حجة القراءات 56 - سُورَة الْوَاقِعَة
{لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون}
قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {لَا يصدعون عَنْهَا
وَلَا ينزفون} بِكَسْر الزَّاي أَي لَا ينْفد شرابهم كَمَا
ينْفد شراب أهل الدُّنْيَا وَالْعرب تَقول للْقَوْم إِذا فني
زادهم قد أنزفوا وَقَالَ مُجَاهِد {وَلَا ينزفون} لَا يسكرون
عَن شربهَا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَلَا ينزفون} بِفَتْح الزَّاي يَقُول
لَا تذْهب عُقُولهمْ بشربها يُقَال للرجل إِذا سكر أنزف عقله
وللسكران نزيف
{يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب} {وحور عين} 17 و 18 و 22
(1/694)
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {وحور عين}
بالخفض وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع وحجتهم فِي ذَلِك أَن
الْحور لَا يُطَاف بِهن وَإِنَّمَا يُطَاف بِالْخمرِ
فَرَفَعُوهُ على الِابْتِدَاء قَالَ الْفراء الرّفْع على
قَوْلك وَلَهُم حور عين وَقَالَ أبوعبيد وَعِنْدهم حور عين
وَوجه الْجَرّ تحمله على قَوْله {أُولَئِكَ المقربون فِي
جنَّات النَّعيم} 11 و 12 التَّقْدِير أُولَئِكَ المقربون فِي
جنَّات النَّعيم وَفِي حور عين أَي فِي مُقَارنَة حور عين أَو
مُبَاشرَة حور عين فحذفت الْمُضَاف
وَقَالَ الْفراء والخفض أَن تتبع آخر الْكَلَام أَوله وَإِن لم
يحسن فِي آخِره مَا حسن فِي أَوله أَنْشدني بعض الْعَرَب ...
إِذا مَا الغانيات برزن يَوْمًا ... وزججن الحواجب والعيونا
...
فالعين لَا تزجج وَإِنَّمَا تكحل فَردهَا على الحواجب لِأَن
الْمَعْنى يعرف وَقَالَ ... علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا ...
وَالْمَاء لَا يعلف فَجعله تَابعا للتبن
{عربا أَتْرَابًا}
(1/695)
قَرَأَ نَافِع فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل
وَحَمْزَة وَأَبُو بكر {عربا أَتْرَابًا} سَاكِنة الرَّاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {عربا أَتْرَابًا} بِضَم الرَّاء على
الأَصْل لِأَنَّهُ جمع عروب كَمَا تَقول صبور وصبر وَرَسُول
ورسل وَالتَّخْفِيف فِي ذَلِك سَائِغ كَمَا تَقول رسل
{أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ} 48
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / أَو آبَاؤُنَا الْأَولونَ /
بِإِسْكَان الْوَاو وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وَهِي
وَاو نسق دخلت عَلَيْهَا ألف الِاسْتِفْهَام وَمن سكن
فَكَأَنَّهُ شكّ فهم يَقُولُونَ أَنَحْنُ نبعث أَو آبَاؤُنَا
الْأَولونَ
{فشاربون شرب الهيم}
قَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَحَمْزَة {فشاربون شرب الهيم} بِضَم
الشين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ
الْعَرَب تَقول أُرِيد شرب المَاء وَشرب المَاء وَقَالَ
آخَرُونَ الشّرْب الْمصدر وَالشرب بِالضَّمِّ الِاسْم وَاحْتج
من فتح بالْخبر قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
لِأَنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال
{نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت وَمَا نَحن بمسبوقين}
قَرَأَ ابْن كثير {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت}
بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وهما
لُغَتَانِ قدرت وقدرت
{إِنَّا لمغرمون}
(1/696)
قَرَأَ أَبُو بكر / أإنا لمغرمون / بهمزتين
على الِاسْتِفْهَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِنَّا لمغرمون} على
لفظ الْخَبَر واستئناف كَلَام يَقُول الْجَمَاعَة إِنَّا
أصبْنَا بالغرم
{فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم}
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ / فَلَا أقسم بموقع النُّجُوم /
على وَاحِد وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بمواقع} جمَاعَة أَي
بمساقطها قَالُوا فالجمع أولى لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى جمع
وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ انتشارها يَوْم الْقِيَامَة
وَعنهُ أَيْضا قَالَ مغايبها وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ مواقع
النُّجُوم نزُول الْقُرْآن كَانَ ينزل نجوما شَيْئا بعد شَيْء
فَهَذَا دَلِيل على معنى الْجمع لِأَن الْقُرْآن نزل فِي زمَان
طَوِيل وَحجَّة من قَرَأَ بموقع النُّجُوم أَن الْموقع فِي
معنى الْمصدر وَهُوَ يصلح للقليل وَالْكثير لِأَن مَعْنَاهُ
بِوُقُوع وَيجْرِي مجْرى قَول الرجل عملت عمل الرِّجَال
وَأُخْرَى وَهِي مَا رُوِيَ عَن عبد الله قَالَ / فَلَا أقسم
بموقع النُّجُوم / أَي بمحكم الْقُرْآن
57 - سُورَة الْحَدِيد
{وَمَا لكم لَا تؤمنون بِاللَّه وَالرَّسُول يدعوكم لتؤمنوا
بربكم وَقد أَخذ ميثاقكم} 8
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَقد أَخذ ميثاقكم} بِضَم الْألف
وَالْقَاف على
(1/697)
مَا لم يسم فَاعله وحجته إِجْمَاع
الْجَمِيع على قَوْله {ألم يُؤْخَذ عَلَيْهِم مِيثَاق الْكتاب}
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح الْألف وَالْقَاف وحجتهم أَنه
قرب من ذكر الله فِي قَوْله {لتؤمنوا بربكم} فأجروا الْفِعْل
إِلَى الله أَي وَقد أَخذ ربكُم ميثاقكم ... {وكلا وعد الله
الْحسنى}
قَرَأَ ابْن عَامر / وكل وعد الله الْحسنى / بِالرَّفْع جعله
ابْتِدَاء وعدى الْفِعْل إِلَى ضَمِيره وَالتَّقْدِير وكل وعده
وَمن حجَّته أَن الْفِعْل إِذا تقدم عَلَيْهِ مَفْعُوله لم يقو
عمله فِيهِ قوته إِذا تَأَخّر أَلا ترى أَنهم قَالُوا زيد ضربت
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وكلا وعد الله الْحسنى} نصبا على أَنه
مفعول بِهِ وَحجَّة النصب بَيِّنَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة زيدا
وعدت خيرا فَهُوَ مفعول وعدت وَتقول ضربت زيدا وزيدا ضربت
سَوَاء
أصل هَذَا الْبَاب أَن تَقول زيد ضَربته هَذَا حد الْكَلَام
لِأَنَّك إِذا شغلت ضربت عَن زيد بضمير تمّ الْفِعْل
وَالْفَاعِل ومفعوله وَصَارَ زيد مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ
وَيجوز أَن تَقول زيدا ضَربته فتنصبه بإضمار فعل هَذَا الَّذِي
ذكرته تَفْسِيره كَأَنَّك قلت ضربت زيدا ضَربته تنصب زيدا
فَتَقول زيدا ضربت فتشغل الْفِعْل بمفعوله الْمَذْكُور مقدما
لِأَنَّهُ
(1/698)
إِذا افْتقر الْفِعْل إِلَى مَفْعُوله
وَذكر ذَلِك الْمَفْعُول كَانَ تَعْلِيقه بِهِ أولى من قطعه
عَنهُ فَتَقول زيدا ضربت وعَلى هَذَا قَوْله {وكلا وعد الله
الْحسنى} فَإِن رفعت زيدا جَازَ على ضعف وَهُوَ أَن تضمر
الْهَاء كَأَنَّك قلت زيد ضَربته ثمَّ تحذف الْهَاء من
الْخَبَر فَتَقول زيد ضربت وعَلى هَذَا قِرَاءَة ابْن عَامر /
وكل وعد الله الْحسنى /
{من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ} 11
قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر / فيضعفه / بِالتَّشْدِيدِ
إِلَّا أَن ابْن كثير رفع الْفَاء ونصبها ابْن عَامر
وَقَرَأَ عَاصِم {فيضاعفه} بِالْألف وَفتح الْفَاء
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْألف وَالرَّفْع ضاعف وَضعف بِمَعْنى
وَاحِد فَأَما الرّفْع فِي {فيضاعفه} فَهُوَ الْوَجْه
لِأَنَّهُ مَحْمُول على {يقْرض} أَو على الِانْقِطَاع من الأول
فَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ يُضَاعف وَمن نصب فعلى جَوَاب
الِاسْتِفْهَام ويحمله على الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا قَالَ {من
ذَا الَّذِي يقْرض الله} فَكَأَنَّهُ قَالَ أيقرض الله أحد
قرضا فيضاعفه
{يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا
انظرونا نقتبس من نوركم} 13
قَرَأَ حَمْزَة {للَّذين آمنُوا انظرونا} بِقطع الْألف أَي
أمهلونا كَمَا تَقول أَنْظرنِي حَتَّى أصنع كَذَا وَكَذَا
يَقُول أنظرتك أَي أمهلتك وَقَالَ الْفراء وَقد قيل إِن معنى
{انظرونا} أَي انتظرونا أَيْضا قَالَ وَالْعرب تَقول أَنْظرنِي
وَهُوَ يُرِيد انتظرني
(1/699)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {للَّذين آمنُوا
انظرونا} أَي بوصل الْألف أَي انتظرونا كَمَا قَالَ {غير
ناظرين إناه} أَي غير منتظرين إِدْرَاكه
{فاليوم لَا يُؤْخَذ مِنْكُم فديَة وَلَا من الَّذين كفرُوا}
قَرَأَ ابْن عَامر / فاليوم لَا تُؤْخَذ مِنْكُم فديَة /
بِالتَّاءِ لتأنيث الْفِدْيَة وَسقط السُّؤَال
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لَا يُؤْخَذ مِنْكُم بِالْيَاءِ للفصل
الْوَاقِع بَين الْفِعْل والفدية فَصَارَ الْفِعْل عوضا عَن
التَّأْنِيث وَقيل إِن التَّأْنِيث لَيْسَ يحقيقي إِنَّمَا
أَرَادَ الْفِدَاء كَقَوْلِه {وَأخذ الَّذين ظلمُوا
الصَّيْحَة} {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر
الله وَمَا نزل من الْحق} 16
قَرَأَ نَافِع وَحَفْص {وَمَا نزل من الْحق} بِالتَّخْفِيفِ
بِمَعْنى وَمَا جَاءَ من الْحق يعنون الْقُرْآن الَّذِي نزل من
عِنْد الله تَعَالَى
وحجتهما قَوْله {وبالحق نزل} فَرد مَا اخْتلفُوا فِيهِ إِلَى
مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ أولى
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {وَمَا نزل من الْحق} بِالتَّشْدِيدِ
وحجتهم ذكر الله قبله فِي قَوْله {أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله
وَمَا نزل} أَي وَمَا نزل الله من الْحق
(1/700)
{إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا
حسنا} 18
قَرَأَ ابْن كثير وابو بكر {إِن المصدقين والمصدقات} بتَخْفِيف
الصَّاد فيهمَا أَي الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات الَّذين
صدقُوا الله وَرَسُوله
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {إِن المصدقين والمصدقات} بتَشْديد
الصَّاد فيهمَا أَرَادوا المتصدقين والمتصدقات فأدغموا التَّاء
فِي الصَّاد وحجتهم أَن فِي حرف أبي / إِن المتصدقين
والمتصدقات / بتاء ظَاهِرَة فَهِيَ حجَّة لمن قَرَأَ
بِالتَّشْدِيدِ وَأُخْرَى وَهِي فِي قَوْله {وأقرضوا الله قرضا
حسنا} وَذَلِكَ أَن الْقَرْض هُوَ أشبه بِالصَّدَقَةِ من
التَّصْدِيق وَحجَّة من خفف هِيَ أَن التَّخْفِيف فِي قَوْله
{المصدقين} أَعم من التَّشْدِيد أَلا ترى أَن المصدقين
بِالتَّشْدِيدِ مَقْصُورَة على الصَّدَقَة والمصدقين
بِالتَّخْفِيفِ يعم التَّصْدِيق وَالصَّدَََقَة لِأَن
الصَّدَقَة من الْإِيمَان فَهُوَ أوجب فِي بَاب الْمَدْح {لكَي
لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} 23
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} قصرا أَي
جَاءَكُم وحجته فِي ذَلِك أَن {فاتكم} معادل بِهِ {آتَاكُم}
فَكَمَا أَن الْفِعْل للْغَائِب فِي قَوْله {فاتكم} كَذَلِك
يكون الْفِعْل للآتي فِي قَوْله بِمَا أَتَاكُم
قَالَ أَبُو عَمْرو وتصديقها فِي آل عمرَان {وَلَا مَا
أَصَابَكُم} قَالَ ف اصابكم وَجَاءَكُم سَوَاء
(1/701)
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {بِمَا آتَاكُم}
بِالْمدِّ أَي أَعْطَاكُم وحجتهم فِي ذَلِك أَن فِي حرف ابي
وَابْن مَسْعُود / بِمَا أُوتِيتُمْ / أَي أعطيتم {الَّذين
يَبْخلُونَ ويأمرون النَّاس بالبخل وَمن يتول فَإِن الله هُوَ
الْغَنِيّ الحميد} 24
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ويأمرون النَّاس بالبخل}
بِفَتْح الْبَاء وَالْخَاء وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بالبخل وهما
لُغَتَانِ مثل الرشد والرشد
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر / فَإِن الله الْغَنِيّ الحميد /
لَيْسَ فِيهَا هُوَ وَكَذَلِكَ فِي مصاحفهما وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ {فَإِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} فَمن أسقط
فَإِنَّهُ جعل {الْغَنِيّ} خبر {إِن} و {الحميد} نعت وَمن زَاد
{هُوَ} فَلهُ مذهبان فِي النَّحْو أَحدهمَا أَن يَجْعَل هُوَ
عمادا أَو فاصلة وَالْمذهب الثَّانِي أَن يَجْعَل هُوَ
ابْتِدَاء والغني خَبره وَتَكون الْجُمْلَة فِي مَوضِع خبر إِن
وَمثله {إِن شانئك هُوَ الأبتر}
58 - سُورَة المجادلة {الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم
مَا هن أمهاتهم إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم} 2
(1/702)
قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو
{يظهرون} بتَشْديد الظَّاء من غير ألف وَقَرَأَ ابْن عَامر
وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {الَّذين يظاهرون} بِالْألف
وَالتَّشْدِيد وَقَرَأَ عَاصِم {يظاهرون} بِضَم الْيَاء
وَتَخْفِيف الظَّاء وَكسر الْهَاء
تَقول ظَاهر من امْرَأَته وَظهر مثل ضاعف وَضعف فَتدخل التَّاء
على كل وَاحِد مِنْهُمَا فَيصير تظاهر وَتظهر يدْخل حرف
المضارعة فَيصير يتظاهر ويتظهر ثمَّ تُدْغَم التَّاء فِي
الظَّاء لمقاربتها فَتَصِير يظاهر وَيظْهر بِفَتْح الْيَاء
الَّتِي هِيَ حرف المضارعة لِأَنَّهَا للمطاوعة كَمَا يفتحها
فِي يتدحرج الَّذِي هُوَ مُطَاوع دحرجته فتدحرج
وَوجه الرّفْع فِي قَوْله {مَا هن أمهاتهم} أَنه لُغَة تَمِيم
قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ أَقيس الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ أَن
النَّفْي كالاستفهام فَكَمَا لَا يُغير الِاسْتِفْهَام
الْكَلَام عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِب يَنْبَغِي أَلا
يُغَيِّرهُ النَّفْي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِب
وَوجه النصب أَنه لُغَة أهل الْحجاز وَالْأَخْذ بلغتهم فِي
الْقُرْآن أولى وَعَلَيْهَا جَاءَ {مَا هَذَا بشرا}
واما قَول عَاصِم {يظاهرون} على وزن يفاعلون فحجته قَوْلهم
الظِّهَار وَكثر ذَلِك على الْأَلْسِنَة
اللائي قد ذكرت فِي سُورَة الْأَحْزَاب {ويتناجون بالإثم
والعدوان ومعصية الرَّسُول} 8
(1/703)
2
- قَرَأَ حَمْزَة وينتجون بالإثم بالنُّون وَضم الْجِيم من غير
ألف على يفتعلون وَالْأَصْل ينتجبون لِأَن لَام الْفِعْل يَاء
من نَاجَيْت فاستثقلوا الضمة على الْيَاء فحذفوها وَقد حذفت
لسكونها وَسُكُون الْوَاو يُقَال انتجى الْقَوْم ينتجون إِذا
تساروا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ويتناجون على يتفاعلون لِأَن التفاعل
والمفاعلة لَا يكون إِلَّا من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا فَكَذَلِك
الْمُنَاجَاة بَين جمَاعَة وَهُوَ الْأَشْبَه بتشاكل الْكَلَام
فِي هَذَا الْموضع قَالَ الله جلّ وَعز بعْدهَا {إِذا تناجيتم}
وَقَالَ {وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى} فَوَقع الْخط فِي
هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ على شَيْء يشاكل يتناجون
وَقَرَأَ حَمْزَة مثله لِأَن الْعَرَب تَقول اخْتَصَمُوا
يختصمون وتخاصموا يتخاصمون وتقاتلوا واقتتلوا وَكَذَلِكَ
انتجوا وتناجوا بِمَعْنى كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس
فافسحوا يفسح الله لكم وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} 11
قَرَأَ عَاصِم {فِي الْمجَالِس} بِالْألف جعله عَاما أَي إِذا
قيل لكم توسعوا فِي الْمجَالِس أَي مجَالِس الْعلمَاء وَالْعلم
فتفسحوا
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ / فِي الْمجْلس / على التَّوْحِيد أَي
فِي مجْلِس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ خَاصَّة
(1/704)
قَرَأَ نَافِع وَابْن عَامر وَحَفْص /
وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا / بِضَم الشين فيهمَا وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِكَسْر الشين وهما لغتا نشز ينشز وينشز
59 - سُورَة الْحَشْر {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي
الْمُؤمنِينَ فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} 2
قَرَأَ أَبُو عَمْرو {يخربون} بِالتَّشْدِيدِ أَي يهدمون وحجته
قَوْله {بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} فَذكر
الْبيُوت وَالْأَيْدِي للتكثير وَتردد الْفِعْل كَا قَالَ
وغلقت الْأَبْوَاب وَقد أَجمعُوا على التَّشْدِيد فِي هَذَا
الْحَرْف
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {يخربون} باتلخفيف وفيهَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَن يكون الْأَحْزَاب يَعْنِي بِهِ التّرْك تَقول
أخربت الْمَكَان إِذا خرجت عَنهُ وَتركته فَمَعْنَى يخربون أَي
يتركون بُيُوتهم وَالْوَجْه الآخر أَن يُرَاد معنى الْهدم
فيجرى ذَلِك مجْرى أوفيت ووفيت وأكرمت وكرمت وأذكرته وذكرته
وَكَذَلِكَ خربَتْ وأخربت وَالْأَصْل أَن تَقول خرب الْمنزل
وأخربه صَاحبه وَخَرَّبَهُ أَيْضا {لَا يقاتلونكم جَمِيعًا
إِلَّا فِي قرى مُحصنَة أَو من وَرَاء جدر} 14
قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو / من وَرَاء جِدَار /
بِالْألف وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {جدر} وَهُوَ جمع جِدَار مثل
حمَار وحمر وَكتاب وَكتب وحجتهم أَنه أَتَى عقيب قَوْله
{إِلَّا فِي قرى مُحصنَة} فأخرجوا الْقرى
(1/705)
بِلَفْظ الْجمع ثمَّ عطفوا بقوله {أَو من وَرَاء جدر} فَكَانَ
الْجمع أشبه بِلَفْظ مَا تقدمه من التَّوْحِيد ليأتلف
الْكَلَام على نظم وَاحِد وَمن قَرَأَ جِدَار فَهُوَ وَاحِد
يُؤَدِّي عَن معنى الْجمع |