مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور سورة الأنفال
وتسمى: الجهاد.
مدنية اجماعاً، نزلت في بدر، كما رواه أبو عبيد عن سعيد بن
جبير عن
ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الجعبري: واختلف في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) .
وقال النجم النسفى والشمس الأصفهاتي: وقيل: إلا آية، وهي قوله
تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .) الأية.
قال الأصفهاني: نزلت في قصة وقعت بمكة، ويمكن أن تنزل الآية في
ذلك بالمدينة. ولا خلاف أن هذه السورة نزلت في يوم بدر وأمر
غنائمه.
(2/144)
وقال النسفي: وقيل: غير قوله: (يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ) ،
فإنها نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
وقال البغوي: مدنية، قيل: إلا سبع آيات، من قوله: (وَإِذْ
يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، إلى آخر سبع آيات، فإنها
نزلت بمكة.
والأصح: أنها نزلت بالمدينة وإن كانت الواقعة بمكة.
وقال الجعبري في شرح الشاطبية: وقيل: هي أول المدني.
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها خمس وسبعون في الكوفي، وست في المدنيين والمكي والبصري
وسبع في الشامي.
اختلافها ثلاث آيات:
(ثم يغلبون) عدها البصري والشامي، ولم يعدها الباقون.
(وليقضي الله أمراً كان مفعولا) الأول، أسقطها الكوفي وحده.
وعدها الباقون.
(بنصره وبالمؤمنين) أسقطها البصري وحده، وعدها غيره.
(2/145)
وفيها ما يشبه الفواصل، وليس معدوداً
بإجماع، ثمانية مواضع:
(أولئك هم المؤمنون) ، (رجز الشيطان) ، (فوق الأعناق) .
(عن المسجد الحرام) ، (إلا المتقون) ، (يوم الفرقان) ، (يوم
التقى الجمعان) .، وثاني: (كان مفعولاً) .
وعكسه أوله.
رويها سبعة أحرف: مدن قطرب، أو: قطرب ندم. الدال: للعبيد
والقاف: الحريق والباء: أربعة العقاب.
مقصودها
ومقصودها: تبرؤ العباد من الحول والقوة، وحثهم على التسليم
لأمر
الله واعتقاد: أن الأمور ليست إلا بيده، وأن الِإنسان ليس له
فعل يثمر ذلك الاعتصام بأمر الله، المثمر لاجتماع الكلمة،
المثمر لنصر الدين، وإذلال المفسدين، المنتح لكل خير، والجامع
لذلك كله: أنه كما ثبت بالسور الماضية وجوب اتباع أمر الإله،
والاجتماع عليه، لما ثبت من تفرده واقتداره، كان مقصود هذه
السورة إيجاب اتباع الداعي إليه بغاية الإذعان والتسليم
(2/146)
والرضا، والتبرؤ من كل حول وقوة، إلى من
أنعم بذلك كله، ولو شاء
سلبه.
وأدل ما فيها على هذا المقصود: قصة الأنفال، التي اختلفوا في
أمرها
وتنازعوا قسمها، فمنعهم الله منها، وكف عنهم حظوظ الأنفس،
وألزمهم
الإخبات والتواضع، وأعطاها نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لأنه
الذي هزمهم بما رمى من الحصيات التي خرق الله فيها العادة، بأن
بثها في أعين جميعهم، وبما أرسل من جنوده، فكان الأمر له وحده
يمنحه من يشاء، ثم لما صار له - صلى الله عليه وسلم -، رده
فيهم، منة منه عليهم، وإحساناً إِليهم.
واسمها الجهاد كذلك، لأن الكفار دائماً أضعاف المسلمين، وما
جاهد
قوم منا قط إلا أكثر منهم.
وتجب مصابرة الضعيف: فلو كان النظر إلى غير قوته سبحانه ما
أطيق ذلك.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى أبو عبيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
رضي الله عنهما: أنها نزلت في بدر.
ولأحمد - قال الهيثمي: ورجاله ثقات - عن عبادة بن الصامت رضي
الله عنه، أنه سُئِلَ عن الأنفال فقال: فينا معشر أصحاب بدر
نزلت حين
(2/147)
اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا،
فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقسمه رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - بين المسلمين عن بواء.
يقول: على السواء.
وفي كتب الفتوح في وقعة القادسية من بلاد العراق، قالوا: ولما
صلى
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الظهر، أمر غلاماً - كان عمر رضي
الله
عنه ألزمه إياه، وكان من القراء - بقراءة سورة الجهاد - يعني
الأنفال - وكان المسلمون كلهم إذ ذاك يتعلمونها، فقرأها على
الكتيبة التي تليه، وقرئت في كل كتيبة، فهشت قلوب الناس،
وعرفوا السكنية مع قراءتها.
قال مصعب بن سعد: وكانت قراءتها سنة، يقرؤها رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - عند الزحف وويستقرئها، فعمل الناس بذلك.
قالوا: ولما فرغ من القراءة كبّر سعد، فكبر الذين يلونه، وكبّر
(2/148)
بعض الناس بتكبير بعض، فتخشخش الناس، ثم
ذكر أمر اليوم الأول في
القتال.
وفي الفتوح لأبي القاسم عبد الرحمن بن حبيش، وكذا تلميذه
الحافظ
أبو الربيع بن سالم الكلاعي، في أواخر وقعة اليرموك، عن كتاب
سيف
بن عمر، عن أشياخه: وكان القارىء يوم ذاك المقداد بن الأسود.
(2/149)
قالوا: ومن السنة التي سنَّ رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء،
وهي سورة الأنفال، ولم يزل الناس بعد على ذلك.
وروى البزار - وفي مسنده عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيف - عن
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: نزل الِإسلام بالكره
والشدة.
فوجدنا خير الخير في الكراهة، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - من مكة فجعل لنا في ذلك العلاء والظفر، وخرجنا مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر على الحال التي ذكر
الله عز وجل: (وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون) - إلى قوله:
(وتودون
أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، والشوكة: قريش، فجعل الله لنا
في ذلك العلاء والظفر، فوجدنا خير الخير في الكره.
(2/150)
|