معاني القرآن للفراء

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)

ومن سورة القمر
قوله عزّ وجلّ:
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) ذُكرَ: أَنَّهُ انشقَّ، وأَنَّ عَبْدَ اللَّه بْن مَسْعُودٍ رَأَى «1» حراء «2» من بَيْن فِلقتيه فلقتى القمر.
وقوله: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً. يعنى القمر يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) .
أي: سيبطلُ ويذهَبُ.
وقَالَ بَعْضهم: سِحْر يُشبهُ بعضه بعضا.
وقوله: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) .
سيقر قرار تكذيبهم، وقرارُ قولِ المصدّقينَ حتَّى يعرفوا حقيقته «3» بالعقاب والثواب.
وقوله: مُزْدَجَرٌ (4) منتهىّ.
وقوله: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ (5) .
مرفوعٌ عَلَى الردّ عَلَى (مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ، و (ما) فِي موضع رفع، ولو رفعته عَلَى الاستئناف كأنّك تُفَسِّرُ بِهِ (ما) لكانَ صوابًا، ولو نُصبَ عَلَى القطع لأنّهُ نكرَة، وما معرفة كانَ صوابًا.
ومثله فِي رَفْعه: (هذا ما لدىّ عتيد) «4» ولو كان (عتيد) منصوبًا كَانَ صوابًا. «5»
وقوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ «6» (5) .
__________
(1) سقط في ح. [.....]
(2) فى ح جزاء مكان حراء تحريف.
(3) فى ش: بحقيقته.
(4) سورة ق الآية 23.
(5) قوله: كان صوابا، لأن «هذا» و «ما» معرفتان، فيقطع العتيد منهما. كمن قرأ: هذا بعلى شيخا انظر الآية 23 من سورة ق فيما سبق.
(6) رسمت فى ا، ب: تغنى، ورسم المصحف: تغن بحذف الياء.

(3/104)


خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)

إن شئت جعلتَ (ما) جحدًا تُريدُ: ليْسَت تُغني عَنْهم النذُرُ، «1» وإن شئتَ جعلتها فِي موضع أي- كأنكَ قلتَ. فأيّ شيء تُغني النذر «2» . [187/ ا]
وقوله: خَاشِعًا أبْصَارُهُمْ (7) .
إِذَا تقدَّمَ الفِعلُ قبل اسمٍ مؤنثٍ، وهُوَ لَهُ أَوْ قبل جمع مؤنثٍ مثل: الأبصارِ، والأعمار وما أشبَهَهَا- جَازَ تأنيثُ الْفِعْلِ وتذكيرهُ وَجَمْعُهُ، وَقَدْ أتى بذلك فِي هَذَا الحرف، فقرأهُ ابْنُ عَبَّاس (خاشعًا) .
[حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «3» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وحدثنى هشيم وأبو معاوية عن وائل ابن دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عباس أنّه قرأها (خاشعا) .
[حدثنى مُحَمَّدٌ قَالَ] «4» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هُشيمٌ عنْ عوفٍ الأعرابي عَنِ الْحَسَن وأبي رجاء العطارديّ أن أحدَهُما قَالَ: (خاشعًا) والآخر (خُشَّعاً) .
قَالَ الفراء: وهي فِي قراءة عَبْد اللَّهِ (خاشِعةً أبصارُهُم) «5» . وقراءة النَّاس بَعْدُ (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) «6» .
وَقَدْ قَالَ الشاعرُ:
وشَبابٍ حَسنٍ أوجُهُهُمْ ... من إياد بْن نزار بْن مَعَدْ «7»
وقَالَ الآخرُ.
يرمي الفِجاجَ بها الركبانُ مُعترضًا ... أعناق بزّلها مرخى لها الجدل «8»
__________
(1، 2) ساقط فى ح، ش.
(3، 4) زيادة فى ب.
(5) انظر قراءة عبد الله: خاشعة أبصارهم، فى المصاحف للسجستانى ص: 72.
(6) جاء فى تفسير الطبري: واختلفت القراء فى قوله: خاشعا أبصارهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض المكيين والكوفيين: خشعا بضم الخاء وتشديد الشين بمعنى خاشع، وقرأه عامة قراء الكوفة وبعض البصريين:
خاشعا أبصارهم بالألف على التوحيد (الطبري 27/ 48) .
(7) البيت للحرث بن دوس الأنصاري، ويروى لأبى دؤاد الأنصاري (انظر تفسير القرطبي 17/ 129) (والبحر 8/ 175) وفى ح: وشهاب مكان وشباب، تحريف. وفى ش: إياد نزار، سقط.
(8) انظر البحر المحيط 8/ 175 واختلاف الرواية فيه.

(3/105)


وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)

قَالَ الفراء: الجدُلُ: جَمْعُ الجَديلِ، وهُوَ الزمَامُ، فلو قَالَ: مُعترضاتٍ، أَوْ مُعترضةً لكان صوابًا، مرخاة ومرخيات.
وقوله: مُهْطِعِينَ (8) . ناظِرينَ قِبلَ الداع.
وقوله: وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) .
زُجِرَ بالشتم، وازْدُجِر افْتعل من زَجَرْتُ، وإذا «1» كانَ الحرف أولهُ زايٌ صارتْ تاء الافِتعال فِيهِ دالًا مِنْ ذَلِكَ: زُجِرَ، وازْدُجِرَ، ومُزْدَجَرٌ، ومن ذَلِكَ: المُزْدَلِفُ ويزدادُ هِيَ من الفِعل يفتعل فقس عليه ماورد.
وقوله: فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) .
أرادَ الماءين: ماء الأرض، وماء السماء، ولا يجوز التقاء إلا لاسمين، فما زاد، وإنما جَازَ فِي الماء، لأن الماء يَكُونُ جمعًا وواحدا.
وقوله: عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. قُدر «2» فِي أمّ الكتاب.
وَيُقَال: قَدْ «3» قُدِرَ أَن الماءين كان مقدَارُهُما واحدًا. وَيُقَال: «4» قَدْ قُدرَ «5» لِما أرادَ اللهُ من تعذيبهم.
وقوله: وَحَمَلْناهُ (13) .
حَملْنا نُوحًا عَلَى ذاتِ ألواحٍ يعني: السفينة، (ودسر) (13) مَسامِيرُ السفينة، وشُرُطُها التي تُشَد بها.
وقوله: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) .
__________
(1) فى ش: وإن.
(2) سقط فى ب، ح، ش.
(3) سقط فى ش. [.....]
(4، 5) سقط فى ح.

(3/106)


أي: جُحِدَ.
يَقُولُ: فَعلنا بِهِ وبهم ما فعلنا جزاء لمَا صُنِع بنوحٍ وأصحابه، فَقَالَ: لِمَنْ «1» يُريدُ الْقَوْمَ، وفيه مَعْنَى ما. ألا تَرى أنَّك تقولُ: غُرّقوا لنوحٍ ولِما صُنعَ بنُوح، والمعنى واحد.
وقوله: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً (15) .
يَقُولُ: أبقيناهَا من بعد نُوح آيةً.
وقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) .
المعني: مُذتكر، وإذا قلتَ: مُفْتعلٌ فيما أوّلهُ ذالٌ صارت الذالُ وتاءُ الافتعال دالًا مُشدَّدة وبعض بنى أسد يقولون: مذكر، فيغنبون الذّال فتصير ذالا مشددة.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] : «2» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: و «3» حدثنى الْكِسَائِيُّ-[وَكَانَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا صَدُوقًا] «4» - عَنْ إِسْرَائِيلَ وَالْقَرْزِمِيِّ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ، أَوْ مُدَّكِرٍ، فَقَالَ: أَقْرَأَنِي رسول الله [187/ ب] صلى الله عليه:
(مُدَّكِرٍ) بِالدَّالِ.
وقوله: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) .
النذر هاهنا مصدر معناه: فكيف كان إنذارى، ومثله (عذرا ونذرا) «5» (15) يخفُفانِ ويثقلان كما قَالَ «إِلى شَيْءٍ «6» نُكُرٍ» فثقل فى «اقْتَرَبَتِ» وخفف فى سورة النساء القصرَى «7» فقيل «نُكْرًا» .
«8» وقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ «9» (17) .
__________
(1) فى ح: لما.
(2) زيادة فى ب، وفى ح، ش،: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ ...
(3) سقط فى ش.
(4) ما بين الحاصرتين زيادة فى ح، ش.
(5) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة المرسلات: 5، 6 (فالملقيات ذكرا، عذرا أو نذرا) .
(6) سقط فى ح.
(7) سورة النساء القصرى هى سورة الطلاق، كما فى بصائر ذوى التمييز: 1: 469، و (نكرا) فى الآية 8 من هذه السورة.
(8، 9) فى هامش ش.

(3/107)


إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)

يقول «1» : هوّناه ولولا ذلك ما أطاق العبادُ أن يتكلمُوا بكلام اللَّه. وَيُقَال «2» : وَلَقَدْ يسرنا القرآن للذكر: للحفظ، فليس من كتاب بحفظ ظاهرًا غيرُه.
وقوله: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) . استمر عليهم بنحوسته.
وقوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ (20) . أسَافلُهَا. مُنقَعِرٌ المصُرَّعُ منَ النخل
وقوله: إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) . أرادَ بالسُّعُر: العَنَاء لِلعَذاب:
وقوله: كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) . قرأ مجاهد وحده: الأشر.
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ:] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثني سُفْيَان بْن عيينَة عنْ رجلٍ عنْ مجاهد أنه قرأ (سيعلمون) بالياء كذا قال سفيان غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) وهو بمنزلة قولك فِي الكلام: رَجُل حَذِر، وحذر، وفطن، وفطن «3» وعجل، وعجل «4» .
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَرَأَ: سَيَعْلَمُونَ غَدًا- بِالْيَاءِ.
وقوله: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ (28) .
للناقة يوم، ولهم يوم، فَقَالَ: بينهم وبين الناقة.
وقوله: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) . يحتضره أهله ومن يستحقه.
وقوله: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) .
الَّذِي يحتظرُ عَلَى هشيمه «6» ، وقرأ الْحَسَن وحده: كهشيم «7» المحتظَر، فتح الظاء فأضاف الهشيم إلى
__________
(1، 2) فى هامش ش.
(3، 4) ب: بين حذر وفطن.
(5) زيادة فى ب.
(6) فى ش هشيميه.
(7) سقط فى ح، ش. [.....]

(3/108)


إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)

المحتظَر، وهو كما قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ «1» الْيَقِينِ» ، والحق هُوَ اليقين، وكما قَالَ: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ «2» خَيْرٌ» فأضاف الدار إلى الآخرة، وهي الآخرة، والهشيم: الشجر إذا يبس.
وقوله: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) .
سحر هاهنا يجري لأنَّه نكرة، كقولك: نجيناهم بليلٍ، فإذا ألقت مِنْهُ العرب الباء لم يجروه، فقالوا: فعلت هَذَا سحر يا هَذَا، وكأنهم فِي تركهم إجراءه أنّ كلامهم كَانَ فِيهِ بالألف واللام، فجرى عَلَى ذَلِكَ، فلما حذفت الألف واللام، وفيه نيتهما لم يصرف. كلام العرب أن يقولوا: مازال عندنا هذا السحر، لا يكادون يقولون غيره.
وقوله: فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) . كذّبوا بما قَالَ لهم.
وقوله: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) :
العرب تجري: غدوة، وبكرة، وَلا تجريهما وأكثر «3» الكلام فِي غدوة ترك الإجراء وأكثره فِي بكرة أن تُجرَى.
قَالَ: سمعت «4» بعضهم يَقُولُ: أتيته بكرةَ باكرًا، فمن لم يجرها جعلها معرفة لأنها اسم تكون أبدًا فِي وَقت واحد بمنزلة أمسِ وغدٍ، وأكثر ما تجري العرب غدوة إِذَا قرنت «5» بعشية، فيقولون: إني لآتيك غدوةَ وَعشيةً، وَبعضهم غدوةً وعشيةً، ومنهم من لا يجرى عشية [188/ ا] لكثرة ما صحبت غدوةَ.
وقوله: عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) .
يَقُولُ: عذابٌ حق.
وقوله: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ (43)
__________
(1) سورة الواقعة الآية: 95.
(2) سورة يوسف الآية: 109.
(3) فى ح: وأكبر، تحريف.
(4) فى ب، ش: وسمعت.
(5) فى ش: قربت وهو تصحيف.

(3/109)


سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)

يقول: أكفاركم يأهل مكَّة خير من هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أصابهم العذاب أم لكم براءة فِي الزبر؟
يَقُولُ: أم عندكم براءة من العذاب، ثُمَّ قَالَ: أم يقولون: أي أيقولون: نَحْنُ جميع كَثِير منتصر،
فقال الله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) وهذا يوم بدر.
وقَالَ: الدبر فوحّد، ولم يقل: الأدبار، وكلّ جائز، صواب أن تَقُولُ: ضربْنا منهم الرءوس والأعين، وضربنا منهم الرأس واليد، وهو كما تَقُولُ: إنه لكثير الدينار والدرهم، تريد الدنانير والدراهم «1» .
وقوله: وَالسَّاعَةُ أَدْهى «2» وَأَمَرُّ (46) . يَقُولُ: أشد «3» عليهم من عذاب يوم بدر، وَأمرُّ من المرارة.
وقوله: يَوْمَ «4» يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ (48) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه «يوم يسحبون إلى النار عَلَى وجوههم» .
وقوله: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) . سقر: اسم من أسماء جهنم لا يجري، وكل اسم كان لمؤنث فيه الهاء أو ليس فيه الهاء فهو لا يجري «5» إلا أسماءً «6» مخصوصة خفت فأجريت، وترك بعضهم إجراءها، وهي: هند، ودعد، وجُمل، ورئم، تُجري ولا تُجرى. فمن لم يُجرها قَالَ:
كل مؤنث فحظه ألا يجري، لان فِيهِ معنى الهاء، وإن لم تظهر ألا ترى أنك إِذَا حقّرتها وصغرتها قلت: هنيدة، ودعيدة، ومن أجراها قَالَ: خفت لسكون الأوسط مِنْها، وأسقطت الهاء، فلم تظهر فخفّفت فجرت.
وقوله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ (50) . «7» أي: مرة واحدة «8» هَذَا للساعة كلمح خطفة.
__________
(1) فى ب، ش: الدراهم والدنانير.
(2) فى ش: أهو، تحريف.
(3) فى ح، ش: امتد، تحريف.
(4) سقط «يوم» فى ح، وسقط «يوم يسحبون» فى ش.
(5) فى ش: فهو لا يجوز، تحريف.
(6) فى ب: إلا اسما.
(7، 8) سقط فى ح.

(3/110)


وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)

وقوله «1» : وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) . يريد: كل صغير من الذنوب أَوْ كبير فهو مكتوب.
وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) . معناه: أنهار، وهو فِي مذهبه كقوله:
«سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» (45) . وزعم الكِسَائِيّ أَنَّهُ سَمِعَ العرب يقولون: أتينا فلانًا فكنّا فِي لحمةٍ ونبيذة فوحد «2» ومعناه الكثير.
وَيُقَال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» فِي ضياء وسعة، وسمعت بعض العرب ينشد «3» :
إن تك ليليا فإني نَهِرُ ... مَتَى أرى الصبح فلا أنتظرُ «4»
«5» ومعنى نهر: صاحب نهار «6» وقد روى «وما أمرنا إلّا وحدة» بالنصب وكأنه أضمر فعلا ينصب بِهِ الواحدة، كما تَقُولُ للرجل: ما أنت إلا ثيابَك مرة، وَدابتك مرة، وَرأسك مرة أي: «7» تتعاهد ذاك.
وقَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: إنَّما العامري عِمَّتَه، أي: ليس يتعاهد من لباسه إلا العمة، قَالَ الفراء: وَلا أشتهي نصبها فى القراءة.
__________
(1، 2) مثبتة فى ح، ش.
(3) استشهد به القرطبي، نقلا عن الفراء، ولم ينسبه؟ [.....]
(4) ورواية الطبري: متى أتى الصبح مكان متى أرى ... ؟
(5، 6) سقط فى ح، ش.
(7) سقط فى ش.

(3/111)


الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)

ومن سورة الرحمن
قوله عز وجل: بِحُسْبانٍ (5) . حساب ومنازل [188/ ب] للشمس والقمر لا يعدوانها.
وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «1» (6) . النجم: ما نجم مثل: العشب، وَالبقل وشبهه. والشجر: ما قام عَلَى ساق. ثُمَّ قَالَ: يسجدان، وسجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إِذَا طلعت، ثُمَّ يميلان معها حتَّى ينكسر الفيء، والعرب إِذَا جمعت الجمعين من غير النَّاس مثل: السدر، والنخل جعلوا فعلهما واحدًا، فيقولون: الشاء والنعم قَدْ أقبل، وَالنخل والسدر قَدِ ارتوى، فهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.
قَالَ الكِسَائِيّ: سمعت العرب تَقُولُ: مرت بنا غنمان سودان «2» وَسود.
قَالَ الفراء: وسود أجود من سودان لأنَّه نعت تأتي عَلَى الاثنين، فإذا «3» كَانَ أحد الاثنين مؤنثًا مثل: الشاء والإبل قَالُوا: الشاء والإبل مقبلة لأن الشاء ذكر، والإبل أنثى، ولو قلت:
مقبلان لجاز، ولو قلت: مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مَعَ تأنيث الإبل كَانَ صوابًا، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.
فإذا قلت: هَؤُلَاءِ قومك وإبلهم قَدْ أقبلوا ذهبت بالفعل إلى النَّاس خاصة لأن الفعل لهم، وهم الَّذِينَ يقبلون بالإبل، ولو أردت إقبال هَؤُلَاءِ وهؤلاء لجاز- قَدْ أقبلوا لأن النَّاس إِذَا خالطهم شيء من البهائم، صار فعلهم كفعل النَّاس كما قَالَ:
«وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «4» فصارت الناقة بمنزلة الناس.
__________
(1) زيادة فى ب.
(2) فى ح: «سوان «تحريف.
(3) فى (ا) : إذا.
(4) سورة القمر الآية: 28.

(3/112)


وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)

ومنه قول اللَّه عزَّ وجلَّ: «فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ» «1» ، و «مَنْ» إنَّما تكون للناس، فلما فسَّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله: «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ» «2» فسرهم بتفسير النَّاس.
وقوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها فوق الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) . فِي الأرض وهو العدل.
وفي قراءة عَبْد اللَّه: وخَفْض الميزان، والخفض والوضع متقاربان فِي المعنى.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا (8) .
وفي قراءة عَبْد اللَّه: لا تطغوا بغير أن فِي الوزن وأقيموا اللسان.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهي، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن، كما قَالَ اللَّه: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ» «3» وأن تكون- (تطغوا) فِي موضع جزم أحبُّ إليَّ لأن بعدها أمرا.
وقوله: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (9) .
وقوله: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) . لجميع الخلق.
وقوله: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) . خفضها الْأَعْمَش، ورفعها النَّاس «4» .
فمن خفض أراد: ذو العصف وذو الريحان، ومن رفع الريحان جعله تابعا لذو. و «5» العصف، فيما ذكروا: بقل الزرع لان العرب تَقُولُ: خرجنا نعصف الزرع إِذَا قطعوا مِنْهُ شيئًا قبل أن يدرك فذلك العصف، والريحان هُوَ رزقه، والحب هُوَ الَّذِي يؤكل مِنْهُ. والريحان فى كلام العرب:
__________
(1، 2) سورة النور الآية: 45، و (خالق) قراءة حمزة والكسائي، كما فى الإتحاف: 169.
(3) سورة الأنعام الآية: 14.
(4) جاء فى الإتحاف: 405- واختلف فى «وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ» : فابن عامر بالنصب فى الثلاثة على إضمار فعل أي أخص، أو خلق أو عطفا على الأرض، وذا صفة الحب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين: أعنى الحب، وذو. وجرّ الريحان عطفا على العصف وافقهم الأعمش، والباقون بالرفع فى الثلاثة عطفا على المرفوع قبله. أي: فيما فاكهة، وفيما الحب، وذو صفة.
(5) سقط فى ش.

(3/113)


الرزق، ويقولون: خرجنا نطلب ريحان اللَّه. الرزق عندهم «1» ، وقَالَ بعضهم: ذو العصف المأكول من الحب، والريحان: الصحيح الَّذِي «2» لم يؤكل.
ولو قَرَأَ قارئ: «والحبّ ذا العصف والريحانَ» لكان جائزًا، أي: خَلَقَ ذا وذا، وهي فِي مصاحف أهل الشام: والحبّ ذا «3» العصف، وَلم نَسْمَع بها قارئا، كما أن فِي بعض مصاحف أهل الكوفة:
«والجار ذا القربى» «4» [189/ ا] ولم يقرأ بِهِ أحد، وربما كتب الحرف على جهة واحدة، وهو فِي ذَلِكَ يقرأ بالوجوه.
وبلغني: إن كتاب عليّ بْن أَبِي طَالِب رحمه اللَّه كَانَ مكتوبًا: هَذَا كتاب من عليّ بْن أَبُو طَالِب كتابها: أَبُو. فِي كل الجهات، وهي تعرب فِي الكلام إِذَا قرئت.
وقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) . وإنما ذكر فِي أول الكلام: الإِنسان ففي ذَلِكَ وجهان:
أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين، فيقال: ارحلاها، ازجراها يا غلام.
والوجه الآخر: أن الذِّكر أريد فِي الْإِنْسَان والجان، فجرى لهما من أول السُّورة إلى آخرها.
وقوله: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) .
وهو طين خُلط برمل، فصلصل كما يصلصل الفخار، وَيُقَال: من صلصال منتن يريدون بِهِ: صلّ، فيقال: صلصال كما يُقال: صرّ الباب عند الإغلاق، وصرصر. والعرب تردد اللام فِي التضعيف فيقال:
كركرت الرجلَ يريدون: كررْته وكبكبته، «5» يريدون: كببته «6» .
وسمعت بعض العرب يَقُولُ: أتيت فلانًا فبشبش بي من البشاشة، وإنما فعلوا ذَلِكَ كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.
__________
(1) فى ب: رزق عندهم.
(2) سقط فى ش.
(3) فى ح: والحب ذو. [.....]
(4) النساء الآية 36.
(5، 6) سقط فى ح.

(3/114)


رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)

وقوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) .
والمارج: نار دون الحجاب- فيما ذكر الكلبي- منها «1» هَذِهِ الصواعق، ويُرى جلد السماء منها.
وقوله: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» (17) .
اجتمع القراء عَلَى رفعه، ولو خفض يعني فِي الإعراب عَلَى قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا، ربّ المشرقين كَانَ صوابًا.
والمشرقان: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف، وكذلك المغربان.
وقوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ (19) . يَقُولُ «2» : أرسلهما ثُمَّ يلتقيان بعد.
وقوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ (20) .
حاجز لا يبغيان: لا يبغي العذب عَلَى الملح فيكونا عذبا، ولا يبغي الملح عَلَى العذب فيكونا ملحا
وقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) .
وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ: العظام، والمرجان: ما صغر من اللؤلؤ.
وقوله: وَلَهُ الْجَوارِ «3» المنشئآت (24) .
قَرَأَ «4» عاصم ويحيى بْن وَثاب: (المنشِئات) بكسر الشين، يجعلن اللاتي يُقبلن وَيدبرن فِي قراءة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود (الْمُنْشَآتُ) ، وَكذلك قرأها الْحَسَن وأهل الحجاز بفتح الشين يجعلونهن مفعولًا بهن أقبل بهن وأدبر.
وقوله: كَالْأَعْلامِ (24) .
كالجبال شبه السفينة بالجبل، وكل جبل إذا طال فهو علم.
__________
(1) فى ح، ش: فيها، تحريف.
(2) فى ش: البحرين: يلتقيان.
(3) فى ب، ح، ش: الجواري. ورسم المصحف من غير ياء.
(4) فى ب، ح: قرأها.

(3/115)


وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)

وقوله: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ (27) .
هَذِهِ، والتي فِي آخرها ذي «1» - كلتاهما فِي قراءة عَبْد اللَّه- ذي- تخفضان «2» فِي الإعراب لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى، وهي فِي قراءتنا: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ] «3» » [ذو] «4» تكون من صفة وجه ربنا «5» - تبارك وتعالى.
وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) غير مهموز.
قال: وسألت الفراء [189/ ب] عنْ (شان) فَقَالَ: أَهمِزه فِي كل القرآن إلّا فى سورة الرَّحْمَن، لأنَّه مَعَ آيات غير مهموزات، وشأنه [فِي كل يوم أن يميت ميتًا، ويولد مولودًا، ويغنى ذا، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل] «6» .
وقوله: سنفرغ لكم أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) .
[حدثنا أبو العباس قال «7» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: حدثني أَبُو إسرائيل قَالَ:
سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ: «سَيَفرغُ لكم» «8» ويحيى بْن وثاب كذلك والقراء بعد: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ «وبعضهم [يقرأ «سيُفرغ لكم» ] «9» وهذا من اللَّه وعيد لأنَّه عزَّ وجلَّ لا يشغله شيء عنْ شيء، وأنت قائل للرجل الَّذِي لا شغل لَهُ:
قَدْ فرغت لي، قَدْ فرغت لشتمي. أي: قَدْ أخذت فِيهِ، وأقبلت عَلَيْهِ.
وقوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا (33) ولم يقل: إن استطعتما، ولو كَانَ لكان صوابا، كما قال:
(يرسل عليكما) ، ولم يقل:
__________
(1) سقط فى ح، ش.
(2) فى ش: يخفضان.
(3) مثبت فى ب.
(4) زيادة من ش.
(5) فى ح، ش: ربك تعالى.
(6) ورد فى النسخة ب: بعد قوله: غير مهموز ... وقبل قوله: قال: وسألت الفراء ...
(7) زيادة فى ح:
(8) فى ش: سنفرغ. [.....]
(9) سقط فى ح، ش.

(3/116)


يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)

عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فثني فِي: عليكما، وفي: تنتصران لِلَّفظ، والجمعُ عَلَى المعنى. والنحاس: يرفع، ولو خفض كَانَ صوابًا يراد: من نار ومن نحاس.
والشواظ: النار المحضة. والنحاس: الدخان. أنشدني بعضهم:
يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل اللَّه مِنْهُ نحاسا «1»
قَالَ الفراء: قَالَ لي أعرابي من بني سليم: السليط: دهن السنام، وليس لَهُ دخان إِذَا استصبح بِهِ.
وسمعت أَنَّهُ الخَلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أَنَّهُ الزيت. والزيت أصوب فيما أرى.
وقرأ الْحَسَن: (شِواظ) بكسر الشين كما يُقال للصوار من البقر صِوار وصُوَار.
وقوله: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) أراد بالوردة الفَرس، الوردةُ تكون فِي الربيع وردة إلى الصفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء، فإذا كَانَ بعد ذَلِكَ كانت وردة إلى الغُبْرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل، وشبهت الوردة فِي اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.
وَيُقَال: إن الدهان الأديم «2» الأحمر.
وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) والمعني: لا يسأل إنس عنْ ذنبه، ولا جان عنْ ذنبه لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف اللَّه:
فالكافر «3» يعرف بسواد وجهه، وزرقة عينه، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه
وقوله: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: هَذِهِ جهنم «4» التي كنتما بها تكذبان، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.
وقوله: يَطُوفُونَ «5» بَيْنَها (44)
__________
(1) البيت للنابغة الديوان انظر تفسير الطبري 27/ 74 والقرطبي 17/ 172 وفى ب، ح، ش فيه مكان منه.
(3) فى ح، ش: الكافر.
(2، 4) سقط فى: ح.
(5) فى ب: بطوفان سهو من الناسخ.

(3/117)


وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)

بين عذاب جهنم وبين الحميم إِذَا عطشوا، والآني: الَّذِي قَدِ انتهت شدّة حره.
وقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) ذكر المفسرون: أنهما بستاتان من بساتين الجنة، وَقَدْ يكون فِي العربية: جنة تثنيها العرب فِي أشعارها أنشدني بعضهم:
ومَهْمَين قَذَفَين مَرْتَين ... قطعته [بالَأمِّ] لا بالسَّمْتين «1»
يريد: مهمها وسمتا واحدا، وأنشدني آخر:
يسعى بكيداء ولهذمين ... قَدْ جعل الأرطاة جنتين
وذلك أن الشعر لَهُ قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام.
قَالَ الفراء: الكيداء: القوس، وَيُقَال: لهذِم ولهذَم لغتان، وهو السهم.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الإستبرق: ما غلظ من الديباج، وَقَدْ تكون البطانة: ظهارة، والظهارة بطانة فِي كلام العرب، وذلك أن كل واحد منهما [190/ ا] قَدْ يكون وجهًا، وَقَدْ تَقُولُ العرب: هَذَا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الَّذِي تراه.
قَالَ: وأخبرني بعض فصحاء المحدثين عَنِ ابْنِ الزُبَيْر يعيب قتلة عثمان رحمه اللَّه فَقَالَ: خرجوا عَلَيْهِ كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم اللَّه كلّ قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب.
يريد: هربوا ليلًا، فجعل ظهور الكواكب بطونًا، وذلك جائز عَلَى ما أخبرتك بِهِ.
وقوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنْسٌ] «2» (56) قرأت القراء كلهم بكسر الميم في يطمثهن. حدثنا الفراء قال: وحدثنى رجل عن أبى اسحق
__________
(1) فى القرطبي: بالسمت لا بالسمتين- لخطام المجاشعي، ويروى البيت الثاني:
جبتهما بالنعت لا بالنعتين والقذف: البعيد من الأرض. والموت: الأرض لا ماء فيها ولا نبات. الكتاب: 1: 241، والخزانة: 1:
376، وشرح شواهد الشافية: 60، 94.
(2) التكملة من ب.

(3/118)


مُدْهَامَّتَانِ (64)

قَالَ: كنت أصلي خلف أصحاب عليّ، وأصحاب عَبْد اللَّه فأسمعهم يقرءون (لم يطمُثهن) برفع الميم. وكان الكِسَائِيّ يقرأ: واحدة برفع الميم، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما: لم «1» يطمِثهن «2» ، لم يفتضضهن (قَالَ وطمثها أي: نكحها»
، وذلك لحال «4» الدم «5» )
وقوله: مُدْهامَّتانِ (64) يَقُولُ: خضراوان إلى السواد من الري.
وقوله: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) .
يَقُولُ بعض المفسرين: ليس الرمان ولا النخل بفاكهة، وَقَدْ ذهبوا مذهبًا، ولكن العرب تجعل ذَلِكَ فاكهة.
فإن قلت: فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟
قلت: ذَلِكَ كقوله: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» «6» . وَقَدْ أمرهم بالمحافظة عَلَى كل الصلوات، ثُمَّ أعاد العصر تشديدًا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبًا لأهل الجنة، ومثله قوله فِي الحج: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» . «7» ثُمَّ قَالَ: «وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ» . وَقَدْ ذكرهم فِي أول الكلمة فِي قوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» ، وَقَدْ قَالَ بعض المفسرين: إنَّما أراد بقوله: «مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» الملائكة، ثُمَّ ذكر النَّاس بعدهم.
وقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) .
__________
(1) سقط فى ش.
(2) فى الإتحاف: 406 قرأ الكسائي بضم الميم فى الأول فقط، فيما رواه كثير من الأئمة عنه، وروى الآخرون كسر الأول. وضم الثاني عن أبى الحارث.
وروى بعضهم عن أبى الحارث الكسر فيهما معا. وروى بعضهم عنه ضمهما.
وروى ابن مجاهد بالضم والكسر فيما، لا يبالى كيف يقرؤهما.
وروى الأكثرون التخيير فى أحدهما عن الكسائي من روايتيه بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني، وإذا كسر الأول ضم الثاني. هذا وقد ذكرت (لم يطمثهن) الأخرى فى الآية 74 من هذه السورة.
(3) فى (ا) يقال: طمثها إذا نكحها.
(4) فى ش: لحام خطأ من الناسخ.
(5) ورد ما بين القوسين فى هامش النسختين ا، ب.
(6) سورة البقرة الآية: 238.
(7) سورة الحج الآية: 18. [.....]

(3/119)


حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)

رجع إلى الجنان الأربع: جنتان، وجنتان، فَقَالَ: فيهن، والعربُ تَقُولُ: أعطني الْخَيْرَة منهن، والخِيَرَة منهن، والخيرة منهن، ولو قَرَأَ قارئ: الخَيراتُ، أَوِ الخيرات كانتا صوابًا.
وقوله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ (72) .
قُصرن عَن أزواجهن، أي حُبِسنَ، فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يطمحن «1» إلى سواهم، والعرب تسمي الحَجَلة المقصورة، والقصورة، ويسمون المقصورة من النساء: قصورة:
وقَالَ الشَّاعِر «2» :
لعمري لقد حببتِ كلَّ قَصورة ... إليَّ وما تدري بذاك القصائر
عَنَيْتُ قصوراتِ الحجال ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر «3»
والبهاتر، وهما جميعًا القصيرتان، والرجل يقال له: بحتر، وبحترى، وبحترة، وبحترية.
وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ (76) .
ذكروا أنها رياض الجنة، وقَالَ بعضهم: هِيَ المخاد «4» ، «وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ» (76) الطنافس الثخان.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «5» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذِ بْن مُسْلِم بن أَبِي سادة قَالَ:
كان [190/ ب] جارك زهير القرقبى يقرأ: متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان.
قَالَ: الرفارف «6» - قَدْ يكون صوابًا، وأمَّا العباقري فلا لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.
__________
(1) فى ش: لا يطحن، تحريف.
(2) هو كثيّر عزة، وقد أوردهما ابن سيده فى المخصص: 12: 96، والقرطبي فى تفسيره؟ كما يلى:
وأنت التي حببت كلّ قصيرة ... إلىّ وما تدرى بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال، ولم أرِد ... قصارَ الخُطا، شرُّ النساء البحاتر
وفى البحر المحيط: ولم تشعر مكان: وما تدرى.
(3) البحاتر: جمع بحترة، بضم الباء، القصيرة المجتمعة الخلق.
(4) فى الأصل: المحابس، ولا معنى لها هنا، والتصحيح من مفردات القرآن للراغب الأصفهانى؟.
(5) الزيادة من ش.
(6) فى ب، ش: فالرفارف.

(3/120)