حجة القراءات 34 - سُورَة سبأ
{قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب لَا يعزب عَنهُ
مِثْقَال ذرة} 3
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {عَالم الْغَيْب} بِالرَّفْع على
الْمَدْح أَي هُوَ عَالم فَهُوَ خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف وَيجوز
أَن يكون عَالم ابْتِدَاء وَخَبره {لَا يعزب عَنهُ}
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم {عَالم} بالخفض
جَعَلُوهُ صفة لله الْمَعْنى الْحَمد لله عَالم الْغَيْب
وَيجوز أَن يكون صفة للرب فِي قَوْله {قل بلَى وربي لتأتينكم
عَالم الْغَيْب} أَو بدل مِنْهُ {وربي} جر بواو الْقسم
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / علام الْغَيْب / بالخفض
وَاللَّام قبل الْألف وَهُوَ أبلغ فِي الْمَدْح من عَالم
وَالْعرب تَقول رجل عَالم فَإِذا زادوا فِي الْمَدْح قَالُوا
عليم فَإِذا بالغوا قَالُوا علام وحجتهم قَوْله {قل إِن رَبِّي
يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب} و {إِنَّك أَنْت علام الغيوب}
(1/581)
وَحجَّة {عَالم} قَوْله {عَالم الْغَيْب
وَالشَّهَادَة}
قَرَأَ الْكسَائي {لَا يعزب} بِكَسْر الزَّاي وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وهما لُغَتَانِ تَقول عزب يعزب ويعزب
مثل عكف يعكف ويعكف
{وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب
من رجز أَلِيم} 5
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / وَالَّذين سعوا فِي
آيَاتنَا معجزين / بِغَيْر ألف أَي مثبطين مبطئين أَي يثبطون
ويبطئون النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَقيل
{معجزين} مَعْنَاهُ أَنهم يعجزون من آمن بهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {معاجزين} أَي معاندين وَقَالَ الزّجاج
معاجزين أَي مسابقين
قَرَأَ ابْن كثير وَحَفْص {لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم}
بِالرَّفْع وَفِي الجاثية مثله جعلاه نعتا للعذاب أَي لَهُم
عَذَاب أَلِيم من رجز
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {من رجز أَلِيم} خفضا جعلاه نعتا للرجز
وَالرجز الْعَذَاب بِدلَالَة قَوْله {لَئِن كشفت عَنَّا الرجز}
وَقَالَ {فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من السَّمَاء}
فَإِذا كَانَ الرجز الْعَذَاب وصف ب أَلِيم كَمَا أَن نفس
الْعَذَاب قد جَازَ أَن يُوصف بِهِ فِي نَحْو قَوْله {وَلَهُم
عَذَاب أَلِيم} وَمثل هَذَا فِي أَن الصّفة تجْرِي على
(1/582)
الْمُضَاف مرّة وعَلى الْمُضَاف إِلَيْهِ
أُخْرَى قَوْله {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} و
{مَحْفُوظ} فالجر على حمله على اللَّوْح وَالرَّفْع على حمله
على الْقُرْآن وَإِذا كَانَ الْقُرْآن فِي لوح وَكَانَ
اللَّوْح مَحْفُوظًا فالقرآن مَحْفُوظ
{إِن نَشأ نخسف بهم الأَرْض أَو نسقط عَلَيْهِم كسفا من
السَّمَاء}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / إِن يَشَأْ يخسف بهم الأَرْض
أَو يسْقط / بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَن الله أَي إِن يَشَأْ
الله يخسف بهم الأَرْض وحجتهما فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى
عقيب الْخَبَر عَن الله فِي قَوْله {افترى على الله كذبا}
فَكَذَلِك / إِن يَشَأْ الله / إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن نَشأ} بالنُّون الله أخبر عَن نَفسه
أَي نَحن نخسف وحجتهم فِي ذَلِك أَن الْكَلَام أَتَى عَقِيبه
بِلَفْظ الْجمع وَهُوَ قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد منا
فضلا} فَجعل مَا قبله بِلَفْظِهِ إِذْ كَانَ فِي سِيَاقه
ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد وَيُقَوِّي النُّون قَوْله
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض}
{ولسليمان الرّيح} {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب
وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} 12 و 13
قَرَأَ عَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر {ولسليمان الرّيح}
بِالرَّفْع وَقَرَأَ
(1/583)
الْبَاقُونَ بِالنّصب على معنى وسخرنا
لِسُلَيْمَان الرّيح وَمِمَّا يُقَوي النصب قَوْله {ولسليمان
الرّيح عَاصِفَة} وَالرَّفْع على معنى ثبتَتْ لَهُ الرّيح
وَهُوَ يؤول إِلَى معنى سخرنا الرّيح كَمَا أَنَّك إِذا قلت
لله الْحَمد فتأويله اسْتَقر لله الْحَمد وَهُوَ يرجع إِلَى
معنى أَحْمد الله الْحَمد
قَرَأَ ابْن كثير / كالجوابي / بِالْيَاءِ فِي الْوَصْل
وَالْوَقْف على الأَصْل والجوابي جمع جابية وَهِي الْحَوْض
الْكَبِير قَالَ الْأَعْشَى ... كجابية الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ
تفهق ...
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وورش / كالجوابي / بِالْيَاءِ فِي
الْوَصْل وحذفا فِي الْوَقْف تبعا الأَصْل فِي الدرج وتبعا
الْمُصحف فِي الْوَقْف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِحَذْف الْيَاء فِي الْحَالين اجتزؤوا
عَن الْكسر بِالْيَاءِ {مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة
الأَرْض تَأْكُل منسأته}
قَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو {منسأته} بِغَيْر همز وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {منسأته} بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وَقَرَأَ ابْن
عَامر بِهَمْزَة سَاكِنة الأَصْل الْهَمْز وَتَركه
(1/584)
لُغَة والوجهان مستعملان قَالَ الشَّاعِر
فِي تَركه ... إِذا دببت على المنساة من كبر ... فقد تبَاعد
عَنْك اللَّهْو والغزل ...
وَقَالَ فِي الْهَمْز ... أم أجل حَبل لَا أبالك صدته ...
بمنسأة قد جر حبلك أحبلا ...
المنسأة مفعلة وَهِي الْعَصَا وَإِنَّمَا سميت منسأة لِأَنَّهُ
ينسأ بهَا وَمعنى ينسأبها أَي يطرد ويزجر بهَا تَقول نسأت
الدَّابَّة إِذا ضربتها بعصا أَو زجرتها
{لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم آيَة} 15
قَرَأَ أَبُو عَمْرو والبزي {لسبإ} بالتفح وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ لسبأ مجرور
فَمن فتح وَترك الصّرْف فَلِأَنَّهُ جعل سبأ اسْما للقبيلة
وَمن صرف وَكسر جعل سبأ اسْما لرجل أَو لحي
قَرَأَ الْكسَائي {لسبإ فِي مسكنهم} بِكَسْر الْكَاف وَقَرَأَ
حَفْص وَحَمْزَة {فِي مسكنهم} بِفَتْح الْكَاف وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {مساكنهم} على الْجمع
(1/585)
فَمن قَرَأَ مساكنهم أَتَى بِاللَّفْظِ
وفقا للمعنى لِأَن لكل سَاكن مسكنا فَجمع والمساكن جمع مسكن
الَّذِي هُوَ اسْم للموضع من سكن يسكن وحجتهم أَنَّهَا
مُضَافَة إِلَى جمَاعَة فمساكنهم بعددهم وَيُقَوِّي الْجمع
إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله {فَتلك مساكنهم لم تسكن من
بعدهمْ} وَمن قَرَأَ {مسكنهم} بِالْفَتْح يشبه أَن يكون جعل
الْمسكن مصدرا وَحذف الْمُضَاف وَالتَّقْدِير فِي مَوَاضِع
سكناهم فَلَمَّا جعل الْمسكن كالسكن أفرد كَمَا تفرد المصادر
وعَلى هَذَا قَوْله {فِي مقْعد صدق} أَي فِي مَوضِع قعُود أَلا
ترى أَن لكل وَاحِد من الْمُتَّقِينَ مَوضِع قعُود وَمن قَرَأَ
مسكنهم جعله اسْم الْموضع الَّذِي يسكنون فِيهِ وَإِنَّمَا وحد
لِأَنَّهُ أَرَادَ بلدهم وَقد يجوز أَن يُرَاد بذلك جمع
المساكن ثمَّ يُؤَدِّي الْوَاحِد عَن الْجمع
قَالَ الْكسَائي مسكن ومسكن لُغَتَانِ قَالَ نحويو الْبَصْرَة
وَالْأَشْبَه فِيهِ الْفَتْح لِأَن اسْم الْمَكَان من فعل يفعل
على المفعل بِالْفَتْح وَإِن لم يرد الْمَكَان وَلَكِن أَرَادَ
الْمصدر فالمصدر أَيْضا فِي هَذَا النَّحْو يَجِيء على المفعل
مثل الْمَحْشَر وَقد يشذ عَن الْقيَاس نَحْو الْمسكن
وَالْمَسْجِد وَذهب سِيبَوَيْهٍ على أَنه اسْم الْبَيْت
وَلَيْسَ الْمَكَان من فعل يفعل فعلى هَذَا لم يشذ عَن الْبَاب
{جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وَشَيْء من سدر قَلِيل ذَلِك
جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور} 16 و 17
(1/586)
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {أكل خمط} مُضَافا
أجراه مجْرى قَول الْقَائِل تمر دقل فأضاف الِاسْم إِلَى جنسه
لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {أكل} منونا وحجتهم أَن الْأكل هُوَ
الخمط فالتنوين فِيهِ على أَنه بدل من الْأكل وَقد جَاءَ فِي
التَّفْسِير أَن الخمط الْأَرَاك وَأكله ثمره
قَالَ الْمبرد التَّنْوِين فِي {أكل} أحسن من الْإِضَافَة على
الْبَدَل وَيجوز أَن يكون على النَّعْت لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ
فَكَأَنَّهُ شَيْء مَكْرُوه الطّعْم فَجرى مجْرى النَّعْت
لِأَن بعض الْعَرَب يُسَمِّي مَا كَانَ مَكْرُوه الطّعْم من
حموضة أَو مرَارَة خمطا قَالَ وأحسب أَبَا عَمْرو ذهب فِي
الْإِضَافَة إِلَى هَذَا كَأَنَّهُ أَرَادَ أكل حموضة أَو
مرَارَة وَمَا أشبه ذَلِك
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {وَهل نجازي} بالنُّون
{الكفور} نصب الله أخبر عَن نَفسه وحجتهم فِي ذَلِك أَنه أَتَى
عقيب لفظ الْجمع فِي قَوْله {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا}
فَكَانَ الأولى بِمَا أَتَى فِي سِيَاقه أَن يكون بِلَفْظِهِ
وَبعده {وَجَعَلنَا بَينهم} فَهَذَا يُؤَيّد معنى الْجمع
ليأتلف الْكَلَام على نظام وَاحِد
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / وَهل يجازى / بِضَم الْيَاء وَفتح
الزَّاي الكفور رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجتهم فِي ذَلِك
أَن مَا أَتَى فِي الْقُرْآن من المجازاة أَكْثَره على مَا لم
يسم فَاعله من ذَلِك {الْيَوْم تجزى كل نفس}
(1/587)
{فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا} {ثمَّ يجزاه
الْجَزَاء الأوفى} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
{فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا} {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم
إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ} 19 و 20
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / فَقَالُوا رَبنَا بعد /
بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {باعد} بِالْألف
قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِن فَاعل وَفعل يجيئان بِمَعْنى
كَقَوْلِهِم ضاعف وَضعف وقارب وَقرب واللفظان جَمِيعًا على
معنى الطّلب وَالدُّعَاء ولظفهما الْأَمر
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة ووالكسائي {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم
إِبْلِيس ظَنّه} بِالتَّشْدِيدِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالتَّخْفِيفِ
فَمن قَالَ صدق بِالتَّشْدِيدِ وَنصب الظَّن فَلِأَنَّهُ مفعول
بِهِ وعدى {صدق} إِلَيْهِ وَالْمعْنَى وَلَقَد صدق إِبْلِيس
فِيمَا قَالَه ظَانّا غير مُتَيَقن وَلَا عَالم من أَنه يضل
بني آدم ويمنيهم حَتَّى أطاعوه فِي مَعْصِيّة الله
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ظن ظنا فَصدق ظَنّه
وَمن خفف نصب الظَّن مصدرا على معنى صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظن
ظَنّه قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد النصب فِيهَا على معنى
صدق فِي ظَنّه فَتَأْوِيل التَّخْفِيف أَن إِبْلِيس ظن بهم على
غير يَقِين فَكَانَ
(1/588)
فِي ظَنّه ذَلِك صَادِقا يَعْنِي أَنه
كَانَ مصيبا وَقَالَ الزّجاج صدقه فِي ظَنّه أَنه ظن بهم أَنه
إِذا أعواهم اتَّبعُوهُ فَوَجَدَهُمْ كَذَلِك
{وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ حَتَّى
إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا
الْحق} 23
قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لمن أذن}
بِالرَّفْع على مَا لم يسم فَاعله وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {آذن}
بِالْفَتْح أَي أذن الله وحجتهم قَوْله تَعَالَى {إِلَّا من
أذن لَهُ الرَّحْمَن} وَقَالَ {إِلَّا من بعد أَن يَأْذَن الله
لمن يَشَاء ويرضى} فَردُّوا مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا
أَجمعُوا عَلَيْهِ
قَرَأَ ابْن عَامر {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} بِفَتْح
الْفَاء وَالزَّاي أَي فزع الله عَن قُلُوبهم الروعة وخفف
عَنْهُم أَي أخرج الله الْفَزع عَن قُلُوبهم
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فزع عَن قُلُوبهم} على الم يسم فَاعله
قَالَ الْأَخْفَش فزع مَعْنَاهُ أزيل الْفَزع عَنْهَا وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة نفس عَنْهَا وَقَالَ الزّجاج كشف الْفَزع عَن
قُلُوبهم وَقَالَ قَتَادَة فزع جلا من قُلُوبهم قَالَ يوحي
الله إِلَى جِبْرِيل فتعرف الْمَلَائِكَة وتفزع أَن يكون شَيْء
من أَمر السَّاعَة {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق}
{وهم فِي الغرفات آمنون} 37
(1/589)
قَرَأَ حَمْزَة / وهم فِي الغرفة /
وَاحِدَة وحجته قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا
صَبَرُوا} فَكَمَا أَن الغرفة يُرَاد بهَا الْجمع وَالْكَثْرَة
كَذَلِك / وهم فِي الغرفة آمنون / يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة
وَاسم الْجِنْس وَالْعرب تجتزئ بِالْوَاحِدِ عَن الْجَمَاعَة
قَالَ الله تَعَالَى {وَالْملك على أرجائها} يُرِيد
الْمَلَائِكَة
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وهم فِي الغرفات آمنون} وحجتهم قَوْله
{من فَوْقهَا غرف} و {لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا}
{وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة} 40
قَرَأَ حَفْص {وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا ثمَّ يَقُول}
بِالْيَاءِ فيهمَا أَي يحشرهم الله وحجته قَوْله تَعَالَى
قبلهَا {قل إِن رَبِّي يبسط الرزق} {وَيَوْم يحشرهم}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَيَوْم نحشرهم} بالنُّون أَي نَحن
نحشرهم وَهُوَ انْتِقَال من لفظ الْإِفْرَاد إِلَى الْجمع
كَمَا أَن قَوْله {أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} انْتِقَال
من الْجمع إِلَى الْإِفْرَاد وَالْجمع مَا تقدم من قَوْله
{وآتينا مُوسَى الْكتاب}
{وَقَالُوا آمنا بِهِ وأنى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد} 52
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَابْن كثير وَحَفْص {وأنى لَهُم
التناوش}
(1/590)
غير مَهْمُوز أَي التَّنَاوُل أَي كَيفَ
يتناولونه من بعد وهم لم يتناولوه من قرب فِي وَقت
الِاخْتِيَار وَالِانْتِفَاع بِالْإِيمَان تَقول نشت تنوش
قَالَ الشَّاعِر ... وَهِي تنوش الْحَوْض نوشا من علا ...
أَي تتَنَاوَل الْحَوْض
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وأنى لَهُم
التناؤش / بِالْهَمْز أَي التَّأْخِير قَالَ أَبُو عُبَيْدَة
من نأشت وَهُوَ بعد الْمطلب وَيجوز أَن يكون من التناوش فهمزوا
الْوَاو لِأَن الْوَاو مَضْمُومَة وكل وَاو مَضْمُومَة ضمتها
لَازِمَة إِن شِئْت أبدلت مِنْهَا همزَة وَإِن شِئْت لم تبدل
مثل {وَإِذا الرُّسُل أقتت}
(1/591)
35 - سُورَة فاطر
{هَل من خَالق غير الله يرزقكم} 3
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {هَل من خَالق غير الله} خفضا
جعلاه صفة للفظ وَذَلِكَ حسن لإتباعه الْجَرّ الْحر
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {غير الله} بِالرَّفْع جَعَلُوهُ صفة
للموضع الْمَعْنى هَل خَالق غير الله لِأَن {من} مُؤَكدَة
{وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا} 9
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ / وَالله الَّذِي
ارسل الرّيح / بِغَيْر ألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَقد
مر الْكَلَام فِيهَا فِي سُورَة الْبَقَرَة
{جنَّات عدن يدْخلُونَهَا يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب
ولؤلؤا} 33
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} بِضَم الْبَاء
وَفتح الْخَاء على مَا لم يسم فَاعله قَالَ أَبُو عَمْرو
لقَوْله {يحلونَ فِيهَا} فَكَانَ رد اللَّفْظ على اللَّفْظ
أولى من الْمُخَالفَة
(1/592)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يدْخلُونَهَا}
بِفَتْح الْيَاء إِخْبَارًا عَنْهُم لِأَن الدُّخُول فعل لَهُم
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {ولؤلؤا} بِالنّصب على معنى يحلونَ من
أساور لِأَن معنى من أساور كمعنى أساور ثمَّ نعطف عَلَيْهِ
{لؤلؤا} وَيجوز على إِضْمَار يحلونَ لؤلؤا وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ / ولؤلؤ / على عَنى يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب
ولؤلؤ وَالتَّفْسِير على الْخَفْض أَكثر على معنى يحلونَ
فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤ وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا
أَن ذَلِك الذَّهَب فِي صفاء اللَّوْن كَمَا قَالَ {قواريرا
قَوَارِير من فضَّة} أَي هُوَ قَوَارِير وَلَكِن بياضه كبياض
الْفضة
{وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا كَذَلِك نجزي كل كفور}
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {كَذَلِك يَجْزِي} بِضَم الْيَاء وَفتح
الزَّاي {كل} رفع على مَا لم يسم فَاعله وحجته أَن مَا أَتَى
فِي الْقُرْآن من المجازاة أَكْثَره على لفظ مَا لم يسم فَاعله
من ذَلِك {الْيَوْم تجزى كل نفس} وَيُقَوِّي الْيَاء قَوْله
{وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {نجزي} بالنُّون {كل} نصب أَي نَحن نجزي
كل كفور وَيُقَوِّي النُّون قَوْله بعْدهَا {أولم
نُعَمِّركُمْ} 37
{أم آتَيْنَاهُم كتابا فهم على بَيِّنَة مِنْهُ} 40
(1/593)
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَأَبُو بكر
وَالْكسَائِيّ / فهم على بَيِّنَات مِنْهُ / بِالْألف وحجتهم
أَنَّهَا مرسومة فِي الْمَصَاحِف بِالتَّاءِ فَدلَّ ذَلِك على
الْجمع
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فهم على بَيِّنَة} بِغَيْر ألف وحجتهم
ذكرهَا اليزيدي فَقَالَ يَعْنِي على بَصِيرَة قَالَ وَإِنَّمَا
كتبوها بِالتَّاءِ كَمَا كتبُوا {بقيت الله} بِالتَّاءِ وَفِي
التَّنْزِيل مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {أَفَمَن كَانَ
على بَيِّنَة من ربه} وَقَوله {قل إِنِّي على بَيِّنَة من
رَبِّي}
{استكبارا فِي الأَرْض ومكر السيء}
قَرَأَ حَمْزَة {ومكر السيء} سَاكِنة الْهمزَة قَالَ الْفراء
إِنَّمَا فعل ذَلِك لِكَثْرَة الحركات مَعَ الْيَاء والهمزة
فأسكنه تَخْفِيفًا كَمَا فعل أَبُو عَمْرو فِي قَوْله
{يَأْمُركُمْ} و {ينصركم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ومكر السيء}
بِكَسْر الْهَمْز
(1/594)
36 - سُورَة يس
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يس} بِكَسْر
الْيَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْيَاء
قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا جَازَت الإمالة فِي يَا وطا وَهَا
لِأَنَّهَا أَسمَاء مَا تكتبه وَإِنَّمَا أملتها لتفصل بَينهَا
وَبَين الْحُرُوف لِأَن الإمالة إِنَّمَا تلْحق الْأَسْمَاء
وَالْأَفْعَال وَمن لم يمل فَإِن كثيرا من الْعَرَب لَا يميلون
قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر {يس} وَالْقُرْآن
بإخفاء النُّون عِنْد الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِظْهَار
النُّون عِنْد الْوَاو وَإِنَّمَا جَازَ إِظْهَار النُّون
وَإِن كَانَت تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم وَلَا تتبين لِأَن هَذِه
الْحُرُوف مَبْنِيَّة على الْوَقْف وَمِمَّا يدل على ذَلِك
استجازتهم فِيهَا الْجمع بَين ساكنين كَمَا يَجْتَمِعَانِ فِي
الْكَلِمَة الَّتِي يُوقف عَلَيْهَا وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز
فِيهَا الْجمع بَينهمَا وَحجَّة من لم يبين هِيَ وَإِن كَانَت
فِي تَقْدِير الْوَقْف لم تقطع فِيهِ همزَة الْوَصْل وَذَلِكَ
قَوْله {الم الله} أَلا ترى أَنهم حذفوا همزَة الْوَصْل وَلم
يبينوها كَمَا لم يبينوها مَعَ غَيرهَا فَلَا يكون التَّقْدِير
فِيهَا وَهِي تجْرِي مجْرى قَوْله {من واق}
{تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر
{تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم}
(1/595)
بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب
فَمن نصب فعلى الْمصدر على معنى نزل الله ذَلِك تَنْزِيلا مثل
قَوْله {صنع الله} وَهُوَ مصدر صدر من غير لَفظه لِأَنَّهُ لما
قَالَ {إِنَّك لمن الْمُرْسلين على صِرَاط مُسْتَقِيم}
كَأَنَّهُ قَالَ نزل ذَلِك فِي كِتَابه تَنْزِيلا فَأخْرج
الْمصدر على الْمَعْنى الْمَفْهُوم من الْكَلَام وَمن قَرَأَ
بِالرَّفْع فَإِنَّهُ جعله خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف على
تَقْدِير هَذَا تَنْزِيل وَهُوَ تَنْزِيل قَالَ الزّجاج من
قَرَأَ بِالرَّفْع فعلى معنى الَّذِي أنزل إِلَيْك تَنْزِيل
الْعَزِيز الرَّحِيم أَو تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم هَذَا
{وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم
فهم لَا يبصرون}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص {سدا وَمن خَلفهم سدا}
بِفَتْح السِّين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ
قَالَ أَبُو عَمْرو السد الحاجز بَيْنك وَبَين الشَّيْء والسد
بِالضَّمِّ فِي الْعين وَأَبُو عَمْرو ذهب فِي سُورَة الْكَهْف
إِلَى الحاجز بَين الْفَرِيقَيْنِ فَفتح وَذهب هَا هُنَا إِلَى
سدة الْعين فَرفع وَالْعرب تَقول بِعَيْنِه سدة وَالَّذِي يدل
على هَذَا قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} أَي جعلنَا على
أَبْصَارهم غشاوة فَلم يبصروا طَرِيق الْهدى وَالْحق وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة كل شَيْء وجدته الْعَرَب من فعل الله من
الْجبَال
(1/596)
والشعاب فَهُوَ سد بِالضَّمِّ وَمَا بناه
الآدميون فَهُوَ سد فَمن رفع فِي سُورَة الْكَهْف ذهب أَنه من
صنع الله وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بَين السدين} وَذهب فِي يس
إِلَى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَنه يجوز أَن يكون الْفَتْح فِيهَا
على معنى الْمصدر الَّذِي صدر من غير لَفظه لِأَنَّهُ لما
قَالَ {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا} كَأَنَّهُ قَالَ
وسددنا من بَين أَيْديهم سدا فَأخْرج الْمصدر على معنى الْجعل
إِذْ كَانَ مَعْلُوما أَنه لم يرد بقوله {سدا} مَا أُرِيد فِي
قَوْله {بَين السدين} لِأَنَّهُمَا فِي ذَلِك الْموضع جبلان
وهما هَا هُنَا عَارض فِي الْعين
{فكذبوهما فعززنا بثالث}
قَرَأَ أَبُو بكر {فعززنا بثالث} بِالتَّخْفِيفِ أَي فغلبنا من
قَول الْعَرَب من عز بز أَي من غلب سلب
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ أَي قوينا وشددنا
{وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون}
قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وَإِن كل
لما} بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنى إِلَّا وَإِن بِمَعْنى مَا
التَّقْدِير مَا كل إِلَّا جَمِيع لدينا محضرون
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لما} بِالتَّخْفِيفِ الْمَعْنى وَإِن كل
لجَمِيع لدينا محضرون ف مَا زَائِدَة وَتَفْسِير الْآيَة أَنهم
يحْضرُون يَوْم الْقِيَامَة فيقفون على مَا عمِلُوا
(1/597)
{ليأكلوا من ثمره وَمَا عملته أَيْديهم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ليأكلوا من ثمره} بِضَم الثَّاء
وَالْمِيم تَقول ثَمَرَة وثمار وثمر جمع الْجمع وَيجوز أَن
يكون ثَمَر جمع ثَمَرَة مثل خَشَبَة وخشب وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
{من ثَمَرَة} جَعَلُوهُ جمع ثَمَرَة مثل بقرة وبقر وشجرة
وَشَجر
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَأَبُو بكر / وَمَا عملت
أَيْديهم / بِغَيْر هَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا عملته
أَيْديهم} بِالْهَاءِ وحجتهم أَنَّهَا كَذَلِك فِي مصاحفهم
فالهاء عَائِدَة على {مَا} و {مَا} فِي معنى الَّذِي وَمَوْضِع
مَا خفض نسقا على {ثَمَرَة} الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره
وَمِمَّا عملته أَيْديهم قَالَ الزّجاج وَيجوز أَن يكون {مَا}
نفيا وَتَكون الْهَاء عَائِدَة على الثَّمر فَلَا مَوضِع ل مَا
حِينَئِذٍ وَيكون الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره وَلم تعمله
أَيْديهم قَالَ السّديّ قَوْله {وَمَا عملته أَيْديهم} يَقُول
نَحن عَمِلْنَاهُ نَحن أنبتناه لم يعملوه هم وَيُقَوِّي
النَّفْي قَوْله {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه
أم نَحن الزارعون} وَيُقَوِّي إِثْبَات الْهَاء قَوْله
تَعَالَى {كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان} وَلم يقل
يتخبط فَكَذَلِك قَوْله {عملته} وَحجَّة من حذف الْهَاء
إِجْمَاع الْجَمِيع على حذف الْهَاء فِي قَوْله {مِمَّا عملت
أَيْدِينَا أنعاما} و {مَا} فِي قَوْله ليأكلوا من ثمره وَمَا
عملت فِي مَوضِع خفض الْمَعْنى ليأكلوا من ثمره وَمِمَّا عملته
أَيْديهم قَالَ الزّجاج إِذا حذفت الْهَاء فالاختيار أَن يكون
{مَا} فِي مَوضِع خفض فَيكون فِي معنى الَّذِي فَيحسن حذف
الْهَاء
(1/598)
وَاعْلَم أَن الْعَرَب تضمر الْهَاء
عَائِدَة على من وَالَّذِي وَمَا وَأكْثر مَا جَاءَ فِي
التَّنْزِيل من هَذَا على حذف الْهَاء كَقَوْلِه أَهَذا
الَّذِي بعث الله رَسُولا أَي بَعثه الله وَقَالَ {وَسَلام على
عباده الَّذين اصْطفى} أَي اصطفاهم وَقَالَ {لَا عَاصِم
الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} و {مِنْهُم من كلم الله}
أَي كَلمه الله وكل هَذَا على إِرَادَة الْهَاء وَإِنَّمَا
حذفوا اختصارا وإيجازا
{وَالْقَمَر قدرناه منَازِل}
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو و / الْقَمَر قدرناه
/ بِالرَّفْع وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنّصب وَالنّصب على
وقدرنا الْقَمَر قدرناه قَالَ سِيبَوَيْهٍ كَمَا تَقول زيدا
ضَربته تضمر ضربت وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَنَّك قد أظهرت
الضَّرْب بعد زيد فَجَاز لَك أَن تضمره قبل زيد وَالرَّفْع على
قَوْله وَآيَة لَهُم الْقَمَر قدرناه مثل قَوْله و {وَآيَة
لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} وَيجوز أَن يكون على
الِابْتِدَاء و {قدرناه} الْخَبَر
{وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون}
(1/599)
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / وَآيَة لَهُم
أَنا حملنَا ذرياتهم / على الْجمع وحجتهم أَنَّهَا مَكْتُوبَة
فِي مصاحفهم بِالْألف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {ذُرِّيتهمْ} على التَّوْحِيد وحجتهم أَن
الذُّرِّيَّة تكون جمعا وَتَكون وَاحِدًا فالواحد قَوْله {هَب
لي من لَدُنْك ذُرِّيَّة} وَالْجمع قَوْله {ذُرِّيَّة ضعافا}
{مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون}
قَرَأَ نَافِع {وهم يخصمون} بِسُكُون الْخَاء وَتَشْديد
الصَّاد الأَصْل يختصمون ثمَّ أدغمت التَّاء فِي الصَّاد
فَبَقيت {يخصمون}
وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وورش {يخصمون} بِفَتْح
الْخَاء وَالْأَصْل يختصمون وطرحت فَتْحة التَّاء على الْخَاء
وأدغمت التَّاء فِي الصَّاد هَذَا أحسن الْوُجُوه بِدلَالَة
قَوْلهم رد وفر وعض
وَقَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ {يخصمون} بِكَسْر
الْخَاء الأَصْل يختصمون ثمَّ حذفوا الْحَرَكَة وكسروا الْخَاء
لسكونها وسكان الصَّاد
قَرَأَ حَمْزَة {يخصمون} بكسون الْخَاء وَتَخْفِيف الصَّاد
قَالَ الزّجاج وَمَعْنَاهَا تأخذهم ويخصم بَعضهم بَعْضًا فَحذف
الْمُضَاف
(1/600)
وَحذف الْمَفْعُول بِهِ وَيجوز أَن يكون
يخصمون مجادلهم عِنْد أنفسهم فَحذف الْمَفْعُول بِهِ وَمعنى
يخصمون يغلبُونَ فِي الْخِصَام خصومهم قَالَ وَيجوز أَن يكون
تأخذهم وهم عِنْد أنفسهم يخصمون فِي الْحجَّة فِي أَنهم لَا
يبعثون فتأخذهم الصَّيْحَة وهم متشاغلون فِي متصرفاتهم
{إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون هم وأزواجهم
فِي ظلال على الأرائك متكئون} 55 و 56
قَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو {فِي شغل} سَاكِنة
الْغَيْن استثقلوا الضمتين فِي كلمة وَاحِدَة فسكنوا الْغَيْن
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي شغل} بِضَمَّتَيْنِ على أصل
الْكَلِمَة
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فِي ظلل على الأرائك /
بِغَيْر ألف وَضم الظَّاء الظلل جمع ظله كَمَا تَقول حلَّة
وحلل وغرفة وغرف وقربة وَقرب وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على
قَوْله فِي {ظلل من الْغَمَام} وَقَالَ {ظلل من النَّار} فَرد
مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فِي ظلال} بالأف جمع ظلة مثل قلَّة
وقلال وحلة وحلال وحفرة وحفار فَيكون على هَذَا معنى القراتين
وَاحِدًا وَيجوز أَن تكون {ظلال} جمع ظلّ وحجتهم {يتفيأ ظلاله
عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} {وَلَقَد أضلّ مِنْكُم جبلا
كثيرا} 62
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم {جبلا كثيرا} وبكسر الْجِيم وَالْبَاء
وَالتَّشْدِيد
(1/601)
وحجتهما إِجْمَاع الْجَمِيع على قَوْله
تَعَالَى {والجبلة الْأَوَّلين}
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {جبلا} بِضَم الْجِيم
وَسُكُون الْبَاء استثقلا اجْتِمَاع الضمتين فأسكنا الْبَاء
طلبا للتَّخْفِيف
قَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ جبلا بِضَمَّتَيْنِ
وَهُوَ الأَصْل وَذَلِكَ أَنه جمع جبيلا وجبيل معدول عَن مجبول
مثل قَتِيل من مقتول وصريع من مصروع ثمَّ جمع الجبيل جبلا
كَمَا يجمع السَّبِيل سبلا وَالطَّرِيق طرقا قَالُوا وَلَا
ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى إسكان حرف مُسْتَحقّ للتحريك
{وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم}
قَرَأَ أَبُو بكر / على مكاناتهم / جمَاعَة وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {مكانتهم} وَاحِدَة
من أفرد فلإنه مصدر والمصادر تفرد فِي مَوضِع الْجمع لِأَنَّهُ
يُرَاد بِهِ الْكثير كَمَا يُرَاد فِي سَائِر أَسمَاء
الْأَجْنَاس وَمن جمع فلأنهم قد جمعُوا
(1/602)
من المصادر أَيْضا قَالُوا الحلوم والألباب
{وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق أَفلا يعْقلُونَ}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة {ننكسه} بِضَم النُّون الأولى
وَتَشْديد الْكَاف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ننكسه مخففا وهما
لُغَتَانِ تَقول نكسته أنكسه وأنكسته أنكسه
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر {أَفلا تعقلون} بِالتَّاءِ وحجتهما
قَوْله قبلهَا {وَلَقَد أضلّ مِنْكُم} وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالْيَاءِ وحجتهم قَوْله قبلهَا {وَلَو نشَاء لطمسنا على
أَعينهم} {وَلَو نشَاء لمسخناهم} وَلم يقل لمسخناكم
{وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلَّا
ذكر وَقُرْآن مُبين لينذر من كَانَ حَيا} 69 و 70
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / لتنذر من كَانَ حَيا /
بِالتَّاءِ على الْخطاب أَي لتنذر يَا مُحَمَّد من كَانَ حَيا
وَيُقَوِّي التَّاء قَوْله إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {لينذر} بِالْيَاءِ جَائِز أَن يكون الْمُضمر فِي
قَوْله {لينذر} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَيُقَوِّي هَذَا
قو قبلهَا {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ثمَّ
يَقُول {لينذر} وَجَائِز أَن يكون الْقُرْآن أَي لينذر
الْقُرْآن
{إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن
فَيكون}
قَرَأَ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ {فَيكون} نصب نسقا على قَوْله
(1/603)
{أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {فَيكون} رفعا عل تَقْدِير فَهُوَ يكون |