دلائل الإعجاز ت هنداوي

ـ[دلائل الإعجاز في علم المعاني]ـ
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (المتوفى: 471هـ)
المحقق: د. عبد الحميد هنداوي
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،1422هـ - 2001 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

(/)


مقدمة المحقق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الكريم المنان، الرحيم الرحمن، ذي الطول والإحسان، الذي علّم القرآن، وخلق الإنسان، فعلمه البيان.
وأصلي وأسلم على النبي العدنان حامل لواء الفصاحة والبيان، وصاحب المقام المحمود بأشرف مكان، المرسل بالهداية والرحمة إلى الإنس والجان.
وبعد؛ فقد كان من توفيق الله وفضله أن قمت بكتابة بعض التعليقات والحواشي على كتاب أسرار البلاغة لأوحد زمانه في علوم البلاغة العالم الجليل الأديب النحوي الفقيه المتكلم أبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ت 471 أو 474 هـ، وهو من هو في رسوخ قدمه وعلو مكانته وتقدمه في هذا العلم الذي تناثرت كتابات الناس فيه قبله وكثرت؛ ولكنها على كثرتها كأن لم تكن شيئا بجانب ما صنف، فصار ينسب إليه وحده تأسيس هذا العلم وإقامة فسطاطه لما كانت له اليد الطولى في ضبطه ونصب فسطاطه.
وكان من توفيق الله ومنّه وفضله أن أتم عليّ نعمته بتيسير التعليق على هذا الكتاب الآخر الفذ الذي لم يصنّف مثله في علوم البلاغة وهو كتابنا هذا الموسوم بدلائل الإعجاز، وهو كتاب بديع في بابه، تفرد فيه صاحبه بتأسيس نظرية النظم التي هي عمود الدراسات البلاغية، والتي لولا ما رسمه لها واختطته فيها من علامات هادية للسبيل لضلت خطى الناس من بعده في هذا العلم الضلال المبين.
ولكن يأبى الله الكمال إلا لكتابه فلقد كان يفترض أن يكون هذا الكتاب هو المقدّم لدى دارس البلاغة في العصور التالية لزمان مصنفه، فحال دون ذلك ما جاء عليه الكتاب من عدم ترتيب صاحبه له الترتيب اللائق له، والاعتناء بتقسيم مباحثه، وتبويب أبوابه.
وعذر المصنف في ذلك أنه كان منشغلا بالرد على متكلمي زمانه السابقين له

(1/3)


ممن تكلموا في أمر الفصاحة والبلاغة بغير علم كالقاضي عبد الجبار وغيره من أئمة المعتزلة، فكان ذلك هو شغله الشاغل، الذي صرف إليه جلّ همه وعزمه.
ولو أن المصنف- رحمه الله- قصد إلى أن يكون كتابه كتابا تعليميا لكان على غير هذا الوضع، ولكن هذا شيء لم يقصد إليه.
وهذا ما دعا المتأخرين بعد زمان عبد القاهر الذين أفادوا من كتابي عبد القاهر هذين كل الإفادة، أن يتداركوا هذا الأمر وأن ينظموا ما تناثر من درره في هذين الكتابين في نظام واحد في هذا التقسيم الثلاثي الصارم لعلوم البلاغة الذي أتى به أبو يعقوب يوسف السكاكي في كتابه (مفتاح العلوم) الذي بلغ به الغاية من دقة التقسيم والتبويب والترتيب على ما يؤخذ عليه من المبالغة في هذا التقسيم والترتيب واعتماده فيه حدود المنطق وقواعده.
غير أنه لم يخل من عيب قاتل كذلك وهو جفاف مادته وعبارته، وشدّة إيجازه واقتضابه، وقلّة شواهده، وعدم اعتنائه بتحليل شواهده تحليلا بلاغيا أدبيا يضارع ما كان عليه أسلوب عبد القاهر من سلاسة ورقة وبهاء ورونق وهيهات هيهات فدونه وعبارة عبد القاهر وأسلوبه كما بين المشرق والمغرب.
ورغم ما قصد إليه أبو يعقوب السكاكي من الغاية التعليمية بجمع القواعد وترتيب المباحث والتقسيم إلى فصول وأبواب وفنون، رغم ذلك كلّه فقد أخفق في غايته في تذليل علوم البلاغة للدارس بل سلك بها مسلكا مضادا لغاية البلاغة ومقصدها؛ فإذا كانت غاية البلاغة تنمية الذوق الأدبي والارتقاء به؛ فإن طريقة السكاكي ومن سلكوا دربه من بعده قد أورثت الذوق العربي في ذلك الوقت عقما لازمه إلى عصرنا هذا حتى استيقظ الناس من سباتهم تلك القرون وأدركوا أنهم قد ضلوا السبيل إلى الفصاحة والبلاغة والبيان، وقامت صحوة بلاغية عرفت لعبد القاهر حقه فراحت تلتمس خطاه، وتلتقط درره، وتستلهم روحه وأفكاره في بعث بلاغي جديد لحمته وسداه قضية النظم التي ما فتئ عبد القاهر يدندن عليها في كتابه هذا،. ولعلّ هذا يبين لنا سرّ الاهتمام بهذين الكتابين الجليلين للإمام عبد القاهر الجرجاني وكثرة تداولهما، والإقبال على نسخهما من طلاب البلاغة في عصرنا هذا.
وهذا مما حفزني على الإقبال على الاعتناء بتخريج شواهد هذا الكتاب تخريجا مفصلا لا تجده في نشرة من نشراته السابقة، مع الاعتناء بشرح غريبه، وبيان

(1/4)


مراد مؤلفه من كلماته وألفاظه ما أمكن، مع ما تجود به القريحة من كلمة أو تعليق عفو الخاطر بعد ذلك، غير أننا قد حجبنا أكثر تعليقاتنا لنشرها في دراسة مستقلة لئلا يطول حجم الكتاب وتثقل تكلفته على مبتغيه من قرّائه وطلابه.
ونشير هنا إلى أننا أفدنا كثيرا من تعليقات الفاضلين الشيخ رشيد رضا والشيخ محمود شاكر ونبهنا على ذلك مرارا «1».
والله نسأل أن يوفق القائمين على صفه وضبطه ومراجعته بدار الكتب العلمية للعناية به وإخراجه في ثوبه اللائق به، وأن يجزي كل من أعان في إخراجه خير الجزاء.
وكتبه د. عبد الحميد هنداوي المدرس بكلية دار العلوم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين الجيزة في منتصف رمضان المعظم 1421 هـ
__________
(1) أشرنا لما أثبتناه من تعليقات الشيخ رشيد بلفظ (رشيد) عقب التعليق، ولما أثبتناه من تعليقات أبي فهر بلفظ (شاكر).

(1/5)