مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة البقرة
مدنية إجماعاً.
قال النجم النسفي: ونزلت يوم النحر بمنى في حجة الوداع
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) وهي آخر
آية نزلت.
وقال الشمس الأصفهاني: قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه
السورة أول ما نزل بالمدينة، نزلت في مُدَدٍ شتى.
وقيل: فيها آخر آية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) .
(2/5)
وقيل: هذه الآية ليست بمدنية، نزلت يوم
النحر في حجة الوداع.
وهو قول من لم يتحقق الفرق الذي تقدم بين المكي والمدني، على
أنه
قد حكاه في سورة النساء ولم يعتمده، ثم حكاه في سورة المائدة
واعتمده.
والله الموفق.
وتسمى: السنام، والذروَة، والزهراء، والفسطاط
عدد آياتها
وعدد آيها مائتان وثمانون كوفي، وسبع بصري، وخمس فيما عداهما.
اختلافها: إحدى عشرة آية.
انفرد الكوفي بعد (الم) ، والشامي بعد (ولهمِ عذاب عظيم)
والبصري بعد (إلا خائفين) ، (قولاً معروفا) .
والمدني الأول بعد (من الظلمات إلى النور) ، والمدني الأول
والمكي
بعدِّ (يسئلونك ماذا ينفقون) .
والكوفي والشامي والمدني الأخير بعدِّ (لعلكم تتفكرون) .
والمدني الأخير والبصري والمكي بعدِّ (الحي القيومُ) .
وأسقط الشامي (مُصْلِحُون) ، والمدني الأول (واتقون يا أولي
الألباب)
(2/6)
والمدني الأخير (في الآخرة من خَلاَق)
ما يشبه الفاصلة فيها
وفيها مُشْبِهُ الفاصلة: اثنا عشر.
(2/7)
منها أحد عشر موضعاً لم يعدها أحد
بالإجماع.
والثاني عشر جاء فيه خلاف.
أول (من خَلاق) ، (وهم يتلون الكتاب) ، (هم في شِقاق) ،
(والأنفس والثمرات) ، (في بطونهم إلا النار) ، (طعامُ مسكين) ،
(من الهُدَى والفرقان) ، (والحرماتُ قِصاص) ، (عند المَشْعَرِ
الحَرام) ، وأول (ماذا ينفقون) ، (الخبيثَ منه تُنْفِقون) .
(2/8)
والثاني عشر: (ولا شَهِيدُ (، وغلط من
عزاها إلى المكي.
وفيها مما يشبه الوسط، وهو آيتان اثنتان.
(كن فيكون) ، (ليكتمون الحقَّ وهم يعلمون) .
رويها: سبعة أحرف، يجمعها قولك: قم لندبر.
القاف: (من خلاق) ، واللام: (السبيل) .
مقصودها
والمقصود من هذه السورة: إقامة الدليل على أن الكتاب هدى
ليُتَّبَع في
كل حال، وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب، ومجمعه: الِإيمان
بالآخرة، ومداره: الإيمان بالبعث، الذي أعربت عنه قصة البقرة،
التي
مدارها الِإيمان بالغيب، فلذلك سميت بها السورة، وكانت بذلك
أحق من
قصة إبراهيم عليه السلام، لأنها في نوع البشر، ومما تقدم في
قصة بني
إسرائيل من الِإحياء بعد الِإماتة بالصعق، وكذا ما شاكلها. لأن
الإِحياء في
قصة البقرة عن سبب ضعيف في الظاهر، بمباشرة من كان من آحاد
الناس.
فهي أدل على القدرة، ولا سيما وقد اتْبعتْ بوصف القلوب
والحجارة، بما
عم المهتدين بالكتاب والضالين، فوصفها بالقسوة الموجبة للشقوة،
ووصف
الحجارة بالخشية الناشئة في الجملة عن التقوى المانحة للمدد
المتعدي نفعه إلى
عباد الله.
(2/9)
وفيها إشارة إلى أن هذا الكتاب فينا كما لو
كان فينا خليفة من أولي
العزم من الرسل عليهم السلام يرشدنا في كل أمر يحزبنا، وشأن
ينوبنا، إلى
صواب المخرج منه، فمن أعرض خاب، ومن تردد كاد، ومن أجاب أتقى
وأجاد.
وسميت بالزهراء: لا يجابها إسفار الوجوه في يوم الجزاء لمن آمن
بالغيب ولم يكن في شك مريب، فيحال بينه وبين ما يشتهي. ولأنها
سورة
الكتاب الذي هو هادٍ، والهادي يلازمه النور الحسي المدرك
بالبصر، أو
المعنوي المدرك بالبصيرة.
وبالسنَام: لأنه ليس في الِإيمان بالغيب - بعد التوحيد الذي هو
الأساس الذي ينبني عليه كل خبير، والتاج الذي هو نهاية السير.
والعالي على كل غير أعلى ولا أجمع من الِإيمان بالآخرة.
ولأن السنام أعلى ما في الطية الحاملة، والكتاب الذي هي
سورته، هو أعلى ما في الحامل للأمة في مسيرهم إلى دار القرار،
وهو
الشرع الذي أتاهم به رسولهم - صلى الله عليه وسلم -.
وبهذا علم - أيضاً - سر التسمية بالذروة وبالفسطاط، والفسطاط:
هو
الخيمة، والمدينة، والجماعة، ولا شك أن الكتاب من الدين بتلك
المنزلة.
ولا سيما وفي سورته الدعائم الخمس الخطيرة، وهو: الجهاد، وغير
ذلك.
(2/10)
فضائلها
وأما فضائلها: فروى مالك في الموطأ، أن عبد الله بن عمر رضي
الله
عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.
أي يتعلم فرائضها وأحكامها، مع حفظه لها.
وروى الطبراني بإسناد - قال الهيثمي: فيه عدي بن المفضل، وهو
ضعيف - عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، لا
يدخله الشيطان تلك الليلة.
وروى الطبراني في الكبير بسند فيه عاصم بن بهدلة - قال
الهيثمي:
وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح - عن ابن مسعود
رضي الله عنه قال: لكل شيء سنام، وسنام القرآن سورة البقرة،
وإن
لكل شيء لُبَاباً، وإنَّ لباب القرآن المفصَّل، وإن الشياطين
لتخرج من البيت
الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وإن أصفَرَ البيوت، للجوف الذي ليس
فيه من
كتاب الله شيء.
وهو مرفوع حكماً.
(2/12)
وفي بعض طرقه: ما خلق الله من سماء، ولا
أرض، ولا سهل، ولا
جبل أعظم من آية الكرسي.
وهو ما تمسك به المبتدعة في قولهم بخلق القرآن، ولا متمسك فيه.
لأن الخلق وقع على المخلوقات التي سماها، لا على الآية، كما لو
قلت، لا
سيف أمضى من القدر لم يلزم منه أن يكون القدر سيفاً.
ومنه: " لا شخص أغير من الله ". الشخص غيره، وهو واضح.
وبمثل (هذا) فسره الأئمة: ابن عيينة وأحمد، وأبو عبيد، رحمهم
الله.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما
قال:: يا رسول الله، إنَّا نقرأ من القرآن فنرجو. ونقرأ فنكاد
أن نيأس -
أو كما قال - فقال: ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟.
قالوا: بلى يا رسول الله
قال: (الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ، إلى قوله
(المفلحون)
هؤلاء أهل الجنة، قالوا: إنا نرجو أن نكون من
هؤلاء، ثم قال: (إن الذين كفروا سواء عليهم - إلى قوله:
عظيم) ، هؤلاء أهل النار، قالوا: لسنا هم يا رسول الله، قال:
أجل.
وروى الترمذي في جامعه، والطبراني، وأبو يعلى في مسنده، وابن
حبان في صحيحه من طريقه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، والدارمي
(2/13)
عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن
سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلا، لم يدخل الشيطان بيته
ثلاث ليال ومن قرأها نهاراً، لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام.
وروى أحمد - قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح - والدارمي.
ومحمد بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، والحاكم وقال: صحيح على
شرط
مسلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال
رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -: تعلَّموا سورة البقرة، فإن أخْذَها
بركة، وتَرْكَها حسرة، ولا تستطيعها البَطَلَة.
قال الدارمي وأحمد، ثم سكت ساعة، ثم قال: تعلموا البقرة وآل
عمران فإنهما الزهراوان.
(2/14)
وقال الدارمي وأحمد: وأنهما يُظلان صاحبهما
يوم القيامة، كأنهما
غمامتان.
وقال الجماعة: يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو غيايتان
- أو
فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ
أَصْحَابِهِمَا.
زاد الدارمي: وأن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه
القبر.
الحديث كما تقدم في الفضائل العامة.
قال شيخنا الحافظ شهاب الدين البوصيري: وله - أي أصل الحديث -
بدون هذه الزيادة شاهد عند البزار بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي
الله
عنه.
وروى الدارمي عن عبد الله رضي الله عنه موقوفاً: ما من بيت
تقرأ
فيه سورة البقرة، إلا خرج منه الشيطان، وله ضراط.
وعن خالد بن معدان قال: سورة البقرة تعلمها بركة، وتَرْكها
حسرة
ولا تستطيعها البطلة، وهي فسطاط القرآن.
وللدارمي، وعبد بن حميد، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها
(2/15)
قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (الله لا إله إلا هو
الحي القيوم) ، و (إلهكم إله واحد) .
وروى أبو عبيد في الفضائل، وعبد الرزاق في المصنف الجامع.
ومسلم في الصحيح، والطبراني في الأوسط في ترجمة أحمد بن خليل،
عن أبي
أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه،
اقرأوا الزهراوين: سورةَ البقرة، وسورةَ آل عمران فإنهما
تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فِرْقان من
طير صَواف تُحَاجانِ عن صاحبهما، اقرأوا سورة البقرة، فإن
أخْذَها بركة، وتَرْكَها حسرة ولا تستطيعها - وفي رواية: ولا
تطيقها - البَطَلَةُ.
(2/16)
قال معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة:
السحرة.
وزاد مسلمٍ في رواية: ما من عبد يقرأ بهما في ركعة قبل أن
يسجد.
ثم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، إن كادت لتحصي الدين كله.
والغياية - بمعجمة وتحتانيتين -: الظلَّة.
وذلك أنَ تالي هاتين السورتين حق تلاوتهما، لما كان في الدنيا
حاملًا
لثقلهما، وحرارة أمرهما ونهيهما، ناسب في يوم الجزاء أن ترفعا
عنه وتظلاه
دفعاً للحر والنصب عنه.
ولعل خصوصية البقرة في طرد الشيطان من أجل أن مقصودها ومدلول
اسمها ملازم لطرد الشيطان، ببيان خفي أمره، وإبطال عظيم شره،
بفتنته
ومكره فيما جر به الإنسان إلى القتل من كبره، فوضح أمر القاتل
حتى وقع
القصاص الذي هو جناه، فزال بذلك أثر الذنبين اللذين هما أول
المعاصي.
وهما: الكبر، والقتل.
ومنعها من السحرة، من أجل ما فيها من قصة سليمان عليه السلام
من توهية السحر، وإبطال ضرره، وتوهية كيد أهل الكتاب الذين هم
أعظم الناس إكباباً على السحر، مع إتيان أنبيائهم عليهم السلام
بإبطاله.
وطرح أمره وإهماله.
وسيأتي هذا الحديث بهذا اللفظ في آل عمران.
(2/17)
وروى الطبراني في الأوسط في ترجمة مقدام بن
داود، بن عيسى
الرعيني - قال الهيثمي: وهو ضعيف - من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه، أن النبي عبع قال: اقرؤا القرآن، ولا تاكلوا به، ولا
تستكثروا به.
ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، تعلموا القرآن، فإنه شافع
لأصحابه يوم
القيامة، تعلموا البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا
تستطيعها
البطلة، تعلموا الزهراوين.
فذكر نحوه.
قال المنذري: الغيايتان - مثنى غياية، بغين معجمة، وياءين
تحتانيتين - وهي: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، كالسحابة
والغاشية
ونحوهما، وفرقان: أي قطعتان.
ولمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - كان كثيراً ما يقرأ في ركعتي الفجر، في الأولى منهما:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) الآية
التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: (آمنا بالله وأشهد بأنا
مسلمون) .
وفي رواية: والتي في آل عمران: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم) .
ورواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع النبي -
صلى الله عليه وسلم - يقرأ
(2/18)
في ركعتي الفجر: (قُولُوا آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) في الركعة الأولى وبهذه
الآية: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا
الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) .
أو (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا
وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) .
قال أبو داود: شك الداوردي.
ولأحمد عن رجل، عن معقل بن يسار رضي الله عنه، أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - قال: البقرة سَنَام القرآن وذروته، نزل
مع كل آية منها ثمانون ملكاً
واستخرجت (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ) من تحت العرش.
فوصلت بها أو فوصلت بسورة البقرة.
قال الحافظ نور الدين الهيثمي: ورواه الطبراني، وأسقط المبهم.
وروى وكيع في تفسيره عن الحسن قال: سئل النبي - صلى الله عليه
وسلم -: أي القرآن أفضل؟. قال: سورة البقرة، وسئل: فأي آية
أفضل؟. قال: آية الكرسي.
وسيأتي تخريجه من عند الحارث بزيادة.
(2/19)
وسيأتي هذا الحديث في سورة يس، من مسند أبي
يعلى الموصلي، إن
شاء الله تعالى.
وللترمذي - وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن
جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه - عن أبي صالح، عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي
سيدة أي القرآن، آية الكرسي.
ورواه عبد الرزاق في جامعه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
ولفظه: سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن، لا تقرأ في
بيت
وفيه شيطان إلا خرج منه، آية الكرسي.
وعند مسلم، والترمذي، والنَّسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر،
إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.
(2/20)
وزاد مسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيباً
من صلاته، فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرا.
ورواه أبو عبيد عنه، ولفظه: صلوا في بيوتكم، ولا تجعلوها
قبوراً.
وزَينُوا أصواتكم بالقرآن، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي
تقرأ فيه سورة
البقرة.
وللطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي في قال
لأصحابه: تعلموا البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة ولا
تستطيعها
البطلة.
ولأبي عبيد عن أنسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة
البقرة تقرأ فيه.
وعند الحاكم عن عبد الله رضي الله عنه موقوفاً، وقال: صحيح على
شرطهما ومرفوعاً بإسناد - قال المنذري: حسن بما تقدم -: اقرأوا
سورة
البقرة في بيوتكم فإن الشيطان لا يدخل بيتاً تقرأ فيه سورة
البقرة.
(2/21)
وهو مرفوع على كلا التقديرين، لأن مثله لا
يقال من قبل الرأي.
ورواه أبو عبيد موقوفاً بلفظ: إن الشيطان يفر من البيت يسمع
فيه
سورة البقرة.
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن ابن إسحاق، عن أبي الأحوص.
وكذا الطبراني بأسانيد - قال الهيثمي: رجال أحدها رجال الصحيح
- قال:
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن هذا القرآن مأدبة الله، فمن
استطاع
أن يتعلم منه شيئاً فليفعل، فإن أصفر البيوت من الخير، الذي
ليس فيه
من كتاب الله شيء وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء
خرب.
كخراب البيت الذي لا عامر له وإن الشيطان ليخرج من البيت يسمع
سورة
البقرة تقرأ فيه.
وفي الفردوس عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ سورة البقرة في ليلة،
تُوِّجَ بها تاجاً في الجنة.
ورواه الدارمي عن عبد الرحمن بن الأسود موقوفاً عليه، وله حكم
الرفع.
(2/22)
وعند ابن حبان في صحيحه عن أسيد بن حضير
رضي الله عنه أنه
قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما أنا أقرأ سورة
البقرة، إذ سمعت وجبة من خلفي، فظننت أن فرسي انطلق، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ أبا عتيك.
قال: فالتفتُ فإذا مثل المصباح مُدَلى بين السماء والأرض،
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اقرأ أبا عتيك، فقال:
يا رسول الله: فما استطعت أن أمضي فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك الملائكة تنزلت لقراءة
سورة البقرة أما إنك لو مضيت، لرأيت العجائب.
وللشيخين وغيرهما - واللفظ لمسلم - عن أبي سعيد الخدري رضي
الله
عنه عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله بينما
أنا البارحة
من جوف الليل أقرأ في مِرْبَدي، إذ جالت فرسي، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: أقرأ ابنَ حضير
قال: فقرأت ثم جالت أيضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: اقرأ ابنَ حضير، قال: فانصرفت وكان يحيى - يعني ابنه -
قريباً
منها خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظلَّة فيها أمثالى السرُج،
عرجت في الجو
(2/23)
حتى ما أراها، فقال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: تلك الملائكة (كانت) تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت
يراها الناس، ما تستتر منهم.
ورواه إسحاق في مسنده، والنَّسائي في الكبرى، وابن حبان في
صحيحه بنحوه.
ورواه عبد الرزاق عنه بلفظ: فغشيتني مثل السحابة، فيها
المصابيح.
وامرأتي نائمة إلى جنبي وهي حامل، والفرس مربوط في الدار،
فخشيت أن
تنفر الفرس فتفزع المرأة، فتلقى ولدها، فانصرفت من صلاتي،
فذكرت ذلك للنبي حين أصبحت، فقال: اقرأ أسيد، ذلك ملَكُ يستمع
القرآن.
ورواه البخاري، وأبو عبيد، عن أبي سعيد الخدري، عن أسيد بن
حضير رضي الله عنهما قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة،
وفرسه
مربوطة عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكت، ثم قرأ فجالت ثم قرأ
فجالت، فانصرف إلى ابنه يحيى، وكان قريباً منها فأشفق أن
تصيبه، فلما
انصرف رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة، فيها أمثال
المصابيح.
عرجت إلى السماء، حتى ما يراها، فلما أصبح، حَدَّثَ رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه
وسلم -: يا ابنَ حضير اقرأ، يا ابنَ حضير اقرأ، قال: أشفقت يا
رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً، فانصرفتُ إليه،،
ورفعتُ
(2/24)
رأسي إلى السماء فإذا هي مثلُ الظُلَّة،
فيها أمثال المصابيح، فعرجتْ حتى لا
أراها.
قال: أوتدري ما ذاك؟. قال: لا يا رسول الله، قال: تلك الملائكة
دنت لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحتْ ينظر الناس إليها، لا تتوارى
منهم.
ورواه عن كعب بن مالك، عن أسيد بن حضير رضي الله عنهما، أنه
كان على ظهر بيته يقرأ القرآن، وهو حَسَن الصوت، فذكر نحوه.
ورواه الحافظ ابن رجب من طريق عبد الله بن محمد البغوي، وأبو
عبيد - أيضاً - من طريق أخرى، ولفظه:
قال: قلت يا رسول الله، بَيْنَما أنا أقرأ البارحة بسورة
البقرة
- فلما انتهيت إلى آخرها، سمعت رَجَّةً من خلفي، حتى ظننتُ أن
فرسي
تَطْلِقُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ أبا
عتيك (مرتين. قال: فالتفتُ إلى أمثال المصابيح ملء ما بين
السماء والأرض. فقال: اقرأ أبا عتيك) فقال: والله ما استطعت أن
أمضي.
فقال: تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن -
وقال البغوي: لقراءة سورة البقرة - أما إنك لو مضيتَ، لرأيتَ
الأعاجِيب.
ورواه الحافظ ابن رجب من طريق عثمان بن أبي شيبة من حديث
(2/25)
محمود بن لبيد: أن أسيد بن حضير رضي الله
عنهما، كان من أحسن
الناس صوتاً بالقرآن فقرأ ليلة وفرسُه مربوط عنده، وابنُه نائم
إلى جنبه، فأدار الفرس في رباطه، فقرأ فأدار الفرس في رباطه،
فانصرف وأخذ ابنه، وخشى أن يطأه الفرس، فذكر ذلك لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
اقرأ أسيد
فإن الملائكة لم تزل يستمعون صوتك، فلو أنك قرأت، أصبحت ظلة
بين
السماء والأرض، يراها الناس فيها الملائكة.
قال ابن رجب: وفي هذا السياق دلالة على فضيلة الصوت الحسن
بالقرآن.
ولأبي عبيد - أيضاً - عن جرير بن يزيد: أن أشياخ أهل المدينة
حدثوه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له: ألم تر
ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه لم تزل دارُه البارحة تزهو
مصابيح؟.
قال: فلعله قرأ سورة البقرة، فسئل ثابت فقال: قرأت سورة
البقرة.
(2/26)
ولعل خصوصية البقرة بذلك، من أجل قوله
تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ
فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ
الْأَمْرُ) .
فإن ظهور مجد الله سبحانه بني إسرائيل على الطور، كان في ظلل
الغمام والنار، ولذلك تليت الآية بقوله تعالى: (سَلْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) .
ولأبي عبيد في الغريب والفضائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أنه قال: جَردوا القرآن، ليَرْبُوَ فيه صغيركم، ولا ينأى
عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت الذي تقرأ فيه سورة
البقرة.
وفي رواية الفضائل: يفر من البيت الذي يسمع فيه سورة البقرة.
ثم ذكر أبو عبيد اختلاف الناس في معناه، فقيل: جرّدوه من النقط
والفواتح والتعشير ونحوه. ولا تخلطوا به غيره.
وروى: أن رجلا قرأ عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال: أستعيذ
بالله من الشيطان الرجيم. فقال عبد الله: جَرِّدُوا القرآن.
وقيل: بل المعنى: أن يتعلم وحده، وتُتْرَكَ الأحاديث.
ثم رد أبو عبيد هذا، بأن فيه إبطالَ السنن، وبأن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه حين وجه الناس إلى العراق قال: جردوا القرآن،
وأقِلُّوا
الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا شريككم.
(2/27)
ففي قوله: "أقلوا الرواية" ما يبين أنه لم
يرد بتجريد القرآن ترك
الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أراد -
عندنا - علمُ أهلِ الكتاب.
وأيد ذلك بأن عبد الله نفسه كان يحدِّث عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - بحديث كثير، ثم قوى أنه إنما حثهم على أن لا يتعلم
شيء من كتب الله عز وجل، لأن ما خلا القرآن من كتب الله، إنما
يؤخذ عن اليهود والنصارى، وليسوا بمأمونين عليها.
وروى فيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه قال: من
أشراط الساعة: أن تُوضع الأخيار، وتُرفع الأشرارُ، وأن تُقرأ
المثنَاةُ على
رؤوس الأشهاد، لا تغَيرُ قيل: وما المثنَاة؟.
قال: ما استُكْتِبَ من غير كتاب الله.
قال أبو عبيد: فسألت رجلاً من أهل العلم بالكتب الأولى عن
المثناة
فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى عليه
السلام، وضعوا
كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله عز وجل،
فسمَّوْه المثناة كأنه يعني: أنهم أحلوا فيه ما شاءوا، وحرموا
فيه ما شاءوا، على خلاف كتاب الله.
فبهذا عرف تأويل حديث عبد الله بن عمرو، وأنه إنما كره الأخذ
عن
أهل الكتاب لذلك المعنى، وقد كانت عنده كُتُب (وقعت) إليه يوم
(2/28)
اليرموك، فاظنه قال هذه لمعرفته بما فيها،
ولم يرد النهي عن حديث رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته. وكيف ينهي عن ذلك وهو من
أكثر أصحابه حديثاً عنه. انتهى.
وأصل حديث المثناة هذا، في أوائل الدارمي.
وهذه المثناة (تسمى) عندهم الله، المثناة - بالشين المعجمة -
غير
أنهم يلوون ألسنتهم على عادتهم في لحونهم في جلوسهم.
وأخبرني بعضهم: أن معنى هذه اللفظة عندهم: الجمع والضم.
فتكون المثناة تعريبها، وهي في أكثر من مائة سفر.
وذلك أنه كان يجتمع أحبارهم، فيكتبون ما يرون أنهم محتاجون
إليه
من الأحكام والآداب، ثم إذا انقرضوا، اجتمع من خلف بعدهم من
الأحبار
في العصر الثاني، فزادوا ما شاؤوا.
وعندهم: أن هؤلاء الأحبار لا يفعلون ذلك إلا عن الله وحياً.
فعندهم: أن كل ما كتبوه فهو (وحي) من عند الله، كما قال
تعالى: (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .
وما زالوا كذلك عصراً بعد عصر، إلى أن زادت عدة مجلداتها على
العد
" - تجاوزت الحد، فيقال: إنها تقارب مائتي مجلد، فلما رأوا
ذلك، منعوا من
(2/29)
فقد عُلم من هذا كله إنه إنما نمنع مما لا
نعلمه، وأما ما علمناه
بشهادة كتابنا المهيمن على كل كتاب، بصدقه أو كذبه، فإنه يقضي
به.
فالمصدَّقُ كتابُنا لا غيره. والله الموفق.
وروى أبو عبيد في الغريب أيضاً، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
حين قيل له أقرأ القرآن في ثلاث؟. فقال: لأن أقرأ البقرة في
ليلة فأدَّبَّرها.
أحب إليَّ من أن أقرأ كما تقول هذرمة.
يعني: السرعة.
وعند الترمذي في فضائل القرآن، واللفظ له وقال حسن، والنسائي
في
السير، وابن ماجة في السنة مختصراً، وابن حبان في صحيحه، عن
أبي هريرة
رضي الله عنه قال: بَعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بَعْثاً وهم ذووا عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم، يعني: ما
معه من القرآن، فأتى على رجل من أحدثهم سِناً، فقال: ما معك يا
فلان؟ قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال: أمعك سورة
البقرة؟.
قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم
فقال رجل من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلم البقرة، إلا
خشية أن لا أقوم بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
تَعَلَّموا القرآنَ، فاقْرَؤُوه وأَقْرِؤُوه وقوموا.
فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه، وقام به، كمثل جراب محشو
مسكاً يفوح
ريحه في كل مكان، ومثل من تعلمه، فيرقد وهو في جوفه، كمثل جراب
أُوكي على مسك.
(2/30)
وروى الطبراني في الأوسط، عن عثمان رضي
الله عنه قال: بعث
النبي - صلى الله عليه وسلم - وفدا إلى اليمن، فامًر عليهم
أميراً منهم، وهو أصغرهم، فمكث
أياما لم يَسِرْ، "فلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً
منهم، فقال: يا فلان مالَكَ، أما انطلقت؟.
قال: يا رسول الله أميرُنا يشتكي رجله، فأتاه النبي - صلى الله
عليه وسلم -، ونفث عليه "بسم الله، وبالله، أعوذ بعزة الله
وقدرته، من شر ما فيها" سبع مرات، فبرأ الرجل، فقال شيخ: يا
رسول الله، أتؤمِّرُه علينا وهو أصغرنا؟. فذكر
النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءته القرآن، فقال الشيخ: يا
رسول الله، لولا أني أخاف أن أتوسَّدَه فلا أقوم به لتعلمته،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تَعَلَّمْه، فإنما مثل
القرآن كجراب ملأتَهُ مسكاً، ثم ربطت على فِيهِ، فإن فَتَحْتَ
فاحَ لك ريحُ المسك، وإن تركتَه كان مسكاً موضوعاً، كذلك مثل
القرآن إذا قرأته أو كان في صدرك.
قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل، وضعفه الجمهور، ووثقه
ابن حبان، إلا أنه قال: في أحاديث ابنه عنه مناكير.
قال الهيثمي: وليس هذا من رواية ابنه عنه.
وروى عبد الرزاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان ثلاثة قي سفر، فليؤمهم
أقرؤُهم، وإن كان أصْغَرَهم، فإذا أمَّهُم فهو أميرُهم.
(2/31)
قال أبو سلمة: فذاك أمير أفَرَه رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -.
وقال ابن عبد البر في كتاب "الاستيعاب": وكانت راية بني مالك
بن
النجار في تبوك، مع عمارة بن حزم رضي الله عنه، فأخذها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - ودفعها إلى زيد بن ثابت رضي الله
عنه، فقال عمارة: يا رسول الله، أبلغك عني شيء؟.
قال: لا، ولكن القرآن مقدَّم، وزيد أكثر أخذاً منك للقرآن.
ثم قال: وهذا عندي خبر لا يصح.
لكن شيخنا ذكره في كتاب "الإصابة" ولم يتعقبه، وقال: وكان فيمن
ينقل التراب مع المسلمين، يعني في الخندق، فنعس فرقد، فجاء
عمارة بن
حزم فأخذ سلاحه (وهو لا يشعر) ، فقال له النبي - صلى الله عليه
وسلم -: يا أبا رُقَاد ويومئذ نهى النبي - صلى الله عليه وسلم
- أن يُرَوَّعَ المؤمِنُ، ولا يؤخذ متاعه جاداً ولا لاعبا.
انتهى.
فمن الغرائب: أن يقدِّر الله بعد سنتين أنه تنزع له (الراية) ،
كما
آتاه الله من اليقظة في كتابه، ممن أخذ سلاحه في حال نومه.
وروى الحارث بن أبي أسامة عن الحسن رحمه الله: أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -
(2/32)
قال: أفضل القرآن: سورة البقرة، وأعظم آيةٍ
فيه: آيةٌ الكرسي.
قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ في ليلة
مائة آية، لم يحاجه القرآن، ومن قرأ مائتين كُتِبَ له قنوتُ
ليلة، ومن قرأ بالمائة إلى الألف، أصبح وله قنطار، والقنطار
دية أحدكم: اثنا عشر ألفاً.
قال: وإن أصفر البيوت من الخير، البيت الذي لا يقرأ فيه
القرآن.
وإن الشيطان ليفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.
فضل آية الكرسي
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال:
إن
الله اختار الكلام، فاختار القرآن، واختار القرآن فاختار منه
سورة البقرة.
واختار من سورة البقرة آية الكرسي، واختار البلاد فاختار
الحرم، واختار
الحرم، فاختار موضع البيت.
وفي أمالي أبي الحسين بن شمعون عن عائشة رضي الله عنها،
(2/33)
أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم
-، فشكا إليه: أن ما في بيته ممحوق البركة، قال: أين أنت من
آية الكرسي، ما تليت في شيء على طعام، ولا إدام، إلا أنمَى
الله بركة ذلك الطعام والِإدام.
وعند البخاري، وابن خزيمة، وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: وَكلَني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة
رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يَحْثو من الطعام فأخذته، فقلت:
لأدفعنَك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني
محتاج وعليَّ دَيْن، ولي عيال، وبي حاجة شديدة، فخلَّيْت عنه
فأصبحت فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا هريرة ما
فعل أسيرك البارحةَ؟ قلت: يا رسول الله شكى حاجةً شديدة
وعِيالًا فَرَحمتُه، فخلَّيْت سبيلَه، قال: أما إنه كَذَبَكَ
وسيعود، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام.
فذكر الحديث في قبضه عليه، واعتذاره وتَرفُقِهِ، إلى أن قال:
فأخذته -
يعني: في الثالثة - فقلت: لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول الله
يكوهذه آخر ثلاث مرات، تزعم أنك لا تعود، ثم تعود، قال: دعني،
فإني أُعَلِّمُك كلماتٍ ينفعُك الله بها، قلت: وما هنً؟ ، قال:
إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إلَه إلَاَ
هُوَ الحَيُ القَيُومُ) حتى تختم الآية، فإنك لن يزالَ عليك من
الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تُصبح، فخلَّيت سبيله، فأصبحت
فقال
لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما فعل أسيرك البارحة؟ ،
قلت: يا رسول الله زَعم أنَهُ يُعَلِّمُني كلمات ينفعني الله
بهن، فخلَّيت سبيله، قال: ما هن؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى
فراشك. الحديث. وفيه: وكانوا أحرص شيء على الخير.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه صَدَقَك وهو
كَذُوب، تَعْلَم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟.
قال: لا، قال: ذاك الشيطان.
(2/34)
وللنسائي في "اليوم والليلة" من الكبرى،
عنه رضي الله عنه، أنه كان
على تمر الصدقة، فوجد أثر كفّ، كأنه قد أُخِذَ منه، فذكر ذلك
للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أتريد أن تأخذه؟. (قلت:
نعم. قال) قل: سبحان من سخرك بمحمد، قال أبو هريرة: فقلت، فإذا
أنا به قائم بين يَدَي، فأخذته لأذهب به إلى النبي - صلى الله
عليه وسلم -. فقال: إنما أخذتُه لأهل بيت فُقَرَاءَ من الجن
ولن أعود، فعاد، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
أتريد أن تأخذه؟ فقلت: نعم.
قال: فقل: سبحان من سخرك لمحمد. قال أبو هريرة: فقلت فإذا أنا
به
قائم، فأردت به لأذهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فعاهدني ألا يعود، فتركته، ثم عاد.
فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتريد أن تأخذه؟.
فقلت: نعم. فقال: سبحان الذي سخرك لمحمد، فإذا أنا به.
قلت: عاهدتَني فكذبت وعدتَ، لأذهبن بك إلى النبي - صلى الله
عليه وسلم -.
فقال: خلً عني أُعَلِّمْكَ كلماتٍ إذا قلتَهن لم يقربك ذَكَرْ
ولا أنثى من الجن، قلت: وما هؤلاء الكلمات؟ ، قال: آية الكرسي،
اقرأها عند كل صباح ومساء.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: فخلَّيْتُ عنه، فذكرت
ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وما علمتَ أنه كذلك.
وعند أحمد، والقاضي أبي عبد الله المحاملي في السادس عشر من
فوائده، والترمذي واللفظ له وقال: حسن غريب، من حديث أبي أيوب
الأنصاري رضي الله عنه، أنه كانت له سهوة فيها تمر، وكانت تجيء
(2/35)
الغول وتأكل منه، فشكا ذلك إلى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، قال: اذهب، فإذا رأيتَها فقل: بسم الله،
أجيبي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأخذها، فحلفت
أن لا تعود
فأرسلها، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما فعل
أسيرك؟. قال: حلفت أن لا تعود، قال: كذبَت، وهي معاودة للكذب،
فأخذها مرة أخرى فحلفت أن لا تعود، فأرسلها، فجاء إلى النبي -
صلى الله عليه وسلم - فقال: ما فعل أسيرك؟. قال: حلفت
أَن لا تعود، قال: كذبَت وهي معاودة للكذب، فأخذها مرة أخرى
فقال: ما أنا بتاركِكِ حتى أذهب بك إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فقالت: إني ذاكِرةٌ لك شيئاً: آية الكرسي، اقرأها
في بيتك، فلا يقربك الشيطان ولا غيره، فجاء إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم -، فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: فأخبره بما قالت،
قال: صدَقَتْ وهي
كَذُوبٌ.
وفي بعض طرقه قال: أرسلني وأعلمك آية من كتاب الله، لا تضعها
على مال ولا ولد، فيقربه الشيطان أبداً، قلت: وما هي؟.
قال: لا أستطيع أن أتكلم بها، آيةُ الكرسي.
ولفظ المحاملي: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان
تمر
لنا في سهوة فكنت أراه كل يوم من غير أن نأخذ منه شيئاً، فأتيت
رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إن تمراً لنا في سَهْوَةٍ
لنا، وإنَّا نجده ينقص كل يوم من غير أن نأخذ منه شيئاً، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك جِنَيةٌ - أو غُولٌ -
تأكل طعامك، وستجدها هِرَّةً، فإذا رأيتها فقل: بسم الله،
أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فانطلقتُ فدخلتُ البيتَ، فإذا سنور في التمر، فقلت: بسم الله
أجيبي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي عجوزٌ جالسةٌ.
فقلت: يا عدوة الله انطلقي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، فقالت: أنشُدُك الله يا أبا أيوب لما تركتني فلن أعود،
فتركتها
ثم غدوتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما فعل
الرجل وأسيره؟.
فقلت: أخذتها يا رسول الله، فناشدتني فحلفتْ أن لا تعودَ، قال:
كذبَتْ تُعُوُد،
(2/36)
فانطلقت فإذا سنور في البيت قلت بسم الله
أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: أنشدك الله يا
أبا أيوب لما تركتني فوالله لا أعود أبداَ، فتركتها، ثم غدوت
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما فعل الرجل
وأسيره؟.
فأخبرته، قال: كذبت ستعود. فأخذتها الثالثة، فقلت: يا عدوة
الله أليس قد زعمتِ أنَك لا تعودين؟.
قالت: يا أبا أيوب اتركني، فوالله لأعلمنَك شيئاً إذا قلتَه
حين
تصبح، لم يدخل بيتَك الشيطان حتى تمسى، وإذا قلتَه حين تمسى لم
يدخل
الشيطان بيتك حتى تصبح. قلت: ما هو؟.
قالت: آية الكرسي، فتركتها، -
ثم غدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما فعل
الرجل وأسيره؟.
قلت: أخذتها فناشدتني الله وقالت: اتركني، فوالله لأعلمنك
شيئاً إذا قلته حين تمسي لم يدخل الشيطان بيتك حتى تصبح، وإذا
قلته حين تصبح لم يدخل
الشيطان بيتك حتى تمسي.
فقلت: ما هو؟.
فقالت: آية الكرسي.
قال صدقت وإنها لكذوب.
السهوة - بفتح السين المهملة -: الطاق في الحائط، يوضع فيها
الشيء.
وقيل: هي الصُّفَّة، وقيل: المخدع بين البيتين.
وقيل: هو شيء شبيه بالرف.
وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة.
قال المنذري: كل واحد من هؤلاء يسمى: سهوة، ولفظ الحديث
يحتمل الكل، ولكن ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يرجح الأول.
والغول - بضم المعجمة - هو شيطان يأكل الناس، وقيل: هو من
(2/37)
يتلون من الجن. انتهى.
وعند الحارث بن أبي أسامة، وأبي يعلى الموصلي، وابن حبان في
صحيحه والنَّسائي في اليوم والليلة من الكبرى، والطبراني -
بإسناد قال
المنذري: جيد - عن أُبَي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له
جَرِين فيه
تمر، وكان مما يتعاهده، فيجده ينقص، فحرسه ذات ليلة، فإذا هو
بدابة
كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلمتُ، فرد السلام، فقلت: ما أنت
جن أم
أنس؟. قال: جن، فقلت: ناولني يدك، فإذا يد كلب، وشعر كلب.
فقلت: هذا خلق الجن؟.
فقال: لقد علمت الجنُّ أن ما فيهم من هو أشد
مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟.
قال: بلغني أنك تحب الصدقة، فأحببت أن أصيب من طعامك.
فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟.
فقال: هذه الآية، آية الكرسي.
وفي رواية للنسائي: إذا قلتَها حين تصبح أُجِرْتَ منا إلى أن
تمسى.
وإذا قلتها حين تمسى أُجِرْتَ منا إلى أن تصبح. قال: فتركته،
وغدا إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره.
فقال: صدق الخبيث.
الجَرِينُ - بفتح الجيم، وكسر الراء المهلمة - هو البيدر.
(2/38)
وللدارمي عن ابن مسعودرضي الله عنه قال:
لقي رجل من أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الجن فصارعه، فصرعه
الإِنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلا شَخِيتاً، كان
ذُرَيْعَتَيْكَ ذُرَيْعَتَا كلب، فكذلك أنتم معشر الجن
أم أنت من بينهم كذلك؟.
قال: لا والله إني من بينهم لضليع. ولكن عاوِدْنِي الثانية فإن
صرعتني علمتك شيئاً ينفعك.
قال: نعم.
قال: تقرأ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ) ؟.
قال: نعم.
قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا خرج منه الشيطان، له خبَج
كخَبَجِ الحمار. ثم لا يدخله حتى يصبح.
قال أبو محمد: الضبيل: الدقيق. والشَخِيتُ: الهزول.
والضَّلِيعُ:
جَيِّدُ الأضلاع. والخبج: الريح.
ورواه الدينوري في الجزء الثامن عشر من "المُجَالَسَة" عن ابن
مسعود
رضي الله عنه، ولفظه: لقي رجل من أصحاب محمد - صلى الله عليه
وسلم - رجلًا من الجن فصارعه فصرعه الِإنسي، فقال له الجني:
عاوِدْنِي، فعاوده فصرعه الإِنسي، فقال له الإِنسي: أراك
ضئيلاً شخيتاً، كان ذِراعيك ذِراعَا كلب، فكذلك أنتم معاشر
الجن أم أنت منهم كذا؟.
قال: لا والله إني منهم لضليع، ولكن عاوِدْني الثالثة، فإن
صرعتني
علمتك شيئاً ينفعك، فعاوده فصرعه، فقال: هات علمني، قال: هل
تقرأ آية
(2/39)
الكرسي؟. قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في
بيت، إلا خرج منه
الشيطان، ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل من القوم: يا أبا عبد
الرحمن
مَنْ ذاك الرجلُ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، هو عمر
رضي الله عنه؟.
فقال: من يكون هو إلا عمر؟!.
ورواه أبو عبيد في "الغريب"، فقال في حديث عمر بن الخطاب رضي
الله عنه: إن رجلاً من الجن لقيه فقال: هل لك أن تصارعني، فإن
صرعتَني
علَّمْتُك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان؟.
فصارعه فصرعه عمر رضي الله عنه - فذكر نحوه - وقال: تقرأ آية
الكرسي، فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته، إلا خرج الشيطان وله
خَبَج
كخبج الحمار.
ثم رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه خرج رجل من الإِنس فلقيه
رجل من الجن، فذكر الحديث، قال: فقيل لعبد الله: أهو عمر رضي
الله
عنه) ؟. فقال: وما عسى أن يكون إلا عمر.
وقال: "ضئيلا شخيتا" هما جميعاً: النحيف الجسم الدقيق.
والضليع: العظيم الخلق.
والخبج: الضراط. وهو الحَبَجُ أيضاً بالحاء، يعني المهملة. وله
أسماء سوى
هذين كثيرة.
وعند مسلم وأبي داود وأبي عبيد، من حديث أبَي بن كعب رضي الله
عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا
المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟. قال: قلت:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) .
(2/40)
قال: فضرب في صدري وقال: لِيُهِنَكَ العلمُ
أبَا المنذِر.
ورواه عبد الرزاق في جامعه، وأحمد - قال الهيثمي: ورجاله رجال
الصحيح - وعبد بن حميد، ومسدد، وابن أبي شيبة في كتابه،
وزادوا:
والذي نفسي بيده إن لهذه الآية لَلِساناً وشفتين، تُقَدِّس
المَلِكَ عند ساق
العرش.
وسيأتي الكلام على سر هذا الحديث قريباً.
ولأبي داود عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - جاءهم في صُفَة المهاجرين، فسأل إنسانٌ: أي
آية في القرآن أعظم؟. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) .
ورواه الطبراني في الكبير، عن الأسقع البكري والد واثلة بلفظه،
إلا
أنه قال: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) .
حتى انقضت.
(2/41)
ورواه إسحاق بن راهويه بإسناد فيه مجهول،
عن أبي ذر رضي الله عنه
قال: قلت: يا رسول الله، فأيما أنزل عليك أعظمُ؟.
قال: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
حتى تختم.
وعزاه ابن رجب إلى الِإمام أحمد، والنَّسائي، وابن حبان في
صحيحه.
ورواه أبو الحسن الخِلَعي في الجزء الثالث عشر من فوائده، عن
أبي ذر
رضي الله عنه في حديث طويل، قال: قلت: فأي شيء أعظم مما أنزل
الله
عليك؟.
قال: آية الكرسي، يا أبا ذر ما السماوات السبع في الكرسي، إلا
كحَلَقَةُ مُلقاة في فَلاة من الأرض، وفضلُ العرش على الكرسي
كفضل تلك
الفلاة على الحلقة.
قلت: فبأبي أنت وأمي، فكم الأنبياء؟.
قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
قلت: فكم الرسل من ذلك؟.
قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، جما غَفِيراً.
قلت: فمن كان أولُهم؟. قال: آدم، قلت: آدم نبي مرسل؟.
قال: نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلا.
يا ذر أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وجنوح وهو إدريس، وهو أول
من خط بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب،
(2/42)
ونبيكم.. - يعني: وإبراهيم من كوثا -
وسائرهم من بني إسرائيل.
على الكل أفضل الصلاة والسلام.
فأول الأنبياء: آدم، وآخرهم: أنا، وأول أنبياء بني إسرائيل:
موسى
وآخرهم: عيسى عليه السلام.
قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله "فكم كتابا أنزله الله؟.
قال: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب.
أنزل الله على شيث بن آدم عليهما السلام خمسين صحيفة، وأنزل
الله على جنوخ وهو إدريس عليه السلام ثلائين
صحيفة، وأنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشر صحائف، وأنزل
الله على موسى عليه السلام من قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل
التوراة والِإنجيل، والزبور والفرقان.
وقوله: "كحلقة ملقاة في فلاة"، يدل على أن السماوات كُرَيَّة
متداخِلة.
وعند الحاكم - وقال: صحيح الِإسناد - من طريق حكيم بن جبير، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: سورة
(2/43)
البقرة فيها آية، هي سيدة آي القرآن، لا
تقرأ في بيت وفيه شيطان.
إِلا خرج منه، آية الكرسي.
وللقاضي أبي عبد الله المحاملي في الخامس عشر من فوائده، عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله
عَلمْني شيئاً
ينفعني الله به، قال: اقرأ آية الكرسي، فإنه يحفظك وذريتك
ويحفظ دارك.
حتى الدويرات حول دارك.
وروى الدينوري في الجزء الحادي والعشرين من المُجالسة، عن
الحسن
رحمه الله، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إِن جبريل
عليه السلام أتاني فقال: إن عفريتاً من الجن يكيدك، فإذا أويت
إِلى فراشك، فقل: (الله اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم آية الكرسي.
ولأبي عبيد عن أبي أمامة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما،
أنه
قال: ما أرى رجلاً ولدَ في الِإسلام، أو أدرك عقلُه في
الِإسلام، يبيت
أبداً، حتى يقرأ هذه الآية (الله اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، الآية، ولم
تعلموا ما هي، إِنما أعطيها نَبِيكم - صلى الله عليه وسلم - من
كنز تحت العرش، ولم يعطها أحد قبل نبيكم وما بت ليلة قط حتى
أقرؤها ثلاث مرات، أقرؤها في الركعتين بعد العشاء الآخرة، وفي
وِتْرِي، وحين آخذ مضجعي من فِراشي.
والسر - والله أعلم - في طردها الشيطان في جميع الأوقات: أن
المقصود
(2/44)
منها - كما بينتُه في نظم الدرر -: الدلالة
على مضمون الآية التي قبلها، من تمام القدرة المستلزم
للوحدانية، المستلزمة للإِحاطة بجميع صفات الكمال، مع التصريح
بتلك الصفات الثبوتية والسلبية، كلها أو جلها، وذكر الاسم
الأعظم، وما يدل عليه فيها عشرين مرة.
فلا جرم أن - من قرأها، فتَنَسمَتْ أنفاسه من تلك القدرة، ضربت
على
بيته من سرادقات العظمة، فطردت عنه وعمن شاء الله من جيرانه
الشيطان.
وأعْلَتْهُ عن حضيض الآفات، إلى حضرات الرحمن.
وعلى هذا المقصود دلت تسميتها بالكرسي، لأنه على قدر مملكة
المَلِك.
تكون قدرته، وعلى حسب قدرته، يكون علوه وعظمته.
وما تقدم من كونها تُقَدِّسُ، مؤيِّدُ لما ذكرت من مقصودها،
فإن النطق
آية تمام القدرة، ولما كانت نسبتها بذلك من سائر آيات القرآن،
مثل نسبة
الِإنسان من جميع الحيوان، بُيِّنَتْ أبهي البيان، انتظم قوله
تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ
مِنَ الْغَيِّ) .
وروينا في "سباعيات " الصيدلاني ومسند الإِمام أحمد، عن أنس
رضي
الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سال رجلاً من
أصحابه: معك آية الكرسي؟.
قال: نعم. قال: ربع القرآن.
(2/45)
وكذا قال في الكافرون والنصر.
وسبب كون هذه الآية ربعاً، لا ثلثاً كالإِخلاص: أنها - وإن
أثبتت
الإلهية - لم يُصرح فيها بالصمدية، ولا بنفي الولد والمكافىء،
فهي بسورة
"الكافرون " أشبه من حيث إنها داعية إلى الإقبال على صاحب تلك
الأوصاف دون غيره.
وسيأتي لهذا في "الكافرون " تتمة.
وعند النسائي والطبراني باسانيدَ، أحدها صحيح - قال المنذري:
وقال شيخنا أبو الحسن: على شرط البخاري - وابنُ حبان في "كتاب
الصلاة" وصححه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله -
- صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسي دُبَر كل صلاة،
لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.
وزاد الطبراني في بعض طرقه: وقل هو الله أحد.
قال المنذري: وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضا
(2/46)
وعند الطبراني بإسناد حسن، عن الحسن بن علي
رضي الله عنهما، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسي دبر
الصلاة المكتوبة، كان في ذِمَّة الله إلى الصلاة الأخرى.
ولصاحب الفردوس عن أنس، وأبي أمامة رضي الله عنهما، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسي في دبر
الصلاة المكتوبة، قال أنس: كان له مثل أجر نبي.
وقال أبو أمامة: كان الرب يتولى قبض روحه بيده، وكان بمنزلة من
قاتل عن أنبياء الله حتى يستشهد.
(2/47)
ولأبي الشيخ ابن حيان، والترمذي في فضائل
القرآن وقال: غريب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: من قرأ آية الكرسي حين يصبح وآيةً من أول "حم المؤمن"
حُفِظَ في يومه ذلك حتى يُمْسِي، ومن قرأها حين يمسي حُفِظَ في
ليلته حتى يُصْبحَ.
ولفظ الترمذي: من قرأ حم المؤمن إلى: "وإليه المصيرُ"، وآية
الكرسي حين يصبح، حفظ بها حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي،
حفظها
بهما حتى يصبح.
وسيأتي هذا الحديث في غافر، إن شاء الله تعالى، وفيه زيادة
قراءة
الدخان.
فضل خواتيم سوره البقرة
ولصاحب الفردوس عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسي، وخواتيم سورة
البقرة، عند الكَرْبِ، أغاثه الله.
وعند الستة، وعبد الرزاق في جامعه، وابن خُزَيْمَة،
والدارِمِي، وعبدِ.
ابن حميد وأبي عُبَيد، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ الآيتين من آخر سورة
البقرة في ليلةٍ كَفَتَاهُ.
(2/48)
ورواه الدارمي - كما في نُسْخَتَيْن - عن
ابن مسعود رضي الله عنه.
قال المنذري: أجزأتاه عن قيام تلك الليلة، وقيل: كفتاه ما يكون
من الآفات تلك الليلة.
وقيلِ: كفتاه مِنْ كل شيطان فلا يقربُه ليلتَه.
وقيل: معناه: حَسْبُه بها فَضْلاً وأجْراَ. والله أعلم. انتهى.
والصواب في مثل هذا: التعميم، فإنَّ اللفظ يحتمله، والفَضْلُ
أوْسَعُ.
(2/49)
وفي الفردوس عن عقبة بن عامر، وأبي مسعود،
رضي الله عنهما، أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ خاتمة سورة البقرة
حتى يختمها في ليلة، أجزأت عنه قيام تلك الليلة.
وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من قرأ في ليلة
آخر سورة البقرة، فقد أكثر وأطاب.
وله برجال - قال الهيثمي: ثقات - عن شَدَّاد بن أوسٍ رضي الله
عنه
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عز وجل
كتب كتاباً قبل أن يخلُقَ السماوات والأرض بألفَيْ عام، فأنزل
منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، لا يُقْرآنِ في دار ثَلاَثَ
لَيَال، فيقربُها شيطان.
وله عن عقبة بنِ عامر رضي الله عنه قال: تَرَدَّدُوا في
الآيتين من آخر
سورة البقرة "آمن الرسول" إلى خاتمتها، فإن الله اصطفى بهما
محمداً - صلى الله عليه وسلم -.
وعند مسلم، والنًسائي في الصلاة، والترمذي في التفسير، وأبي
يعلى
الموصلي في مسنده، وأبي نعيم في الحلية في ترجمة طلحةَ بنِ
مصرِّف، عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما أسْرِيَ برسول الله -
صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى سدرة المنتهى (وهي في السماء
السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فَيُقْبَضُ منها،
وإليها يَنْتَهِي ما يَهْبِطُ به من فوقها، فيُقْبَضُ منها،
قال:
(2/50)
(إذ يغشى السًدْرَةَ ما يَغْشَى) ، قال:
فراش من ذهب، قال: فأعْطِي
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا: أعْطِيَ الصلواتِ
الخَمْسَ، وأعْطِيَ خَواتِيمَ سورةِ البقرة، وغُفِر لمن مات لا
يشرك بالله شيئاً من أمته المُقْحَمَاتُ.
وقال أبو نعيم: صحيح متفق عليه من حديث طلحة، لم نكتبه إلا من
حديث مالك عن أبي الزبير.
ورواه أبو عبيد عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: الآيات
الأواخر
من سورة البقرة، إنهن لمن كنز تحت العرش.
وعند أبي عبيد فِى الفضائل، والترمذي في الجامع واللفظ لهما،
والنسائي
وابن حبان في صحيحه، وأحمد بن منيع في مسنده، والدارمي،
والطبراني في
الأوسط في ترجمة أحمد بن محمد بن صدقة، وأحمد بن عمرو
القَطَوَاني.
والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن النعمان بن بشير رضي الله
عنه
(2/51)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن
الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، أنزل
منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، فلا تقْرَءانِ في دار ثلاث
ليال، فيقربُها شيطان.
ولفظ ابن منيع: فمن قرأ بهما في (بيته) لم يدخل الشيطان بيته
ثلاثة
أيام.
وقال: هو عنده على العرش.
ولفظ ابن صدقة بعد قوله: "بألفي عام فهو عنده على العرش:
أنزل في ذلك الكتاب آيتين ختم بهما سورة البقرة، وأن الشيطان
لا يلج بيتاً
قرئت فيه ثلاث ليال.
والباقي سواء.
وفي رواية الحاكم: ولا يقرآن في بيت فيقربه الشيِطِان ثلاث
ليال.
وقال صحيح على شرط مسلم.
وعند مسدد، وأبي بكر بن أبي داود، عن علي رضي الله عنه أنه
قال:
ما كنت أرى أحدا يعقل، ينام حتى يقرأ - الآيات الأواخر من سورة
البقرة
فإنهن من كنز تحت العرش.
ولفظ ابن أبي داود: ما كنت أرى أحداً يعقل ينام - قبل أن يقرأ
الآيات
الثلاث الأواخر من سورة البقرة.
(2/52)
قال النووي: وإسناده صحيح على شرط البخاري
ومسلم..
وروى أيضاً عن علي رضي الله عنه: ما أرى أحداً يعقل في
الإسلام ينام حتى يقرأ آية الكرسي.
وللإِمام أحمد بن حنبل - قال الهيثمي: بأسانيد رجال أحدها رجال
الصحيح - وأحمد بن منيع، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله
- صلى الله عليه وسلم -: أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت من
تحت العرش - (وفي رواية: آيتين أوتيتهما من كنز من بيت تحت
العرش) - لم يؤتهما نبي قبلي: الآيتان من آخر سورة البقرة.
وللطبراني في الكبير والأوسط، وأحمد في السند - قال الهيثمي:
ورجاله
رجال الصحيح - عن حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - يقول: أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة -
وفي رواية: خواتيم سورة البقرة -
من كنز تحت العرش، لم يعطها نبي قبلي.
قال ابن رجب: وخرَّجه النسائي، وعِندَه: وأوتيتُ هؤلاء الآيات
من
آخر سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم يعط منه أحد قبلي، ولا
يعطي
منه أحد بعدي.
وأشار إلى أنه في صحيح مسلم.
(2/53)
وللدارمي عن أيفع بن عبد الله الكلاعي -
وجزم الذهبي أنه
تابعي - قال: قال رجل يا رسول الله، أي سورة في القرآن أعظم؟.
قال: "قل هو الله أحد" قال: فأي آية في القرآن أعظم؟. قال: آية
الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ، قال: فأي آية يا
نبى الله تحب أن تصيبك وأمتك؟.
قال: خاتمة سورة البقرة، فإنها من خزائن رحمة الله، من تحت
عرشه، أعطاها هذه الأمة، لم تترك خيراً من خير الدنيا والآخرة،
إلا
اشتملت عليه.
وفي رواية: أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي آية في القرآن
أعظم؟.
قال: آية الكرسي، وخاتمة البقرة.
فعلى هذه الرواية هو متصل، فيه مبهم.
وخرج ابن مردويه في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ آخر سورة البقرة، أو
آية الكرسي، ضحك، وقال: إنهما من كنز الرحمن تحت العرش. وإذا
قرأ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) ، (وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ
يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)
استرجع واستكان.
(2/54)
وله عن علي رضي الله عنه قال: ما كنت أرى
أن أحداً يعقل ينام.
حتى يقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة، وأنهن لمن كنز تحت
العرش.
ولابن جرير في التفسير، والبزار في مسنده، عن أبي هريرة رضي
الله
عنه - أو غيره - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم وقفه
على أبي هريرة. فذكر حديثاً في الإِسراء.
وفيه: إن الله قال: يا محمد جعلت من أمتك أقواماً قلوبهم
أناجيل.
وأعطيتك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، لم أعطها نبياً
قبلك.
وأعطيتك خواتيم سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم أعطها نبياً
قبلك.
وسيأتي في الكوثر ما يتصل بهذا.
وعند الحاكم وصححه على شرط البخاري، عن أبي ذر رضي الله
عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله ختم سورة
البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن
وعلموهن نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء.
وفي إسناده معاوية بن صالح، قال المنذري: لم يحتج به البخاري،
إنما
احتج به مسلم.
(2/55)
وهو عند أبي عبيد في الفضائل، وأبي داود في
المراسيل، والدارمي، من
حديث جبير بن نفير مرسلا.
وللِإمام أحمد، وأبي يعلى الموصلي، في مسنديهما، والطبراني،
وأبي عبيد
في الفضائل، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يقول: اقرأ - وفي رواية: يقول على
المنبر: اقرأوا - بهاتين الآيتين من آخر سورة البقرة، إني
أعطيتهما من تحت العرش.
قال الهيثمي: والحديث حسن.
ولفظ أبي عبيد: فإن ربي جل جلاله أعطانيهما من تحت العرش.
وفي سورة الشعراء حديث في فضل البقرة، وهاتين الآيتين.
وروى الدارمي، عن عبد الله رضي الله عنه قال: من قرأ عشر آيات
من سورة البقرة في ليلة، لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة
حتى
يصبح: أربع من أولها وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث
خواتيهما، أولها: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ)
(2/56)
وقال في رواية أخرى: من قرأها، لم يقربه
ولا أهله يومئذ شيطان، ولا
شيء يكرهه، ولا يُقْرآنَ على مجنون إلا أفاق.
وله عن المغيرة بن سبيع - وكان من أصحاب عبد الله - قال: من
قرأ
عشر آيات من البقرة عند منامه، لم ينس القرآن: أربع آيات من
أوَلها، وآية الكرسي، وآيتان مِنْ بعدها، وثلاث من آخرها.
وللبيهقي في الدعوات - وقال: موقوف حسن - عن العلاء بن
اللجلاج.
أنه قال لبنيه:إذا أدخلتموني في قبري، فضعوني في اللحد وقولوا:
بسم الله
وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنوا عليَّ
التراب سنا، واقرأوا عندي أول البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن
عمر يستحب ذلك.
وفي الفردوس عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: من قرأ من أول البقرة أربع آيات، وآية الكرسي،
والآيتين بعدها، والثلاث من آخرها، كلأه الله في أهله، وولده،
وماله، ودنياه، وآخرته.
وللطبراني - قال الهيثمي: عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح.
صدوق إن شاء الله، كما قال الذهبي، قال ابن أبي حاتم: وقد
تلكموا
فيه، وبقية رجاله وثقوا - عن بريدة رضي الله عنه قال: بلغني أن
معاذ
بن جبل رضي الله عنه أخذ الشيطان على عهد رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، فأتيته فقلت: بلغني أنك أخذت الشيطان على عهد
رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -؟. قال: نعم، ضَمَّ إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمر الصدقة، فجعلته في غرفة
لي، فكنت أجد فيه كل يوم
(2/57)
نقصاناً، فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فقال لي: هو عمل الشيطان فارصده، فرصدته
ليلاً، فلما ذهب هَوِي من الليل أقبل على صورة الفيل، فلما
انتهى إلى الباب، دخل من خلل الباب على صورته، فدنا من التمر
فجعل يلتقم، فشددت عليَّ ثيابي فتوسطته، فقلت: أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، يا عدو الله وَثَبْتَ إلى
تمر الصدقة فأخذته، وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فيفضحك، فعاهدني أن لا يعود، فغدوت إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: ما فعل أسيرك؟.
فقلت: عاهدني أن لا يعود. قال: إنه عائد فارصده، فرصدته الليلة
الثانية فصنع مثل ذلك، فصنعت مثل ذلك، وعاهدني ألا يعود،
فخلًيْتُ سبيله، ثم غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الأخيرة فإذا مناديه ينادي: أين معاذ؟. فقال لي: يا معاذ ما
فعل أسيرك؟. فأخبرته، فقال لي: إنه عائد فارصده فرصدته الليلة
الثالثة، فصنع مثل ذلك، وصنعت مثل ذلك. فقلت: يا عدو الله،
عاهدتني مرتين وهذه الثالثة، لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - فيفضحك. فقال: إني شيطان ذو عيال.
وما أتيتك إلا من نصيبين، ولو أصبت شيئاً دونه ما أتيتك، ولقد
كنا في
مدينتكم هذه، حتى بعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان، أنفرتنا
منها.
فوقعنا بنصيبين، ولا يقرآن في بيت، إلا لم يلج فيه الشيطان
ثلاثا، فإن
خليت سبيلي علمتكهما؟.
قلت، نعم، قال: آية الكرسي وخاتمة سورة البقرة، "آمن الرسول"
إلى آخرها، فخليت سبيله، فغدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -
لأخبره، فإذا مناديه ينادي: أين معاذ بن جبل؟.
فلما دخلت عليه قال لي: ما فعل أسيرك؟.
قلت: عاهدني ألا يعود، وأخبرته بما قال فقال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -: صدق الخبيث وهو كذوب.
قال: فكنت أقرؤهما عليه بعد ذلك، فلا أجد فيه نقصانا.
(2/58)
وللطبراني في الكبير أيضاً - قال الهيثمي:
ورجاله وثقوا كلهم، وفي
بعضهم ضعف - عن مالك بن حمزة، بن أبي أسيد الساعدي، عن أبيه.
عن جده أبي أسيد الساعدي الخزرجي رضي الله عنه، وله بئر
بالمدينة يقال
لها: بئر بضاعة، قد بصق فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فهي يتبشر بها، ويتيمن بها.
قال: فلما قطع أبو أسيد تمر حائطه، جعلها في غرفة، فكانت الغول
تخالفه إلى مسربته، فتسرق تمره، وتفسده عليه، فشكا ذلك إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تلك الغول يا أبا أسيد،
فاستمع عليها، فإذا سمعت اقتحامها، فقل: بسم الله أجيبي رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الغول: يا أبا أسيد، اعفني
أن
تكلفني أن أذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطيك
موثقا من الله أن لا أخالفك إلى بيتك، ولا أسرق تمرك، فأدلك
على آية تقرؤها على بيتك، فلا تخالف إلى أهلك، وتقرؤها على
إنائك فلا يكشف غطاؤه فأعطته الموثق الذي رضي به منها، فقالت:
الآية التي أدلك عليها هي آية الكرسي. ثم حكت أسنانها تضرط.
فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقص عليه القصة حيث ولَّت.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صدقت وهي كذوب.
اشتمال سورة البقرة على آخر ما نزل
من القرآن
وروى البخاري في التفسير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر
آية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، آية الربا.
(2/59)
وروى أبو عبيد عن ابن شهاب قال: آخر القرآن
عهداً بالعرش:
آية الربا وآية الديْنِ.
وله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية أنزلت من القرآن:
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) .
(2/60)
قال: زعموا: أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - مكث بعدها تسع ليال بدأ به
يوم السبت، وتوفي يوم الإثنين. انتهى.
ولا مخالفة، لأنها من آيات الربا والذين.
وقال بعض العلماء: هي أرجى آية في القرآن، لأنها أطول آية فيه.
وقد أرشد الله فيها العباد إلى حفظه بأنواع كثيرة من الاحتياط،
وإذا كان هذا لطفه بأموالهم الفائتة، فكيف يكون حفظه عليهم
لإيمانهم الذي ينفعهم في
آخرتهم على الدوام.
وروى مسلم وغيره عن ابن عباس - وغيره - رضي الله عنهما قال:
لما
نزلت: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) ،
دخل
قلوبهم منها شيء، لم يدخلها من شيء، فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم -: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا، قال: فألقى الله عز
وجل في قلوبهم الإيمان، فأنزل الله عز وجل (آمَنَ الرَّسُولُ
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللَّهِ) - "إلى قوله
(2/62)
قوله - (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا) .
قال: قد فعلت، (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا
كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) ، قال: قد
فعلت (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ
مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ،
قال: قدفعلت.
ورواه عن أبي هريرة بنحوه، وقال: "نعم" موضع "قد فعلت ".
وفي سورة طه عن أبي أمامة رضي الله عنه في فضلها.
وتقدم في الفاتحة من ذلك.
(2/63)
|