معاني القرآن للنحاس تفسير سورة الفاتحة
مكية وآياتها سبع باتفاق
(1/45)
سورة الحمد وهي مكية على قول ابن عباس
وقال مجاهد هي مدنية اعلم ان لها اربعة اسماء هي سورة الحمد
وفاتحة الكتاب وام القرآن وهذا روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم من حديث عمر وعلي وابن عباس وروى ابن ابي ذئب عن المقبري
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(1/47)
فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والاسم
الرابع انه يقال لها السبع من المثاني روى ذلك سفيان عن السدي
عن عبد خير عن علي رضي الله عنه وروى اسماعيل بن جعفر عن
العلاء بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي هريره ان النبي صلى الله
عليه وسلم قرأ عليه ابي بن كعب فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي
بيده ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في
الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي
اعطيته وقيل لها فاتحة الكتاب لانه يفتتح بها المصحف ويفتتح
بها القرآن وتقرأ في كل ركعه وقيل لها ام القران لان ام الشئ
ابتداؤه واصله فسميت
(1/48)
بذلك لابتدائهم لها في اول القرآن فكأنها
اصل وابتداء ومكة ام القرى لان الارض دحيت من تحتها وقال
الحجاج ما فيهم من الكتاب ام أي اصل من الكتاب وروى اسماعيل
ابن جعفر عن العلاء عن ابيه عن ابي هريره عن النبي صلى الله
عليه وسلم انه قرأ عليه ابي فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده
ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولافي
الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي
اعطيته وقيل لها السبع المثاني لانها سبع ايات تثنى في كل ركعه
من ثنيته إذ رددته وفي هذا قول اخر غريب وله اسناد حسن قوي عن
جعفر بن محمد الفاريابي يكون عن مزاحم بن سعيد قال حدثنا ابن
المبارك قال حدثنا
(1/49)
ابن جريح قال اخبرني ابي ان سعيد بن جبير
اخبره قال لابن عباس ما المثاني قال هي ام القرآن استثناها
الله تعالى لامة محمد صلى الله عليه وسلم في ام الكتاب فادخرها
لامة محمد صلى الله عليه وسلم حتى اخرجها لهم ولم يعطيها احدا
قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل ان من قال السبع المثاني
ذهب الى من زائده للتوكيد واجود من هذا القول ان يكون المعنى
انها السبع من القرأن الذي هو مثان تفسير البسمله ومما قصدنا
له قوله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم قال اكثر البصرين
المعنى اول ما افتتح ب بسم الله واول كلامي بسم الله
(1/50)
قال سيبويه معنى الباء الالصاق قال الفراء
موضع الباء نصب والمعنى بدأت باسم الله وابدأ باسم الله
وفي اشتقاق اسم قولان احدهما من السمو وهو العلو والارتفاع
فقيل اسم لان صاحبه بمنزلة المرتفع به وقيل وهو من وسمت فقيل
اسم لانه لصاحبه بمنزلة السمه مع أي يعرف به والقول الثاني خطأ
لان الساقط منه لامه فصح انه من سما يسمو
(1/51)
قال احمد ابن يحى يقال سم وسم ويقال اسم
بكسر الالف ويقال بضمها فمن ضم الالف اخذه من سموت اسمو ومن
كسر اخذه من سميت اسمي قال الكسائي والفراء معنى بسم الله باسم
الاله وتركوا الهمزه وادغموا اللام الاولى في الثانيه فصارت
لاما مشدده كما قال جل عز وجل لكنا هو الله ربي ومعناه لكن انا
هو الله ربي كذلك قرأها الحسن ولسيبويه في هذا قولان احدهما ان
الاصل اله ثم جئ بالالف واللام عوضا من الهمزه وكذلك الناس
عنده الاصل فيه اناس
(1/52)
والقول الاخر هو ايضا قول اصحابه ان الاصل
لاه ثم دخلت عليه الالف واللام وانشدو * لاه ابن عمك لا فضلت
في حسب * عني ولا انت دياني فتخزوني *
ويسأل عن التكرير في قواه عز وجل الرحمن الرحيم فروي عن ابن
عباس انه قال الرحمن الرحيم اسمان رقيقان احدهما ارق من الاخر
فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق قال محمد بن
كعب القرظي الرحمن بخلقه الرحيم بعباده فيما ابتداهم به من
كرامته وحجته
(1/53)
وقال عطاء الخرساني كان الرحمن فلما اختزل
الرحمن من اسمائه صار الرحمن الرحيم وقال العرزمي الرحمن بجميع
الخلق الرحيم بالمؤمنين وقال أبو عبيده هما من الرحمه كقولهم
ندمان ونديم وقال قطرب يجوز ان يكون جمع بينهما للتوكيد وهذا
قول حسن وفي التوكيد اعظم الفائدة وهو كثير في كلام العرب
يستغني عن الاستشهاد
(1/54)
والفائدة سعيد في ذلك ما قاله محمد بن يزيد
انه تفضل بعد تفضل وانعام بعد انعام وتقوية لمطامع الداعين
ووعد لا يخيب آمله وقول العرزمي ايضا حسن لان فعلان فيه معنى
المبالغة فكأنه والله اعلم الرحمن بجميع خلقه ولهذا لم يقع الا
لله تعالى لان معناه الذي وسعت رحمته كل شئ ولهذا قدم قبل
الرحيم وصار الرحيم اولى من الراحم لان الرحيم الزام في المدح
لانه
يدل على ان الرحمه لازمه له غير مفارقة والراحم يقع لمن رحم
مرة واحده
(1/55)
وقال احمد ابن يحيى الرحيم عربي والرحمن
عبراني فلهذا جمع بينهما وهذا القول مرغوب عنه وروى مطرعن بكر
قتاده في قوله بسم الله الرحمن الرحيم قال مدح نفسه وهذا قول
حسن قال أبو العباس النعت قد يقع للمدح كما تقول قال جرير
الشاعر
(1/56)
تفسير سورة الفاتحة
1 - وقوله تعالى الحمد لله الفرق بين الحمد والشكر ان الحمد
اعمم لانه يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر والجزاء
والشكر مخصوص بما يكون مكافأه قد لمن اولاك معروفا خصار الحمد
اثبت في الايه لانه يزيد على الشكر ويقال الحمد خبر وسبيل
الخبر ان يفيد فما الفائدة في هذا والجواب عن هذا ان سيبويه
قال إذا قال الرجل الحمد لله بالرفع ففيه من المعنى مثل ما في
قوله حمدت الله حمدا الا ان الذي يرفع الحمد يخبر ان الحمد منه
ومن جميع الخلق لله تعالى والذي ينصب الحمد يخبر ان الحمد منه
وحده لله تعالى
(1/57)
قال ابن كيسان وهذا كلام حسن جدا لان قولك
الحمد لله مخرجه في الاعراب مخرج قولك المال لزيد ومعناه انك
أخبرت به وأنت تعتمد ان تكون حامدا لا مخبرا بشئ ففي أخبار
المخبر بهذا إقرار منه بان الله تعالى مستجوبه وفي على خلقه
فهو احمد من يحمده إذا اقر بان الحمد له فقد آل المعنى المرفوع
الى مثل المعنى المنصوب وزاد عليها بان جعل الحمد الذي يكون عن
فعله وفعل غيره لله تعالى وقال غير سيبويه إنما يتكلم بهذا
تعرضا لعفو الله تعالى ومغفرته وتعظيما له وتمجيدا فهو خلاف
معنى الخبر وفيه معنى السؤال وفي الحديث من شغل بذكري عن
مسألتي اعطيته افضل
(1/58)
ما أعطى السائلين وقيل ان مدحة نفسه جل وعز
وثناءه عليه ليعلم ذلك عباده فالمعنى على هذا قولوا الحمد لله
وإنما عيب مدح الآدمي نفسه لانه ناقص وان قال انا جواد فثم بخل
وان قال انا شجاع فثم جبن والله تعالى منزه من ذلك فان الآدمي
إنما يدح كل نفسه ليجتلب منفعة ويدفع مضره والله تعالى غني عن
هذا 2 - وقوله جل وعز رب العالمين
قال أهل اللغة الرب المالك وانشدو * وهو الرب والشهيد على يو *
م الحيارين والبلاء بلاء *
(1/59)
واصل هذا انه يقال ربه يربه ربا وهو راب
ورب إذا قام بصلاحه ويقال على التكثير رباه ورببه وربته وروى
الربع عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رب العالمين
قال الجن والأنس وروى الربيع ابن انس عن ابي العاليه قال الجن
عالم والانسان عالم وسوى ذلك للارض أربع زوايا في كل زاوية ألف
وخمس مائة عالم خلقهم الله لعبادته وقال أبو عبيدة رب العالمين
أي المخلوقين وانشد العجاج فخندق هامة هذا العالم
(1/60)
والقول الأول اجل هذه الأقوال واعرفها في
اللغة لان هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة وعالم مشتق من
العلامة وقال الخليل العلم والعلامة والمعلم ما دل على شئ
فالعالم دال على ان له خالقا مدبرا 3 - وقوله تعالى ملك يوم
الدين ويقرأ مالك يوم الدين واختار أبو حاتم مالك قال وهو اجمع
من ملك لأنك تقول ان الله مالك الناس ومالك الطير ومالك الريح
ومالك كل شئ من الأشياء ونوع من الأنواع ولا يقال الله ملك
الطير ولاملك الريح ونحو ذلك وإنما يحسن ملك الناس وحدهم
(1/61)
وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة منهم أبو عبيد
وأبو العباس محمد بن يزيد واحتجوا بقوله تعالى لمن الملك اليوم
والملك مصدر الملك ومصدر المالك ملك بالكسر وهذا احتجاج حسن
وأيضا فان حجة ابي حاتم لا تلزم لانه إنما لم يستعمل ملك الطير
والرياح لانه ليس فيه معنى مدح وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن
ابي داود بن الانباري قال حدثنا محمد ابن اسماعيل قال حدثنا
عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن ابي
مالك عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة الهمداني عن
ابن مسعود وعن اناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
مالك يوم الدين يوم الدين هو يوم الحساب
(1/62)
وقال مجاهد الدين الجزاء والمعنيان واحد
لان يوم القيامة يوم الحساب ويوم الجزاء والدين في غير هذه
الطاعة والدين ايضا العادة كما قال أهذا دينه أبدا وديني
والمعاني متقاربة لانه إذا أطاع فقد دان
والعادة تجري مجرى الدين وفلان في دين فلان أي في سلطانه
وطاعته فان قيل لم خصت القيامة بهذا فالجواب ان يوم القيامة
يوم يضطر فيه الخلائق الى ان يعرفوا ان الأمر كله لله تعالى
وقيل خصه لان في الدنيا ملوكا وجبارين ويوم القيامة يرجع الأمر
كله الى الله تعالى
(1/63)
4 - وقوله تعالى إياك نعبد ولم يقل نعبدك
لان هذا أوكد قال سيبويه كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم
إليهم وهم ببيانه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم
والعبادة في اللغة الطاعة مع تذلل وخضوع يقال طريق معبد إذا
كان قد ذلل بالوطء وبعير معبد إذا طلي بالقطران أي امتهن كما
يمتهن العبد قال طرفه * الى ان تحامتني العشيرة كلها * أفردت
إفراد البعير المعبد * يقال عبد من كذا أي انف منه كما قال
الشاعر * واعبد ان تهجى تميم بد ارم
(1/64)
5 - ثم قال تعالى وإياك نستعين أعاد إياك
توكيدا ولم يقل ونستعين كما يقال المال بين زيد وبين عمرو
فتعاد بين توكيدا وقال إياك ولم يقل إياه لان المعنى قل يا
محمد إياك نعبد على ان العرب ترجع من الغيبة الى الخطاب كما
قال الأعشى * عنده الحزم والتقى واسى الصر * ع وحمل لمضلع *
الأثقال * ثم قال ورجع من الغيبة الى الخطاب * ووفاء إذا أجرت
فما غر * ت حبال وصلتها بحبال * وقال تعالى وسقاهم ربهم شرابا
طهورا ثم قال ان هذا كان لكم جزاء وعكس هذا ان العرب ترجع من
الخطاب الى الغبيه فلا كما قال تعالى حتى إذا كنتم في الفلك
وجرين بهم بريح طيبه
(1/65)
وفي الكلام حذف والمعنى وإياك نستعين على
ذلك 6 - ثم قال تعالى اهدنا الصراط المستقيم وهم على الهدى أي
ثبتنا كما تقول للقائم قم حتى أعود إليك أي اثبت قائما ومعنى
اهدنا أرشدنا واصل هدى ارشد ومنه واهدنا الى سواء الصراط ويكون
هدى بمعنى بين كما قال تعالى وأما ثمود فهديناهم ويكون هدى
بمعنى الهم كما قال تعالى الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي
ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى ويكون هدى بمعنى دعا كما قال
تعالى ولكل قوم هاد أي نبي يدعوهم واصل هذا كله ارشد والمعنى
ارشدنا الى الصراط المستقيم
(1/66)
حدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا
هاشم بن القاسم الحراني قال حدثنا أبو اسحق النحوي عن حمزه بن
حبيب عن حمران بن أعين عن ابي منصور بن أخي الحارث عن الحارث
عن على قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصراط
المستقيم كتاب الله وروى مسعر عن منصور عن ابي وائل عن عبد
الله في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال كتاب الله وروى
عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال هو الإسلام والصراط في
اللغة الطريق الواضح وكتاب الله بمنزلة الطريق الواضح وكذلك
الإسلام وقال جرير
(1/67)
* أمير المؤمنين على صراط * إذا اعوج
الموارد مستقيم * أمير المؤمنين جمعت دينا *
وحلما فاضلا لذوي الحلوم * 7 - ثم قال تعالى صراط الذين أنعمت
عليهم روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن انس الذين انعم عليهم
النبيون وقال غيره يعني الأنبياء والمؤمنين وقيل هم جميع الناس
ثم قال تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين وروي عن عمر انه
قرأ صراط من أنعمت عليهم غير
(1/68)
المغضوب عليهم وغير الضالين وحدثنا محمد بن
جعفر بن محمد الانباري قال حدثنا محمد ابن إدريس المكي قال
اخبرنا محمد بن سعيد قال اخبرنا عمرو عن سماك عن عباد عن عدي
بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اليهود مغضوب
عليهم والنصارى ضالون قال قلت فإني حنيف مسلم قال فرأيت وجهه
تبسم فرحا صلى الله عليه وسلم وروى بديل العقيلي عن عبد الله
بن شقيق وبعضهم يقول عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم
يقول ان النبي صلى الله عليه وسلم قال هو بوادي القرى وهو على
فرسه وسأله رجل من بني القين فقال يا رسول الله من هؤلاء
المغضوب عليهم فأشار الى اليهود قال فمن هم الضالون قال هؤلاء
الضالون يعني النصارى فعلى هذا يكون عاما براد به الخاص وذلك
كثير في كلام العرب مستغن عن الشواهد لشهرته
(1/69)
|