معاني القرآن للنحاس

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
* الحمد لله منزل الكتاب تبصرة وذكرى لاولى الالباب والصلاة والسلام على السراج المنير من أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب سيدنا محمد النبي الامي الهاشمي العربي صاحب المعجزات وعلى آله وذريته وسائر الاصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
* فلقد ترك أسلافنا - رحمهم الله - كنوزا ثمينة وثروة علمية عظيمة في شتى أنواع العلوم والمعارف ولم تقتصر جهودهم الجبارة على علوم الشريعة والدين بل تعدها إلى سائر العلوم والفنون (العلوم الانسانية والاجتماعية والعربية والدينية) فما من علم من العلوم ولا فن من الفنون إلا خاضوا عبابه واستخرجوا منه الدرر والجواهر وألفوا فيه الموسوعات وما وصل إلينا من علومهم ومؤلفاتهم إنما هو قطرة من البحر الزاخر الذي تركوه تروة للابناء والاحفاد فعبثت به يد الفساد وعدت عليه عاديات الزمان في عصور الظلم والطغيان (1) فبددته
__________
(1) في عصر المغول والتتار المجلل بالسواد والشنار حوصرت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية من قبل هولاكو الجبار وجنوده سنة 656 هـ وبعد أن فتحوها نهبوا وسبوا وسلبوا وعاثوا في الارض فسادا واستمر القتل والنهب والسبي في بغداد أربعين يوما وألقوا الكتب في نهر دجلة حتى = (*)

(1/7)


وجعلته أيدي سبأ ومع كل ما ذهب واندرس فقد بقيت بقية من تراث سلفنا تحتاج إلى سواعد الرجال لترى النور وتخرج إلى حيز الوجود بعد طول ركود ورقود (1) .
__________
= صار لون الماء الاسود من المداد وأحرقت كتب أخرى كثيرة حتى صار ليل بغداد نهارا من شدة اللهب وقد قتل من العلماء والفضلاء وأهل السنة جمع غفير لا يحصون عددا يزيدون على (800) ثمانمائة ألف واستولى هولاكو الطاغية على بغداد وقتل الخليفة المعتصم بالله وانظر النجوم الزاهرة 7 / 50.
(1) نوجد مخطوطات نفيسة وعديدة متنوعة في التفسير وعلوم القرآن تحتاج إلى من يزيل عنها الغشاوة ويخرجها إلى عالم النور بعد أن عفا عليها الزمان منها مخطوطات مصورة في بعض مكتبات البلاد العربية والبلاد الاوربية والاجنبية وقد قرأت لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 6 / 394 أنه قرأ وطالع ما يزيد على مائة تفسير وشيخ الاسلام - كما هو معلوم - عاش في منتصف القرن السادس ومطلع القرن السابع الهجري فهو يعتبر إذا من المتقدمين فأين هذه التفاسير التي ذكر أنه قرأها وطالعها؟ ! إنه لا يوجد الآن بين أيدينا من المطبوع من تفاسير القرآن العظيم ربع هذا المقدار وقد ألف بعده علماء كثيرون في علم التفسير بلغت أضعاف ما ذكره ابن تيمية رحمه الله فأين هذه الكتب والموسوعات؟ إن منها من قد مات ومنها من قد بات حبيس الظلمة بين أطباق الجدران أو طيات الكتب والمخطوطات ولابد لها من سواعد قوية وفتية حتى تظهر إلى حيز الوجود ويستفيد منها المسلمون وفي مركز البحث العلمي وإحياء التراث الاسلامي بجامعة أن القرى بمكة المكرمة
بعض لهذه المخطوطات النفيسة تريد من يمسح غبرتها ويكفكف دمعتها ويطلق أسرها من سجن الضياع والتشتت لترى بصيص النور وها هي الدوحة الوارفة الظلال في قطر تزيح الستار عن كتاب نفيس من أبدع كتب التفسير هو كتاب (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) للشيخ عبد الحق بن عطية في خمسة عشر مجلدا وهو جهد مشكور نسأل الله أن يأجر العاملين على إخراجه ويثيبهم عليه خير الجزاء وها هو تفسير (معاني القرآن الكريم) للامام أبي جعفر النحاس يخرجه مركز إحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى.
وبذلك تكون الجامعة قد خطت خطوات جليلة في خدمة الكتاب العزيز.. (وأول الغيث قطر ثم ينهمر) .
(*)

(1/8)


* وقد حظي القرآن الكريم بنصيب وافر من هذه المعارف فكانت هناك كتب ومؤلفات ورسائل ومعاجم وموسوعات في شتى علوم القرآن منها المسهب والموجز ومنها ما يعز مناله ويصعب حمله على العصبة أولي القوة من الرجال فقد بلغ بعض الكتب مائة جزء أو تزيد.
* وكتب في علم التفسير رجال عظام من أساطين العلماء وفحول النبغاء كل أدلى بدلوه في خدمة الكتاب العزيز فمنهم من ألف في غريبه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه ومنهم من كانت همته في جمع الاخبار وتنقيح الآثار وآخرون بذلوا جهودا جبارة في إيقاد قرائحهم لاستنباط الاحكام من آيات القرآن واستخراج ما فيها من دقائق المعرفة وأصول الاحكام.
* ومن هؤلاء الائمة الاجلاء والجهابذة الاعلام الذين لهم باع طويل في خدمة التنزيل العلم الاجل - شيخ العربية - الامام أبو جعفر (1) النحاس صاحب كتاب (معاني القرآن الكريم) الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذه المقدمة.
* ومع كل ما صنف العلماء وألفوا وتبحروا فيه خدمة للكتاب العزيز فإن علم التفسير لا يزال بحرا لجيا زاخرا بالدرر والنفائس يحتاج إلى من يغوص في أعماقه ليستخرج منه الدرر واللالئ الثمينة وكل علم شاط واحترق إلا علم التفسير فإنه لا يزال غضا طريا يحتاج إلى بحث وتنقيب ودراسة وتمحيص لاستخراج كنوزه الدفينة والاستفادة من
__________
(1) انظر مراجع ترجمة الامام النحاس في الصفحة الآتية رقم (37) .
(*)

(1/9)


أحكامه الثمينة وها نحن نتناول هذا السفر القيم بالتحقيق والتدقيق لامام من أئمة اللغة وعالم من مشاهير علماء الاسلام ذلكم هو الامام الهمام الشيخ (أبو جعفر النحاس) من علماء القرن الرابع الهجري المتوفى سنة 338 هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان.
نسبه ولقبه
* هو الامام أبو جعفر (أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي) المفسر المصري النحوي المعروف بالنحاس أو بابن النحاس ويعرف أيضا بالصفار ولكن لقب (النحاس) هو الاشهر الذي عرف به وهو الذي طار في الآفاق حتى صار علما له.
و (النحاس) نسبة إلى من يصنع الاواني النحاسية كالقدور والاواني وغير ذلك ويظهر أن أجداده كانوا يشتغلون بهذه الصنعة وأما أبو جعفر فقد طلب العلم منذ حداثة سنه ولم ينقل عنه أنه اشتغل بهذه الحرفة صنعة أو بيعا وسمي بالصفار أيضا نسبة إلى (الصفر) وهو النحاس أيضا.
* قال في المصباح: (الصفر مثل قفل: النحاس وكسر الصاد لغة فيقال: صفر وصفر.
وهو النحاس ويقال: بيت صفر أي خال من المتاع وهو صفر اليدين أي ليس فيهما شئ) (1) * وقال السمعاني في الانساب: (النحاس بفتح النون وتشديد الحاء نسبة إلى عمل النحاس.
وأهل مصر يقولون لمن يعمل الاواني الصفرية ويبيعها
__________
(1) انظر المصباح المنير مادة صفر والصحاح للجوهري 2 / 714.
(*)

(1/10)


النحاس وقد اشتهر بهذا الاسم جماعة منهم: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس) (1) .
مولده ووفاته * ولد الامام أبو جعفر النحاس في مصر وعاش فيها ردحا من الزمن ولا يعرف على وجه الضبط سنة ميلاده فالمراجع التي بين أيدينا كلها لا تذكر سنة مولده ولا أطوار نشأته الاولى ولكنها متفقة على أنه ولد في مصر وتوفي فيها وإن كان يغلب على الظن أن ولادته كانت سنة 260 هـ كما ذكر بعض العلماء.
* وأما وفاته فالمراجع متفقة على أنها كانت سنة 338 هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية.
الحياة العلمية في عصر النحاس
* في الفترة التي عاش فيها (أبو جعفر النحاس) كانت قد دبت في مصر روح النشاط العلمي وأخذت تتنافس مع بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية وقبلة العلم والعلماء آنذاك..لا سيما بعد أن وفد إليها نخبة
من العلماء الافذاذ كأحمد بن جعفر الدينوري وعلي بن سليمان الاخفش ومحمد بن يحيى اليزيدي وغيرهم من أكابر العلماء ممن حط عصا التسيار في ربوع الكنانة وطاب له المقام في دار من ديار الاسلام وبذلك دبت روح التنافس والتسابق العلمي في عواصم البلدان
__________
(1) انظر كتاب الانساب للسمعاني 13 / 44 واللباب في تهذيب الانساب لابن الاثير الجزري 3 / 300.
(*)

(1/11)


الاسلامية وأصبحت مصر في (النصف الثاني من القرن الثالث الهجري) موئل أهل العلم وكهف أهل الفضل والعرفان وأضحت متهيئة لتعطي ثمارها المباركة بعد أن ظهر فيها العلماء ونبغ فيها المحدثون والفقهاء من أمثال الامام أحمد بن محمد الطحاوي الذي قال عنه الذهبي في سير أعام النبلاء 15 / 27: (الطحاوي هو الامام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها أبو جعفر أحمد بن محمد ابن سلامة المصري الطحاوي الحنفي صاحب التصانيف الشهيرة..) وأمثاله من أهل الفضل والعلم كثيرون ممن لا يتسع المجال إلى ذكرهم وأمها طلاب العلم من شتى الديار والاقطار وبذلك أضحى التنافس والتسابق بين (بغداد) و (القاهرة) يشتد ويمتد ويسير بخطي حثيثة نحو أوج الارتقاء والكمال.
نشأته العلمية
* نشأ الامام أبو جعفر النحاس في عصر مواكبة النهضة العلمية شغوفا دؤوبا على طلب العلم محبا للعلماء ومجالستهم والاستفادة منهم لم يمنعه فقره وإعساره عن مواصلة الطلب لانه شعر أن هذا هو طريق المجد والسؤدد فأخذ يجد ويجتهد ويواصل الليل بالنهار في طلب العلم
ولم تقتصر همته أن ينهل من معين شيوخه في مصر فحسب بل دفعه حبه وشغفه بالعلم أن يرحل إلى بغداد لينال من جهابذتها وعلمائها ما يشفي طموحه لا سيما وقد تألق في سماء بغداد كواكب مضيئة من أمثال المبرد والاخفش الصغير ونفطويه والزجاج في علوم العربية وأمثال (أحمد بن محمد الحجاج المروزي) و (أبي حاتم

(1/12)


الرازي) و (إبراهيم بن إسحاق الحربي) و (أبي داود السجستاني) في الحديث الشريف وأمثال الامام (أيي جعفر محمد الطبري) و (بقي ابن مخلد) في التفسير وعلوم القرآن فأخذ عن علمائها فنون المعرفة وأنواع العلوم ثم رجع إلى مصر ولم ينقطع عن مواصلة العلم على شيوخ أجلاء حتى صار إماما يشار إليه بالبنان في علوم العربية والتفسير والحديث وقد سمع الامام المحدث الحافظ البارع (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) أبا عبد الرحمن النسائي صاحب السنن أخذ عنه النحاس الحديث الشريف وروى عنه في كتابه (إعراب القرآن) و (الناسخ والمنسوخ) .
شيوخ النحاس
* ونذكر هنا بإيجاز الشيوخ الذين تلقى عنهم الامام النحاس علومه وتلامذته الذين استفادوا من علمه وكان له تأثير عظيم في سلوكهم وحياتهم.
* فمن شيوخه الذين تتلمذ عليهم وأثروا في بناء شخصيته: 1 - الامام الزجاج وهو (أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل) الامام اللغوي الشهير صاحب كتاب (معاني القرآن) المتوفى
سنة 311 هـ أحد تلامذة الامام المبرد أخذ عنه النحاس وقرأ عليه كتاب سيبويه كما ذكر النحاس ذلك صراحة في كتابه (إعراب القرآن) حيث قال: هكذا قرأت على أبي إسحاق الزجاج في كتاب سيبويه أن يكون (دفاع) مصدر دفع كما

(1/13)


تقول: حسبت الشئ حسابا ولقيته لقاء فيكون دفاع ودفع مصدرين.
2 - ومن شيوخ النحاس (أبو بكر بن الانباري) المتوفى سنة 328 هـ صاحب كتاب (المشكل في معاني القرآن) وهو من أصحاب ثعلب ذكره الزبيدي في طبقات النحويين ص 153.
3 - ومن شيوخه أيضا ابن كيسان (أبو الحسن محمد بن أحمد الكيساني) المتوفى سنة 299 هـ أخذ عن ثعلب والمبرد وكان نحويا بارعا يحفظ أقوال الكوفيين والبصريين قال النحاس عنه في كتابه إعراب القرآن 1 / 136: (قال ابن كيسان وهو النحوي فكلما قلنا قال ابن كيسان فإياه نعني يجوز غشوة وغشوة فإن جمعت غشاوة تحذف الهاء فتقول غشاو) .
4 - ومن شيوخه كذلك (نفطويه) وهو (إبراهيم بن محمد بن عرفة الازدي) المتوفى سنة 323 هـ قال عنه الزبيدي في الطبقات ص 154: (كان أديبا متفننا في الادب يحفظ لجرير والفرزدق وشعر ذي الرمة وغيرهم من الشعراء وكان يروي الحديث) وهو من النحويين الكوفيين ومن أصحاب ثعلب.
5 - ومن شيوخ النحاس (الاخفش الصغير) وهو (أبو الحسن علي
بن سليمان بن الفضل) المتوفى سنة 315 هـ الذي تلقى عن ثعلب والمبرد وانظر ترجمته في طبقات الزبيدي ص 115.
6 - ومن شيوخه أيضا (محمد بن الوليد بن ولاد) المصري التميمي

(1/14)


النحوي المتوفى سنة 298 هـ وأبو بكر (أحمد بن شقير) البغدادي المتوفى سنة 315 هـ وابن رستم (أحمد بن محمد الطبري) المتوفى سنة 304 هـ.
7 - ومن شيوخه في الحديث الشريف الامام (أبو عبد الرحمن) (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) النسائي صاحب السنن المشهور ب (سنن النسائي) المتوفى سنة 303 هـ وهو أحد أعلام الدين وقد ترجم له الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 11 / 123 بأنه الامام في عصره والمقدم على أشكاله وفضلاء دهره رحل إلى الآفاق واجتمع بالائمة الحذاق.
تلامذة النحاس
* أما تلامذة النحاس فلا يكادون يحصون عددا نذكر منهم خشية الاطالة: 1 - منذر بن سعيد بن عبد الله البلوطي المتوفى سنة 335 هـ.
2 - محمد بن مفرج بن عبد الله المعافري المتوفى سنة 371 هـ.
3 - عمر بن محمد بن عراك الحضرمي المصري المتوفى سنة 388 هـ.
4 - سليمان بن محمد الزهراوي ذكره في بغية الوعاة 1 / 602.
5 - محمد بن يحيى الازدي القرطبي النحوي المتوفى سنة 358 هـ.
6 - محمد بن علي الادفوي المصري المتوفي سنة 388 هـ.
7 - عبد السلام بن السمح بن نابل المتوفى سنة 387 هـ.
8 - فضل بن سعيد الكزني من أهل قرطبة المتوفى سنة 335 هـ.

(1/15)


9 - أبو بكر بن إسحاق بن منذر المتوفي سنة 367 هـ.
10 - أبو عبد الله محمد بن خراسان النحوي المتوفي سنة 386 هـ.
* وآخرون يضيق عن ذكرهم المقام وكلهم من البارزين الاعلام.
النحاس بحاثة ونقاد * مما سبق يتضح لنا أن الامام النحاس جهبذ من جهلابذة علماء اللغة ورائد من أكابر رواد العربية ألف كتابه (معاني القرآن الكريم) وعرض فيه أقوال العلماء والمفسرين عرضا دقيقا شاملا على منهج اللغة العربية فنراه يحكي في تفسيره أقوال بعض أئمة التفسير ويوجه منها السديد الصائب ويفند الضعيف الذي لا تعضده لغة العرب وحجته في ذلك أن القرآن نزل بأفصح لسان وأوضح بيان على أسلوب العرب في تخاطبهم وكلامهم فيجب فهمه على منهاج اللسان العربي الفصيح.
* ونجده يؤكد على هذا أشد التأكيد في مؤلفاته وكتبه فيقول في إعراب القرآن 1 / 258: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) قال أبو عبيدة: هو مخفوض على الجوار.
قال أبو جعفر - يعني النحاس - (لا يجوز أن يعرب شئ على الجوار في كتاب الله عزوجل وإنما الجوار غلط وإنما وقع في شئ شاذ وهو قولهم: (هذا جحر ضب خرب) والدليل أنه غلط قول العرب في التثنية: هذان جحرا ضب خربان ولا يحمل شئ من كتاب الله عز وجل على هذا ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها) .
* ويحكي النحاس أقوال الفراء أحيانا ويرد منها ما لا يتفق مع اللغة فقد

(1/16)


قال - عند قوله تعالى في سورة الصافات -: (فاقبلوا إليه يزفون) وقرئ (يزفون) بالتخفيف وأكثر أهل اللغة لا يعرفه وقرئ (يزفون) بضم الياء وأكثر أهل اللغة لا يعرفه أيضا.
* كما يوجه آراء المفسرين بما يتفق مع اللغة فيقول عند قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) بعد نقله آراء المفسرين: (وهذا الذي قاله مجاهد هو الذي تعرفه العرب يقع على القرع والبطيخ والحنظل وأنشد سيبويه: ورب هذا البلد المحرم * قواطنا مكة من ورق الحمي * كما ينقل آراء السلف فيؤيدها أو يفندها ويردها لانها تتوافق أو تتعارض مع اللغة العربية التي أنزل بها القرآن.
النحاس إمام محقق
* وباختصار فالامام النحاس إمام محقق يأتي بالحجج الناصعة والدلائل الواضحة على صحة ما يذهب إليه وأحيانا يخطئه الحظ فيرجح القول الضعيف من أقوال المفسرين وهذا دليل ضعف البشر إذ لا كمال إلا لله جل وعلا ولا عصمة إلا لانبيائه ورسله الكرام وقد ألف كتابه معاني القرآن الكريم قبل تأليف (إعراب القرآن) لذا وردت إحالات كثيرة في الاعراب عليه وقد يذكر ذلك صراحة فيقول: وقد ذكرناه أولا في كتابنا الاول (المعاني) وهذا أوضح دليل على أن كتابه (معاني القرآن) قد ألفه قبل كتابه الآخر (إعراب القرآن) .

(1/17)


شواهد من كلام النحاس في كتابيه الاعراب والمعاني * ومما يؤيد ما قلناه أن أبا جعفر النحاس بحاثة ونقاد وأنه متمكن في اللغة العربية ما ذكره في كتابه إعراب القرآن 1 / 296: * قال أبو جعفر: (ميسرة) أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد.
* و (ميسرة) وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مفعلة إلا حروف معدودة شاذة ليس منها شئ إلا يقال فيه مفعلة وإيضا فإن الهاء زائدة وليس في كلام العرب (مفعل) البتة وقراءة من قرأ (إلى ميسرة) لحن لا يجوز.
اه.
إعراب القرآن للنحاس 1 / 255.
* ويقول في الرد على الفراء في معانيه عند قوله تعالى (يرونهم مثليهم رأي العين) يحتمل (مثليهم) ثلاثة أمثالهم..إلخ.
يقول: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس إنا إنما نعقل مثل الشئ مساويا له ونعقل مثليه ما يساويه مرتين واللغة على خلاف ما قال الفراء.
* ويقول عند قوله تعالى في سورة البقرة آية رقم 214 ما نصه: (وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ؟ هذه قراءة أهل الحرمين وقرأ أهل الكوفة والحسن وأبو عمرو: (حتى يقول الرسول) (2) بالنصب وهو اختيار أبي عبيدة وله في ذلك حجتان:
__________
(1) الآية في سورة البقرة 288 وهي قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (2) قرأ نافع وحده (حتى يقول) بالرفع وقرأ الباقون (حتى يقول) نصبا وقد كان الكسائي يقرأها دهرا رفعا ثم رجع إلى النصب.
عن كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 181.
(*)

(1/18)


* إحدهما: عن أبي عمرو قال: (زلزلوا) فعل ماض و (يقول) فعل مستقبل فلما اختلفا كان الوجه النصب.
* والحجة الاخرى: حكاها عن الكسائي قال: إذا تطاول الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل.
* قال أبو جعفر: أما الحجة الاولى بأن (زلزلوا) ماضي و (يقول) مستقبل فشئ ليس فيه علة الرفع ولا النصب لان (حتى) ليست من حروف العطف في الافعال ولا هي البتة من عوامل الافعال وكأن هذه الحجة غلط.
* وحجة الكسائي بأن الفعل إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل..كلا حجة لانه لم يذكر العلة في النصب ولو كان الاول مستقبلا لكان السؤال بحاله ومذهب سيبويه في (حتى) أن النصب فيما بعدها من جهتين والرفع من جهتين تقول: (سرت حتى أدخلها) على أن السير والدخول جميعا قد مضيا أي سرت إلى أن أدخلها وهذا غاية وعليه قراءة من قرأ بالنصب.
* والوجه الآخر في النصب - في غير الآية - سرت حتى أدخلها أي كي أدخلها.
* والوجهان في الرفع (سرت حتى أدخلها) أي سرت فأدخلها وقد مضيا جميعا أي كنت سرت فدخلت ولا تعمل هاهنا بإضمار (أن) لان بعدها جملة كما قال الفرزدق: فيا عجبا حتى كليب تسبني * كأن أباها نهشل أو مجاشع

(1/19)


* فعلى هذه القراءة بالرفع وهي أبين وأصح معنى أي وزلزلوا حتى الرسول
يقول أي هذه حاله والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى.
اه.
إعراب القرآن 1 / 256.
آراؤه العلمية وانتقاداته الجريئة * مما يشير إلى إمامته وجلالة قدره وسعة باعه في علوم العربية أنه ينقد آراء علماء اللغة في بعض الاحيان فيصوب الصحيح ويخطئ الخطأ حتى ولو كان الذين ينتقدهم أساطين علماء اللغة كالفراء والاخفش وابن قتيبة والكسائي وغيرهم من العلماء الافذاذ.
(أ) انظر إليه وهو يخطئ الفراء في قوله تعالى في سورة السجدة: (وقالوا أئذا ضللنا في الارض (1)) قال: (وروي عن أبي رجاء وطلحة أنهما قرءا (أئذا ضللنا) وهي لغة شاذة وروى الفراء عن الحسن (أئذا صللنا) بالصاد وزعم أنها تروى عن علي بن أبي طالب ولا يعرف في اللغة (صللنا) ولكن يعرف (صللنا) يقال: صل اللحم وأصل وخم وأخم إذا أنتن) (2) إعراب القرآن 3 / 293.
(ب) وكذلك يخطئه في قوله تعالى في سورة المؤمن (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) (3) قال الفراء: ليس في القيامة غدو ولا عشي ولكن مقدار ذلك ... فيقول النحاس: قال أبو جعفر: التفسير على خلاف ما قال الفراء وذلك أن التفسير على أن
__________
(1) الآية رقم 10 من سورة السجدة.
(2) إعراب القرآن 3 / 293.
قال في الصحاح: خم اللحم يخم بالكسر: إذا أنتن.
(3 2) وتسمى سورة غافر الآية: 46.
(*)

(1/20)


هذا العرض إنما هو في أيام الدنيا والمعنى أيضا بين أنه على ذلك لانه قال جل وعز: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ثم دل على أن هذا قبل يوم القيامة بقوله: (ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب (1)) فدل على أن الاول بمنزلة عذاب القبر (2) .
(معاني النحاس) .
(ج) وفي قوله سبحانه في سورة فصلت: (قالتا أتينا طائعين (3)) لم يرتض قول الفراء: أتينا بمن فينا طائعين قال: والاحسن في هذا - وهو مذهب جلة النحويين - أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل جاء فيها بما يكون من يعقل كما قال تعالى: (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (4)) فأما الكسائي فأجاز في كل شئ أن يجمع بالواو والنون وبالياء والنون قال: وهذا لا يعرج عليه (5) .
(معاني النحاس) .
(د) كما نراه يرجح بين أقوال السلف بما يتفق مع قواعد اللغة العربية..انظر إليه وهو ينقل آراء السلف في قوله سبحانه (ريحا صرصرا في أيام نحسات (6)) فيقول: قال مجاهد: (صرصرا) شديدة السموم وقال قتادة: باردة.
وقول قتادة أبين وكذا قال عطاء لان (صرصرا) مأخوذ من صبر والصبر في كلام العرب: البرد كما قال الشاعر:
__________
(1) سورة غافر الآية: 46.
(2) معاني القرآن الكريم للنحاس سورة غافر وتسمى أيضا سورة المؤمن.
(3) الآية رقم 10 من سورة فصلت.
(6) سورة فصلت الآية: 16.
(4) سورة يوسف الآية: 4.
(5) معاني القرآن الكريم سورة فصلت.
(*)

(1/21)


لها غدر كقرون النسا * ء ركبن في يوم ريح وصبر قال: وليس القولان بمتناقضين لانه يروي أنها كانت ريحا باردة تحرق كما تحرق النار.
وقال أبو عبيدة: (صرصر) : شديدة الصوت عاصف (1) .
(معاني النحاس) .
(هـ) كذلك يخطئ أبو جعفر ابن قتيبة - وهو من كبار علماء اللغة - في تفسير آية في سورة الشورى وهي قوله عزوجل: (يدرؤكم فيه) (2) حيث قال ابن قتيبة: يذرؤكم فيه أي في الزوج..قال أبو جعفر: كأن المعنى عنده يخلقكم في بطون الاناث ويكون قوله (فيه) أي في الرحم قال: وهذا خطأ لان الرحم مؤنثة ولم يجر لها ذكر.
والمعنى: أي يخلقكم ويكثركم في الجعل - أي بسبب التوالد - لانه لما قال: (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) دل على الجعل كما يقال: من كذب كان شرا يعني الكذب (3) ..إلخ (معاني النحاس) .
(و) كما نراه ينتقد الفراء في قوله سبحانه في سورة الشورى: (ومن آياته خلق السموات والارض وما بث فيهما) (4) حيث يقول: قال الفراء: أراد بث في الارض دون السماء كما قال سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) (5) وإنما يخرج من الملح دون
__________
(1) نفس المرجع السابق سورة فصلت.
(2) الآية رقم 11 من سورة الشورى.
(3) نفس المرجع السابق سورة الشورى.
(4) الآية رقم 29 من سورة الشورى.
(5) سورة الرحمن الآية: 22.
(*)

(1/22)


العذب..ولا يكتفي بانتقاده بل يقول: هذا غلط ويروي أبو جعفر عن مجاهد ما يدل على خطأ قول الفراء فيقول: روي عن مجاهد (وما بث فيهما من دابة) (1) يريد الناس والملائكة يعني وما نشر وفرق في الارض من الناس وفي السماء من الملائكة ويعقب على ذلك بقوله: وهذا قول حسن لانه يقال لكل حي دابة من دب فهو داب والهاء للمبالغة كما يقال: راوية وعلامة (2) .
* ولو أردنا أن نستقصي ما انتقده النحاس وخطأ به آراء من سبقه من علماء اللغة وأهل التفسير لطال بنا الحديث ولكن ضربنا بعض الامثلة كنموذج على إمامته في اللغة ومعرفته بالغث والسمين من أقوال المفسرين فهو يصوب ويخطئ ويدلل ويعلل لما يراه الارجح من الاقوال وهذا يدل على أن أبا جعفر النحاس ذو باع طويل في علوم العربية وعلى أنه ناقد متمكن وبحاثة قدير جمع بين علوم اللغة وعلوم الدين وعلى أنه إمام من أئمة الادب وأئمة التفسير كما قال عنه الحافظ ابن كثير.
وقد اعتمد على كتابه (معاني القرآن الكريم) الامام القرطبي في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) كما يراه القارئ الكريم مما ساعدنا في تحقيق المخطوطة الوحيدة.
مؤلفات النحاس
* وللامام أبي جعفر النحاس مؤلفات كثيرة ومصنفات شهيرة في مختلف
__________
(1) سورة الشورى الآية: 29.
(2) معاني القرآن الكريم سورة الشورى.
(*)

(1/23)


أنواع المعرفة تزيد على خمسين مصنفا كما ذكره ياقوت في معجم الادباء 4 / 228 حيث قال: (وأبو جعفر النحاس صاحب الفضل الشائع والعلم المتعارف الذائع يستغني بشهرته عن الاطناب في صفته قال الزبيدي عنه: (ولم تكن له مشاهدة فإذا خلا بقلمه جود وأحسن وكان لا يتكبر أن يسأل أهل النظر والفقه ويفاتشهم عما أشكل عليه في تصانيفه) (1) .
* ثم قال ياقوت: (وصنف كتبا حسانا مفيدة - وسمعت من يحكي أن تصانيفه تزيد على الخمسين مصنفا - منها:
1 - كتاب الانوار.
2 - كتاب الاشتقاق لاسماء الله عز وجل.
3 - كتاب معاني القرآن الكريم وهو هذا التفسير الذي نقوم بتحقيقه
4 - كتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سماه (المقنع) .
5 - كتاب أخبار الشعراء.
6 - كتاب أدب الكتاب
7 - كتاب الناسخ والمنسوخ.
8 - كتاب الكافي في النحو.
9 - كتاب صناعة الكتاب.
10 - كتاب إعراب القرآن.
__________
(1) انظر كتاب (طبقات النحويين واللغويين) لابي بكر الزبيدي الاندلسي صفحة (220) ومراده بقوله: (ولم يكن له مشاهدة فإذا خلا بقلمه جود وأحسن) أن قلمه أحسن من لسانه.
(*)

(1/24)


11 - كتاب شرح السبع الطوال.
12 - كتاب شرح أبيات سيبويه.
13 - كتاب الاشتقاق.
14 - كتاب معاني الشعر.
15 - كتاب التفاحة في النحو.
16 - كتاب أدب الملوك.
* - وأبو جعفر من أهل مصر رحل إلى بغداد فأخذ عن المبرد والاخفش علي بن سليمان ونفطويه والزجاج وغيرهم ثم عاد إلى مصر فأقام بها إلى أن مات) (1) .
وفاة الامام النحاس
* توفي أبو جعفر النحاس بحادثة عجيبة غريبة لا تكاد تصدق ذكرها المترجمون لحياته الذين تحدثوا عنه في كتبهم ومؤلفاتهم وهي (أن أبا جعفر النحاس خرج ذات يوم من بيته وقصد نهر النيل ليستنشق الهواء العليل ويروح عن نفسه وجلس على درج المقياس على شاطئ النيل - وهو في أيام زيادته - وأخذ يقطع بالعروض شيئا من الشعر (مستفعلن فاعلن فاعلاتن) يريد وزن الشعر ومعرفة بحوره فمر به بدوي أحمق فسمعه يقول كلاما غير مفهوم فقال: هذا الرجل ساحر
يسحر النيل حتى لا يزيد ماؤه فتغلوا الاسعار فجاءه من خلفه ورفسه برجله فسقط في النهر فغرق ولم يعثر له على خبر) .
__________
(1) انظر معجم الادباء 4 / 224 - 228.
(*)

(1/25)


* وتكاد تجمع الروايات أن هذه القصة هي سبب وفاته.
* رحم الله الامام النحاس رحمة واسعة فقد ذهب شهيد علم العروض.
وقاتل الله الجهل فهو سبب نكبة وبلاء العلماء (1) .
* وكانت وفاته رحمه الله سنة 338 هـ ثمان وثاثين وثلاثمائة من هجرة سيد المرسلين.
ثناء العلماء عليه * أثنى على الامام النحاس علماء فطاحل عرفوا قدره وفضله وأشادوا بمآثره ومناقبه فقد قال عنه الامام الذهبي: العلامة أبو جعفر إمام العربية كان ينظر في زمانه بابن الانباري وبنفطويه للمصريين.
* - وقال عنه الحافظ ابن كثير: هو الامام اللغوي المفسر الاديب له مصنفات كثيرة ومفيدة في التفسير وغيره لقي أصحاب المبرد سمع الحديث عن النسائي وانتفع الناس به وبعلومه.
* وقال عنه الزبيدي: كان واسع العلم غزير الرواية كثير التأليف وإذا خلا بقلمه جود وأحسن وله كتب في القرآن مفيدة وكان لا يتكبر أن يسأل الفقهاء وأهل النظر عما أشكل عليه في تأليفاته.
* رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
__________
(1) ذكر هذه الحادثة ابن خلكان في وفيات الاعيان 1 / 100 والذهبي في سير أعلام النبلاء 15 / 402 وابن كثير في البداية والنهاية 11 / 222 وأحمد زاده في مفتاح السعادة 2 / 83
والصفدي في كتابه الوافي بالوفيات 7 / 362.
(*)

(1/26)


المخطوطة وحيدة
* والمخطوطة التي بين أيدينا هي المخطوطة الوحيدة التي أمكن العثور عليها في معاني القرآن للامام النحاس في التفسير إذ لا يوجد - حسب علمنا واطلاعنا - نسخة أخرى لهذه المخطوطة فهي من نوادر المخطوطات وهي نسخة ملفقة أيضا قسم منها قد صور من دار الكتب المصرية بالقاهرة برقم 385 وهي النصف الاول من تفسير القرآن الكريم إلى نهاية سورة مريم وفيها نقص لبعض الآيات من سورة البقرة كما في بعض اللوحات طمس وخروم ولكنها - بحمد الله - قليلة وخطها قديم مقروء وعدد أوراقها 238 مزدوجة ومتوسط عدد السطور فيها (23) سطرا وعدد كلمات كل سطر في حدود خمس عشرة كلمة.
* إما النصف الثاني من التفسير فقد صور من مخطوطة وحيدة أيضا بمكتبة كوبريلي بتركيا وهي تبدأ من أول سورة الحج إلى نهاية سورة الاحقاف وقد كتبت بخط نفيس ممتاز في غاية الوضوح والجمال تدل على عناية فائقة بكتاب الله العزيز في عهد السلاطين والخلفاء العثمانيين وقد لاقينا كثيرا من المتاعب والمصاعب في القسم الاول من المخطوطة بشكل خاص وفي الكتاب بشكل عام بسبب أنها المخطوطة الوحيدة التي بين أيدينا ولكن الله عزوجل أعاننا - بفض منه وإنعام - على تذليل الصعاب ومعرفة أماكن الخطأ بكثرة المراجع التي بين أيدينا والاهتداء إلى أماكن الصواب فيها رحم الله الامام أبا جعفر النحاس رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته بما قدم من خدمة جليلة لكتاب الله العزيز وبما أسدى للامة الاسلامية من معارف وعلوم وجمعنا وإياه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

(1/27)


عملنا في هذه المخطوطة
* سلكنا في تحقيق هذه المخطوطة الفريدة الطرق الآتية: * أولا: التثبت من أقوال السلف بالرجوع إلى أمهات كتب التفسير كالطبري والقرطبي وابن كثير والدر المنثور وغيرها من كتب التفسير التي تزيد على ستة عشر مرجعا.
* - ثانيا: تخريج الاحاديث الشريفة التي أوردها المصنف فقد عملنا على تخريجها من مصادرها في الكتب الستة وغيرها وبينا وجه التوافق والتطابق بين لفظ المصنف وبين الروايات الثابتة التي ذكرها المحدثون فقد يورد الشيخ الحديث باللفظ، وقد يورده بالمعنى فنذكر ذلك مع بيان درجة الحديث الشريف.
* ثالثا: الاشعار التي استشهد بها المصنف رجعنا إلى دوادين الشعر وذكرنا قائلها والمحال التي ذكرت فيها والكتب التي ذكرت فيها هذه الاشعار كشواهد.
* رابعا: بالنسبة لاقوال أئمة اللغة كالزجاج والفراء والاخفش في تفسير الآيات الكريمة فقد رجعنا إلى كتبهم التي نقل الامام النحاس عنها وأشرنا إلى الاجزاء ورقم الصفحات فيها وبالنبسة للمعاني اللغوية رجعنا إلى قواميس اللغة كاللسان والصحاح وتهذيب اللغة والقاموس المحيط وتاج العروس..وغيرها.
* خامسا: وضعنا بعض التعليقات الضرورية على بعض الاقوال التي ذكرها
المصنف تأييدا أو تفنيدا فقد يذكر المصنف رأيا ضعيفا لابد من

(1/28)


مناقشته فيه وتبيين الوجه الصحيح كما أورد عن مجاهد أن (القردة والخنازير) مسخ من بني إسرائيل وهذا قول غير صحيح ويعارض ما ورد في الاحاديث الصحيحة.
* سادسا: وضعنا على الهامش الجانبي أرقاما للآيات الكريمة التي تناولها المصنف بالدراسة تسهيلا على القارئ كما قمنا بترقيم الآيات حسب المصحف الشريف.
* وهناك وجوه أخرى يراها القارئ الالمعي بثاقب بصره مما في هذا التحقيق من جهد لا يكتشفه إلا من مارس عمل التحقيق بعلم وأمانة والله ولي التوفيق.
شكر ... وثناء * ولا يفوتني وأنا أقدم هذا المخطوط النفيس أن أنوه بالجهد المشكور الذي توليه الجامعة لهذا المعهد الفتي (معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي) من عناية فائقة ورعاية خاصة وقد تولى عمادته الاخ الشاب الطموح الدكتور حمزة الفعر الذي يولي المعهد كل اهتمام وتشجيع للوصول به إلى الغاية المنشودة.
* - كما نشكر الاخ الكريم الدكتور مصطفى عبد الواحد الذي تولى رئاسة مركز إحياء التراث الاسلامي على جهوده في خدمة المركز ورفع مستواه وحرصه على إخراج تلك الكنوز الدفينة إلى عالم الوجود من آثار سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فإن العناية بالتراث الاسلامي من أوجب الواجبات في هذا الزمان.

(1/29)


* ولا أنسى أن أخص أخي الدكتور (عبد الرحمن العثيمين) مدير المركز السابق الذي دلني على هذا المخطوط وشجعني على تحقيقه وكان له الفضل في ظهور هذا الكتاب حيث خصني بالمخطوطة النادرة التي كان يمتلكها لنفسه وهي مخطوطة تركيا التي أكملت القسم الاخير من الكتاب الموجود في المركز وهي المخطوطة المصورة من دار الكتب المصرية بالقاهرة فله جزيل الشكر والثناء.
* وفي الختام نتقدم لجميع العاملين في الجامعة بالشكر الجزيل والثناء العاطر لرعايتهم لهذا المعهد الفني الذي يسعى لاحياء تراثنا الاسلامي وعلى رأس العاملين معالي مدير الجامعة الاخ الدكتور راشد الراجح الذي سعى لتوحيد المراكز العلمية بالجامعة في هذا المعهد الكبير.
* والله نسأل أن يبارك في جهود العاملين المخلصين وأن يوفقنا جميعا لما فيه خدمة العلم والدين ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه هو البر الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

وكتبه خادم الكتاب والسنة
الشيخ محمد علي الصابوني
مكة المكرمة - جامعة أم القرى

(1/30)


مراجع ترجمة النحاس
1 - وفيات الاعيان لابن خلكان 1 / 99
2 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 2 / 346 3 - سير أعلام النبلاء للذهبي 15 / 401 4 - الوافي بالوفيات للصفدي 7 / 362 5 - إنباه الرواة للقفطي 1 / 102 6 - معجم الادباء لياقوت 4 / 224 7 - النجوم الزاهرة للاتابكي 3 / 300 8 - حسن المحاضرة للسيوطي 1 / 306 9 - نزهة الالباء للانباري 218 10 - البداية والنهاية لابن كثير 11 / 222 11 - بغية الوعاة للسيوطي 1 / 362 12 - طبقات النحويين للاندلسي 220 13 - مفتاح السعادة كبري زادة 2 / 83 14 - اللباب في تهذيب الانساب للجزري 3 / 300 15 - الاعلام للزركلي 1 / 199 16 - إعراب القرآن تحقيق زهير زاهر 1 / 11 17 - الانساب للسمعاني 13 / 44

(1/31)


صورة عن لوحة غلاف نسخة دار الكتب المصرية برقم 385 تفسير

(1/33)


صورة عن اللوحة الاولى لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير وفيها طمس لبعض الكلمات

(1/34)


صورة عن اللوحة الثانية لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير

(1/35)


صورة عن اللوحة الاخيرة لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير

(1/36)


صورة عن اللوحة الثانية لنسخة مكتبة أورخان غازي رقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس

(1/37)


صورة عن اللوحة الاولى لنسخة مكتبة أورخان غازي رقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس

(1/38)


صورة عن لوحة رقم 266 لنسخة أورخان غازي بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس وهي نسخة وحيدة

(1/39)


صورة من اللوحة الاخيرة نسخة أورخان غازي برقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس وقد كتب على هامش الصفحة الاخيرة: جعل وقفا لمكتبة أورخان غازي

(1/40)


بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
مقدمة
اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحوي المعروف بالنحاس قال الحمدلله الذي من علينا بهدايته واستنقذنا حديث من الضلاله بشريعته وأرشدنا الى سبيل النجاه بنبيه صلى الله عليه وسلم ووفقنا لنتهاج عند سبيله المرتضى وعلمنا ما لم نكن نعلم من كتابه الذي جعله فرقا بين الحق والباطل أذل به الجاحدين عند عجزهم عن الآتيان بسورة مثله وجعله الشفاء والحجة على خلقه بما بين فيه فقال جل وعز بلسان عربي مبين وقال قرآن عربيا غير ذي عوج وقال هذا كتاب مصدق لسانا عربيا

(1/41)


فدل على ان معانيه إنما وردت من اللغة العربية لأنه وقال صلى الله عليه وسلم أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذي يقراء القرآن ولأ يحسن أخبرنا تفسيره كالاعرابي يهذ الشعر هذا فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني والغريب واحكام القرآن والناسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمة واذكر من قول الجله من العلماء باللغه واهل النظر ما حضرني وابين من تصريف الكلمه واشتقاقها ان علمت ذلك واتي من القراءات بما يحتاج الى تفسير معناه وما احتاج

(1/42)


إليه المعنى من يا الاعراب وبما احتج به العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون وابين ما فيه حذف أو اختصار أو اطاله لافهامه لو وما كان فيه تقديما أو تأخير واشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم وينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق الله وتسديده فاول ذلك

(1/43)