معاني القرآن للنحاس

تفسير سورة آل عمران

مدنية وآياتها مائتا آية

(1/337)


سورة آل عمران قال ابن عباس نزلت بالمدينة 1 - من ذلك قوله عز وجل الم الله لا اله الا هو الحي القيوم روي عن ابن عباس الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا يزول قال مجاهد القيوم القائم على كل شئ أي القائم على تدبير كل شئ من رزق وحياة وموت وقد شرحناه باكثر من هذا ومعنى الم في سورة البقرة

(1/339)


حدثنا احمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا ابراهيم بن العلاء قال حدثنا شعيب بن اسحاق قال حدثنا هارون عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله الا هو الحي القيوم فقرأ في ركعة بمائة آية وفي الثانية بالمائة الباقية
وسنذكر الاصل في الاعراب ان شاء الله 2 - ثم قال تعالى نزل عليك الكتاب بالحق قال ابن كيسان فيه وجهان أي الزمك ذلك باستحقاقه اياه عليك وعلى خلقه قال ويكون بالحق أي بما حق في كتبه من انزاله عليك

(1/340)


وكان هذا أوضح لقوله مصدقا أي في حال تصديقه لما قبله من الكتب وما عبد الله به خلقه من طاعته قال مجاهد لما بين يديه لما قبله من كتاب أو رسول 3 - ثم قال تعالى وأنزل التوراة والانجيل منقبل هدى للناس أي من قبل القرآن والتوراة من ورى ووريت فقيل توراة أي ضياء ونور قال البصريون توراة أصلها فوعلة مثل حوقلة

(1/341)


ومصدر فوعلت فوعلة والاصل عندهم وورية فقلبت الواو الاولى تاء كما قلبت في تولج وهو فوعل من ولجت وفي قولهم تالله وقلبت الياء اخيرة الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وقال الكوفيون توراة يصلح ان تكون تفعلة وتفعلة قلبت الى تفعلة ولا يجوز عند البصرين في توقيه توقوة عنه ولا يكاد يوجد في الكلام تفعلة الا شاذا وانجيل من نجلت الشئ أي أخرجته فانجيل إن خرج به دارس من الحق ومنه قيل لواحد الرجل نجله كما قال

(1/342)


* الى معشر لم يورث اللؤم جدهم * اصاغرهم وكل فحل له نجل * قال ابن كيسان انجيل افعيل من النجل ويقال نجلة أبوه أي جاء به ويقال نجلت الكلاء بالمنجل وعين نجلاء واسعة وكذا طعنة نجلاء وجمع الانجيل أناجيل وجمع التوراة توار 4 - ثم قال تعالى وانزل الفرقان أي الفارق بين الحق والباطل كما قال بعض المفسرين كل كتاب له فرقان والله عزيز أي ذل له كل شئ بأثر صنعته فيه ذو انتقام أي ممن كفر به

(1/343)


5 - ثم قال تعالى هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء أي من احسن وقبح وتمام ونقصان وله في كل ذلك حكمة 6 - وقوله جل وعز هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات
محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات روي عن ابن عباس المحكمات الثلاث الآيات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم الى ثلاث آيات والتي في بني اسرائيل وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه قال والمتشابه ما تشابه عليهم نحو الم والمر وقال يحيى بن يعمر المحكمات الفرائض والامر والنهي وهن عماد الدين وعماد كل شئ أمة

(1/344)


وقال مجاهد وعكرمة نحوا من هذا قالا ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك فهو متشابه يصدق بعضه بعضا وقال قتادة نحوه قال المحكم ما يعمل به وقال الضحاك المحكمات الناسخات والمتشابهات المنسوخات وقال ابن عباس كل من عند ربنا يعني ما نسخ وما لم ينسخ قال ابن كيسان احكامها بيانها وايضاحها وقد يكون ايجابها والزامها وقد يكون انها لا تحتمل الا معاني الفاظها ولا يضل أحد في تأويلها ويجمع ذلك ان كل محكم تام الصنعة وقد يكون الاحكام ها هنا المنع من احتمال التأويلات ومنه سميت حكمة الدابة

(1/345)


لمنعها اياها قال متشابهات يحتمل ان يشبه اللفظ اللفظ ويختلف المعنى أو يشتبه المعنيان ويختلف اللفظ أو يشتيه الفعل من الامر والنهي فيكون هذا نحو الناسخ والمنسوخ وقيل المتشابهات ما كان نحو قوله تعالى ثلاثة قروء وأجمع هذه الاقوال ان المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج الى استدلال والمتشابه ما لم يقم بنفسه واحتاج الى استدلال 7 - وقال الله عز وجل منه ايات محكمات وقد قال كتاب أحكمت آياته وقال واخر متشابهات وقد قال كتابا متشابها فالجواب ان معنى احكمت آياته جعلت كاها إلا محكمة ثم فصلت فكان بعضها أم

(1/346)


الكتاب وليس قوله منه آيات محكمات بمزيل الحكمة عن المتشابهات وكذا كتابا متشابها وليس قوله واخر متشابهات بمزيل عن المحكمات ان تكون متشابهات في باب الحكمة بل جملته إذا كان محكما لاحقة لجميع ما فصل منه وكتابا متشابها أي متشابها في الحكمة لا يختلف بعضه مع بعض كما قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقد بينا معنى ومنه آيات محكمات بأقاويل العلماء فيه وهذا معنى قول ابن عباس انها ما أوجب الله على عباده من
أحكامه اللازمة التي لم يلحقها تغير ولا تبديل وقد يكون المحكم ما كان خبرا لانه لا يلحقه نسخ والمتشابه الناسخ والمنسوخ لانهم لا يعلمون منتهى ما يصيرون إليه

(1/347)


منه وفي كل ذلك حكمة وبعضه يشبه بعصا في الحكمة وقال تعالى هن ام الكتاب ولم يقل امهات قال الاخفش هذا حكاية قال الفراء هن ام الكتاب لان معناهن شئ واحد قال ابن كيسان وأحسب الاخفش اراد هذا أي هن الشئ الذي يقال هو ام الكتاب أي كل واحدة منهن يقال لها أم الكتاب كما تقول أصحابك علي اسد ضار أي واحد كاسد ضار لانهم جروا مجرى شئ واحد في الفعل ومنه وجعلنا ابن مريم وامه آية لان شانهما واحد

(1/348)


في انها جاءت به من غير ذكر وانه لااب فيه له فلم تكن الآية ة لها صلى الا به ولا له الا بها ولم يرد ان يفصله منها فيقول آيتين وكذلك هن ام الكتاب انما جعاهن وقال شيئا واحدا في الحكمة والبيان فذلك الشئ هو ام الكتاب 8 - ثم قال تعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه روى أيوب عن ابن ابي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما الذين في قلوبهم زيغ فيبتبعون أنه ما تشابه منه قال فإذا رأيتم
الذين يجادلون فيه فهم اؤلئك فاحذروهم قال ابن عباس هم الخوارج وقال أبو غالب قال أبو أمامة الباهلي ورأى رؤوسا

(1/349)


من رؤوس الخوارج فقرأ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ثم قال هم هؤلاء فقلت يا ابا أمامة أشيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيئا قلته من رأيك فقال أني إذا لجرئ يقولها ثلاثا بل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث قال مجاهد الزيغ الشك وابتغاء الفتنة الشبهات وقيل افساد ذات البين وقد ذكرنا تصرف الفتنة والتأويل من قولهم آل الامر الى كذا

(1/350)


الى صار إليه وأولته تأويلا صيرته إليه قيل الفرق بين التأويل والتفسير ان التفسير نحو قول العلماء الريب الشك والتاويل نحو قول ابن عباس الجد أب وتامل قول الله يا بني آدم 9 - ثم قال تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به في هذه الآية اختلاف كثير منه ان التمام عند قوله لا الله وهذا قول الكسائي
والاخفش والفراء وابي عبيدة وابي حاتم ويحتج في ذلك بما روى طاووس عن ابن عباس انه قرأ وما يعلم تأويله الا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به

(1/351)


وقال عمر بن عبد العزيز انتهى علم الراسخين في العلم الى ان قالوا آمنا به قال ابن كيسان التأويل في كلام العرب ما يؤول إليه معنى الكلام فتاويله ما يرجع إليه معناه وما يستقر عليه الامر في ذلك المشتيه هل ينجح ام لا فالكلام عندي منقطع على هذا والمعنى والثابتون وهو في العم المنتهون الى ما يحاط به منه مما اباح الله خلقه بلوغة يقولون آمنا به على التسليم والتصديق به وان لم ينتهوا الى علم ما يوؤل صلى الله عليه وسلم إليه أمره ودل على هذا كل من عند ربنا أي المحكم والمتشابه فلو كان كله عندهم سواء لكان كله محكما ولم ينسب شئ منه ألى المتشابه

(1/352)


قال أبو جعفر وهذا قول حسن واكنه على قول من قال المحكم الذي لا ينسخ نحو الاخبار ودعاء العباد الى التوحيد والمتشابه ما يحتمل النسخ من الفرائض لم يكن الى العباد علم تأويله وما يثبت عليه ومن جعل تأويله بمعنى تفسيره لانه ما يؤول إليه معنى
الكلام فالراسخون في العلم عنده يعلمون تأويله كما روى ابن نجيج عن مجاهد الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به قال مجاهد قال ابن عباس أنا ممن يعلم تأويله

(1/353)


قال أبو جعفر والقول الاول وان كان حسنا فهذا أبين منه لان واو العطف الاولى بها ان تدخل الثاني فيما دخل فيه الاول حتى يقع دليل بخلافة وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم فدل على انهم يعلمون تأويله وقد قال جل وعز أفلا يتدبرون القرآن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دعا لابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل

(1/354)


وقال أبو اسحاق معنى ابتغائهم تأويله انهم طلبوا تأويل بعثهم واحيائهم إذا فاعلم الله عز وجل ان تأويل ذلك ووقته لا يعلمه الا الله قال والدليل على ذلك قوله هل ينظرون الا تأويله يوم ياتي تأويله أي يوم يرون ما وعدوا به من البعث والنشور والعذاب يقول الذين نسوه أي تركوه قد جاءت رسل ربنا بالحق أي قد رأينا تأويل ما انبأتنا به الرسل
قال والوقف التام وما يعلم تأويله الا الله أي يعلم احد متى البعث غير الله 10 - وقوله جل وعز ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي لا تبتلينا بما نزيغ به أي يقولون هذا ويجوز ان يكون المعنى قل يا محمد

(1/355)


ويقال أزاغة القلب فساد وميل عن الدين أو كانوا يخافون وقد هدوا ان ينقلهم الله الى الفساد فالجواب ان يكونوا سألوا إذ هداهم الله ان لا يبتليهم فقال بما يثقل عليهم من الاعمال فيعجزوا عنه نحو ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم قال ابن كيسان سألوا ان لا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم نحو فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم أي ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا وان لا نزيغ فنستحق ان تزيغ قلوبنا قال وفيها جواب اخر انه جل وعز الذي من عليهم بالهداية وعرفهم ذلك فسألوه ان يدوموا على ما هم عليه وان يمدهم منه بالمعونة وان لا يلجئهم الى انفسهم وقد ابتداهم

(1/356)


بفضله فتزيغ قلوبهم وذلك مضاف إليه جل وعز لانه إذا تركهم ولم يتول هدايتهم ضلوا فكان سبب ذلك تخليته اياهم قال وقول جامع القلوب لله جل وعز يصرفها كبف يشاء
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك 11 - وقوله عز وجل ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد قال ابن كيسان لا ريب فيه أي دليله قائم في أنفس

(1/357)


العباد وان جحدوا به لاقرارهم بالحياة الاولى ولم يكونوا قبلها شيئا فإذا عرفوا الاعادة فهي لهم لازمة بان يقروا بها وان لا يشكوا فيها لان انشاء ما لم يكن مبين بان المنشء على الاعادة قادر ومن حسن ما قيل فيه ان يوم القيامة لا ريب فيه لانهم إذا شاهدوه وعاينوا ما وعدوا فيه لم يجز ان يداخلهم ريب فيه 12 - ثم قال جل وعز ان الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا اولادهم من الله شيئا وذلك ان قوما قالوا شغلتنا أموالنا واهلونا 13 - ثم قال تعالى وأولئك هم وقود النار أي هم بمنزلة الحطب في النار

(1/358)


14 - ثم قال تعالى كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فاخذهم الله بذنوبهم قال الضحاك كفعل آل فرعون قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ويقال دأب يدأب إذا اجتهد في فعله فيجوز ان تكون الكاف معلقة
بقوله وقود النار أي عذبوا تعذيبا كما عذب آل فرعون وتجوز ان تكون معلقة بقوله لن تغني عنهم ويجوز ان تكون معلقة بقوله فأخذهم الله بذنوبهم قال ابن كيسان ويحتمل على بعد ان تكون معلقة بكذبوا ويكون في كذبوا ضمير الكافرين لا ضمير آل فرعون

(1/359)


قال أبو اسحاق المعنى اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون والكاف في موضع رفع أي دابهم مثل دأب آل فرعون 15 - ثم قال جل وعز قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد قال ابن كيسان ستغلبون أي قل لهم هذا وبالياء لانهم في وقت الخطاب غيب ويحتمل ان يكون الذين أمره ان يبلغهم غير المغلوبين وقد قيل انه امر ان يقول لليهود سيغلب المشركون

(1/360)


16 - ثم قال عز وجل قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم راي العين والمعنى قد كان لكم علامة من اعلام النبي صلى الله عليه وسلم لانه أنباهم بما لم يكن والفئة الفرقة من قولهم فأوت رأسه بالسيف وفأيته
أي فلقته قرأ أبو عبد الرحمن ترونهم مثليهم بضم التاء وروى علي ابن ابي طلحة يرونهم بضم الياء وروى ابن نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز قد كان

(1/361)


لكم أية في فئتين التقتا قال محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه ومشركوا بدر وأنكر أبو عمرو ان يقرأ ترونهم بالتاء قال ولو كان كذلك لكان مثليكم قال أبو جعفر وذا لا يلزم ولكن يجوز ان يكون مثلي أصحابكم قال ابن كيسان الهاء والميم في ترونهم عائدة الى وأخرى كافرة والهاء والميم في مثليهم عائدة الى فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الاضمار الذي يدل عليه سياق الكلام وهو قوله والله يؤيد بنصره من يشاء فدل عل ان الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد قال والرؤية ها هنا لليهود

(1/362)


قال ومن قال يرونهم بالياء جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم وكان المسلمون يوم بدر ثلثمائة واربعة عشر والمشركون تسع مائة وخمسين فاري المسلمون المشركين ضعفهم
وقد وعدوهم ان الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين فكانت تلك آية ان يرة اأي الشئ على خلاف صورته كما قال تعالى وإذا يريكموهم إذ التقيم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا قال أبو اسحاق ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن

(1/363)


اراد الانتقام منه والانعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته قال الفراء يحتمل مثليهم ثلاثة امثالهم قال أبو اسحاق وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقايس لانا أنما نعقل مثل الشئ مساويا له ونعقل مثليه ما يساوي مرتين قال ابن كيسان الازدي كيف يقع المثلان موقع ثلاثة امثال الا اني أحسبه جعل ترونهم راجعة الى الكل ثم جعل المثلين مضافا الى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين أي يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين

(1/364)


قال والراءون ثنا هاهنا اليهود وقد بين الفراء قوله بان قول كما تقول وعندك عبد أحتاج الى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة وكذلك عنده إذا قلت معي درهم واحتاج الى مثليه فأنت تحتاج الى ثلاثة مثليه والدرهم لانك لا تريد ان يذهب الدرهم
والمعنى يدل على خلاف ما قال وكذلك اللغة فانهم إذا رأوهم على هيأتهم فليس في هذه آية واللغة على خلاف هذا لانه قد عرف بالتميز معنى المثل والذي اوقع الفرأ في هذا ان المشركين كانوا ثلاثة امثال المؤمنين يوم بدر فتوهم ان لا يجوز ان يكونوا يرونهم الا على عادتهم فتأول انك إذا قلت عندي درهم واحتاج الى مثله والدرهم بحاله فقد صرت تحتاج الى درهمين وهذا بين وليس المعنى عليه وانها اراهم الله اياهم على غير عدتهم لجهتين

(1/365)


احدهما انه راى الصلاح في ذلك لان المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك والاخرى انه آيه للنبي صلى الله عليه وسلم 17 - وقوله جل وعز زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة قيل لما كانت معجبة كانت كأنها قد زينت وقيل زينها الشيطان

(1/366)


والقناطير المقنطرة القنطار في كلام العرب الشئ الكثير مأخوذ من عقد الشئ واحكامه والقنطرة من ذلك ومقنطرة به أي مكملة كما تقول الاف مؤلفة 18 - ثم قال جل وعز والخيل المسمومة والانعام والحرث الخيل المسمومة قال مجاهد الحسنة
وقال سعيد بن جبير الراعية وقال أبو عبيدة والكسائي قد تكون مسموة المعلمة قال أبو جعفر قول مجاهد حسن من قولهم رجل وسيم وقول سعيد بن جبير لا يمتنع من قولهم سامت تسوم وأسمتها وسومتها أي رعيتها وقد تكون راعية حسانا معلمة لتعرف من غيرها وقال أبو زيد أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة

(1/367)


أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى والانعام الابل والبقر والغنم والحرث الزرع وقوله تعالى والله عنده حسن المآب أي المرجع 19 - ثم قال عز وجل للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهرة وازواج مطهرة أي من الادناس والحيض 20 - ثم قال تعالى الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار قيل الصابرون الصائمون ويقال في شهر رمضان شهر الصبر والصحيح ان الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي

(1/368)


والقانتون لله المصلون والنفقون هذا المتصدقون 21 - ثم قال جل وعز شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولو
العلم قال أبو عبيدة شهد معناه قضى أي أعلم قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وحقيقة هذا ان الشاهد هو الذي يعلم الشئ ويبنيه فقد دلنا الله عز وجل بما خلق وبين على وحدانيته وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله انه لا اله الا هو وفي قوله سبحانه ان الدين عند الله الاسلام

(1/369)


قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير على هذه القراءة ان الدين عند الله الاسلام بانه لا اله الا هو ثم حذفت الباء وانشد سيبويه * أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب * المعنى أي امرتك بالخير قال الكسائي انصبهما جميعا بمعنى شهد الله انه كذا وان الدين عند الله الاسلام ويكون ايضا بمعنى شهد الله انه لا اله الا هو ان الدين عند الله الاسلام قال ابن كيسان ان الثانية بدل من الاولى لان الاسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي شهد الله انه لا اله

(1/370)


الا هو
وقرأ ان الدين عند الله الاسلام والتقدير على هذه القرأة شهد الله ان الدين الاسلام ثم ابتدأ فقال انه لا اله الا هو وروي عن محارب ابن دثار عن عمه ابي المهلب انه قرأ وكان قارئا شهداء لله وقوله تعالى قائما بالقسط يعني بالعدل 22 - ثم قال جل وعز ان الدين عند الله الاسلام الاسلام في اللغة الخضوع والانقياد ومنه استسلم الرجل فمعنى اسلم خضع وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

(1/371)


وروى ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان 23 - وقوله عز وجل ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب في الآية قولان أحدهما ان المعنى ان الحساب قريب كما قال تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب والقول الاخر ان محاسبته سريعة لانه عالم بما عمل عباده لا يحتاج ان يفكر في شئ منه

(1/372)


24 - وقوله عز وجل فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن أمره الله ان يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به لانهم مقرون بان اله عز وجل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده ومعنى أسلمت وجهي لله أسلمت نفسي لله كما قال تعالى ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك.
25 - وقوله عز وجل وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين

(1/373)


الذين اوتوا الكتاب اليهود والانصاري ثم والاميون مشركو العرب كأنهم نسبوا الى الام لانهم بمنزلة المولود في انهم لا يكتبون وقيل هم منسبون الى ام القرى وهي مكة 26 - وقوله عز وجل أأسلمتم قيل معناه أسلموا وحقيقته أنه على التهديد كما تقول للرجل أأفلت رسول مني 27 - ثم قال تعالى فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ ونسخ هذا بالامر بالقتال

(1/374)


ثم قال تعالى والله بصير بالعباد أي بصير بما يقطع عذرهم
28 - وقوله عز وجل ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم قال معقل بن ابي مسكين كانت الانبياء صلوات الله عليهم تجئ الى بني اسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط أي بالعدل فيقتلون فان قال قائل الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبيا فالجواب عن هذا انهم رضوا فعل من قتل فكانوا بمنزلته وأيضا فإنهم قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهموا بقتلهم كما

(1/375)


قال عز وجل وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك 29 - ثم قال الله عز وجل الم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب أي حظا وافرا يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ليحكم بينهم والقراءة الاولى أحسن كقوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق

(1/376)


30 - وقوله عز وجل ذلك بانهم قالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودات روي أنهم قالوا انما نعذب اربعين يوما وهي الايام التي
عبد فيها آباونا العجل فأخبر الله عز وجل ان هذا افتراء منهم وكذب فقال تعالى وغرهم قي دينهم ما كانوا يفترون أي يختلفون من الكذب كأنهم يسوون ما لم يكن من فريت الشئ قال زهير * ولانت تفري ما خلقت * وبعض القوم يخلق ثم لا يفري * 31 - وقوله عزوجل فكيف إذا جمعنا هم ليوم لا ريب فيه

(1/377)


في الكلام حذف والمعنى فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه أبي لاشك فيه انه كائن 32 - وقوله عز وجل قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء قيل الملك ها هنا النبوة وقيل هو المال والعبيد وقيل هو الغلبة وقال قتادة بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل ان يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله عز وجل هذه الآية

(1/378)


ومعنى تؤتى الملك من تشاء أي من تشاء ان توتيه ولا وتنزع الملك ممن تشاء أي ممن تشاء ان تزعه منه ثم حذف هذا وأنشد سيبويه
* الأهل لهذا الدهر من متعلعل لم * على الناس مهما شاء بالناس يفعل * قال أبو اسحاق المعنى مهما شاء ان يفعل بالناس يفعل 33 - وقوله عز وجل وتعز من تشاء وتذل من تشاء يقال عز إذا غلب وذل يذل ذلا إذا غلب وقهر قال طرفة * بطئ على الجلى سريع الى الخنا * ذليل بأجماع الرجال ملهد *

(1/379)


34 - وقوله عز وجل تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل قال عبد الله ابن مسعود هو قصره في الشتاء والصيف فالمعنى على هذا تنقص من الليل وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار وتدخل النقصان في الليل يقال ولج يلج ولوجا حدثنا ولجة إذا دخل قال الراجز متخذا في ضعوات ابن تولجا

(1/380)


35 - وقوله عز وجل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي قال سلمان أي تخرج المؤمن من الكافر والكافر من
المؤمن قال عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم تخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي وتخرج الرجل وهو حي من النطفة وهي ميتة

(1/381)


36 - ثم قال تعالى وترزق من تشاء بغير حساب أي يغير تضيق ولا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب كانه لا يحسب ما يعطي 37 - وقوله عز وجل لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أي لا يتولوهم في الدنيا لان المنافقين اظهروا الايمان وعاضدوا قوله الكفار فقال الله عز وجل ومن يتولهم منكم فانه منهم وقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة

(1/382)


قال ابن عباس هو ان يتكلم بلسانه ولا يقتل ولا ياتي إنما ويكون قلبه مطمئنا بالايمان وقرأ جابر بن زيد ومجاهد وحميد والضحاك الا ان تتقوا منهم تقية وقال الضحاك التقية باللسان والمعنى عند اكثر أهل اللغة واحد
وروى عوف عن الحسن قال التقية جائزة للمسلم الى يوم القيامة غير انه لا يجعل في القتل تقية ومعنى فليس من الله شئ فليس من حزب الله وحكى سيبويه هو منى فرسخين أي من أصحابي ومعنى من دون المؤمنين من مكان دون مكان

(1/383)


المؤمنين وهو مكان الكافرين 38 - ويحذركم الله نفسه والله رؤوف له بالعباد أي يحذركم أياه 39 - وقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والمحبة في كلام العرب على ضروب منها الحبة في الذات والمحبة من الله لعباده المغفرة والرحمة والثناء عليها والمحبة من عباده له القصد لطاعته والرضا لشرائعه 40 - وقوله تعالى قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين المعنى لا يحبهم ثم أعاد الذكر وكذلك فان الله ولم يقل فانه والعرب إذا عظمت الشئ أعادت ذكره وانشد سيبويه

(1/384)


* لا أرى الموت يسبق الموت شئ *
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا * 41 - وقوله عز وجل ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين قال أهل التفسير المعنى على عالم أهل زمانهم ومعنى اصطفى اختار وهذا تمثيل لان الشئ الصافي هو النقي من الكدر فصفوة الله عز وجل هم الانقياء ذلك من الدنس ذوو الخير والفضل 42 - وقوله عز وجل إذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا روى حفيص عن مجاهد وعكرمة ات المحرر الخالص لله

(1/385)


عز وجل لا يشوبه شئ من امر الدنيا وهذا معروف في اللغة ان يقال لكل ما خلص حر ومحرر بمعناه قال ذو الرمة * والقرط في حرة الذفرى معلقة * تباعد الحبل منه فهو يضطرب * 43 - وقوله عز وجل فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى قال ابن عباس انما قالت هذا لانه لم يكن يقبل في النذر الا الذكور فقبل الله مريم

(1/386)


44 - ثم قال تعالى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر
كالانثى في الكلام تقديم وتأخير والمعنى قالت ربي اني وضعتها انثى ولبس الذكر كالانثى فقال الله عز وجل والله اعلم بما وضعت وقرأ أبو الرجاء وابراهيم النخعي وعاصم والله اعلم بما وضعت فعلى هذه القراءة ليس في الكلام تقديم ولا تأخير 45 - وقوله تعالى وكفلها زكريا قال قتادة كانت مريم بنت عمران امامهم وسيدهم

(1/387)


فقارعوا عليها سهامهم فخرج سهم زكريا فكفلها أي ضمها إليه وفي الحديث كافل اليتيم له كذا وقال الحسن قبلها وتحملها وقال أبو عبيدة معنى كفلها ضمها أو ضمن القيام بها 46 - وقوله تعالى كاما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقا المحراب في اللغة المكان العالي ويستعمل لاشرف المواضع وان لم يكن عاليا الا انه روي ان زكريا كان يصعد إليها بسلم

(1/388)


ومعنى وجد عندها رزقا على قول مجاهد وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء 47 - وقوله تعالى قال يا مريم انى لك هذا قال أبو عبيدة المعنى من اين لك وهذا القول فيه تساهل لان أين سؤال عن المواضع وأنى سؤال عن المذاهب والجهات والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا وقد فرق الكميت بينهما فقال * أنى ومن أين آبك الطرب * من حيث لاصبوة ولا ريب *

(1/389)


قالت هو من عند الله من قبل الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير 48 - وقوله تعالى فنادته الملائكة روي أن جبريل صلى الله عليه وسلم هو الذي ناده وحده وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول ركب فلان السفن وانما ركب سفينة واحدة أي ركب هذا الجنس 49 - وقوله تعالى مصدقا بكلمة من الله قال ابن عباس صدق بعيسى وقال الضحاك بشر بعيسى ومعنى بشرته أظهرت في بشرته السرور

(1/390)


فان قيل فما تسميه عيسى بالكلمة ففي هذا
اقوال أحدهما انه لما قال الله عز وجل كن فكان سماه بالكلمة فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى واسأل القرية وقيل سمي بهذا كما يقال عبد الله وألقاها على اللفظ وقيل لما كانت الانبياء قد بشرت به وأعلمت انه يكون من غير فحل وبشر الله مريم به كما قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا فلما ولدته على الصفة التي وصف بها

(1/391)


قال الله عز وجل هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشئ أو تعده به فإذا كان قلت هذا مولي وهذا كلامي والعرب تسمي الكلام الكثير والكلمة الواحدة كلمة كما روي ان الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته تلك يعني قصيدته وقيل سمي كلمة لان الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة 50 - وقوله تعالى وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال سعيد بن جبير والضحاك السيد الحليم

(1/392)


وقيل الرئيس وروى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب انه قرأ
وسيدا وحصورا فأخذ من الارض شيئا ثم قال الحصور الذي لا يأتي النساء

(1/393)


يقال حصر إذا منع ف حصور بمعنى محصور وكانه منع مما يكون في الرجال وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة قال الشاعر * فيها اثنثان محمد واربعون حلوبة * سواد كخافيه إلى الغراب الاسحم * ويقال حصرت الرجل إذا حسبته واحصر كان المرض إذا منعه من السير والحصير من هذا سمي لان بعضة حبس على بعض وقيل هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل

(1/394)


وقال ابن عباس الذي لا ينزل 51 - وقوله تعالى قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامراتي عاقرا يقال كيف استنكر هذا وهو نبي يعلم ان الله يفعل ما يريد ففي هذا جوابان احدهما ان المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله وكذلك قيل في قول مريم أنى يكون لي ولد ولم
يمسسني بشر والجواب الاخر ان زكريا أراد ان يعلم هل يرد شابا وهل ترد امراته وهل يرزقهما الله ولدا من غير رد أو من غيرها فأعلم الله عز وجل انه يرزقهما ولدا من غير رد فقال

(1/395)


عز وجل كذلك يفعل الله ما يشاء ويقال عقرت المرأة إذا لم تحمل وعقر الرجل إذا لم يولد له والذكر والانثى عاقر 52 - وقوله تعالى قال رب اجعل لي آية أي علامة قال آيتك ان تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا قال قتادة انما عوقب بهذا لانه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة اياه بالبشارة وقال مجاهد الرمز تحرك الشفتين وقال الضحاك الرمز تحريك اليدين والرأس

(1/396)


والرمز في اللغة الاشارة كانت بيد أو راس أو حاجب أو فم يقال رمز أي اشار ومنه سميت الفاجرة رامزة أبو ورمازة أو لانها تومئ ولا تعلن 53 - ثم قال تعالى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار وقرئ الابكار وهو جمع بكر ويقال بكر وبكر وابتكار) وأبكر إذا جاء في اول الوقت ومنه سميت
الباكورة ويقال ابكر إذا خرج من بين مطلع الفجر الى وقت الضحى والعشي من حين نزول الشمس الى ان تغيب وهو

(1/397)


معنى قول مجاهد 54 - وقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك أي اختارك وطهرك من الادناس وقيل من الحيض واصطفاك على نساء العالمين فيه قولان أحدهما ان المعنى على أهل زمانها والقول الاخر على جميع النساء بعيسى فليس مولود ولد من غير ذكر الا عيسى عليه السلام 55 - وقوله تعالى يا مريم اقنتي لربك قيل القنوت ها هنا القيام وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أفضل الصلاة فقال طول القنوت أي طول القيام وسمي الدعاء

(1/398)


قنوتا لانه يدعى به في القيام وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي اللهيثم عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة 56 - ثم قال تعالى واسجدي واركعي مع الراكعين
وفي هذا جوابان فبداء عبد بالسجود قبل الركوع أحدهما أن في شريعتهم السجود قبل الركوع والقول الاخر ان الواو تدل على الاجتماع فإذا قلت قام زيد وعمر جاز ان يكون عمر قبل زيد فعلى هذا يكون المعنى واركعي واسجدي ولهذا أجاز النحويون قام وزيد عمرو

(1/399)


وأنشدوا * الا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام * 57 - وقوله تعالى ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك أي من اخبار ما غاب عنك ثم قال تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم لديهم معناه عندهم قيل الاقلام السهام يتقارعون بها وسمي السهم قلما لانه يقلم أي يبرى 58 - ثم قال تعالى ايهم يكفل مريم أي لينظرو اأيهم تجب له كفالة مريم وفي الكلام حذف أي إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها

(1/400)


59 - وقوله تعالى وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين الوجية الذي له القدر والمنزلة الرفيعة يقال لفلان جاه وجاهة وقد وجه يوجه وجاهة
60 - وقوله تعالى ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين يقال اكتهل النبت إذا تم والكهل ابن الاربعين أو ما قاربها وقال يزيد بن ابي حبيب الكهل منتهى الحلم والفائدة في قوله تعالى وكهلا انه خبرها انه يعيش الى ان يصير كهلا

(1/401)


61 - وقوله تعالى ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل قيل يعني الهاما 62 - وقوله تعالى وأبرئ الاكمة والابرص واحي الموتى باذن الله الاكمة قال مجاهد هو الذي يبصر في النهار ولا يبصر في الليل فهو يتكمه قال الكسائي يقال كمه يكمه كمها وقال الضحاك هو الاعمى قال أبو عبيدة هو الذي يولد اعمى وأنشد لرؤبة

(1/402)


هرجت فارتد ارتداد الاكمة قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم
يجوز ان يكون معنى الكل وانشد للبيد * تراك أمكنه إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لان البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل وقال أبو العباس معنى أو يرتبط بعض النفوس

(1/403)


أو يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه أي انا اعرفه ومعنى الاية على بعضها لان عيسى صلى الله عليه وسلم انما احل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم وغيرها ولم يحل لهم القتال ولا السرقه ولا الفاحشه منها والدليل على هذا انه روي عن قتادة انه قال جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما لان موسى جاءهم بتحريم الابل وأشياء من الشحوم فجاءهم عيسى بتحليل بعضها 63 - وقوله تعالى فاعبدوه هذا صراط مستقيم أي هذا طريق واضح 64 - وقوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر

(1/404)


قال أبو عبيدة أحس بمعنى عرف قال من أنصاري الى الله قال سفيان أي مع الله وقد قال هذا بعض أهل اللغة وذهبوا ألى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض واحتجوا بقوله
تعالى ولا صلبنكم في جذوع النخل قالوا معنى في معنى على وهذا القول عند أهل النظر لا يصح لان لكل حرف معناه وانما يتفق الحرفان لتقارب المعنى فقوله تعالى ولا صلبنكم في جذوع النخل كان الجذع مشتملا على من صلب ولهذا دخلت في لانه قد صار بمنزلة الظرف ومعنى من أنصاري الى الله من يضم نصرته اياي الى نصرة الله عز وجل

(1/405)


65 - ثم قال تعالى قال الحواريون نحن أنصار الله روى سعيد بن جبير عن ابن عباس انه انما سموا حواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين وقال ابن أرطاة انما كانوا غسالين يحورون الثياب أي يغسلونها وقال أهل اللغة الحواريون صفوة الانبياء وهم المخلصون وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي أي صفوتي ومنه قيل عن حوراء إذا

(1/406)


اشتد بياضها وسوادها وامرأة حوراء إذا خلص بياضها مع حور العين
ومنه قيل لنساء الانصار حواريات لنظافتهن عليه وقال أبو جلدة اليشكري * فقل للحوريات أبي يبكين غيرنا * ولا تبكنا الا الكلاب النوابح * ومنه الحوري 66 - وقوله تعالى فاكتبنا مع الشاهدين أي مع الشاهدين لرسولك بالتصديق وروى اسرائيل عن سماك بن عكرمة عن ابن عباس فاكتبنا مع الشاهدين

(1/407)


قال محمد صلى الله عليه وسلم وأمته شهدوا له انه قد بلغ وشهدوا للرسل انهم قد بلغوا 67 - وقوله عز وجل ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين هذا راجع الى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر والمكر من الخلائق خب ومن الله مجازة كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها 68 - وقوله عز وجل إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا في الآية قولان احدهما ان المعنى أني رافعك ألي ومطهرك من الذين

(1/408)


كفروا ومتوفيك وهذا جائز في الواو لانه قد عرف المعنى وانه لم يمت بعد والقول الاخر ان يكون معنى متوفيك قابضك من غير موت مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته كما قال جل وعز الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقال الربيع بن أنس يعني وفاة المنام رفعه الله عز وجل في منامه

(1/409)


وقال مطر الوراق متوفيك ورافعك واحدة ولم يمت بعد وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس متوفيك أي مميتك ثم قال وهب توفاه الله ثلاث ساعات من النهار ومحمد بن جرير يميل الى قول من قال أني قابضك من الارض بغير موت ورافعك الي لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ليهبطن عيسى بن مريم الى الارض 69 - ثم قال تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة

(1/410)


قال قتادة يعني المسلمين لانهم اتبعوه فلا يزالون
ظاهرين الى يوم القيامة وقال غيره الذين اتبعوه محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون لان دينهم التوحيد كما كان التوحيد دين عيسى صلى الله عليه وسلم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أنا أولى الناس بابن مريم وروى يونس بن ميسرة بن حلبس عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لن تبرح طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ونزع بهذه الآية يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا

(1/411)


وجاعل الذين اتبعوك يا محمد فوق الذين كفروا الى يوم القيامة 70 - ثم قال تعالى الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون أي فافصل بينكم وتقع المجازاة عليه لأنه قد بين لهم في الدنيا 71 - ثم قال تعالى فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة عذابهم في الدنيا القتل والاسر واخذ الجزية وفي الآخرة النار وما لهم من ناصرين لان المسلمين عالون عليهم ظاهرون

(1/412)


72 - وقوله تعالى ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم أي من العلامات التي لا تعرف الا بوحي أو بقراءة كتاب ومعنى الحكيم ذو الحكمة 73 - وقوله تعالى الحق من ربك فلا تكن من الممترين الممترون الشاكون فان قيل كيف خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فعلى هذا جوابان أحدهما ان المعنى يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك فلا تكن من الممترين

(1/413)


والقول الآخر ان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع الناس فالمعنى على هذا فلا تكونوا من الممترين ويقوي هذا قوله عز وجل يا ايها النبي إذا طلقتم النساء 74 - وقوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين قيل يعني بالأنفس هاهنا أهل دينهم كما قال تعالى فسلموا على أنفسكم

(1/414)


وقال تعالى فاقتلوا أنفسكم وأصل الابتهال في اللغة الاجتهاد ومنه قول البيد * في كهول سادة من قومه *
نظر الدهر إليهم فابتهل * أي اجتهد في هلاكهم فمعنى الاية ثم نجتهد في الدعاء بالعنة وروي ان قوما من النصارى من أهل نجرن (أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم الى الاسلام فقالوا قد كنا مسلمين مثلك فقال كذبتم يمنعكم من الاسلام ثلاث قولكم اتخذ ولدا وأكلكم لحم الخنزير وسجودكم للصليب فقالوا من أبو عيسى فأنزل الله عز وجل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب

(1/415)


الى قوله تعالى فنجعل لعنة الله على الكاذبين فدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الالتعان فقال بعضهم بعض ان فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا فقالوا أما تعرض علينا سوى هذا فقال الاسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية وروى عكرمة عن ابن عباس انه قال لو خرجوا للابتهال لرجعوا لا يرون أهلا ولا ولدا 75 - وقوله تعالى ان هذا لهو القصص الحق أي ان هذا الذي أوحينا اليك لهو القصص الحق وما من اله الا الله من زائدة للتوكيد والمعنى وما اله الا الله العزيز

(1/416)


الحكيم ومعنى العزيز الذي لا يغلب والحكيم ذو
الحكمة 76 - ثم قال تعالى فان تولوا فان الله عليم بالمفسدين أي عليم بمن يفسد عباده وإذا علم ذلك جازى عليه 77 - وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم معنى كلمة قصة فيها شرح ثم بين الكلمة بقوله الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله السواء النصفة قال زهير

(1/417)


* أروني خطة لا ضيم فيها * يسوى بيننا فيها السواء * 78 - وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما انزلت التوراة والانجيل الا من بعده لان اليهود قالوا كان ابراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله ان اليهودية والنصرانية كانتا بعد ابراهيم عليه السلام وان دين ابراهيم الاسلام لان الاسلام هو التوحيد فهو دين جميع الانبياء 79 - ثم قال تعالى ولكن كان حنيفا مسلما

(1/418)


والحنف في اللغة اقبال صدر القدم على الاخرى إذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف المائل الى الاسلام على حقيقته 80 - وقوله عز وجل ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين والمعنى والنبي والذين آمنوا أولى بابراهيم ويعني بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى والله ولي المؤمنين ناصرهم 81 - ثم قال تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وكلهم كذا وانما من هاهنا لبيان الجنس وقد

(1/419)


قيل ان طائفة بعضهم 82 - وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون أي وانتم تشهدون بانها حق لانكم كنتم تبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث 83 - ثم قال تعالى يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل أي لم تغطون 84 - وقوله تعالى وقالت من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون الطائفة الفرقة ووجه النهار أوله قال الشاعر * وتضئ في وجه النهار منيرة * كجمانة البحري سل نظامها *

(1/420)


قال قتادة قال بعض اليهود أظهروا لمحمد الرضا ما بما جاء به أول انهار ثم انكروا ذاك في آخره فانه أجدر ان يتوهم انكم انما فعلتم ذلك لشئ ظهرت لكم تنكرونه وأجدر أن يرجع أصحابه 85 - وقوله تعالى ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل ان الفضل بيد الله يؤته من يشاء قال محمد بن يزيد في الكلام تقديم وتأخير والمعنى ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل ان الهدى هدى الله

(1/421)


وقيل المعنى ولا تؤمنوا ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا من تبع دينكم واللام زائده والمعنى ولا تصدقوا ان يؤتى أحد من علم رسالة النبي مثل ما أوتيتم وقيل المعنى قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أي ان الهدى هدى الله وهو بعيد من الكفار وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم والمعنى ألاأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقرأ الاعمش إن يوأتى لا أحد مثل ما أتيتم ومعنى ان معنى ما كما قال تعالى ان الكافرون الا في غرور وقد زعم بعض النحويين ان هذا لحن لان قوله تعالى

(1/422)


يحاجوكم بغير نون وكان يجب ان يكون يحاجونكم ولا عامل لها وهذا القول ليس بشئ لان أو تضمر بعدها ان إذا كانت في معنى حتى والاان كم قال الشاعر * فقلت له لا تبك عيناك انما * نحاول ملكا أو نموت فنعذرا * وقيل ان معنى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لا تصدقوا ان النبوة تكون الا منكم واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهدا قال في قوله عز وجل بعد هذا يختص برحمته من يشاء انه يعني النبوة 86 - وقوله تعالى ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك اختلف في معنى القنطار فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا القنطار ألف مثقال وقال أبو صالح وقتادة القنطار مائة رطل

(1/423)


وروى ابن ابي نجيح وليث عن مجاهد قال القنطار سبعون ألف دينار وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن ابي رباح المكي قال القنطار سبعة الاف دينار والله اعلم بما أراد ومعنى المقنطرة في اللغة المكملة كما تقول ألف
مؤلفة 87 - وقوله تعالى ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما أي مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله

(1/424)


قال سيبويه دام بمعنى ثبت قال أبو جعفر وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن البول في الماء الدائم أي الساكن الثابت ذلك انهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل قيل أناليهود أن كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لانهم مخالفوت على لنا ويعنون بالاميين العرب نسبوا الى ما عليه الامة من قبل أن يتعلموا الكتابة وقيل نسبوا الى الام ومنه النبي الامي وقيل هو

(1/425)


منسوب الى ام القرى وهي مكة 88 - وقوله تعالى بلى من اوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين بلى رد لقولهم ليس علينا في الاميين سبيل 89 - ثم قال تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لا خلاق لهم في الاخرة الخلاق النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذين يشترون بهعد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لاخلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله

(1/426)


الى أخر الآية وفي قوله ولا يكلمهم الله قولان أحدهما انه روي ان الله يسمع أولياء كلامه والقول الاخر انه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا ومعنى ولا يزكيهم ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم ولهم عذاب اليم أي مؤلم يقال أألم الله إذا أوجع فهو مؤلم واليم على التكثير 90 - وقوله تعالى وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب

(1/427)


قال الشعبي يلون يحرفون وقال أهل اللغة لويت الشئ إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله 91 - وقوله جل وعز ولكن كونوا ربانيين قال سعيد بن جبير والضحاك الرباني الفقيه العالم وقال أبو رزين هو العالم الحليم
والالف وانون قال يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران أي ممتلئ سكرا فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لانه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم

(1/428)


وروي عن ابن الحنيفة انه قال لما مات ابن عباس مات رباني هذه الامة ومعنى ولكن كونوا ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع وقال ابن زيد الربانيون اولاة عن والاحبار العلماء وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر وهذا القول حسن لان الاحبار هم العلماء والرباني الذي الذي يجمع الى العلم البصر للسياسة ماخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير

(1/429)


ثم قال تعالى ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ومن قرا ولا يأمركم بالنصب فمعناه عنده ولا يأمركم البشر لانه معطوف على ما قبله ومن قرأ ولا يأمركم بالرفع فمعناه عنده ولا يأمركم من الله كذا قال سيبويه 92 - وقوله تعالى واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب
وحكمة قال طاووس أخذ الله ميثاق الاول من الانبياء ان يؤمن بما جاء الاخر 93 - ثم قال جل وعز: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال فهذه الآية لاهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا

(1/430)


بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وقرا ابن مسعود واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وقال ابن عباس انما اخذ ميثاق النبيين على قومهم وقال الكسائي يجوز ان تكون واذ اخذ الله ميثاق النبيين بمعنى واذ اخذ الله ميثاق الذين مع النبيين وقال البصريون إذا اخذ الله ميثاق النبيين فقد اخذ ميثاق الذين معهم لانهم قد اتبعوهم وصدقوهم وما بمعنى الذي ويجوز ان تكون للشرط ويقرأ لما بكسر اللام فتكون ما ايضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

(1/431)


وقرا سعيد بن جبير لما بالتشديد 94 - وقوله تعالى واخذتم على ذلكم اصري قال مجاهد أي عهدي والاصر في اللغة الثقل فسمي العهد اصرارا لانه منع وتشديد
95 - ثم قال تعال ى فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين أي فبينوا لان الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشئ 96 - وقوله تعالى أفغير دين الله تبغون أي تطلبون فالمعنى قل لهم يا محمد افغير دين الله تبغون ومن قرا يبغون بالياء فالكلام عنده متناسق في لان قبله فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

(1/432)


فالمعنى افغير دين الله يبغي هؤلاء 97 - وقوله تعالى وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها معنى وله أسلم خضع ثم قال طوعا وكرها قيل لما كانت السنة فيمن خالف ان يقاتل سمي أسلامه كرها وان كان طوعا لان سببه القتال 98 - وقوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم روى داود بن ابي هند عن عكرمة عن ابن عباس ان رجل من الانصار ارتد قال مجاهد هو الحارث بن سويد بن الصامت الانصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل الى قومه ان سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل كيف يهدي الله قوما كغزو بعد ايمانهم الى قوله

(1/433)


من بعد ذلك وأصلحوا فأن الله غفور رحيم قال ابن عباس وقال الحسن نزلت في اليهود لانهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا قال الله عز وجل أؤلئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فأن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم ففي هذا أجوبة أحدهما أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة

(1/434)


وجواب اخر وهو انه يعني بالناس المسلمين وقيل وهو احسنها ان الناس جميعا يلعنونهم لانهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى الا لعنة الله على الظالمين 99 - ثم قال تعالى خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة 100 - وقوله عز وجل ام الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم قال أبو العالية هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا وقال غيره نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم

(1/435)


فالمعنى انهم اظهروا التوبة ايضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل وأولئك هم الضالون ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون ويجوز في اللغة ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن ابي العالية ويجوز ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم إذا تابوا الى الكفر آخر وانما تقبل توبتهم إذا تابوا الى الاسلام 101 - ثم قال تعالى ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الارض ذهبا ولو أفتدى به أؤلئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين روى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الارض ذهبا أكنت مفتديا به

(1/436)


فيقول نعم فيقال له كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا الى اخر الاية وقال بعض أهل اللغة الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا لو افتدى به وقال أهل النظر من النحويين لا يجوز ان تكون الواو
مقحمة لانها تدل على معنى ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به

(1/437)


والملء مقدار ما يملا السئ والملا بالفتح المصدر 102 - وقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون البر الجنة يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر وقال غيرهما البر العمل الصالح وفي الحديث عليكم بالصدق فانه يدعوا الى البر والبر يدعوا الى الجنة واياكم والكذب فانه يدعو الى الفجور والفجور يدعو الى النار وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الاية قال أبو

(1/438)


طلحة انا اتصدق بارضي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتصدق بها على اقربائه فقسمها بين أبي وحسان وروي ان عمر كتب الى ابي موسى الاشعري ان يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها إليه فلما رآها اعجب بها ثم أعتقها وقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه ومعنى حتى تنفقوا حتى تتصدقوا

(1/439)


103 - ثم قال تعالى وما تنفقوا من شئ فان الله به عليم أي إذا علمه جازى عليه 104 - وقوله عز وجل كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قال ابن عباس كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى ل ءن برأ من ذلك لاأكل عرقا وقال مجاهد الذي حرم على نفسه الانعام

(1/440)


قال عطاء حرم لحوم الابل وألبانها وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه الى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند وقال الضحاك قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حرم علينا هذا في التوراة فأكذبهم الله واخبر ان اسرائيل حرمه على نفسه من قبل ان تنزل التوراة ودعاهم الى احضارها فقال قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين 105 - وقوله عز وجل ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا قال أبو ذر سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الارض أول فقال المسجد الحرام قلت ثم

(1/441)


أي قال ثم بيت المقدس قلت كم كان بينهما قال اربعون سنة ثم حيثما ادركتك الصلاة فصل فانه مسجد وروى اسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال سأل رجل عليا عن اول بيت وضع للناس للذي ببكة أهو اول بيت في الارض قال لا ولكنه اول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وان الله أوحى الى ابراهيم صلوات الله عليه ان ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها راس فنظرت موضع البيت قال أبو الحسن قال أبو بكر الخجوج التي تخج في هبوبها أي تلتوي يقال خجت هذه تخج ولو ضوعفت لقيل

(1/442)


خجخجت سنة والخجخجة عمرو توصف بها السرعه ق بل وقال عطية بكة موضع البيت ومكة ما حوليه وقال عكرمة بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك والذي عليه اكثر أهل اللغة بكة ومكة واحد وانه يجوز ان تكون الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استاصله وقال سعيد بن جبير سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها
وقال غيره سميت بكة لانها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء ويجوز ان يكون من قولهم امتك الفصيل الناقة إذا اشتد مصه اياها

(1/443)


والاول أحسن 106 - وقوله عز وجل فيه آيات بينات مقام ابراهيم وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة فيه آية بينة وفسر ذلك مجاهد فقال مقام ابراهيم الحرم كله فذهب الى ان من آياته الصفا والمروة والركن والمقام ومن قرأ آيات بينات فقرأته ابين لان الصفا والمروة من الآيات ومنها ان الطائر لا يعلو البيت صحيحا ومنها ان الجارح يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه ومنها ان الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين وإذا كان

(1/444)


ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ومنها ان الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير * وفيهم مقامات حسان وجوهها *
وأندية ينتابها القول والفعل * فمعناه فيهم أهل مقامات 107 - وقوله عز وجل ومن دخله كان آمنا قال قتادة ذلك من آيات الحرم أيضا

(1/445)


وذا قول حسن لان الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل إليه جبار وقد وصل الى بيت المقدس وخرب ولم يصل الى الحرم قال الله عز وجل الم ترا كيف فعل ربك بأصحاب الفيل وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال من أصاب حدا في الحرم اقيم عليه وان أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه وقال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس

(1/446)


وقال قوم الامان ههنا الصيد وأولاها القول الاول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله قال فتادة وانما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا 108 - وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال الزبير من وجد قوة وما يتحمل به
وقال سعيد بن حبير الزاد والراحلة وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن ان رجلا قال يا رسول الله ما السبيل إليه قال الزاد والراحلة

(1/447)


السبيل اصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل فالمعنى عند أهل اللغة من استطاع الى البيت وصولا كما قال اخبارا يقولون هل الى مرد من السبيل 109 - ثم قال تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين أكثر أهل التفسير على ان المعنى من قال ان الحج ليس بواجب فقد كفر وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية ومن كفر فان الله غني عن العالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به

(1/448)


وقال الشعبي السبيل ما يسره الله عز وجل وهذا من حسن ما قيل فيه أي على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق الى الحج بغير مانع من زمانه أو عجز أو عدو أو تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشئ من هذه المعاني فلم يجد طريقا لان الاستطاعة القدرة على الشئ فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع إليه السبيل
وأولى الاقوال في معنى ومن كفر ومن جحد فرض الله لانه عقيب فرض الحج 110 - وقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين قال قتادة حذركموهم يحيى الله لانهم غيروا كتابهم

(1/449)


وفي الحديث لا تصدقوا أهل الكتاب فيما لا تعرفون ولا تكذبوهم فانهم لن يهدوكم وقد اضلوا انفسهم 111 - وقوله تعالى وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم آيات لله وفيكم رسوله قال الاخفش سعيد بن مسعدة معنى كيف على ابي حال وقال غيره معنى وفيكم رسوله أي يبين لكم ويجوز ان تكون هذه المخاطبة يدخل فيها من لم ير النبي

(1/450)


صلى الله عليه وسلم لان آثاره وسنته بمنزلة مشاهدته 112 - ثم قال جل وعز ومن يعتبهم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم معنى يعتصم يمتنع 113 - وقوله جل وعز يا ايها الذين ى منوا اتقوا الله حق تقاته قال ابن مسعود حق تقاته أن يشكر فلا يكفر وان يطاع فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى
وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال قتادة نسخ هذه الآية قوله تعالى فأتقوا الله ما

(1/451)


أستطعتم قال أبو جعفر يجوز ان يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ لان الله تعالى لا يكلف الناس الا ما يستطيعون وقوله فاتقوا الله ما استطعتم مبين لقوله اتقوا الله حق تقاته وهو على ما فسره ابن مسعود ان يذكر الله عند ما يجب عليه فلا ينساه 114 - وقوله عز وجل ولا تموتن والا وانتم مسلمون المعنى كونوا على الاسلام حتى يأتيكم الموت وانتم مسلمون لانه قد علم لا ينهاهم عما لا يملكون

(1/452)


وحكى سيبويه لاأرنيل الرحمن ههنا فهو لم ينه نفسه وانما المعنى لا تكن ههنا فانه من يكن ههنا اره 115 - وقوله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا قال عبد الله ابن مسعود حبل الله القرآن وقال ابن عباس الحبل العهد وقال الاعشى * وإذا تجوزها حبال قبيلة * اخذت من الاخرى اليك حبالها * وأصل الحبل في اللغة السبب ومنه سمي حبل البئر لانه
السبب الذي يوصل به الى ما بها ومنه قيل فلان يحطب في حبل فلان أي يميل إليه والى

(1/453)


أسبابه واصل هذا ان الحاطب يقطع اغصان الشجر فيجعلها في حبله فإذا قطع غيره وجعله في حبله قيل هو يحطب في حبله ومنه قولهم حبلك على غاربك أي قد خليتك من سبي وأمري ونهي وأصل هذا ان الابل إذا اهملت للرعي القيت حبالها على غواربها لئلا تتعلق بشوك أو غيره فيشغلها عن الرعي ومعنى ولا تفرقوا ولا تتفرقوا ثم حذفت احدى التاءين وقيل لهم هذا لان اليهود والنصارى تفرقوا وكفر بعضهم بعضا 116 - ثم قال عز وجل واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمتة وكان اخوانا قال عكرمة هذا في الانصار كانت بينهم شرور فألف الله بينهم بالاسلام

(1/454)


وقيل هو عام لقريش لان بعضهم كان يغير على بعض فلما دخلوا في الاسلام حرمت عليهم الدماء فأصبحوا اخوانا أي يقصد بعضهم مقصد بعض 117 - ثم قال تعالى وكنم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها
وهذا تمثيل والشفا الحرف ومنه اشفى فلان على كذا إذا اشرف عليه 118 - وقوله عز وجل ولتكن منكم امة يدعون الى الخير

(1/455)


قال أبو عبيدة الامة الجماعة ومن ههنا ليست للتبعيض وانما هي لبيان الجنس كما قال تعالى فأجتنبوا روى الرجس من الاوثان ولم يأمرهم باجتناب بعض الاوثان وانما المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الاوثان 119 - وقوله عز وجل يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ابيضاضها اشراقها كما قال تعالى وجوه يوم يومئذ مسفرة

(1/456)


120 - ثم قال تعالى فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون في الكلام محذوف والمعنى فاما الذين اسودت وجمههم ولم فبقال لهم أكفرتم بعد أيمانكم وأجمع أهل العربية على انه لابد من الفاء في جواب اما لان المعنى في قولك اما زيد فمنطلق مهما يكن من شئ فزيد منطلق قال مجاهد في قوله تعالى أكفرتم بعد أيمانكم بعد
اخذ الميثاق ويدل على هذا قوله جل وعلا واذ اخذ ربك من بني آدم الآية وقيل هم اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به من بعد

(1/457)


مبعثه فقيل لهم أكفرتم بعد ايمانكم وقيل هو عام أي كفرتم بعد ان كنتم صغارا تجري عليكم احكام المؤمنين 121 - وقوله جل وعز واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون معنى ففي رحمة الله هم فيها خالدون ففي ثواب رحمة الله 122 - وقوله جل وعز كنتم خير امة اخرجت للناس روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال نحن نكمل سبعين أمة نحن آخرها وأكرمها على الله

(1/458)


وقال أبو هريرة نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل الى الاسلام وقال ابن عباس نزلت فيمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة وقيل معنى كنتم خير أمة أخرجت للناس كنتم في اللوح المحفوظ
وقيل كنتم منذ آمنتم وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد كنتم خير أمة اخرجت للناس قال على هذا الشرط على ان تأمروا بين بالمعروف وتنهوا عن المنكر ثم بينه

(1/459)


وقال عطية شهدتم للنبين أهل صلى الله عليهم أجمعين بالبلاغ الذين كفر بهم قومهم 123 - ثم بين الخيرية التي هي فيهم فقال تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ثم بين ان الايمان بالله لا يقبل الا بالايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به فقال عز وجل ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون والفاسق الخارج عن الحق 124 - وقوله عز وجل لن يضروكم الا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار اخبر الله تعالى اليهود لن يضروا المسلمين الا بتحريف أو بهت فأما الغلبة فلا تكون لهم

(1/460)


125 - ثم اخبر تعالى أنهم أذلا فقال ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس قال ابن عباس الحبل العهد قال أبو جعفر هذا اسثناء ليس من الاول والمعنى
ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا انهم يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم 126 - ثم قال تعالى وباءوا بغضب من الله أي رجعوا وقيل احتملوا وحقيقته في اللغة انه لزمهم ذلك وتبوأ فلان الدار من هذا أي لزمها

(1/461)


127 - ثم خبر تعالى لم فعل بهم ذلك فقال ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والاعتداء التجاوز 128 - ثم خبر عز وجل أنهم ليسوا مستوين وان منهم من قد آمن فقال سبحانه ليسوا سواء أي ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر 129 - ثم قال عز وجل من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل قائمة قال مجاهد أي عادلة

(1/462)


يتلون آيات الله آناء الليل قال الحسن والضحاك ساعاته والواحد اني ويقال انو ويقال انى 130 - وقوله عز وجل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
الامر بالمعروف ههنا الامر بتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن المنكر أي ينهون عن مخالفته صلى الله عليه وسلم 131 - ثم قال جل وعز وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين من قرأ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه فهو عنده لهؤلاء المذكورين ويكون من فعل الخير بمنزلتهم

(1/463)


ومن قرأ وما تفعلوا من خير فلن تكفروه بالتاء فهو عام 132 - وقوله عز وجل مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر قال ابن عباس الصر البرد ومعنى صر في اللغة ان الصر شدة البرد وفي الحديث انه نهى عن الجراد الذي قتله الصر ومعنى الآية شبه ما ينفقونه على قتال النبي صلى الله عليه وسلم

(1/464)


واصحابه في بطلانه بريح أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته أي زرع قوم عاقبهم الله بذلك فهلك زرعهم فكذلك أعمال هؤلاء لا يرجعون منها الى شئ 133 - وقوله عز وجل يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانه من دونكم لا يألونكم خبالا
البطانة خاصة الرجل الذين يطلعهم على الباطن من أمره والمعنى لا تتخوا عند بطانة من دون أهل دينكم ونظير هذا فاقتلوا انفسكم وكذلك فسلموا على انفسكم أي على أهل دينكم ومن يقوم مقامكم

(1/465)


ومعنى قوله تعالى لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في السوء واصل الخبال في اللغة من الخبل والخبل ذهاب الشئ وأفساده لأنه 134 - وقوله تعالى ودوا ما عنتم أي ما شق عليكم واشتد وأصل هذا انه يقال عنت العظم يعنت عنتا إذا انكسر بعد جبر ومن هذا قوله تعالى ذلك لمن خشي العنت منكم أي المشقة 135 - وقوله عز وجل ها انتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله أي تحبون المنافقين ولا يحبونكم والدليل على انه يعني المنافقين قوله عز وجل وإذا

(1/466)


لقولكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قال ابن مسعود يعضون اطراف الانامل من الغيظ 136 - وقوله عز وجل ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها أي ان غنمتم أو ظفرتم ساءهم ذلك وان أصابكم ضد ذلك فرحوا به ثم خبر أنهم ان صبروا على ذلك لم يضرهم شيئا فقال وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما يعملون محيط 137 - وقوله عز وجل واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال

(1/467)


تبوئ تلزم وباء بكذا إذا لزمه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى انه في درع حصينة فأول ذلك المدينة فأمر أصحابه ان يقيموا بها الى ان يوافي المشركون فيقاتلهم 138 - وقوله عز وجل إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما قال جابر بن عبد الله نحن هم بني سلمة وبني حارثة من الاوس وما يسرنا أنها لم تكن نزلت لقوله تعالى والله وليهما

(1/468)


والفشل في اللغة الجبن والولي الناصر بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الاوس 139 - وقوله عز وجل ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة قيل يعني بأذلة أنهم كانوا قليلي العدد وقال البراء بن عازب كنا نتحدث ان عدة أصحاب بدر كعدة أصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وبضعة عشر من قرأ بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين 140 - وقوله عز وجل بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا قال الضحاك وعكرمة من وجههم هذا 141 - وقوله تعالى يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين

(1/469)


لا نعلم اختلافا ان معنى مسومين من السومة الا عن الاخفش فانه قال مسومين مرسلين قال أبو زيد السومة ان يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته قال عروة ابن الزبير كانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وعليها عمائم صفر قال أبو اسحاق كانت سيماهم عمائم بيضا وقال الحسن علموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف
ابيض وقال عكرمة عليهم سيماء القتال

(1/470)


وقال مجاهد الصوف في أذناب الخيل وقرئ مسومين واحتج صاحب هذه القراءة بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم بدر سوموا فاني رايت الملائكة قد سومت أي قد سومت خيلها أو نفسها 142 - وقوله عز وجل وما جعله الله الا بشرى لكم يعني المدد أو الوعد 143 - وقوله عز وجل ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين

(1/471)


قال قتادة يكتبهم يحزنهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء الى ابي طلحة وفرأى ابنه مكبوتا فقال ما شانه فقيل مات نغيره فالكبوت أخبرنا ههنا المحزون وقال أبو عبيدة يقال كبته لوجهه أي صرعة لوجهه ومعروف في اللغة ان يقال كبته إذا أذله وأقماه يا قال بعض أهل اللغة كبته بمعنى كبده ثم أبدلت من الدا تاء لان مخرجهما من موضع واحد والخائب في اللغة الذي لم ينل ما أمل وهو ضد المفلح

(1/472)


144 - وقوله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون روى الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية من الفجر يدعو على قوم من المنافقين فأنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ الى اخر الآية وقال انس بن مالك كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فأخذ الدم بيده وجعل يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم فانزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فأنهم ظالمون وقيل استأذن في ان يدعو باستئصالهم فنزل هذا لانه علم أن منهم من سيسلم وأكد ذلك الآية بعدها

(1/473)


فمن قال انه معطوف ب أو على قوله تعالى ليقطع طرفا فالمعنى عنده ليقتل طائفة منهم أو يخزيهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم وقد تكون أو ههنا بمعنى حتى والا ان والاول اولى لا نه لا أمر الى أحد من الخلق قال أمرؤ القيس * فقلت له لا تبك عينك انما * نحاول ملكا أو نموت معذرا * 145 - وقوله عز وجل يا ايه الذين ى منوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة
قال مجاهد كانوا يبيعون البيع الى أجل فإذا حل الاجل زادو في الثمن على ان يؤخرو لو فأنزل الله عز وجل ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة

(1/474)


146 - ثم قال تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح وقال سيبويه في قوله تعالى اذهبا الى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى اذهبا على رجائكما وطمعكما ومبلغكما يكون والعلم من وراء ذلك وليسس لهما أكثر من ذلك والفلاح في اللغة ان يظفر الانسان بما يؤمل 147 - وقوله عز وجل وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين

(1/475)


روي عن انس بن مالك انه قال يعني التكبيرة الاولى 148 - ثم قال تعالى وجنة عرضها السموات والارض في هذا قولان أحدهما انه العرض بعينه وروى طارق بن شهاب ان اليهود قالت لعمر بن الخطاب تقولون جنة عرضها السموات والارض فأين تكون النار فقال لهم عمر أرايتم إذا جاء النهار فاين يكون الليل وإذا جاء الليل فأين يكون النهار
فقالوا لقد نزعت ما في التوراة

(1/476)


والقول الاخر ان العرض ههنا السعة وذلك معروف في اللغة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمنهزمين يوم أحد لقد ذهبتم فيها عريضة يعني واسعة وأنشد أهل اللغة * كأن بلاد الله وهي عريضة * على الخائف المطلوب كفة حابل * 149 - وقوله عز وجل والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين الكظم في اللغة ان يحبس الغيظ ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه

(1/477)


ويقال للممتلئ حزنا وغما كظيم ومكظوم كما قال تعالى إذ نادى وهو مكظوم 150 - وقوله عز وجل والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء ان ينفعني فأذا حدثني رجل من أصحابه أستحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب
ذنبا وينام ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله الا غفر له ثم تلا الاية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون

(1/478)


وقال مجاهد معنى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ولم يمضوا والاصرار في اللغة اعتقاد الشئ ومنه قيل صرة ومنه قيل للبرد صر كأنه البرد الذي يصل الى القلب ومنه قيل للذي لم يحج صرورة وصارورة مع كأنه يحبس ما يجب ان ينفقه وقال معبد بن صبيحة صليت خلف عثمان وعلي الى جنبي فأقبل علينا فقال صليت على غير وضوء ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم ذهب فتوضأ وصلى وروي عن ابي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصر من استغفر الله ولو عاد في اليوم سبعين مرة

(1/479)


وقال عبد الله بن عبيد بن عمير وهم يعلمون أي وهم يعلمون انهم ان تابوا تاب الله عليهم 151 - وقوله عز وجل قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال أبو عبيدة السنن الاعلام والمعنى على هذا انكم إذا سافرتم رأيتم آثار قوم هلكوا فلعلكم تتعظون
152 - وقوله عز وجل هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين قال الشعبي هذا بيان من العمى وهدى من الضلال وموعظة من الجهل

(1/480)


153 - وقوله عز وجل ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين قال أبو عبيدة معناه لا تضعفوا قال أبو جعفر من الوهن 154 - وقوله عز وجل ان يمستكم سعيد قرح فقد مس القوم قرح مثله يقرأ قرح ويقرأ قرح وبفتح القاف والراء فالقرح بكر مصدر قرح يقرح قال الكسائي القرح والقرح واحد وقال الفراء كان القرح الجراحات وكأن القرح الألم قد

(1/481)


155 - ثم قال عز وجل وتلك الايام نداولها بين الناس أي تكون مرة للمؤمنين ليعزم الله عز وجل وتكون مرة للكافرين إذا عصى المؤمنون فأما إذا لم يعصوا فأن حزب الله هم الغالبون 156 - ثم قال عز وجل وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء
والله لا يحب الظالمين أي ليعلم الله صبر المؤمنين إذا كانت الغلبة عليهم وكيف صبرهم وقد كان سبحانه علم هذا غيبا الا ان علم الغيب لا تقع عليه مجازاة فالمعنى ليعلمه واقعا علم الشهادة

(1/482)


وقال الضحاك قال المسلمون الذين لم يحضروا بدرا ليتنا لقينا العدو حتى نبلي فيهم ونقاتلهم فلقي المسلمون يوم أحد فاتخذ الله منهم الشهداء وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال ويتخذ منكم الشهداء والظالمون هنا الكافرون أي لم يتخذوا وهذه المحبة لهم 157 - وقوله عز وجل وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين قال مجاهد يمحص يبتلي قال أبو جعفر قال أبو اسحاق قرات على ابي العباس محمد بن يزيد عن الخليل ات التمحيص التخليص يقال محصه يمحصه محصا إذا خلصه

(1/483)


فالمعنى على هذا ليبتلي المؤمنون ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم ويستأصل الكافرين 158 - وقوله عز وجل ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله
الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين لما بمعنى لم الا ان لما عند سيبويه جواب لمن قال قد فعل ولم جواب لمن قال فعل ومعنى الاية ولما يعلم الله ذلك واقعا منهم لانه قد علمه غيبا وقيل المعنى لم يكن جهاد فيعلمه الله 159 - وقوله عز وجل ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تاقوه وفي فقد رأيتموه وانتم تنظرون

(1/484)


قال ابن نجيح عن مجاهد كان قوم من المسلمين قالوا بعد بدر ليت انه يكون قتال حتى نبلي ونقاتل فلما كان يوم احد انهزم بعضهم فعاتبهم الله على ذلك فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه والتقدير في العربية ولقد كنتم تمنون سبب الموت ثم حذف وسبب الموت القتال 160 - ثم قال تعالى فقد رأيتموه وانتم تنظرون وقال بعض اهل اللغة وانتم تنظرون محمدا وقال سعيد الاخفش وانتم تنظرون توكيد قال أبو جعفر وحقيقة هذا القول فقد رأيتموه حقيقة وانتم بصراء متيقنون

(1/485)


161 - وقوله عز وجل وما محمد الا رسول قد خلت من قبله
الرسل معنى خلت مضت 162 - ثم قال تعالى أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم قال قتادة أفان مات نبيكم أو قتل رجعتم كفارا وهذا القول حسن في اللغة وشبهه بمن كان يمشي الى خلفه بعدما كان يمشي الى امامه وسيجزي الله الشاكرين أي على هداهم وأنعم عليهم

(1/486)


ويقال انقلب على عاقبيه كل إذا رجع عما كان عليه وأصل هذا من العاقبة والعقبى وهما ما يتلوا الشئ ويجب ان يتبعه وقال تعالى والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه يقال جئت في عقب الشهر إذا جئت بعد مضى وجئت في عقبه وعقبه إذا جئت وقد بقيت منه بقية ومنه قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه 163 - وقوله عز وجل ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها المعنى ومن يرد ثواب الاخرة بالعمل الصالح وهذا كلام مفهوم معناه كما يقال فلان يريد الجنة إذا كان يعمل عمل أهلها ولا يقال ذلك فاسق

(1/487)


164 - وقوله عز وجل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير
ويقرأ قاتل فمن قرا قتل معه ففيه عنده قولان أحدهما روي عن عكرمة وهو ان المعنى وكاين من نبي قتل على انه قد تم الكلام ثم قال معه ربيون كثير بمعنى معه ربيون كثير وهذا قول حسن على مذهب النحويين لانهم اجازوا رايت زيدا السماء تمطر عليه بمعنى والسماء تمطر عليه والقول الاخر ان يكون المعنى قتل معه بعض الربيين وهذا معروف في اللغة ان يقال جاءني بني فلان وانما جاءك

(1/488)


بعضهم فيكون المعنى على هذا قتل معه بعض الربين 165 - وقوله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا أي فما ضعف من بقي منهم كما قرئ ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلونكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم بمعنى فان قتلوا بعضكم والقول الاول على ان يكون التمام عند قوله قتل وهو أحسن والحديث يدل عليه قال الزهري صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فانهزم

(1/489)


جماعة من المسلمين قال كعب بن مالك كنت اول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت عينيه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوما ألي ان اسكت فأنزل الله عز وجل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير وقال عبد الله ابن مسعود الربيون الالوف الكثيرة وقال مجاهد وعكرمة والضحاك الربيون الجماعات وقال ابن زيد الربيون الاتباع ومعروف ان الربة الجماعة فهم منسبون الى الربة ويقال

(1/490)


للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت وقال ابان بن تغلب الربي عشرة آلاف وقال الحسن رحمة الله عليه هم العلماء الصبر كانه أخذ من النسبة الى الرب تبارك وتعالى 166 - ثم قال تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله أي فما ضعفوا والوهن في اللغة اشد الضعف وما استكانوا أي وما ذلوا فعاتب الله عز وجل المسلمين بهذا لانهم كانوا يتمنون القتال

(1/491)


وقرا مجاهد فيما روي عنه ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه وهي قراءة حسنة والمعنى ولقد كنتم تمنون الموت ان تلقوه من قبل أي من قبل ان تلقوه 167 - وقوله عز وجل وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرفنا * في امرنا
قال مجاهد يعني الخطايا الكبار 168 - ثم قال تعالى وثبت اقدامنا اي ثبتنا على دينك وإذا ثبتهم على دينه ثبتوا في الحرب كما قال فتزل قدم بعد ثبوتها 169 - وقال تعالى فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة قال قتادة اعطوا النصر في الدنيا والنعيم في الاخرة

(1/492)


170 - ثم قال عز وجل بل اله مولاكم وهو خير الناصرين المولى الناصر فإذا كان ناصرهم لم يغلبوا 171 - وقوله عز وجل سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا قال النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب والسلطان الحجة ومنه هلك عني سلطانيه أي حجتيه 172 - وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه قال قتادة تحسونهم تقتلونهم

(1/493)


173 - ثم قال تعالى حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبوت فلا أي من هزيمة القوم وفشلتم جبنتم قال عبد الله ابن مسعود امر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة لن يثبتوا مكانهم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم في أول شئ فقال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت فعاقبهم الله بان قتل بعضهم
قال وما علمنا ان احدا منا يريد الحياة الدنيا حتى نزلت منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم

(1/494)


قال معنى ليبتليكم ليختبركم وقيل معناه ليبتليكم بالبلاء 174 - وقوله عز وجل إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ويقرأ تصعدون بفتح التاء فمن ضمها فهو عنده من أصعد إذا ابتدا السير ومن فتحها فهو عنده من صعد الحبل وما اشبهه ومعنى تلوون تعرجون 175 - ثم قال عز وجل والرسول يدعوكم في أخراكم

(1/495)


قال أبو عبيدة معناه في اخركم 176 - وقوله عز وجل فأثابكم غما بغم في هذا قولان أحدهما ان مجاهد قال الغم الاول القتل والجراح والغم الثاني انه صاح صائح قتل محمد فانساهم الغم الآخر الغم الاول والقول الآخر انهم غموا النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم أياه لانه أمرهم ان يثبتوا فخالفوا أمره فأثابهم الله بذلك الغم غمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

(1/496)


ومعنى فأثابهم أي فأنزل بهم ما يقوم مقام الثواب كما قال تعالى فبشرهم بعذاب اليم أي الذي يقوم لهم مقام البشارة عذاب اليم وانشد سيبويه * تراد على دمن الحياض فا تعف * فان المندى رحلة فركوب * أي الذي يقوم مقام التندية منه الرحلة والركوب 177 - وقوله تعالى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم والمعنى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم انهم طلبوا الغنيمة ولا اصابكم في انفسكم من القتل والجراحات

(1/497)


178 - وقوله عز وجل ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا الامنة والامن واحد وهو اسم المصدر وروي عن ابي طلحة انه قال نظرت يوم احد فلم ار الا ناعسا تحت ترسه 179 - ثم قال تعالى يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يغشى طائفة منكم يعني بهذه الطائفة المؤمنين وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يعني بهذه الطائفة المنافقين

(1/498)


180 - وقوله تعالى يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية أي يظنون ان امر النبي صلى الله عليه وسلم قد أضمحل
ثم قال تعالى ظن الجاهلية أي هم في ظنهم بمنزلة الجاهلية يقولون هل لنا من الامر شئ قل ان الامر كله لله أي ينصر من يشاء ويخذل من يشاء 181 - وقوله عز وجل قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم أي لصاروا الى براز من الارض 182 - وقوله عز وجل ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم

(1/499)


معنى استزلهم استدعى ان يزلوا كما يقال اتعجله أي استدعيت ان يعجل ومعنى استهزلهم: الشيطان ببعض ما كسبوا انه روي ان الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتل قبل التوبة ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم 183 - وقوله عز وجل وقالوا لاخوانهم إذا ضربوا في الارض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ماتوا وما قتلوا روى عيسى عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هذا قول المنافق عبد الله بن أبي 184 - وقوله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك

(1/500)


الفظ في اللغة الغليظ الجانب السئ الخلق يقال فظظت تفظ فظاظة ومعنى لا نفضوا من حولك لتفرقوا هذا قول ابي عبيدة وكانه التفرق من غير جهة واحدة ويقال فلان يفض الغطاء أي يفرقه وفضضت غير الكتاب من هذا 185 - وقوله عز وجل فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر أحمد في اللغة ان تظهر ما عندك وما عند صاحبك من الرأي والشوار متاع البيت المرئي وفي معنى الآية قولان أحدهما ان الله امر النبي صلى الله عليه وسلم ان يشاورهم فيما لم يات فيه وحي لانه قد يكون عند بعضهم فيما يشاور فيه علم وقد يعرف

(1/501)


الناس من امور الدنيا ما لا يعرفه الانبياء فاذا كان بعد وحي لم يشاورهم والقول الاخر ان الله عز وجل امره بهذا ليستميل به قلوبهم وليكون ذلك سنة لمن بعده حدثني احمد ابن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن ابي مريم قال حدثنا ابي قال حدثنا ابن عيينة عن عمروا بن دينار عن ابن عباس وشاورهم في الامر قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الحسن أمر بذلك صلى الله عليه وسلم لتستن به امته 186 - وقوله عز وجل ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان
يخذلكم ذا الذي ينصركم من بعده

(1/502)


الخذلان في اللغة الترك ومنه يقال تخاذل القوم إذا انماز بعضهم من بعض ويقال ظبية خاذلة إذا انفردت عن القطيع قال زهير * بجيد مغزلة يقول أدماء خاذلة * من الظباء تراعي شادنا خرقا * 187 - وقوله عز وجل وما كان لنبي ان يغل وتقرأ يغل ومعنى يغل يخون وروى أبو صخر عن محمد بن كعب في معنى وما كان لنبي ان يغل قال يقول ما كان لنبي ان يكتم شيئا من كتاب الله عز وجل ويغل يحتمل معنيين

(1/503)


أحدهما ان يلفي غالا أي خائنا كما تقول أحمدت الرجل إذا اصبته محمودا وأحمقته إذا اصبته أحمق قالوا ويقوي هذا القول انه روي عن الضحاك انه قال يغل يبادر الغنائم لئلا تؤخذ والمعنى الآخر ان يكون يغل بمعنى يغل منه أي يخان منه وروى عن قتادة ان معنى يغل يخان وقد قيل فيه قول ثالث لا يصح وهو ان معنى يغل يخون ولو كان كذلك لكان يغلل
188 - ثم قال عز وجل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا أعرفن أحدكم يأتي يوم

(1/504)


القيامة ومعه شاة لها ثغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا والغلول في اللغة ان يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه ومنه يقال للماء الذي يجري بين الشجر غلل كما قال الشاعر * لعب السيول به فاصبح ماؤه * غللا يقطع في اصول الخروع * ومنه الغلالة ومنه يقال تغلغل فلان في الامر والاصل تغلل ومنه في صدره علي غل أي حقد ومنه غللت لحيتي وغليتها 189 - وقوله عز وجل تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله

(1/505)


قال الضحاك افمن اتبع رضوان الله من لم يغل كمن باء بسخط من الله كمن غل ومعنى باء احتمل 190 - ثم قال عز وجل هم درجات عند الله والله بيصير وقد بما يعملون قال مجاهد المعنى لهم درجات عند الله والتقدير في اللغة العربية
هم ذوو درجات ثم حذف والمعنى بعضهم أرفع درجة من بعض وقيل هم لمن اتبع رضوان الله ولمن باء بسخطه أي لكل واحد مهم جزاء عمله بقدر

(1/506)


191 - وقوله عز وجل لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم أي ممن يعرفونه بالصدق والامانة وجاءهم بالبراهين ولم يعرفوا منه كذبا قط 192 - وقوله عز وجل أو لما أصابكم مصيبة قد أصبتم مثليها قال الضحاك قتل من المسلمين يوم أحد سبعون رجلا وقتل من المشركين يوم بدر سبعون واسر سبعون فذلك قوله تعالى قد اصبتم مثليها يوم بدر ويوم أحد ومعنى قل هو من عند أنفسكم بذنبكم وبما كسبت أيديكم لان الرماة خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبتوا كما

(1/507)


أمرهم ومعنى أو إدفعوا أي كثروا وان لم تقاتلوا ومعنى فادراءوا علي فادفعوا 193 - وقوله عز وجل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون روي ان ارواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت
ثم تأوي الى قناديل معلقة عند العرش 194 - وقوله عز وجل فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهمم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون

(1/508)


والمعنى لم يلحقوا بهم في الفضل وان كان لهم فضل 195 - قوله عز وجل يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع أجر المؤمنين والمعنى ويسبشرون حتى بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ويقرأ وان الله بكسر الالف لا يضيع اجر المؤمنين على انه مقطوع من الاول والمعنى وهو سبحانه لا يضيع أجر المؤمين ثم جئ بإن توكيدا 196 - وقوله عز وجل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح روى عكرمة عن ابن عباس ان المشركين يوم أحد لما انصرفوا فبلغوا الى الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع

(1/509)


لمقاتلة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وفوا يعني حمراء الاسد وهي على ثمانية اميال من المدينة فأنزل الله عز وجل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح
197 - وقوله عز وجل الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم قيل انه يعني بالناس نعيم بن مسعود وجهه أبو سفيان يثبط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومجازة في اللغة ان يراد به نعيم وأصحابه وقال ابن اسحاق الذين قال لهم الناس هم نفر من عبد القيس

(1/510)


قالوا أبا سفيان ومن معه راجعون اليكم ثم قال تعالى فزادهم ايمانا أي فزادهم التخويف أيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي كافينا الله يقال أحسبه إذا كفاه 198 - وقوله عز وجل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء قال عكرمة عن ابن عباس لما وافدوا بدرا وكان أبو سفيان قد قال لهم موعدكم بدرا موضع قتلتم أصحابنا فوافى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدرا واشترى المسلمون بها أشياء ربحوا فيها

(1/511)


فالمعنى على هذا فانقلبوا بنعمة من الله وفضل من انصراف عدوهم وفضل في تجارتهم 199 - وقوله عز وجل انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه يقال كيف يخوف من تولاه فروي عن ابراهيم
النخعي يخوفكم اولياءه قيل هذا حسن في العربية كما تقول فلان يعطي الدنانير أي يعطي الناس الدنانير والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء وأحد المفعولين ونظيره قوله عز وجل لينزر تعالى باسا شديدا وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء * امرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد ركتك فإن ذا مال وذا نشب * وأولياؤه هاهنا الشياطين وقد قيل ان معنى يخوف

(1/512)


اولياءه يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لانهم اشد خوفا 200 - وقوله عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما في معناه قولان أحدهما ما رواه الاسود عن عبد الله بن مسعود انه قال الموت خير للمؤمن والكافر ثم تلا وما عند الله خير للابرار وانما نملي لهم ليزدادوا اثما والقول الاخر ان هذه الاية مخصومة أريد بها قوم بأعيانهم لا يسلمون كما قال جل وعز ولا انتم عابدون ما أعبد

(1/513)


201 - وقوله عز وجل وكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب قال قتادة حتى يميز الكافر من المؤمن
وقال إن ابي نجيح عن مجاهد حتى يميز المؤمن من المنافق وكان هذا يوم أحد بين فيه المؤمن من المنافق حتى قتل من المسلمين من قتل ثم قال تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب أي ليس يخبركم من يسلم ومن يموت على الكفر ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء قال مجاهد أي يخلصهم لنفسه 202 - وقوله عز وجل ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من

(1/514)


فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة في الآية قولان أحدهما انه يراد به اليهود لانهم بخلوا ان يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي على هذا للتمثيل أي سيد طوقون عمر الاثم والقول الاخر هو الذي عليه اهل الحديث أنه روى أبو وائل عن عبد الله ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل له مال ثم بخل بالحق في ماله الا طوق الله يوم القيامة شجاعا أقرع ثم تلا مصداق ذلك ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الى قومه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة

(1/515)


203 - ثم قال عز وجل ولله ميراث السماوات والارض والله بما تعملون خبير العرب تسمي كل ما صار الى الانسان مما قد كان في يد
غيره ميراثا فخوطبوا على ما يعرفون لان الله يغني الخلق وهو خير الوارثين 204 - وقوله عز وجل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء قال الحسن لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة قالت اليهود أو هو فقير يستقرض يموهون بذلك على ضعفائهم فأنزل الله عز وجل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقبر ونحن اغنياء

(1/516)


المعنى إنه على قول محمد فقير لانه اقترض منا فكفروا بهذا القول لانهم أرادوا تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم به وتشكيكا النبي للمؤمنين في الاسلام 205 - ثم قال تعالى سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق سنحصيه وإن ويجوز سيكتب ما قالوا أي سيكتب الله ما قالوا 206 - ثم قال تعالى ونقول ذوقوا عذاب الحريق أي عذاب النار لان من العذاب ما لا يحرق 207 - وقوله عز وجل فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير

(1/517)


الزبر جمع البور وهو الكتاب يقال زبرت إذا كتبت
208 - ثم قال تعالى كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة وهذا تمثيل والمعنى كل نفس كل نفس ميتة وأنشد أهل اللغة * من لم يمت عبطه كما يمتهر ما هو * للموت كاس فالمرء ذائقها * 209 - ثم قال جل وعز فمن زحزج وسلم عن النار وأدخل الجنة فقد فاز زحرج عنه نحي وفاز إذا نجا واغتبط بما هو فيه فأما

(1/518)


قولهم مفازة فانما هو على التفاؤل كما يقال للاعمى بصير وقد قيل ان مفازة من قوله فوز الرجل إذا مات وهذا القول ليس بشئ لان قولهم فوز الرجل انما هو على التفاؤل ايضا 210 - وقوله عز وجل لتبلون في أموالكم وأنفسكم قيل معناه لتختبران إن وقيل معناه لتصابن إلا والمعنيان يرجعان الى شئ واحد 211 - ثم قال تعالى ولتسمعن من الذين اتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا روي ان ابا بكر رحمة الله عليه سمع رجلا من اليهود يقول أو هو فقير يستقرض فلطمه فشكاه اليهودي الى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل واتسمعن فيه من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى

(1/519)


وأذى مصور أذي يأذي صلى إذا تأوى 212 - وقوله عز وجل واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه قال سعيد بن جبير يعني النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى على هذا لتبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكتمونه وقال قتادة هذا ميثاق اخذه الله عز وجل على اهل العلم فمن علم سيئا فليعلمه واياكم وكتمان العلم

(1/520)


213 - ثم قال تعالى فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فنبذوه وراء ظهورهم أي تركوه ثم بين لم فعلوا ذلك فقال واشتروا به ثمنا قليلا أي أخذ الرشا وكرهوا ان يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فتبطل رياستهم 214 - وقوله عز وجل لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا روي عن مروان انه وجه الى ابن عباس يقول أكل من فرح بما أتى واحب ان يحمد بما لم يفعل يعذب فقال ابن عباس هذا في اليهود لان النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن شئ فلم يخبروه به واخبروه بغيره واحبوا أن يحمدوا بذلك وفرحوا بما اتوا من كتمانهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ة يحبون وقال ان يحمدوا بما لم يفعلوا الايه

(1/521)


وروى سعيد بن جبير انه قرأ لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا قال اليهود فرحوا بما أوتي ال ابراهيم من الكتاب والحكم والنبوة ثم قال سعيد بن جبير ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا قولهم نحن على دين ابراهيم

(1/522)


215 - ثم قال عز وجل فلا تحسبنهم بمازة من العذاب أي بمنجاة ولهم عذاب اليم أي مؤلم 216 - ثم قال عز وجل ولله ملك السموات والارض والله على كل شئ قدير هو خالقهما وخالق ما فيهما وهذا تكذيب للذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء 217 - ثم قال عز وجل ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب أي لعلامات دالة عليه والالباب العقول 218 - وقوله عز وجل الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم في معنى الآية قولان أحدهما روي عن عبد الله بن مسعود انه قال من لم

(1/523)


يستطيع ان يصلي قائما صلى قاعدا والا وضجعا
أنه والقول الاخر انهم الذين يوحدن والله عز وجل على كل حال ويذكونه وهو والقول الاول ليس بصحيح الاسناد وايضا فان الله تعالى انما وصف أولي الالباب بالذكر له على كل الاحوال التي يكون الناس عليها ويبين لك هذا حديث ابن عباس حين بات عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستوى على فراشه قاعدا ثم رفع رأسه الى السماء ثم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات وقرأ ان في خلق السموات والارض حتى ختم السورة

(1/524)


219 - ثم قال عزوجل ويتفكرون في خلق السموات والارض أي ليكون ذلك أزيد في بصيرتهم 220 - ثم قال عز وجل ربنا ما خلقت هذا باطلا أي يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا فحذف يقولون 221 - ثم قال عز وجل سبحانك فقنا عذاب النار روي عن طلحة بن عبيد الله انه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن سبحان فقال تنزيه الله عن السوء

(1/525)


وأصل التنزيه في ياللغة صلى الله عليه وسلم البعد أي التنزيه الله عز وجل عن الانداد والاولاد 222 - وقوله عز وجل ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الازهر إملأ قال حدثنا مؤمل بن أسماعيل قال حدثنا أبو هلال
عن قتادة عن أنس في قوله عز وجل انك تدخل انار فقد اخريته إذا قال من خلد في النار فقد اخزيته قال أبو الازهر وحدثنا روح حدثنا حماد بن زيد عن جويبر عن الضحاك انه تلا حديث الشفاعة فقال له رجل انك من تدخل النار فقد اخزيته قال ذلك لهم خزي فمن ادخل النار فقد خزي وان أخرج منها لان الخزي

(1/526)


انما هو هتك ستر المخزى وفضيحته يقال خزي يخزى إذا ذل وأخزيته فقال إذا أذللته اذلالا يبين عليه 223 - وقوله عز وجل ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان قال محمد ابن كعب هو القرآن وليس كلهم سمع النبي صلى الله عليه وسلم 224 - وقوله عز وجل ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك لانه وعد من وحده وآمن الجنة 225 - وقوله عز وجل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى

(1/527)


ويقرا اني لا اضيع عمل عامل منكم على معنى فقال اني والفتح بمعنى باني لا اضيع عمل عامل منك من ذكر أو انثى وروي ان سلمة قالت يارسول الله ما سمعت الله ذكر النساء في الهجرة
فنزل الله عز وجل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عما عامل منكم من ذكر أولا انثى بعضكم من بعض 226 - وقوله عز وجل ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب أي جزاء وأصله من ثاب يثوب إذا رجع والتثويب في النداء ترجيع الصوت 227 - وقوله عز وجل لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد

(1/528)


أي يغرنك تصرفهم وسلامتهم فان اخر مصيرهم الى النار فمن كان آخر مصير الى النار لم يغبط 228 - وقوله عز وجل وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل إليهم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي وترحم عليه فقال قوم من المنافقين أي صلى عليه وليس من أهل دينه فانزل الله عز وجل وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل إليهم خاشعين لله أي متواضعين ومنه قال الشاعر وإذا افتقرت لا تكن متخشعا وتجمل 229 - ثم قال عز وجل لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا لانه قد اخبر ان منهم من يثبت على دينه لاخذ الرشا ولئلا تبطل رياسته

(1/529)


230 - قوله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا
تبطل رياسته

(1/530)


230 - قوله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا أي اصبروا على دينكم وصابروا قال قتادة أي صابروا المشركين ورابطوا قال قتادة أي جاهدوا وأصل الرباط والمرابطة عند اهل اللغة ان العدو يربطون خيولهم ويربط المسلمون تحزرا ثم كثر استعمالهم لها حتى قيل لكل من اقام بالثغر مرابط حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا الدرامي قال حدثنا يحيى ابن ابي بكير قال حدثنا جسر عن الحسن يا ايها الذين امنوا اصبروا قال عن المصائب وصابروا

(1/530)


قال الصلوات الخمس ورابطوا اعداء الله في سبيل الله 231 - ثم قال عز وجل واتقوا الله أي لم تؤمروا بالجهاد فقط فاتقوا الله عز وجل فيما امركم به ونهاكم عنه 232 - ثم قال عز وجل لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح واصل الفلاح البقاء والخلود وقد بيناه فيما تقدم تمت سورة ال عمران

(1/531)