معاني القرآن للنحاس

معاني القرآن - النحاس ج 2
معاني القرآن
النحاس ج 2

(2/)


المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة من التراث الاسلامي معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ محمد على الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء الثاني

(2/1)


الطبعة الاولى 1409 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة جامعة أم القرى

(2/2)


بسم الله الرحمن الرحيم

(2/3)


إن لاعجب ممن يقرأ القرآن، كيف يلتذ بتلاوة ولم يفهم معناه " الامام الطبري "

(2/4)


تفسير سورة النساء

مدنية وآياتها 176 آية

(2/5)


سورة النساء وهي مكية 1 من ذلك قوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) قال مجاهد خلقت حواء من قصيرى آدم وفي الحديث (خلقت المرأة من ضلع عوجاء (

(2/7)


وقيل (منها) من جنسها 2 ثم قال تعالى (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) يقال بثثت الشئ وأبثثته ثنا إذا نشرته ومنه (كالفراش المبثوث) 3 وقوله عز وجل (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) قال عكرمة المعنى واتقوا الارحام أن تقطعوها وقال إبراهيم هو من قولهم (أسألك بالله) والرحم قال أبو جعفر وهذا على قراءة من قرأ بالخفض

(2/8)


4 وقوله عز وجل (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) قال الضحاك لا تعطوهم زيوفا بجياد وقال غيره لا تتبدلوا الحرام بالحلال 5 ثم قال تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) قيل المعنى (مع أموالكم) والاجود أن تكون (الى) في موضعها ويكون المعنى ولا تضموا أموالهم الى أموالكم

(2/9)


6 ثم قال عز وجل (انه كان حوبا كبيرا) قال قتادة الحوب الاثم وروي أن أبا أيوب طلق امرأته أو عزم على أن يطلقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان طلاق أم أيوب لحوب (7 وقوله عز وجل (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فكأن أقسط أزال القسوط فأما معنى (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء) ففيه قولان أحدهما أن ابن عباس قال فيما روي عنه قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى

(2/10)


وروي عن جماعة من التابعين شرح هذا القول
وروي عن مجاهد والضحاك وقتادة وهذا معنى قولهم (ان المسلمين كانوا يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فقال جل وعز (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) أي فكما تخافون في أمر اليتامى فخافوا في أمر النساء إذا اجتمعن أن تعجزوا عن العدل بينهن والقول الآخر رواه الزهري عن عروة عن عائشة قال سألت عائشة عن قول الله جل وعز (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) فقالت يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد تزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعيطها به مثل ما يعطيها غيره

(2/11)


فنهوا أن ينكحوا اليتامى إذا خافوا هذا وأبيح لهم من النساء أربع قالت عائشة (ثم) ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز وجل (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) الى قوله (وترغبون أن تنكحوهن) قالت والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الاولى التي فيها (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) قالت وقوله (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط من أجل رغبتهن وأهل النظر على (هذا) القول

(2/12)


قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير وان خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه (فانكحوا) وقد قال بالقول الاول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء وابن قتيبة والقول الثاني أعلى اسنادا وأجود عند أهل النظر وأما من قال معنى (مثنى وثلاث ورباع) تسع فلا

(2/13)


يلتفت الى قوله ولا يصح في اللغة لان معنى (مثنى) عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فان من كلام العرب الاختصار ولا يجوز أن يكون معناه تسعا لانه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لان تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لاحد أن يتزوج الا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا 8 وقوله عز وجل (ذلك أدنى ألا تعولوا) (أدنى) بمعنى أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (ذلك أدنى ألا تعولوا) قال (أن لا تجوروا (

(2/14)


وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك معنى (أن لا تعولوا) أن لا تميلوا وقال أبو العباس في قول من قال (أن لا تعولوا) من العيال هذا باطل وخطأ لانه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال

(2/15)


وأيضا فانه انما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس ل (أن لا تعولوا) من العيال ههنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة إذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي هذا على فلان أي أنا أميل إليه وأتجاور ثم في ذلك ومنه (عالني الشئ) إذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل انما هو المجاوزة وأيضا فانه انما يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله 9 وقوله عز وجل (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قيل يعنى به الازواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز وجل أن يدفع الى النساء هذا قول أبي صالح

(2/16)


وقال أبو العباس معنى (نخلة) أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن رسول الله عز وجل اياه وقيل معنى (نحلة) دينا من قولهم فلان ينتحل
كذا أي تعبدا من الله جل وعز وقيل فرضا والمعنى واحد لان الفرض متعبد به وقيل لا يكون (نحلة) الا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون (نحلة) 10 وقوله عز وجل (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)

(2/17)


يعني الصداق أي لا كدر فيه يقال أمرأني الشئ بالالف فإذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب (أكثر) أهل اللغة قالوا للاتباع وأما أبو العباس فقال لا يقال في الخير الا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء والمروءة من هذا لان صاحبها يتجشم أمورا يستمرئ عاقبتها 11 وقوله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين السفهاء النساء والصبيان

(2/18)


وانما قالوا هذا لان السفه في هؤلاء أكثر والسفه الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه إذا
كان خفيفا وقيل للفاسق سفيه لانه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم والمعنى ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد (وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) أي علموهم أمر دينهم 12 وقوله عز وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) قال الحسن أي اختبروهم

(2/19)


13 وقوله تعالى (فان آنستم منهم رشدا) (آنستم) بمعنى علمتم وأحسستم لم ومنه قول الشاعر آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الامساء والرشد الطريقة المستقيمة قال مجاهد العقل وقال سفيان العقل والحفظ للمال قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل فيه لانه أجمع أهل العلم على أنه إذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله

(2/20)


14 ثم قال تعالى (فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا)
أي مبادرة أن يكبروا فيأخذوها حدثنا منكم 15 وقوله عز وجل (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) في هذه الآية أقوال أجودها أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه ان كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه إذا احتاج

(2/21)


وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له أن يأخذ منه إذا كان يخدمه ما لم يسرف وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية ليس له أن يأخذ شيئا الا قرضا وحدثنا عمر بن اسماعيل بن أبي غيلان قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال قرضا ثم تلا هذه الآية (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) وقال أبو يحيى عن مجاهد ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك

(2/22)


وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب الى أن
الآية منسوخة نسخها قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة) وليس بتجارة 16 وقوله عز وجل (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) يروى أنهم كانوا لا يورثون النساء وقالوا لا يرث الا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فأنزل الله (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) 17 وقوله عز وجل (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين)

(2/23)


في هذه الآية أقوال أحدهما أنها منسوخة قال سعيد بن المسيب نسختها الميراث والوصية والاجماع من أكثر العلماء في هذا الوقت أنه لا يجب اعطاؤهم وانما هذا على جهة الندبة الى الخير أي إذا حضروا فأعطوهم كما كان المتوفى يؤمر باعطائهم وقال عبيدة والشعبي والزهري والحسن هي محكمة قال ابن أبي نجيح يجب أن يعطوا ما طابت به الانفس

(2/24)


قال أبو جعفر وأن يكون ذلك شكرا على ما رزقهم الله دونه
18 ثم قال تعالى (وقولوا لهم قولا معروفا) قال سعيد بن جبير يقال لهم خذوا بورك لكم 19 وقوله عز وجل (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) قال سعيد بن جبير ومجاهد في الرجل يحضر عند المريض فيقول له قدم خيرا أو تصدق على أقربائك فأمروا أن يشفقوا على ورثة المريض كما يشفقون على ورثتهم وقال مقسم يقول له من حضره اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من ولدك ولو كانوا ذوي

(2/25)


قرابة من الذي أوصى لاحبوا ابن أن يوصي لاولادهم وقول سعيد بن جبير أشبه بمعنى الآية والله أعلم لان المعنى خافوا عليهم الفقر فالخوف واقع على ذرية الموتى 20 وقوله عز وجل (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) اليتيم في اللغة المنفرد فقيل لمن مات أبوه من بني آدم يتيم وهو في البهائم الذي ماتت أمه

(2/26)


21 وقوله تعالى (إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) هذا مجاز في اللفظ وحقيقته في اللغة أنه لما كان ما يأكلون يؤديهم الى النار كانوا بمنزلة من يأكل النار وان كانوا يأكلون الطيبات
22 وقوله عز وجل (يوصيكم الله في أولادكم) أي يفرض عليكم كما قال (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به) 23 ثم قال تعالى (للذكر مثل حظ الانثيين)

(2/27)


خلافا على أهل الجاهلية لانهم كانوا لا يورثون الاناث 24 وقوله عز وجل (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال أمنها أنه قيل ان فوقا ههنا زائدة وأن المعنى فان كن نساء اثنتين كما قال (فاضربوا فوق الأعناق) ب وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص

(2/28)


لان الله عز وجل جعل هذه الاشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الاخوات والاخوة للام إذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) ج ودليل آخر أنه جعل فرض الاخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الاختين

(2/29)


قال الله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وقال أبو العباس محمد بن يزيد في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لانه قال (للذكر مثل حظ الانثيين) وأقل العدد ذكر وأنثى فإذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للانثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة وقد قيل ليس للبنات الا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان على أن ابن عباس قال لهما النصف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى البنتين الثلثين وروى جابر بن عبد الله أن امرأة (سعد بن الربيع) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله ان زوجي قتل معك وانما

(2/30)


يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الاخ المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ادفع إليها الثمن والى البنتين الثلثين ولك ما بقي) 25 وقوله عز وجل (فان كان له أخوة فلامه السدس) أجمعت الفقهاء أن الاخوة اثنان فصاعدا الا ابن عباس فانه قال لا يكون الاخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما اخوة قوله (وان كانوا اخوة رجالا ونساء) فلا اختلاف بين أهل العلم أن
هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لانه واحد جمعته الى آخر

(2/31)


وقال (وأطراف النهار) يعني طرفيه والله أعلم وصلاة الاثنين جماعة 26 وقوله عز وجل (من بعد وصية يوصي بها أو دين) روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انكم تقرؤون (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو جعفر كأن هذا على التقديم والتأخير وليست (أو) ههنا بمعنى الواو وانما هي للاباحة والفرق بينها وبين الواو أنه لو قال (من بعد وصية يوصي بها ودين) جاز أن يتوهم السامع بأن هذا إذا اجتمعا فلما جاء

(2/32)


بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما 27 وقوله عز وجل (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) قال ابن عباس في الدنيا وقال غيره إذا كان الابن أرفع درجة من الاب سأل الله أن يلحقه به وكذلك الاب إذا كان أرفع درجة منه 28 ثم قال تعالى (فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما) أي عليم بما فرض حكيم به
ومعنى (كان) ههنا فيه أقوال أحدهما أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة

(2/33)


وعلما فأعلمهم الله عز وجل أنه لم يزل كذلك وقيل الاخبار من الله في الماضي والمستقبل واحد لانه عنده معلوم 29 وقوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة) في الكلالة أقوال قال البصريون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا

(2/34)


الكلالة من لا ولد له ولا والد وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم إذا لم يولد له وهو مشتق من الاكليل فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيجوز المال وقال أهل المدينة وأهل الكوفة الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد وروي عن عمر قولان أحدهما أن الكلالة من لا ولد له ولا والد والآخر أنها من لا ولد له

(2/35)


قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال الكلالة المال وقال ابن زيد الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة وقال محمد بن جرير الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال قلت يا رسول الله انما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت 30 ثم قال تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس)

(2/36)


وانما يعني ههنا الاخوة والاخوات للام وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (وله أخ أو أخت) من أمه فلكل واحد منهما السدس وقرأ الحسن وأبو رجاء (يورث كلالة) وقال هارون القارئ قرأ بعض أهل الكوفة (يورث كلالة) فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة الا الورثة أو المال 31 وقوله عز وجل (من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار) وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية من
الله) مضاف وقد زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن لان اسم الفاعل لا يضاف الى المصدر

(2/37)


والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم 32 وقوله عز وجل (تلك حدود الله) أي ما منع أن يجاوز وحددت منعت 33 ثم قال تعالى (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار) أي من يطعه فيما فرض وحد 34 ثم قال تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا) معنى يتعدى يتجاوز أي يتجاوز ما حد له

(2/38)


35 وقوله عز وجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت) هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كان الامر كذا حتى نزلت الآية (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فأما معنى الآية المنسوخة فان سفيان والسدي فالا كان الثيب إذا زنا حبس حتى يموت وكان البكر إذا زنا سب
بالقول الا أن الفائدة في الآية كان لا يقبل في الزنا الا اربعة

(2/39)


وزعم مجاهد أن قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) أنها كانت خاصة على النساء دون الرجال والتي بعدها على الرجال خاصة وهي (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) بالسب ثم نسختا بالحد المفروض هذا معنى قوله قال أبو جعفر وهذا الصحيح في اللغة الذي هو حقيقة فلا يغلب المذكر على المؤنث الا بدليل فأما معنى (أو يجعل الله لهن سبيلا) فان عبادة بن الصامت روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذوا عني قد جعل الله لهن

(2/40)


سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم قيل هذا الحديث منسوخ وهو أن الثيب لا جلد عليه وانما عليه الرجم (ونسخ هذا الحديث حديث الزهري عن عبيد الله (بن عبد الله) عن أبي هريرة وزيد بن خالد أرجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان ابني كان عسيفا لهذا وانه فسق بامرأته فافتديت منه ثم خبرت أعلى ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليه ما أخذ منه وأن يجلد ابنه مائة ويغرب عاما وترجم المرأة ولم يأمر بجلدها

(2/41)


ويقال ان حديث عبادة كان في الابتداء وان التغريب لا يجب الا أن يراه السلطان لانه يجوز أن يكون التغريب منه صلى الله عليه وسلم لشئ علمه من المجلود وقول (علي) بن أبي طالب رضي الله عنه ان على الثيب الجلد والرجم هو قول أهل النظر لانه لم يتبين نسخ الجلد مع الرجم فالجلد ثابت وعليه غير دليل 36 وقوله عز وجل (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) قال قتادة اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل من عصى الله عز وجل فهو جاهل

(2/42)


37 وقوله عز وجل (ثم يتوبون من قريب) روي عن الضحاك أنه قال كل ما كان دون الموت فهو قريب 38 وقوله عز وجل (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن) روي عن عبد الله بن عمر أنه قال ما حضور الموت الا السوق يعني أنه إذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز وجل عن فرعون (آمنت) 39 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها)

(2/43)


قال الزهري وأبو مجلز كان هذا في حي من الانصار كان الرجل إذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداء فلا تقدر أن تتزوج هذا معنى كلامهما وزاد غيرهما ويتزوجها بغير مهر وربما ضارها ولا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية فيكون المعنى لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن ويجوز أن يكون المعنى لا تتزوجوهن لترثوهن قوله كرها فيكون الميراث وقع منهن بالكراهة منهن للعقد الموجب للميراث

(2/44)


ويقرأ (كرها) والفراء يذهب الى أن معنى (كرها) أن تكره على الشئ والكره من قبله يذهب الى أنه بمعنى المشقة قال الكسائي الكره والكره واحد وهو عند البصريين كما قال الكسائي وهما لغتان 40 وقوله عز وجل (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) قال مجاهد هو مثل الذي في البقرة يذهب الى أن معناه ولا تحبسوهن

(2/45)


ويروى أن الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيحبسها ويضارها حتى تفتدي منه 41 ثم قال عز وجل (الا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال الحسن والشعبي يعني الزنا قال الشعبي فان فعلت ذلك صلح لخلع وكان له أن يطالبها به وقال مقسم هذا إذا عصتك وآذتك وقال عطاء الخراساني كان الرجل إذا تزوج المرأة فأتت بفاحشة كان له أن يأخذ منها كلما ساقه إليها فنسخ ذلك

(2/46)


بالحدود 42 وقوله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) أي في المبيت والنفقة والكلام 43 وقوله عز وجل (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج) أي تطليقا وتزوجا

(2/47)


ثم قال (وآتيتم احداهن قنطارا) القنطار المال الكثير وقد ذكرناه في سورة آل عمران 44 وقوله عز وجل (أتأخذونه بهتانا واثما مبينا) والبهتان في اللغة الباطل الذي يتحير من بطلانه ومنه بهت الرجل إذا تحير 45 وقوله عز وجل (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى
بعض) قال ابن عباس الافضاء الغشيان وأصل الافضاء في اللغة المخالطة ويقال للشئ المختلط فضا

(2/48)


قال الشاعر فقلت لها يا عمتا لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيب ويقال القوم فوضى فضا أي مختلطون لا أمير عليهم 46 وقوله عز وجل وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال ابن عباس والحسن هو قوله (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وجعله بمنزلة الميثاق المغلظ أي اليمين مجازا وقال مجاهد وعكرمة استحلتموهن له بأمانة الله وملكتموهن ذلك بكلمة الله عز وجل

(2/49)


47 وقوله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف) يقال كيف استثنى (ما قد سلف) مما لم يكن بعد فالجواب أن هذا استثناء ليس من الاول والعرب تقول ما زاد الا ما نقص وسيبوبه محمد يجعل الا بمعنى لكن المعنى لكن ما
قد سلف فانه مغفور أو فدعوه 48 ثم قال عز وجل (إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) يقال لم جئ ب (كان) وهو بكل حال فاحشة ففي هذا جوابان

(2/50)


قال أبو اسحاق قال أبو العباس محمد بن يزيد كان ههنا زائدة والمعنى انه فاحشة وأنشد فكيف إذا رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وهذا عندي خطأ لان كان لو كانت زائدة وجب أن يكون (إنه كان فاحشة ومقت) والجواب أن هذا كان مستقبحا عندهم في الجاهلية يسمونه فاحشة ومقتا

(2/51)


والمقت أشد البغض ويسمون المولود منه المقتي فأعلم الله جل وعز أن هذا الذي حرمه كان قبيحا في الجاهلية ممقوتا 49 وقوله جل وعز (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم) هذه المحرمات تسمى المبهمات لانها لا تحل بوجه
ولا سبب الا قوله (وأمهات نسائكم) فان أكثر الفقهاء يجعله من الاول

(2/52)


وقال بعضهم إذا تزوجها ولم يدخل بها لم تحرم عليه أمها وهذا القول على مذهب أهل اللغة بعيد لان الشرط لمن يقع عليه ولان قوله (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) متعلق بقوله (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ولا يجوز أن يكون قوله (اللاتي) من نعتهما جميعا لان الخبرين مختلفان ولكنه يجوز على معنى أعني وأنشد الخليل وسيبويه ان بها أكتل اورزاما إلى خويربين ينفقان الهاما

(2/53)


خويربين بمعنى أعني والربيبة بنت امرأة الرجل وسميت ربيبة لان زوج أمها يربيها ويجوز أن تسمى ربيبة وان لم يربها لانها ممن يربيها كما يقال أضحية من قبل أن يضحى بها وكذلك حلوبة أي يحلب قال الشاعر فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الاسحم 50 وقوله جل وعز (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم)
حليلة الرجل امرأته والرجل حليل لان كل واحد منهما يحل على صاحبه

(2/54)


وقيل حليلة بمعنى محلة من الحلال والحرام قال الشاعر وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الاعلم فأما الفائدة في قوله (من أصلابكم) فهي على اخراج الحليلات كان بنات الادعياء المتبنين من هذا غير أن (في حجوركم) يدل على التربية 51 وقوله جل وعز (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) فهذا استثناء ليس من الاول والمعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور

(2/55)


52 وقوله جل وعز (والمحصنات من النساء) قال علي وابن عباس وأبو سعيد الخدري هن ذوات الازواج لا تحل واحدة منهن الا أن تسبى قال عبد الله بن عباس نكاح ذوات الازواج زنا الا أن تسبى وقد كان لها زوج فتحل بملك اليمين وقول آخر أنهن الاماء ذوات الازواج إذا استؤنف عليهن الملك كان فاسخا لنكاحهن
روي هذا عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأنس

(2/56)


وقول ثالث قال أبو عبيده (الا ما ملكت أيمانكم) الاربع وأحسنها الاول لحديث أبي سعيد الخدري (أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله فنزلت هذه الآية فاستحللناهن) 53 وقوله جل وعز (كتاب الله عليكم) أي فرض الله عليكم وقرئ (كتب الله عليكم (أي فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل انه لا يحرم عليكم سواهن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)

(2/57)


وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب 54 وقوله جل وعز (أن تبتغوا بأموالكم محصنين) محصنين أي ناكحين غير مسافحين قال مجاهد أي غير زانين
وأصله من سفح إذا صب كما قال الشاعر وان شفائي عبرة ان سفحتها فهل عند رسم دارس من معول

(2/58)


فسمي الزنا سفاحا لانه يمنزلة الماء المصبوب 55 وقوله جل وعز (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) في معنى هذه الآية قولان أحدهما أنها منسوخة وروي عن سعيد بن المسيب ذلك وروى عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله جل وعز حرم أو أهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث (

(2/59)


وروى مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم والحسن بن محمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس انك رجل تائه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقالت عائشة حرم الله المتعة بقوله (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) والدليل على أن المستمتع بها غير زوجة أنها لو كانت زوجة
للحقها الطلاق وكان عليها عدة الوفاة ولحق ولدها بأبيه ولتوارثا

(2/60)


ومعنى (فآتوهن أجورهن) المهر والدليل على ذلك أن بعده (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فهذا باجماع المهر وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قراء (فما استمتعم به منهن الى أجل مسمى) والقول الآخر أن هذا ليس من المتعة وقال الحسن ومجاهد هو من النكاح فالمعنى (فما استمتعتم به منهن) من النكاح

(2/61)


أي ان دخلتم بها فلها المهر ومن لم يدخل كان عليه نصف المهر والدليل على أن هذا هو القول الصحيح قوله (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) أي ان وهب لها النصف الآخر فلا جناح وان وهبت له النصف فلا جناح 56 ثم قال عز وجل (إن الله كان عليما حكيما) أي هو عليم بما فرض عليكم في النكاح 57 وقوله عز وجل (ومن لم يستطع منكم طولا)
أي قدرة على المهر والطول في اللغة الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر

(2/62)


58 وفي قوله عز وجل (أن ينكح المحصنات) قولان أحدهما أنهن العفائف والآخر أنهن الحرائر والاشبه أن يكن الحرائر لقوله (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) يعني المملوكات والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة أبو فتاة 59 ثم قال عز وجل (بعضكم من بعض)

(2/63)


في معنى هذا قولان أحدهما بنو آدم والقول الآخر انكم مؤمنون فأنتم اخوة وانما قيل لهم هذا فيما روي لانهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة أو ويسمون ابن الامة هجينا فقال عز وجل (بعضكم من بعض) 60 وقوله جل وعز (وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات) متزوجات (غير مسافحات) أي غير زانيات (ولا متخذات أخدان)
الخدن الصديق أي غير زانيات بواحد ولا مبذولات

(2/64)


61 ثم قال جل وعز (فإذا أحصن) قال الشعبي معناه فإذا أسلمن وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال الاحصان الاسلام ويقرأ فإذا أحصن قال ابن عباس تزوجن إذا كانت غير متزوجة وقال الزهري معناه فإذا تزوجن قال الزهري تحد الامة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة

(2/65)


والاختيار عند أهل النظر فإذا أحصن بالضم لانه قد تقدم ذكر اسلامهن في قوله عز وجل ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فدل ذلك على أن الاحصان الثاني غير الاسلام فالاختيار على هذا (أحصن) بالضم أي تزوجن وقيل (أحصن) تزوجن وذا أولى لانه قال (من فتياتكم المؤمنات) فيبعد أن يقول فإذا أسلمن 62 ثم قال جل وعز (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)
يعني نصف الحد ويعني بالمحصنات ههنا الابكار الحراير

(2/66)


لان الثيب عليها الرجم ولا يتبعض قيل وانما قيل للبكر محصنة وان لم تكن متزوجة لان الاحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير وقيل المحصنات المتزوجات لان عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب 63 ثم قال جل وعز (ذلك لمن خشي العنت منكم) قال الشعبي الزنا والعنت في اللغة المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة

(2/67)


64 ثم قال جل وعز (وأن تصبروا خير لكم) أي وأن تصبروا عن نكاح الاماء خير لكم وانما شدد في الاماء لان ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج 65 وقوله عز وجل (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) أي طرق الانبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها)

(2/68)


66 وقوله جل وعز (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)
أي يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق 67 وقوله جل وعز (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا) قال طاووس خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وخلق الإنسان ضعيفا) أي خلق الله الانسان ضعيفا 68 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) أي لا يحل لكم الا على ما تقدم من هبة أو مهر

(2/69)


أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك 69 وقوله جل وعز (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) قال عطاء أي لا يقتل بعضكم بعضا وذلك معروف في اللغة لان المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه

(2/70)


وقرأ الحسن (ولا تقتلوا أنفسكم) على التكثير 70 ثم قال جل وعز (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) العدوان في اللغة المجاوزة للحق والظلم وضع الشئ في غير موضعه
71 ثم قال جل وعز (وكان ذلك على الله يسيرا) أي سهلا يقال يسر الشئ فهو يسير إذا سهل 72 وقوله جل وعز (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين

(2/71)


وقال عبد الله بن مسعود الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله وقال طاووس قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي الى السبعين أقرب وحقيقة الكبيرة في اللغة أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة

(2/72)


73 ثم قال تعالى (نكفر عنكم سيئاتكم) قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يصيبه هم أو نصب الا كفر عنه به 74 ثم قال جل وعز (وندخلكم مدخلا كريما) قيل يعني به الجنة والله أعلم 75 وقوله جل وعز (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على
بعض) روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث فأنزل الله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) وقيل انما نهي عن الحسد والحسد عند أهل اللغة أن يتمنى الانسان ما لغيره بأن يزول

(2/73)


عنه فان تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة المعنى ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف وقال قتادة كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الانثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال انا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) أي المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال وقال سعيد بن جبير (وأسألوا الله من فضله)

(2/74)


العبادة ليس من أمر الدنيا وقيل سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه (إن الله كان بكل شئ عليما) أي بما يصلح عباده
76 وقوله جل وعز (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون) قال مجاهد هم بنو العم وقال قتادة هم الاقرباء منهم الاب والاخ وقال الضحاك يعني الاقرباء وهذا قول أكثر أهل اللغة

(2/75)


77 وقوله جل وعز (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كانوا في الجاهلية يجئ الرجل الى الرجل فيقول له أرثك وترثني فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة وقال سعيد بن المسيب كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز

(2/76)


78 وقوله جل وعز (الرجال قوامون على النساء) قيل لان منهم الحكام والامراء ومن يغزو 79 ثم قال جل وعز (بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم)
أي من المهور 80 ثم قال جل وعز (فالصالحات قانتات) قال قتادة أي مطيعات وقال غيره أي قيمات لازواجهن بما يجب من حقهن 81 ثم قال عز وجل (حافظات للغيب)

(2/77)


قال قتادة أي لغيب أزواجهن (بما حفظ الله) أي بما حفظهن الله به في مهورهن والانفاق عليهن وقرأ أبو جعفر المدني (بما حفظ الله) ومعناه بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله 82 وقوله جل وعز (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) قال أهل التفسير النشوز العداوة والنشوز في اللغة الارتفاع ويقال لما ارتفع من الارض نشز ونشز

(2/78)


والعداوة هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه قال سفيان معنى فعظوهن أي فعظوهن بالله (واهجروهن في المضاجع) قال سفيان من غير ترك الجماع (واضربوهن) قال عطاء ضربا غير مبرح

(2/79)


83 ثم قال جل وعز (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) قال ابن جريج أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت 84 ثم قال جل وعز (ان الله كان عليا كبيرا) أي هو متعال عن أن يكلف الا الحق ومقدار الطاقة

(2/80)


85 وقوله جل وعز (وان خفتم شقاق بينهما) قال أبو عبيدة معنى خفتم أيقنتم قال أبو جعفر قال اسحاق هذا عندي خطأ لانا لو أيقنا لم يحتج الى الحكمين وخفتم ههنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين عبد في شق خلاف شق صاحبه 86 ثم قال جل وعز (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) قال مجاهد يعني الحكمين قال أبو جعفر وهذا قول حسن لانهما إذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين أن يطلقا على الرجل إذا اجتمعا على ذلك وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما

(2/81)


وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة
عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين لكما أن تحمعا عليه وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله 87 ثم قال جل وعز (إن الله كان عليما خبيرا) أي هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك 88 وقوله جل وعز (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) أي لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم 89 ثم قال جل وعز (وبالوالدين احسانا)

(2/82)


أي وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين احسانا 90 وقوله جل وعز (والجار ذي القربى) هو الذي بينك وبينه قرابة ثم قال جل وعز (والجار الجنب) قال ابن عباس هو الغريب وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة فلا تحرمني نائلا عن جنابة فاني امرؤ وسط القباب غريب

(2/83)


92 ثم قال جل وعز (والصاحب بالجنب) روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا الصاحب بالجنب المرأة
وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك الصاحب بالجنب الرفيق في السفر 93 ثم قال جل وعز (وابن السبيل) قال قتادة ومجاهد والضحاك هو الضيف والسبيل في اللغة الطريق فنسب إليها لانه إليها يأوي

(2/84)


94 وقوله عز وجل (ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا) المختال في اللغة ذو الخيلاء فان قيل فكيف ذكر المختال ههنا وكيف يشبه هذا الكلام الاول فالجواب أن من الناس من تكبر على اقربائه إذا كانوا فقراء فأعلم الله عز وجل أنه لا يحب من كان كذا 95 وقوله عز وجل (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)

(2/85)


قال ابراهيم ومجاهد وقتادة نزل هذا في اليهود وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله أي ما أعطاهم والدليل على هذا قوله (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) 96 ثم قال عز وجل (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس)
قال ابراهيم يعني به اليهود أيضا

(2/86)


وقال غيره يعني به المنافقين 97 ثم قال جل وعز (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) أي من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله 98 وقوله جل وعز (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) أي وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا أي وزن هذا ومثقال مفعال من الثقل والذرة النملة الصغيرة

(2/87)


وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان ثم قال أبو سعيد ان شككتم فاقرؤوا (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) 99 ثم قال جل وعز (وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) قال سعيد بن جبير يعني الجنة ومعنى يضاعفها يجعلها أضعافا وقرأ أبو رجاء العطاردي يضعفها

(2/88)


ومعنى من لدنه من قبله
100 وقوله جل وعز (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) في الكلام حذف لعلم السامع والمعنى فكيف تكون حالهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ قال عبد الله بن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقلت آقرأ عليك وعليك أنزل فقال نعم فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت الى قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فرأيت عينيه تذرفان

(2/89)


وقال شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم 101 وقوله جل وعز (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض) وقرأ مجاهد وأبو عمرو لو تسوى بهم الارض فمن قرأ تسوى فمعناه على ما روي عن قتادة لو تخرقت بهم الارض فساخوا فيها وقيل وهو أبين ان المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالارض فيستوون هم وهي ويدل على هذا (يا ليتني كنت ترابا)

(2/90)


وكذلك تسوى لو سواهم الله عز وجل فصاروا ترابا مثلها
والقراءة الاولى موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله تسوى بهم الارض قال تنشق فتسوى عليهم يذهب الى أن معنى (بهم) عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون (في) بمعنى (على) في قوله عز وجل (ولأصلبنكم في جذوع النخل) 202 ثم قال عز وجل (ولا يكتمون الله حديثا)

(2/91)


فيقال أليس قد قالوا (والله ربنا ما كنا مشركين) ففي هذا أجوبة منها أن يكون داخلا في التمني فيكون المعنى أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه وقال قتادة هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها وقال بعض أهل اللغة هم لا يقدرون على أن يكتموا لان الله عالم بما يسرون

(2/92)


وقيل قولهم (والله ربنا ما كنا مشركين) عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا (ولا يكتمون الله حديثا) مستأنفا
103 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال الضحاك أي سكارى من النوم وقال عكرمة وقتادة هذا منسوخ وقال قتادة نسخه تحريم الخمر

(2/93)


يذهب الى أن معنى سكارى من الشراب والدليل على أن هذا القول هو الصحيح أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقربن الصلاة سكران) وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم فقرأ (قل يا أيها الكافرون) فخلط فيها فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى) ثم نسخ هذا بتحريم الخمر

(2/94)


104 ثم قال جل وعز (ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال عبد الله بن عباس وأنس الا أن تمر ولا تجلس وروي عن ابن عباس هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت
105 ثم قال جل وعز (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط)

(2/95)


قال بعض الفقهاء المعنى وجاء أحد منكم من الغائط وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن ل (أو) معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف والمعنى وان كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم الى الماء 106 ثم قال جل وعز (أو لامستم النساء) قال ابن عباس لامستم جامعتم

(2/96)


ويقرأ (أو لمستم) قال محمد بن يزيد من ذهب الى أنه الجماع فالاحسن أن يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل انما نسب الى الرجل ومن ذهب الى أنه دون الجماع فالاحسن أن يقول لامستم 107 ثم قال جل وعز (فتيمموا صعيدا طيبا) معنى تيمموا تعمدوا واقصدوا يقال تيممت كذا وتأممته إذا قصدته

(2/97)


والصعيد في اللغة وجه الارض كان عليه تراب أو لم يكن
والدليل على هذا قوله عز وجل (فتصبح صعيدا زلقا) وانما سمي صعيدا لانه نهاية ما يصعد إليه من الارض والطيب النظيف ثم قال تعالى (ان الله كان عفوا غفورا) لانه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم

(2/98)


108 وقوله جل وعز (ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) قال أهل التفسير يعني به اليهود لان عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى (يشترون الضلالة) يلزمونها وقد صاروا بمنزلة المشتري لها والعرب تقول لكل من رغب في شئ قد اشتراه ومعنى (ويريدون أن تضلوا السبيل) أي يريدون أن تضلوا طريق الحق 109 ثم قال جل وعز (والله أعلم بأعدائكم)

(2/99)


أي فهو يكفيكموهم 110 ثم قال جل وعز (وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) قال أبو اسحاق انما دخلت الباء في (وكفى بالله) لان في الكلام معنى الامر والمعنى اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا
111 ثم قال جل وعز (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) يجوز أن يكون المعنى ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وهو الاولى بالصواب لأن الخبرين

(2/100)


والمعنيين أبي من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود وبهذا جاء التفسير ويجوز أن يكون المعنى وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ويجوز أن يكون المعنى على مذهب سيبويه من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ثم حذف وأنشد النحويون لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم

(2/101)


قالوا المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف ومعنى يحرفون يغيرون ومنه تحرفت عن فلان أي عدلت عنه فمعنى (يحرفون) يعدلون عن الحق 112 وقوله جل وعز (ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع) روي عن ابن عباس أنه قال أي يقولون اسمع لا سمعت

(2/102)


وقال الحسن أي اسمع غير مسمع منك أي غير مقبول منك ولو كان كذا لكان غير مسموع وقوله عز وجل (وراعنا) نهي المسلمون أن يقولوها وأمروا أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالاجلال والاعظام وقرأ الحسن وراعنا منونا جعله من الرعونة وقد استقصينا شرحه في سورة البقرة

(2/103)


113 ثم قال جل وعز (ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) أي يلوون ألسنتهم ويعدلون عن الحق 114 ثم قال جل وعز (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم) ومعنى انظرنا انتظرنا ومعنى سمعنا قبلنا لكان خيرا لهم أي عند الله جل وعز وأقوم أي وأصوب في الرأي والاستقامة منه 115 ثم قال جل وعز (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا) ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا ايمانا قليلا لا يستحقون
اسم الايمان

(2/104)


ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا قليلا منهم 116 وقوله عز وجل (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) روي عن أبي بن كعب أنه قال من قبل أن نضلكم اضلالا لا تهتدون بعده يذهب الى أنه تمثيل وأنه ان لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة وقال مجاهد في الضلالة وقال قتادة معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء

(2/105)


ومعنى (من قبل أن نطمس وجوها) عند أهل اللغة نذهب بالانف والشفاه والاعين والحواجب فنردها على أدبارها نجعلها أقفاء فان قيل فلم (لم) يفعل بهم هذا ففي هذا جوابان أحدهما أنه انما خوطب بهذا رؤساؤهم وهم ممن آمن روي هذا القول عن ابن عباس والقول الآخر أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في القيامة وقال محمد بن جرير ولم يكن هذا لانه قد آمن منهم
جماعة 117 ثم قال جل وعز (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت)

(2/106)


قال قتادة أو نمسخهم قردة وخنازير 118 وقوله عز وجل (ان الله لا يغفر أن يشرك به) وقد قال (ان الله يغفر الذنوب جميعا) فهذا معروف والمعنى أن يقال أنا أغفر لك كل ذنب ولا يستثنى ما يعلم أنك لا تغفر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا إن الله يغفر الذنوب

(2/107)


جمعيا فقال له رجل يا رسول الله والشرك فنزلت (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قال بعض أهل اللغة معناه الا الكبائر وقيل معناه بعد التوبة 119 وقوله عز وجل (ألم تر الى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) أصل الزكاء النماء في الصلاح

(2/108)


قال قتادة يعني اليهود لانهم زكوا أنفسهم فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وكذلك قال الضحاك
120 ثم قال جل وعز (ولا يظلمون فتيلا) قال ابن عباس الفتيل ما فتلته بأصبعيك وقال غيره الفتيل ما في بطن النواة والنقير النقرة التي فيها والتي تنبت منها النخلة والقطمير القشرة الملفوفة عليها من خارج

(2/109)


والمعنى لا يظلمون مقدار هذا 121 ثم قال جل وعز (أنظر كيف يفترون على الله الكذب) معنى يفترون يختلقون ويكذبون 122 وقوله عز وجل (ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) روي عن عمر رحمه الله أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان وكذلك روي عن الشعبي وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن

(2/110)


وروي عن ابن عباس أن الجبت والطاغوت رجلا من اليهود وهما كعب بن الاشرف وحيي بن أخطب والجبت والطاغوت عند أهل اللغة كل ما عبد من دون الله أو أطيع طاعة فيها معصية أو خضع له فهذه الاقوال متقاربة لانهم إذا أطاعوهما (في معصية الله والكفر بأنبيائه كانوا بمنزلة من عبدهما كما قال جل وعز
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) حدثني من أثق به عن بن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن مالك قال الطاغوت ما عبد من دون الله

(2/111)


ومنه (واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) فقلت لمالك ما الجبت فقال سمعت من يقول هو الشيطان ويدل على هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الحماني قال حدثنا مروان بن معاوية وابن المبارك عن عوف عن حيان بن قطن عن قبيصة بن مخارق قال سمعت النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العيافة والطيرة والطرق من الجبت 123 ثم قال جل وعز (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) قال قتادة هم اليهود وقال غيره يبين بهذا أنهم عاندوا لانهم قالوا لمن عبد

(2/112)


الاصنام ولم يقر بكتاب هؤلاء أهدى من المؤمنين الذين صدقوا بالكتب 124 وقوله جل وعز (أولئك الذين لعنهم الله) اللعنة الابعاد أي باعدهم من توفيقه ورحمته 125 وقوله جل وعز (أم لهم نصيب من الملك) قيل انهم كانوا أصحاب بساتين ومال وكانوا مع ذلك
بخلاء وقيل انهم لو ملكوا لبخلوا

(2/113)


126 وقوله جل وعز (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) قال الضحاك قالت اليهود يزعم محمد أنه قد أحل له من النساء ما شاء فأنزل الله عز وجل (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) فالمعنى بل يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحل له من النساء قال السدي وقد كانت لداود صلى الله عليه وسلم مائة امرأة ولسليمان أكثر من ذلك وقال قتادة أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب حين بعث فيهم نبي فيكون الفضل ههنا النبوة

(2/114)


وقد شرف بالنبي صلى الله عليه وسلم العرب أي فكيف لا يحسدون ابراهيم صلى الله عليه وسلم وغيره من الانبياء وقد أوتي سليمان الملك 127 ثم قال جل وعز (وآتيناهم ملكا عظيما) قال مجاهد يعني النبوة وقال همام بن الحارث أيدوا بالملائكة والجنود 128 ثم قال جل وعز (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه) قال مجاهد يعني القرآن وقيل بالنبي صلى الله عليه وسلم

(2/115)


ويجوز أن يكون المعنى (فمنهم من آمن) بهذا الخبر (ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) والسعير شدة توقد النار 129 وقوله جل وعز (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) المعنى نلقيهم فيها يقال أصليته اصلاء ما إذا ألقيته في النار القاء كأنك تريد الاحراق وصليت اللحم إذا شويته أصليه صليا وصليت بالامر أصلى إذا قاسيت شدته

(2/116)


وفي الحديث أن يهودية أهدت الى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية أي مشوية 130 ثم قال جل وعز (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) في هذا قولان أحدهما أن الالم انما يقع على النفوس والجلود وان بدلت فالالم لا يقع على الانسان والقول الآخر أن يكون الجلد الاول أعيد جديدا كما تقول صغت الخاتم

(2/117)


131 ثم قال جل وعز (ليذوقوا العذاب) أي لينالهم ألم العذاب
ثم قال تعالى (ان الله كان عزيزا حكيما) أي هو حكيم فيما عاقب به من العذاب 132 وقوله جل وعز (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار) أي ماء الانهار 133 ثم قال جل وعز (خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) أي من الادناس والحيض

(2/118)


ثم قال تعالى (وندخلهم ظلا ظليلا) أي يظل من الحر والبرد وليس كذا كل ظل 134 وقوله جل وعز (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) قيل عن ابن عباس هذا عام وروي عن شريح أنه قال لاحد خصمين أعطه حقه فان الله عز وجل يقول (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها)

(2/119)


ثم قال شريح (وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة) فانما هذا في الربا خاصة وقيل انه نزلت (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) لما أخذت مفاتح البيت من (شيبة بن عثمان)
وقال ابن زيد هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الامانة الى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية

(2/120)


ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) الا أن ابن عباس قال (وأولوا الأمر منكم) وأولوا الفقه والدين وقال مجاهد أصحاب محمد وقال أبو هريرة هم الامراء وهذا من أحسنها الا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة

(2/121)


135 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) قال جابر بن عبد الله أولو الامر أولوا الفقه والعلم وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء وقال أبو هريرة يعني به امراء السرايا وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أطاعني
فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني) وقال عكرمة أولوا الامر أبو بكر وعمر وهذه الاقوال كلها ترجع الى شئ واحد لان أمراء السرايا

(2/122)


من العلماء لانه كان لا يولى الا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء 136 ثم قال جل وعز (فان تنارعتم أن في شئ فردوه الى الله والرسول) اشتقاق المنازعة أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه 137 وفي قوله جل وعز (فردوه إلى الله والرسول) قولان أحدهما قاله مجاهد وقتادة فردوه الى كتاب الله وسنة رسوله وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه الى كتاب الله ورسوله فإذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه الى سنته

(2/123)


والقول الآخر فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) قال قتادة وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة

(2/124)


وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل الى كذا
ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم 138 وقوله جل وعز (ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت) قال الضحاك نزل هذا في رجلين اختصما أحدهما يهودي والآخر منافق فقال اليهودي بيني وبينك محمد وقال المنافق بيني وبينك كعب بن الأشرف 139 وقوله عز وجل (وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) أي يصدون عن حكمك 140 وقوله عز وجل (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم)

(2/125)


المعنى (فكيف) حالهم (إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله ان أردنا الا احسانا وتوفيقا) يروى أن عمر قتل المنافق الذي قال لليهودي امض بنا الى كعب بن الاشرف يقض بيننا فجاء أصحابه الى النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله ان أردنا بطلب الدم الا احسانا وموافقة للحق وقيل المعنى إذا نزلت بهم عقوبة لم تردعهم وحلفوا كاذبين أنهم ما أرادوا باحتكامهم على إليه الا الاحسان من بعضهم الى

(2/126)


بعض والصواب فيه
141 ثم قال جل وعز (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) وهو عالم بكل شئ والفائدة أنه قد علم أنهم منافقون فأعلموا ذلك 142 ثم قال جل وعز (فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) أي قل لهم من خالف حكم النبي صلى الله عليه وسلم وكفر به وجب عليه القتل

(2/127)


143 وقوله جل وعز (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله) من زائدة للتوكيد ويدل على معنى الجنس ومعنى (الا باذن الله) الا بأنه أذن الله وقيل يجوز أن يكون معناه الا بعلم الله 144 وقوله عز وجل (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم 9

(2/128)


أي فيما اختلفوا فيه ومنه تشاجر القوم وأصل هذا من الشجر لاختلاف أغصانه ومنه شجره بالرمح أي جعله فيه بمنزلة الغصن في الشجرة ومنه اشتجر القوم قال زهير متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل
145 وقوله جل وعز (ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت) أي شكا وضيقا وأصل الحرج الضيق 146 ثم قال جل وعز (ويسلموا تسليما) أي ويسلموا لامرك وقوله تسليما مؤكد

(2/129)


147 وقوله جل وعز (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) يروى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك فأنزل الله عز وجل (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فعرفهم أن الاعلين ينحدرون الى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا ما أنعم الله عليهم به 148 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا)

(2/130)


قال قتادة الثبات الفرق وقال الضحاك الثبات العصب والجميع المجتمعون
وقال أهل اللغة الثبات الجماعات في تفرقة والمعنى انفروا جماعة بعد جماعة أو انفروا بأجمعكم وواحد الثبات ثبة وهي مشتقة من قولهم ثبيت الرجل إذا أثنيت عليه في حياته لانك كأنك جمعت محاسنه 149 وقوله جل وعز (وان منكم لمن ليبطئن فان أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي) أي يبطئ عن القتال ويبطئ على التكثير يعنى به المنافقون (فان أصابتكم مصيبة) أي هزيمة

(2/131)


(ولئن أصابكم فضل من الله) أي غنيمة (ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) لله وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام وهو محمول على المعنى لان (من) لجماعة فهذا معترض والمعنى هو قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة) أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد ويجوز أن يكون المعنى يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم يكن بينكم وبينه مودة 150 وقوله جل وعز (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) معنى يشرون يبيعون يقال شريت الشئ إذا

(2/132)


بعته وإذا اشتريته 151 ثم قال جل وعز (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) وقرأ محمد بن اليماني فيقتل أو يغلب 152 وقوله جل وعز (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) قال الزهري المعنى في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين قال أبو جعفر قال أبو العباس يجوز أن يكون المعنى وفي المستضعفين ويجوز أن يكون المعنى وفي سبيل المستضعفين وقال الضحاك هؤلاء قوم أسلموا ولم يقدروا على الهجرة وأقاموا بمكة فعذرهم الله جل وعز

(2/133)


153 ثم قال جل وعز (الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) يعنى مكة 154 وقوله جل وعز (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) قال قتادة البروج القصور المحصنة ومعروف في اللغة أن البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين 1 أن تكون مطولة 2 والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص وكذلك قال عكرمة وقال السدي هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية
وقيل المشيدة المطولة والمشيدة مخففة المعمولة بالشيد وقيل المشيدة على التكثير يقع للجميع 155 وقوله جل وعز (وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله

(2/134)


وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) الحسنة ههنا الخصب والسيئة الجدب 156 وقوله جل وعز (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) من حسنة أي خصب وقيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم لان المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس والمعنى ما أصابك من حسنة فمن الله أي من خصب ورخاء

(2/135)


وما أصابك من سيئة أي من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون الى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك)
وقيل القول محذوف أي يقولون هذا

(2/136)


157 وقوله جل وعز (ويقولون طاعة) والمعنى ويقولون أمرنا طاعة ومنا طاعة وفي الكلام حذف والمعنى ويقولون إذا كانوا عندك طاعة ودل على هذا قوله تعالى (فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول) معنى بيت عند أهل اللغة أحكم الامر بليل وفكر فيه أي أظهر المعصية في بيته والعرب تقول أمر بيت بليل إذا أحكم وانما خص الليل بذلك لانه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

(2/137)


ومن هذا بيت الصيام وقال أبو رزين معنى بيت ألف وليس هذا بخارج عن قول أهل الغة لانه يجوز أن يكون التأليف بالليل وقيل معنى بيت بدل ولا يصح هذا
158 ثم قال جل وعز (والله يكتب ما يبيتون) يحتمل معنيين أحدهما أنه ينزله في كتابه ويخبر به

(2/138)


وفي ذلك أعظم الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم لانه يخبر بما يسرونه ويحتمل أن يكون المعنى والله يعلم ويحصي ما يبيتون 159 ثم قال جل وعز (فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) قال الضحاك يعنى به المنافقون والمعنى لا تخبر بأسمائهم 160 وقوله جل وعز (أفلا يتدبرون القرآن) معنى تدبرت الشئ فكرت في عاقبته ويقال أدبر

(2/139)


القوم إذا تولى أمرهم الى آخره وفي الحديث لا تدابروا أي لا تعادوا أي لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة 161 ثم قال جل وعز (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) أي لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف ومذهب قتادة وابن زيد أن المعنى لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لان كلام الناس يختلف
ويتناقض

(2/140)


162 وقوله عز وجل (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) قال الضحاك أفشوه وسعوا به وهم المنافقون وقال غيره هم ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شئ فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك فقال (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) أي اولوا العلم (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي يستخرجونه يقال نبطت البئر إذا اخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لانهم يخرجون ماء في الارض فالمعنى لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم

(2/141)


163 وقوله جل وعز (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) في هذه الاية ثلاثة اقوال احدها ان المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان الا قليلا والقول الاخر ان المعنى اذاعوا به الا قليلا وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس والقول الاخر قول قتاده وابن جريج وهو الذي كان
يختاره أبو اسحاق ان المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان)

(2/142)


قيل هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الاخرون من اتباع الشيطان كما قال الضحاك هم اصحاب النبي عليه السلام الا قليلا الا طائفة منهم وقيل معنى الا قليلا كلكم قال أبو جعفر وهذا غير معروف في اللغة

(2/143)


ومن أحسن هذه الاقوال قول من قال أذاعوا به الا قليلا لانه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا لانه إذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه 164 ثم قال جل وعز (فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك) وهذا متصل بقوله (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لانه قد وعده النصر 165 ثم قال جل وعز (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) والبأس الشدة

(2/144)


و (عسى) من الله واجبة لانها للترجي فإذا أمر أن يترجى شئ كان 166 وقوله جل وعز (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) قال الحسن من شفع أثيب وان لم يشفع لانه قال جل وعز (من يشفع) ولم يقل من يشفع وقال أبو موسى الاشعري رحمه الله كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء

(2/145)


146 ثم قال جل وعز (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) روي عن أبي موسى أنه قال الكفل النصيب أو قل الحظ كذا في الحديث وقال قتادة الكفل الاثم والمعروف عند أهل اللغة أن الكفل النصيب ويقال اكتفلت البعير إذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لانك انما تجعله على نصيب مثله 147 وقوله جل وعز (وكان الله على كل شئ مقيتا) في معناه قولان
روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقيتا

(2/146)


يقول حفيظا وباسناده مقيتا يقول قديرا وحكى الكسائي أنه قال أقات يقيت إذا قدر وقال الشاعر وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا والقول أن المقيت الحفيظ قال أبو اسحاق وهذا القول عندي أصح من ذاك لانه مأخوذ من القوت مقدار ما يحفظ الانسان

(2/147)


وقال الشاعر ألي الفضل أم علي إذا حو سبت اني على الحساب مقيت وفي الحديث كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقيت أي يحفظ ويروى يقوت 148 وقوله جل وعز (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) قيل هذا في السلام إذا قال سلام عليكم رد عليه
وعليك السلام ورحمة الله وإذا قال السلام عليك ورحمة الله

(2/148)


قيل وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال الشيخ أبو بكر وجدت في غير نسختي وإذا قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن الحسن أنه قال السلام سنة ورده فريضة

(2/149)


149 ثم قال جل وعز (إن الله كان على كل شئ حسيبا) قال مجاهد أي حفيظا والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين الكافي يقال أحسبه إذا كفاه ومنه (عطاء حسابا) ومنه حسبك

(2/150)


وهذا عندي غلط لانه لا يقال في هذا أحسب على الشئ فهو حسيب عليه انما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه 150 وقوله جل وعز (الله لا إله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه) قيل انما سميت القيامة لان الناس يقومون لرب العالمين
أي يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة وقيل انما ذلك لان الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز (يخرجون من الاجداث سراعا) والاجداث القبور

(2/151)


151 وقوله جل وعز (فمالكم في المنافقين فئتين) أي فرقتين مختلفتين قال زيد بن ثابت تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فقال بعضهم اقتلهم وقال بعضهم اعف عنهم فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين) قال مجاهد هم قوم أسلموا ثم أستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا الى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا)

(2/152)


وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ركسهم بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم الى حكم الكفار 152 ثم قال جل وعز (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) أي انهم قد ضلوا
(ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا)

(2/153)


أي طريقا مستقيما 153 وقوله عز وجل (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق) قال مجاهد صاروا الى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي حلف وقال غيره كان قوم يوادعون الله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا وقال أبو عبيدة معنى يصلون ينتسبون

(2/154)


وهذا خطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين 154 ثم قال جل وعز (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أي أو يصلون الى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم قال الكسائي معنى حصرت ضاقت قال مجاهد وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم قال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى على الدعاء أي أحصر الله صدورهم وقال أبو اسحق يجوز أن يكون خبرا بعد خبر فالمعنى

(2/155)


(أو جاؤوكم) ثم خبر بعد فقال (حصرت صدورهم) كما قال جل وعز (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) وقيل المعنى أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن حصرة صدورهم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) فالمعنى على هذه القراءة (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم)

(2/156)


أي قوم حصرة صدورهم أي ضيقة 155 وقوله جل وعز (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم) أي كفوا عن قتالكم (وألقوا اليكم السلم) أي الانقياد (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) في براءة 156 وقوله جل وعز (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة أركسوا فيها)
قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون الى الكفار فيرتكسون في الاوثان

(2/157)


157 ثم قال جل وعز (فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) ومعنى ثقفتموهم وجدتموهم واحد (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) أي حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة 158 وقوله جل وعز (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ) فهذا استثناء ليس من الاول قال أبو اسحق المعنى ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا

(2/158)


البتة ثم قال (الا خطأ) أي لكن ان قتله خطأ ومن قال ان الا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين احداهما أنه لا يعرف أن تكون (الا) بمعنى حرف عاطف والجهة الاخرى أن الخطأ لا يحصر لانه ليس بشئ يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن) كثير وأنشد من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت

(2/159)


الا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت وكان سبب نزول هذه الآية فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله

(2/160)


159 وقوله جل وعز (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله الا أن يصدقوا) وانما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل والمعنى الا أن يتصدقوا عليكم بالدية وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (الا أن يتصدقوا) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (الا أن تصدقوا) والمعنى الا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد ويجوز على هذه القراءة الا أن تصدقوا بحذف احدى التاءين 160 وقوله جل وعز (فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) معنى عدو كمعنى أعداء وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وان كان مؤمنا

(2/161)


وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة فمعنى هذا إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجئ يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت (وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) قال وليس له دية فمعنى هذا أن يقتل في دار الحرب خاصة وقال قوم وان قتل في دار الاسلام فحكمه حكم المسلمين 161 ثم قال جل وعز (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة)

(2/162)


قال الزهري الميثاق العهد فالمعنى ان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا قال صدورهم 162 ثم قال جل وعز (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) أي فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا (توبة من الله) أي فعل هذا ليتوبوا توبة 163 وقوله جل وعز (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا
فيها) روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني

(2/163)


ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) فسألته فقال ما نسخها شئ وروي عن زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) بعد التى في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله الها آخر) الى قوله جل وعز (الا من تاب)

(2/164)


وذهب قوم الى أن هذا على المجازاة ان جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة

(2/165)


وهذا لا يحتاج أن يقال فيه ان جازاه ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فان تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل (واني لغفار لمن تاب) فهذا لا يخرج عنه شئ 164 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) وتقرأ فتثبتوا قال أبو عبيد واحداهما قريبة من الاخرى وقال غيره قد يتثبت ولا يتبين فالاختيار فتبينوا
ومعنى ضربتم سافرتم 165 ثم قال جل وعز (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلم لست مؤمنا)

(2/166)


وقرأ ابن عباس (لمن ألقى اليكم السلام) فمن قرأ السلم فمعناه عنده الانقياد والاستسلام ومن قرأ السلام فتحتمل قراءته معنيين أحدهما أن يكون بمعنى السلم والآخر أن يكون من التسليم وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال السلام عليكم فقالوا انما تعوذ فقتلوه وأتوا بغنمه الى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا)

(2/167)


قال ابن عباس يعني الغنيمة وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن 166 وقوله جل وعز (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم) قال سعيد بن جبير أي كذلك كنتم تخفون ايمانكم فمن الله عليكم أي فمن الله عليكم بالغزو واظهار
الدين

(2/168)


واختار أبو عبيد القاسم بن سلام (ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام) وخالفه أهل النظر فقالوا السلم ههنا أشبه لانه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز (فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء) 167 وقوله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قال ابن عباس لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها

(2/169)


168 ثم قال جل وعز (غير أولي الضرر) الضرر الزمانة وتقرأ غير رفعا ونصبا قال أبو اسحق ويجوز الخفض فمن رفع فالمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر والمعنى لا يستوي القاعدون الاصحاء ومن قرأ غير نصبا فهو يحتمل معنيين أحدهما الاستثناء ويكون المعنى الا أولي الضرر فانهم

(2/170)


يستوون مع المجاهدين
والمعنى الآخر أن يكون غير في موضع الحال أي لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لانه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت (غير أولي الضرر) فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض فالمعنى عنده من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر أي من المؤمنين الاصحاء 169 وقوله جل وعز (وكلا وعد الله الحسنى) المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

(2/171)


قال أهل التفسير يعني بالحسنى الجنة 170 ثم قال جل وعز (وفضل الله المجاهدين على القاعدين) الذين ليس لهم ضرر (أجرا عظيما درجات منه) وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة 171 وقوله جل وعز (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) وقرأ عيسى وهو ابن عمر (ان الذين يتوفاهم الملائكة) هذا على تذكير الجمع

(2/172)


ومن قرأ (توفاهم) فهو يحتمل معنيين أحدهما أن يكون فعلا ماضيا ويكون على تذكير الجمع أيضا والآخر أن يكون مستقبلا ويكون على تأنيث الجماعة والمعنى تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين قال عكرمة والضحاك هؤلاء قوم أظهروا الاسلام ثم لم يهاجروا الى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم) أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين هذا سؤال توبيخ 172 ثم قال جل وعز (الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان)

(2/173)


قال مجاهد هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الاسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) وعسى ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شئ فهو واجب كذلك الظن به 173 وقوله جل وعز (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة) المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا إذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه عن وان لصق أنفه بالرغام
وهو التراب

(2/174)


وقيل انما سمي مهاجرا ومراغما لان الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره الى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مراغما) يقول متحولا من أرض الى ارض قال (وسعة) يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة الى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من انه لا يقدر على اظهار دينه

(2/175)


واللفظة تحتمل المعنيين لانه لا خصوص فيها 174 وقوله جل وعز (ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به الى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه 175 وقوله جل وعز (واذ ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)

(2/176)


قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت انما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت
مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته (ومعنى (ضربتم في الارض) سافرتم كما قال (وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله) وفي معنى قوله جل وعز (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) قولان أحدهما أنه اباحة لا حتم كما قال (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة

(2/177)


فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) وليس فيه ان خفتم فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل (واسأل القرية) يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها

(2/178)


176 ثم قال جل وعز (ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) عدو ههنا بمعنى أعداء
177 وقوله عز وجل (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون انها ستجئ صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة

(2/179)


إليه وكرهنا الاطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف 178 ثم قال جل وعز (فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم) والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم 179 ثم قال جل وعز (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم)

(2/180)


وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف الى حديث يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الانصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الامام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو
فيركع الامام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لانفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والامام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الامام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لانفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون 180 وقوله جل وعز (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) يجوز أن يكون هذا للجميع لانه وان كان الذين في

(2/181)


الصلاة لا يحاربون فانهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لان المصلي لا يحارب 181 وقوله عز وجل (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه 182 ثم قال جل وعز (فإذا اطمأننتم) قال مجاهد فإذ صرتم في الاهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون

(2/182)


المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم الى منازلكم (فأقيموا الصلاة) قال مجاهد أي فأتموها
183 ثم قال جل وعز (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه

(2/183)


184 وقوله جل وعز (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا 185 ثم قال جل وعز (ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون) قال الضحاك أي تشكون (وترجون من الله ما لا يرجون) قال الضحاك أي في جراحاتكم من يعني من الاجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون

(2/184)


186 وقوله عز وجل (انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) قال مجاهد كان رجل من الانصار يقال له (ابن أبيرق
واسمه طعمة) سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأنزل الله عز وجل (انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق) الى قوله (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم)

(2/185)


والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل إذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لانه من أقوى الطير 187 ثم قال جل وعز (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) أي يحكمونه ليلا 188 وقوله جل وعز (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) أي يوم تظهر الحقائق وانما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو اسحق المعنى ها أنتم الذين يذهب الى أن هؤلاء بمعنى الذين

(2/186)


189 ثم قال جل وعز (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) أي استغفار غير عائد لانه إذا عزم على العودة فليس بتائب
190 ثم قال جل وعز (ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه) أي عقابه يرجع عليه (ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به برئيا) قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها

(2/187)


191 ثم قال جل وعز (فقد احتمل بهتانا واثما مبينا) البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه 192 ثم قال جل وعز (ولولا فضل الله عليك ورحمته) أي بأنه أوحي اليك ما فعله ابن أبيرق (لهمت طائفة منهم أن يضلوك) أي يخطئوك في الحكم (وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شئ) أي لانك معصوم 193 ثم قال جل وعز (وأنزل الله عليك الكتاب

(2/188)


والحكمة) أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق 194 وقوله جل وعز (لا خير في كثير من نجواهم) النحوي كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا 195 ثم قال جل وعز (الا من أمر بصدقة)
يجوز أن يكون المعنى الا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الاول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا

(2/189)


196 وقوله جل وعز (ومن يشاقق الرسول) أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب الى المشركين فارتد فأنزل الله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار الى مكة نقب بيتا بمكة

(2/190)


فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله (ان الله لا يغفر أن يشرك به) الى قوله (فقد ضل ضلالا بعيدا) 197 وقوله عز وجل (ان يدعون من دونه الا اناثا) قال مجاهد يعني الاوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة انما سميت اناثا لانهم سموها اللات
والعزى ومناة وهذا عندهم اناث وقال الحسن أي ما يعبدون الا حجارة وخشبا

(2/191)


قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لان هذه الاشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه في ولا يقال يعجبونه بن وروي عن ابن عباس أنه قرأ (ان يدعون من دونه الا أثنا) وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز (وإذا الرسل أقتت) من الوقت وقرئ (ان يدعون من دونه الا أنثا) وهو جمع اناث

(2/192)


198 ثم قال جل وعز (وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله) فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول ومعنى لعنه باعده من رحمته 199 ثم قال جل وعز (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت 200 ثم قال جل وعز (ولاضلنهم ولامنينهم هذه)

(2/193)


أي ولاوهمنهم سنة أن لهم حظا في المخالفة 201 ثم قال جل وعز (ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام) يقال بتك إذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها

(2/194)


والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك عمرو آذان الانعام 202 ثم قال جل وعز (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وابراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الاسلام وأمرهم الشيطان بتغييره

(2/195)


وروي عن عكرمة قولان أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الاقوال ليست بمتناقضة لانها ترجع الى الافعال
فأما قوله (لا تبديل لخلق الله) وقال ههنا (فليغيرن خلق الله) فان التبديل هو بطلان عين الشئ فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي

(2/196)


فليغيرن ما خلق الله من دينه 203 وقوله جل وعز (أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا) المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت قبل وعدلت بمعنى واحد 204 وقوله جل وعز (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز (والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار)

(2/197)


205 وقوله جل وعز (من يعمل سوءا يجز به) روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شئ قال (أما
والذي نفسي بيده انها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فانه لا تصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه (وروى على بن أبي طلحة عن ابن عباس (من يعمل سوء يجز به) يقول من يشرك به وهو السوء الا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله

(2/198)


قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن (من يعمل سوء يجز به) قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هوانه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة

(2/199)


ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق ل (نكفر) لان معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها 206 وقوله جل وعز (ولا يظلمون نقيرا)
المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التى تكون في النواة يقال ان النخلة تنبت منها 207 وقوله جل وعز (واتخذ الله ابراهيم خليلا) الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير وان أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

(2/200)


والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز (واتخذ الله ابراهيم خليلا) أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

(2/201)


فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشئ من العلم دون غيره 208 وقوله جل وعز (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) و (ما) في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن
والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) 209 ثم قال جل وعز (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط

(2/202)


وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه (وترغبون أن تنكحوهن) قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال ولاهل اللغة في هذا تقديران أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن

(2/203)


وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت
في وإذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين 210 ثم قال جل وعز (والمستضعفين من الولدان) قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله (يوصيكم الله في أولادكم)

(2/204)


211 ثم قال جل وعز (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز (ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم) 212 وقوله جل وعز (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) النشوز من الزوج أن يسئ عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته 213 ثم قال جل وعز (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) وقرأ أكثر الكوفيين (أن يصلحا)

(2/205)


وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم
فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في (رافع بن خديج) طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الايام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته

(2/206)


ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم 214 ثم قال جل وعز (والصلح خير) والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع

(2/207)


وقيل في معنى (الله أكبر) الله أكبر من كل شئ
215 ثم قال جل وعز (وأحضرت الانفس الشح) قال عطاء يعني الشح في الايام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها يحيى وايثارهن الرحمن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس 216 وقوله جل وعز (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)

(2/208)


قال عبيدة في الحب والجماع 217 ثم قال جل وعز (فلا تميلوا كل الميل) قال عبيدة يعنى بالانفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الاساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه

(2/209)


218 ثم قال جل وعز (فتذروها كالمعلقة) قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة وكان 219 وقوله جل وعز (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة)
روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وانما يتقربون الى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة)

(2/210)


220 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) القسط والاقساط العدل يقال أقسط يقسط اقساطا إذا عدل وقسط يقسط إذا جار 221 ثم قال جل وعز (شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) المعنى ان يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وان يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن

(2/211)


تشهدوا عليه فان قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز وجل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم

(2/212)


222 ثم قال عز وجل (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) المعنى فلا تتبعوا الهوى لان تعدلوا وأدوا ما عندكم من
الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لانه إذا خالف الحق فكأنه كره العدل 223 ثم قال تعالى (وان تلووا أو تعرضوا) روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان الى القاضي فيكون ليه لاحدهما واعراضه عن الآخر وقال مجاهد (وان تلووا) أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا

(2/213)


فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه قد كنت داينت بها حسانا مخافة الافلاس والليانا

(2/214)


وقرئ (وان تلوا أو تعرضوا) وفيه قولان أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وان تلوا شيئا
أو تدعوه وقال أبو اسحاق من قرأ (وان تلوا) فالمعنى على قراءته وان تلووا ثم همز الواو الاولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار 224 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) في معنى هذا قولان أحدهما اثبتوا على الايمان كما يقال للقائم قف حتى أجئ

(2/215)


أي أثبت قائما والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله 225 وقوله جل وعز (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم (ازدادوا كفرا) ماتوا على ذلك

(2/216)


وهذا القول ليس يبعد في اللغة لانهم إذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد
وقال أبو العالية (ان الذين آمنوا ثم كفروا) اليهود والنصارى (ثم ازدادوا كفرا) بذنوب عملوها وقال قتادة (الذين آمنوا ثم كفروا) اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالانجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنت النصارى بالانجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم اياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام

(2/217)


226 وقوله جل وعز (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع 227 وقوله جل وعز (أيبتغون عندهم العزة) أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الاصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر إذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي

(2/218)


ومنه قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي قهرني لانه أعز مني
ومنه قولهم (من عز بز) أي من غلب استلب ومنه قوله (فعزته يداه وكاهله) 228 وقوله جل وعز (قالوا ألم نستحوذ عليكم) يقال استحوذ عليه إذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا اياكم ونمنعكم من المؤمنين أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم

(2/219)


229 وقوله جل وعز (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة

(2/220)


وقيل ان المعنى ان الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله 230 وقوله جل وعز (ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لانه مجازاة للاول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال الحسن إذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون
نورا فإذا انتهوا الى الصراط طفئ نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون (ربنا أتمم لنا نورنا) فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم (أنظرونا نقتبس من نوركم) الآية قال الحسن فتلك خديعة الله اياهم وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لانه قد سماه

(2/221)


خداعا لانه مجازاة لهم 231 ثم قال جل وعز (واذ قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا) قال الحسن انما قل لانه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل 232 ثم قال جل وعز (مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء) قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالايمان ولا مصرحين بالكفر

(2/222)


وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين إذا جاءت الى هذه نطحتها وإذا جاءت الى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فالمعنى ان المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون الى اعتقاد شئ على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك

(2/223)


والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع إذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن إليه وكذلك المنافق يظهر الاسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث (للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان) 233 وقوله جل وعز (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة 234 وقوله جل وعز (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار)

(2/224)


قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والادراك في اللغة المنازل والطبقات 235 وقوله جل وعز (ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم
وكان الله شاكرا عليما لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) وقرا زيد بن أسلم وابن أبي اسحاق (الا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم الا من ظلم

(2/225)


وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء الا من ظلم فانه يجهر به اعتداء وقال أبو اسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى الا من ظلم فقال سوءا فانه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الاول وعلى الجوابين الاولين يكون استثناء ليس من الاول أيضا ومن قرأ (الا من ظلم) ففيه أقوال أحدها روي عن مجاهد أنه قال (نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)

(2/226)


فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي
منه ونحو ذلك وقال قطرب الا من ظلم انما يريد المكره لانه مظلوم وذلك موضوع عنه وان كفر قال ويجوز أن يكون المعنى الا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله الا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء الا من ظلم على البدل

(2/227)


236 وقوله جل وعز (ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والانجيل وكفرت بعيسى والانجيل وآمنت النصارى بعيسى والانجيل وكفرت بمحمد والقرآن 237 ثم قال جل وعز (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما روى وتركوا دين الله الاسلام الذي لم يرسل نبي الا به 238 وقوله جل وعز (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) قال قتادة أي عيانا وقال أبو عبيدة هو من صفة القول والمعنى فقالوا

(2/228)


جهرة أرنا الله والقول عند أهل النظر قول قتادة والمعنى فقالوا أرنا الله رؤية منكشفة لان من عرف الله فقد رآه علما 239 وقوله جل وعز (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) الطور الجبل 240 ثم قال جل وعز (وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا)

(2/229)


قال قتاد كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس 241 ثم قال جل وعز (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) قال قتادة نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت ويقال عدا يعدو عدوا وعدوانا وعداء وعدوا إذا جاوز الحق ويقرأ تعدوا بمعنى تعتدوا 242 وقوله جل وعز (فيما نقضهم ميثاقهم)

(2/230)


ما زايدة للتوكيد يؤدي عن معنى قولك حقا وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها أن قتادة قال المعنى فبنقضهم ميثاقهم لعناهم فعلى قول قتادة حذف هذا لعلم السامع
وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم عطف على ذلك الى قوله فبما نقضهم ميثاقهم فزعم أنه فسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء وسائر ما بين من أمورهم التي ظلموا فيها أنفسهم

(2/231)


وهذا خطأ وغلط لان الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الانبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى عليه السلام بدهر طويل فليس الذين أخذتهم الصاعقة أخذتهم برميهم مريم بالبهتان وقول قتادة أولاها بالصواب قال أبو جعفر قال أبو اسحاق المعنى فبما نقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم فنقضوا ذلك وكتموها 243 وقوله جل وعز (وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم)

(2/232)


قال قتادة غلف أي لا تفهم ومعنى (بل طبع الله عليها) ختمها مجازاة على كفرهم وهو تمثيل يقال طبع السيف يطبع طبعا إذا غطاه الصدأ
244 وقوله جل وعز (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) قال مجاهد قتلوا رجلا توهموا أنه عيسى ورفع الله عيسى حيا وقال قتادة قال عيسى أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فقتل

(2/233)


وقال غيره يعذبون على أنهم قتلوا نبيا لان تلك نياتهم 245 ثم قال جل وعز (وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) لان مقالتهم فيه مختلفة وهم في شك منه 246 وقوله جل وعز (وما قتلوه يقينا) المعنى عند أهل اللغة وما قتلوا العلم يقينا كما يقول قتلته علما وقتلته يقينا إذا علمته علما تاما قال أبو عبيد ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط

(2/234)


247 وقوله جل وعز (وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أنه روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين
ثم قال أبو هريرة واقرؤوا ان شئتم (وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) قال أبو هريرة قبل موت عيسى يعيدها ثلاث مرات وقال قتادة قبل موته قبل موت عيسى

(2/235)


ب وقال ابن عباس قبل موته قبل موت الذي من أهل الكتاب وقال بهذا القول الحسن وعكرمة وهذا القول رواه عن ابن عباس عكرمة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معنى قبل موته قبل موت عيسى صلى الله عليه وسلم ج وقال غير هؤلاء المعنى وان من أهل الكتاب أحد الا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موته

(2/236)


وهذه الاقوال غير متناقضة لانه يتبين عند موته الحق فيؤمن حين لا ينفعه الايمان قال محمد بن جرير أولى هذه الاقوال بالصواب والصحة قول من قال تأويل ذلك الا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الازمنة التي كانت بعد عيسى وان ذلك عند نزوله ولم يجر لمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكر فيجوز صرف الهاء التي في ليؤمنن به الى أنها من ذكره وانما (ليؤمنن به) في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود
248 وقوله جل وعز (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم)

(2/237)


يبين هذا قوله عز وجل (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الى آخر الآية 249 وقوله جل وعز (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل اليكم وما أنزل من قبلك) الراسخ الثابت ومنهم يعني أهل الكتاب 250 ثم قال جل وعز (والمقيمين الصلاة) وفيه معنى المدح أي واذكرو المقيمين الصلاة 251 وقوله جل وعز (انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده)

(2/238)


هذا متصل بقوله (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم 252 وقوله جل وعز (وآتينا داود زبورا) ويقرأ زبورا بضم الزاي قال الكسائي من قرأ زبورا فهو عنده واحد مثل التوراة والانجيل وقال غيره هو فعول بمعنى مفعول كما يقال
حلوب بمعنى محلوب يقال زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ زبورا فهو عنده جمع زبر 253 وقوله جل وعز (وكلم الله موسى تكليما)

(2/239)


مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف لانك إذا قلت كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت إليه كلامك وإذا قلت كلمته تكليما لم تكن الا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء ولم الانبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه وسلم 254 وقوله جل وعز (لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه) قال القتبي ولكن لا تكون الا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لانهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز (لكن الله يشهد بما أنزل اليك) قال أبو جعفر وهذا غلط لان لكن عند النحويين إذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والايجاب وبعدها ههنا جملة وانما يقول النحويون لا تكون الا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد

(2/240)


وقوله (أنزله بعلمه) أي أنزله وفيه علمه كما تقول جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز (تنبت
بالدهن) 255 وقوله جل وعز (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) قال قتادة لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الانفة وهو من نكف ينكف إذا نحى الدمعة عن خده بيده

(2/241)


256 وقوله جل وعز (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) قال مجاهد حجة وقال سفيان يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه وسلم 257 ثم قال جل وعز (وأنزلنا اليكم نورا مبينا) قال قتادة هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل لان أصل النور هو الذي يبين الاشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا 258 وقوله جل وعز (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة

(2/242)


قال البراء بن عازب آخر آية نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) 259 وقوله جل وعز (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ
عليم) قال الكسائي المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا قال أبو عبيد فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله اجابة فاستحسنه

(2/243)


والمعنى عند أبي عبيد لئلا يوافق من الله اجابة وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون اضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى (واسأل القرية) وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي كراهة أن يوافق من الله اجابة وقول ثالث أن المعنى يبين لكم الضلالة لان معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول يعجبني أن تقوم أي قيامك انتهت سورة النساء

(2/244)