غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر سورة آل عمران
7- {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي جَوْر. يقال: قد زُغْتُ عن
الحق. ومنه قوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} (1) أي
عدَلت ومالت.
{ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي الكفر (2) . والفتنة تتصرف على
وجوه قد ذكرتها في كتاب "تأويل المشكل" (3) .
{أُولُو الأَلْبَابِ} ذوو العقول. وواحد "أولو" ذو (4) . وواحد
أولات: ذات.
11- {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} أي كعادتهم يريد كفر اليهود
ككفر مَن قبلهم. يقال: هذا دأْبُه ودِينُه ودَيْدَنُه.
14- {الْقَنَاطِيرِ} واحدها قنطار. وقد اختُلِفَ في تَفْسيرها.
(5) . فقال
__________
(1) سورة ص 63.
(2) وقيل: معناه إرادة الشبهات واللبس، وهو المختار عند الطبري
6/197.
(3) راجع صفحة 362-363.
(4) في اللسان عن الجوهري: "وأما أولوا، فجمع لا واحد له من
لفظه، واحده: ذو، وأولات للإناث، واحدها ذات. تقول: جاءني أولو
الألباب وأولات الأحمال. وأما ألى، فهو أيضا جمع لا واحد له من
لفظه، واحده ذا للمذكر، وذه للمؤنث".
(5) راجع تفصيل هذا الخلاف في الدر المنثور 2/10-11 وتفسير
الطبري 6/244-249.
(1/101)
بعضهم: القنطار ثمانية آلاف مثقال ذهب
بلسان أهل إفريقية (1) وقال بعضهم: ألف مثقال. وقال بعضهم:
مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهبًا. (2) وقال بعضهم: مائة رطل (3) .
{الْمُقَنْطَرَةِ} المكملة. وهو كما تقول: هذه بَدْرَة
مُبَدّرَة وألف مُؤَلَّفَة.
وقال الفرّاء: المقنطرة: المُضَعَّفة؛ كأن القناطير ثلاثة
والمقنطرة تسعة (4) .
{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} الرَّاعِية يقال: سَامَتِ الخيلُ
فهي سَائِمَةٌ إذا رعَت. وأَسَمْتُها فهي مُسَامَةٌ
وسَوَّمْتُها فَهِي مُسَوَّمَةٌ: إذا رَعَيْتهَا.
والمُسَوَّمَةُ في غير هذا: المُعَلَّمَة في الحرب بالسُّومَة
وبالسِّيماء. أي بالعلامة.
وقال مجاهد: الخيل المسومة: المُطَهَّمَة الحسان (5) . وأحسبه
أراد أنها ذات سِيمَاء. كما يقال: رجل له سِيمَاءٌ وله شارةٌ
حسنة.
{وَالأَنْعَامِ} الإبل والبقر والغنم. واحدها نَعَمٌ. وهو جمع
لا واحد له من لفظه.
{وَالْحَرْثِ} الزّرع.
{وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} أي: المرجع. من "آبَ
يؤُوب": إذا رجع.
__________
(1) في تفسير القرطبي 4/31 "وقال أبو حمزة الثمالي: القنطار
بإفريقية والأندلس: ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة".
(2) قال بذلك أبو سعيد الخدري، كما في الدر المنثور 2/11
والكلبي، كما روى أبو عبيدة في مجاز القرآن 89 وأغرب الجواليقي
فنسبه لأبي عبيدة في المعرب 270 وفي مسائل نافع بن الأزرق أنه
من قول بني حسل. راجع الدر المنثور 2/11 واللسان 6/431.
والمسك: الجلد.
(3) هو السدي، كما في مجاز القرآن 89.
(4) معاني القرآن 1/195.
(5) تفسير الطبري 6/252.
(1/102)
* * *
17- {وَالْقَانِتِينَ} المصلّين. و"القنوت" يتصرف على وجوه قد
بينتها في كتاب "مشكل" (1) .
{وَالْمُنْفِقِينَ} يعني: المتصدقين.
* * *
18- {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} أي: بالعدل.
24- {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي:
يختلقون من الكذب.
27- {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} أي: تدخل هذا في هذا
فما زاد في واحدٍ نقص من الآخر مثله.
{وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} يعني: الحيوان من
النطفة والبيضة.
{وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} يعني: النطفة والبيضة -
وهما ميتتان - من الحي.
{وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير
تَقْدِيرٍ وتضييق.
* * *
35- {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} أي: قالت و"إذ" تزاد
في الكلام على ما بينت في "تأويل المشكل" (2) .
{مُحَرَّرًا} أي: عَتِيقًا لله عز وجل. تقول: أعتقت الغلام
وحَرَّرْته؛ سواء. وأرَادت: إني نذرت أن أجعل ما في بطني
مُحَرَّرًا من التَّعْبيد للدنياُ لِيَعْبُدَك ويلزمَ بيتك.
__________
(1) راجع تأويل مشكل القرآن 350 وتفسير الطبري 5/234.
(2) صفحة 196.
(1/103)
36- {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ
إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} ؛ وكان النذر في مثل هذا يقع
للذكور (1) . ثم قالت: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} فقول
الله عز وجل: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} - في قراءة
من قرأ بجزم التاء وفتح العين - مُقَدَّمٌ ومعناه التأخير.
كأنه: إني وضعتها أنثىُ وليس الذكر كالأنثى؛ والله أعلم بما
وضعَت.
ومن قرأه (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعْتُ) - بضم التاء (2)
فهو كلام متصل من قول أم مريم عليها السلام.
37- {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ضَمَّها إليه.
و {الْمِحْرَابَ} الغرفَةَ. وكذلك روي في التفسير: أن زكريا
كان يصعد إليها بِسُلَّم. (3)
والمحراب أيضا: المسجد. قال: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ
مِنْ مَحَارِيبَ} (4) ؛ أي: مساجد.
وقال أبو عبيدة: (5) المحراب سيد المجالس ومقدمها وأشرفها؛
وكذلك هو من المسجد.
{أَنَّى لَكِ هَذَا} أي: من أين لك هذا؟
39- {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قال ابن عيينة: "السيد: الحليم
(6) ". وقال
__________
(1) الدر المنثور 1/18.
(2) وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر، ويعقوب، كما في البحر المحيط
2/439 والقراءة الأولى هي قراءة الجمهور.
(3) راجع تفسير القرطبي 4/71.
(4) سورة سبأ 13.
(5) في مجاز القرآن 91 وقد نقله عنه الطبري 6/357 من غير عزو.
(6) وكذلك قال ابن عباس وسعيد بن جبير، كما في الدر المنثور
2/22.
(1/104)
هو وغيره: "الحصور: الذي لا يأتي النساء".
وهو "فَعُول" بمعنى "مَفْعول"، كأنه محصور عنهن أي مأخوذ محبوس
عنهن. وأصل الحصر: الحبس. ومثله مما جاء فيه "فعول" بمعنى
"مفعول": ركوب بمعنى مركوب، وحَلُوب بمعنى مَحْلُوب، وهَيُوب
بمعنى مَهِيب.
* * *
41- {اجْعَلْ لِي آيَةً} أي: علامة.
{قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ
إِلا رَمْزًا} أي: وحيا وإيماءً باللسان [أو باليد] أو
بالحاجب. يقال: رمز فلان لفلانة؛ إذا أشار بواحدة من هذه. ومنه
قيل للفاجرة: رَامِزَة ورَمَّازة؛ لأنها تَرْمُِزُ وتُومِئُ
ولا تعلن.
قال قتادة: إنما كان عقوبةً عوقب بها؛ [إذ] سأل الآية بعد
مشافهة الملائكة إياه بما بُشِّر به (1) .
44- {يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} أي: قداحهمُ، يَقْتَرِعون على
مريم. أيُّهُم يَكْفُلُها ويحضنها. والأقلام واحدها قلم. وهي:
الأزلام أيضا؛ واحدها زَلَم وزُلَم (2) .
45- {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أي: ذا جاه فيهما.
49- و {الأَكْمَهَ} الذي يولد أعمى. والجمع كُمْه.
__________
(1) يقصد بشارته بيحي. وقول قتادة في تفسير الطبري 6/386.
(2) الميسر والقداح للمؤلف 38.
(1/105)
52- {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}
أي: من أعواني مع الله؟
55- {مُتَوَفِّيكَ} قابضك من الأرض من غير موت (1) .
61- {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} أي: إخواننا وإخوانكم.
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ} أي: نتدَاعى باللعن. يقال عليه بَهْلَة
الله وبُهْلته أي لعنته.
* * *
64- {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي:
نَصَف. يقال: دعاك إلى السَّوَاء أي إلى النَّصَفة. وسواءُ
كلِّ شيءٍ: وَسَطُه. ومنه يقال للنصفة: سواء؛ لأنها عدلٌ.
وأعدلُ الأمور أوساطها.
* * *
72- {آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
وَجْهَ النَّهَارِ} أي: صدر النهار. قال قتادة: قال بعضهم
لبعض: أعطُوهم الرِّضا بدينهم أوَّل النهار واكفروا بالعَشِيّ؛
فإنه أجْدَرُ أن تصدقكم الناسُ ويظنوا أنكم قد رأيتم منهم ما
تكرهون فرجعتم؛ وأجْدَرُ أن يَرْجعوا عن دينهم.
75- {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} أي: مواظبا
بالاقتضاء. وقد بينت هذا في باب المجاز (2) .
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي
الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ؛ كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون
قال بعضهم لبعض: ليس للأميين - يعنون العرب - حرمةُ
__________
(1) وهذا أولى الأقوال بالصحة عند أبي جعفر الطبري 6/458.
(2) راجع تأويل مشكل القرآن 138.
(1/106)
أهل ديننا، وأموالُهم تحِلُّ لنا: إذ كانوا
مخالفين لنا. واستجازوا الذَّهابَ بحقوقهم.
78- {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} أي: يُقلِّبونَ
ألسنتهم بالتحريف والزيادة.
(الرَّبَّانِيُّونَ) واحدهم رَبَّانِيّ. وهم: العلماء
المعلِّمون (1) .
81- {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} أي: عَهْدي. وأصل
الإصْر الثِّقْل. فسمّي العهدُ إصرًا: لأنه يمنع من الأمر الذي
أُخِذَ له وثُقِّل وشُدِّد.
* * *
93- {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا} أي: حلالا {لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ} ومثله: الحِرْم والحَرَامُ واللِّبْس واللِّباس.
{إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} ؛ قالوا: لحوم
الإبل (2) .
96- {بَكَّة} ومكّة شيء واحد. والباء تبدل من الميم. يقال:
سمَّد رأسَه وسبَّده؛ إذا استأصله. وشَرٌّ لازِم ولازِب.
__________
(1) قال الطبري في تفسيره 6/543 "وأولى الأقوال عندي بالصواب
في "الربانيين" أنهم جمع رباني، وأن "الرباني" منسوب إلى
"الربان" الذي يرب الناس، وهو الذي يصلح أمورهم ويربُّها،
ويقوم بها ... .فالربانيون إذًا هم عماد الناس في الفقه والعلم
وأمور الدين والدنيا.. والرباني: الجامع إلى العلم والفقه،
البصر بالسياسة والتدبير، والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في
دنياهم ودينهم".
(2) راجع تفسير الطبري 7/13، وقال أبو جعفر 7/15: "وأولى هذه
الأقوال بالصواب قول ابن عباس: أن ذلك العروق ولحوم الإبل؛ لأن
اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمها، كما كان عليه من
ذلك أوائلها".
(1/107)
ويقال: بكّة: موضع المسجد؛ ومكة: البلد
حوله (1) .
97- قال مجاهد في قوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} -: هو مَن إن حج لم يره بِرًّا
وإن قعد لم ير قعوده مَأْثَمًا (2) .
101- {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} أي: يمتنع بالله. وأصل
العِصْمَة: المَنْعُ. ومنه يقال: عَصَمَهُ الطعامُ؛ أي منعهُ
من الجوع.
103- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} أي: بدينه [وعهده] .
{شَفَا حُفْرَةٍ} أي: حرف حفرة ومنه "أشْفَى على كذا" إذا أشرف
عليه.
* * *
104- {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}
أي: مُعَلِّمون للخير. والأمَّة تتصرف على وجوه قد بينتها في
"تأويل المشكل" (3) .
111- {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} أي: لم تبلغ عدواتهم لكم
أن يَضروكم في أنفسكم؛ إنما هو أذى بالقول.
112- {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} أي بلسان وعهد. [والحبل]
يتصرف على وجوه قد ذكرتها في "تأويل المشكل" (4) .
113- {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} أي: مواظبة على أمر الله.
__________
(1) راجع تدليل الطبري على فساد قول من قال: "بكة" اسم لبطن
مكة و"مكة" اسم للحرم 7/23.
(2) قول مجاهد في تفسير الطبري 7/48.
(3) تأويل مشكل القرآن 345-346.
(4) ذكرها في صفحة 357-358.
(1/108)
117- {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} أي: بَرْدٌ.
ونُهِيَ عن الجراد: عما قتله الصِّر (1) أي البرد.
{أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} أي: زَرْعهم.
118- {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} أي: دُخَلاء
من دون المسلمين يريد من غيرهم.
{لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} أي: شرا.
{وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} أي ودوا عَنَتَكم وهو ما نزل بكم من
مكروه وضُر.
119- {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} أي: ها أنتم يا
هؤلاء تحبونهم.
120- {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي: نعمة.
{وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} أي: مصيبة ومكروه.
{لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} أي: مكرهم.
121- {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} من
قولك: بَوَّأْتُك منزلا؛ إذا أفَدتك إياه وأسكنتكَه. ومقاعد
القتال: المُعَسْكر والمَصَافُّ (2) .
122- {أَنْ تَفْشَلا} أي: تجبُنا.
125- {مُسَوِّمِينَ} معلمين بعلامة الحرب. وهو من السِّيماء
مأخوذ. يقال: كانت سيماء الملائكة يوم "بدر" عمائم صُفرًا.
وكان حمزة مُسَوِّمًا يوم "أحد" بريشة. وروي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: " تَسوَّمُوا فإن
الملائكة قد تسوّمت " (3) .
__________
(1) في اللسان 6/119 "وفي الحديث: أنه نهى عما قتله الصر من
الجراد".
(2) في اللسان 11/96 "والمصاف - بالفتح وتشديد الفاء - جمع
مصفّ، وهو موضع الحرب الذي يكون فيه الصفوف".
(3) راجع الحديث والكلام عليه في تفسير الطبري وهامشه 6/16.
(1/109)
ومن قرأ "مسوَّمين" بالفتح (1) أراد أنه
فُعِل ذلك بهم. والسُّومَةُ: العلامة التي تعلم الفارس نفسه.
وقال أبو زيد: (2) يقال سوم الرجل خيله: إذا أرسلها في الغارة.
وسوَّمُوا خيلهم: إذا شنوا الغارة. وقد يمكن أن يكون النَّصْبُ
من هذا أيضا.
127- {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بأسْر
وقتل.
{أَوْ يَكْبِتَهُمْ} قال أبو عبيدة: الكَبْت: الإهلاك (3) .
وقال غيره: هو أن يغيظهم ويحزنهم. وكذلك قال في قوله في سورة
المجادلة: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
(4) ويقال: كبت الله عدوّك.
وهو بما قال أبو عبيدة أشبه. واعتبارُها قوله: {وَرَدَّ
اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} (5) لأن أهل النظر
يرون أن "التاء" فيه منقلبة عن "دال" (6) . كأن الأصل فيه:
يَكْبدُهُم أي يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ وشدة العداوة.
ومنه يقال: فلان قد أحرق الحزن كبدَه. وأحرقت العداوة كبده.
والعرب تقول للعدو: أسود الكبد. قال الأعْشَى:
__________
(1) وهي قراءة ابن عامر، وحمزة، والكسائي، ونافع، كما في تفسير
القرطبي 4/196.
(2) البحر المحيط 3/51.
(3) في مجاز القرآن 102 "تقول العرب: كبته الله لوجهه، أي صرعه
الله".
(4) سورة المجادلة 5.
(5) سورة الأحزاب 25.
(6) في اللسان 2/381 "وقال الفراء: كبتوا: أذلوا وأخذوا
بالعذاب بأن غلبوا كما نزل بمن كان قبلهم. قال الأزهري: وقال
من احتج للفراء: أصل الكبت: الكبد، فقلبت الدال تاء، أخذ من
الكبد، وهو معدن الغيظ والأحقاد. فكأن الغيظ لما بلغ بهم
مبلغه، أصاب أكبادهم فأحرقها، ولهذا قيل للأعداء: هم سود
الأكباد. وفي الحديث: أنه رأى طلحة حزينا مكبوتا، أي شديد
الحزن. قيل الأصل: فيه مكبود بالدال، أي أصاب الحزن كبده، فقلب
الدال تاء" وإني أرى أن الأزهري يقصد ابن قتيبة بقوله: "وقال
بعض من احتج للفراء".
(1/110)
فما أُجْشِمْتُ من إتيان قَوْمٍ ... هُمُ
الأعداءُ والأكبادُ سُودُ (1)
كأن الأكباد لما احترقت بشدة العداوة اسودت. ومنه يقال للعدو:
كاشح؛ لأنه يخبأ العداوة في كَشْحِه. والكَشْحُ: الخاصرةُ
وإنما يريدون الكبد لأن الكبد هناك. قال الشاعر:
*وَأُضْمِر أضْغَانًا عَلَيَّ كُشُوحُها * (2)
والتاء والدال متقاربتا المخرجين. والعرب تدغم إحداهما في
الأخرى وتبدل إحداهما من الأخرى كقولك: هَرَتَ الثوب وهَرَدَه:
إذا خرقه. كذلك كبت العدو وكبده. ومثله كثير.
* * *
130- {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} يريد ما
تضاعف منه شيئا بعد شيء. قال ابن عيينة: هو أن تقول:
أَنْظِرْني وأَزِيدُك (3) .
133- وقوله {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}
يريد سعتَها، ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول:
بلاد عريضة أي واسعة "وفي الأرض العريضة مَذْهَبُ". وقال النبي
صلى الله عليه وسلم للمنهزمين يوم أُحد: " لقد ذهبتم بها عريضة
". وقال الشاعر:
__________
(1) ديوانه 215 واللسان 4/378.
(2) للنمر بن تولب، وتمامه:
أقارض أقواما فأوفى قروضهم ... وعف إذا أردى النفوس شحيحها
تنفذ منهم نافذات تسؤنني ... وأضمر. . . . . . .
(3) في الدر المنثور 2/71 عن سعيد بن جبير قال: "إن الرجل كان
يكون له على الرجل المال، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول
المطلوب: أخر عني وأزيدك في مالك، فيفعلان ذلك، فذلك الربا
أضعافا مضاعفة، فوعظم الله".
(1/111)
كَأَنَّ بِلادَ اللهِ - وَهْيَ عَرِيضةٌ -
... على الخائفِ المطلوبِ كِفَّةُ حابلِ (1)
وأصل هذا من العَرْض الذي هو خلاف الطول. وإذا عَرُضَ الشيءُ
اتسع وإذا لم يَعْرُض ضاق ودَقّ.
134- {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} الصابرين. وأصل الكَظْم
والصبر: حبس الغيظ.
135- {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} أي: لم يقيموا
عليه.
139- {وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا. وهو من الوَهَن.
و (الْقَرْحُ) الجراح. والقُرح أيضا (2) . وقد قُرِئَ بهما
جميعا (3) ويقال: القُرح - بالضم -: ألم الجراح.
141- {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي يختبرهم.
والتمحيص: الابتلاء والاختبار. قال عبد الله بن معاوية بن عبد
الله بن جعفر:
__________
(1) البيت غير منسوب في الكامل 3/857 واللسان 11/215
وراويتهما: "كأن فجاج الأرض" وهو في تفسير القرطبي 4/205
والبحر المحيط 3/57. والحابل: الصائد، وكفته: حبالته التي يصيد
بها.
(2) في تفسير القرطبي 4/217 "والضم والفتح فيه لغتان عن
الكسائي والأخفش. وقال الفراء: هو بالفتح: الجرح، وبالضم:
ألمه. والمعنى: إن يمسسكم يوم أحد قرح فقد مس القوم يوم بدر
قرح مثله".
(3) انظر معاني القرآن 1/234.
(1/112)
رأيتُ فُضَيلا كان شيئا مُلَفَّفًا ...
فَكَشَّفَهُ التمحيصُ حتى بَدَا لِيَا (1)
يريد الاختبار.
143- {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أي: رأيتم أسبابه. يعني
السيف والسلاح.
144- {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي كفرتم. ويقال لمن
كان على شيء ثم رجع عنه: قد انقلب على عقبه. وأصل هذا أرجعه
القهقرى. ومنه قيل للكافر بعد إسلامه: مرتد.
146- {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} أي كثير من نبي.
(قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) أي جماعات كثيرة. ويقال: الألوف.
وأصله من الرِّبَّة. وهي الجماعة. يقال للجمع: رِبِّي كأنه نسب
إلى الربَّة. ثم يجمع رِبِّي بالواو والنون. فيقال:
رِبِّيُّون.
[ {فَمَا وَهَنُوا} أي ضعفوا] .
{وَمَا اسْتَكَانُوا} ما خشعوا وذلّوا. ومنه أُخِذ المستكين.
151- {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (2) أي حجة.
152- {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي تستأصلونهم بالقتل.
يقال: سنة
__________
(1) البيت له في عيون الأخبار 3/75 والكامل 1/183 وفي الأغاني
11/66 أنه قاله في صديقه قصي بن ذكوان. ثم قال في ص 76: إنه
قاله في صديقه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن
عبد المطلب، بعد أن تهاجرا. والبيت غير منسوب في اللسان 8/359.
(2) راجع تأويل الآية في تفسير الطبري 7/279.
(1/113)
حَسُوس: إذا أتت على كل شيء. وجراد
مَحْسُوس (1) إذا قتله البرد.
* * *
153- {إِذْ تُصْعِدُونَ} أي تبعدون في الهزيمة. يقال: أصْعَد
في الأرض إذا أمْعَن في الذهاب. وصعد الجبل والسطح.
{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} أي جازاكم غما مع غم. أو غما
متصلا بغم. والغم الأول: الجراح والقتل. والغم الثاني: أنهم
سمعوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتل (2) فأنساهم الغمّ
الأول.
و (الأمَنَةُ) : الأمن. يقال: وقعت الأمَنَة في الأرض. ومنه
يقال: أعطيته أمانا. أي عهدًا يأمن به.
{فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أي قصور عالية. والبروج: الحصون.
155- {اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} طلب زَلَلَهم. كما يقال:
استعجلت فلانا. أي طلبت عجلتهُ واستعملته أي طلبت عمله.
156- {ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ} تباعدوا. و {غُزًّى} جمع غَازٍ.
مثل صائم وصُوَّم. ونائم ونُوَّم. وعاف وعُفًّى.
159- {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} أي فبرحمة. و "ما"
زائدة.
{لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي تفرقوا.
161- {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (3) . أي يخون في
الغنائم.
__________
(1) في اللسان 7/352 "وفي الحديث: إنه أتى بجراد محسوس".
(2) تفسير الطبري 7/306 وقيل في تفسيرهما عكس ذلك، وقيل: بل
الغم الأول: ما كان فاتهم من الفتح والغنيمة، والثاني إشراف
أبي سفيان عليهم في الشعب، وانظر الدر المنثور 1/87.
(3) راجع أسباب النزول 93.
(1/114)
{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ} معناه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "
لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة على عنقه شاة لها ثُغَاءٌ لا
أعرفن كذا، لا أعرفن كذا، فيقول: يا محمد. فأقول: لا أملك لك
شيئا، قد بلغت " (1) . يريد: أن من غل شاة أو بقرة أو ثوبا أو
غير ذلك؛ أُتي به يوم القيامة يحمله.
ومن قرأ "يُغَلّ" أراد يُخَان. ويجوز أن يكون يُلْفَى خائنا.
يقال: أغللت فلانا أي وجدته غالا. كما يقال: أحْمَقْتُه وجدته
أحمق. وأحمدته وجدته محمودا.
وقال الفَرَّاء (2) . من قرأه "يُغَلّ" أراد: يُخَوَّن. ولو
كان المراد هذا المعنى لقيل يُغَلَّل. كما يقال: يُفَسَّق
ويُخَوَّن ويُفَجَّر.
163- {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي هم طبقات في الفضل.
فبعضهم أرفع من بعض.
* * *
165- {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا} يقول أصابتكم مصيبة يوم "أحد" قد أصبتم مثليها من
المشركين يوم "بدر"
{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي بمخالفتكم وذنوبكم.
يريد مخالفة الرُّماة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
167- {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} يقول:
كثّروا فإنكم إذا كَثَّرْتم دفعتم القومَ بكثرتكم (3) .
__________
(1) راجع الأحاديث في ذلك وتخريجها في تفسير الطبري وهامشه
7/356-364 وانظر الدر المنثور 2/91-92.
(2) في معاني القرآن للفراء 1/246.
(3) هذا نص تفسير الفراء في معاني القرآن 1/246 وانظره من غير
نسبة في تفسير الطبري 7/380.
(1/115)
168- {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ
الْمَوْتَ} أي ادفعوه. يقال: دَرَأَ الله عنك الشرك أي دفعه.
175- {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم بأوليائه كما قال: {لِيُنْذِرَ
بَأْسًا شَدِيدًا} (1) أي لينذركم ببأس [شديد] .
178- {نُمْلِي لَهُمْ} أي نُطيل لهم. يعني الإمهال
والنَّظْرَة. ومنه قوله: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (2) .
179- {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} يقول: حتى
يخلِّص المؤمنين من الكفار.
180- {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
أي يَلْزَم أعناقهم إثْمُه. ويقال: هي الزكاة يأتي مانِعُها
يوم القيامة قد طُوِّق شجاعًا أقرع يقول: أنا الزكاة (3) .
* * *
181- {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ
اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} قال رجل من اليهود (4)
حين نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}
(5) -: إنما يستقرض الفقير من الغني والله الغني فكيف يستقرض؟
فأنزل الله هذه الآية.
185- {زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} أي نحِّي عنها وأُبْعِد.
__________
(1) سورة الكهف 2.
(2) سورة مريم 46.
(3) راجع الأحاديث في ذلك، في الدر المنثور 2/105 وتفسير
الطبري 7/437.
(4) هو حيي بن أخطب، كما في الدر المنثور 2/106 وتفسير الطبري
7/444.
(5) سورة البقرة 245، وسورة الحديد 11.
(1/116)
186- {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ} أي: لَتُخْتَبَرُنَّ. ويقال: لَتُصَابُنَّ.
والمعنيان متقاربان.
188- {بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} أي بمنجاة ومنه يقال: فاز
فلان أي نجا.
196- {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
الْبِلادِ} أي تصرّفهم في التجارات وإصابتهم الأموال.
197- (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي بئس الفِراش والقرار.
198- {نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي ثوابا ورزقا.
200- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}
أي صَابِروا عدوَّكم.
{وَرَابِطُوا} في سبيل الله (1) . وأصل المرابطة والرِّباط: أن
يربط هؤلاء خيولهم، ويربط هؤلاء خيولهم في الثغر. كل يُعِدُّ
لصاحبه. وسمي المقام بالثغور رِباطًا.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون ببقاء الأبد. وأصل
الفلاح: البقاء. وقد بيناه فيما تقدم (2) .
__________
(1) في مجاز القرآن 112 "أي اثبتوا وداوموا".
(2) راجع ص 39.
(1/117)
|