حجة القراءات

37 - سُورَة الصافات
{إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب}
قَرَأَ حَمْزَة وَحَفْص {بزينة} منون {الْكَوَاكِب} جر جعلا الْكَوَاكِب هِيَ الزِّينَة وَهِي بدل مِنْهَا لِأَنَّهَا هِيَ هِيَ كَمَا تَقول مَرَرْت بِأبي عبد الله زيد الْمَعْنى أَنا زينا السَّمَاء بالكواكب وَبدل الْمعرفَة من النكرَة جيد وَنَظِير هَذَا فِي الْقُرْآن {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} فأبدل الْمعرفَة من النكرَة
وَقَرَأَ أَبُو بكر عَن عَاصِم {بزينة} بِالتَّنْوِينِ {الْكَوَاكِب} نصب مفعول بهَا أعمل {الزِّينَة} فِي {الْكَوَاكِب} الْمَعْنى أَنا زينا الْكَوَاكِب فِيهَا كَقَوْلِك عجبت لعَمْرو من ضرب زيد أَي من أَن يضْرب زيدا فَهَذَا مجْرى المصادر كَمَا قَالَ {أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة يَتِيما} وَمثله {مَا لَا يملك لَهُم رزقا من السَّمَاوَات} تَقْدِيره مَا لَا يملك أَن يرْزق شَيْئا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بزينة الْكَوَاكِب} مُضَافا أضافوا الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول بِهِ كَقَوْلِه {من دُعَاء الْخَيْر} و {بسؤال نعجتك} الْمَعْنى بِأَن زينا الْكَوَاكِب

(1/604)


{وحفظا من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى ويقذفون من كل جَانب} 7 و 8
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {لَا يسمعُونَ} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {لَا يسمعُونَ} وَقَالَ هم يسمعُونَ وَلَكِن لَا يسمعُونَ وَالدَّلِيل على صِحَة قَول ابْن عَبَّاس أَنهم يسمعُونَ وَلَكِن لَا يسمعُونَ قَوْله {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا} وَقَوله بعْدهَا {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} فَعلم بذلك انهم يقصدون للاستماع وَمن حجتهم أَيْضا إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} وَهُوَ مصدر سمع والقصة وَاحِدَة وَتَأْويل الْكَلَام وحفظا من كل شَيْطَان مارد لِئَلَّا يسمعوا بِمَعْنى أَنهم ممنوعون بِالْحِفْظِ عَن السّمع فكفت لَا من أَن كَمَا قَالَ {كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ} بِمَعْنى لِئَلَّا يُؤمنُوا بِهِ فكفت لَا من أَن كَمَا كفت أَن من لَا فِي قَوْله تَعَالَى {يبين الله لكم أَن تضلوا} فَإِن قَالَ قَائِل فَلَو كَانَ هَذَا هُوَ الْوَجْه لم يكن فِي الْكَلَام إِلَى ولكان الْوَجْه أَن يُقَال لَا يسمعُونَ الْمَلأ الْأَعْلَى قلت الْعَرَب تَقول سَمِعت زيدا وَسمعت إِلَى زيد فَكَذَلِك قَوْله {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} وَقد قَالَ جلّ وَعز {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَقَالَ {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} فيعدي الْفِعْل مرّة ب إِلَى وَمرَّة بِاللَّامِ

(1/605)


كَقَوْلِه {وهداه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} و {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} وَقَالَ {بِأَن رَبك أوحى لَهَا}
وَمن قَرَأَ {يسمعُونَ} الأَصْل يتسمعون فأدغم التَّاء فِي السِّين لقرب المخرجين وحجتهم فِي أَنهم منعُوا من التسمع الْأَخْبَار الَّتِي وَردت عَن أهل التَّأْوِيل بِأَنَّهُم كَانُوا يتسمعون الْوَحْي فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ رموا بِالشُّهُبِ وَمنعُوا فَإِذا كَانُوا عَن التسمع ممنوعين كَانُوا عَن السّمع أَشد منعا وَأبْعد مِنْهُ لِأَن المتسمع يجوز أَن يكون غير سامع وَالسَّامِع قد حصل لَهُ الْفِعْل قَالُوا فَكَانَ هَذَا الْوَجْه أبلغ فِي زجرهم لِأَن الْإِنْسَان قد يتسمع وَلَا يسمع فَإِذا نفي التسمع عَنهُ فقد نفى سمعهم من جِهَة التسمع وَمن جِهَة غَيره فَهُوَ أبلغ
{بل عجبت ويسخرون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {بل عجبت ويسخرون} بِضَم التَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح التَّاء أَي بل عجبت يَا مُحَمَّد من نزُول الْوَحْي عَلَيْك ويسخرون وَيجوز أَن يكون بل عجبت من إنكارهم الْبَعْث وحجتهم قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} أَي إِن تعجب يَا مُحَمَّد من قَوْلهم فَعجب قَوْلهم عِنْد من سَمعه وَلم يرد فَإِنَّهُ عجب عِنْدِي

(1/606)


قَالَ أَبُو عبيد قَوْله {بل عجبت} بِالنّصب بل عجبت يَا مُحَمَّد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون مِنْك وَمن قَرَأَ {عجبت} فَهُوَ إِخْبَار عَن الله جلّ وَعز وحجتهم مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث
إِن الله قد عجب من فَتى لَا صبوة لَهُ وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
عجب ربكُم من إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ وَسُرْعَة إجَابَته إيَّاكُمْ
قَالَ أَبُو عبيد وَالشَّاهِد لَهَا مَعَ هَذِه الْأَخْبَار قَوْله تَعَالَى {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} فَأخْبر جلّ جَلَاله أَنه عَجِيب وَمِمَّا يزِيدهُ تَصْدِيقًا الحَدِيث الْمَرْفُوع عجب الله البارحة من فلَان وفلانة قَالَ الزّجاج وَقد أنكر قوم هَذِه الْقِرَاءَة وَقَالُوا إِن الله جلّ وَعز لَا يعجب وإنكار هَذَا غلط لِأَن الْقِرَاءَة وَالرِّوَايَة كَثِيرَة فالعجب من الله خلاف الْعجب من الْآدَمِيّين هَذَا كَمَا قَالَ جلّ وَعز {ويمكر الله} وَمثل قَوْله {سخر الله مِنْهُم} و {وَهُوَ خادعهم} فالمكر

(1/607)


من الله وَالْخداع خِلَافه من الْآدَمِيّين وأصل الْعجب فِي اللُّغَة أَن الْإِنْسَان إِذا رأى مَا يُنكره ويقل مثله قَالَ قد عجبت من كَذَا وَكَذَا فَكَذَلِك إِذا فعل الآدميون مَا يُنكره الله جَازَ أَن يَقُول فِيهِ عجبت وَالله قد علم الشَّيْء قبل كَونه وَلَكِن الْإِنْكَار إِنَّمَا يَقع وَالْعجب الَّذِي تلْزم بِهِ الْحجَّة عِنْد وُقُوع الشَّيْء

{أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ} 17
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أوآباؤنا الْأَولونَ / بِإِسْكَان الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْوَاو وَهِي وَاو نسق دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام كَمَا يُقَال فلَان ينظر فِي النَّحْو فَتَقول أَو هُوَ مِمَّن ينظر فِي النَّحْو مَعْنَاهُ كنظره فِي غَيره وَمن سكن الْوَاو فَكَأَنَّهُ شكّ مِنْهُ فَيَقُولُونَ أَنَحْنُ نبعث أوآباؤنا الْأَولونَ وهم منكرون للبعث أَي لَا نبعث نَحن وَلَا آبَاؤُنَا

{لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} بِكَسْر الزَّاي من أنزف ينزف إِذا سكر وَيجوز أَن يكون من أنزف إِذا أنفد شرابه فَقَوله {ينزفون} أَي لَا يسكرون من شربهَا وَيجوز أَن يُرَاد لَا ينْفد شرابهم كَمَا ينْفد شراب أهل الدُّنْيَا وَإِذا كَانَ معنى {لَا فِيهَا غول} لَا تغتال عُقُولهمْ حمل قَوْله لَا {ينزفون} على لَا ينْفد شرابهم لِأَنَّك إِن حَملته على أَنهم لَا يسكرون صرت كَأَنَّك كررت يسكرون مرَّتَيْنِ وَإِن حملت {لَا فِيهَا غول} على لَا تغتال صحتهم وَلَا

(1/608)


تصيبهم عَنْهَا الْعِلَل الَّتِي تحدث من شربه فِي الدُّنْيَا حملت {ينزفون} على أَنهم لَا يسكرون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ينزفون} بِفَتْح الزَّاي أَي لَا تذْهب عُقُولهمْ لشربها يُقَال نزف الرجل إِذا ذهب عقله وَيُقَال للسكران نزيف

{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون}
قَرَأَ حَمْزَة {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} بِضَم الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يزفون} بِفَتْح الْيَاء من زففت وَهُوَ الِاخْتِيَار وَالْعرب تَقول زف يزف زفيفا إِذا أسْرع وَيُقَال زفت الْإِبِل تزف إِذا أسرعت وَأما حَمْزَة فَإِنَّهُ جعله لغتين زف وأزف وَيجوز أَن يكون زف الرجل بِنَفسِهِ وأزف غَيره فَيكون الْمَعْنى فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون أنفسهم وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى يحملون غَيرهم على الزفيف

{فَانْظُر مَاذَا ترى}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فَانْظُر مَاذَا ترى} بِضَم التَّاء وَكسر الرَّاء أَي مَا تُشِير كَذَا قَالَ الزّجاج
قَالَ الْفراء مَعْنَاهُ مَا تريني من صبرك وَالْأَصْل ترئي فنقلنا كسرة الْهمزَة إِلَى الرَّاء فَصَارَ تري
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {مَاذَا ترى} أَي مَا الَّذِي عنْدك من الرَّأْي فِيمَا أَخْبَرتك بِهِ

{وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين}
قَرَأَ ابْن عَامر {وَإِن إلْيَاس} بِغَيْر همز قَالَ الْفراء من قَرَأَ

(1/609)


{وَإِن إلْيَاس} بوصل الْألف جعل اسْمه ياسا ثمَّ أَدخل عله الْألف وَاللَّام للتعريف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَإِن إلْيَاس} بِالْهَمْز جعلُوا أول الِاسْم على هَذِه الْقِرَاءَة الْألف كَأَنَّهُ من نفس الْكَلِمَة تَقول {إلْيَاس} كَمَا تَقول إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم وحجته قَوْله بعْدهَا {سَلام على إل ياسين}

{أَتَدعُونَ بعلا وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ الله ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين} 125 و 126
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {الله ربكُم وَرب آبائكم} بِفَتْح الْهَاء وَالْبَاء على الْبَدَل الْمَعْنى وتذرون الله ربكُم و {ربكُم} صفة لله و {الله} نصب على الْبَدَل
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {الله ربكُم وَرب} بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَحسن الِابْتِدَاء بِهِ لتَمام الْكَلَام الأول

{سَلام على إل ياسين} 130
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {سَلام على إل ياسين} بِفَتْح الْألف وَكسر اللَّام قَالَ ابْن عَبَّاس {سَلام على إل ياسين} أَي على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَآله كَمَا قيل فِي ياسين يَا مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ كل من آل إِلَيْهِ بِحَسب أَو بِقرَابَة وَقَالَ قوم آل مُحَمَّد

(1/610)


كل من كَانَ على دينه وَمثله كَمَا قَالَ {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} يُرِيد من كَانَ على دينه وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
آل مُحَمَّد كل تَقِيّ وَأجْمع النحويون على أَن الْآل اصله أهل فقلبوا الْهَاء همزَة وجعلوها مُدَّة لِئَلَّا تَجْتَمِع همزتان
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / سَلام على إلياسين / بِكَسْر الْألف سَاكِنة اللَّام قَالَ الْفراء إِن شِئْت ذهبت ب إلياسين إِلَى أَن تَجْعَلهُ جمعا فتجعل أَصْحَابه داخلين فِي اسْمه كَمَا تَقول لقوم رئيسهم الْمُهلب جاءتكم المهالبة والمهلبون تُرِيدُ الْمُهلب وَمن مَعَه كَمَا تَقول رَأَيْت المحمدين تُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الشَّاعِر ... قدني من نصر الخبيبين قدي ...

هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَب أَرَادَ أَبَا خبيب وَهُوَ ابْن الزبير وَمن تَابعه فَجمع على ذَلِك وفيهَا وَجه آخر يكون لغتين إلْيَاس وإلياسين كَمَا قَالُوا ميكال وَمِيكَائِيل وَجِبْرِيل وجبرئيل وَحجَّة هَذِه الْقِرَاءَة أَنه ذكره فِي صدر لآيَة فَقَالَ فِي آخر الْآيَة {سَلام على إل ياسين} كَمَا ذكر نوحًا فِي صدر الْآيَة ثمَّ قَالَ فِي آخر الْقِصَّة {سَلام على نوح} وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَهَارُون إِنَّمَا قَالَ فِي آخر قصصهم سَلام على فلَان

(1/611)


{ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ} 152 و 153
قَرَأَ إِسْمَاعِيل {لَكَاذِبُونَ أصطفى الْبَنَات} بوصل الْألف على أَن يكون حِكَايَة عَن قَوْلهم ليقولون اصْطفى وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى {وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} قَالُوا اصْطفى الْبَنَات فَحذف قَالُوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {اصْطفى} بِفَتْح الْألف وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَن الْمَعْنى سلهم هَل اصْطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ فالألف ألف اسْتِفْهَام وَمَعْنَاهَا التوبيخ دخلت على ألف وصل وَالْأَصْل أاصطفى فَسَقَطت ألف الْوَصْل
38 - سُورَة ص
{أأنزل عَلَيْهِ الذّكر من بَيْننَا} 8
قَرَأَ الْحلْوانِي عَن نَافِع وَابْن اليزيدي / آنزل عَلَيْهِ الذّكر / بِهَمْزَة وَاحِدَة مُطَوَّلَة
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {أنزل} بِهَمْزَة وَاحِدَة من غير مد

(1/612)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بهمزتين وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الْبَقَرَة

{وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا من فوَاق} 15
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {مَا لَهَا من فوَاق} بِضَم الْفَاء أَي من رُجُوع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح أَي من رَاحَة وَقَالَ الْفراء هما لُغَتَانِ

{وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار} 45
قَرَأَ ابْن كثير / وَاذْكُر عَبدنَا إِبْرَاهِيم / وَاحِدًا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عبادنَا} جمَاعَة وحجتهم أَنه ذكر أَسْمَاءَهُم فَقَالَ {إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} وهم بدل من قَوْله {عبادنَا} وَذَلِكَ أَنه أجملهم ثمَّ بَين أَسْمَاءَهُم كَقَوْلِك رايت أَصْحَابك ثمَّ تَقول زيدا وعمرا وَوجه إِفْرَاد {عَبدنَا} أَنه اختصه بِالْإِضَافَة على التكرمة لَهُ والاختصاص بالمنزلة الرفيعة كَمَا قيل فِي مَكَّة بَيت الله وكما اخْتصَّ بالخلة فِي قَوْله {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا}

{إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} 46
قَرَأَ نَافِع {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} مُضَافا وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بخالصة} بِالتَّنْوِينِ
من نون جعل {ذكرى الدَّار} بَدَلا من {خَالِصَة} بدل الْمعرفَة

(1/613)


من النكرَة وَيكون الْمَعْنى إِنَّا أخلصناهم بذكرى الدَّار فموضع {ذكرى} جر وَيجوز أَن يكون نصبا بإضمار أَعنِي وَيجوز أَن يكون رفعا بإضمار هِيَ ذكرى كَمَا قَالَ تَعَالَى قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار أَي هِيَ النَّار وَمن لم ينون جعل {خَالِصَة} مُضَافَة إِلَى ذكرى كَقَوْلِك اختصصت زيدا بخالصة خير فَأَرَادَ بخالصة ذكر لَا يشوبها شَيْء من رِيَاء وَلَا غَيره

{هَذَا مَا توعدون ليَوْم الْحساب}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / هَذَا مَا يوعدون / بِالْيَاءِ وحجتهما أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر عَن الْمُتَّقِينَ فأتبع ذَلِك فَقَالَ {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف أتراب} 50 و 52 فَجرى الْكَلَام بعد ذَلِك بالْخبر عَنْهُم إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {هَذَا مَا توعدون} بِالتَّاءِ وحجتهما أَن الْخَبَر عَنْهُم قد تناهى عِنْد قَوْله {أتراب} ثمَّ ابتدئ الْكَلَام بعد ذَلِك بالْخبر عَن حِكَايَة مَا خوطبوا بِهِ نَظِير قَوْله {يُطَاف عَلَيْهِم بصحاف من ذهب وأكواب وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} ثمَّ تناهى الْخَبَر عَنْهُم ثمَّ جَاءَ الْكَلَام بعده على حِكَايَة مَا خوطبوا بِهِ فَقَالَ {وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ} أَي وَقيل لَهُم

{هَذَا فليذوقوه حميم وغساق وَآخر من شكله أَزوَاج} 57 و 58

(1/614)


قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وغساق} بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ فِي {عَم يتساءلون} أَي سيال وَهُوَ فعال من غسق يغسق أَي مَا يسيل من جُلُود أهل النَّار
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وغساق} بِالتَّخْفِيفِ وحجتهم أَنه اسْم مَوْضُوع على هَذَا الْوَزْن مثل عَذَاب وشراب ونكال وَفِي التَّفْسِير أَنه الشَّديد الْبرد
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَآخر من شكله أَزوَاج} بِضَم الْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وغساق وَآخر} وَاحِد
من أفرد فَإِنَّهُ عطف على قَوْله {حميم وغساق} و {أخر} أَي وَعَذَاب آخر من شكله أَي مثل ذَلِك وحجته مَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله {وَآخر من شكله} الزَّمْهَرِير فتفسيره حجَّة لمن قَرَأَ {وَأخر} بِالتَّوْحِيدِ لِأَن الزَّمْهَرِير وَاحِد فَإِن قيل لم جَازَ أَن ينعَت الآخر وَهُوَ وَاحِد فِي اللَّفْظ ب {أَزوَاج} وَهِي جمع قيل إِن الْأزْوَاج نعت للحميم والغساق وَالْآخر فَهِيَ ثَلَاثَة وَحجَّة من قَرَأَ {أخر} على الْجمع أَن الْأُخَر قد نعتت بِالْجمعِ فَدلَّ على أَن المنعوت جمع مثله قَالَ سُفْيَان لَو كَانَت و {أخر} لم يقل أَزوَاج وَقَالَ زوج وَقَالَ الزّجاج من قَرَأَ {وَأخر} فَالْمَعْنى وأقوام أخر لِأَن قَوْله {أَزوَاج} مَعْنَاهُ أَنْوَاع

{وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار}

(1/615)


62 - و 63
قَرَأَ أبوعمرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {من الأشرار أتخذناهم} مَوْصُولَة قَالَ نحويو الْبَصْرَة وَالْجُمْلَة المعادلة ل أم محذوفة الْمَعْنى أتفقدونهم أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار وَكَذَلِكَ قَوْله {أم كَانَ من الغائبين} لِأَن الْمَعْنى مَالِي لَا أرى الهدهد أَي أخبروني عَن الهدهد أحاضر هُوَ أم كَانَ من الغائبين وَقَالَ أَبُو عبيد بِهَذِهِ الْقِرَاءَة نقُول من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الِاسْتِفْهَام مُتَقَدم فِي قَوْله مَا لنا لَا نرى رجَالًا وَالْوَجْه الآخر أَن الْمُشْركين لم يشكوا أَنهم اتَّخذُوا الْمُسلمين فِي الدُّنْيَا سحريا فَكيف يستفهمون عَن شَيْء علموه وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَن يَجْعَل قَوْله {أتخذناهم سخريا} من نعت الرِّجَال كَأَنَّهُ قَالَ مَا لنا لَا نرى رجَالًا اتخذناهم سخريا ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ {أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} أَي بل زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار
وَقَالَ السّديّ إِن أهل النَّار أَبَا جهل وكفار قُرَيْش ذكرُوا ضعفاء الْمُسلمين عمار بن يَاسر وخبابا وبلالا وصهيبا الَّذين كَانُوا يستهزئون

(1/616)


بهم فِي الدُّنْيَا فَقَالُوا {مَا لنا لَا نرى رجَالًا} أَي مَا لنا لَا نراهم فِي النَّار وَكُنَّا نعدهم من الأشرار فِي الدُّنْيَا فَنَقُول لَهُم كُنْتُم خالفتمونا فِي الدُّنْيَا فَمَا نَرَاكُمْ إِلَّا مَعنا فِي النَّار أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار إِلَى غَيرهم
وَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالشَّام وَعَاصِم {أتخذناهم} بِفَتْح الْألف وَهِي ألف اسْتِفْهَام دخلت على ألف الْوَصْل وَسَقَطت ألف الْوَصْل فَصَارَ {أتخذناهم} أَلا ترى أَنه قَالَ {أم زاغت} فعودلت ب {أم} لِأَنَّهَا على لفظ الِاسْتِفْهَام وَإِن لم يكن استفهاما فِي الْمَعْنى قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد فِي هَذِه الْقِرَاءَة بعض الْبعد لأَنهم علمُوا أَنهم اتخذوهم سخريا فَكيف يستفهمون عَن اتخاذهم سخريا وهم قد علمُوا ذَلِك يدل على علمه بِهِ أَنه قد أخبر عَنْهُم بذلك فِي قَوْله {فاتخذتموهم سخريا حَتَّى أنسوكم ذكري} وَلَكِن نقُول إِنَّمَا الِاسْتِفْهَام على معنى التَّقْرِير كَأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا

(1/617)


وَقَالَ الْفراء هُوَ من الِاسْتِفْهَام الَّذِي مَعْنَاهُ التوبيخ وَالْإِنْكَار على أنفسهم كَمَا يَقُول الْقَائِل وَقد ضرب وَلَده ثمَّ نَدم مَاذَا فعلت أضربت ابْني وَهُوَ غير شَاك أَنه قد ضربه وجتهم أَن مُجَاهدًا قَرَأَ بالاستفهام وَقَالَ {أتخذناهم سخريا} وَلَيْسوا كَذَلِك أم هم فِي النَّار وَلَا نراهم
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {سخريا} بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ وَقد ذكرنَا فِي {قد أَفْلح}

{قَالَ فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم أَجْمَعِينَ} 84 و 85
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {قَالَ فَالْحق} بِالضَّمِّ {وَالْحق} بِالنّصب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب فيهمَا
من نصب {الْحق} الأول كَانَ مَنْصُوبًا بِفعل مُضْمر وَذَلِكَ الْفِعْل هُوَ مَا ظهر فِي نَحْو قَوْله {ويحق الله الْحق} وَقَوله {ليحق الْحق} وَهَذَا هُوَ الْوَجْه وَيجوز أَن تنصب على التَّشْبِيه بالقسم فَيكون الناصب ل {الْحق} مَا ينصب الْقسم فِي نَحْو الله لَأَفْعَلَنَّ فَيكون التَّقْدِير وَالْحق لأملأن فَإِن قلت فقد اعْترض بَين الْقسم وَجَوَابه قَوْله {وَالْحق} أَقُول فَإِن اعْتِرَاض هَذِه الْجُمْلَة لَا يمْنَع أَن يفصل بَين الْقسم والمقسم عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك مِمَّا يُؤَكد الْقِصَّة وَقد يجوز أَن يكون {الْحق} الثَّانِي الأول وَكرر على وَجه التوكيد

(1/618)


وَمن رفع كَانَ {الْحق} مُحْتملا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا يكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا الْحق وَالْحق أَقُول وَيدل على ذَلِك قَوْله جلّ وَعز {ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق} فَكَمَا جَازَ وَصفه سُبْحَانَهُ بِالْحَقِّ كَذَلِك يجوز أَن يكون خَبرا فِي قَوْله أَنا الْحق وَالْوَجْه الثَّانِي أَن يكون {الْحق} مُبْتَدأ وَخَبره محذوفا وَتَقْدِيره فَالْحق مني كَمَا قَالَ {الْحق من رَبك}
39 - سُورَة الزمر
{وَإِن تشكروا يرضه لكم} 7
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ / يرضهولكم / مَوْصُولَة بواو لِأَن مَا قبل الْهَاء متحرك فَصَارَ للحركة بِمَنْزِلَة ضربهو
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَنَافِع وَحَمْزَة وو عَاصِم {يرضه} من غير إشباع اكتفوا بالضمة لِأَنَّهَا تنبي عَن الْوَاو
وَقَرَأَ يحيى {يرضه} بِإِسْكَان الْهَاء هَذِه لُغَة وَقد ذكرنَا وَبينا فِي سُورَة آل عمرَان

{وَجعل لله أندادا ليضل عَن سَبيله}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {ليضل عَن سَبيله} بِفَتْح الْيَاء أَي ليضل هُوَ وحجتهما قَوْله {إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله}

(1/619)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ليضل} بِضَم الْيَاء أَي ليضل غَيره وَإِنَّمَا وَصفه بالإضلال لِأَن الَّذِي اخبر الله عَنهُ ذَلِك قد ثَبت لَهُ أَنه ضال بقوله {وَجعل لله أندادا} فَلم يكن لإعادة الْوَصْف لَهُ بالضلال معنى وَكَانَ صفته بإضلال النَّاس يزِيد الْكَلَام فَائِدَة لم تكن وصف بهَا فَكَانَ ذَلِك ابلغ فِي ذمه مَعَ مَا تقدم من كفرهم

{أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه} 9
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَحَمْزَة {آمن} خَفِيفَة الْمِيم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْجُمْلَة الَّتِي قد عادلت أم قد حذفت
الْمَعْنى الجاحد الْكَافِر بربه خير أم من هُوَ قَانِت وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير أأصحاب النَّار خير أم من هُوَ قَانِت وَيدل على الْجُمْلَة المحذوفة المعادلة ل {أم} مَا جَاءَ بعد من قَوْله {قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} وَفِيه وَجه آخر ذكره الزّجاج قَالَ من قَرَأَ {آمن} بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه بل أَمن هُوَ قَانِت كَغَيْرِهِ أَي أم من هُوَ مُطِيع كمن هُوَ عَاص وَيكون على هَذَا الْخَبَر محذوفا لدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ كَقَوْلِه {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب} وَمن قَرَأَ {آمن} بِالتَّخْفِيفِ فَإِن

(1/620)


مَعْنَاهُ يَا من هُوَ قَانِت وَالْعرب تنادي بِالْألف كَمَا تنادي بياء فَتَقول يَا زيد أقبل وأزيد أقبل قَالَ الشَّاعِر
أبني لبيني لَسْتُم بيد ... إِلَّا يَد لَيست لَهَا عضد
اراد يَا بني لبينى قَالَ الْفراء فَيكون الْمَعْنى مردودا بِالدُّعَاءِ كالمنسوق لِأَنَّهُ ذكر النَّاسِي الْكَافِر ثمَّ قصّ قصَّة الصَّالح بالنداء كَمَا تَقول فِي الْكَلَام فلَان لَا يَصُوم وَلَا يُصَلِّي فيا من يَصُوم وَيُصلي أبشر هَذَا هُوَ مَعْنَاهُ فَكَذَلِك قَوْله {أم من هُوَ قَانِت} أَي يَا من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا أبشر وَفِيه وَجه آخر يجوز أَن تكون الْألف فِي أَمن ألف اسْتِفْهَام الْمَعْنى أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا كَغَيْرِهِ فَكف عَن الْجَواب وَقَالَ الزّجاج {آمن} بِالتَّخْفِيفِ تَأْوِيله أَمن هُوَ قَانِت كَهَذا الَّذِي ذكرنَا مِمَّن جعل الله أندادا

{ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هَل يستويان مثلا}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / ورجلا سالما / بِالْألف وَكسر اللَّام أَي خَالِصا للرجل كَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِير وَهُوَ اسْم الْفَاعِل على سلم فَهُوَ سَالم وحجتهما قَوْله {فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} فَكَمَا أَن

(1/621)


الشَّرِيك عبارَة عَن الْعين وَلَيْسَ باسم حدث كَذَلِك الَّذِي بإزائه يَنْبَغِي أَن يكون فَاعِلا وَلَا يكون اسْم حدث وَكَذَلِكَ اخْتَارَهَا أَبُو عبيد وَقَالَ إِن الْخَالِص هُوَ ضد الْمُشْتَرك وَأما السّلم فَإِنَّمَا ضد الْمُحَارب وَلَا مَوضِع للحرب هَا هُنَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {سلما} بِغَيْر ألف وَمَعَ اللَّام وَهُوَ مصدر سلم سلما وحجتهم قَوْله {متشاكسون} لِأَن مَعْنَاهُ متنازعون يَدعِيهِ كل وَاحِد مِنْهُم ثمَّ وصف من هُوَ ضد هَذِه الْحَال مِمَّن لَا تنَازع فِيهِ وَلَا اختصام فَقَالَ رجلا سلما لرجل وَكَانَ مَعْلُوما أَن السّلم ضد التَّنَازُع فَكَانَ تَأْوِيله ورجلا سلم لرجل فَلم يُنَازع فِيهِ وَمِنْه قيل للسلف سلم لِأَنَّهُ سلم إِلَى من استسلفه

{أَلَيْسَ الله بكاف عَبده ويخوفونك بالذين من دونه}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / أَلَيْسَ الله بكاف عباده / بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عَبده} ذَهَبُوا إِلَى الْخطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وحجتهم قَوْله {ويخوفونك بالذين من دونه} أَي ويخوفونك يَا مُحَمَّد فَكَأَن الْمَعْنى أَلَيْسَ الله بكافيك وهم يخوفونك من دونه يَعْنِي الْأَصْنَام وَذَلِكَ أَن قُريْشًا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ أما تخَاف أَن يخبلك آلِهَتنَا لعيبك إِيَّاهَا فَأنْزل الله {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} فَأخْبر ثمَّ خاطبه والمخبر والمخاطب وَاحِد وَالْعرب تخبر ثمَّ ترجع إِلَى الْخطاب

(1/622)


وَمن قَرَأَ {عباده} فَالْمَعْنى أَلَيْسَ الله بكاف عباده الْأَنْبِيَاء قبل كَمَا كفى إِبْرَاهِيم النَّار ونوحا الْغَرق وَيُونُس مَا دفع إِلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ كافيك كَمَا كفى هَؤُلَاءِ الرُّسُل قبلك قَالَ الْفراء قد هَمت أُمَم الْأَنْبِيَاء بهم ووعدوهم مثل هَذَا فَقَالُوا لهود {إِن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء} فَقَالَ الله / أَلَيْسَ الله بكاف عباده / أَي مُحَمَّدًا والأنبياء قبله

{إِن أرادني الله بضر هَل هن كاشفات ضره أَو أرادني برحمة هَل هن ممسكات رَحمته} 38
قَرَأَ أَبُو عمر {هَل هن كاشفات} بِالتَّنْوِينِ {ضره} بِالنّصب وَكَذَلِكَ {ممسكات رَحمته} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِضَافَة
حجَّة أبي عَمْرو أَن الْفِعْل منتظر وَأَنه مِمَّا لم يَقع وَمَا لم يَقع من أَسمَاء الفاعلين إِذا كَانَ فِي الْحَال فَالْوَجْه فِيهِ النصب الْمَعْنى هَل هن يكشفن ضره أَو يمسكن رَحمته وَحجَّة الْإِضَافَة أَن الْإِضَافَة قد استعملتها الْعَرَب فِي الْمَاضِي والمنتظر وَأَن التَّنْوِين لم يسْتَعْمل إِلَّا فِي المنتظر خَاصَّة فَلَمَّا كَانَا مستعملين وَقد نزل بهما الْقُرْآن فَقَالَ جلّ وَعز {كل نفس ذائقة الْمَوْت} أَخذ بِأَكْثَرَ الْوَجْهَيْنِ أصلا وَحجَّة أُخْرَى وَهُوَ أَنه يُرَاد فيهمَا التَّنْوِين ثمَّ يحذف التَّنْوِين للتَّخْفِيف كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا} هَذَا لم يَقع وَتَقْدِيره آتٍ الرَّحْمَن

(1/623)


{الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} على مَا لم يسم فَاعله وحجتهما أَن الْكَلَام أَتَى عقيب ذَلِك بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل وَهُوَ قَوْله {إِلَى أجل مُسَمّى}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} بِنصب الْقَاف وَالتَّاء وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب إِخْبَار الله عَن نَفسه فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس} {فَيمسك} {وَيُرْسل} فَجرى الْفِعْل بعد ذَلِك بِلَفْظ مَا تقدمه من ذكر الْفَاعِل إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد

{وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم} 61
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / بمفازاتهم / جمَاعَة مثل مكانتكم ومكاناتكم وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بمفازتهم} وَاحِدَة أَي بخلاص وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة السَّعَادَة والمفازة كَمَا قَالَ {بمفازة من الْعَذَاب} والمفازة مصدر مثل الْفَوْز فإفراد الْمَفَازَة كإفراد الْفَوْز وَوجه الْجمع أَن المصادر قد تجمع إِذا اخْتلفت أجناسها لِأَن لكل وَاحِد مفازة غير مفازة الآخر

{قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} 64

(1/624)


قَرَأَ نَافِع {قل أفغير الله تأمروني أعبد} بِالتَّخْفِيفِ أَرَادَ تأمرونني فَحذف إِحْدَى النونين للتَّخْفِيف وَيَنْبَغِي أَن تكون النُّون الثَّانِيَة محذوفة لِأَن التكرير بهَا وَقع وَلَا تحذف الأولى الَّتِي هِيَ عَلامَة الرّفْع وَقد حذفوا هَذِه النُّون قَالَ الشَّاعِر ... قدني من نصر الخبيبين قدي ...

فَحذف وَأثبت وَقَالَ قوم بل حذف نون الْإِعْرَاب كَمَا تحذف الضمة فِي مثل {يَأْمُركُمْ}
وَقَرَأَ ابْن عَامر / تأمرونني / بنونين على الأَصْل فَلم يدغم وَلم يحذف وحجته إِجْمَاع الْجَمِيع على إِظْهَار النُّون فِي قَوْله {وكادوا يقتلونني} فَرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {تأمروني} بِالتَّشْدِيدِ الأَصْل تأمرونني النُّون الأولى عَلامَة الرّفْع وَالثَّانيَِة مَعَ الْيَاء فِي مَوضِع النصب ثمَّ أدغموا الأولى فِي الثَّانِيَة فَيصير {تأمروني}

{حَتَّى إِذا جاؤوها فتحت أَبْوَابهَا} 71 و 73
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {فتحت} وَفتحت بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وحجتهم قَوْله {مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} قَالَ اليزيدي كل مَا فتح مرّة بعد مرّة فَهُوَ التفتيح وَوجه التَّخْفِيف

(1/625)


أَن التَّخْفِيف يصلح للقليل وَالْكثير وَقَالُوا لِأَنَّهَا تفتح مرّة وَاحِدَة فَإِن سَأَلَ سَائل فَقَالَ لم دخلت الْوَاو فِي {وَفتحت} وَأَيْنَ جَوَاب {حَتَّى إِذا جاؤوها} فَفِي ذَلِك أجوبة فَقَالَ قوم الْوَاو زَائِدَة وَقَالَ الْمبرد إِذا وجدت حرفا من كتاب الله تَعَالَى قد اشْتَمَل على معنى حسن لم أجعله ملغى وَلَكِن الْوَاو وَاو نسق هَا هُنَا التَّقْدِير حَتَّى إِذا جاؤوها وصلوا وَفتحت ابوابها وَقَالَ أَيْضا إِن الْجَواب مَحْذُوف وَالْمعْنَى حَتَّى إِذا جاؤوها إِلَى آخر الْآيَة سعدوا أَي حَتَّى إِذا كَانَت هَذِه الْأَشْيَاء صَارُوا إِلَى السَّعَادَة وَقَالَ قوم مَعْنَاهُ حَتَّى إِذا جاؤوها جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا ف جاؤوها عِنْدهم مَحْذُوف وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكون اجْتمع الْمَجِيء مَعَ الدُّخُول فِي حَال وَاحِد
وَقد قيل إِن الْعَرَب تعد من وَاحِد إِلَى سَبْعَة ثمَّ تزيد الْوَاو كَمَا قَالَ جلّ وَعز {التائبون العابدون} ثمَّ قَالَ {والناهون} بعد السَّبْعَة وَقَالَ {وَيَقُولُونَ سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَالله أعلم بذلك
40 - سُورَة حم الْمُؤمن أَو سُورَة غَافِر
قَرَأَ ابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وابو بكر حم بِكَسْر الْحَاء

(1/626)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ قد بَينا فِيمَا تقدم

{وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا أَنهم أَصْحَاب النَّار} 6
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَكَذَلِكَ حقت كَلِمَات رَبك / بِالْألف على الْجمع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {كلمة} وحجتهم أَنَّهَا تجمع سَائِر الْكَلِمَات وَتَقَع مُفْردَة على الْكَثْرَة فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك استغني بهَا عَن الْجمع كَمَا تَقول يُعجبنِي قيامكم وقعودكم وَقَالَ {لَا تدعوا الْيَوْم ثبورا وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا} وَقَالَ {إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير} فأفرد الصَّوْت مَعَ الْإِضَافَة إِلَى الْكَثْرَة فَكَذَلِك الْكَلِمَة وَمن جمع فَلِأَن هَذِه الْأَشْيَاء وَإِن كَانَت تدل على الْكَثْرَة قد تجمع إِذا جعلت أجناسا قَالَ {وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا} أَي بشرائعه لِأَن الْكتب قد ذكرت وَقَالَ {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن}

{لينذر يَوْم التلاق} {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد} 15 و 32
قَرَأَ ابْن كثير وورش / لتنذر يَوْم التلاقي / و / التنادي / بِإِثْبَات الْيَاء فِي الْوَصْل وَابْن كثير أثبتهما فِي الْوَقْف وحذفهما الْبَاقُونَ فِي الْحَالين الْمَعْنى إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم التناد
من قَرَأَ / التلاقي / و / التنادي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل وَالْوَقْف فعلى

(1/627)


الأَصْل لِأَنَّهُ من لقِيت وناديت فَهُوَ على الأَصْل وَلَيْسَ مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام من هَذَا كَمَا لَا ألف وَلَام فِيهِ من هَذَا النَّحْو مثل قَاض قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا لم يكن فِي مَوضِع تَنْوِين يَعْنِي اسْم الْفَاعِل فَإِن الثَّبَات أَجود وَكَذَلِكَ قَوْلك هَذَا القَاضِي لِأَنَّهَا ثَابِتَة فِي الْوَصْل يُرِيد أَن الْيَاء مَعَ الْألف وَاللَّام تثبت وَلَا تحذف كَمَا تحذف فِي اسْم الْفَاعِل إِذا لم تكن فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو هَذَا قَاض فَاعْلَم فالياء مَعَ غير الْألف وَاللَّام تحذف فِي الْوَصْل فَإِذا أدخلت الْألف وَاللَّام تثبت فِي اللُّغَة الَّتِي هِيَ أَكثر عِنْد سِيبَوَيْهٍ
وَكَانَ ورش يثبتهما وصلا ويحذفهما وَقفا لِأَنَّهُ تبع الْمُصحف فِي الْوَقْف وَالْأَصْل الدرج
وَمن حذف الْيَاء فِي الْحَالين فَإِن سِيبَوَيْهٍ زعم أَن من الْعَرَب من يحذف هَذَا فِي الْوَقْف شبهوه بِمَا لَيْسَ فِيهِ ألف وَلَام إِذْ كَانَت تذْهب الْيَاء فِي الْوَصْل مَعَ التَّنْوِين لَو لم يكن ألف وَلَام وَأُخْرَى أَن خطّ الْمُصحف بِغَيْر يَاء وَأَن الْعَرَب تجتزئ بِالْكَسْرِ عَن الْيَاء

{وَالَّذين يدعونَ من دونه لَا يقضون بِشَيْء}
قَرَأَ نَافِع {وَالَّذين تدعون} بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي قل لَهُم

(1/628)


يَا مُحَمَّد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْهُم

{كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة}
قَرَأَ ابْن عَامر / كَانُوا هم أَشد مِنْكُم قُوَّة / بِالْكَاف وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مصاحف أهل الشَّام
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنْهُم بِالْهَاءِ أَتَوا بِلَفْظ الْغَيْبَة وحجتهم أَن مَا قبله بِلَفْظ الْغَيْبَة وَهُوَ قَوْله {أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم} فَكَذَلِك يكون قَوْله {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} على الْغَيْبَة ليَكُون مُوَافقا لما قبله من أَلْفَاظ الْغَيْبَة وَمعنى قَوْله {أَشد مِنْهُم قُوَّة} أَي من قَوْمك
وَأما من قَالَ {مِنْكُم} بَعْدَمَا ذَكرْنَاهُ من أَلْفَاظ الْغَيْبَة فعلى الأنصراف من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب كَقَوْلِه {إياك نعْبد} بعد قَوْله {الْحَمد لله} وَحسن الْخطاب هُنَا لِأَنَّهُ خطاب لأهل مَكَّة فَحسن الْخطاب لحضورهم

{إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {أَو أَن يظْهر} بِالْألف قبل الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَأَن يظْهر / بِغَيْر ألف
معنى {أَو} وُقُوع أحد الشَّيْئَيْنِ فَالْمَعْنى على {أَو} إِن فِرْعَوْن قَالَ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ} أَي يبطل دينكُمْ الْبَتَّةَ فَإِن لم يُبطلهُ

(1/629)


أوقع فِيهِ الْفساد فَجعل طَاعَة الله هِيَ الْفساد وَمن قَرَأَ {وَإِن} فَيكون الْمَعْنى أَخَاف إبِْطَال دينكُمْ وَالْفساد مَعَه وحجته مَا جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه خَافَ الْأَمريْنِ جَمِيعًا وَلم يخف أَحدهمَا
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عمر وَحَفْص {يظْهر} بِضَم الْيَاء {الْفساد} نصب أَي يظْهر مُوسَى فِي الأَرْض الْفساد وحجتهم أَنه أشبه بِمَا قبله لِأَن قبله {يُبدل} فأسندوا الْفِعْل إِلَى مُوسَى بِإِجْمَاع الْجَمِيع وهم كَانُوا فِي ذكره فَكَذَلِك / وَأَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد / ليَكُون مثل {يُبدل} فَيكون الْكَلَام من وَجه وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يظْهر} بِنصب الْيَاء {الْفساد} رفع أَرَادوا أَنه إِذا بدل الدّين يظْهر الْفساد بالتبديل أَو أَن يكون أَرَادَ وَأَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد لمكانه

{وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد}
/ واقي / و {هادي} أثبتهما ابْن كثير فِي الْوَقْف وحذفهما الْبَاقُونَ وَقد ذكرت الْحجَّة فِي سُورَة الرَّعْد

{كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {على كل قلب متكبر} بِالتَّنْوِينِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِغَيْر تَنْوِين
من نون جعل المتكبر نعتا للقلب وَصفَة لَهُ لِأَن الْقلب إِذا تكبر تكبر صَاحبه الْمَعْنى أَن صَاحبه متكبر كَقَوْلِه تَعَالَى {نَاصِيَة كَاذِبَة}

(1/630)


أضَاف الْفِعْل إِلَى الناصية وَالْمعْنَى لصَاحِبهَا وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك قَوْله {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر} فالكبر فِي الْقلب قَالَ اليزيدي حجَّة هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {ونطبع على قُلُوبهم} وَلم يقل عَلَيْهِم فالطبع إِنَّمَا قصد بِهِ الْقلب وَمن قَرَأَ بِالْإِضَافَة فَهُوَ الْوَجْه لِأَن المتكبر هُوَ الْإِنْسَان الْمَعْنى على قلب كل رجل متكبر

{لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} 36 و 37
قَرَأَ حَفْص {فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} بِالنّصب جعله جَوَابا بِالْفَاءِ كَأَنَّهُ جعل {لعَلي أبلغ} تمنيا وَنصب {فَاطلع} على جَوَاب التَّمَنِّي بِالْفَاءِ جعله جَوَابا بِالْفَاءِ لكَلَام غير مُوجب وَالْمعْنَى إِنِّي إِذا بلغت اطَّلَعت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَاطلع} بِالرَّفْع نسقا على قَوْله {أبلغ} الْمَعْنى لعَلي أبلغ ولعلي أطلع وَمثل هَذِه الْقِرَاءَة قَوْله {لَعَلَّه يزكّى أَو يذكر} أَي لَعَلَّه يتزكى وَلَعَلَّه يتَذَكَّر

{وَكَذَلِكَ زين لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل}

(1/631)


قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَصد عَن السَّبِيل} بِضَم الصَّاد على مَا لم يسم فَاعله وَجعلُوا الْفِعْل لله إِن الله صده عَن السَّبِيل كَمَا قَالَ {وطبع على قُلُوبهم} أَي طبع الله عَلَيْهَا وحجتهم أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْخَبَر من الله فَلفظ مَا لم يسم فَاعله وَهُوَ قَوْله {وَكَذَلِكَ زين لفرعون} فَجرى الْكَلَام بعده بترك تَسْمِيَة الْفَاعِل ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَصد عَن السَّبِيل} بِالنّصب أسندوا الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل وَجعلُوا الْفِعْل لَهُ لِأَن فِرْعَوْن تقدم ذكره وَهُوَ الصَّاد عَن السَّبِيل فِي قَوْله تَعَالَى {لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم} وَنَحْو هَذَا وَمِمَّا يُقَوي بِنَاء الْفِعْل للْفَاعِل قَوْله {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله} فَذَلِك أسندوا هَا هُنَا إِلَى الْفَاعِل

{فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} 40
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر {فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة} بِضَم الْيَاء وحجتهم ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ إِذْ كَانَ بعْدهَا مَا يؤكدها مثل {لَا يظْلمُونَ} و {يرْزقُونَ} و {يحلونَ} لِأَن الْأُخْرَى توكيد الأولى فَإِذا لم يكن مَعهَا ذَلِك فالياء مَفْتُوحَة وَيُقَوِّي هَذَا قَوْله {وَأدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَ الْجنَّة} بِفَتْح الْيَاء وحجتهم قَوْله تَعَالَى

(1/632)


{ادخلوها بِسَلام آمِنين} وَقَوله {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَكَانَ أَمر الله إيام أَن يدخلوها دَلِيلا على مَا أسْند الْفِعْل إِلَيْهِم والمعنيان يتداخلان لأَنهم إِذا أدخلُوا دخلُوا وَإِذا أدخلهم الله الْجنَّة دخلُوا فَمَعْنَى {يدْخلُونَ} و {يدْخلُونَ} وَاحِد قَالَ الله عز وَجل {وَأدْخل الَّذين آمنُوا} وَقَالَ {سندخلهم} فهم مفعولون وفاعلون

{النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا وَيَوْم تقوم السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب}
قَرَأَ نَافِع وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {السَّاعَة أدخلُوا آل فِرْعَوْن} بِقطع الْألف وَكسر الْخَاء على جِهَة الْأَمر للْمَلَائكَة بإدخالهم يُقَال للْمَلَائكَة {أدخلُوا آل فِرْعَوْن} فَيكون {آل فِرْعَوْن} نصبا بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِم وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عقيب الْفِعْل الْوَاقِع بهم وَهُوَ قَوْله {النَّار يعرضون عَلَيْهَا} فهم حِينَئِذٍ مفعولون فَجعل الإدخال وَاقعا بهم ليأتلف الْكَلَام على طرق وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {السَّاعَة أدخلُوا} مَوْصُولَة على الْأَمر لَهُم بِالدُّخُولِ الْمَعْنى وَيَوْم تقوم السَّاعَة نقُول ادخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن وحجتهم فِي ذَلِك قَوْله {ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم} وَقَالَ {ادخُلُوا فِي أُمَم قد خلت}

(1/633)


وتنصب {آل فِرْعَوْن} على هَذِه الْقِرَاءَة بالنداء الْمُضَاف

{يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم} 52
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر / يَوْم لَا تَنْفَع الظَّالِمين معذرتهم / التَّاء لتأنيث المعذرة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِأَن المعذرة والعذر والاعتذار وَاحِد كَمَا أَن الْوَعْظ وَالْمَوْعِظَة وَاحِد

{قَلِيلا مَا تتذكرون}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {قَلِيلا مَا تتذكرون} على الْخطاب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يتذكرون} بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الْكفَّار وحجتهم فِي قَوْله قبلهَا {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} الْآيَة ثمَّ قَالَ {وَلَكِن أَكثر النَّاس} فَكَأَنَّهُ لما جرى الْكَلَام قبله بالْخبر ثمَّ أَتَى عَقِيبه جَعَلُوهُ بِلَفْظ مَا تقدمه إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد قَالَ وَالتَّاء أَعم لِأَنَّهَا تجمع الصِّنْفَيْنِ أَي أَنْتُم وهم

{إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين}

(1/634)


قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو بكر {سيدخلون} بِضَم الْيَاء على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح إضبارا عَنْهُم
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو {سيدخلون} بِالْفَتْح لِأَنَّهُ لم يَأْتِ بعده مَا يؤكده مثل مَا جَاءَ فِي سَائِر الْقُرْآن من قَوْله {يرْزقُونَ} و {لَا يظْلمُونَ} و {يحلونَ}
41 - سُورَة حم السَّجْدَة أَو فصلت
{فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّام نحسات}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وابو عَمْرو {فِي أَيَّام نحسات} سَاكِنة الْحَاء وحجتهم قَوْله {فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} وَلم يقل نحس
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نحسات} بِكَسْر الْحَاء جعلوها صفة من بَاب فرق قَالَ الْكسَائي وَالْفراء هما لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد يُقَال يَوْم نحس ونحس وايام نحسات ونحسات أَي مشائيم

{وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ}
قَرَأَ نَافِع {وَيَوْم نحْشر} بالنُّون {أَعدَاء الله} بِالْفَتْح نسقا على قَوْله قبلهَا {ونجينا الَّذين آمنُوا} وحجتهم قَوْله {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} فَرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ

(1/635)


وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله} بِالْيَاءِ على مَا لم يسم فَاعله لم يحملوا على {نجينا} بل استأنفوا الْكَلَام وحجتهم أَنه عطف عَلَيْهِ مثله وَهُوَ قَوْله {فهم يُوزعُونَ}

{وَقَالَ الَّذين كفرُوا رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا من الْجِنّ وَالْإِنْس}
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر وَأَبُو بكر {أرنا} سَاكِنة الرَّاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أرنا} بِكَسْر الرَّاء
كَانَ الأَصْل أرئئنا على وزن أكرمنا ثمَّ حذفوا الْيَاء للْوَقْف فَصَارَ أرئنا ثمَّ تركت الْهمزَة كَمَا تركت فِي ترى ونرى وَتركت الرَّاء سَاكِنة على مَا كَانَت فِي الأَصْل وَمن كسر الرَّاء نقل حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الرَّاء فَصَارَ {أرنا}
قَرَأَ ابْن كثير / أرنا اللَّذين / بتَشْديد النُّون وَالْأَصْل اللذيين فحذفت الْيَاء وَجعل التَّشْدِيد عوضا من الْيَاء المحذوفة الَّتِي كَانَت فِي اللَّذين
وقرا الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَلم يعوضوا من الْيَاء شَيْئا وَقد ذكرت فِي سُورَة النِّسَاء

{إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا لَا يخفون علينا} 40
قَرَأَ حَمْزَة {إِن الَّذين يلحدون} بِفَتْح الْيَاء من لحد يلْحد

(1/636)


إِذا مَال أَي يجْعَلُونَ الْكَلَام على غير جِهَته
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يلحدون} بِضَم الْيَاء من ألحد يلْحد إلحادا وحجتهم قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} وَهُوَ مصدر من ألحد

{وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} 44
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {أأعجمي} بهمزتين الأولى ألف الِاسْتِفْهَام على وَجه الْإِنْكَار مِنْهُم وَالثَّانيَِة ألف الْقطع
قَرَأَ القواس {أعجمي} بِهَمْزَة وَاحِدَة على وَجه الْخَبَر لَا على معنى الِاسْتِفْهَام أَي هلا بيّنت آيَاته فَجعل بعضه بَيَانا للْعَرَب وَبَعضه بَيَانا للعجم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ آعجمي بِهَمْزَة وَاحِدَة وَمد كَأَنَّهُمْ كَرهُوا الْجمع بَين همزتين فلينوا الثَّانِيَة وَقد ذكرت الْحجَّة وَالْمعْنَى وَلَو جعلنَا قُرْآنًا أعجميا لقالوا {لَوْلَا فصلت آيَاته} أَي هلا بيّنت آيَاته / آعجمي وعربي / أَي قُرْآن أعجمي وَنَبِي عَرَبِيّ

{وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها وَمَا تحمل من أُنْثَى وَلَا تضع إِلَّا بِعِلْمِهِ}
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص {من ثَمَرَات من أكمامها} بِالْألف على الْجمع وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ وَأُخْرَى وَهِي

(1/637)


أَنه لَيْسَ يُرَاد ثَمَرَة دون ثَمَرَة وَإِنَّمَا يُرَاد جمع الثمرات وَيُقَوِّي الْجمع قَوْله {فأخرجنا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / من ثَمَرَة من أكمامها / على وَاحِدَة لِأَن الثَّمَرَة تُؤدِّي عَن الثِّمَار لِأَنَّهَا الْجِنْس وحجتهم قَوْله {وَمَا تحمل من أُنْثَى} قَالُوا كَمَا أفرد أُنْثَى كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون {من ثَمَرَة} مُفْردَة وَيكون المُرَاد أَجنَاس الثِّمَار وَكَذَلِكَ {وَمَا تحمل من أُنْثَى} لَيْسَ بِوَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ أَجنَاس الْإِنَاث وَيُقَوِّي الْإِفْرَاد أَيْضا قَوْله {من أكمامها} قَالَ أَبُو عَمْرو وَلَو كَانَت {من ثَمَرَات} لكَانَتْ من أكمامهن

{وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونأى بجانبه} 51
قَرَأَ ابْن عَامر / وناء / على وزن فاع قَالُوا هَذَا من بَاب الْقلب ووزنه فلع وَمثل هَذَا فِي الْقلب قَوْلهم رأى وَرَاء وَقَالَ قوم هُوَ من ناء ينوء أَي نَهَضَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا إِن مفاتحه لتنوء} أَي تنهض وَالْأَصْل نوأ فَانْقَلَبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا ومددت تمكينا للهمزة
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ونأى} بِكَسْر النُّون والهمزة فكسرا الْهمزَة ولمجيء الْيَاء حِين أمالوا الْيَاء ثمَّ كسروا النُّون لكسرة الْهمزَة
قَرَأَ خَلاد عَن حَمْزَة ونصير / ونئي / بِفَتْح النُّون وَكسر الْهمزَة

(1/638)


وَإِنَّمَا كسروا الْهمزَة لمجيء الْيَاء وَتركُوا النُّون على حَالهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ونأى بِفَتْح النُّون والهمزة على وزن ونعا قَالُوا لِأَن الْيَاء انقلبت ألفا فَلَا أصل لَهَا فِي الإمالة