معاني القرآن للفراء

ومن سورة المجادلة
قوله عزَّ وجلَّ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (1) .
نزلت في امْرَأَة يُقال لها: خولة ابْنَة ثعلبة، وزوجها أوس بْن الصامت الْأَنْصَارِيّ. قَالَ لها [194/ ب] إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجي من البيت فأنت عليّ كظهر أمي، فأتت خولة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ تشكو، فقالت: إن أوس بْن الصامت تزوجني شابة غنية، ثُمَّ قَالَ لي كذا وكذا وَقَدْ ندم، فهل من عذر؟ فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عليه: ما عندي فِي أمرك شيء، وأنزل اللَّه الآيات فيها، فَقَالَ عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ الله) ، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: (قَدْ يسمع اللَّه) ، «والله قَدْ يسمع تحاوركما» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «قول التي تحاورك «3» فِي زوجها» حتَّى ذكر الكفّارة فِي الظهار، فصارت عامة.
وقوله: الّذين يظهرون (2) .
قرأها يَحيى والأعمش وحمزة (يُظاهِرُونَ) «4» ، وقرأها بعض أهل الحجاز كذلك، وقرأها الْحَسَن ونافع «يظَّهَّرُون» فشدد «5» ، ولا يجعل فيها ألفًا، وقرأها عاصم «6» وأبو عبد الرحمن السلمى «7»
__________
(1) سورة الأنعام الآية: 109.
(2) سورة الأنبياء الآية 95. وقرأها ابن عباس: وحرم. وقرأ أبو بكر، وحمزة، والكسائي، وافقهم الأعمش. حرام. انظر معانى القرآن 2/ 211.
(3) فى ش: تجاورك وهو تصحيف.
(4) وهى قراءة ابن عامر، والكسائي، وأبى جعفر وخلف (الإتحاف: 411) .
(5) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو ويعقوب (الإتحاف: 411) .
(6، 7) فى ب، ش: عاصم والسلمى أبو عبد الرحمن.

(3/138)


إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)

(يُظاهرون) يرفعان اليَاءَ، ويثبتان الألف، ولا يشددان، ولا يجوز فِيهِ التشديد إِذَا قلت:
(يُظَاهِرُونَ) وهي فِي قراءة أبيّ: يتظاهرون من نسائهم قوة لقراءة أصحاب عَبْد اللَّه.
وقوله: مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (2) الأمهات فِي موضع نصب لما ألقيت منها الباء نصبت، كما قال فى سورة يوسف: «ما هذا «1» بَشَراً» «2» إنما كانت فى كلام أهل الحجاز: ما هَذَا ببشر فلما ألقيت الباء «3» ترك فيها أثر سقوط الباء وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه «ما هن بأمهاتهم» «4» ، وأهل نجد إِذَا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا «ما هَذَا «5» بشر» ، «ما هن أمهاتهم» «6» .
أنشدني بعض العرب:
رِكابُ حُسَيْلٍ آخرَ الصيفِ بُدَّن ... ونَاقةُ عَمْرو ما يُحَلُّ «7» لَهَا رَحْلُ
ويزعمُ حِسْلٌ «8» أَنَّهُ فَرْع قومِهِ ... وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا (3) يصلح فيها فى العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قَالُوا. يريد: يرجعون عما قَالُوا، وَقَدْ يجوز فِي العربية أن تَقُولُ: إن عاد لما فعل، يريد إن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تَقُولُ: حلف أن يضربك فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك.
وقوله: كُبِتُوا (5) .
غيظوا وأحزِنُوا يوم الخندق «كَما كُبِتَ «9» الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يريد: من قاتل الأنبياء من قبلهم.
__________
(1) ما هذا مكررة فى ش.
(2) سورة يوسف الآية 31.
(3 و 5) سقط فى ش.
(4) فى ش: بأمهاتكم، تحريف.
(6) لرفع لغة تميم، وقرأ به عاصم فى رواية المفضل عنه (البحر المحيط 8/ 232) .
(7) فى ش: يحمل خطأ.
(8) فى ش: حسيل.
(9) فى ش كتب وهو تصحيف. [.....]

(3/139)


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)

وقوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى (7) .
القراء على الياء فى يكون، وقرأها بعضهم «1» : ما تكون لتأنيث: النجوى.
وقوله: ثَلاثَةٍ (7) .
إن شئت خفضتها عَلَى أنها من نعت النجوى، وإن شئت أضفت النجوى إليها، ولو نصبت عَلَى أنها فعل لكان- كَانَ صوابًا «2» .
وقوله: وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ (7) .
وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «ولا أربعة إلَّا هُوَ خامسُهم» لأن المعنى غير مضمور لَهُ، فكفى ذكر بعض العدد من بعض.
وقوله: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ (7) موضع: أدنى، وأكثر. خفض لاتباعه: الثلاثة، والخمسة، ولو رفعه رافع كَانَ صوابًا «3» ، كما قيل: «مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» «4» ، كأنه قَالَ: ما لكُم إله غيره.
[206/ 1] وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى (8) نزلت فِي اليهود والمنافقين، وكانوا إِذَا قاعدوا مسلمًا قَدْ غزا لَهُ قريب فِي بعض سرايا رسول الله صلى الله عليه تناجى الاثنان من اليهود والمنافقين بما يوقع فِي قلب المسلم أن صاحبه قَدْ قتل، أَوْ أصيب، فيحزن لذلك، فنهوا عَنِ النجوى.
وَقَدْ قَالَ اللَّه: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ (10) وقوله: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (8) .
__________
(1) وهى قراءة أبى جعفر، وأبى حيوة، وشيبة (البحر المحيط 8/ 234) .
(2) قرأ ابن أبى عبلة بالنصب على الحال. وقال الزمخشري أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه.
(انظر تفسير الزمخشري 2: 441 والبحر المحيط 8/ 235) .
(3) وهى قراءة الحسن، وابن أبى إسحق، والأعمش، وأبى حيوة، وسلام، ويعقوب. (البحر المحيط 8/ 236) .
(4) سورة الأعراف الآية 59، 65، 73، 85. وهود فى الآيات: 50، 61، 84، والمؤمنون 23، 32

(3/140)


قراءة العوام بالألف، وقرأها يَحيى بْن وثاب: وينتجون «1» ، وفي قراءة عَبْد اللَّه: إِذَا انْتجَيْتُمْ «2» فلا تنتجوا.
وقوله: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ (8) كانت اليهود تأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فيقولون «3» : السام عليك، فيقول لهم «4» : وعليكم، فيقولون: لو «5» كَانَ مُحَمَّد نبيًا لا ستجيب لَهُ فينا لأنّ السام: الموت، فذلك قوله: «لَوْلا «6» يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ» : أي: هلَّا «7» .
وقوله: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا (11) .
قرأها النَّاس: تفَسَّحُوا «8» ، وقرأ «9» الْحَسَن: تفاسحوا «10» ، وقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن: فِي المجالِس «11» ، وتفاسحوا، وتفسَّحوا متقاربان مثل: تظاهرون، وتظَّهرون، وتعاهدته وتعهدَّته، راءيت ورأيت، ولا تُصاعر وَلا تُصعِّر «12» .
وقوله: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا (11) .
قَرَأَ النَّاس بكسر الشين، وأهل الحجاز يرفعونها «13» ، وهما لغتان كقولك: يَعْكِفُونَ ويَعْكُفُون «14» ، ويعرِشون، ويعرُشون «15» ،
__________
(1) وهى أيضا قراءة حمزة وطلحة والأعمش مضارع انتجى (البحر المحيط 8/ 236) وانظر ص 382 من الجزء الأول معانى القرآن.
(2) فى (ا) انتجعتم، تحريف.
(3) فى ب: يقول، تحريف.
(4) زيادة فى ح، ش.
(5) سقط فى ح.
(6) فى ح، ش لو يعذبنا، تحريف.
(7) فى ح، ش فهلا.
(8) سقط فى ش، وكتبت بين السطور فى ب.
(9) فى ب، ش قرأها.
(10) وهى قراءة قتادة وعيسى (البحر المحيط 8/ 36) . [.....]
(11) وهى قراءة عاصم والحسن (انظر الإتحاف 412) .
(12) سورة لقمان الآية 18.
(13) وهى قراءة نافع وابن عامر وحفص وأبى بكر وأبى جعفر (الاتحاف: 412) .
(14) من قوله تعالى: فأنوا على قوم يعكفون على أصنام لهم. الأعراف: 138 وهى فى ش ويكفون. تحريف.
(15) من قوله تعالى: وما كانوا يعرشون. الأعراف 137. ومن الشجر ومما يعرشون. النحل 68.

(3/141)


اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)

وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (12) كانوا قَدْ أُمروا أن يتصدقوا قبل أن يكلموا رسول الله صلّى الله عليه- بالدرهم ونحوه، فثقُل ذَلِكَ عليهم، وقلَّ كلامهم رسول الله صلّى الله عليه بخلا بالصدقة، فقال الله:
«أَأَشْفَقْتُمْ» (13) أي: أبخلتم أن تتصدقوا، فإذا فعلتم فَأَقِيمُوا الصلاة وآتوا الزكاة فنسخت الزكاة ذلك الدرهم.
وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً (14) نزلت فِي المنافقين كانوا يوالون اليهود «مَا هُمْ مِنْكُمْ» من المسلمين، «وَلا مِنْهُمْ» عَلَى دين المنافقين هُمْ يهود.
وقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ (19) غلب عليهم.
وقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (21) الكتاب: يجرى مجرى القول، تدخل فِيهِ أن، وتستقبل بجواب اليمين لأنك تجد الكتاب قولا فِي المعنى كُنى عَنْهُ بالكتاب، كما يكفى عن القول: بالزعم، والنداء، والصياح، وشبهه.
[206/ ب] وقوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (22) نزلت فِي حاطب بْن أَبِي بلتعة، وذلك أَنَّهُ كتب إلى أهل مكَّة: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه يريد أن يغزوكم فاستعدوا لمّا أراد رَسُول الله صلّى الله عليه افتتاح مكَّة، فأتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بذلك الوحي، فَقَالَ لَهُ «1» : ما دعاك إلى ما فعلت؟ قَالَ: أحببت أن أتقرب إلى أهل مكَّة لمكان «2» عيالي فيهم، ولم يكن عنْ عيالي ذابُّ هناك، فأنزل اللَّه هَذِهِ الآية.
الجماعة من أهل الكوفة والبصرة والحجاز عَلَى: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِم، وقَرأ بعضهم: كُتِبَ «3»
__________
(1، 2) زيادة من ب، ح، ش.
(3) وهى قراءة أبى حيوة والمفضل عن عاصم: (البحر المحيط 8/ 239) .

(3/142)


هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)

ومن سورة الحشر
قوله عزَّ وجلَّ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ (2) هؤلاء بنو النضير: كانوا قَدْ عاقدوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه عَلَى ألا يكونوا معه، ولا عَلَيْهِ، فلما نُكب المسلمون يوم أُحد غُدروا، وركب حُيَيّ بْن أخطب إلى أَبِي سُفْيَان وَأصحابه من أهل مكَّة، فتعاقدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه، وأتاه الوحي بذلك، فَقَالَ للمسلمين: أُمرت بقتل حيي، فانتدب لَهُ طائفة من المسلمين فقتلوه، وغدا عليهم النبي صلّى الله عليه، فتحصنوا فِي دورهم، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هِيَ أحصن منها، ويرمون النَّبِيّ صَلَّى الله عليه بالحجارة التي يخرجون منها، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتسع موضع القتال، فذلك قوله [عزَّ وجل] :
«يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ» واجتمع القراء على (يخربون) إِلا أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، فإنه قَرَأَ (يخرّبون) «1» ، كأنَّ يخرّبون: يهدّمون، ويخُرْبِون- بالتخفيف:
يخرجون «2» منها يتركونها، ألا ترى أنهم كانوا ينقبون الدار فيعظونها؟ فهذا معنى: (يُخْرِبون) والذين قَالُوا (يخرّبون) ذهبوا إلى التهديم الَّذِي كَانَ المسلمون يفعلونه، وكل صواب. والاجتماع من قراءة القراءِ أحب إليَّ.
[وقوله تبارك وتعالى: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ (2) :
يا أولي العقول، وَيُقَال: يا أولي الأبصار: يا من عاين ذَلِكَ بعينه «3» ] .
وقوله: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (2) :
[هُمْ] «4» أول من أجلى عنْ جزيرة العرب، وهي الحجاز.
وقوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ (5) .
__________
(1) وقرأ بالتشديد أيضا قتادة، والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو (البحر المحيط 8/ 243) .
(2) فى ش: يخربون، تحريف.
(3) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب، ح.
(4) زيادة فى ب، ح.

(3/143)


حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمر النبي صلّى الله عليه بِقَطْعِ النَّخْلِ كُلِّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، يَعْنِي: يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ إِلَّا الْعَجْوَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ، هُوَ «1» اللَّيِّنُ.
قَالَ الفراء: واحدته: لِينة، وفي قراءة عَبْد اللَّه: «ما قطعتم من لِينَةٍ ولا تركتم قُوَّمًا عَلَى أصوله إلا بإذن اللَّه» ، يقول: إلا بأمر الله.
وقوله: أصوله «2» (5) ذهب إلى الجمع فِي اللين كُلِّه، ومن قَالَ: أُصُولها- ذهب إلى تأنيث النخل لأنَّه يذكر ويؤنث.
وقوله: فَما أَوْجَفْتُمْ [196/ ا] عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (6) .
كان النبي صلّى الله» عليه قَدْ أحرز «3» غنيمة بني النَّضِير وقُريظة وفَدَك، فَقَالَ لَهُ الرؤساء: خذ صفيَّك «4» من هَذِهِ، وأفردنا بالربع «5» ، فجاء التفسير: إن هَذِهِ قُرًى لم يقاتلوا «6» عليها بخيل، ولم يسيروا»
إليها عَلَى الإبل إنَّما مشيتم إليها عَلَى أرجلكم، وكان بينها وبين المدينة ميلان، فجعلها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لقوم من المهاجرين، كانوا محتاجين وشهدوا بدرًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى» (7) .
هَذِهِ الثلاث، فهو لله وللرسول خالص.
ثُمَّ قال: «وَلِذِي الْقُرْبى» (7) .
لقرابة رسول الله صلّى الله عليه «وَالْيَتامى» . يتامى المسلمين عامة، وفيها يتامى بني عَبْد المطلب «وَالْمَساكِينِ» مساكين المسلمين ليس فيها مساكين بني عَبْد المطلب.
__________
(1) فى (ا) وهو، والتصحيح من ب، ح، ش.
(2) سقط فى ح.
(3) فى ش أحذر، تحريف. [.....]
(4) الصفي من الغنيمة: ما يختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة.
(5) فى ش بالرفع، تحريف.
(6) فى ش: تقالموا.
(7) فى ش: يستروا، تحريف.

(3/144)


وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)

ثُمَّ قَالَ: كَيْ لا يَكُونَ ذَلِكَ الفيء دُولة بين الأغنياء- الرؤساء- يُعمل بِهِ كما كَانَ «1» يعمل فِي الجاهلية، ونزل فِي الرؤساء: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7) فرضُوا. والدُّولة: قرأها «2» النَّاس برفع الدال إلا السُّلَميّ- فيما أعلم- فإنه قَرَأَ:
دولة: بالفتح، وليس هَذَا للدَّولة بموضع إنَّما الدُّولة فِي الجيشين يَهزم هَذَا هَذَا، ثُمَّ يُهزمَ الهازم، فتقول:
قَدْ رجعت الدولة عَلَى هَؤُلَاءِ، كأنها المرة «3» ، وَالدُّولة فِي المِلْك والسنن التي تغيَّر «4» وتبدّل عَلَى الدهر، فتلك الدُّولة «5» .
وَقَدْ قَرَأَ بعض العرب: (دولةٌ) ، وأكثرهم نصبها «6» وبعضهم: يكون، وبعضهم: تكون «7» .
وقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (9) يعني: الأنصار، يحبون من هاجر إليهم لما أُعطيَ المهاجرون ما قسم لهم النَّبِيّ صَلَّى الله عليه من فيء بني النضير لم يأمن عَلَى غيرهم أن يحسدهم إذ لم يقسمْ لهم. فقال النبي صلّى الله عليه للأنصار: إن شئتم قسمتم لهم من دوركم وأموالكم، وقسمت لكم كما قسمت لهم، وإما أن يكون لهم القِسم، ولكم دياركم وأموالكم، فقالوا: لا، بل تقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم فِي القَسم، فأنزل اللَّه جل وعز هَذِهِ الآيات ثناء عَلَى الأنصار، فقال: «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» (9) يعنى المهاجرين: «وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ» (9) الآية.
وفى قراءة عبد الله: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» (10) يعني المهاجرين: يقولون ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخواننا «8» الَّذِينَ تبوءوا الْإِيمَان من قبل، وألّف بين قلوبنا، ولا تجعل فيها غَمَرا «9» للذين آمنوا.
__________
(1) الزيادة من ب، ح، ش.
(2) فى ح: قرأ.
(3) فى ش: المرأة، تحريف.
(4) فى ح، التي لا تغير وتبدّل.
(5) قال ابن جنى فى المحتسب: 2/ 316: منهم من لا يفصل بين الدّولة والدّولة: ومنهم من يفصل فيقول:
الدّولة فى السلك، والدّولة فى السلك.
(6) قرأ هشام بالتذكير مع النصب. وأبو جعفر وعن هشام: تكون بتاء التأنيث دولة بالرفع على أنّ كان تامة (الإتحاف 413) .
(7) قرأ بالتاء عبد الله وأبو جعفر وهشام، والجمهور بالياء (البحر المحيط 8/ 245) .
(8) لا، مكررة فى ش خطأ.
(9) كذا فى ب، ح، ش، والغمر، بالتحريك: الحقه.

(3/145)


لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)

وقوله: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ (13) يَقُولُ: أنتم يا معشر المسلمين أهيب فِي صدورهم [يعني بني النضير] «1» من عذاب اللَّه عندهم، وذلك أن بني النضير كانوا ذوي بأس، فقذف اللَّه فِي قلوبهم الرعب من المسلمين، ونزل فِي ذَلِكَ:
«بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» (14) ليقوى المسلمون عليهم (تحسبهم) يعنى: بنى النضير جميعا، وقلوبهم مختلفة، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: وقلوبهم أشت، أي: أشد اختلافًا.
وقوله: أَوْ «2» مِنْ وَراءِ جُدُرٍ (14) قرأ ابن عباس: جدار، وسائر القراء: جدر عَلَى الجمع «3» .
وقوله: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما «4» فِي النَّارِ خالِدَيْنِ (17) وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: فكان عاقبتُهما «5» أنهما خالدان فى النار، وفى [196/ ب] قراءتنا «خالِدَيْنِ فِيها» نصب، ولا أشتهي الرفع، وإن كَانَ يجوز وذلك أن الصفة قَدْ عادت عَلَى النار مرتين، والمعنى للخلود، فإذا رَأَيْت الفعل بين صفتين قَدْ عادت إحداهما عَلَى موضع الأخرى نصبت الفعل، فهذا من ذَلِكَ، ومثله فِي الكلام قولك: مررت برجل عَلَى بابه متحملا بِهِ، ومثله قول الشَّاعِر:
والزعفران على ترائبها ... شرقا بِهِ اللباتُ والنحْرُ «6»
لأن الترائب «7» هِيَ اللبات هاهنا، فعادت الصفة باسمها الَّذِي وقعت عَلَيْهِ أولا، فإذا اختلف الصفتان: جاز الرفع والنصب على حسن. من ذَلِكَ قولك: عَبْد اللَّه فِي الدار راغبٌ فيك.
ألا ترى أن (فِي) التي فِي الدار مخالفة (لفي) التي تكون فِي الرغبة والحجة «8» ما يعرف به النصب
__________
(1) زيادة من ب، وقد كتبت فيها بين السطور. [.....]
(2) فى ش ولا أو، تحريف.
(3) قرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين جدار بالألف وكسر الجيم (البحر المحيط 8/ 249) ، وافقهما اليزيدي (الاتحاف: 413) . وقرأ كثير من المكيين وهرون عن ابن كثير: جدر، بفتح الجيم، وسكون الدال لغة اليمن (البحر المحيط 8/ 249) ، وعن الحسن، ضم الجيم، وسكون الدال مع حذف الألف، وهى قراءة أبى رجاء وأبى حيوة (المحتسب 2/ 316) ، والباقون بضم الجيم والدال على الجمع (الاتحاف 414) .
(4، 5) سقط فى ش.
(6) أورده فى البحر المحيط، ولم ينسبه، والرواية فيه: شرقت به مكان: شرقابه (البحر المحيط 8/ 453) .
(7) فى ح، ش: التراب، تحريف.
(8) فى الأصل: ومخنة ولعلها: ومحجة، والتصويب عن تفسير الطبري (28/ 52) .

(3/146)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)

من الرفع. ألا ترى الصفة الآخرة تتقدم قبل الأولى، إلّا أنك تَقُولُ: هَذَا أخوك فِي يده درهم قابضًا عَلَيْهِ، فلو قلت: هَذَا أخوك قابضًا عَلَيْهِ فِي يده درهم [لم يجز] «1» . وأنت تَقُولُ: هَذَا رَجُل فِي يده درهم قائمٌ إلى زَيْد. ألا ترى أنك تَقُولُ: هَذَا رَجُل قائم إلى زَيْد فِي يده درهم، فهذا يدل عَلَى المنصوب إِذَا امتنع تقديم الآخر، ويدل عَلَى الرفع إِذَا سهل تقديم الآخر.
وقوله: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ (20) وفي قراءة عَبْد اللَّه: ولا أصحاب النار «2» ، ولا صلةٌ إِذَا كَانَ فِي أول الكلام جحد، ووصل بلا من آخره. و «3» أنشد فِي بعض بني كلاب.
إرادة ألّا يجمع اللَّه بيننا ... ولا بينها أخرى الليالي الغوابر «4»
معناه: إرادة ألا يجمع اللَّه بيننا وبينها، فوصل بلا.