة أَجود لِأَن
الْفَاء مجازاة جَوَاب الشَّرْط الْمَعْنى مَا يُصِيبكُم من
مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَمثله قَوْله {مَا أَصَابَك
من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك}
فَأَما من قَرَأَ / بِمَا كسبت أَيْدِيكُم / على أَن مَا فِي
معنى الَّذِي وَالْمعْنَى وَالَّذِي أَصَابَكُم وَقع بِمَا
كسبت أَيْدِيكُم
{وَمن آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر كالأعلام} 32
قَرَأَ ابْن كثير / وَمن آيَاته الْجَوَارِي / بِالْيَاءِ فِي
الْوَصْل وَالْوَقْف على الأَصْل وَاحِدهَا جَارِيَة فلام
الْفِعْل يَاء
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو بِإِثْبَات الْيَاء فِي
الْوَصْل وحذفها فِي الْوَقْف وَإِنَّمَا قَرَأَ كَذَلِك
ليكونا متبعين للْكتاب وللأصل
وَقَرَأَ أهل الشَّام الْكُوفَة بِحَذْف الْيَاء فِي الْوَصْل
وَالْوَقْف لِأَن مرسوم الْمَصَاحِف بِغَيْر يَاء فاتبعوا
الْمَصَاحِف
(1/642)
{وَيعلم الَّذين يجادلون فِي آيَاتنَا مَا
لَهُم من محيص} 35
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {وَيعلم الَّذين يجادلون فِي
آيَاتنَا} بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف لِأَن الشَّرْط
وَالْجَزَاء قد تمّ فَجَاز الِابْتِدَاء بِمَا بعده
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيعلم الَّذين} بِالنّصب على إِضْمَار
أَن لِأَن قبلهَا جَزَاء تَقول مَا تصنع أصنع مثله وأكرمك على
إِضْمَار أَن أكرمك وَإِن شِئْت قلت أكرمك على تَقْدِير أَنا
أكرمك على الِاسْتِئْنَاف وَإِن شِئْت قلت وأكرمك
{وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش} 37
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / كَبِير الْإِثْم / على
الْوَاحِد وَفِي النَّجْم مثله وحجتهما مَا رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَالَ عَنى بذلك الشّرك بِاللَّه وَيجوز أَن
تَقول بِالتَّوْحِيدِ لِأَن التَّوْحِيد يُؤَدِّي عَن معنى
الْجمع فَيكون الْمَعْنى كَبِير كل إِثْم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كَبَائِر الْإِثْم} على الْجمع وحجتهم
مَا فِي الْآيَة وَهُوَ قَوْله {وَالْفَوَاحِش} قَالُوا وَلَو
كَانَ كَبِير الْإِثْم لَكَانَ وَالْفُحْش وَيُقَوِّي الْجمع
أَيْضا إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن تجتنبوا كَبَائِر
مَا تنهون عَنهُ}
{وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء
حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}
(1/643)
قَرَأَ نَافِع {أَو يُرْسل} بِالرَّفْع
{فَيُوحِي} سَاكِنة الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَو يُرْسل}
بِفَتْح اللَّام {فَيُوحِي} بِالْفَتْح
قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْله {أَو يُرْسل
رَسُولا} بِالنّصب فَقَالَ {يُرْسل} مَحْمُول على أَن سوى
هَذِه الَّتِي فِي قَوْله {أَن يكلمهُ الله} قَالَ لِأَن ذَلِك
غير وَجه الْكَلَام لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر
أَن يُرْسل الله رَسُولا وَذَلِكَ غير جَائِز وَإِنَّمَا
{يُرْسل} مَحْمُول على معنى وَحي الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر أَن
يكلمهُ الله إِلَّا بِأَن يوحي أَو يُرْسل وَيجوز الرّفْع فِي
{يُرْسل} على معنى الْحَال وَيكون الْمَعْنى مَا كَانَ لبشر
أَن يكلمهُ الله إِلَّا موحيا أَو مُرْسلا وَيجوز أَن يرفع أَو
يُرْسل على هُوَ يُرْسل وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه
43 - سُورَة الزخرف
{أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا أَن كُنْتُم قوما مسرفين}
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَن كُنْتُم قوما
مسرفين} بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح
الْمَعْنى أفنضرب عَنْكُم الذّكر أَن كُنْتُم فكأنهم ذَهَبُوا
إِلَى أَنه فعل قد مضى كَقَوْل الْقَائِل أحبك أَن جئتني
بِمَعْنى أحبك إِذْ كنت قد جئتني فَأَما {صفحا} فانتصابه من
بَاب {صنع الله} لِأَن قَوْله {أفنضرب عَنْكُم الذّكر}
(1/644)
يدل على أَنا نصفح عَنْكُم صفحا وَكَأن
قَوْلهم صفحت عَنهُ أَي أَعرَضت عَنهُ وَالْأَصْل فِي ذَلِك
أَنَّك توليه صفحة عُنُقك الْمَعْنى أفنضرب عَنْكُم ذكر
الانتقام مِنْكُم والعقوبة لكم لِأَن كُنْتُم قوما مسرفين
وَهَذَا يقرب من قَوْله {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى}
قَالَ الزّجاج أفنضرب عَنْكُم ذكر الْعَذَاب والعقوبة لِأَن
كُنْتُم قوما مسرفين وَقيل الذّكر هَا هُنَا الْعَذَاب
وَمن كسرهَا فعلى معنى الِاسْتِقْبَال على معنى إِن تَكُونُوا
مسرفين نضرب عَنْكُم الذّكر المُرَاد وَالله أعلم من الْكَلَام
اسْتِقْبَال فعلهم فَأَرَادَ جلّ وَعز تعريفهم أَنهم غير
متروكين من الْإِنْذَار والإعذار إِلَيْهِم قَالَ الْفراء
وَمثله {شنآن قوم أَن صدوكم} و {أَن صدوكم}
{الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهدا}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مهدا} بِغَيْر ألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مهادا وحجتهم قَوْله ألم نجْعَل الأَرْض
{مهادا} وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة طه
{فأنشرنا بِهِ بَلْدَة مَيتا كَذَلِك تخرجُونَ}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَابْن عَامر {كَذَلِك تخرجُونَ}
بِفَتْح التَّاء وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على فتح التَّاء
فِي قَوْله {من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ}
(1/645)
قَالُوا فَكَانَ رد مَا اخْتلفُوا فِيهِ
إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تخرجُونَ} على مَا لم يسم فَاعله يَقُول
تبعثون من الْقُبُور وحجتهم قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم
الْقِيَامَة تبعثون} وَقَوله {وَمِنْهَا نخرجكم}
{أَو من ينشأ فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين}
18
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {أَو من ينشأ فِي
الْحِلْية} بِالتَّشْدِيدِ على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {ينشأ} بِفَتْح الْيَاء وَالتَّخْفِيف من قَرَأَ
بِالتَّشْدِيدِ جعله فِي مَوضِع مفعول لِأَن الله تَعَالَى
قَالَ {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} وأنشأت ونشأت
بِمَعْنى ربيت تَقول نَشأ فلَان ونشأه غَيره تَقول الْعَرَب
نَشأ فلَان وَلَده فِي النَّعيم أَي نبته فِيهِ فَقَوله {أَو
من ينشأ} أَي يُربي
وَالْأَكْثَر من الْأَفْعَال الَّتِي لَا تتعدى إِذا أُرِيد
تعديها أَن ينْقل بِالْهَمْزَةِ وبتضعيف الْعين تَقول فَرح
فلَان وفرحته وأفرحته تَقول نشأت السحابة وأنشاها الله
(1/646)
وَمن قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ جعل
الْفِعْل لَهُم لِأَن الله أنشأهم فنشؤوا والقرأتان تداخلان
كَقَوْلِه {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ} لِأَنَّهُ إِذا أنشئ فِي
الْحِلْية نَشأ فِيهَا وَمَعْلُوم أَنه لَا ينشأ فِيهَا حَتَّى
ينشأ
{وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا
أشهدوا خلقهمْ ستكتب شَهَادَتهم ويسألون} 19
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير / وَجعلُوا
الْمَلَائِكَة الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن / بالنُّون وحجتهم
قَوْله {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن
عِبَادَته}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عباد الرَّحْمَن} جمع عبد وحجتهم قَوْله
{بل عباد مكرمون} فقد جَاءَ التَّنْزِيل بالأمرين جَمِيعًا
وَفِي قَوْله {عِنْد الرَّحْمَن} دلَالَة على رفع الْمنزلَة
والتقريب كَمَا قَالَ {وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون} وَلَيْسَ
من قرب الْمسَافَة وَفِي قَوْله عباد الرَّحْمَن دلَالَة على
تكذيبهم فِي أَنهم إناث كَمَا قَالَ {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة
إِنَاثًا وهم شاهدون}
قَرَأَ نَافِع / ءأشهدوا / بِضَم الْألف المسهلة مَعَ فَتْحة
الْهمزَة أَي أحضروا خلقهمْ كَمَا تَقول أشهدتك مَكَان كَذَا
وَكَذَا أَي
(1/647)
أحضرتك وحجته قَوْله {مَا أشهدتهم خلق
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَالْأَصْل أأشهدوا بهمزتين الأولى
همزَة الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى الْإِنْكَار وَالثَّانيَِة
همزَة التَّعْدِيَة ثمَّ خففت الْهمزَة الثَّانِيَة من غير أَن
تدخل بَينهمَا ألفا
وروى الْمسَيبِي عَن نَافِع / ءاأشهدوا / بِالْمدِّ أَدخل
بَينهمَا ألفا
وروى الْحلْوانِي عَن نَافِع أشهدوا على مَا لم يسم فَاعله
قَالَ الْفراء أشهدوا بِغَيْر الْهَمْز يُرِيد الِاسْتِفْهَام
والهمز
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {اشْهَدُوا} بِفَتْح الْألف والشين
جعلُوا الْفِعْل لَهُم أَي أحضروا خلقهمْ حِين خلقُوا وحجتهم
قَوْله {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا وهم شاهدون}
{قَالَ أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ
آبَاءَكُم} 24
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَفْص {قَالَ أولو جِئتُكُمْ} على
الْخَبَر وفاعل قَالَ النذير الْمَعْنى {وَكَذَلِكَ مَا
أرسلنَا من قبلك فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها
إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} فَقَالَ لَهُم النذير {أولو
جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم}
(1/648)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قل} بِالْأَمر أَي
قل يَا مُحَمَّد
{لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة ومعارج
عَلَيْهَا يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عَلَيْهَا يتكؤون
وزخرفا وَإِن كل ذَلِك لما مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} 33 35
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {لبيوتهم} سقفا بِفَتْح السي
وَسُكُون الْقَاف على التَّوْحِيد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ سقفا بِضَم السِّين وَالْقَاف على الْجمع
تَقول سقف وسقف مثل رهن وَرهن قَالَ الْفراء إِن شِئْت جعلته
جمعا لسقيف يُقَال سقيف وسقف مثل رغيف ورغف وحجتهم قَوْله
ولبيوتهم أبوابا وسررا وَلم يقل بَابا وسريرا فَدلَّ على أَن
آخر الْكَلَام منظوم على لفظ أَوله
وَمن قَرَأَ سقفا فَهُوَ وَاحِد يدل على أَن الْمَعْنى جعلنَا
لبيت كل وَاحِد مِنْهُم سقفا من فضَّة وَيجوز أَن يوحد السّقف
لتوحيد لفظ من فَيكون الْمَعْنى جعلنَا لكل من يكفر بالرحمن
سقفا من فضَّة
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وَإِن كل ذَلِك لما} بِالتَّشْدِيدِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ
فَمن شدد كَانَت {إِن} بِمَعْنى مَا النافية كَالَّتِي فِي
قَوْله {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور}
(1/649)
و {لما} بِمَعْنى إِلَّا الْمَعْنى مَا كل
ذَلِك إِلَّا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمن خفف جعل مَا
صلَة الْمَعْنى وَإِن كل ذَلِك لمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَإِن الْخَفِيفَة هِيَ الثَّقِيلَة وَلم تعْمل إِن عمل
الْفِعْل لما خففتها لزوَال شبهها بِالْفِعْلِ من أجل
التَّخْفِيف وَلَو نصبت بهَا لجاد فِي الْقيَاس
{حَتَّى إِذا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد
المشرقين فبئس القرين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَابْن عَامر وَأَبُو بكر / حَتَّى
إِذا جاءانا / على اثْنَيْنِ يَعْنِي الْكَافِر وقرينه من
الشَّيَاطِين وحجتهم قَوْله {يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد
المشرقين} يَعْنِي بعد مشرق الصَّيف ومشرق الشتَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جَاءَنَا} وَاحِدًا وَحده أفرد
بِالْخِطَابِ فِي الدُّنْيَا وأقيمت عَلَيْهِ الْحجَّة بإنفاذ
الرَّسُول إِلَيْهِ فاجتزئ بِالْوَاحِدِ عَن الِاثْنَيْنِ
كَمَا قَالَ {لينبذن فِي الحطمة} وَالْمرَاد لينبذن هُوَ
وَمَاله وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن}
{وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر} 49
قَرَأَ ابْن عَامر / يَا أيه السَّاحر / بِضَم الْهَاء اتبَاعا
للمصحف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يَا أَيهَا} بِفَتْح الْهَاء
وَقد ذكرت فِي سُورَة النُّور
(1/650)
{فلولا ألقِي عَلَيْهِ أسورة من ذهب}
قَرَأَ حَفْص {أسورة من ذهب} بِغَيْر ألف جمع سوار وأسورة
كَمَا تَقول سقاء وأسقية ورداء وأردية
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أساورة / جمع إسوار كَذَا قَالَ أَبُو
زيد وَقَالَ الزّجاج وَيصْلح أَن يكون جمع الْجمع نقُول أسورة
وأساورة كَمَا تَقول أَقْوَال وأقاويل
{فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}
56
قَرَأَ حَمْزَة الْكسَائي {فجعلناهم سلفا} بِضَم السِّين
وَاللَّام جمع سلف مثل أَسد وَأسد ووثن ووثن وَمِمَّا لحقته
تَاء التَّأْنِيث من هَذَا خَشَبَة وخشب وبدنة وبدن وَجَاز
أَيْضا أَن تَجْعَلهُ جمعا لسليف والسليف الْمُتَقَدّم قَالَ
الْكسَائي سلفا جمع السليف مثل السَّبِيل والسبل والتبيل
والتبل وَالْعرب تَقول مضى منا سلف وسالف وسليف وَهُوَ
الْمُتَقَدّم عَن طَلْحَة بن مصرف أَنه قَالَ
(1/651)
السّلف بِالْفَتْح فِي الْخَيْر وَالسَّلَف
بِالضَّمِّ فِي الشَّرّ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلفا} بِفَتْح السِّين وَاللَّام
بِلَفْظ الْوَاحِد وَالْمعْنَى جمَاعَة كَمَا يُقَال هم لنا
سلف وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الْأُنْثَى وَالذكر وَالْوَاحد
وَالْجمع والقراءتان متقاربتان فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن
السّلف جمع سالف وَالسَّلَف جمع سليف بِمَنْزِلَة عليم وعالم
وَالْعرب تَقول هَؤُلَاءِ سلفنا وهم السّلف وحجتهم قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ للصَّبِيّ الْمَيِّت
اللَّهُمَّ ألحقهُ بالسلف الصَّالح وَمِنْه قَول النَّاس فلَان
يحب السّلف ويشتم السّلف وَيجوز أَن يكون جمعا مثل خَادِم وخدم
وتابع وَتبع وسالف وَسلف وَالْمعْنَى جعلناهم سلفا متقدمين
ليتعظ بهم الْآخرُونَ
{إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ} 57
و 58
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {إِذا قَوْمك مِنْهُ
يصدون} بِضَم الصَّاد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يصدون} بِالْكَسْرِ أَي يضجون كَذَا
قَالَ ابْن عَبَّاس وَاحْتج بعض النَّاس بِصِحَّة الْكسر
وَأَنه بِمَعْنى الضجيج بِصُحْبَة مِنْهُ للْفِعْل قَالَ وَلَو
كَانَ بِمَعْنى الصدود كَانَ الْأَفْصَح أَن يصحب الْفِعْل
عَنهُ لَا مِنْهُ لِأَن المتسعمل من الْكَلَام صد عَنهُ لَا صد
مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْكَلَام {مِنْهُ يصدون} دلّ على أَنه
عَن الصدود بمعزل وَأَنه بِمَعْنى الضجيج وَلَو كَانَ من
الصدود لكَانَتْ إِذا قَوْمك عَنهُ يصدون أَو مِنْهُ يصدون
عَنْك
وَحجَّة من يضم ذكرهَا الْكسَائي قَالَ هما لُغَتَانِ لَا
تختلفان فِي الْمَعْنى وَالْعرب 2 تَقول يصد عني ويصد عني مثل
يشد ويشد
(1/652)
قَالَ الزّجاج معنى المضمومة يعرضون
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مجازها يعدلُونَ
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر /
وَقَالُوا آلِهَتنَا / بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة
هَا هُنَا ثَلَاث ألفات الأولى ألف التوبيخ فِي لفظ
الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف الْجمع وَالثَّالِث
أَصْلِيَّة وَالْأَصْل أَله ثمَّ يجمع فَيُقَال آلِهَة مثل
حمَار وأحمرة وَالْأَصْل أألهة فَصَارَت الْهمزَة الثَّانِيَة
مُدَّة ثمَّ دخلت ألف الِاسْتِفْهَام فَصَارَ آلِهَتنَا
وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة أآلهتنا بهمزتين
{يَا عباد لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم
تَحْزَنُونَ}
قَرَأَ أهل الْمَدِينَة وَالشَّام {يَا عبَادي} بِالْيَاءِ فِي
الْحَالين وَأَبُو عَمْرو مَعَهُمَا فِي رِوَايَة ابْن اليزيدي
عَن أَبِيه عَنهُ وَفِي رِوَايَة أبي عمر الدوري
(1/653)
مَعَهُمَا فِي حَال الْوَصْل دون لوقف
وَفتح الْيَاء أَبُو بكر وحذفها أهل مَكَّة والكوفة الأَصْل
أَن تَقول {يَا عبَادي} بِفَتْح الْيَاء وَإِنَّمَا قُلْنَا
لِأَن الْيَاء هُوَ اسْم وَالِاسْم إِذا كَانَ على حرف وَاحِد
فأصله الْحَرَكَة فَتَقول ضربتك وَيجوز أَن تَقول قويت
الْحَرْف الْوَاحِد بالحركة وَالَّذِي يَلِي هَذَا يَا عبَادي
بِسُكُون الْيَاء وَإِنَّمَا حذفت الْحَرَكَة للتَّخْفِيف ثمَّ
يَلِي هَذَا يَا عباد بِغَيْر يَاء لِأَن الكسرة تنوب عَن
الْيَاء لِأَنَّهُ نِدَاء
{وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {وفيهَا مَا تشتهيه}
بِإِثْبَات الْهَاء بعد الْيَاء مَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ
رفع بِالِابْتِدَاءِ وتشتهي صلَة مَا وَالْهَاء عَائِدَة إِلَى
مَا وَهُوَ مفعول تشْتَهي وحجتهم قَوْله تَعَالَى {كَمَا يقوم
الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} وَلم يقل يتخبط
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْهَاء على الِاخْتِصَار
وَالْأَصْل فِي هَذَا إِثْبَات الْهَاء والحذف للتَّخْفِيف
وَهُوَ حسن كَمَا تَقول الَّذِي ضربت زيد وَكَانَ الأَصْل
الَّذِي ضَربته زيد فَإِن شِئْت أثبت الْهَاء وَهُوَ الأَصْل
لِأَن الْهَاء هُوَ اسْم الْمَفْعُول وَإِن شِئْت حذفت ذَلِك
وحجتهم قَوْله {أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا} وَلم يقل
بَعثه الله
{قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} 81
(1/654)
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قل إِن
كَانَ للرحمن ولد} بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وهما لُغَتَانِ مثل الْبُخْل
وَالْبخل والحزن والحزن كَذَا قَالَ الْفراء وَقَالَ الزّجاج
الْوَلَد وَاحِد وَالْولد بِالضَّمِّ جمع مثل أَسد واسد
{وَعِنْده علم السَّاعَة وَإِلَيْهِ ترجعون}
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِلَيْهِ
يرجعُونَ} بِالْيَاءِ وحجتهم أَنه عقيب الْخَبَر عَنْهُم فِي
قَوْله {فذرهم يخوضوا ويلعبوا} فأجروا الْكَلَام على لفظ مَا
تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِلَيْهِ ترجعون} بِالتَّاءِ على
الْخطاب وحجتهم قَوْله قبلهَا {لقد جئناكم بِالْحَقِّ}
{وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {وقيله يَا رب} بِكَسْر اللَّام على
معنى {وَعِنْده علم السَّاعَة} وَعلم قيله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب قَالَ الْأَخْفَش مَنْصُوب من
وَجْهَيْن أَحدهمَا على الْعَطف على قَوْله {أم يحسبون أَنا
لَا نسْمع سرهم} وقيله أَي ونسمع قيله وعَلى قَوْله وَقَالَ
قيله
قَالَ الزّجاج الَّذِي اخْتَارَهُ أَنا أَن يكون نصبا على معنى
{وَعِنْده علم السَّاعَة}
(1/655)
وَيعلم قيله فَيكون الْمَعْنى أَنه يعلم
الْغَيْب وَيعلم قيله
{فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ} 89
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {فَسَوف تعلمُونَ} بِالتَّاءِ على
الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن
غائبين وحجتهم قَوْله {فاصفح عَنْهُم}
44 - سُورَة الدُّخان
{رَحْمَة من رَبك إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم رب
السَّمَاوَات وَالْأَرْض} 6 و 7
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {رب السَّمَاوَات}
بالخفص على الصّفة على قَوْله رَحْمَة من رَبك رب السَّمَاوَات
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {رب} بِالرَّفْع على النَّعْت لقَوْله
{إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم رب السَّمَاوَات} وَإِن
شِئْت على الِاسْتِئْنَاف وعَلى معنى هُوَ رب السَّمَوَات
وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره الْجُمْلَة الَّتِي عَاد
الذّكر مِنْهَا إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ} ويقويه قَوْله {رب الْمشرق وَالْمغْرب لَا إِلَه إِلَّا
هُوَ}
(1/656)
{إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم
كَالْمهْلِ يغلي فِي الْبُطُون} 43 45
قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {يغلي فِي الْبُطُون} بِالْيَاءِ رد
على الْمهل وَال {طَعَام} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / تغلي /
بِالتَّاءِ رد على ال {شَجَرَة} وَمثله {أَمَنَة نعاسا يغشى
طَائِفَة} و / تغشى / فالتذكير للنعاس والتأنيث للأمنة
{ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} {إِن الْمُتَّقِينَ
فِي مقَام أَمِين} 49 و 51
قَرَأَ الْكسَائي {ذُقْ إِنَّك} بِالْفَتْح بِمَعْنى ذُقْ
لِأَنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم عِنْد نَفسك فِي دعواك
فَأَما عندنَا فلست عَزِيزًا وَلَا كَرِيمًا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّك} بِالْكَسْرِ على الِابْتِدَاء
على جِهَة الْحِكَايَة وَذَلِكَ أَن أَبَا جهل كَانَ يَقُول
مَا بالوادي أعز مني وَلَا أكْرم فَالْمَعْنى إِنَّك أَنْت
الْعَزِيز الْكَرِيم فِي زعمك وَفِيمَا تَقوله وَمثل هَذَا
قَوْله تَعَالَى {أَيْن شركائي} فَلَيْسَ لله شريك وَلَكِن على
زعمكم
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام
أَمِين} بِضَم الْمِيم أَي فِي إِقَامَة وَهِي مصدر أَقَامَ
يُقيم إِقَامَة ومقاما
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي مقَام} بِالْفَتْح أَي فِي مَكَان
ومنزل وَصفه بالأمن يُقَوي أَنه يُرَاد بِهِ الْمَكَان
(1/657)
45 - سُورَة الجاثية
{إِن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين وَفِي
خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة آيَات لقوم يوقنون وَاخْتِلَاف
اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق
فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وتصريف الرِّيَاح آيَات لقوم
يعْقلُونَ} 3 و 4 و 5
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات}
{وتصريف الرِّيَاح آيَات} بالخفض فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالرَّفْع فيهمَا قَوْله {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات} جَازَ
الرّفْع فِيهَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا الْعَطف على مَوضِع إِن
وَمَا عملت فِيهِ فَيحمل الرّفْع على الْموضع فَتَقول إِن زيدا
قَائِم وعمرا وَعَمْرو فتعطف ب عَمْرو على زيد إِذا نصبت
وَإِذا رفعت فعلى مَوضِع إِن مَعَ زيد وَالْوَجْه الآخر أَن
يكون مستأنفا على معنى وَفِي خَلقكُم آيَات وَيكون الْكَلَام
جملَة معطوفة على جملَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ {آيَات} رفع
بِالِابْتِدَاءِ وَوجه قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ فِي
قَوْله {وَمَا يبث من دَابَّة آيَات} {وتصريف الرِّيَاح آيَات}
فعلى أَنه لم يحمل على مَوضِع إِن كَمَا حمل الرّفْع فِي
الْمَوْضِعَيْنِ وَلَكِن حمل على لفظ إِن دون موضعهَا فَحمل
آيَات فِي الْمَوْضِعَيْنِ على نصب إِن فِي قَوْله {إِن فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض لآيَات للْمُؤْمِنين} وَإِنَّمَا كسرت
التَّاء لِأَنَّهَا غير أَصْلِيَّة فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ
كَيفَ جَازَ أَن يعْطف بِحرف وَاحِد على عاملين مُخْتَلفين
{إِن} فِي قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} وَالْعَامِل
الثَّانِي قَوْله
(1/658)
{وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة} ثمَّ
قَالَ {وَاخْتِلَاف اللَّيْل} فعطف بِالْوَاو على عاملين
وسيبويه لَا يُجِيزهُ قيل يجوز أَن تقدر فِي فِي قَوْله
تَعَالَى {وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} وَإِن كَانَت
محذوفة فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا لم يذكر لِأَن ذكره قد تقدم
فِي موضِعين فِي قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} {وَفِي
خَلقكُم} فَلَمَّا تقدم ذكره فِي هذَيْن لم يذكرهُ وعَلى
مَذْهَب الْأَخْفَش يجوز أَن يعْطف على عاملين كَقَوْلِه
تَعَالَى {وَاخْتِلَاف اللَّيْل} عطف على قَوْله {وَفِي
خَلقكُم} وعَلى قَوْله {إِن فِي السَّمَاوَات} قَالَ وَمثله
فِي الْكَلَام إِن فِي الدَّار زيدا والحجرة عمرا فقد عطف على
عاملين مُخْتَلفين
{تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ فَبِأَي حَدِيث
بعد الله وآياته يُؤمنُونَ} 6
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَحَفْص {وآياته
يُؤمنُونَ} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ
وَحجَّة الْيَاء قَوْله قبلهَا {لآيَات للْمُؤْمِنين} 3 و
{لقوم يعْقلُونَ} 5 قَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعَ هَذَا قد خَاطب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ {تِلْكَ آيَات الله نتلوها
عَلَيْك بِالْحَقِّ} فَكيف يجوز أَن يُقَال للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ بِأَيّ حَدِيث بعد الله وآياته تؤمنون بِالتَّاءِ أَي
تؤمن أَنْت وهم بل إِنَّمَا قَالَ {فَبِأَي حَدِيث بعد الله
وآياته} يُؤمن هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ وشاهدها قَوْله فِي
المرسلات {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ}
(1/659)
لم يخْتَلف فِيهِ أَنه بِالْيَاءِ فَهَذِهِ
مثلهَا
وَحجَّة التَّاء هِيَ أَن الْكَلَام جرى عقيب الْخطاب فِي
قَوْله {وَفِي خَلقكُم وَمَا يبث من دَابَّة} فَالْمَعْنى
فَبِأَي حَدِيث أَيهَا الْمُشْركُونَ بعد كتاب الله تؤمنون
وَيجوز أَن يكون تَمام الْخطاب عِنْد قَوْله {نتلوها عَلَيْك
بِالْحَقِّ} ثمَّ اسْتَأْنف بِالْفَاءِ على معنى قل لَهُم
فَبِأَي حَدِيث بعد ذَلِك تؤمنون
{وَالَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم}
11
{من رجز أَلِيم} قد ذكرت فِي سُورَة سبأ
{قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله
ليجزي قوما بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 14
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / لنجزي قوما /
بالنُّون على إِخْبَار الله عَن نَفسه أَي نَحن نجزي وحجتهم
قَوْله {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
{ليجزي} بِالْيَاءِ أَي ليجزي الله
(1/660)
وحجتهم أَن ذكر الله قد تقدم فِي قَوْله
{لَا يرجون أَيَّام الله} فَيكون فَاعل {يجزى}
{أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين
آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم} 21
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {سَوَاء محياهم}
بِالنّصب جَعَلُوهُ الْمَفْعُول الثَّانِي من نجعلهم الْهَاء
وَالْمِيم الْمَفْعُول وَإِن جعلت {كَالَّذِين آمنُوا}
الْمَفْعُول الثَّانِي نصبت {سَوَاء} على الْحَال وترفع
{محياهم} بِمَعْنى استوا محياهم ومماتهم وَالْمعْنَى أحسبوا
أَن نجعلهم سَوَاء محياهم ومماتهم أَي أَن يُعْطوا فِي
الْآخِرَة كَمَا أعْطوا فِي الدُّنْيَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سَوَاء} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ مُبْتَدأ
وَمَا بعده خَبرا عَنهُ قَالَ مُجَاهِد قَوْله سَوَاء محياهم
ومماتهم أَي يَمُوت الْمُؤمن على إيمَانه وَيبْعَث عَلَيْهِ
وَيَمُوت الْكَافِر على كفره وَيبْعَث عَلَيْهِ وَهَذَا
التَّفْسِير يدل على هَذِه الْقِرَاءَة
{وَجعل على بَصَره غشاوة} 23
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / غشوة / بِفَتْح الْغَيْن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غشاوة} وحجتهم قَوْله {وعَلى أَبْصَارهم
غشاوة} قَالَ الْفراء كَأَن غشاوة اسْم وغشوة شَيْء يغشي
الْبَصَر فِي مرّة وَاحِدَة وَفِي
(1/661)
وقْعَة وَاحِدَة مثل الرَّمية والوقعة
{وَإِذا قيل إِن وعد الله حق والساعة لَا ريب فِيهَا}
قَرَأَ حَمْزَة {والساعة لَا ريب فِيهَا} بِالنّصب وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالرَّفْع ورفعها من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن
تعطفه من الأول فتعطف جملَة على جملَة على معنى وَقيل
السَّاعَة لَا ريب فِيهِ وَالْوَجْه الآخر أَن يكون
الْمَعْطُوف مَحْمُولا على مَوضِع {إِن} وَمَا عملت فِيهِ
وموضعها رفع وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِن
الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة
لِلْمُتقين} وَمن نصب حمله على لفظ الْوَعْد الْمَعْنى وَإِذا
قيل إِن وعد الله حق وَإِن السَّاعَة مثل إِن زيدا منطلق وعمرا
قَائِم
{فاليوم لَا يخرجُون مِنْهَا وَلَا هم يستعتبون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فاليوم لَا يخرجُون مِنْهَا}
بِالْفَتْح جعلا الْفِعْل لَهُم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَا
يخرجُون} بِالرَّفْع وحجتهم قَوْله {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا}
وَيُقَوِّي الرّفْع قَوْله {وَلَا هم يستعتبون} فَكَذَلِك مَا
تقدم هَذَا ليَكُون الْكَلَام على نظم وَاحِد
46 - سُورَة الْأَحْقَاف
{وَهَذَا كتاب مُصدق لِسَانا عَرَبيا لينذر الَّذين ظلمُوا} 1
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / لتنذر الَّذين ظلمُوا /
بِالتَّاءِ أَي لتنذر
(1/662)
أَنْت يَا مُحَمَّد وحجتهما قَوْله {وأنذر
النَّاس} وَقَالَ إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَقَالَ {قل إِنَّمَا
أنذركم بِالْوَحْي} فَجعل الْفِعْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَآله فَكَذَلِك فِي قَوْله {لتنذر}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لينذر} بِالْيَاءِ الْمَعْنى لينذر
الْقُرْآن أَو لينذر الله وحجتهم قَوْله {لينذر بَأْسا
شَدِيدا}
{وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ إحسانا حَملته أمه كرها
وَوَضَعته كرها} 15
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَوَصينَا الْإِنْسَان
بِوَالِديهِ إحسانا} بِالْألف مصدرا من أحسن يحسن إحسانا لِأَن
معنى وصينا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ أَي أمرناه بِأَن يحسن
إِلَيْهِمَا إحسانا أَي ليَأْتِي الْإِحْسَان إِلَيْهِمَا دون
الْإِسَاءَة وحجتهم إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {وبالوالدين
إحسانا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {حسنا} مصدر من حسن يحسن حسنا وحجتهم
قَوْله فِي سُورَة العنكبوت {وَوَصينَا الْإِنْسَان
بِوَالِديهِ حسنا} قَالُوا فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وابو عَمْرو {حَملته أمه كرها
وَوَضَعته كرها} بِفَتْح الْكَاف فيهمَا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالرَّفْع فيهمَا
(1/663)
قَالَ الزّجاج الكره بِالرَّفْع
الْمَشَقَّة تَقول فعلت ذَلِك على كره أَي مشقة والكره من
الْإِكْرَاه وَهُوَ مَا أكرهت عَلَيْهِ صَاحبك فالكره فعل
الْإِنْسَان والكره مَا أكره عَلَيْهِ صَاحبه وَقَالَ قوم هما
لُغَتَانِ مثل الْقرح والقرح وَقَالَ قوم الكره الْمصدر تَقول
كره زيد كرها والكره الِاسْم
{أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز
عَن سيئاتهم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ يوحفص {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل
عَنْهُم} بالنُّون {أحسن مَا عمِلُوا} بِالنّصب {ونتجاوز}
بالنُّون أَي نَحن نتقبل عَنْهُم ونتجاوز وحجتهم أَن الْكَلَام
أَتَى عقيب قَوْله وَوَصينَا الْإِنْسَان فَأجرى مَا بعده
لَفظه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام
وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / يتَقَبَّل عَنْهُم / بِالْيَاءِ {أحسن}
رفع على مَا لم يسم فَاعله ويتجاوز بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله
{فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض} و {لن تقبل تَوْبَتهمْ} و
{مَا تقبل مِنْهُم} فَأجرى هَذَا مجْرى نَظَائِره ليأتلف
الْكَلَام على نظم وَاحِد
{وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وليوفيهم أَعْمَالهم وهم لَا
يظْلمُونَ} 19
(1/664)
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم
{وليوفيهم أَعْمَالهم} بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بالنُّون
حجَّة من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ رد الْفِعْل إِلَى الله
تَعَالَى فِي قَوْله {يتَقَبَّل} ويتجاوز بِمَعْنى يتَقَبَّل
الله ويتجاوز وليوفيهم الله إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف
الْكَلَام وَمن قَرَأَ بالنُّون قَالَ لِأَنَّهُ أَتَى عقيب
قَوْله {نتقبل} {ونتجاوز} فَكَذَلِك ولنوفيهم إِذْ كَانَ فِي
سِيَاقه وَمن جمع بَين الْيَاء وَالنُّون فحجته قَوْله {فَتقبل
من أَحدهمَا وَلم يتَقَبَّل من الآخر} على مَا لم يسم فَاعله
ثمَّ قَالَ إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ
{وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار أَذهَبْتُم
طَيِّبَاتكُمْ} 20
قَرَأَ ابْن كثير آذهبتم بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة
وَقَرَأَ ابْن عَامر / أأذهبتم / بهمزتين الأولى ألف التوبيخ
بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالثَّانيَِة ألف قطع وَالْمعْنَى
وَالله أعلم أأذهبتم طَيِّبَاتكُمْ وتلتمسون الْفرج هَذَا غير
كَائِن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أَذهَبْتُم} على لفظ الْخَبَر الْمَعْنى
وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار يُقَال لَهُم
أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ
(1/665)
{فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} 25
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم}
مَضْمُومَة الْيَاء وَالنُّون على مَا لم يسم فَاعله الْمَعْنى
لَا يرى إِلَى مساكنهم لأَنهم قد أهلكوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / لَا ترى إِلَى مساكنهم / على خطاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أَي لَا ترى شَيْئا إِلَى مساكنهم
47 - سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل أَعْمَالهم
سيهديهم وَيصْلح بالهم} 4 و 5
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَفْص {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل
الله} بِضَم الْقَاف على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما أَن هَذِه
الْآيَة مَخْصُوص بهَا الشُّهَدَاء المقتولون فِي سَبِيل الله
الَّذين قَالَ الله جلّ وَعز فِيهِ {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا
فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} وَقَوله {سيهديهم} إِلَى طَرِيق
الْجنَّة وَيصْلح شَأْنهمْ فِي الْآخِرَة ويدخلهم الْجنَّة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ قَاتلُوا وحجتهم أَن قَاتلُوا أَعم
ثَوابًا وأبلغ للممدوح فِي الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله
لِأَنَّهُ إِذا فعل ذَلِك بالمقاتل فِي سَبيله وَإِن لم يقتل
وَلم يقتل كَانَ أَعم من أَن يكون ذَلِك الْوَعْد مِنْهُ لم
فتل دون من قَاتل
وَحجَّة أُخْرَى أَن الله جلّ وَعز أخبر أَنه {سيهديهم وَيصْلح
بالهم}
(1/666)
بَعْدَمَا أخبرنَا عَنْهُم بِالْقِتَالِ
فِي سَبيله فَلَو كَانَ المُرَاد من الْكَلَام الْقَتْل لم يكن
فِي ظَاهر قَوْله {سيهديهم وَيصْلح بالهم} كَبِير معنى
لِأَنَّهُ قتلوا بل إِنَّمَا يدل الظَّاهِر على أَنه وعدهم
الْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال جَزَاء لَهُم فِي الدُّنْيَا على
قِتَالهمْ أعداءه وَأَن يدخلهم فِي الْآخِرَة وَالْجنَّة
وَهَذَا أوضح الْوَجْهَيْنِ
{مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير
آسن} 15
قَرَأَ ابْن كثير {من مَاء غير آسن} مَقْصُورا على وزن فعل
قَالَ أَبُو زيد تَقول أسن المَاء يأسن أسنا فَهُوَ أسن
كَقَوْلِك هرم الرجل فَهُوَ هرم وعرج فَهُوَ عرج وَمرض يمرض
فَهُوَ مرض وَكَذَلِكَ أسن فَهُوَ أسن إِذا تَغَيَّرت
رَائِحَته فَأعْلم الله أَن أَنهَار الْجنَّة لَا تَتَغَيَّر
رَائِحَة مَائِهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من مَاء غير آسن} بِالْمدِّ على فَاعل
فالهمزة الأولى فَاء الْفِعْل وَالْألف بعْدهَا مزيدة فالمد من
اجل ذَلِك تَقول أسن المَاء يأسن فَهُوَ آسن مثل أجن المَاء
يأجن ويأجن إِذا تغير وَهُوَ آجن وَذهب فَهُوَ ذَاهِب وَضرب
فَهُوَ ضَارب قَالَ الْأَخْفَش أسن لُغَة وَفعل إِنَّمَا هُوَ
للْحَال الَّتِي تكون عَلَيْهَا فَأَما من قَالَ {غير آسن} على
فَاعل فَإِنَّمَا يُرِيد ذَلِك لَا يصير إِلَيْهِ فِيمَا
يسْتَقْبل
{الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم وأملى لَهُم} 25
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وأملي لَهُم} بِضَم الْألف وَكسر اللَّام
وَفتح الْيَاء
(1/667)
على مَا لم يسم فَاعله قَالَ أَبُو عَمْرو
إِن الشَّيْطَان لَا يملي لأحد وحجته قَوْله {وَلَا يَحسبن
الَّذين كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا
نملي لَهُم} فَكَأَن أَبَا عَمْرو لما كَانَ الْقَارئ إِذا
قَرَأَ {وأملي} بِالْفَتْح جَازَ أَن يَقع فِي الْوَهم أَن
الْإِمْلَاء مُسْند إِلَى الشَّيْطَان لِأَن ذكره قد تقدم
الْفِعْل وَلم يجر لله قبل الْفِعْل ذكر فَقَرَأَ {وأملي}
ليزيل التَّوَهُّم إِن الْإِمْلَاء إِلَى الله لَا إِلَى
الشَّيْطَان كَمَا قَالَ جلّ وَعز {فأمليت للْكَافِرِينَ} وأصل
الْإِمْلَاء الإطالة فِي الْعُمر يُقَال تملى فَلَا منزله إِذا
طَالَتْ إِقَامَته فِيهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / أمْلى لَهُم / بِفَتْح الْألف أَي زين
لَهُم الشَّيْطَان كَذَا قَالَ النَّخعِيّ وَقَالَ آخَرُونَ
أمْلى الله لَهُم فالفعل مُسْند إِلَى إِلَيْهِ وَإِن لم يجر
لَهُ ذكر وحجتهم فِي هَذَا قَوْله {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله
وتعزروه وتوقروه وتسبحوه}
(1/668)
هَذِه الْهَاء أَعنِي {تسبحوه} عَائِدَة
على الله وَقَوله {وتعزروه وتوقروه} عَائِدَة على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ فَكَذَلِك قَوْله {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُم
وأملى لَهُم} التسويل رَاجع إِلَى الشَّيْطَان والإملاء إِلَى
الله
{وَالله يعلم إسرارهم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَالله يعلم إسرارهم}
بِكَسْر الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إسرارهم} بِالْفَتْح جمع
سر وأسرار مثل حمل وأحمال فكأنهم جمعُوا للِاخْتِلَاف فِي ضروب
السِّرّ وَجَمِيع الْأَجْنَاس يحسن جمعهَا مَعَ الِاخْتِلَاف
وَجَاء سر فِي قَوْله {يعلم سرهم} على مَا عَلَيْهِ جَمِيع
المصادر فأفرد مرّة وَجمع أُخْرَى وَقد جمع فِي غير هَذَا
وأفرد كَقَوْلِه {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة}
فالغيب الَّذِي يُؤمنُونَ بِهِ ضروب الْبَعْث والنشور وإتيان
السَّاعَة فأوقع على هَذِه الْأَشْيَاء وَغَيرهَا وَجمع أَيْضا
فِي قَوْله {علام الغيوب} فَكَذَلِك السِّرّ أفرد فِي مَوضِع
وَجمع فِي آخر وَقد قيل إِنَّه جمع فَأخْرج الْأَسْرَار بعددهم
كَمَا قَالَ بعْدهَا {وَالله يعلم أَعمالكُم} فَجمع
الْأَعْمَال لِإِضَافَتِهِ إِيَّاهَا إِلَى جمع وَمن قَرَأَ
{إسرارهم} فَهُوَ مصدر أسررت إسرارا وحجتهم قَوْله {ألم
يعلمُوا أَن الله يعلم سرهم} فَكَمَا أفرد السِّرّ وَلم يجمع
فَكَذَلِك قَالَ {إسرارهم}
{ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ
ونبلو أخباركم} 31
(1/669)
قَرَأَ أَبُو بكر / وليبلونكم حَتَّى يعلم الْمُجَاهدين ويبلو
أخباركم / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله أَي ليَبْلُوكُمْ
الله
وحجته مَا تقدم من ذكر الله وَهُوَ قَوْله {وَالله يعلم
أَعمالكُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ولنبلونكم حَتَّى نعلم}
ونبلو كُله بالنُّون الله يخبر عَن نَفسه وحجتهم أَن قبله
{وَلَو نشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ} فَأخْبر عَن نَفسه بِلَفْظ
الْجمع
{فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم}
قَرَأَ أَبُو بكر وَحَمْزَة {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} بِكَسْر
السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح
السّلم بِالْكَسْرِ الْإِسْلَام كَقَوْلِه {وَإِن جنحوا للسلم}
أَي الْإِسْلَام وبالفتح الصُّلْح كَذَا قَالَ أَبُو عَمْرو
وَقَالَ آخَرُونَ هما لُغَتَانِ الْفَتْح وَالْكَسْر |