غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر سورة النساء
مدنية كلها
1- {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} أي نشرَ في
الأرض.
{تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} مَن نَصَب أراد: اتقوا الله
الذي تساءلون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
ومَن خفض أراد: الذي تساءلون به وبالأرحام (1) . وهو مثل قول
الرجل: نَشَدْتُكَ بالله وبالرحم (2) .
2- {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي:
مع أموالكم مضمومة إليها.
والحوب الإثم. وفيه ثلاث لغات: حُوب. وحَوْب. وحَابٌ.
__________
(1) الذين قرءوا بالجر: حمزة، والنخعي، وقتادة، والأعمش، كما
في تفسير القرطبي 5/2 والبحر المحيط 3/157، وقد تكلم فيها
النحويون فقال رؤساء البصريين: هو لحن لا تحل القراءة به، وقال
الكوفيون: هو قبيح. وممن ردها: المبرد والزجاج، وابن عطية في
تفسيره، والزمخشري في الكشاف 1/241 وقد دافع عنها: عبد الرحيم
القشيري وأبو حيان الأندلسي كما دافع عن حمزة. وتفصيل ذلك في
البحر المحيط وتفسير القرطبي.
(2) في تفسير القرطبي 5/3 "هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد وهو
الصحيح في المسألة.." وفي البحر 3/157 "ويؤيده قراءة عبد الله:
"وبالأرحام" وكانوا يتناشدون بذكر الله والرحم".
(1/118)
3- {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتَامَى} أي: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين اليتامى. يقال:
أقسط الرجل: إذا عدل. ومنه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله:
"المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة" ويقال:
قسط الرجل: إذا جار بغير ألف. ومنه قول الله: {وَأَمَّا
الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (1) .
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} أي: ذلك أقرب إلى ألا تجوروا
وتميلوا. يقال: عُلْت عليَّ أي جرت علي. ومنه العَوْلُ في
الفَرِيضة (2) .
4- {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} يعني المهور. واحدها
صَدُقَةٌ. وفيها لغة أخرى: صُدْقَةٌ.
{نِحْلَةً} أي: عن طيب نفس. يقول ذلك لأولياء النساء لا
لأزواجهن (3) ؛
__________
(1) سورة الجن 15.
(2) في اللسان 13/512 "عالت الفريضة، أي ارتفعت وزادت. وفي
حديث علي: أنه أتى في ابنتين، وأبوين؛ وامرأة؛ فقال: صار ثمنها
تسعا. قال أبو عبيد: أراد أن السهام عالت حتى صار للمرأة
التسع. ولها في الأصل الثمن؛ وذلك أن الفريضة لو لم تعل كانت
من أربعة وعشرين، فلما عالت صارت من سبعة وعشرين. فللابنتين:
الثلثان ستة عشر سهما. وللأبوين: السدسان ثمانية أسهم.
وللمرأة: ثلاثة من سبعة وعشرين. وهو التسع، وكان لها قبل
العول: ثلاثة من أربعة وعشرين، وهو الثمن. وهذه المسألة تسمى
"المنبرية" لأن عليا سئل عنها وهو على المنبر فقال من غير
روية: صار ثمنها تسعا؛ لأن مجموع سهامها: واحد وثمن واحد،
فأصلها ثمانية والسهام تسعة".
(3) لا، بل الخطاب للأزواج؛ لأن الله ابتدأ ذكر الآية بخطاب
الناكحين النساء، ونهاهم عن ظلمهن والجور عليهن وعرفهم سبيل
النجاة من ظلمهن. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صرف
عنهم إلى غيرهم. فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) هم الذين قيل
لهم: (وآتوا النساء صدقاتهن) ، وأن معناه: وآتوا من نكحتم من
النساء صدقاتهن نحلة؛ لأنه قال في أول الآية: (فانكحوا ما طاب
لكم من النساء) ولم يقل: "فأنكحوا"، فيكون قوله: (وآتوا النساء
صدقاتهن) مصروفا إلى أنه معني به أولياء النساء دون أزواجهن.
وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهن والمسمى لهن
الصداق، أن يؤتوهن صدقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم
يسم لها في عقد النكاح صداق". راجع تفسير الطبري 7/554.
(1/119)
لأن الأولياء كانوا في الجاهلية لا يعطون
النساء من مهورهن شيئا. وكانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئًا
لك النَّافِجةُ. يريدون أنه يأخذ مهرها إبلا فيضمها إلى إبله.
فَتُنْفِجُها. أي تعظِّمُها وتُكَثِّرُها. ولذلك قالت إحدى
النساء في زوجها:
* لا يأخذ الحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِيَا * (1)
تقول: لا يفعل ما يفعله غيره. والحلوان هاهنا: المهور.
وأصل النِّحْلة العطية. يقال: نَحَلْتُه نحلة حسنة. أي أعطيته
عطية حسنة. والنحلة لا تكون إلا عن طيب نفس. فأما ما أخذ
بالحكم فلا يقال له نحلة.
* * *
5- {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} أي: لا تعطوا
الجهلاء أموالكم، والسفه الجهل. وأراد هاهنا النساء والصبيان
(2) .
{قِيَامًا} وقِوَامًا بمنزلة واحدة. يقال: هذا قوام أمرك
وقيامهُ أي: ما يقوم به أمرك.
6- {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أي: اختبروهم.
{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} أي: بلغوا أن ينكحوا
النساء.
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي: علمتم وتبينتم. وأصل
آنست: أبصرت.
{وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} أي: تأكلوها مُبَادَرَة أن
يكْبروا فيأخذوها منكم.
__________
(1) أمالي القالي 2/276 وفي اللسان 18/210 "بناتيًا".
(2) قال الطبري 7/565 "والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا،
أن الله عم بقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) ، فلم يخصص
سفيها دون سفيه. فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله، صبيا
صغيرا كان أو رجلا كبيرا، ذكرا كان أو أنثى".
(1/120)
{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ}
أي: ليترك ولا يأكل.
{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أي يقتصد
ولا يسرف.
7- قال قتادة (1) وكانوا لا يُوَرِّثون النساء فنزلت:
{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا
مَفْرُوضًا} مُوجَبًا فرضه الله. أي أوجبه.
9- {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} مبينة في كتاب
"المشكل" (2) .
{قَوْلا سَدِيدًا} من السّداد وهو الصواب والقصد في القول.
12- وقوله: {يُورَثُ كَلالَةً} هو الرجل يموت ولا ولد له ولا
والد. قال أبو عبيدة: هو مصدر من تَكَلَّلَه النَّسب (3) .
وتكلله النسب: أحاط به. والأب والابن طرفان للرجل. فإذا مات
ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه. فسمي ذهاب الطرفين: كلالة.
وكأنها اسم للمصيبة (4) في تكلل النسب مأخوذ منهُ نحو هذا
قولهم: وجهت الشيء: أخذت وجههُ، وثغّرت الرجل: كسرت ثغره.
وأطراف الرجل: نسبه من أبيه وأمه. وأنشد أبو زيد:
فكيفَ بأطْرَافِي إذَا ما شَتَمْتَنِي ... وَمَا بَعْد شَتْمِ
الوالِدينِ صُلُوحُ (5)
__________
(1) قوله في تفسير الطبري 7/597 وانظر الدر المنثور 2/122
وأسباب النزول 106.
(2) بينها في صفحة 248.
(3) في مجاز القرآن 119 " ... النسب، أي تعطف النسب عليه، ومن
قال: "يورث كلالة" فهم الرجال الورثة، أي يعطف النسب عليه"
وانظر اللسان 14/112 والبحر المحيط 3/188 وتفسير القرطبي
5/76-77 وتفسير الطبري 8/53.
(4) في اللسان 14/111 "والكل: المصيبة تحدث، والأصل من كل عنه،
أي نبا وضعف".
(5) في اللسان 11/22 "وأنشد أبو زيد لعون بن عبد الله بن عتبة
بن مسعود. "فكيف ... .صلوح". جمعهما أطرافا لأنه أراد أبويه
ومن اتصل بهما من ذويهما. وقال أبو زيد في قوله: "بأطرافي"
أطرافه: أبواه وإخوته وأعمامه وكل قريب له محرم" والبيت غير
منسوب فيه 3/348 والصحاح 4/1393.
(1/121)
أي صلاح.
* * *
15- {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} يعني الزنا.
وقوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} منسوخة نسختها:
16- {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} يعني الفاحشة.
{فَآذُوهُمَا} أي عزروهما. ويقال: حدوهما.
{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} أي: لا
تُعَيروهما بالفاحشة. ونحو هذا قول رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله في الأَمَة: "فليجلدها الحد ولا يعيرها".
19- {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}
قالوا (1) . كان الرجل إذا مات عن امرأته وله ولد من غيرها،
ألقى ثوبه عليها فيتزوجها بغير مهر إلا المهر الأول. ثم أضرّ
بها ليرثها ما ورثت من أبيه. وكذلك كان يفعل الوارث أيضا غير
الولد.
والكَرْه هاهنا بمعنى الإكراه والقهر. فأما الكُرْه بالضم
فبمعنى المشقة. يقول الناس: لتَفْعَلَن ذلك طوعا أو كَرها. أي
طائعا أو مكرها. ولا يقال: طوعا أو كُرها بالضم.
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: صاحبوهن مصاحبة جميلة.
20- {بُهْتَانًا} أي ظلما.
21- {أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} يعني المجامعة.
__________
(1) راجع أسباب النزول 108 والدر المنثور 2/131.
(1/122)
{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}
أي وثيقة. قال ابن عباس: هو تزوجهن على إمساك بمعروف، أو تسريح
بإحسان (1) .
22- {وَسَاءَ سَبِيلا} أي قبح هذا الفعل فعلا وطريقا. كما
تقول: ساء هذا مذهبا. وهو منصوب على التمييز. كما قال:
{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (2) .
23- {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} أزواج البنين.
24- {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} أي حرم عليكم ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم
من السبايا اللواتي لهن أزواج في بلادهن.
{كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: فرضه الله عليكم.
{مُحْصِنِينَ} متزوجين.
{غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: غير زناة. والسفاح: الزنا. وأصله من
سَفَحْت القربة إذا صببتها. فسمي الزنا سفاحا. كما يسمى
مِذَاءً (3) لأنه يسافح يصب النطفة وتصب المرأة النطفة ويأتي
بالمَذْي وتأتي المرأة بالمَذْي. وكان الرجل في الجاهلية إذا
أراد أن يفجر بالمرأة قال لها سافحيني أو ماذِيني. ويكون أيضا
من صب الماء عليه وعليها.
{وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي أعطوهن مهورهن.
__________
(1) الدر المنثور 2/133.
(2) سورة النساء 69.
(3) في اللسان 20/142 "والمذاء: أن تجمع بين رجال ونساء
وتتركهم يلاعب بعضهم بعضا".
(1/123)
25- {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلا} أي لم يجد سعة.
{أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} يعني الحرائر.
{فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ} يعني الإماء.
{وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ} عفائف.
{غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} غير زَوَانٍ.
{وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} أي متخذات أصدقاء.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي: تزوجن. وقال بعضهم: أسلمن. والإحصان
يتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب "المشكل" (1) .
{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} أي زَنَيْن.
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} (2) يعني
البكر الحرة. سماها محصنة وإن لم تتزوج لأن الإحصان يكون لها
وبها إذا كانت حرة. ولا يكون بالأمة إحصان.
{مِنَ الْعَذَابِ} يعني الحد. وهو مائة جلدة. ونصفها خمسون على
الأمة.
{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي خشي على نفسه
الفجور. وأصل العَنَت: الضرَر والفساد (3) .
29- و {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير استحقاق.
__________
(1) تأويل مشكل القرآن 391.
(2) راجع البحر المحيط 3/223.
(3) راجع تفسير الطبري 8/206.
(1/124)
{إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ
مِنْكُمْ} مثل المضاربة (1) والمقارضة في التجارة فيأكل بعضكم
مال بعض عن تراض.
{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يقتل بعضكم بعضا على ما
بينت في كتاب "المشكل" (2) .
31- {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ (3) مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يعني الصغائر من الذنوب.
{وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا} أي: شريفا (4) .
32- {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ
عَلَى بَعْضٍ} أي لا يتمنى النساء ما فضّل به الرجال عليهن (5)
.
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} أي: نصيب من الثواب
فيما عملوا من أعمال البر.
{وَلِلنِّسَاءِ} أيضا {نَصِيبٌ} منه فيما عملن من البر.
33- {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أولياء. ورثة عصبة (6) .
__________
(1) في اللسان 2/32 "وضاربه في المال من المضاربة، وهي القراض.
والمضاربة: أن تعطي إنسانا من مالك يتجر فيه، على أن يكون
الربح بينكما، أو يكون له سهم معلوم من الربح ... ".
(2) بينه في صفحة 115 وانظر تفسير الطبري 8/229.
(3) قيل في تفسيرها: إنها ما تقدم الله إلى عباده بالنهي عنه
من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها. وقيل: إنها الشرك
بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس المحرم قتلها، وقول الزور،
وقذف المحصنة، واليمين الغموس، والسحر، والفرار من الزحف،
والزنا بحليلة الجار".
(4) قال الطبري في تفسيره 8/359 "وأما المدخل الكريم، فهو
الطيب الحسن، المكرم بنفي الآفات والعاهات عنه وبارتفاع الهموم
والأحزان ودخول الكدر في عيش من دخله، فلذلك سماه الله
كريمًا".
(5) راجع أسباب النزول 110 وتفسير الطبري 8/260 والدر المنثور
2/149.
(6) فتأويل الكلام: ولكلكم، أيها الناس، جعلنا عصبة يرثون به
مما ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم، كما قال الطبري في تفسيره
8/272.
(1/125)
{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1)
يريد الذين حالفتم.
{فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من النظر والرِّفْدِ والمعونة (2) .
34- {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: لغيب أزواجهن بما حفظ اللهُ
أي: بحفظ الله إياهن.
{وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} يعني: بغض المرأة للزوج.
يقال: نَشَزَت المرأة على زوجها ونَشَصَت: إذا تَرَكته ولم
تطمئن عنده. وأصل النشوز: الارتفاع.
{فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} (3) أي: لا تجنوا عليهن
الذنوب.
35- {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (4) أي: التباعد
بينهما.
* * *
36- {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} القرابة.
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} الغريب (5) والجنابة: البُعد. يقال:
رجل جنب أي غريب.
__________
(1) عقدت أي وصلت وشدت ووكدت. وأيمانكم: مواثيقكم التي واثق
بعضكم بعضا.
(2) عبارة ابن عباس: "من النصر والنصيحة والرفادة" وعبارة
مجاهد: "من العقل والنصر والرفادة" راجع تفسير الطبري 8/278
والدر المنثور 2/150.
(3) في تفسير الطبري 8/316 "فإن أطعنكم" أي على بغضهن لكم، فلا
تجنوا عليهن، ولا تكلفوهن محبتكم، فإن ذلك ليس بأيديهن،
فتضربوهن أو تؤذوهن عليه. "فلا تبغوا" فلا تطلبوا طريقا إلى
أذاهن ومكروههن، ولا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحل لكم من
أبدانهن وأموالهن بالعلل".
(4) في الطبري 8/319 "الشقاق: مصدر من قول القائل: "شاق فلان
فلانا" إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من
الأمور.
(5) مسلما كان أو مشركا، يهوديا كان أو نصرانيا ... ليكون ذلك
وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم، كما قال الطبري في
تفسيره 8/239.
(1/126)
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} الرفيق في
السفر (1) .
{وَابْنِ السَّبِيلِ} الضيف.
و (المختال) ذو الخيلاء والكبر.
40- {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أي: زنة ذرة. يقال: هذا على مثقال هذا
أي: على وزن هذا، والذرة جمعها ذر وهي أصغر النمل.
{يُضَاعِفْهَا} أي يؤتي مثلها مرات. ولو قال: يضعِّفها لكان
مرة واحدة.
42- {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} أي يكونون ترابا، فيستوون
معها حتى يصيروا وهي شيئا واحدا.
{وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} هذا حين سئلوا فأنكروا
فشهدت عليهم الجوارح.
43- {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} يعني المساجد لا
تقربوها وأنتم جنب إلا مجتازين غير مقيمين ولا مطمئنين.
{الْغَائِطِ} الحدث. وأصل الغائط: المطمئن من الأرض. وكانوا
إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا من الأرض فَفَعَلوا ذلك
فيه. فكنى عن الحدث بالغائط (2) .
{فَتَيَمَّمُوا} أي تعمدوا.
{صَعِيدًا طَيِّبًا} أي ترابا نظيفا.
__________
(1) وقيل: بل هو امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه، ويرى
الطبري 8/344 أن المراد: الصاحب إلى الجنب، ليشمل الرفيق في
السفر، والمرأة، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه.
(2) قارن هذا بما في الطبري 8/388.
(1/127)
44- {نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} أي حظا.
46- {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} كانوا يقولون للنبي صلى الله
عليه وعلى آله: اسمع لا سَمِعْت.
{وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} أراد أنهم يحرفون
"راعنا" من طريق المراعاة والانتظار إلى السب بالرعونة. وقد
بينت هذا في "المشكل" (1) .
{وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا} أي: لو قالوا: اسمع وانظرنا. أي لو
قالوا: اسمع ولم يقولوا: لا سمعت وقالوا: انظرنا - أي انتظرنا
- مكان راعنا. {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} والعرب تقول: نظرتك
وانتظرتك بمعنى واحد.
47- {نَطْمِسَ وُجُوهًا} أي: نمحو ما فيها من عينين وأنف وحاجب
وفم.
{فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} أي: نصيرها
كَأَقْفَائِهِمْ.
51- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا} ألم تُخْبَر. ويكون
أما ترى أما تعلم وقد بينا ذلك في كتاب "المشكل" (2) .
{بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} كل معبود من حجر أو صورة أو شيطان
فهو جبت وطاغوت (3) .
ويقال (4) إنهما في هذه السورة رجلان من اليهود يقال لأحدهما:
حُيَيّ بن أخطب وللثاني كعب بن الأشرف. وإيمانهم بهما تصديقهم
لهما وطاعتهم إياهما.
__________
(1) راجع تأويل مشكل القرآن 291.
(2) راجع معنى الرؤية في تأويل مشكل القرآن 381.
(3) هذا نص تفسير أبي عبيدة، وهو الذي ارتضاه الطبري 8/465.
(4) تفسير الطبري 8/464 والدر المنثور 2/172.
(1/128)
وقوله: {فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} (1) يعني
الشيطان.
* * *
53- (النَّقِيرُ) النقطة التي في ظهر النواة. يقول: لا يعطون
الناس شيئا ولا مقدار تلك النقطة.
(وَالفَتِيلُ) (2) القشرة في بطن النواة. ويقال: هو ما فتلته
بإصبعيك من وسخ اليد وعرقها.
(القِطْمِيرُ) (3) الفُوفَة التي تكون فيها النواة. ويقال:
الذي بين قمع الرطبة والنواة.
* * *
54- {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ} يعني بالناس: النبي صلى الله عليه وسلمُ على كل
ما أحلَّ الله له من النساء (4) .
{فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} (5) يعني داود النبي عليه
السلامُ وكانت له مائة امرأة؛ وسليمان وكانت له تسعمائة امرأة
وثلثمائة سرية (6) .
__________
(1) سورة النساء 76.
(2) في سورة النساء 49، 77، وسورة الإسراء 71.
(3) سورة فاطر 13.
(4) الوجه أن يقال: أم يحسد هؤلاء اليهود محمدا، على النبوة
التي فضله الله بها، وشرف بها العرب، راجع تفسير الطبري 8/479.
(5) في تفسير الطبري 8/481 والدر المنثور 2/173 عن السدي أنه
قال: (آل إبراهيم) : سليمان وداود. (الحكمة) النبوة (وآتيناهم
ملكا عظيما) في النساء، فما باله حل لأولئك وهم أنبياء: أن
ينكح داود تسعا وتسعين امرأة، وينكح سليمان مائة، ولا يحل
لمحمد أن ينكح كما نكحوا؟
(6) وروى الحاكم في المستدرك عن محمد بن كعب قال: "بلغني أنه
كان لسليمان ثلثمائة امرأة، وثلثمائة سرية"! والله أعلم بحقائق
هذه الأرقام.
(1/129)
59- {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني
الأمراء الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث بهم على
الجيوش.
{فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} بأن تردوه إلى كتابه العزيز،
(وردوه إلى الرَّسُولِ) بأن تردوه إلى سنته.
{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} أي وأحسن عاقبة.
65- {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: فيما اختلفوا فيه.
{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ}
أي: شكا ولا ضيقا من قضائك. وأصل الحرج: الضيق.
66- {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} أي: فرضنا عليهم
وأوجبنا.
71- {ثُبَاتٍ} جماعات. واحدتها ثُبَةٌ. يريد جماعة بعد جماعة
(1) .
{أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} أي: بأجمعكم جملة واحدة.
75- {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} أي: وفي المستضعفين بمكة. و (البُرُوجُ)
الحصون و (المُشَيَّدَةُ) المُطَوَّلَةُ (2) .
78- {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} أي: خصب.
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: قحط.
{يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} أي: بشؤمك. {قُلْ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ}
79- {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي: من نعمة.
{فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}
__________
(1) مجاز القرآن 132.
(2) مجاز القرآن 132.
(1/130)
أي: بلية.
{فَمِنْ نَفْسِكَ} أي: بذنوبك. الخطاب للنبي والمراد غيره (1)
.
80- {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: محاسبا (2)
.
81- {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} بحضرتك.
{فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ} أي: خرجوا.
{بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} أي:
قالوا وقدَّروا ليلا غير ما أعْطَوْك نهارا. قال الشاعر:
أَتَوْنِي فَلَمْ أرْضَ ما بَيَّتُوا ... وكانوا أتوني بشيء
نُكُرْ (3)
والعرب تقول: هذا أمر قُدِّرَ بليل وفرغ منه بليل. ومنه قول
الحارث بن حِلِّزَة:
أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عِشَاءً فَلَما ... أصْبَحُوا أصْبَحَتْ
لَهُمْ ضَوْضَاءُ (4)
__________
(1) وروي عن ابن عباس أنه قال: "الحسنة": ما فتح الله عليه يوم
بدر وما أصابه من الغنيمة والفتح. و"السيئة": ما أصابه يوم
أحد، أن شج في وجهه وكسرت رباعيته. راجع تفسير الطبري 8/558
والدر المنثور 2/185.
(2) نقلها القرطبي منسوبة للمؤلف، في تفسيره 5/288.
(3) قال الجاحظ في معرض حديثه عن النعمان بن المنذر في كتاب
الحيوان 4/376 "وخطب أخوه المنذر إلى عبيدة بن حمام فرد أقبح
الرد وقال: أتوني ... وقد طرقوني.." والبيت لعبيدة في مجاز
القرآن 133 وتفسير الطبري 8/563 ونسب للأسود بن يعفر في اللسان
7/92، وهو غير منسوب في الكامل 2/739، 3/891 وتفسير القرطبي
5/289 والبحر المحيط 3/303 والأزمنة والأمكنة 1/263.
(4) شرح القصائد العشر 246.
(1/131)
وقال بعضهم: بَيَّتَ طائفة: أي بدَّل
وأنشد:
وَبَيَّتَ قَوْلي عبد الملي ... ك قَاتَلَكَ اللهُ عَبْدًا
كَفورا (1)
83- {أَذَاعُوا بِهِ} أشاعوه.
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ
مِنْهُمْ} أي: ذوو العلم منهم.
{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} أي: يستخرجونه إلا
قليلا (2) .
85- {شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} من
الثواب.
{وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ
مِنْهَا} أي: نصيب. ومنه قوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
مِنْ رَحْمَتِهِ} (3)
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} أي: مُقْتدِرًا
أقات على الشيء: اقتدر عليه. قال الشاعر:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ ... وَكُنْتُ على
إسَاءَتِهِ مُقِيتًا (4)
__________
(1) البيت للأسود بن عامر بن جوين الطائي، كما في تفسير الطبري
9/191 وفيه: "عبدا كنودا" وهو غير منسوب في تفسير القرطبي
5/289 وفيه: "قاتله الله" وكذلك في البحر المحيط 3/303 "وتبيت"
وقد ذكره كما فعل الطبري شاهدا على أن التبييت بلغة طيء هو
التبديل.
(2) في الدر المنثور 2/187 عن قتادة "قال: إنما هو: لعلمه
الذين يستنبطونه منهم، الذين يفحصون عنه ويهمهم ذلك إلا قليلا
منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان" وانظر
معاني القرآن للفراء 1/279.
(3) سورة الحديد 8.
(4) البيت للزبير بن عبد المطلب، كما في تفسير الطبري 9/584
وتفسير القرطبي 5/296 وفيهما "على مساءته" والبحر المحيط 3/303
وفي اللسان 2/380 له أو لأبي قيس بن رفاعة. وهو غير منسوب في
الصحاح 1/262 وروى السيوطي في الدر المنثور 2/187 أنه في مسائل
نافع بن الأزرق: لأحيحة بن الأنصاري.
(1/132)
والمُقِيت أيضا: الشاهد للشيء الحافظ له.
قال الشاعر:
أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إذا حُو ... سِبْتُ إنِّي على
الحساب مُقِيتُ (1)
* * *
88- {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} أي فرقتين
مختلفتين.
{وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} أي نَكّسَهم وردَّهم في كفرهم (2) .
وهي في قراءة عبد الله بن مسعود: "رَكَّسَهُمْ" (3) وهما
لغتان: رَكَسْتُ الشيء وأرْكَسْتُه.
90- {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ} أي يتصلون بقوم.
{بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: عهد. ويتصلون ينتسبون،
وقال الأعشى - وذكر امرأة سُبِيَتْ:
إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ: أَبَكْرَ بنَ وَائِلٍ ... وَبَكْرٌ
سَبَتْهَا والأنُوفُ رَوَاغِمُ (4)
أي انتسبت (5) . وفي الحديث "من اتصل فَأَعِضُّوه" يريد من
ادّعى دَعْوى
__________
(1) البيت للسموأل بن عاديا، كما في اللسان 2/380 وطبقات فحول
الشعراء 237 والأصمعيات 85 والبحر المحيط 3/303 وهو في مجاز
القرآن 1/135 وتفسير الطبري 8/585 وتفسير القرطبي 5/296
والصحاح 1/262 وفي اللسان: "وقيل في تفسيره ... أي موقوف على
الحساب".
(2) عن مجاز القرآن 1/136 وانظر البحر المحيط 3/311.
(3) معاني القرآن للفراء 1/281.
(4) ديوانه 59 ومجاز القرآن 1/136 وتفسير الطبري 9/20 وتفسير
القرطبي 5/308 والبحر المحيط 3/315 واللسان 14/253 والناسخ
والمنسوخ للنحاس 109 والكامل للمبرد 2/644.
(5) جرى ابن قتيبة في تفسير هذه الآية على قول أبي عبيدة في
مجاز القرآن 1/136، وهو خطأ، قال النحاس في الناسخ والمنسوخ
109: "وهذا غلط عظيم؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن
يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب. والمشركون قد كان بينهم
وبين السابقين الأولين أنساب. وأشد من هذا الجهل الاحتجاج بأن
ذلك كان ثم نسخ؛ لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له
"براءة" وإنما نزلت: "براءة" بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب.
وإنما يؤتى هذا من الجهل بقول أهل التفسير، والاجتراء على كتاب
الله، وحمله على المعقول من غير علم بأقاويل المتقدمين.
والتقدير على قول أهل التأويل: فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم
إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أولئك خزاعة،
صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم، على أنهم لا يقاتلون وأعطاهم
الزمام والأمان. ومن وصل إليهم فدخل في الصلح معهم - كان حكمه
كحكمهم. (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أي وإلا الذين جاءوكم حصرت
صدورهم، وهم بنو مدلج وبنو خزيمة، ضاقت صدورهم أن يقاتلوا
المسلمين، أو يقاتلوا قومهم بني مدلج. وحصرت: خبر بعد خبر" وقد
نقد أبا عبيدة كذلك الطبري في تفسيره 9/20 وانظر البحر المحيط
3/315 وتفسير القرطبي 5/308.
(1/133)
الجاهلية (1) .
{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي ضاقت. والحَصر: الضيق.
{وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي: المَقَادَة. يريد
استسلموا لكم.
91- {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ
وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا
ليأمنوهم ويعطون قومهم الرضا ليأمنوهم (2) .
92- {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} أي يتصدقوا عليهم بالدِّية
فأدغمت التاء في الصاد.
95- {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} أي: الزَّمانَة. يقال: ضرِير
بَيِّن الضّرر.
100- (المُرَاغَمُ) و (المُهَاجَرُ) واحد. تقول: راغمت وهاجرت
[قومي] (3) وأصله: أن الرجلَ كان إذا أسلم خرج عن قومه
مُرَاغِمًا لهم. أي مُغَاضِبًا، ومهاجرا. أي مقاطعا من
الهجران. فقيل للمذهب: مراغم، وللمصير إلى النبي صلى الله عليه
وسلم: هجرة - لأنها كانت بهجرة الرجل قومه.
__________
(1) في اللسان 14/253 بعد ذلك "وهي قولهم: يال فلال. فأعضوه،
أي قالوا له: اعضض أير أبيك".
(2) في تفسير الطبري 9/26.
(3) عن مجاز القرآن 1/138.
(1/134)
قال الجَعْدِي:
* عَزِيزُ المَرَاغَمِ وَالمَذهَبِ * (1)
103- {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أي: من السفر والخوف.
{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي: أتموها.
{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا
مَوْقُوتًا} أي مُوَقَّتًا. يقال: وقَّتَه الله عليهم
وَوَقَتَهُ أي جعله لأَوْقَات، ومنه: {وَإِذَا الرُّسُلُ
أُقِّتَتْ} (2) و (وُقِتَتْ) أيضا مخففة.
104- {وَلا تَهِنُوا} لا تضعفوا.
{فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} أي في طلبهم.
112- {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ
بِهِ بَرِيئًا} أي يقذِف بما جناه بريئًا منه.
117- {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} يعني اللات
والعُزَّى ومَنَاةَ.
{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} أي: مَارِدًا.
مثل قدِير وقادر والمَارِد: العَاتِي.
118- {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} أي حظا افترضته لنفسي منهم
فأُضِلّهم.
__________
(1) صدره:
"كطود يلاذ بأركانه"
وفي مجاز القرآن 1/138 وتفسير الطبري 9/112 واللسان 15/139
وتفسير القرطبي 5/348 "المراغم والمهرب" وفي تفسير الكشاف
1/293 "والمذهب".
(2) سورة المرسلات 11 وفي تفسير الطبري 29/143: "واختلف القراء
في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء المدينة، غير أبي جعفر، وعامة
قراء الكوفة "أقتت" بالألف وتشديد القاف. وقرأه بعض قراء
البصرة بالواو وتشديد القاف "وقتت" وقرأه أبو جعفر: "وقتت"
بالواو وتخفيف القاف. وانظر البحر المحيط 8/405.
(1/135)
119- {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ
الأَنْعَامِ} أي يقطعونها ويشقّونها. يقال: بَتَكَهُ إذا فَعَل
ذلك به.
{فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} يقال: دين الله. ويقال:
يغيرون خَلْقَه بالخِصَاء وقطع الآذان وفَقْءِ العيون. وأشباه
ذلك.
128- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ
إِعْرَاضًا} أي: عنها.
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} أي يتصالحا. هذا في
قسمة الأيام بينها وبين أزواجه فترضى منه بأقل من حظِّها (1) .
135- {وَإِنْ تَلْوُوا} من اللَّيّ في الشهادة والميل إلى أحد
الخصمين.
141- {نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} نَغْلِبْ عليكُم (2) .
148- {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ
إِلا مَنْ ظُلِمَ} يقال: مُنِعَ الضِّيَافَةَ (3) .
154- {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} كل من أرسل
إليه رسول فاستجاب له وأقر به فقد أخذ منه الميثاق.
157- {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} يعني
__________
(1) وهو قول ابن عباس، كما في تفسير الطبري 9/218، وهو أولى
الأقوال بالصواب عنده في تأويل ذلك 9/222.
(2) وهو تفسير السدي، كما في الطبري 9/325.
(3) قال الطبري 9/349 "فالصواب في تأويل ذلك: لا يحب الله،
أيها الناس، أن يجهر أحد لأحد بالسوء من القول، إلا من ظلم،
بمعنى إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر غيره بما أُسِيء عليه،
وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم. وإذا كان ذلك معناه؛ دخل فيه
إخبار من لم يقر، أو أُسِيء قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو
ماله".
(1/136)
العلم أي: ما قتلوا العلم به يقينا. تقول:
قَتَلْتُهُ يَقِينًا وقتلته علمًا للرأي والحديث.
159- {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ
قَبْلَ مَوْتِهِ} يريد: ليس من أهل الكتاب في آخر الزمان عند
نزوله - أحد إلا آمَنَ به حتى تكون المِلَّة واحدة، ثم يموت
عيسى بعد ذلك.
171- {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} أي لا تفرطوا فيه (1) .
يقال: دين الله بين المُقَصِّر والغالي. وغَلا في القول: إذا
جاوز المِقْدَار.
172- {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} أي: لن يَأْنَف.
176- {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي: لئلا
تضلوا (2) . وقد بينت هذا وما أشبهه في كتاب "تأويل المشكل"
(3) .
__________
(1) قال الطبري 9/415 "يقول: لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا
فيه، ولا تقولوا في عيسى غير الحق، فإن قيلكم فيه: إنه ابن
الله، قول منكم على الله غير الحق، لأن الله لم يتخذ ولدا
فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنا".
(2) في تفسير الطبري 9/445 "لئلا تضلوا في أمر المواريث
وقسمتها، أي لئلا تجوروا عن الحق في ذلك، ولا تخطئوا الحكم
فيه، فتضلوا عن قصد السبيل".
(3) راجع صفحة 174.
(1/137)
|