مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور

سورة يونس عليه السلام
مكية إجماعاً.
قال الأصفهاتي: وعن ابن عباس رضي الله غنهما، أنها مكية إلا آية
واحدة، قال الغزنوي: على رأس الأربعين وهي قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) .
فإنها مدنية، نزلت في اليهود.
- وقال البغوي: مكية، إلا ثلاث آيات من قوله:

(2/162)


(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) ، إلى آخرها.
ونسب أبو حيان قول البغوي هذا إلى ابن عباس رضي الله عنهما
عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها
وآيها مائة وعشر آيات في الشامي، وتسع عند الباقين.
اختلافها ثلاث آيات: (مخلصين له الدين) ، عدها الشامي وحده.
(ولنكونن من الشاكرين) ، أسقطها الشامي وحده، وعدها
الباقون.
(وشفاء لما في الصدور) عدها الشامي وحده.
وفيها مما يشبه الفواصل، وليس معدوداً بإجماع ثلاثة.
(الر) ، (متاع في الدنيا) ، (بوأنا بني إسرائيل)
وعكسه موضع واحد
(على الله الكذب لا يفلحون)
ورويها ثلاثة أحرف: ملن.
اللام بوكيل.

(2/163)


مقصودها
ومقصودها: وصف الكتاب بأنه من عند الله، لما اشتمل عليه من
الحكمة وأنه ليس إلا من عند سبحانه، لأن غيره لا يقدر على شيء منه.
وذلك دالّ بلا ريب على أنه واحد في ملكه، لا شريك له في شيء من أمره.
وتمام الدليل على هذا: قصة قوم يونس عليه السلام، بأنهم لما آمنوا
عند المخايل كشف عنهم العذاب، فدل - قطعاً - على أن الآتي به إنما هو
الله الذي آمنوا به، إذ لو كان غيره، لكان إيمانهم به سبحانه موجباً للإيقاع
بهم، ولو عذبوا كغيرهم لقيل: هذه عادة الدهر، كما قالوا: (قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) .
ودلّ ذلك على أن عذاب غيرهم من الأمم، إنما هو من عند الله لكفرهم، لما اتسق من ذلك طرداً بأحوال سائر الأمم، من أنه كلما وجد الإصرار على التكذيب، وجد العذاب وعكساً: من أنه كلما انتفى في وقت يقبل قبول التوبة، انتفى، والله الموفق.

(2/164)


فضائلها.
وأما فضائلها: فروى أبو داود في فضائل القرآن عن سعيد بن جبير.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع.
وتقدم في الأعراف عن سعد بن جبير: أن يونس إحدى الطول.
وروى الإِمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من أخذ السبع الطول، فهو حبر.
وله - أيضاً - عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله.
ولأحمد (أيضاً) ، وأبي داود في الصلاة، والنَّسائي في فضائل القرآن.
وابن عبد الحكم في كتاب الفتوح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما،

(2/166)


أن رجلًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقرئني يا رسول الله فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر) .
فقال: كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني - وقال ابن عبد الحكم: وضعف عظمي، وثقل لساني - قال: فاقرأ ثلاثاً من ذوات (حم) .
فقال مثل مقالته.
فقال: اقرأ ثلاثاً من (السبحات) - وقال ابن عبد الحكم: من
ذوات سبح - فقال مثل مقالته. فقال الرجل: يا رسول الله، أقرئني سورة
جامعة، فاقرأه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا زلزلت) حتى فرغ منها.
فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً.
ثم أدبر الرجل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح الرويجل، مرتين.
وطوله ابن عبد الحكم أكثر من هذا.
وروى عبد بن حميد والبزار، عن جابر عن عبد الله رضي الله عنهما: أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الآية (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)

(2/167)


قال: هي الرؤيا الصالحة، يراها العبد أو ترى له.
قال الهيثمي: وفيه محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف جداً.
وروى أبو داود عن أبي زميل سماك بن الوليد قال: سألت ابن
عباس رضي الله عنهما فقلت: ما شيء أجده في صدري.
قال: ما هو؟.
قلت: والله لا أتكلم به.
قال: فقال لي: أشيء من شك؟.
قال: وضحك.

(2/168)


قال: ما نجا من ذلك أحد. قال: حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) .
قال: فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
قال ابن رجب: وروى ابن أبي الدنيا عن أبي مودود قال: بلغنا أن
عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا)
فبكى بكاء شديداً، حتى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة فجلست تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائها، فجاء عبد الملك فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون، فقال: يا أبت ما يبكيك؟.
قال: خير يا بني، ودَّ أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.

(2/169)