غريب القرآن لابن قتيبة ت أحمد صقر

سورة التوبة
1- {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي تَبَرؤٌ من الله ورسوله إلى من كان له عهد من المشركين.
2- {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} أي اذهبوا آمنين أربعة أشهر أو أقل [من كانت مدة عهده إلى أكثر من أربعة أشهر أو أقل] فإن أجله أربعة أشهر (1) .
3- {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام. ومنه أذَان الصلاة إنما هو إعلام بها. يقال: آذَنْتُهم إيذَانًا فأَذِنُوا إذْنًا. والأذن اسم مبنى منه.
{الْحَجِّ الأَكْبَرِ} يوم النَّحْر (2) . وقال بعضهم: يوم عَرَفَة. وكانوا يسمون العُمْرَة: الحج الأصغر (3) .
4- {وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا} أي: لم يعينوه والظهير: العَوْن.
{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} يريد: وإن كانت أكثر من أربعة أشهر. هؤلاء بَنُو ضَمرة خاصة (4) .
__________
(1) في تفسير الطبري 10/42 "قال بعضهم: هم صنفان من المشركين: أحدهما كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل من أربعة أشهر، وأمهل بالسياحة أربعة أشهر. والآخر منهما: كانت مدة عهده بغير أجل محدود، فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين، يقتل حيثما أدرك ويؤسر إلا أن يتوب".
(2) وهو أولى الأقوال بالصحة، عند أبي جعفر الطبري 10/53.
(3) لأن عملها أقل من عمل الحج، فلذلك قيل لها الحج الأصغر لنقصان عملها عن عمله؛ كما قال الطبري 10/54.
(4) في البحر المحيط 5/5 "وروي أنهم نكثوا إلا بني ضمرة وكنانة، فنبذ العهد إلى الناكثين".

(1/182)


5- {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} وآخرها المُحَرَّم (1) .
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} يعني من لم يكن له عهد.
{وَخُذُوهُمْ} أي: أسروهم. والأسير: أخِيذ.
{وَاحْصُرُوهُمْ} احبسوهم. والحَصْر: الحبس
{كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: كل طريق يرصدونكم به.
8- و (الإلُّ) : العهدُ ويقال: القرابة، ويقال: الله جل ثناؤه (2) . و (الذمة) : العهد.
16- (الْوَلِيجَةُ) : البِطَانة من غير المسلمين، وأصله من الولوج. وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا ووُدًّا (3) .
* * *
__________
(1) قال الطبري 10/55 "يعني: فإذا انقضى ومضى وخرج، يقال منه: سلخنا شهر كذا نسلخه سلخا وسلوخا، بمعنى خرجنا منه. ومنه قولهم: شاة مسلوخة بمعنى المنزوعة من جلدها المخرجة منه. ويعني بالأشهر الحرم: ذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم. أو إنما أريد في هذا الموضع: انسلاخ المحرم وحده؛ لأن الأذان كان ببراءة يوم الحج الأكبر، فمعلوم أنهم لم يكونوا أجلوا الأشهر الحرم كلها، ولكنه لما كان متصلا بالشهرين الآخرين قبله الحرامين، وكان هو لهما ثالثا، وهي كلها متصلة بعضها ببعض - قيل: فإذا انسلخ الأشهر الحرم. ومعنى الكلام: فإذا انقضت الأشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم، أو عن الذين كان لهم عهد فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الأعداء على رسول الله وعلى أصحابه، أو كان عهدهم إلى أجل غير معلوم -: فاقتلوا المشركين ... ".
(2) قال الطبري 10/60 "والإل: اسم يشتمل على معان ثلاثة، وهي العهد والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى الله. فإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى - فالصواب أن يعم ذلك كما عم بها جل ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمن: الله، ولا قرابة، ولا عهدا ولا ميثاقا".
(3) قارن هذا بكلام الطبري في تفسيره 10/65.

(1/183)


28- {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) أي: قذَر.
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي: فقرا بتركهم الحمل إليكم التجارات، {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
29- {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} يقال: أعطاه عن يد وعن ظهر يَدٍ: إذا أعطاه مبتدئا غير مُكافئ (2) .
30- {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: يشبهون. يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قاله أَوَّلُوهم.
31- {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يريد: أنهم كانوا يحلّون لهم الشيء فيستحلونه. ويُحَرِّمون عليهم الشيءَ فيحرمونه.
* * *
36- {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (3)
__________
(1) وهذه آية أخرى ذكر فيها لفظ "المشركين" وأريد به كل من كفر بمحمد، ولو كان من أهل الكتاب كاليهود والنصارى، فهؤلاء ممنوعون من دخول المسجد الحرام. وقد ذهب عمر بن عبد العزيز إلى أن الله لم يعن "المسجد الحرام" وحده، بل عنى سائر المساجد. روى الطبري بسنده 10/74 "أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، واتبع في نهيه قول الله (إنما المشركون نجس) وأما قول الله تعالى: (بعد عامهم هذا) فإنه يعني: بعد العام الذي نادى فيه علي ببراءة، وذلك عام حج بالناس أبو بكر، وهي سنة تسع من الهجرة. راجع تفسير الطبري 10/75.
(2) قال الطبري 10/77 "وأما قوله: "عن يد" فإنه يعني من يده إلى يد من يدفعه إليه. وكذلك تقول العرب لكل معط قاهرا له شيئا طائعا له أو كارها -: أعطاه عن يده، وعن يد.. ونظير ذلك قولهم: كلمته فما لفم، ولقيته كفة لكفة، وكذلك أعطيته عن يد ليد" وانظر مجاز القرآن 1/256 للمقارنة بينه وبين الطبري.
(3) في كتاب الله: الذي كتب فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى يوم خلق السماوات والأرض. راجع تفسير الطبري 10/88.

(1/184)


ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: الحساب الصحيح والعدد المستوي. والأربعة الحرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. ورجب الشهر الأصم.
وقال قوم: هي الأربعة الأشهر التي أجَّلَهَا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المشركين فقال: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. واحتجوا بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1) وأنكروا أن يكون رجب منها. وكانت العرب تعظم رجب وتسمّيه مُنْصِلَ الأَسِنَّة ومُنصلَ الأَلِّ؛ لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه والأَلَّ وهي الحراب (2) . ويسمونه أيضا: شهر الله الأصم؛ لأنهم كانوا لا يحاربون فيه لأنه محرم عليه. ولا يسمع فيه تداعي القبائل أو قعقعة السلاح. قال الأعشى:
تَدَارَكَهُ في مُنْصِل الأَلِّ بعْدَمَا ... مَضَى غير دَأْدَاءٍ وقد كادَ يَذْهَبُ (3)
وقال حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر يصف إبلا:
رَعَيْنَا المُرَارَ الجَوْنَ مِنْ كُلِّ مِذْنَبٍ ... شهورَ جُمَادَى كلها والمُحَرَّما (4)
__________
(1) سورة التوبة 5.
(2) في اللسان 13/24 "الأل بالفتح: جمع ألة وهي الحربة في نصلها عرض".
(3) ديوانه 138 واللسان 1/63، 13/24، 14/187 وطبقات فحول الشعراء 62. والدأداء: الليلة التي تكون في آخر الشهر فيشك فيها. قال الأزهري: "أراد أنه تداركه في آخر ليلة من ليالي رجب".
(4) ديوانه 9 واللسان 15/11 وفي اللسان 7/13 "المرار: شجر مر إذا أكلته الإبل قلصت عنه مشافرها" وفيه 16/254 "الجون: النبات الذي يضرب إلى السواد من شدة خضرته" وفيه 1/376 "المذنب مسيل الماء" وفي ديوانه "يعنى أنها رعت ستة أشهر أولها المحرم وآخرها جمادى حتى سمنت".

(1/185)


يريد بالمحرم رجبا.
وأما قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} فإنما عنى الثلاثة منها؛ لأنها متوالية لا أنَّهُ جعل فيها شوَّالا وأخرج رجبًا.
ويقال: إن الأربعة الأشهر التي أجَّلها رسول الله المشركين من عشر ذي الحجة إلى عشر ربيع الآخر وسماها حُرُمًا لأن الله حرم فيها قتالهم وقتلهم.
37- و {النَّسِيءُ} نَسْءُ الشهور، وهو تأخيرها (1) . وكانوا يؤخرون تحريم المحرم منها سنة، ويحرمون غيره مكانه لحاجتهم إلى القتال فيه، ثم يردونه إلى التحريم في سنة أخرى. كأنهم يستنسئون ذلك ويستقرضونه.
{لِيُوَاطِئُوا} أي ليوافقوا.
{عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} يقول: إذا حرموا من الشهور عدد الشهور المحرمة لم [يُبَالُوا] أن يحلُّوا الحرام ويحرِّموا الحلال.
38- {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} أراد تثاقلتم فأدغم التاء في الثاء وأحدث الألف ليسكن ما بعدها. وأراد: قعدتم ولم تخرجوا [وركنتم] إلى المقام.
40- {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} السكينة: السكون والطمأنينة. (عليه) قال قوم: على أبي بكر واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلمُ كان مطمئنا يقول لصاحبه: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} والمَذْعُورُ صاحبه فأنزل الله السكينة.
{وَأَيَّدَهُ} أي قواه بملائكة. قال الزهري (2) الغار في جبل يسمى "ثورا" ومكثا فيه ثلاثة أيام.
__________
(1) راجع مجاز القرآن 1/258-259، وأمالي القالي 1/4، وتفسير الطبري 10/91-93. ومعاني القرآن للفراء 1/436-437، والدر المنثور 3/236-237.
(2) قوله هذا في تفسير الطبري 10/96، والدر المنثور 3/243.

(1/186)


41- {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} أي: لينفر منكم من كان مخفا ومثقلا. و"المخف": يجوز أن يكون: الخفيف الحال، ويكون: الخفيف الظهر من العيال. و"المثقل": يجوز أن يكون: الغني. [ويجوز أن يكون الكثير العيال] .
ويجوز أن يكون [المعنى] شبابا وشيوخا. والله أعلم بما أراد. وقد ذهب المفسرون إلى نحو مما ذهبنا إليه (1) .
42- {الشُّقَّةُ} السَّفَر.
47- {مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا} أي شرا. [والخبال] والخبل: الفساد.
{وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} من الوَضْع، وهو سرعة السير. يقال: وضَع البعير وأوضَعْته إيضاعا. والوجِيفُ: مثله. و {خِلالَكُمْ} فيما بينكم.
{يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} يعني الشرك (2) .
{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} يعني المنافقين يسمعون ما يقولون ويقبلونه.
50- {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} أي ظفر.
__________
(1) قال الطبري في تفسيره 10/98: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله، خفافا وثقالا. وقد يدخل في "الخفاف" كل من كان سهلا عليه النفر، لقوة بدنه على ذلك وصحة جسمه وشبابه، ومن كان تيسر بمال وفراغ من الاشتغال وقادرا على الظهر والركاب. ويدخل في "الثقال" كل من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب. والشيخ ذو السن والعيال. فإذا كان قد يدخل في الخفاف والثقال من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله خص من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول ولا نصب على خصوصه دليلا - وجب أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا على كل حال من أحوال الخفة والثقل".
(2) في تفسير الطبري 10/101 "معنى يبغونكم الفتنة: يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم بتثبيطهم إياكم عنه ... ".

(1/187)


{وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} أي نكبة يفرحوا بها و {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ} أي أخذنا الوَثيقَةَ فلم نخرج.
52- {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} الشهادة. والأخرى: الغنيمة.
57- {أَوْ مُدَّخَلا} أي: مُدخلا يدخلونه.
{لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} أي لرجعوا عنك إليه.
{وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي: يسرعون [روغانا عنك] ومنه قيل: فرس جَمُوح إذا ذهب في عَدْوه فلم يثنه شيء.
58- {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} يعيبك ويطعن عليك (1) . يقال: هَمَزْتُ فلانا ولَمَزْته. إذا اغتبته وعبته [ومنه قوله تعالى] : {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (2) .
* * *
60- {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} وهم ضُعفاء الأحوال الذين لهم البُلْغة من العَيْش.
{وَالْمَسَاكِينِ} الذين ليس لهم شيء. قال قتادة (3) الفقير: الذي به زَمَانَة؛ والمسكين: الصحيح المحتاج.
{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} أي عمال الصدقة وهم السّعاة.
__________
(1) في تفسير الطبري 10/108.
(2) سورة الهمزة 1.
(3) قوله هذا في تفسير الطبري 10/110، والدر المنثور 3/251.

(1/188)


{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يَتَأَلَّفُهم على الإسلام (1) .
{وَفِي الرِّقَابِ} أي المُكَاتَبِين. أراد: فَكَّ الرِّقاب من الرِّق.
{وَالْغَارِمِينَ} مَنْ عليه الدَّيْن ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران. ومنه قيل في الرهن: له غُنْمُه وعليه غُرْمه. أي ربحه له وخسرانه أو هلاكه عليه. فكأن الغارم هو الذي خسر ماله. والخُسْران: النقصان. ويكون الهلاك. قال الله عز وجل: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} (2) وقد يشتق من الغُرْم اسم للهلاك خاصة. من ذلك قوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (3) أي هلاكا. ومنه يقال: فلان مُغْرَمٌ بالنساء أي مهلك بهن. ويقال: ما أشد غَرَامه بالنساء وإغْرَامه، أي هلاكه بحُبِّهن.
61- {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي يقبل كل ما قيل له.
{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي يقبل منكم ما تقولون له خيرًا لكم إن كان ذاك كما تقولون ولكنه {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يصدِّق الله ويصدق المؤمنين (4) .
67- {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي تركوا أمر الله فتركهم.
__________
(1) قال الطبري 10/113 ".. وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحا بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وعز أهله. فلا حجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي من أعطى منهم في الحال التي وصفت".
(2) سورة الزمر 15، وسورة الشورى 45.
(3) سورة الفرقان 65.
(4) في تفسير الطبري 10/117 " ... ويصدق المؤمنين لا الكافرين ولا المنافقين. وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: محمد أذن".

(1/189)


69- {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} أي استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا.
70- {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} مدائن قوم لوط؛ لأنها ائتفكت أي انقلبت (1) .
73- {جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف.
{وَالْمُنَافِقِينَ} بالقول الغليظ.
74- وقوله: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي: ليس ينقمون شيئا ولا يعرفون من الله إلا الصنع [الجميل] وهذا كقول الشاعر:
ما نَقِمَ النَّاسُ من أُميّة إلا ... أنهم يَحْلُمُون إن غضبوا (2)
وأنهم سادةُ الملوكِ فلا ... تصلحُ إلا عليهمُ العَرَبُ
وهذا ليس مما ينقم. وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا.
وكقول النابغة:
ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ (3)
أي ليس فيهم عيب.
79- {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} أي: يعيبون المتطوعين بالصدقة.
{وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} أي: طاقتهم. والجُهد الطاقةُ، والجَهد: المشقة. يقال: فعلت ذاك بجهد. أي: بمشقة.
{سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} أي: جزاهم جزاء السخرية.
__________
(1) راجع ص 30.
(2) لعبيد الله بن قيس بن الرقيات، كما قال ابن قتيبة في الشعر والشعراء 1/524 وهما له في ديوانه 70 والخزانة 3/269 والأغاني 4/160 وطبقات فحول الشعراء 533 والكامل 2/648 والأول في اللسان 16/71 وفي الجميع "ما نقموا من بني أمية".
(3) ديوانه 11 وكتاب البديع 111 والعمدة 2/45 والصناعتين 408 وإعجاز القرآن 161.

(1/190)


83- {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} واحدهم خالف وهو من يَخْلُف الرجلَ في ماله وبيته (1) .
86- {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ} أي: ذوو الغنى والسعة.
87- {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} يقال: النساء (2) . ويقال: هم خساس الناس وأدنياؤهم. يقال: فلان خَالِفَةُ أهلِه: إذا كان دُونهم.
90-[ {الْمُعَذِّرُونَ} هم] الذين لا يجدُّون إنما يَعْرِضُونَ ما لا يريدون أن يفعلوه (3) . يقال: عذَّرت في الأمر إذا قصّرت وأعْذَرت حذّرت.
ويقال: المعذِّرون هم الْمُعْتَذِرُون. أدغمت التاء في الذال. ومن قرأ "الْمُعْذِرُون" (4) . فإنه من أَعْذَرت في الأمر.
98- {يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} أي غُرْمًا وخُسْرَانًا.
{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} دوائر الزمان بالمكروه. ودوائر الزمان: صُرُوفُه التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشر.
99- {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} دعاؤه.
__________
(1) قال الطبري في تفسيره 10/140 "يقول: فاقعدوا مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنكم منهم، فاقتدوا بهديهم واعملوا مثل الذي عملوا من معصية الله، فإن الله قد سخط عليكم".
(2) وهو قول ابن عباس، وقتادة، والحسن وابن زيد، كما في تفسير الطبري 10/143، والدر المنثور 3/266.
(3) انظر مجاز القرآن 1/267 وإلى ذلك يشير الطبري بقوله 10/144 "وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذرين غير جادين يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك. غير أني لا أعلم أحدا من أهل العلم بتأويل القرآن وجه تأويله إلى ذلك، فاستحبوا القول به" وانظر معاني القرآن للفراء 1/447-448.
(4) في تفسير الطبري 10/144 عن الضحاك "وكان ابن عباس يقرأ (وجاء المعذرون) مخففة، ويقول: هم أهل العذر".

(1/191)


وكذلك قوله (1) {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي: دعاؤُك تَثْبِيتٌ لهم وطمأنينة (2) .
101- {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} بالقتل والأسر (3) . وقال الحسن: (4) عذاب الدنيا وعذاب القبر.
104- {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} أي: يقبلها. ومثله: {خُذِ الْعَفْوَ} (5) أي: اقبله.
106- {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} أي: مُؤَخَّرُون على أمره (6) .
107- {مَسْجِدًا ضِرَارًا} أي: مُضارّة.
{وَإِرْصَادًا} أي: ترقُّبا بالعداوة، يقال: رَصدتُه بالمُكافأَة أرصُدُه، إذا ترقّبته. وَأَرْصَدْتُ له في العداوة، وقال أبو زيد: رَصَدْتُه بالخير وغيرِه أرصُدُه رَصَدًا وأنا رَاصِدُه. وأرْصَدْتُ له بالخير وغيره إِرْصَادًا وأنا مُرْصِدٌ له.
وقال ابن الأعرابي: أرْصَدْتُ له بالخير والشر جميعا بالألف (7) .
109- {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} أي: على حرْف جُرُفٍ هَائِر.
والجُرُف: ما ينجرف بالسيول من الأودية.
والهَائِر: الساقط، ومنه يقال: تَهَوَّر البناء: إذا سقط وانهار.
__________
(1) في هذه السورة 103.
(2) راجع تأويل مشكل القرآن 355.
(3) هذا تفسير مجاهد، في إحدى الروايات التي رواها الطبري في تفسيره 11/8.
(4) قوله هذا نقله الطبري 11/9.
(5) سورة الأعراف 199 وانظر ما سبق ص 83، 176.
(6) مجاز القرآن 1/269، وفي تفسير الطبري 11/16 "مرجون: يعني مرجؤون لأمر الله وقضائه، يقال منه: أرجأته أرجئه إرجاء، وهو مرجأ، بالهمز، وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد، وقد قرأت القراء بهما جميعا".
(7) في اللسان 4/158 "وقال بعضهم ... ".

(1/192)


112- {السَّائِحُونَ} الصائمون (1) . وأصل السائح: الذاهب في الأَرض. ومنه يقال: ماء سَائِحٌ وسَيْحٌ: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح.
114- (الأَوَّاهُ) الْمُتَأَوِّه حزنا وخوفا. قال الْمُثَقِّبُ العبْدِيّ وذكر ناقته:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ (2)
117- {يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} أي: تعدل وتميل.
118- {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} أي: بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها.
{وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ} أي: استيقنوا أن لا يُنْجِيَهم من الله ومن عذابه غيرُه شيء.
120- و (الْمَخْمَصَةُ) : المجاعة. وهو الخمص.
122- {لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أي: جميعا.
{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} أي: هلا نفر!
125- {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أي: كفرًا إلى كفرهم.
128- {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: شديد عليه ما أَعْنَتَكم وضركم (3) .
__________
(1) في تفسير الطبري 11/28 " ... عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: السائحون: هم الصائمون"، وفي اللسان 3/323 "قال الزجاج: السائحون في قول أهل التفسير واللغة جميعا -: الصائمون".
(2) البيت له في المفضليات 291، وطبقات فحول الشعراء 231، وتفسير الطبري 11/38، وتفسير القرطبي 8/276، واللسان 13/293.
(3) في تفسير الطبري 11/56 "وإنما وصفه الله جل ثناؤه بأنه عزيز عليه عنتهم، لأنه كان عزيزا عليه أن يأتوا ما يعنتهم، وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي".

(1/193)