غريب القرآن لابن قتيبة ت سعيد اللحام إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ
نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي
قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ
إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ
فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ
الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ
السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ
لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
(7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
(8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ
الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ
اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ
عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ
فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ
مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ
اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ
بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ
فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ
قَوْمًا بُورًا (12)
سورة الفتح «1»
مدنية كلها
1- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً «2» أي قضينا لك
قضاء عظيما. ويقال:
للقاضي: الفتاح.
4- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ أي السكون والطمأنينة.
9- وَتُعَزِّرُوهُ أي تعظموه. وفي تفسير أبي صالح: تنصروه.
12- وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً أي هلكي.
__________
(1) أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم
قال: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبة من
أولها إلى آخرها.
(2) أخرج البخاري عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: إِنَّا
فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، قال: الحديبية.
ورجح الإمام الطبري أن المراد بالفتح «صلح الحديبية» وهو ما
اختاره أيضا ابن كثير لما ترتب عليه من الآثار العظيمة من بيعة
الرضوان ومن الهدنة بينه وبين المشركين ومن دخول كثير من الناس
في الإسلام وذهب بعض المفسرين إلى أنه فتح مكة لأنه هو الفتح
الأكبر أن المعنى: سنفتح لك يا محمد فتحا مبينا بانتصارك على
الكفار بفتح مكة.
وأخرج البخاري عن عبد الله بن مغفل قال: قرأ النبي صلّى الله
عليه وسلّم يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها قال معاوية: لو
شئت أن أحكي لكم قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم لفعلت.
(1/355)
لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى
الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ
السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ
عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ
كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ
أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا
يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ
مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ
تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ
تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا
أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمًا (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا
تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ
ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ
اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
قال ابن عباس: «البور- في لغة أزد عمان-:
الفاسد» .
و «البور» - في كلام العرب-: لا شيء، يقال: أصبحت أعمالهم
بورا، أي مبطلة. وأصبحت ديارهم بورا، أي معطلة خرابا.
17- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ أي إثم في ترك الغزو.
18- و 19- وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً أي جازاهم بفتح قريب،
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها.
20- وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ أي عن
عيالكم، ليكون كف ايدي الناس- اهل مكة- عن عيالهم، آيَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ.
21- وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها: مكة.
25- وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أي محبوسا. يقال: عكفته عن كذا،
إذا حبسته، ومنه: «العاكف في المسجد» إنما هو: الذي حبس نفسه
فيه. أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أي منحره.
وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ، مفسر في
كتاب «التأويل» .
26- وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: قول «لا إله إلا الله»
.
29- ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ أي صفتهم.
ثم استأنف، فقال: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ: كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ.
قال أبو عبيدة: «شطء الزرع: فراخه وصغاره، يقال: قد أشطأ الزرع
فهو مشطىء، إذا أفرخ» .
قال الفراء: «شطئه: السّنبل تنبت الحبة عشرا وسبعا وثمانيا» .
فَآزَرَهُ أي أعانه وقواه، فَاسْتَغْلَظَ أي غلظ، فَاسْتَوى
عَلى سُوقِهِ: جمع «ساق» . [مثل دور ودار] . ومنه يقال: «قام
كذا على سوقه
(1/356)
وعلى السوق» ، لا يراد به السوق: التي يباع
فيها ويشتري. إنما يراد: انه قد تناهي وبلغ الغاية، كما ان
الزرع إذا قام على السوق. فقد استحكم.
وهذا مثل ضربه الله للنبي- صلّى الله عليه وسلّم-:: إذ خرج
وحده، فأيده بأصحابه، كما قوّى الطاقة من الزرع بما نبت منها،
حتى كثرت وغلظت واستحكمت.
(1/357)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ
أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ
مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ
خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
سورة الحجرات
مدنية كلها «1»
1- لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي لا
تقولوا قبل أن يقول رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم. يقال:
«فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه» ، أي يعجل بالأمر
والنهي دونه.
2- وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ، كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أي لا ترفعوا أصواتكم عليه. كما يرفع بعضكم صوته على
بعض «2» . أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أي لئلا تحبط أعمالكم.
3- امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى أي اخصلها
للتقوى.
5- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ
واحدها: «حجرة» ، مثل ظلمة وظلمات.
__________
(1) أخرج البخاري وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن
عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد،
وقال عمر: بل الأقرع بن جابس، فقال أبو بكر: ما أرادت إلّا
خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما
فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى قوله:
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا.
(2)
روي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إلى حجرات أزواج النبي صلّى
الله عليه وسلّم فجعلوا ينادونه: يا محمد، يا محمد أخرج إلينا،
فنزلت الآية.
[.....]
(1/358)
وَاعْلَمُوا أَنَّ
فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ
الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا
مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ
خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) قَالَتِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
ويقرأ (حجرات) ، كما قيل: ركبات وينشد هذا
البيت:
ولما رأونا باديا ركباتنا ... على موطن لا نخلط الجد بالهزل
7- لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ
من «العنب» وهو:
الضرر والفساد.
9- حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ أي ترجع.
وَأَقْسِطُوا: اعدلوا.
11- وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا تعيبوا إخوانكم من
المسلمين.
وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ أي لا تتداعوا بها و «الألقاب»
و «الأنبار» واحد.
ومنه قيل في الحديث: «قوم نبزهم الرافضة» ، أي لقبهم. وقوم- من
اصحاب الحديث- يغيرون اللفظ.
13- و (الشعوب) اكبر من القبائل، مثل «مضر» و «ربيعة» .
14- قُولُوا أَسْلَمْنا، أي استسلمنا من خوف السيف، وأنقذنا.
لا يَلِتْكُمْ أي لا ينقصكم وهو من «لات يليت [ويلوت] » .
ومنها لغة أخرى: «ألت يألت [التا] » .
وقد جاءت اللغتان جميعا في القرآن، قال: وَما أَلَتْناهُمْ
مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [سورة الطور آية: 21] .
والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين، كقوله [سورة الفرقان آية: 5
وسورة البقرة آية: 282] في موضع: تُمْلى عَلَيْهِ، وفي موضع
آخر: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ. لا «ظا «لاز الشعوب»
.
(1/359)
أَإِذَا مِتْنَا
وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا
مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
(4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي
أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ
فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا
مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا
فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ
بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا
بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ
لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
سورة ق
«1»
3- ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ يريدون: البعث بعد الموت، أي لا يكون.
4- قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ، أي تأكل من
لحومهم إذا ماتوا.
5- فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ، اي مختلط. يقال: مرج امر الناس،
ومرج الدين.
وأصل «المرج» : ان يقلق الشيء، فلا يستقر. يقال: مرج الخاتم في
يدي مرجا، إذا قلق من الهزال.
6- وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي صدوع. وكذلك قوله: هَلْ تَرى
مِنْ فُطُورٍ؟! [سورة الملك آية: 3] .
7- مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي من كل جنس حسن يبتهج به.
9- وَحَبَّ الْحَصِيدِ أراد: والحب الحصيد، فأضاف الحب إلى
الحصيد. كما يقال: صلاة الأولى، يراد: الصلاة الأولى. ويقال:
مسجد الجامع، يراد: المسجد الجامع.
__________
(1) عن عطاء والحسن وعكرمة وجابر أنها مكية، وروي عن ابن عباس
وقتادة أنها مكية باستثناء الآية: 38 فمدنية.
(1/360)
أَفَعَيِينَا
بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ
جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا
تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ
حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ
مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ
تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ
(20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ
غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ
قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي
جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ
قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي
ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
10- وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ أي طوالا. يقال:
بسق الشيء يبسق بسوقا، إذا طال.
لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ أي منضود: بعضه فوق بعض. وذلك قبل أن
يتفتح. فإذا انشق جف الطلعة وتفرق: فليس بنضيد.
ونحوه قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [سورة الواقعة آية: 29] . وقد
قرأ بعض السلف: وطلع منضود، كأنه اعتبره بقول في ق: لَها
طَلْعٌ نَضِيدٌ.
15- أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ!؟ أي افعيينا بإبداء
الخلق، فنعيا بالبعث، وهو: الخلق الثاني؟!.
بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ أي في شك مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ أي من
البعث.
16- وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. و
«الوريدان» : عرقان بين الحلقوم والعلباوين. والحبل هو:
الوريد، فأضيف إلى نفسه: لأختلاف لفظي اسميه.
17- إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ أي يتلقيان القول
ويكتبانه، يعني:
الملكين. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أراد:
قعيدا من كل جانب. فأكتفي بذكر واحد: إذ كان دليلا على الآخر.
و «قعيد» بمعنى قاعد، كما يقال: «قدير» بمعنى قادر.
ويكون بمنزلة «أكيل وشريب، [ونديم] » ، اي مؤاكل ومشارب
[ومنادم] . كذلك: «قعيد» أي مقاعد.
22- فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي حاد، كما يقال: حافظ
وحفيظ.
27- قالَ قَرِينُهُ: رَبَّنا! ما أَطْغَيْتُهُ. مفسر في كتاب
«تأويل المشكل» .
(1/361)
وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ
الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ
مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ
أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ
بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ
أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى
مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ
الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ
يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ
يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ
(42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ
(43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ
حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا
يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
31- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ أي أدنيت.
36- فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي طافوا وتباعدوا.
هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أي هل يجدون من الموت محيصا؟! فلم يجدوا
ذلك.
37- إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي فهم
وعقل، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. يقول: استمع
كتاب الله: وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه.
41- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ
يقال: صخرة بيت المقدس.
42- ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ: يوم البعث من القبور.
ويقال ليوم العيد: يوم الخروج، لخروج الناس فيه.
45- وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أي بمسلط.
وليس هو من «أجبرت الرجل على الأمر» : إذا قهرته عليه. لأنه لا
يقال من ذلك: «فعال» .
و «الجبار» : الملك، يسمى بذلك: لتجبره. يقول: فلست عليهم بملك
مسلط.
(1/362)
وَالذَّارِيَاتِ
ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ
يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا
تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
سورة الذاريات
مكية كلها
1- وَالذَّارِياتِ [ذَرْواً] : الرياح «1» . يقال: ذرت [الريح
التراب] تذرو [هـ] ذروا، [وتذريه ذريا] . ومنه قوله:
فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ [سورة الكهف آية: 45]
.
2- فَالْحامِلاتِ وِقْراً: السحاب تحمل الماء.
3- فَالْجارِياتِ يُسْراً أي السفن تجري في الماء جريا سهلا.
ويقال: تجري ميسرة، أي مسخرة.
4- فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً: الملائكة. هذا أو نحوه يؤثر عن
علي رضي الله عنه.
6- وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ يعني الجزاء بالأعمال والقصاص.
ومنه يقال: دننته بما صنع.
7- وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ: ذات الطرائق. ويقال للماء
القائم- إذا ضربته الريح، فصارت فيه طرائق-: له حبك. وكذلك
الرمل: إذا هبت عليه الريح، فرأيت فيه كالطرائق- فذلك: حبكه.
__________
(1) وهو قول الإمام علي كرم الله وجهه.
(1/363)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ
أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي
غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
(12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا
فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
(14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ
ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي
أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ
رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
(23) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
(24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ
بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا
تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا
تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ
امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ
عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ
هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ
أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا
إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ
حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ
لِلْمُسْرِفِينَ (34)
9- يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ أي [يصرف
عنه، و] يحرمه من حرمه يعني: القرآن.
10- قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ أي لعن الكذابون الذين قالوا في
النبي صلّى الله عليه وسلّم:
كاذب وشاعر وساحر، خرصوا ما لا علم لهم به.
13- يُفْتَنُونَ: يعذبون.
14- ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ أي ذوقوا عذابكم ... الَّذِي
كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ في الدنيا.
17- يَهْجَعُونَ أي ينامون.
18- وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي يصلون.
19- وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ يعني: الطواف،
وَالْمَحْرُومِ المحارف، [وهو] : المقتر عليه [في الرزق] .
وقيل: الذي لا سهم له في الغنائم.
26- فَراغَ إِلى أَهْلِهِ أي عدل إليهم في خفية. ولا يكون
«الرواغ» إلا ان تخفي ذهابك ومجيئك.
28- فَأَوْجَسَ في نفسه ... خِيفَةً أي أضمرها.
وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ إذا كبر.
29- فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ أي في صحية. ولم تأت
من موضع إلى موضع، إنما هو كقولك: أقبل يصيح، وأقبل يتكلم.
فَصَكَّتْ وَجْهَها أي ضربت بجميع أصابعها جبهتها، وَقالَتْ:
أتلد عَجُوزٌ عَقِيمٌ؟!.
33- لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ، قال ابن عباس:
هو الآجر.
(1/364)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ
وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ
وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ
(41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا
جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ
تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
(44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا
مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ
كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا
فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا
زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا
تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ
مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
(53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ
يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا
ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ
(59)
34- مُسَوَّمَةً أي معلمة.
39- فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ و «بجانبه» سواء، أي اعرض.
40- هُوَ مُلِيمٌ
أي مذنب. يقال: ألام الرجل، إذا اتى بذنب يلام عليه. قال
الشاعر:
ومن يخذل أخاه فقد ألاما
45- فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ أي ما استطاعوا ان يقوموا
لعذاب الله.
47- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أي بقوة وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ أي قادرون. ومنه قوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ
[سورة البقرة آية: 236] .
49- وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ أي ضدين: ذكرا
وأنثى، وحلوا وحامضا، وأشباه ذلك.
56- وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
يعني المؤمنين منهم، أي ليوحدوني.
ومثله قوله: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [سورة الزخرف آية:
81] ، أي الموحدين.
57- ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي ما أريد ان يرزقوا
أنفسهم، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي يطعموا أحدا من
خلقي.
58- والْمَتِينُ: الشديد القوي.
59- و (الذنوب) : الحظ والنصيب. وأصله: الدلو العظيمة.
وكانوا يستقون، فيكون لكل واحد ذنوب. فجعل «الذنوب» مكان «الحظ
والنصيب» : على الاستعارة.
(1/365)
|